بحوث قانونيةقانون الشغل

ملف الاسبوع قانون الشغل : إثبات عقد الشغل

bank-creditdsfdsfsdf

مقدمــــــــــة :

يحظى موضوع الإثبات أهمية كبرى لدى تولى المشرع المغربي تنظيمه سواء على المستوى الموضوعي أو الإجرائي ،انطلاقا من تحديده في القسم السابع من قانون الإلتزامات والعقود تحت عنوان:
وسائل إثبات الالتزامات والبراءة منها “.والمتمثلة في الإقرار، والكتابة ،شهادة الشهود ،والقرائن، واليمين ،أما على مستوى الإجرائي فقد نظمت نصوص قانون المسطرة المدنية أحكام الخبرة والمعاينة والبحث وتحقيق الخطوط والزور الفرعي ،وقد تعدى الوضع الى حد أن بين المشرع من يتحمل عبء الاثبات من خلال التنصيص على القاعدة العامة في محل الإثبات في الفصل 399 من ظ ل ع ،التي تنص على :”اثبات يقع على مدعيه “.بل اكثر من ذلك لم يكثف المشرع بمجرد اقرار القاعدة اعلاه ،وانما فتح المجال امام المدعى عليه لإثبات خلاف ما ادعاه الطرف المدعي ،وذلك من خلال المادة400 من ظ ل ع التي تنص على :” اذا اثبت المدعي وجود الالتزام ،كان على من يدعي انقضاءه او عدم نفاده تجاهه ان يثبت ادعاءه”.

ونظرا لأن الأحكام العامة المنصوص عليها في القانون المدني في الاثبات تحول دون بلورة قانون الشغل بقواعد ومبادئ خاصة به لذلك فقد جاء المشرع المغربي بمدونة كرست مبدأ استقرار الشغل ،وهو ما يتبين من خلال مجموعة من المواد التي خصصتها المدونة لتوضيح كيفية اثبات عقد الشغل ،وكذلك لتوزيع عبء الاثبات بالإضافة الى تنظيم بعض الوسائل الخاصة للإثبات التي تتمتع بحجية قوية في اثبات علاقات الشغل ، الا ان الاشكال المطروح في هذا الصدد ، ما هي طبيعة وخصوصية الاثبات في نزعات الشغل الفردية في ظل مدونة الشغل؟ والى أي حد استطاع المشرع المغربي من خلال تنظيمه لمسالة الاثبات بصدد النزعات التي تعتري علاقات الشغل وكذا من خلال رصيد العمل القضائي تكريس الطابع الحمائي لقانون الشعل ،ومبدأ استقرار علاقات الشغل؟

للإجابة عن هذه التساؤلات سنعتمد منهج تحليلي استقرائي وفق المنهجية التالية:

المبحث الاول :إثبات قيام العلاقة الشغلية ومدتها

المبحث الثاني : إثبات اثار عقد الشغل

المبحث الاول: اثبات قيام العلاقة الشغلية ومدتها

عرفت المادة 723 من مدونة الشغل عقد الشغل على انه: «إجارة الخدمة او العمل عقد يلتزم بمقتضاه احد طرفيه بان يقدم للأخر خدماته الشخصية لأجل محدد او من اجل اداء عمل معين في نظير اجر يلتزم هذا الاخر بدفعه له ,واذا كان العقد ثابتا بالكتابة اعفي من رسوم الثنبر والتسجيل …يتم العقد بتراضي الطرفين”.

    من خلال هذا التعريف القانوني يتبين بجلاء ان المشرع لم يتطلب في عقد الشغل أي شروط شكلية ،وانما استلزم لأداء الشغل اجل محدد او اداء عمل معين ،مما يعني معه التساؤل عن الصور التي يمكن ان يأتي فيها شكل عقد الشغل وبالتالي اثبات العلاقة الشغلية (المطلب الاول)،خصوصا وان هذا العقد من العقود المؤقتة بالأساس على مدة زمنية سواء محددة او غير محددة (المطلب الثاني) .

المطلب الاول: اشكالية اثبات قيام العلاقة الشغلية من عدمها بين الاجير والمؤاجر

قبل التطرق لإشكالية اثبات ان هناك عقد شغل يربط بين الاجير والمؤاجر فإن الامر يقتضي منا التطرق الى مختلف الاشكال التي يمكن ان يفرغ فيها هذا العقد (الفقرة
الاولى)على اعتبار ان هذا الشكل يعتبر الاساس الذي يمكن من خلاله ابراز اهم الاشكالات التي تقوم امام سهولة او صعوبة اثبات قيام العلاقة الشغةلية بين الطرفين (الفقرة الثانية)

الفقرة الاولى : شكل عقد الشغل

    يتخذ عقد الشغل الذي ينظم العلاقة الشغلية ما بين الاجير والمؤاجر شكلين اساسين ،فهو اما عقد شغل كتابي(اولا)،او عقد شغل شفوي(ثانيا).

اولا: عقد الشغل الكتابي

ان عدم تحديد شكل عقد الشغل لا يعني حرمان طرفي العقد في صب اتفاقهما في صك مكتوب بل يمكن كتابته ، وهو ما أشار اليه الفصل
723 من ظهير الالتزامات والعقود المغربي ، واكدته المادة 15 من مدونة الشغل عندما اشارت في الفقرة الثانية الى انه “في حالة ابرام عقد الشغل كتابة ….”بل واكدت المادة 18 من نفس المدونة ما ورد في الفصل 723 من ظ ل ع بانه “اذا كان عقد الشغل ثابت بالكتابة اعفي من رسوم التسجيل “.

    ولعل كتابة عقد الشغل يعد بمثابة ضمان للأجير في اطار هذه العلاقة وذلك بالسماح لهذا الاخير من معرفة العديد من المقتضيات التي تؤطر عمله من أجر ومنصب شغل …الخ وبالتالي إثباتها على خلاف عقد الشغل الذي يكون شفويا والذي يكون طرفاه احيانا أمام عدة ترددات بشأن مدى الالتزامات المتبادلة لطرفي العقد بمعنى اخر ان عقد الشغل المكتوب من شأنه ان يسهل بشكل مؤكد اثبات علاقة التبعية وما يترتب عنها من التزامات وحقوق بين المشغل والاجير ،عن طريق الرجوع الى ما ضمنه الاطراف في العقد المكتوب الذي يفترض فيه اتفاق الطرفين على مضمونه مالم يتم اثبات العكس بدليل كتابي اخر.

    وبرجوعنا الى مبدأ عدم تحديد شكل معين لعقد الشغل (هل هو كتابي ام شفوي ) فانه يطرح التساؤل حول اعتباره القاعدة الشاملة لكل الفئات أم أن هناك فئات مهنية استثنائية يستلزم فيها التقييد بالعقد الكتابي؟

    بغض النظر عن وجوب الرضا في مختلف العقود عند ابرام العقد، فانه في بعض الحالات يكون طرفي العقد امام شكلية خاصة تفرض من طرف القانون ،وهو فعلا ما الزم به المشرع بعض الفئات المهنية باتباع شكل الكتابة ،وذلك ليجعل من هذا العقد ثابتا بشكل لا يكون معه نزاع في شانه ،حيث جاء الفصل الثالث من ظهير 21 مايو 1943 المنسوخ في فقرته الاولى ليؤكد على ان العقود المتعلقة بالمندوبين والممثلين التجاريين تحتم بصفة إجبارية وجود عقد كتابي الامر الذي تمتنه المادة 80 من مدونة الشغل التي نصت على انه:”يجب ان تكون العقود المبينة في المادة 79 اعلاه مكتوبة …”

    ونفس الامر يقع على عقود تشغيل الاجراء المغاربة بالخارج التي يجب أن يكون مؤشر عليها من قبل المصالح المختصة لدى الدولة المستقبلية ،وكذا من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل ،    وهو الحال ذاته بالنسبة لعقود تشغيل الاجراء الاجانب بالمغرب ،حيث يجب ان يحصل كل مشغل مغربي يرغب في تشغيل أجير أجنبي على رخصة من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل تسلم على شكل تأشيرة توضع على عقود الشغل .

    ونظرا لطبيعة عقود الشغل الفردية في هذه الحالات الإستثنائية السالفة الذكر والتي استوجب القانون ضرورة افراغها في قالب مكتوب ،فان مدونة الشغل اشترطت ضرورة تحرير عقد الشغل في نظيرين موقع عليهما بالإضافة الى المصادقة على امضائهما.

    وهكذا ومن خلال ما تمت محاولة معالجته يتبين ان عقد الشغل يمكن ان يتخذ له شكلا معينا بكتابته تكون إرادة الأطراف هي العنصر المحدد له مادام مبدأ الرضائية عامة هو المتحكم في إبرامه واستثناء طبيعة العمل، او جنسية الأجير، او طبيعة العقد كما هو الشأن بالنسبة لعقد العمل من الباطن.

ثانيا: عقد الشغل الشفوي:

    إن الواقع العملي أثبت أن أغلب عقود الشغل التي تبرم تتخذ شكلا شفويا لها وتنطبق عليها القواعد العامة لقانون الشغل ،او الاتفاقية الجماعية ان وجدت ،وكذلك النظام الداخلي ،والعرف سواء في تنفيذها او انهائها، ،إذ أن أغلب المؤسسات والمقاولات تعتمد عمال ومستخدمين ،لا يشترطون في الغالب على مشغلهم شروطا خاصة ،على عكس المشغل الذي يمكن له ذلك بشكل قد يتعارض مع القواعد القانونية العامة الأمرة ،على هذا الاساس وحتى ولو تم عقد الشغل بصورة صحيحة من الناحيةالقانونية فإنه قد يثور أثناء سريانه او عند انتهائه عدة صعوبات تتمثل في معرفة القواعد المناسبة والواجب احترامها من جانب الطرفين وبالتالي مدى صحة وصدق ادعائهما عند عرض النزاع على المحكمة.

    وبالوقوف على مقتضيات مدونة الشغل فيما يتعلق بعقد الشغل الشفوي فان الملاحظ منها أنها لم تنص بصريح العبارة على إمكانية إبرام عقد الشغل الشفوي ،وإنما يمكن استجلاء ذلك من خلال جعلها اصل عقد الشغل هو العقد الشفوي على أساس مبدأ الرضائية الذي يحكم انشاء العقد بصفة عامة كما سبق الذكر ،أي توفر رضا الطرفين ،حيث نجد ان المادة 15 من مدونة الشغل توقف صحة عقد الشغل على توفر اركان صحة الالتزام فقط ،كما ان عبارة في حالة ابرام عقد الشغل كتابة الواردة في نفس المادة تفيد، ضمنيا امكانية ابرامه شفويا.

الفقرة الثانية :اثبات وجود عقد الشغل بين الاجير والمؤاجر

اذا كان عقد الشغل الفردي يندرج ضمن خانة العلاقات التي تخضع لرابطة عقدية من خلال العقد المذكور(عقد الشغل )فانه قد يترتب عنها نزعات يكون احد طرفيه دون غيرهما المشغل والأجير ملزمين بإثبات ادعائهما بالصورة التي تضمن حقوقهما بالشكل الذي حدده المشرع.

اولا: وجود عقد شغل كتابي

    اذا كانت مدونة الشغل قد نصت في مادتها 18 على انه: «يمكن اثبات عقد الشغل بجميع وسائل الاثبات…”فانه لا يمكن اثبات العقد الكتابي الا بالكتابة ،وذلك تماشيا مع القاعة القائلة بانه لا يثبت ما هو كتابي الا بالكتابة ،ولا يجوز اثبات عكسه الثابت بدوره بها (أي الكتابة)الا بدليل اخر كتابي،حيث لا يمكن والحالة هذه تقديم اثبات عقد الشغل الكتابي بإحدى الوسائل المقررة في ظهير الالتزامات والعقود في فصله 404 كشهادة الشهود واليمين(باستثناء الكتابة)،كما هو الامر في حالة اذا انكر المؤاجر وجود علاقة شغلية بينه وبين الاجير بموجب شهادة الشهود في حين ان هذا الاجير له ما يثبت من الحق بحجة كتابية قيام العلاقة الشغلية وهو ما سار عليه الاجتهاد القضائي في هذا الصدد على ان حجية الكتابية وهي شهادة العمل مقدمة على شهادة الشهود في اثبات استمرار الاجيرة في العمل بعد انقطاعها.

    ووقوفا على القوة الثبوتية للكتابة في العقد المكتوب ،فان الواقع العملي من خلال الاحكام الصادرة عن القضاء الاجتماعي أجمعت جلها على إعطاء الاولوية للدليل الكتابي عن غيره من الأدلة الاخرى المقررة قانونا سواء في القواعد العامة الواردة في ظهير الالتزامات والعقود او من خلال اعتماد النبد الذي أقرته المادة 18 من مدونة الشغل المتمثل في امكانية اثبات عقد الشغل بجميع الوسائل التي تكتسي الصبغة القانونية ،وبالتالي فان الكتابة هي حجة ملزمة على القاضي مالم ينكرها الخصم او دفع بزوريتيها أو عدم صحة بعض بنوده او كافة بنودها و تكون هناك دفوعات تهدف الى بطلانه او ابطاله، حيث في هذه الحالة تصبح وسائل الاثبات المقررة في ظ. ل .ع هي المعتمدة في الاثبات.

    وتجدر الإشارة الى ان بعض التشريعات كالتشريع المصري استلزم كتابة عقد الشغل بمقتضى الفصل 43 من قانون العمل الذي جاء فيه :”يجب ان يكون عقد العمل تابتا بالكتابة ،ويحرر باللغة العربية من نسختين …”بمعنى ان كتابة عقد الشغل تستلزم تحريره في نسختين احداهما تسلم للأجير واخرى تسلم للمشغل وهو نفس ما تبناه المشرع المغربي في حالة ابرام عقد الشغل كتابة حيث استلزم بدوره نفس الشيء بتحرير ه في نظيرين موقع عليهما من طرف الاجير والمشغل ومصادق على صحة امضائهما من قبل الجهة المختصة،اما المشرع اليمني كان متنبها لذلك عندما فرض تحرير عقد العمل عند كتابته في ثلاث نظائر ،واحد للمؤاجر والثاني للأجير والاخر يسلم لجهاز المراقبة المختص حسب مقتضيات المادة 530 من م ش فجعل العقد المكتوب ذا ثلاث نظائر سيكون معه الامر جليا حيث لا داعي لاعتماد وسيلة اثبات غير العقد الكتابي حتى ولو ضاع من أيدي الأجير لأن نسخة منه العقد ستكون بين يدي جهاز مكلف بمراقبة تطبيق قانون الشغل والذي يمكن الاستعانة به والحصول على نظير ثالت لتقديمه كوسيلة اثبات.

    اذا كان عقد الشغل الكتابي لا يعرف صعوبات في إثباته ،فما هي وضعية عقود الشغل التي تبرم عن بعد وبالتالي كيف يتم إثباتها خصوصا في غياب تحديد لشكل عقد الشغل في اطار مدونة الشغل التي لم تعرف تحديدا لطبيعة عقد الشغل(هل هو كتابي ام شفوي ام عقد يمكن ان يأتي الكترونيا)بل ظلت مقتصرة على مدى صحة الشروط المتعلقة بتراضي الطرفين وبأهليتهما للتعاقد وبمحله وسببه؟.

    بالرجوع الى مدونة الشغل نجد ان المشرع المغربي لم يحدد طرق إثبات بل جعلته ممكنا بكافة الوسائل الممكنة ،والتي من بينها المحرر الالكتروني والمستخرجات الالكترونية التي نص عليها قانون05-53 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية،اذ ان المشرع المغربي من خلال قانون الالتزامات والعقود المغربي قد اعطى نفس القوة الثبوتية التي هي للكتابة للمحررات والمستخرجات الالكترونية التي يمكن ان تكون عقد الشغل الالكتروني ،وبالتالي فادا كان عدم الاقرار بحجية العقد الالكتروني في مدونة الشغل فان من الممكن الرجوع في اثباته الى القواعد العامة المنصوص عليها في ظهير الالتزامات والعقود المغربي.

ثانيا :وجود عقد شفوي

ان اعتبار الرابطة العقدية الواردة على العمل هي في الاصل رابطة دو طبيعة مدنية ،وعلى اساسها ترك المشرع المغربي اثباتها بوسائل مدنية تعود في اصلها للقانون المدني(اولا)،رغم انفصال هذا العقد عن نطاق القانون المذكور بخصوصيات جعلت النزعات المتعلقة به تتميز بوسائل اثبات خاصة لا يمكن اعتمادها الا امام القضاء الاجتماعي (ثانيا)

  1. طرق اثبات العقد الشفوي وفق القانون المدني

    ان سماح المشرع المغربي بإثبات عقد الشغل بكافة وسائل الاثبات يعطي امكانية اثبات عقد الشغل او انقضاؤه بكل الوسائل الواردة في ظهير الالتزامات والعقود المنصوص عليها في الفصل 404 منه وهي الاقرار ،شهادة الشهود ،القرائن، تم اليمين.

  • الاقرار:

يعتبر الاقرار وسيلة معتمدة عند توفر الشروط المحددة قانونا ،سواء تعلقت بالإقرار نفسه او بالمقر، فإدا اقر المشغل وجود علاقة شغل بينه وبين الطرف المدعي سواء كان هذا الاقرار صراحة او ضمنيا قضائيا او غير قضائي، فان اقراره هذا يرفع النزاع بشان وجود عقد الشغل ،ويعتبر وسيلة كافية للدلالة على وجود هذا العقد ،وهذا ما ذهبت اليه المحكمة الابتدائية بالرباط في حكمها رقم1487 في الملف الاجتماعي عدد 11\843\2003 الصادر بتاريخ 05 اكتوبر 2004 حيث ورد في احدى حيثياته:”…وحيث ان المدعى عليها وبعد اقرارها بعلاقة التبعية …فان للمحكمة ان تقرر اجراء بحث قصد تحديد اسباب انهاء العلاقة الشغلية”.

  • شهادة الشهود:

    ان من أهم وسائل الاثبات الاكثر اعتمادا في النزعات التي تنشا في المادة الاجتماعية ،شهادة الشهود كإثبات على قيام علاقة شغلية بين الاجير والمؤاجر والتي يصعب اثباتها دائما في حالة انكارها من قبل المشغل بسبب غياب العقد المكتوب، وقد داب الاجتهاد القضائي في معظم قراراته على الاعتداد بشهادة الشهود عند تعذر الاجير اثبات كافة عناصر عقد الشغل عملا بمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 448 من ظهير الالتزامات والعقود التي تنص على ما يلي“…فان شهادة الشهود جائز اذا تعدر على العامل الحصول على دليل كتابي لاثبات الالتزام”.

    واذا كانت علاقة الشغل يمكن اثباتها او نفيها بشهادة الشهود ،فان الاجتهاد القضائي لا يرى مانع من ان يكون هؤلاء الشهود من اجراء المؤسسة المعروض نزاعها على القضاء طالما لا يوجد تشريع يمنع ذلك.وهو ما اكده قرار للغرفة الاجتماعية بالمجلس الاعلى الصادر بتاريخ 25\06\10 في الملف عدد 100088\8 حيث جاء فيه ” ..لا يوجد أي نص قانوني يمنع الاستماع الى الاجراء كشهود…”.

    وبقي أن نشير ان المحكمة ملزمة بالتحقق من جدية الشهادة ومدى المام الشاهد بجميع عناصرها ،واستفساره عن جميع تفاصيل العلاقة الشغلية لتفادي التحيز وشهادة المجاملة والمحاباة لاسيما وان اعتمادها يكون له اثر الحاسم في الحكم بلا مستحقات المترتبة عن عقد الشغل ،ولذلك يبقى امر تقييم شهادة الشهود موكول لقضاة الموضوع ولا رقابة في ذلك عليهم الا من حيث التعليل(بمعنى ادا حرفوا تلك الشهادة).

  • القرائن:

    ان من بين وسائل الاثبات المقرر الاستعانة بها لاثبات عقد الشغل ،نجد القرائن التي عرفها ظهير الالتزامات والعقود المغربي في فصله449 على انها :“دلائل يستخلص منها القانون والقاضي وجود وقائع مجهولة “،كما عرفها القانون المدني الفرنسي من خلال الفصل 1349 بانها استنتاج واقعة مجهولة من واقعة معلومة،

وعليه فان الوقوف على القرائن كحجية على وجود علاقة تبعية بين طرفي النزاع عند انكارها بغرض ادراجها ضمن علاقة اخرى هي غير علاقة الشغل ،يقتضي استخلاص نتيجة لم تكن معروفة من واقعة معروفة، وهي امر متروك لسلطة التقديرية للقاضي.

    وبالتالي فالأجير بإمكانه ان يثبت العلاقة الشغلية بواسطة القرائن ،التي يمكن ان تكون موضوعية او قضائية ،واما بالقرائن القانونية ، فالقرائن الموضوعية او القضائية فهي تعتمد على الوقائع ومقارنتها لاستخراج الحقيقة منها مما يتطلب معه الامر كثيرا من الحذر والتبصر في الموضوع من القاضي عند الأخذ بنتائجها ،نظرا الطابع الاحتمالي الذي يكتنفها، ولذلك كان لابد للأجير عند الأخذ بهذه القرينة القضائية ان تكون مقرونة باليمين ،لكونها قابلة لدحضها بجميع الوسائل، اما بخصوص القرائن القانونية فان اثبات العلاقة الشغلية من خلالها سيعفي الاجير من كل اثبات ولا يقبل دحض ما تبث باي وسيلة.

  • اليمين

تعتبر اليمين من وسائل الاثبات المخولة قانونيا الاستناد عليها لإثبات ادعاء او رده ،وهو ما نص عليه الفصل 85 من قانون المسطرة المدنية وهي منقسمة الى يمين حاسمة واخرى متممة ،فالأولى أي اليمين الحاسمة وسيلة تغني عن الاثبات عند انعدام أي دليل على الحق المدعى به ،بمعنى اخر ان لأي خصم يدعي مصلحة ان يحتكم الى ذمة خصمه بتوجيه اليمين الحاسمة اليه ،على خلاف الاولى فان الثانية أي اليمين المتممة توجه من طرف القاضي الى احد الخصوم ،بغرض تتميم وتكملة الحجج والادلة المشوبة بنقصان والمقدمة في الدعوى بمعنى انها لا تكفي للوصول الى حد الاقتناع .

ولعل في نزاعات الشغل لا يزيغ امر اثبات العلاقة الشغلية بشهادة الشهود التي يعتد بها الا اذا كانت مقرونة بأداء اليمين ،وذلك في حالة غياب عقد كتابي او دليل كتابي اخر، وهو ما أكده موقف المجلس الاعلى بإقراره لقاعدة عدم جواز تبني شهادة الشهود الا بعد ادائهم اليمين القانونية ،

وعموما اذا كان عقد الشغل الكتابي لا يمكن اثباته الا بالكتابة ،فان مدونة الشغل نصت على اثبات العقد بوسائل كتابية خاصة ومستقلة عن القواعد المدنية فرضتها طبيعة علاقات العمل ،والتي يحكمها مبدأ أساسي الا وهو الحفاظ على استقرار علاقات الشغل وضمان حسن واستمرار المقاولة الشغلية وحسن ادائها.

  1. وسائل الاثبات الخاصة بالمادة الاجتماعية

على اعتبار ان عقد الشغل عقد مدني في اساسه ،فانه يخضع لقواعد خاصة ينفرد بها ،وينطبق عليه القانون الاجتماعي ،فإلى جانب وسائل الاثبات العامة التي تمت دراستها ،يزخر مجال العلاقات الاجتماعية بمجموعة من الوثائق التي الزم المشرع المؤاجر بمسكها او منحها للأجير ،محاولة منه تجاوز الصعوبات التي يثيرها الاثبات والناتجة بالخصوص عن العقد الشفوي وهي وثائق يشترط فيها عموما حتى يعتد بها كوسائل للإثبات :

  1. ان تكون صادرة عن المشغل او المؤسسة التي يعمل بها الاجير .
  2. يجب ان لا تكون محل منازعة من قبل المشغل ،سواء في مضمونها او في التوقيع الوارد عليها

ووسائل الاثبات في المادة الاجتماعية هي عديدة لا تقع تحت طائلة الحصر لكننا سنكتفي بالإشارة الى بعضها وذلك لأهميتها من الناحية العملية

  • بطاقة الشغل

ان تسليم بطاقة الشغل سواء في ظل التشريع السابق او في ظل مدونة الشغل كان يعتبر التزاما وواجبا ملقى على عاتق المؤاجر سواء بوجود اتفاق كتابي او شفوي او بمجرد ممارسة الاجير عمله ليوم واحد وقد نص الفصل 9 من ظهير 24\01\1953 المتعلق باحتساب ودفع الاجور ،وظهير 24\04\1973 المتعلق بتحديد شروط تشغيل المؤجرين واداء اجورهم على ضرورة تسليم بطاقة الشغل لاجراء،وهو ما أكدته مدونة الشغل من خلال المادة 23 منها التي تنص على انه “…يجب على المشغل ان يسلم الاجير بطاقة الشغل ….”،ونظرا لأهمية هده الحجة الكتابية في اثبات وجود العلاقة الشغلية خصوصا اذا تعلق الامر بعقد شغل شفوي، فقد رتب عن مخالفة هذا النص غرامة مالية تتراوح ما بين 300 و500 درهم.

والحقيقة ان بطاقة الشغل تقوم كدليل الاثبات علاقة العمل ،في حالة وقوع نزاع حول وجود هذه العلاقة من عدمها اذا ما ورد في العقد ما يفيد ثبوت هذه العناصر.

وعلى هذا الاساس فقد تبنى الاجتهاد القضائي المغربي بطاقة الشغل كوسيلة يمكن بها اثبات وجود عقد الشغل يربط بين الاجير والمؤاجر وبقائه مستمرا،وانه كذلك لا يمكن انكار استمرارية او وجود علاقة شغلية بين الاجير والمؤاجر بمجرد حصول تغيير او تعديل في بطاقة الشغل كتغيير في الصفة من مستخدم الى عامل مثلا بحجة عدم صلاحيتها ولا يمكن والحالة هذه الدفع بان العلاقة الشغلية قد بدأت على اساس صفة العامل بدل المستخدم لان ذلك من شانه ان يؤدي الى ضياع حقوق سابقة عن تغيير هذه الصفة الشيء الذي اكدته المادة 23 من مدونة الشغل التي اقرت بالقول على ضرورة التزام المشغل بتعديل بطاقة الشغل كلما طرا تغيير في الصفة المهنية للأجير.

ومن الممكن في هذا الاطار ان يثار نزاع ليس على اساس عدم احترام البيانات الواجب ادراجها في بطاقة الشغل الموحدة بين جميع القطاعات العمل والمحددة تشريعيا بنص تنظيمي هو مرسوم عدد 422- 4- 2 في الاسم الشخصي والعائلي للأجير وتاريخ ازدياده وتاريخ دخوله الى العمل ووظيفته ومبلغ أجرته ورقم الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والمقر الاجتماعي للمقاولة او عنزان المشغل ولا على اساس عدم القيام بتعديلها كلما طرأ تغيير على مستوى الصفة او الاجر وانما قد يثور النزاع حو ل عدم التوقيع عليها من طرف المشغل او لعدم حملها لختم المؤسسة حيث في هذا الجانب قد دهب الاجتهاد القضائي صادر عن استئنافية الناظور الى القول باستبعاد بطاقة العمل كدليل يثبت صفة الاجير لأنها غير موقعة من طرف المشغل ولاهي حاملة أخاتم المؤسسة.

غير انه ولئن كانت بطاقة الشغل غير متوقعة او غير مختومة كي يتم اثبات صفة الاجير هل هو مستخدم ام هو عامل او إطار، فانه في مقابل ذلك لا يمنع من الأخذ بها لإثبات وجود علاقة شغلية ، كما هو الوضع في اطار مدونة الشغل التي تجيز الأخذ ببطاقة الشغل كدليل لإثبات عقد شغل ما دامت لم تفرض على المشغل بصورة إجبارية كما هو الحال بالنسبة لإلتزام بالبيانات الواجب توافرها في بطاقة الشغل.

  • شهادة الشغل:

لقد نصت المادة 72 من مدونة الشغل انه على المشغل ان يسلم للأجير شهادة العمل في اجل محدد لا يتعدى 8 ايام، وتحت شروط معينة حتى يتأتى للقاضي ضبط ظروف الاجير ويتوفر على معلومات كافية للبث في نزاع قد يتعلق بمدة العمل وطبيعته وحتى المؤهلات المهنية اذا اتفق الطرفان على ذلك.

    وتسليم هذه الشهادة للأجير واجب يقع على عاتق المؤاجر كيفما كانت طبيعة عقد الشغل الموقع بينهما سواء كانت محددة المدة او غير محددة المدة وهذا ما اكده المجلس الاعلى (محكمة النقض حاليا) في القرار رقم 149 في الملف الاجتماعي عدد 59-1-2002 المؤرخ في 18-02-2003 عندما قضى بأن :”…شهادة العمل تسلم للعامل القار وغيره…”،ونفس الشأن قضت به محكمة النقض الفرنسية عندما أقرت بان شهادة العمل تكون مستحقة حتى في حالة بطلان العقد.

    ونظرا لأهمية شهادة العمل في اثبات وجود علاقة شغليه بين طرفيها فقد استلزم المشرع المغربي ضرورة التقييد ببيانات يجب تضمينها اياها وقد اقر القضاء بدقة شهادة العمل كحجة لاثبات عقد الشغل حيث ورد في قرار للمجلس الاعلى (محكمة النقض حاليا) رقم 240 في الملف الاجتماعي عدد 715\5\2002 المؤرخ في 18 مارس 2003 ما يلي قانون
“…مما يترتب عنه ان علاقة العمل ثابتة استنادا لهذه الشهادة-شهادة العمل- الواضحة الدلالة وهو ما يتفق مع مقتضيات الفصل 404 من الالتزامات والعقود …”

    وعليه ونظرا لما تحتله شهادة العمل من اهمية في الاثبات، وضمان للحقوق في حالة انكارها ،فقد رتب المشرع المغربي جزاءات مالية نصت عليها المادة 78 من مدونة الشغل متمثلة في غرامة مالية من 300 درهم الى 500 درهم عن عدم وضع شهادة الشغل المنصوص عليها في المادة 72 رهن اشارة الاجير،او عدم تضمينها بيانا من البيانات المنصوص عليها في المادة المذكورة او عدم تسليمها داخل الاجل المحدد في نفس المادة غير ان هذه الجزاءات تعتبر هزيلة وغير كافية لردع المؤاجر عند امتناعه عن تسليمها للاجير،وهو الامر الذي اثبته الواقع من خلال احدى قرارات محكمة الاستئناف بوجذة التي اقرت على ان استحقاق التعويض عن شهادة العمل لا يثبت الا بعد ثبوت امتناع الجهة المشغلة عن تسليمها له.

  • بطاقة الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي

عندما يقوم المؤاجر بالتصريح في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بأجيره فان هذا الاجراء يخول هذا الاخير حق الحصول على بطاقة التسجيل في هذا الصندوق وبالتالي فان بطاقة الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تنهض كوسيلة اثبات اخرى ذات قوة ثبوتية عند قيام نزاع بين طرفي عقد الشغل بخصوص قيام هذا العقد من عدمه ومرتكزا بذلك في اكتساب هذه القوة الثبوتية على اساس ان الاشتراك في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي هو اشتراك خاص بالأجراء التابعين بمعنى ان الاجير الحاصل على بطاقة الانخراط في الضمان الاجتماعي هو خاضع في علاقته بالمؤاجر لتبعيته مما يعني معه ضمنيا وجود علاقة شغليه بينهما مالم يثبت ان هذه العلاقة قد انتهت باي سبب من الاسباب.

    ولتحقق اعتماد هذه البطاقة كوسيلة اثبات يتوجب عدم انكارها من طرف المشغل لان حدوث دلك من شانه ان يجعل القاضي ملزما باعتماد وسائل اخرى اضافية لإثبات ،كالأمر بإجراء تحقيق في صحة تقييد اشتراك الاجير المعني في النزاع في السجل المخصص للاشتراك في الضمان الاجتماعي بالنسبة للأجراء التابعين لهذه المؤسسة .

    وفي اطار الحديث عن مدى اعتبار بطاقة الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي كوسيلة للإثبات العلاقة الشغلية ،فقد تبنى التوجه القضائي للمجلس الاعلى مند البداية اعتبارها دليلا على قيامها وذلك في قرار له حيث جاء في احدى حيثياته :”…وحيث تبث للمحكمة علاقة عمل بين الطرفين …من ورقة صندوق الضمان الاجتماعي التي اعترف بإمضائها”،ونفس الحال جاء به قرار محكمة الاستئناف بالناظور رقم 606 :”ان تاريخ بداية العمل هو شهر02-93 حسب الاشهاد الصادر عن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي،الامر الذي ينفد تاريخ 1\11\97….

  • بطاقة الاداء:

    تعتبر بطاقة الاداء او ورقة الاداء من وسائل اثبات العلاقة الشغلية التي تخول للأجير والمؤاجر امكانية التمسك بها عند وقوع نزاع خاصة اذا تعلق هذا الاخير بإثبات الاجر او اثبات عدم التوصل بعلاوة الاقدمية او انها لم تدخل ضمن الاجر، وكدلك اثبات استمرارية العمل اوعدمه ،ومعنى ذلك ان بطاقة الاداء كمحرر كتابي لا تخرج عن دائرة وجود علاقة شغلية مادامت تتوفر على كافة العناصر المقررة قانونا، وهو فعلا ما اكدته المادة 370 من مدونة الشغل حينما نصت على انه: «يجب على كل مشغل ان يسلم لإجرائه عند اداء اجورهم وثيقة تسمى “ورقة الاداء”، وان يضمنها وجوبا البيانات التي تحددها السلطة الحكومية المكلفة بالشغل “.

    وهكذا فان بطاقة الاداء لا تعزو ا ان تكون الا حجة من الحجج المعتمدة لإثبات العلاقة الشغلية

  • توصيل عن تصفية كل حساب

    تطرق التوصيل كل من الفصل 745من قلع المكرر والمعدل بظهير 6\7\1945حيث عرفه بانه: «وصل يعطيه رب العمل للعامل عند فسخ او انقضاء عقد العمل بتصفية كل حساباته “متضمنا مجموعة من البيانات محددة الزاميا في نفس الفصل.

    كما تم تنظيمه في اطار مدونة الشغل في المواد 73 الى 76 منها،اذ عرفته المادة 73 من مدونة الشغل على انه :”هو التوصيل الذي يسلمه الاجير للمشغل ،عند انهاء العقد لاي سبب كان ،وذلك قصد تصفية كل الأداءات تجاهه “،تحت طائلة تعرضه للبطلان في حالة عدم تضمينه البيانات التي حددتها المادة 74 من مدونة الشغل.

    وتوصيل الحساب وسيلة اثبات يمكن ان يتسلح بها الطرفين في اثبات نقطة معينة ثار الخلاف بشأنها، كما لو اثير نزاع بصدده اثبات العلاقة الشغلية بين الاجير والمؤاجر يدعي فيه الاول عدم توصله بكافة مستحقاته بعد تقديمه للتوصيل فيجيب الثاني بخلاف ذلك أي اداءه لكل المستحقات المتعلقة بالاجير،وبالتالي فان جواب المؤاجر بأداء كل المستحقات دليل على قيام العلاقة الشغلية بين الاجير والمؤاجر.

  • مقرر الفصل:

يقصد به الرسالة الموجهة للأجير من طرف المشغل يخبره بفصله عن العمل ،وتتجلى اهمية هذه الرسالة اضافة الى اثبات العلاقة الشغلية ،في تحديد مدى احترام المشغل للمسطرة المنصوص عليها في المادة 62 من مدونة الشغل ومدى استفادة الاجير من فرصة الدفاع عن نفسه عن طريق ارفاقه المقرر بمحضر الاستماع مع حصر الاخطاء المنسوبة للأجير في مقرر الفصل ،ولا يمكن للمحكمة ان تنظر إلا في الأخطاء الواردة بمقرر الفصل.

  • شهادة مفتش الشغل :

إن أغلب النزعات الاجتماعية المرتبطة بعقد الشغل الفردي ،لا تطرح على المحكمة الا بعد عرضها على مفتش الشغل ،ليبادر هذا الاخير الى استدعاء المشغل قصد استطلاع موقفه من تظلم الاجير والقيام بإجراءات محاولة الصلح بينهما ،خاصة اذا كان هذا الاخير مطلعا على سجلات المؤاجر بحكم انتماء هذا المفتش الى مديرية المندوبية التي قد تكون هي التي شغلت هذا الأجير عند هذا المؤاجر ،أو قد يحدث أن يسلم مفتش الشغل شهادة موقعة من طرفه يشهد فيها بقيام العلاقة الشغلية وهذه الشهادة يمكن اعتبارها ورقة رسمية على أساس ان مصدرها سلطة مختصة ،فهي حجة قاطعة على الوقائع التي تتضمنها

المطلب الثاني :اثبات مدة عقد الشغل

    اذا كان شكل عقد الشغل يدخل ضمن خانة النزعات التي يمكن ان تلحق العلاقة الشغلية التي تربط بين الاجير والمؤاجر ،فإن صفة عقد الشغل كعقد من العقود الزمنية تثير بدورها نزعات عند قيام خلاف حول اثبات طبيعته من حيث المدة (الفقرة الأولى)،وما يترتب عن ذلك من اكتساب الأجير لصفة الدوام أو صفة التأقيت (ثالثا).

الفقرة الاولى :إثبات مدة عقد الشغل

    ان تحديد المشاكل التي طرحها موضوع الإثبات بخصوص مدة الشغل ،يقتضي أولا التمييز بين عقد الشغل محدد المدة وعقد الشغل غير محدد المدة، فالأول(أي عقد الشغل محدد المدة)يكون محدد المدة باتفاق الطرفين، الأجير والمؤاجر على مدته، واذا كان إبرام العقد قد ارتبط بإنجاز شغل معين، كالعقد الذي تحدد مدته بسنة تبدأ من تاريخ معين وتنتهي عند ميعاد لاحق أو العقد الذي يتعهد فيه الاجير بالاشتغال مع مقاولة لتشييد الطرق طيلة المدة اللازمة لإنجاز طريق معين مثلا ،ويكون الثاني (غير

محدد المدة)

اذا لم يتفق الطرفان فيه تحديد مدة معينة، أو اذا لم يرتبط العقد المبرم بينهما بإنجاز شغل معين.

    وفي ظل مدونة الشغل الجديدة ،لم يعد أصل عقد الشغل محدد المدة بل تم الخروج عن هذا المبدأ الذي كان معمولا به سابقا ،ليتم تبني مبدأ أن الاصل في عقد الشغل هو غير محدد المدة ،على أساس انه لا يكيف العقد بكونه محدد المدة الا في حالات استثنائية محدودة، وهو فعلا ما اكده المشرع من خلال المادتين 16و17 من مدونة الشغل ،ولعل هذا السند الذي اصبح يعطي لعقد الشغل صفة غير محدد المدة يعطي مجموعة من الاجابات حول مختلف النزعات التي يمكن ان تثار في هدا الشأن ،عكس المبدأ المتخلي عنه الذي يقر بأن الاصل في عقد الشغل هو محدد المدة ،الذي كان مجالا للممارسات الاحتيالية للمشغلين عبر التلاعب في الصفة الزمنية لعقود الشغل ،وصعوبة اتباثها امام انعدام التوازن بين مركزي الاجير والمؤاجر ،ولعل اهم النزعات التي يمكن ان تثار في هذا الشأن تلك التي تتعلق بإنكار المشغل للطبيعة الزمنية لعقد الشغل ،بغرض التحايل والتهرب من الاثار المترتبة عن عقد الشغل غير محدد المدة وهو ما اكده قرار المجلس الاعلى حيث جاء فيه: “لكن حيث ان ما دام الطرفين استمرا في تنفيد العقد لمدة سبع سنوات متوالية ،بدون انقطاع بعد انتهاء مدة العقد الاصلي المبرم لسنة واحدة تبدأ من 1\06\71الى 3\05\72،وبما ان طبيعة العمل لم تتغير فان تشبت الطاعنة بعقدة شغل محددة المدة ما هو الى وسيلة احتيالية الهدف منها اخفاء وجود عقدة شغل غير محددة المدة للتهرب من اثارها ،ولما تخضع له من قواعد تتعلق بتبرير فسخها …“وهو فعلا ما اكدته مدونة الشغل في مادتها 16 بالقول “…غير ان العقد المبرم لمدة اقصاها سنة يصبح في حالة استمرار العمل به الى ما بعد اجله عقدا غير محدد المدة…”

    ومن جهة اخرى قد يتمسك الاجير بكون العقد غير محدد المدة لكن اصله الحقيقي كان بغرض اداءه عمل معين ومحدد هنا قد يطرح اشكال امام قضاء الموضوع حول تكييف العقد من حيث المدة ام من خلال ارتباط العقد بإنجاز عمل او مشروع معين .

    في هذا الشأن ذهب المجلس الاعلى في احدى قراراته بالقول :”وحيث بثبوت العلاقة الشغلية يبقى النظر في مدة العقد ،فهذا الاخير يتضح من شهادة الشاهدين انه كان لفترة معينة تنتهي بانتهاء المشروع وهو ما تزكيه شهادة المدير العام لمكتب التكوين المهني وانعاش الشغل المؤرخة في 2 فبراير 1984 ولم تنكره المستأنف عليها وحيث تبين اذن ان العقد الرابط بين الطرفين كان من اجل اداء عمل معين ولم يكن عقدا غير محدد المدة الشيء الذي ينتهي معه العقد بانتهاء المشروع دون اداء أي تعويض عن الاشعار والاعفاء والطرد التعسفي.”

    وعليه وتطبيقا لقاعدة البينة على من ادعى فان القانون والقضاء لا يعفي الاجير بالرغم من ضعف مركزه في العلاقة الشغلية من تحمل عبء اثبات مدة العقد ،كأن يثبت انه يعمل بصفة مستمرة ودون انقطاع لفترة تتجاوز اثنى عشر شهرا ،وعلى المؤاجر اثبات عكسها .لكن الاشكال يطرح في حالة العقد التي تكون مدته متقطعة بمعنى اخر قد يعمد بعض المؤجرين الى ابرام عقود كتابية لا تتجاوز مدتها 6 اشهر وبطريقة مسترسلة دون نية تحويلها الى عقود غير محددة المدة مثلا وذلك بغية التملص من تبعات وحقوق الاجير في هذه العقود فهل يمكن ان تدخل هذه العقود الكتابية في حكم عقود الشغل غير محددة المدة ام لا؟

    ان الجواب عن هذا التساؤل في اطار التشريعات السابقة كان يصعب تحديده وهذا ما خلف تضاربا وتدبدبا كبيرين عاشتهما اغلب القرارات الصادرة عن المجلس الاعلى(محكمة النقض حاليا) غير ان الراجح منها كان يعتبر كل عقد يبرم لمدة محددة استمر الطرفين في تنفيذه الى ما بعد اجله دون التنصيص في صلبه وبشكل صريح على امكانية تجديده، يعتبر عقدا غير محدد المدة.

وبقي ان نشير ان مدة عقد الشغل واقعة مادية يمكن اثباتها بجميع وسائل الاثبات مادام ان ما يحكم تحديد مدة العقد هواتفاق ارادة الطرفين اما بالاستناد الى الاصل المدد في القانون او العرف شريطة الا يؤدي الاعتماد على هذا الاخير الى ضياع مكاسب اهم قد يضمنها القانون.

الفقرة الثانية : إكتساب الاجير لصفة دائم او مؤقت

    اذا كان الاصل في عقد الشغل الفردي انه غير محدد المدة ،بمعنى لأنه عقد لا يكون مرتبطا بأجل او بظروف معينة ،او انجاز عمل معين ،كما هو الحال بالنسبة في العقد المحدد المدة، فان التساؤل الذي يمكن أن يطرح في هذا المقام حول معرفة واثبات الصفة التي يمكن ان يكتسبها الاجير (دائم أو مؤقت) بحسب طبيعة مدة العقد.

    وبالرجوع الى مقتضيات التشريعية الخاصة بالنظام النموذجي المتعلق بالأجراء الذين يمارسون مهنة تجارية او صناعية او حرة فانه ينص على انه :”يتألف خدمة محل المذكور من المستخدمين تابتين ومستخدمين مؤقتين ،فالأجراء الثابتون يشتغلون لمدة خدمة غير معين وقتها ،والاجراء المؤقتون يشتغلون للقيام بخدمة عوض الغير او بخدمة في فصل او خدمة مؤقتة او محددة الوقت.

    كل اجير يعمل بصفة مستمرة مند اكثر من اثنى عشر شهرا في المحل يعتبر بمقتضى الحال من جملة المستخدمين التابتين ،وهو نفس المضمون الذي نصت عليه مدونة الشغل في المادتين 16و 17 منها من خلال التعبير عن الحالات التي يمكن ان يكون فيها الاجير مؤقتا، وكذلك الحالات التي يتحول بموجبها عقد الشغل محدد المدة الى عقد الشغل غير محدد المدة ليصبح الاجير مصبوغا بصفة الديمومة.

    وعليه فان عبء اثبات الرسمية يقوم على عاتق الاجير ،خصوصا في الحالة التي يتبين من خلال شهادة العمل، او ورقة الاداء انه كان مؤقتا ،اما بمفهوم المخالفة فان القضاء كذلك اخد بالمبدأ القاضي بتحميل المشغل عبء اثبات صفة الوقتية على الاجير ،او عدم استمراريته في العمل ،وفرض على قضاة الموضوع في هذه الحالة مناقشة ما يدلي به من حجج كتابية بما في ذلك لوائح الاجر ،او الوثائق على نفس الامكانية في هذا المجال ،مما يؤدي الى الرجوع الى الاصل الذي يجعل من عقد الشغل الذي يربطهما عقدا غير محدد المدة .

    اما بخصوص العقد ذات الطبيعة الموسمية ،فقد تطرقت اليه المادة 16 من م ش،في فقرتها الثانية كحالة تدخل ضمن خانة العقود المحددة المدة ،التي يمكن عبرها تشغيل اجراء مؤقتين للقيام بعمل موسمي وهو نفس ما ضمنته بعض التشريعات المقارنة في موادها كالتشريع الجزائري و التشريع السوري..

المبحث الثاني: إثبات أثار عقد الشغل

يرتب عقد الشغل على طرفيه مجموعة من الآثار تتمثل في وقوع الالتزامات على عاتق طرفيه الأجير (المطلب الأول)، والمشغل (المطلب الثاني) يتعين عليهما احترامها حتى يتحقق بموجبها مصالح طرفي العلاقة الشغلية.

المطلب الأول: التزامات الأجير

يعتبر العمل أحد العناصر الجوهرية في قيام العلاقة الشغلية بين الأجير والمؤاجر الا انه باحترام الشروط التي يحددها القانون ،يترتب على عاتق الأجير عدة التزامات يقوم بتنفيذها تجاه مشغله، ومن أهم هذه الالتزامات، الالتزام بأداء العمل (الفقرة الأولى) والالتزام بعدم المنافسة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الالتزام بأداء العمل

إن مؤدى هذا الالتزام أن يقوم الأجير بتنفيذ العمل المتفق عليه في عقد الشغل بنفسه ،ولا ينيب عنه شخصا اخر ،في اطار يقيده موضوع العمل و مكانه ،وزمانه ،حتى يتسنى لكل طرف من اثبات ما له وما عليه في هذا الالتزام ،الذي لا يمكن أن يخرج عن مبدأ حسن النية في تبيان العمل وأدائه، أو عنصر التبعية.

وعلى هذا الأساس لا يكفي اعتبار تنفيد عقد الشغل كالالتزام قائم على عاتق الأجير دليلا على أن تقييده هو ترجمة للإرادة بصورتها الظاهرة والباطنة عند طرفي العلاقة الشغلية، بقصد تحقيق المصلحة المتوخاة منها، وذلك انطلاقا من بنود العقد وما تم التصريح به، بل ان تحصيل ذلك يستوجب توفر مبدأ جوهري يسود تنفيد العقود، والذي يعرف بمبدأ حسن النية ،هذا الأخير الذي يعتبر فكرة كامنة في أعماق النفس ويصعب تقديرها، مما يجعل أدواره مختلفة يترتب عنها اختلاف في المعنى حسب الحالات، فهو يعني القضاء المغربي عندما اعتبر أن إسناد عمل غير الذي كان يزاوله لا يمكن أن يكون إخلال بالتزامه، حيث جاء في إحدى قراراته بالقول “إن المحكمة لما ثبت لديها من خلال جلسة البحث أن المدعي، كان يشغل لدى الطاعنة لمدة عشر سنوات كلحام، ولم يسبق له أن اشتغل كصباغ، وأنه عندما التحق بالشركة كان على أساس عمله وهو “لحام”، وأن شهادة العمل وبطاقة العمل تحمل صفته في العمل “سودور” لحام، والمحكمة اعتبرت أن نقله من هذه الصفة إلى صفة الإشراف على الآلات الصناعية يعتبر نقلا تعسفيا ولا يدخل في اختصاصاته ما لم تثبت المشغلة أنه سبق أن عمل بالصفة الجديدة…”

الفقرة الثانية: الالتزام بعدم المنافسة

إن الالتزام بعدم المنافسة قد يجد مصدره إما في القانوني أو العقد، أي اتفاقات الأطراف، فيسمى الأول بالالتزام القانوني بعدم المنافسة تمييزا له عن الثاني كإلتزام اتفاقي بعدم المنافسة. هذا الأخير الذي يقصد به الاتفاق الذي بمقتضاه يلتزم الأجير بعدم منافسة مشغله، سواء بإنشاء مشروع منافس، أو بالعمل عند رب العمل منافس بعد انتهاء عقد الشغل، وعلى هذا الأساس فإن الأجير أثناء سريان عقد الشغل، يلتزم بعدم منافسة مشغله تطبيقا ومسايرة لمبدأ حسن النية في تنفيذ العقود، والإخلاص في ذلك ويترتب عن مخالفته اعتباره بمثابة خطأ جسيم يستوجب الطرد.

ومما لاشك فيه أنه بإدراج هذا الشرط كبند في عقد الشغل ، يبتغي من ورائه المشغل حماية نفسه من المنافسة التي من الممكن أن تقوم ضذه من قبل الأجير أثناء قيام العلاقة الشغلية أوبعد انتهائها. وتعد مشكلة الإثبات من أهم الإشكالات التي تثار بصدد تطبيق شرط عدم المنافسة، ذلك أن الالتزام بعدم المنافسة، شأنه شأن أي التزام، لن يكون الادعاء بوجوده أمام القضاء إلا بتقديم الدليل عليه.

وتبعا لذلك فان تبني قاعدة البينة على المدعي في شرط عدم المنافسة، تستوجب إثباته بوسائل يمكن اعتمادها لذلك (أولا) حسب ما تقتضيه مصلحة المدعي، على أن توزيع عبء الإثبات (ثانيا) ليس مجرد مسألة شكلية تتعلق بإقامة الدليل أمام محكمة الموضوع على حق أو نفي الالتزام.

أولا: وسائل إثبات شرط عدم المنافسة

إذا كان شرط عدم المنافسة يبشكل قيدا استثنائيا على حرية الأجير فإن إثباته مقرون بالتنصيص عليه صراحة في العقد، أو الاتفاق عليه كتابة من قبل المشغل، وذلك دون الاحتجاج بمسألة أن شرط عدم المنافسة يعد أحد البنود التي تتم إدراجها في عقد الشغل، بشكل تلقائي سواء كان شفويا أو كتابيا، ما دام إثبات هذا الأخير يتم بكافة وسائل الإثبات كما هو واضح في المادة 18 من مدونة الشغل.

ولعل ما يؤكد إثبات شرط عدم المنافسة بكافة وسائل الإثبات، هو الاستناد إلى القاعدة العامة التي مفادها قبول جميع الوسائل في إثبات الالتزامات وعدم تقييد الدليل إلا إذا كان القانون ينص على شكل خاص ،كما تنص على ذلك الفقرة الأولى من المادة 401 من ظ ل ع.

وتأكيد على مسألة أن إثبات شرط عدم المنافسة كي يكون منتجا لأثاره سواء على الأجير أو المشغل ونافدا عليهما، فإن بعض الفقه كان له اعتبارات أستند عليها للقول بضرورة أن يكون هذا الشرط متفق عليه كتابة كما سبقت الإشارة من قبل، وتظهر أهم هذه الاعتبارات في:

إن الاتفاق على عدم المنافسة يعد من الاتفاقات غير محدد القيمة مما يعني معه حرمان الأجير من فرص الشغل في مدة زمنية محددة، على أساس أن توفيت فرص الشغل على الأجير تعد فرصا غير محددة القيمة ،وما دامت الاتفاقات غير المحددة القيمة لا يمكن إثباتها إلا بالكتابة كما هو مقرر في المادة 443 من ق ل ع والمعدل بمقتضى قانون رقم 53.05 والتي تنص على إلزامية تقديم الكتابة لإثبات كل الاتفاقات التي تزيد قيمتها على عشرة ألاف درهم، فإنه يتعين تبعا لذلك ضرورة كتابة شرط عدم المنافسة حتى يمكن الإدعاء بوجوده.

إذا كان الاتفاق على شرط المنافسة يشكل قيدا استثنائيا على حرية الأجير كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فإنه لا يجوز أن يستنتج قيام هذا المنع من الظروف ، بل يجب أن يكون منصوص عليه صراحة وواضح الدلالة في التعبير عن قصد المتعاقدين.

وعليه فإن المشغل وحتى يثبت إدعائه بوجود شرط عدم لابد أن يكون ذلك بالكتابة، غير أن ما يمكن ان يطرح بصدده هو ما إذا كان يتعين كذلك على الأجير بدوره إثبات شرط عدم المنافسة بالكتابة في حالة ما إذا كانت مصلحة في إثباته لوجود تعويض مالي .

في هذا الإطار تذهب صراحة بعض التشريعات المقارنة إلى النص في حالة عدم وجود عقد مكتوب إلى إمكانية الأجير وحده دن غيره (المشغل) من إثبات حقوقه بكافة طرق الإثبات على خلاف المشرع المغربي الذي لم ينص على مثل هذه الأحكام، غير أن عدم التنصيص على ذلك لا يمكن تفسيره تقصير أو عدم اهتمام بحماية الطرف الضعيف في العلاقة الشغلية الذي هو الأجير، وإنما يمكن لهذا الأخير إقامة الدليل على إدعائه بكافة الطرق وذلك من خلال عدم تكليفه وتقييد عبء إثبات ادعائه بالكتابة في حالة عدم توفرها، وهو بالفعل ما سايره الاجتهاد القضائي المغربي الذي حاول تكييف القواعد العامة في الإثبات مع واقع علاقات الشغل و طبيعتها، إذ ذهب المجلس الأعلى في هذا الصدد الى أنه يمكن للأجير وحده إثبات عقد الشغل بجميع وسائل الإثبات.

ثانيا: توزيع عبء إثبات شرط عدم المنافسة

لقد تدخل القانون لوضع أحكام تنظم توزيع عبء الإثبات بين الخصوم، وذلك بمقتضى المادتين 399 و400 من ظ ل ع، حيث تنص الأولى على أنه: “إثبات الالتزام على مدعية، أما الثانية فتنص على أنه: “إذا اثبت المدعي وجود الالتزام كان على من يدعي انقضاء أو عدم نفاده تجاهه أن يثبت ادعاءه”.

وبناء على هاتين المادتين يتبين أن من يدعي حقا أن يثبته وهو الأصل، ذلك أن أي شخص في المقابل يبقى يرى الذمة من اي التزام حتى يثبت وجوده، ومن يدعي خلاف هذا المبدأ، يكون مكلفا بإثبات ادعاءه، وعلى هذا الأساس فإن إخضاع عبء إثبات شرط عدم المنافسة للمبدأ المذكور لا يطرح أي إشكال بالنسبة للمشغل ما دام هو الذي يدعي وجود هذا الشرط في الغالب في العقد كأحد بنوده، وبالتالي يجب إثبات ادعاءهغير أن الإشكال الذي يطرح هنا هو في حالة ما إذا ثم التنصيص على هذا الشرط بشكل غامض.

في هذا الصدد ذهب بعض الفقه الى ان تفسير عبارة شرط عجدم المنافسة في هذه الحالة يصب في مصلحة الاجير ،ولكن مع الاخد بعين الاعتبار روح الاتفاق ،ومن انصرفت اليه النية المشتركة للطرفين دون ان يدعي الاجير ببطلان شرط عدم المنافسة ،لان ذلك من شانه ان يخضعه لاحكام المتعلقة بتوزيع عبء الاثبات التي تقضي بانه انه على من يدعي بطلان التزام ما ان يثبت ادعاءه ،حتى ولو كان هذا الادعاء ببطلان هذا الشرط ،بحجة انه ليس ضروريا لحماية المصالح المشروعة للمقاولة،لان التمسك بذلك من شأنه أن يحمل الاجير عبء اثبات تخلف المصلحة الجدية للمشغل وراء هذا الشرط

المطلب الثاني: التزمات المشغل

تتعدد صور الإثبات في مجال حقوق المشغل حيث يقع على عاتقه إثبات الوفاء بالأجر وتوابعه (الفقرة الأولى) كما تقع عليه إثبات استحقاق التعويض عن الساعات الإضافية وأيام الراحة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: إثبات الوفاء بالأجر وتوابعه

سنتطرق في هذه الفقرة إلى إثبات الوفاء بالأجر (أولا)، وكذالك استحقاق توابع الأجر (ثانيا).

أولا: إثبات الوفاء بالأجر

لم يترك المشرع المغربي إثبات الوفاء بالأجر الى مجرد ما تقضي به القواعد العامة في القانون المدني، والتي تجعل عبء الإثبات على عاتق الدائن، إلا أن عبء أداء الأجر يقع على عاتق المشغل إذا كان الأجير في إطار تعاقده مع المشغل، ملزما بأداء عمله لفائدة هذا الأخير، فإنه بالمقابل يبقى المشغل مطوقا بالتزام أداء أجر الأجير مقابل أداء العمل على اعتبار أن الأجر هو ما يتقاضاه الأجير مقابل عمله، ويكون هذا الأجر باتفاق الطرفين مع مراعاة بعض الأحكام القانونية العامة الواردة بمدونة الشغل من المواد 345 إلى 394.

ونظرا للطابع الجماعي لقانون الشغل فقد خصه المشرع الاجتماعي بقواعد خاصة مفادها أن عبء إثبات الوفاء بالأجر يقع على عاتق المشغل وذلك ما ذهب إليه القضاء الاجتماعي في العديد من الأحكام والقرارات الصادرة عنه، ومنها قرار محكمة النقض الذي جاء فيه أن المشغل هو المكلف بمسك دفتر الأجور وتهيئ بطاقة الأداء لمستخدمه ومن تم فهو الذي يتوفر على دفاتر الأداء، وهو الذي عليه الإدلاء بلائحة الأجور السنوية لإثبات أن الأجر الذي يتقاضاه الأجير هو خلاف ما صرح به هذا الأخير…”

فما هي وسائل إثبات مبلغ الأجر وأدائه من جهة، و الحد الأدنى للأجور من جهة أخرى؟

  1. إثبات مبلغ الأجر وأدائه

    يمكن للمشغل الاعتماد على بعض الوسائل لإثبات أداء الأجر، ومن بين هذه الوسائل بطاقة الأداء، والتي تتضمن عدة بيانات أهمها:

    اسم المشغل، اسم الشركة، مهنته، رقم انخراطه في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ومبلغ الأجر الإجمالي، وأيضا نوعية ومبلغ مختلف القطاعات.

    وقد أشارت المادة 370 من م.ش في فقرتها الأولى إلى أن هذه البيانات تحددها السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، وأن عدم توفر الأجير على هذه البطاقة يعني أنه لم يتوصل بالأجر، أما إذا كان يتوفر عليها فهذا يفيد براءة ذمة المشغل. ويمكن للمشغل أن يثبت أداء الأجر بواسطة دفتر الأداء، الذي يلزم كل مشغل يمكنه طبقا لأحكام المادة 371.

    ويتعين ان يتضمن دفتر الأداء جميع البيانات النموذجية والتي تماثل بطاقة الأداء.

    كما يمكن للمشغل الاعتماد على وسيلة أخرى في إثبات أداء الأجر، وذلك بواسطة تصفية الحساب الذي يقترحه على الأجير تفاديا لكل مطالبة لاحقا.

    كما يمكن للمشغل الاعتماد على وسائل المحاسبة الحديثة لإثبات أداء الأجر التي تعتبر من مستجدات مدونة الشغل، وذلك طبقا لمقتضيات المادة 372.

    ويمكن لأعوان التفتيش أن يطلبوا في أي وقت الاطلاع على جميع هذه المستندات، والتي يجب أن توضع رهن إشارتهم باعتبارها وسائل مراقبة علاوة على كونها وسيلة إثبات.

    2-إثبات لحد الأدنى للأجر

    تنص المادة 258 من المدونة على أنه “يقصد بالحد الأدنى القانوني الأجر القيمة الدنيا المستحقة للأجير والذي يضمن للأجراء ذوي الدخل الضعيف القدرة الشرائية مناسبة لمسايرة تطور مستوى الأسعار والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتطوير المقاولة…”.

    غير أنه إذا كان القضاء يستجيب لطلب استحقاق الأجر في مستوى الحد الأدنى القانوني للأجر فإنه أحيانا يقضي بذلك ابتداء من تاريخ تقديم الطلب وليس من تاريخ الاستحقاق.

    وقد سار القضاء المغربي في نفس التوجه من خلال قرار المجلس الأعلى صادر عن محكمة النقض رقم 135 وذلك عندما نصت على “…مغادرة الطالبة لعملها لم تكن تلقائية وإنما بسبب عدم الاستجابة لطلبها الواعي إلى رفع أجرها إلى الحد الأدنى للأجرة المقررة قانونا مما تكون معه مغادرتها للعمل مبررة ومشروعه، إذا كان الأجر المتفق عليه، أو المحدد قانونا يعتبر من أهم أركان عقد العمل، وأن التخفيض منه وكما هو الحال في النازلة يؤدي إلى خرق بنود العقد ويجعل هذا الإجراء يتسم بطابع التعسف، مما جعل القرار فاسد التعليلي فيما انتهى إليه ويعرفه للنقض…”
    .

    ثانيا: استحقاق توابع الأجر

  2. إثبات استحقاق علاوة الأقدمية

    عندما يتقدم الأجر بطلب تمكينه من علاوة الأقدمية الى القضاء يتعين على المشغل إثبات أن الأجير يتمتع بهذه المنحة بحسب النسبة المستحقة بناء على المدة التي قضاها الأجير في العمل.

    وتعتبر ورقة الأداء وسيلة لإثبات أداء هذه العلاوة أو عدم أدائها للعامل، ذلك أن ورقة الأداء تتضمن خانة خاصة بعلاوة الأقدمية، فإذا كان الأجير يتوصل بهذه الأخيرة، فإنه تتم الإشارة إلى العلاوة المناسبة لمدة الأقدمية في العمل، وفي هذه الحالة، فإنه لا يمكن للعامل أن يطالب بهذه المنحة، أما إذا كانت ورقة الأداء لا تشير الى هذه الأقدمية، فإن الأجير يستحقها بمقتضى طلبه،

    غيرأنه هناك عائقا، قد يقوم أمام الأجير عند مطالبته بعلاوة والأقدمية من مدة تفوق السنة إذ أنه بمجرد ما يرفع المشغل يتقادم هذه المنحة طبقا للفصل 388 من ظ ل ع المغربي يسقط حق الأجير في التمتع بهذا الحق ولو اثبت أنه بقي محروما من علاوة الأقدمية لمدة طويلة وهذا ما أكده المجلس الأعلى في قراره عدد 354 عند ما جاء فيه “لكن حيث إن الدفع بالتقادم هو دفع موضوعي يمكن إثارته في سائر أطوار المسطرة والقرار عند صواب رد طلب الأقدمية لتقادمه يمضي سنة وفقا لأحكام الفصل 388 من ق ل ع م لأنه من توابع الأجر”

    2: المطالبة باستحقاق الحلوان

    هناك نوع من العمال يتقاضون أجره أو جزء من هذا الأجر على شكل حلوان يؤدي من طرف الغير من أجل خدمة معينة بصفة طواعية وحرة.

    ونصت مدونة الشغل في موادها من 376 إلى 384 على توزيع الحلوان ومراقبته وإذا كان الحلوان يعتبر أجرا أو جزءا من هذا الأجر حسب ما أشير إليه سابقا، فإنه يبقى القول قول الأجير في تحديد مبلغ هذا الحلوان عند التنازع حوله بين الأجير والمشغل إذ يجري على الحلوان ما يجري على الأجر في الإثبات ويبقى بذلك المشغل مكلفا بإثبات مقدار الحلوان وأدائه للأجير، ويبقى كذلك مكلفا بتكملة النقص من مبلغ الحلوان المقبوض والحد الأدنى القانوني للأجر وذلك لفائدة الأجير.

    الفقرة الثانية: اثبات استحقاق التعويض عن الساعات الاضافية وعن العمل ايام العطل الاسبوعية

            والمناسبات والعطلة السنوية

    سنتناول في هذه الفقرة اثبات استحقاق التعويض عن الساعات الاضافية وذلك في (اولا)،على ان نتناول اثبات استحقاق التعويض عن الاشتغال في ايم الراحة وما قد ينشأ عنه بدوره من خلاف في (ثانيا).

    اولا :اثبات استحقاق التعويض عن الساعات الاضافية

        تعتبر الساعات الاضافية هي الساعات التي يقضيها الاجير في الشغل زيادة عن مدة الشغل العادية ،ومعنى ذلك ان الساعات الاضافية هي عادة الساعات التي الزائدة عن مدة الشغل الاسبوعي او تتجاوز مدة الشغل المقررة عادة لشغل الاجير، اضافة الى حالات خاصة يقتضي معها الوضع زيادة في العمل،اما لان المقاولة مضطرة الى ان توجه اشغال تفتضيها مصلحة وطنية او زيادة استثنائية في حجم الشغل حسبما نصت فليه المادة 196 من مدونة الشغل او بسبب ان الاجير تدفعه حاجته المادية الى العمل ساعات اضافية لسد الحاجة.

    وعلى هذا الاساس فان الاجير يكون مستحق التعويض عن العمال خارج الساعات العادية،غير ان الاداءات بالنسبة للساعات الاضافية قد لا يخلو من نزعات بسبب الاثبات لان في هذه الحالة ينبغي الرجوع الى القاعدة العامة للإثبات لكل ما له علاقة بالإجراءات التي لا تدخل في اطار السياق العادي لتنفيذ عقود الشغل بصقة عامة ،فادا كان المبدأ هو الاشتغال لساعات الشغل العادية فان الاستثناء هو اشتغال لساعات اضافية ،ولهذا فان ادعاء الاجير اشتغاله لساعات اضافية يقتضي منه اثبات ادعائه،لأننا نكون المام قاعدة من ادعى شيئا عليه اثباته، وهوما اكده المجلس الاعلى

    (محكمة النقض حاليا)في قرار له بقوله: «فالأصل هو اشتغال الاجير للساعات العادية ومن ادعى عكس ذلك فعليه اثبات ما زاد عن الساعات العادية والمحكمة لما لرفضت التعويض عن الساعات الاضافية كان قرارها مرتكز علة اساس لعدم اثبات ذلك من طرف الاجير“،

    لكن عند تصريح المشغل بكونه لا ينازع اشتغال الاجير لتلك الساعات الاضافية وان تقاضى تعويضا عنها ففي هذه الحالة ينقلب عبء الاثبات عليه ليكون ملزما بقوة القانون بالإدلاء ما يثبت قيامه بذلك، اما بورقة الاداء والتي من المفروض ان تشير الى عدد الساعات الاضافية التي قضاها الاجير خارج مدة العمل القانونية ،او بالإدلاء بدفتر الاداء الذي يتوفر على خانة خاصة بالساعات الاضافية ،بالإضافة الى ذلك يمكن لطرفي عقد الشغل ان يتفقا كتابة على تحديد ساعات العمل الاضافية وعلى الاجر المناسب والمقابل لها ومن تم يمكن للأجير او المشغل اثبات استحقاق التعويض المقابل لهذه الساعات ،وعليه يبقى بدلك الإثبات قائما بوسيلة او حجة كتابية.

        غير هناك بعض الحالات التي يلجأ اليها المشغلين بدافع الزيادة في الانتاج،الى تشغيل اجرائهم لساعات اضافية ،والتي في الغالب تكون خارج اطار القانون ،تثار بشأنها صعوبة في اثباتها امام الاجير، خاصة عند وقوع نزاع بينه وبين المشغل حولها ،وحول الوقت التي تم فيه العمل هل تم نهارا ام ليلا،او في ايام العطل الاسبوعية مثلا ،لان اهمية تحديد التوقيت تنعكس بدورها على تحديد نسبة التعويض الذي يتراوح بين 25%و50%و100%كأجر اضافي على الاجرة العادية وهو فعلا ما نصت عليه المادة 201 من م ش.

        وعموما فالتعويض عن الساعات الاضافية ،يؤدى للأجير دفعة واحدة مع الاجر المستحق اذا يتم احتسابها على اساس الاجر وتوابعه ،باستثناء التعويضات العائلية والحلوان الا فيما يتعلق بالأجراء الذين يتكون اجرهم منه فقط ،وهي نسبة تتوزع طيلة اليوم الواحد.

        ثانيا: إثبات استحقاق التعويض عن الراحة الاسبوعية والراحة في ايام الاعياد المؤدى عنها         وفي ايام العطل

        ان تمتع الاجراء بالعديد من الاجازات والعطل من المكتسبات المخولة لهم قانونيا ،والتي تفرض على المشغل ضرورة احترامها والالتزام بحدودها ،وذلك حتى يتمكن الاجير من الاستفادة منها ،بالشمل الذي يوائم الاعتبارات الانسانية والاجتماعية التي تنص عليها مختلف التشريعات ،ذلك ان الاجير يكون طيلة الاسبوع يبذل جهدا قد يرهقه جسديا ،مما يتعين معه استراحة اسبوعية تجعله يجدد نشاطه حتى يتسنى له العطاء اكثر في الاسبوع الموالي.

        وتتمثل فترات الراحة هذه والتي يتمتع بها الاجير وفق ما حدده المشرع المغربي بموجب المادة 205 من مدونة الشغل ،في الراحة الاسبوعية حيث نصت على انه :”يجب تمتيع الاجراء براحة اسبوعية الزامية تستغرق مدة ادناها اربع وعشرون ساعة تحسب من منتصف الليل الى منتصف الليل” وكذلك في ايام الاعياد الدينية والوطنية المؤدى عنها وفي ايام العطل التي نصت عليها كذلك المادة 217 من مدونة الشغل حيث جاء فيها :”يمنع على المشعلين تشغيل الاجراء ايام الاعياد المؤدى عنها والمحددة لائحتها بتنظيمي وايام العطل”.

        الا انه ورغم ذلك قد يحصل ان يشتغل الاجير في بعض الايام التي تكزن يوم راحة اسبوعية او يوما من ايام الاعياد الدينية او الوطنية ،وحجة هذا الاستثناء هو طبيعة نشاط المؤسسة او المواد المستعملة ،مما يستوجب معه الوضع تعويض الاجير عن الاشتغال في فترات الراحة الممنوحة له قانونا بناء على المواد 215و 222و224 من م ش، غير ان هذا لا يعني معه خلو هذا التعويض من نزعات قد تثار بشأنها بين الاجير ومشغله عندما يطالب هذا الاجير بالتعويض.

    خاتمــــــــة :

        ان المشرع المغربي قد تجاوز القصور والغموض والتشتت الذي كان يطبع نصوص قانون الشغل التي لم تعد تواكب التطو%

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى