غير مصنففي الواجهةمقالات قانونية

تطوير التجارة الإلكترونية لوسائل تقليدية في الوفاء ” الوفاء بواسطة البطاقة البنكية”

 

عبد الله الكرجي : المستشار بمحكمة الاستئناف بالرباط باحث في قانون المقاولات* 

  صليحة حاجي : دكتوراة في الحقوق و أستاذة بجامعة محمد الأول بوجدة * 

ظهرت البطاقة البنكية اول مرة في الولايات المتحدة الامريكية، تأثرا ببطاقة الائتمان التي أصدرتها بعض الشركات الامريكية العاملة في مجال البترول لزبنائها لتسوية مشترياتهم من منتجات هذه الشركات و ذلك سنة 1914.

   ومنذ ذلك الحين بادرت البنوك الامريكية إلى إصدار هذه البطاقات و التوسيع من دائرة استخدامها، حيث أصبح لحاملها الحق في استخدامها لشراء كل احتياجاته دون التقيد بمنافذ التوزيع التابعة للجهة المصدرة، شاملة نطاقا جغرافيا واسعا، امتد إلى رحلاته في خارج الدولة.

    و يذكر أن أول بنك أصدر هذه البطاقة هو بنك ناسيونال فرانكلين بنيويورك، ثم انتقل ذلك إلى فرنسا عام 1954 وانجلترا عام 1967، و بالمغرب شاعت منذ سنة 1989.

    وقد عرف البعض البطاقة البنكية بأنها عقد يتعهد بمقتضاه مصدر البطاقة بفتح اعتماد بمبلغ معين لمصلحة شخص آخر هو حامل البطاقة، الذي يستطيع بواسطتها الوفاء بمشترياته لدى المحلات التجارية التي ترتبط مع مصدر البطاقة بعقد تتعهد فيه بقبولها الوفاء بمشتريات حاملي البطاقة الصادرة من الطرف الأول، على أن تتم التسوية من رصيد الحامل.

   إلا أن هذا التعريف اكتفى بتعريف بطاقة الوفاء فقط، و الحال أن البطاقة البنكية تتضمن العديد من البطاقات منها ما يقبل لدى التاجر لسداد قيمة السلع و الخدمات متى توفر رصيد للحامل، و منها ما يقبل كوسيلة أداء ولو لم يتوفر الحامل على رصيد لأن الجهة المصدرة هي التي تتعهد بالوفاء في مواجهة التاجر، على أن يقوم الحامل بموجب اتفاقه مع الجهة المصدرة بتسديد المبلغ ضمن أجل محدد يختلف باختلاف الزبناء، لأن البنك لا يصدرها إلا بعد دراسة دقيقة لموقف الزبون حتى لا يواجه مخاطر عدم السداد ومن أمثالها بطاقة الفيزا و الماستركارد و أمريكان اكسبريس.

    وتتم عملية الاداء بواسطة البطاقة البنكية إما بطريقة تقليدية تسمى النقود ـ البطاقة ( الفقرة الأولى)، و أخرى تتم عن طريق النظام الموصل الالكتروني ( الفقرة الثانية ).

        كما أن الوفاء يتم أو برقم سري للبطاقة عن طريق شبكة الانترنت، وهو ما سيأتي الحديث عنه عند دراسة الوسائل الجديدة للوفاء.

الفقرة الأولى : النقود – البطاقة

    يمكن هذا النوع من النقود حامله من تسديد أثمان البضائع أو الخدمات التي يتلقاها بعد تقديم البطاقة إلى التاجر، ليتولى هذا الأخير تفحصها ومراقبتها بما في ذلك مراقبة توقيع الحامل الموجود على ظهرها، ثم يدخلها في آلة تسمى " مطراف نقطة البيع " لاستنساخ فاتورة تحمل كل المعلومات الواردة في البطاقة، وكذا قيمة المعاملة و تفصيلها، و يوقع عليها الزبون و تسلم له نسخة منها.

   ولتحصيل قيمة هذه الفاتورة يقوم التاجر بإرسالها إلى البنك مصدر البطاقة، ليقوم بتحويل مبلغها من حساب الزبون إلى حساب التاجر، إذا كان له حسابا في نفس البنك، أو لتتم المقاصمة بين بنك الزبون و بنك التاجر إذا كان للتاجر حساب في بنك آخر.

    اما بالنسبة للمغرب فالتاجر الذي تعاقد مع البنك ملزم بقبول البطاقة البنكية كوسيلة اداء إذا تقدم بها المستهلك، اما إذا قدمها تاجر لآخر فان البنك قد لا يقبل المعاملة نظرا لقيمة العملية التجارية المرتفعة، و التي قد تكلف أكثر من السقف المحدد المسموح به لصاحب البطاقة، رغم اننا نحبذ تعميم إلزامية قبول البطاقة البنكية في الوفاء بين التجار بالمغرب لما في ذلك من تشجيع و زيادة في الرواج التجاري، خاصة و أن مدونة التجارة نصت في المادة 329 على أنه : " تعتبر وسيلة أداء وفق مقتضيات المادة الرابعة من الظهير الشريف رقم 147/93/1 بتاريخ 15 محرم 1414-06 يوليوز ـ معتبر قانون يتعلق بنشاط مؤسسة الائتمان و مراقبتها كل وسيلة تمكن من تحويل اموال كيفما كانت الطريقة أو الخطة التقنية المستعملة لذلك".

    لكن الواقع العملي وما يسوده من انعدام الثقة دفع بالمؤسسات المالية إلى استثمار الانترنت في تبادل المعطيات بين المركز الاجتماعي للمؤسسة و فروعها دون المجازفة التي تصاحب طرق الاداء الاخرى.

الفقرة الثانية : الاداء عن طريق النظام الموصل الإلكتروني 

    يتم الأداء بهذه الوسيلة وفق تقنيتين :

أولا : النظام الموصل " أون لاين" :

    تكون البطاقة – وفق هذا النظام – من النوع الممعنط، و تكون آلة المطرف نقطة البيع  T.V.P مرتبطة مباشرة بالمركز المعلوماتي للبنك.

    اما عن عملية إعطاء الإذن بالأداء فتتم بإدخال التاجر لبطاقة الزبون في آلة المطرف نقطة البيع T.P.V ، وتركيب الزبون لرقمه السري لأجل التحقق من هويته، فتقوم هذه الآلة بتسجيل مبلغ المعاملة، و بإجراء التحريات اللازمة حول وضعية حساب الزبون من خلال اتصالها بواسطة التيليماتيك بالمركز المعلوماتي للبنك، ومتى كان الرصيد كافيا فإن هذا المركز يصادق على العملية فيحول قيمتها بشكل أوتوماتيكي من حساب حامل البطاقة إلى حساب التاجر.

ثانيا : النظام غير المسترسل أو المؤجل " أوف لاين " :

     يتميز هذا النظام عن سابق بكون آلة المطرف نقطة البيع  T.V.P غير مرتبطة بلمركز المعلوماتي للبنك، و يعمل إما ببطاقة ممغنطة أو ببطاقة مزودة بذاكرة.

       وبالنسبة لعمل هذا النظام بواسطة البطاقة الممغنطة، فبعد تسليمها إلى التاجر الذي يدخلها في آلة المطرف نقطة البيع و إدخال الحامل لرقمه السري، تقوم هذه الألة بشكل أوتوماتيكي عن طريق أسطوانة ملحقة بها بالتحقق من هوية الحامل، و كذا من صلاحية البطاقة بعدما يتم تسجيل قيمة المعادلة في ذاكرة ملحقة بآلة المطرف نقطة البيع، فيرسل التاجر مضمونها بواسطة التيليماتيك إلى بنك الحامل، ليحول قيمة المعاملة من حساب المدين إلى حساب التاجر.

     وللإشارة، فإن لا يتم التحقق من وضعية الحساب البنكي للزبون في هذا النظام ، لكن يمكن للبنوك أن تلجا إلى تحديد سقف المبلغ اليومي أو الأسبوعي المسموح التصرف فيه بواسطة هذه البطاقة.

      ومن أجل إتمام عملية الشراء أو التسويق على الانترنيت هيئت مجموعة من المواقع التجارية المتخصصة قسيمات معينة تحتوي على خانات فارغة، ومجموعة أسئلة تتطلبها عملية الشراء، فيتم ملؤها من طرف المشتري كالاسم الكامل و المدينة أو الدولة متى كان الإيجاب دوليا، ونوع البطاقة البنكية التي يتوفر عليها، والرقم السري و تاريخ انتهاء صلاحية البطاقة ليقوم التاجر بعد ذلك بالتأكد من صحة البيانات المدلى بها، و ذلك بإرسالها إلى المؤسسة البنكية المعنية التي تعتبر في حد ذاتها أمرا من المشتري للبنك بالتحويل لحساب التاجر ولو لم تكن موقعة من طرف الزبون.

لكن هل يمكن التراجع عن ذلك ؟

       نشير إلى أن الوفاء بواسطة البطاقة البنكية يتم عن طريق علاقة ثلاثية الأطراف : تجمع مصدر البطاقة و حامل البطاقة و التاجر أو الدائن بصفة عامة، و بواسطة ثلاثة عقود ، الأول مبرم بين الجهة و المصدرة و الحامل ، و آخر بين الجهة المصدرة و التاجر، و ثالث بين التاجر و الحامل للبطاقة قد يكون عقد توريد خدمة  أو بيع سلعة إذ يرتب العقد المبرم بين الجهة المصدرة و التاجر التزامات على عاتق الطرفين، فتلتزم بمقضاة الجهة المصدرة بأن توفى للتاجر قيمة المشتريات التي حصل عليها الحامل، وفي حالة امتناعها يمكن للتاجر أو الدائن بصفة عامة أن يرجع عليها بصفة مباشرة دون النظر إلى المدين و مركزه بالعلاقة، ولا يمكن للمؤسسة البنكية أن تحتج على التاجر بالدفوع التي يملك المشتري أن يحتج عليه بها، كأن تكون السلعة محل البيع معينة أو ناقصة أو ما شابه ذلك، أو تدعى بأنها مجرد وسيط لا غير، لأن مسؤولية البنك تتجسد في صور مركبة يختلف أساسها من حالة إلى أخرى حسب اختلاف العلاقات الناشئة عن نظام البطاقة، أولاها علاقة البنك بزبونه وثانيها علاقة البنك بالتاجر المقبول لدى البنك، ومن تبعاتها التزام التاجر بواجب التأكد من سلامة البطاقة البنكية و هوية حاملها و مقارنة توقيعه على الفاتورة بتوقيعه المضمن بالبطاقة، ولا يتحلل من مسؤوليته عن كل إهمال أو تخل عن الاحتياط اللازم.

      وإذا التزم الزبون بالضوابط الإجرائية المتفق عليها فإن البنك يصبح في مركز المدين في مواجهة التاجر، و يكون إلتزام البنك بتسديد الفاتورة التزاما شخصيا و مباشرا و قطعيا ، و ليس مجرد دور وسيط كما يدعي البنك أحيانا.

      وقد لخص كل ما قلناه القضاء التجاري المغربي بقوله : "… وحيث عن المدعية تراجعت بعد ذلك لتقر بكون هذا الكشف المعتمد أساسا للمطالبة بالمديونية يتضمن مفردات ناتجة عن تقييد عكسي باعتبار أنها ( المؤسسة البنكية ) بعدما لم تتمكن من استيفاء قيمة تلك العمليات التي أنجزتها المدعى عليها في إطار النظام العام المتعدد البطاقات، قامت بإعادة تقييدها بعلة أن دورها مجرد دور وسيط و أن الأطراف الرئيسيين في العملية فقط هم المدعى عليها ( شركة كاديري للأدوات العامة صوكافوك) و المشتري و لكون البند الرابع من المادة الخامسة يضمن له ذلك …

     وحيث يتضح بالنظر إلى العناصر أعلاه أن دور البنك في النظام المذكورة دورا أساسيا و مسؤوليته تنتهي أخيرا لتكون التزاما قطيعا وهو ما يخرجه عن دور الوسيط…".

    كما لا يملك الحامل ان يحتج على الجهة المصدرة بالدفوع التي يملكها ضد التاجر ، وما ينتج عن ذلك من عدم أحقية الحامل في إصدار امر للجهة المصدرة بعدم السداد للتاجر.

    إلا أن هناك من يقول بإمكانية رجوع حامل البطاقة على البنك ، إذا قام هذا الاخير بتسديد المبالغ المستحقة على الزبون بعد إرسال قسيمة الشراء أو الفواتير من قبل التاجر متى كانت البضاعة قد أتلفت أو معيبة ، و يمكن للبنك إدخال التاجر في الدعوى المرفوعة ضده، إذا لم يتخذ هذا الأخير الحيطة و الحدر في التعامل بالبطاقة البنكية.

     تبدو حيثيات هذا الحكم متعارضة مع مبدأ نسبية العقود الذي يفرد عدم مسؤولية الجهة المصدرة عن أخطاء التجار، إذ العلاقة القانونية التي تربط االتاجر بالحامل مستقلة ولا تعلم بها الجهة المصدرة، لأنها تعد من الأغيار بالنسبة للعلاقة المذكورة.

    و بالرغم من ذلك إذا أنكر المستهلك عملية البيع ، فإن التاجر يتحمل عواقب ذلك ( أي عدم السداد له ) و السبب يرجع إلى كون العقد الذي يربط التاجر بالمؤسسة المصدرة للبطاقة يحمله جميع المخاطر في حالة إهماله و معارضة الزبون ليقوم البنك بالخصم من حساب التاجر لكل عملية  أنكرها المستهلك من غير تحديد أجل ، أللهم إذا أثبت عدم خطئه وهذا ما جاء في إحدى حيثيات حكم للمحكمة التجارية بكمناس : " و حيث انه و بالنظر إلى نتيجة الطلب الاصلي أعلاه وفي غياب إثبات أو خطا أو تقصير صادر عن المدخلين في الدعوى يستوجب تحميلهم نسبة معينة من المسؤولية فإنه يتوجب إخراجهم من الدعوى".

     وبذلك يكون هدف البنك من وراء الشروط العامة المدرجة في العقود التي تربطه بالتاجر وهو حماية المستهلك الزبون المسدد لثمن السلعة أو الخدمة بواسطة البطاقة البنكية ، فمشتري السلعة أو خدمة ما بواسطة البطاقة البنكية و إدلائه بقنها السري ثم إعتراضه على ذلك الوفاء من شأنه إلغاء الوفاء، أللهم إذا أثبت التاجر غشه أو إحتياله ففي هذه الحالة يعد الوفاء صحيحا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى