بحوث قانونية

المسؤولية المدنية للبنوك


المطلب الاول : مسؤولية البنوك بصدد فتح الحساب
لعل من اهم المشاكل التي كانت مطروحة على صعيد الخدمات البنكية قبل صدور قبل صدور ظهير 6 يوليوز 1993 و بعده الظهير الشريف 2006 المتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان و مراقبتها نجد مسالة مدى احقية البنك في رفض فتح الحساب للزبون حيث طرح التساؤل حول ما اذا كان البنك يملك كامل الحرية في رفض فتح حسابات بنكية لفائدة الزبائن ؟ ام ان حريتة في هذا الشان هي حرية مقيدة الامر الذي قد تترتب عنه مسؤوليته في مواجهة الزبون طالب الحساب ؟ و هل يمكن ايضا بالمقابل الحديث عن مسؤولية البنك ازاء الغير اذا ترتب عن فتح حساب للزبون اضرار لهذا الاخير
الفقرة الاولى : مسؤولية البنك بخصوص فتح الحساب ازاء الزبون
اولا : مبدأ الحق في الحساب
من المبادئ المقررة في النظام القانوني المغربي نجد سيادة مبدأ حرية التجارة و الصناعة ، حيث ان التاجر يظل محتفظا بكامل الحرية في اجراء المعاملات التجارية التي يرغب فيها او الامتناع ايضا عن ذلك ، كما انه يظل حرا في اختيار زبائنه . غير ان هذا المبدأ اذا كان يسري على مختلف أنواع الأنشطة التجارية ، فان تطبيقه على النشاط البنكي قد يكون غير مبرربسبب الطابع الاحتكاري الذي تتسم به اهم العمليات التي تقوم بها البنوك ، هذا اضافة الى المستلزمات التي تقضي بها بعض النصوص و التي تستوجب على بعض الفئات من الأشخاص ضرورة التوفر على حسابات بنكية ، مما يترتب عنه وجوبا فتح الخدمات البنكية في وجههم ، دون ان يكون من حق البنك ممارسة اسلوب انتقائي لطالبي الخدمات البنكية . فما هي المسوغات القانونية لتقرير مبدأ الحق في الحساب و الاستثناءات التي يمكن ان ترد بصدده ؟
أ – في مدى حرية البنك رفض فتح الحساب
هل يمكن لمؤسسة الائتمان تطبيق مبدأ الاختيار و اتباع مسطرة الانتقاء لزبائنها ؟ او بعبارة اخرى هل يحق للبنك رفض فتح حساب ؟ فبالنسبة للفقه التقليدي الذي لم يعد له صدى في أدبيات القانون البنكي كان يعترف للبنك بحق مطلق في رفض الحساب بناء على كون العلاقة التي يجب ان تسود ما بين مؤسسة الائتمان و البنك يحب ان تكون مبنية على الثقة و الاعتبارالشخصي ، و لذلك ساد الاعتقاد و لمدة طويلة على ان البنك هو مرفق عمومي ، الامر الذي يعني عدم قدرة البنك على رفض تقديم خدمة فتح الحساب . ثم بعد ذلك انتقل النقاش ليطرح في اطار قانون المنافسة حيث تم التساؤل حول ما اذا كان لا يشكل رفض فتح الحساب رفض الحساب امتناعا عن تقديم خدمة ، و التي يعاقب عليها قانون الاستهلاك .
ان هذه المقتضيات كلها لم يعد لها محل بتدخل المشرع بموجب المادة 112 من القانون البنكي المشار اليها و التي يمكن ان نستنج منها بالرغم من تقريرها حق الشخص في الحساب ان هذا الحق لا يشكل حقا مطلقا ، و ان كان من الممكن التمسك بمسؤولية البنك في حالة تعسفه في استعمال هذا الحق لاسباب غير مبررة كحالة الرفض المبينة على اساس المعتقد الديني او السياسي .
التساؤل الذي يطرح اذن يتعلق بكيفية الموائمة ما بين حرية توفر الشخص على حساب ، باعتباره حقا مشروعا قد تستلزم بعض النصوص الخاصة ضرورة التوفر عليه لممارسة أنشطته المهنية ، و ما بين حق البنك في رفض تمتيع الشخص بهذا الحق خصوصا في الاحوال التي لا يستجيب فيها الزبون للشروط الانتقائية التي حددها البنك لاختيار زبنائه خصوصا اذا علمنا مدى التشدد الذي قد يطاله على مستوى المسؤولية في حالة اساءة استخدام الزبون للخدمات التي يوفرها هذا الحساب ؟.
و لعل هذا الاعتبار الاخير هو الذي كان قد دفع الفقه في البداية الى تقرير مبدأ حرية البنك بخصوص فتح الحساب لما قد يحمل في طياته من مخاطر كثيرة، لعل اهمها اصدار شيك بدون رصيد ، مما يعني ان حق البنك في رفض فتح الحساب يجب ان يقوم في اضيق الحدود ، و في الحالة التي يتضح فيها فعلا من انه لن يتعرض لاي خطر قد يمس بسمعته التجارية او إلحاق أي ضرر بالغير .
و في محاولة من المشرع لضبط مختلف الجوانب المرتبطة بهذا الحق نص صراحة في المادة 112 من القانون رقم 03-34 المتعلق بمؤسسات الائتمان و الهيئات المعتبرة في حكمها . و التي جاء فيها بانه ” يجوز لكل شخص لا يتوفر على حساب تحث الطلب و رفض له فتح هذا الحساب من لدن بنك او عدة بنوك بعد طلبه ذلك في رسالة مضمونة الوصول مع اشعار بالتسلم ان يلتمس من بنك المغرب تعيين مؤسسة ائتمان يمكنه ان يفتح الحساب المذكور لديها
و اذا تبين لبنك المغرب ان الرفض لا مبرر له عين مؤسسة الائتمان التي سيفتح الحساب لديها . و يجوز لهذه الأخيرة إن تحصر الخدمات المرتبطة بفتح الحساب في عمليات الصندوق . “
و قد جاء تقرير هذا الحق استجابة اولا للمعطيات قانونية استوجبت في حالات محدد ضرورة توفر الشخص على حساب كما تقرر ذلك على مستوى مدونة التجارة حيث نجد ان المادة 18 منها تقضي بانه ” يتعين على كل تاجر لاغراضه التجارية ، ان يفتح حسابا في مؤسسة بنكية او في مركز للشيكات البريدية ” فكيف يمكن ان نقرر الالتزام بضرورة التوفر على حساب على بعض الفئات المهنية دون ان نقرر حقا مطلقا و تابتا لهم في الاستفادة من هذا الحق . و يضاف الى هذا المعطى القانوني معطيات اخرى يرتبط بالتطور الكبير الذي عرفه النشاط البنكي و الذي اصبح يرتبط بكل مناحي الحياة حيث اصبح القيام بالعديد من العمليات مرتبطا بتوفر الشخص على حساب ، اما من اجل الحصول على تحويل لأجوره ، او بسبب تعاملاته بالأوراق التجارية كالكمبيالة او عند اقتنائه لسكن او منقولات عن طريق القروض ، مما يعني بان البنك اصبح عنصرا وسيطا و اساسيا في الكثير من عمليات الشخص طبيعيا كان او معنويا الشيء الذي يستلزم بالضرورة التوفر على حساب .
فهل يكفي اذن مجرد تقرير المشرع لمبدأ الحق في الحساب للقول بان كل شخص يجوز له التوفر على حساب ؟ ام ان البنك مازال يثبت له في خضم المسؤولية التي تطوقه في هذا المجال مضطرا ان يعمد الى عمليات الانتقاء ؟
الامر الذي يطرح مدى جدوى تقرير هذا الحق في خضم بعض المعوقات و الصعوبات العملية و القانونية التي قد تعرقل التطبيق السليم لهذا المبدأ .

في بعض اوجه الصعوبات العملية
بالرغم من تقرير المشرع لمبدأ مساواة الأشخاص في الاستفادة من الخدمات البنكية خاصة ما يتعلق بفتح الحساب ، فان بعض السلوكيات تفرز من حيث الواقع ان البنوك مازلت تسلك نهجا انتقائيا لزبائنها ، الأمر الذي يعوق عمليا تطبيق المبدأ المشار اليه . فالبنوك تعمد في الغالب إلى إتباع إجراءات عند فتح الحساب تعرقل الى حد ما من تطبيق المبدأ المشار اليه، كان تستوجب من طالب الحساب ضرورة ايداع قدر مالي معين في الحساب للتأكد من مدى جديته و مدى ملاءة ذمته المالية ، و ان كان من الممكن بالنسبة للشخص ان يودع المبلغ المطلوب ثم يعمد بعد ذلك الى سحب جزء كبير منه ، غير انه بالرغم من ذلك فان هذا الاخير قد يحرم في ما بعد من الاستفادة من الخدمات البنكية المرتبطة بالحساب كرفض منحه الائتمان و غير ذلك . مما يعني ان المؤسسات البنكية قد تعمد الى ابتداع طرق ووسائل للحد من فتح حسابات للودائع الصغيرة التي قد يبدو تسييرها بالنسبة اليها مكلفا مقابل ما قد تجنيه منها من عمولات و فوائد . الشيء الذي قد يدفع صغار المدخرين الى الكف عن المطالبة بتطبيق هذا الحق ، هؤلاء الذين يجهلون في الغالب المقتضيات التشريعية المحددة لهذا الحق بموجب المادة 112 المشار إليها أعلاه
صعوبات تطبيق مقتضيات المادة 112 من القانون البنكي
باستقراء مقتضيات تطبيق الحق في الحساب كما حدده المشرع المغربي في المادة 112 من القانون البنكي نجدها تتسم بنوع من التعقيد و الصعوبة قد تفضي في النهاية الى الاجهاد على هذا المبدأ و افراغه بالتالي من أي محتوى .
فلكي يتمكن الشخص الذي تم رفض فتح حساب له لدى مؤسسات بنكية معينة من الاستفادة من مقتضيات المادة اعلاه وضع المشرع شروطا تبدو تعجيزية . فالمشرع يستلزم اولا ان يثبت المعني يالامر انه وجه طلبا بواسطة رسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل الى عدة مؤسسات بنكية ، و انه بالرغم من ذلك بقي محروما من حق التوفر على حساب ، مما يعني ان الشخص يجب ان يواجه بعدة رسائل الرفض من عدة بنوك حتى يكون رفض الحساب لفائدته مؤكدا يستوجب تدخل بنك المغرب .
و مما تجدر الإشارة إليه في هذا الإطار ان المادة استوجبت ضرورة إتباع شكلية معينة عند توجيه طلب فتح الحساب إلى البنوك التي يرغب في إن يصير زبونا لديها و ذلك عن طريق رسائل مضمونة الوصول مع الإشعار بالتوصل . هذه المسطرة و ان بدت لاول وهلة سهلة ، فان الواقع على عكس ذلك تماما ، خصوصا اذا علمنا انه من الصعوبة بمكان اثبات رفض تلك المؤسسات البنكية لطلبه ، حتى يمكنه اللجوء الى بنك المغرب مادام ان المشرع لم يحدد اجلا لابداء البنك لموقفه ، و ان هذا الاخير غير ملزم بان يسلم للشخص الذي رفض طلبه شهادة بذلك حتى يمكنه الاحتجاج بها للتاكد من عدم مشروعية قرار الرفض من عدمه .
ومن الملاحظ ان حق البنك في رفض فتح الحساب يظل مع ذلك قائما ، بالرغم من تدخل بنك المغرب وقيامه وفقا للمادة المشار اليها بتعيين احدى مؤسسات الائتمان ليفتح لديها المعني حسابا مادام ان المؤسسة المعينة تظل مع ذلك حرة في تقييد نوع الخدمات التي يمكن ان يستفيد منها الشخص ، و التي قد تنحصر فقط في خدمات الصندوق مما يعني عدم امكانية التوفر على دفتر الشيك و لا القدرة على الاستفادة من القروض و خدمات الائتمان البنكية الاخرى كبطاقة الائتمان . و قد يكون هذا الامر مبررا خصوصا في الحالة التي يكون فيها الزبون صاحب الحساب المفتوح بقرار بنك المغرب ذا سمعة سيئة و انه سبق و ان قيد في سجل المصلحة المركزية لعوارض الاداء ببنك المغرب بسبب اصداره لشيك بدون رصيد طبقا للمادة 313 من مدونة التجارة .
يتضح مما سبق ان البنك اذا تبث له الحق في منح الحساب في احوال معقولة درء للخطر الذي قد يتعرض له ، فانه بالمقابل لا يجب على هذا الاخير ان يتعسف في استعمال هذا الحق بشكل يلحق معه ضررا ليس فقط للزبون و لكن ايضا للغير الذي قد يرغب في التعامل مع هذا الاخير .
فتلك كانت رغبة المشرع من تقرير الحق في الحساب و هو ان يضمن بعضا من الحماية للزبائن بصفتهم مستهلكين للخدمات البنكية و ذلك ضد تحكم البنك و بالتالي تقرير حد ادنى من الخدمات لفائدتهم .
ثانيا : في بعض القيود الواردة على مبدأ الحق في الحساب

يتضح مما سلف ان مبدأ الحق في الحساب ليس حقا مطلقا بل يمكن ان ترد عليه بعض القيود ، و لعل اهم هذه القيود يتمثل في ان ثبوت هذا الحق لا يشمل مختلف انواع الحسابات و انما يقتصر بحسب منطوق المادة 112 على رفض فتح حساب ايداع ، كما انه من ناحية اخرى نجد ان البنك ملزم في حالة تعيينها من قبل بنك المغرب على توفير حد ادنى الزامي من الخدمات البنكية التي يمكن ان يستفيد منها المعني بالامر كما انه من ناحية ثالثة يظل من حق الزبون المتضرر من عدم فتح الحساب التمسك بمقومات نظرية التعسف في استعمال الحق كوسيلة لتقرير المسؤولية المدنية للبنك .
اقتصار اعمال الحق في الحساب على حساب الايداع
من المقرران هناك ارتباط وثيق ما بين الحق في الحساب و مدى الخطورة التي قد تنجم عن فتح انواع محدد من الحسابات ، ذلك ان من حق الشخص في فتح مثل هذا النوع من حسابات الادخار نظرا لقلة و اهمية الخطورة التي قد يترتب عن سوء تدبيرها من طرف الزبون و مدى الاضرار التي قد تترتب عن ذلك ، غير انه بالمقابل اذا تعلق الامر بفتح حساب جاري او بالاطلاع فان البنك ثبت له الحرية الكاملة في الرفض نظرا للمخاطر التي قد تنطوي عليها ، و هو ما يفسر مدى التشدد و الاحتياطات الصارمة التي تتخذها البنوك عادة عند فتح هذا النوع من الحساب الذي قد يمنح للمستفيد امكانية السحب على المكشوف و يكون في فترات من تشغيل الحساب مدينا للبنك بمبالغ مالية مهمة ، اذا لم تتوفر للبنك الضمانات اللازمة حول مدى يسر المعني و ملاءة ذمته المالية فانه لا شك ان ائتمان البنك قد يتعرض للخطر الامر الذي لا يتحقق عادة في حساب الودائع و التي يستطيع البنك ان يتحكم في الياتها و ان تقتصر الخدمات التي يمكن ان يستفيد منها الزبون في مجرد عمليات الصندوق دون ان يكون له الحق في الاستفادة من تسهيلات الصندوق و غير ذلك من الخدمات .
امكانية حصر البنك الحق في الحساب في بعض الخدمات
يثبت للبنك و في الحالة التي يكون فيها ملزما بفتح زبون معين ان يحصر الخدمات العادية التي يتوفر عليها الزبون بموجب عقد فتح الحساب في خدمات ترتبط اساسا بالصندوق مما يعني عدم امكانية هذا الاخير من الاستفادة من كل الخدمات التي يمكن ان تترتب عنها مخاطر بالنسبة للبنك او الحاق ضرر بالغير درء لمسؤوليته في هذا الاطار ، غير ان التقليص من انواع الخدمات التي يمكن للزبون ان يستفيد منها لا يجب ان تتم الا اذا اتضح فعلا على ان الزبون لديه سوابق فيما يتعلق مثلا باصدار شيكات برصيد و سبق ان عوقب من اجل ذلك و مازال مسجلا لدى بنك المغرب بسبب ذلك . و هذا هو السبب الذي دفع بالفقه الى ضرور ة تبرير البنك سبب رفض الاستفادة من خدمات الحساب حتى لا يترتب عن ذلك تعسف في استعمال الحق .

الفقرة الثانية : مسؤولية البنوك ازاء الغير بسبب فتح الحساب
قد يترتب عن الخدمات التي توفرها البنوك لفائدة زبنائها بموجب فتح الحساب اضرار بالنسبة للغير : كاصدار شيكات بدون رصيد ، او استخلاص قيمة شيكات مسروقة او القيام بتحويلات مالية مشبوهة الخ . و تترتب في هذا الاطار مسؤولية تقصيرية للبنوك تكون مبنية على واجبها في اتخاط الحيطة و الحذر في عدم تمكين زبائنها من وسائل يمكن ان تستعمل من اجل الحاق الضرر بالغير ، و لهذا الاعتبار نجد بان المشرع سيتلزم من البنك قبل فتح الحساب للزبون ضرورة القيام بمجموعة من التحريات و التجقيق و التمحيص تتعلق بطالب فتح الحساب ، الامر الذي يطرح من ناحية اخرى مدى احقية البنك في قفل حسابات بسبب سوء استغلالها من طرف اصحابها .

اولا: مسؤولية البنوك بسسب الاخلال باجراءات فتح الحساب
تلتزم البنوك بإتباع العديد من قواعد الحيطة قبل فتح الحساب ، حيث ان أي تقصير من جانبها في هذا الجانب يمكن ان يرتب مسؤوليتها المدنية تجاه الشخص المتضرر من جراء العمليات التي يقوم بها صاحب الحساب و يترتب عنها إلحاق الضر ر بالغير .
انطلاقا من واحب الاستعلام الذي تلتزم به البنوك يتعين هذه الاخيرة بداية قبل فتح حساب للزبون ان تتحقق من موطن و هوية الشخص طالب فتح الحساب حتى لا يقدم هذا الاخير على استعمال هذا الحساب باسم مستعار غير اسمه الحقيقي ، حيث يكون البنك في مثل هذه الحالة مسؤولا عن اي ضرر قد يلحق الغير من جراء تقصير البنك في التحقق من بيانات و هوية الزبون . غير ان البنك لا يكون متحملا للمسؤولية في الحالة التي لا يستطيع فيها اثبات زورية الوثائق المدلى بها لإثبات الهوية اذا تم ذلك بدرجة يستعدي عليه التثبت من ذلك الا باللجوء الى الخبرة و تحقيق الخطوط ، فلا يسأل هنا عن الاضرار التي قد تلحق الغير من جراء تشغيل الحساب من طرف الزبون الذي فتح له الحساب بناء على الادلاء بهذه الوثائق المزورة .
و يرجع القضاء سبب اعفاء البنك من المسؤولية هنا كونه قد قام بتاسيس قناعته بفتح الحساب للزبون بناء على معلومات مستقاة على وثائق رسمية تبدو في ظاهرها غير مشوبة باي تزوير او تحريف . و اذا تعلق الامر بشخص معنوي فان المؤسة البنكية ملزمة بضرورة التحقق من الوجود الفعلي لهذا الشخص قبل فتح حساب خاص به و ذلك عن طريق مطالبة ممثله القانوني بالادلاء بكل ما يثبت اتمام اجراءات تاسيسه وفق الضوابط القانونية المتعلقة بكل شخص معنوي على حدة كان يتعلق الامر بشركة تجارية او جمعية او تعاونية او مؤسسة عمومية . فالبنسبة للشركات التي تتمتع بشخصية معنوية مستقلة فان القانون يستلزم تقديم شهادة من السجل التجاري يضاف الى ذلك تقديم نسخ من الانظمة الاساسية لها و التي تتحدد في نطاقها حدود اختصاصات الشخص او الاشخاص الموكول لهم حق تشغيل هذا الحساب المفتوح . و مما جرى عليه العمل في هذا السايق ان يدرج البنك عند فتح الحساب لفائدة شركة ما اما اعفائه من المسؤولية الناجمة عن تجاوز الممثل القانوني للشركة حدود الصلحيات الممنوحة له بهذا الخصوص و اما بتنازل الشركة عن التمسك بالقيود التي يوردها النظام الاساسي على سلطات المتصرفين , و الواقع ان شرطا من هذا القبيل لا يمكن الاعتداد به في مواجهة الشركة لانه يتضمن في طياته تعديلا للنظام الاساسي يقتضي اجراءه وفق ظوابط قانونية نص عليها قانون الشركات .
و اذا كان من شان فتح الحساب ان يلتزم البنك بوضع دفتر الشيكات رهن اشارة الشخص صاحبه كما تقضي بذلك المادة 310 من مدونة التجارة ن فانه يجب على المؤسسة البنكية فاتحة الحساب مراجعة بنك المغرب قبل اقدامها على تسليم صيغ الشيكات لصاحب الحساب و بالتالي اذا ثبت لديها انه ممنوع من اصدار شيكات و جب عليها ان تمتنع عن تسليمها له شخصيا او لوكلاء الشخص المعنوي بصفة قانونية .
فمسؤولية البنك بسبب الاخلال بواجب التحقيق و القيام بالإجراءات اللازمة للتحقق من هوية الزبون يفسر اكثر ب النظر لفكرة النظام العام البنكي ، حيث يتعلق الامر بفرض رقابة على الحالة المدنية البنكية بالنسبة لكل زبون عند فتح الحساب . و مما تجدر الإشارة إليه في هذا النطاق ان جميع الحالات التي تم فيها إثارة مسؤولية البنوك بسبب إخلاله بالالتزام بالتثبت من هوية الزبون تتعلق بالحالة التي تم فيها فتح حسابات سمحت للزبون باستخلاص شيكات مسطرة مسروقة او مزورة . و قد يتم التمسك بمسؤولية البنك ايضا في حالة أوامر بالتحويل غير صحيحة حيث يعمد احد النصابين الى اصدار امر لبنك الضحية بتحويل مبلغ معين للحساب الذي قام بفتحه . فيثبت للضحية وسيلتين حيث يمكن التمسك بمسؤولية البنك التعاقدية عندما لا تكون هذه الأخيرة قد تحققت بالشكل الكافي في صحة الأمر بالتحويل خاصة ما يتعلق بالتوقيع كما انه يمكن انضا ان يتمسك بالمسؤولية التقصيرية للبنك الذي فتح الحساب للشخص النصاب بدون القيام بالإجراءات اللازمة لفتح الحساب . ثم هناك أيضا الحالة التي يتم فيها التمسك بمسؤولية البنوك بسبب اصدار شيكات بدون رصيد من قبل الزبون .
غير ان من التساؤلات المهمة التي تثار على هذا المستوى تتعلق بكيفية التاكد من قيام العلاقة السبية عندما يتم التمسك بمسؤولية البنك بسبب إخلاله بالالتزام بإجراء التحقيق و التثبت من هوية الزبون طالب فتح الحساب
ثانيا : مسوؤلية البنك بسبب عدم قفل الحساب
تسلزم حماية الغير على البنوك تحث طائلة المسؤولية التقصيرية العمل على فسخ عقد حساب الذي تم تسجيل اختلالات في طريقة تشغيله من قبيل اصدار شيكات بدون رصيد او كمبيالات مجاملة
و قد سبق للفقيه الفرنسي ميشال فاسور ان اشار بصصد تعليقه على حكم لمحكمة باريز بتاريخ 30 يونيو 1977 على ان البنك يلتزم تلقائيا بقفل الحساب بمجرد علمه بالطابع الضار للعملية التي قام بها صاحب الحساب حيث في خلاف ذلك يصبح البنك مشاركا للفاعل بابقاءه على الحساب الذي تم استغلاله لاجل ارتكاب الجريمة و ساعد في ارتكابها , و ان كان يؤخذ على هذا الموقف كون ان المشاركة تستلزم من حيث المبدأ القايم بفعل ايجابي , في حين ان عدم اقفال الحساب ليس سوى مجرد امتناع بسيط مما يعني ان البنك لا يكون مسؤولا مدنيا او جنائيا الا في الحالة التي يصدر فيها امرا و هو على بينة من طابعه الجنحي دون ان يعني ذلك التزامه بقفل الحساب لان من شان تضييق الخناق على المؤسسة المصرفثية في هذا الباب اقصاء العديد من الاشخاص من الاستفادة من خدمات الحساب
المطلب الثاني : مسؤولية البنوك بصدد عمليات الائتمان
ان من بين اهم الوظائف الاساسية التي تقوم بها البنوك نجد مهمة دعم ثقة الزبون لدى الغير المتعامل معه ، و ذلك اما من خلال تمكينه مباشرة من المبالغ المالية الكفيلة بمساعدته على تحقيق مشارعه و انجاز مختلف عملياته ، و اما بالتدخل الى جانبه بصفته كفيلا او ضامنا و ذلك بقصد تعزيز مركزه لدى الدائن الذي يطمئن للتعامل معه بسبب وجوز البنك الى جانبه . ما يؤكد من ناحية مدى اهمية الوظيفة التي يلعبه البنك مانع الاعتماد في الوقوف الى جانب المقاولات التجارية و الصناعية بقصد تنفيذ مشاريعها التي لا تكفيها عادة اموالها الخاصة لتحقيق ذلك كما انه من جهة اخرى تبرز مدى الخطورة التي يمكن ان تنشا عن عملية منح الائتمان بالنسبة للبنك اما بسبب الخسارة التي قد تلحقه من جراء عدم قدرته على استرجاع الاموال موضوع القرض او بسبب المسؤولية التي قد يتعرض له عند عدم اتخاذه الاحتياط اللازم عند اقدامه على تقديم الائتمان للزبون دون تقدير المركز المالي للمقاولة او في حالة امتناعه عن تقديمه مما يعني ان مسؤولية البنك العقدية قد تقوم اتجاه الزبون كما ان مسؤوليته التقصيرية ايضا قد تثار من قبل الغير .
الفقرة الاولى : مسؤولية البنك اتجاه الزبون
يمكن ان تثار مسؤولية البنوك هنا اما بمناسبة فتح الاعتماد او اثناء تنفيذ هذا العقد .
اولا : مسؤولية البنوك بسبب منح الاعتماد
تتخذ مسوؤلية البنوك هنا عدة اوجه و مظاهر اهمها ترجع اما لامتناع البنك عن منح قروض لفائدة الزبون او لكونه عمد الى منح قروض لفائدته بمناسبة فتح عقد الاعتماد مما يستوجب في بعض الحالة مسؤوليته .
1-
مسؤولية البنك نتيجة الاخلال بواجب الاستعلام
من المقرر ان البنك يملك حرية اكبر بصدد منح الائتمان او الاعتراض عليه و ذلك على عكس الحق في الحساب الثابت للزبون بموجب مقتضيات القانون البنكي ، و ذلك بسبب اهمية عنصر الاعتبار الشخصي الذي تقوم عليه عموما عمليات الائتمان كيفما كان نوعها و لمدى الخطورة التي قد تترتب عنها في جانب البنك . مما يعني انه يقع لزوما على عاتق البنك واجب التحري عن مدى جدارة الزبون بالائتمان البنكي حيث اننا نجده عمليا يباشر بمجرد ما يتلقى طلبا في هذا الاطار من الزبون باجراء تحرياته و جمع كافة المعلومات عنه تمكنه من وضع تصور عام حول الوضعية لمالية للزبون و مدى ملاءته و قدرته على تنفيذ التزاماته في مواجهته مما يعني ان البنك اذا ما اثبت قيامه قبل فتح الاعتماد بكل ما يلزم للاستعلام عن الوضعية المالية للزبون و في عدم وجود ما يمكن ان يثير الشبهة بخصوص هذا الوضع فانه لا يتحمل اية مسؤولية سواء تجاه الزبون او تجاه الغير بسبب ما الت اليه الوضعية المالية للزبون .

نطلاقا مما سبق فان البنك يتحمل خطأ يستوجب التعويض ، اما لفائدة الزبون او الغير ، اذا اقدم هذا الاخير على تقديم ائتمان لزبون دون القيام بتحريات لازمة بخصوص مدى جدارته له , و هذا ما جرى عليه العمل القضائي حيث نجذ ان هذا الاخير يتشدد كثيرا في عدم احترام البنك لواجب التحري و الاستعلام و يرفض في غالبية الحالات دفوعات البنوك بخصوص عدم مسؤليتهم لجهلهم الوضعية المالية الحرجة للزبون او عدم علمهم بكون الزبون في وضعية التوقف عن دفع الديون التي يؤشر على وضعية ميؤوس منها .
قد يبدو هنا غير منطقي مساءلة البنك بخصوص اقدامه على منح ائتمان لزبون حالة ان ذلك يدخل ضمن مهامه و انشطته الاساسية ، هذا فضلا على انه في حالة منح ائتمان غير مبرر و غير مستحق فان الطرف الذي يتحمل المسؤولية اولا و اخيرا هو المستفيد ذاته باعتباره الاكثر من غيره قدرة على معلرفة وضعيته المالية .
و مع ذلك نجد ان التوجه الحالي للقضاء يسير في اتجاه التشدد بصدد عدم احترام البنك لبعض الالتزامات التي تقع على عاتقه من قبيل الالتزام بالتحري و الاستعلام عن وضعية الزبون ، حيث نجد ان القضاء الفرنسي يذهب في العديد من الاحيان الى تحميل البنك مسؤولية الضرر الذي لحق الشركة المستفيدة من الائتمان ، بسب سوء تقدير البنك للخطأ الذي وقع فيه المسير للشركة الذي تقدم بطلب للحصول على ائتمان بالرغم من الوضعية المالية الحرجة التي تمر منها الشركة . كما ان اخلال البنك بواجب الاستعلام بخصوص الزبون قد يتمسك بها ايضا دائن الزبون عندما تتاثر وضعيته و مصالحه ماقد يوحي به منح الائتمان للزبون من كونه في وضعية ماالية مريحة و يعاملون على هذا الاساس ، و لكن يتضح في الواقع ان الوضع المالي للزبون منهار تماما ، و انه داخل في نطاق الاجرءات الجماعية ، مما يشكل صدمة قوية لدائنه لعدم وجود اية اصول قد تشكل ضمانة للوفاء بالديون ، الامر الذي قد يدفع المتضرر الى التمسك بمسؤولية البنوك الذي عمد الى تمكين الزبون من القروض من اجل اطالة حياته التجارية بشكل متصنع و اعطائه بالتالي مظهر الملئ الذمة الذي قد يغري الغير بالتعامل معه .
الواقع ان الفقه الفرنسي قد اختلف في هذا الصدد بين من يرى بان البنك لا يجب ان يتحمل باية مسؤولية في هذا الاطار ، مادام ان من دور البنوك هو مساعدة المقاولة التي تجتاز صعوبات مالية ، و ان ذلك يعد من صميم النشاط البنكي ، و ان معاقبته من جراء ذلك قد يؤدي بمؤسسات الائتمان من جهة الى الامتناع عن تقديم الائتمان او على الاقل من ناحية اخرى التشدد في شروط منحه . ثم هناك اتجاه آخر يتشدد اكثر في اثارة مسؤولية البنوك باعتبارها محترفة و قادرة اكثر من غيرها في تقدير الموقف بشان طلبات الائتمان المقدمة اليها بناء على ما يثقل كاهلها من واجبات بالاستعلام و التحري و اتخاذ الحيطة و الحدر .
و قد ادى هذا الاختلاف الفقهي على مستوى مسؤولية ابنوك بشان منح الائتمان الى التمييز بين فرضيتين :
أ‌- الحالة التي يكون فيعا الزبون في وضعية مالية حرجة و ميؤوس منها حيث تستوجب هنا مسؤولية البنك عند فتحه الاعتماد في مثل وضعية الزبون ، و ذلك حتى في الحالة التي يثبت فيها عدم علم البنك حقيقة بمثل هذا الوضع ، مادام ان بمقدوره و لو قام بواجب التحري الذي يتحمل به ان يقف بيسر على الوضع المالي للزبون طالب الاعتماد
ب‌- الحالة التي يكون فيها فتح الاعتماد قد تم تقديمه لزبون في وضعية مالية مريحة ثم ساءت وضعيته بعد ذلك ، فانه في هذه الحالة لا يمكن مساءلة البنك مادام انه لم يظهر له عند فتح الاعتماد ما يؤكد تدهور وضعه المالية او سيرورته نحو التدهور ، غير ان البنك يكون ملزما منذ اللحظة التي يتأكد فيها من ان وضعية الزبون قد ساءت لدرجة لا رجعة فيها ، التوقف عن ضخ الاموال و تخفيض قيمة الائتمان الممنوح له الى الحد الذي يتماشى ووضعه المالي .
2- مسؤولية البنوك بصدد مدى ملائمة الاعتماد لمصلحة الزبون
من الواضح ان البنك اصبح اليوم اكثر من ذي قبل مقيدا بالتزام عدم التعاقد ، حيث انه يستوجب عليه الامتناع في العديد من الحالات من منح الائتمان ، و لو اتضحت من ذلك فائدة او مصلحة بالنسبة اليه . فقبول البنك منح الاعتماد لفائدة الزبون قد لا يكون دائما في مصلحة هذا الاخير ، خاصة اذا كان مبلغ الائتمان المطلوب لا يتلائم و حاجيات الزبون و قدراته ، او اذا كان الائتمان المطلوب يتعلق بتطوير نشاط اقتصادي يظهر من استقراء الظرفية الاقتصادية انه يعيش ازمة ، مما قد يدفع بالزبون الى الاستثمار في ميدان قد لا يجر عليه سوى خسارة مؤكدة . هذا فضلا على ان عدم ملائمة الائتمان للزبون قد يرتبط ايضا بنوع الضمانات التي قد يستلزمها البنك كشرط لحصوله عليه او حجم العمولات التي يستلزمه تدخل البنك مما قد يرهق كاهل الزبون و يؤثر بالتالي على قدجرته في مزاولة نشاطه .
ففي كل هذه الاحوال و غيرها اذا اتضح عدم ملائمة الائتمان لمصلحة الزبون ، يتعين على البنك الامتناع عن منحه ، و الا استوجب ذلك مساءلته عن الضرر الذي قد يلحق الزبون المستفيد او الغير بحكم ان هذا الائتمان قد يكون السب المباشر في تأزيم وضعيته . فلا شك ان البنك يتحمل في هذا الاطار بواجب اسداء النصح و الارشاد بشكل يؤدي الى توجيه الزبون الى نوع الائتمان و حجمه الذي يتماشى وحاجياته ووضعيته المالية .
و انطلاقا من ذلك دأب القضاء على ترتيب مسؤولية البنك في كل مرة يتضح فيها بان هذا الاخير ، عمد الى منح اعتماد لا يتناسب و القدرات المالية للزبون ، او تساهل بخصوص عدم اسداء النصح حول مخاطر العملية التي يطلب من اجلها البنك ان يمنحه الاعتماد . و يجد الفقه تبريرا لذلك في ان البنك شخص محترف و له القدرة و الخبرة الكافية على تقدير مدى نجاعة العملية التي يستدعي تقديم الائتمان من اجل تمويلها من عدمها . فعلى مستوى واجب الاعلام يمكن الاشارة هنا الى ما ذهبت اليه محكمة النقض الفرنسية في قرار لها بتاريخ 8 يونيو 1994 و التي تتعلق واقائعها باقدام احدى الشركات على منح ائتمان لفائدة مزارع من اجل تمويل جزئي لعملية اقتناء جرار حيث التزم المقترض باداء قسط سنوي من قيمة القرض حالة انه يتجاوز حدود المدخول الذي يمكن ان يدره عليه نشاطه الفلاحي . الشيء الذي دفع بمحكمة النفقض الفرنسية الى ان تعتبر بان المقترض تصرف بنوع من التساهل الغير المسؤول و ساهم بالتالي بخطئه في الحاق الضرر بالمقترض .

ثانيا : مسؤولية البنك بسبب الامتناع عن منح الاعتماد .
قد يتعرض حق البنك في الامتناع عن منح الاعتماد لمجموعة من القيود لعل اهمها يكمن في الحالة التي يتعلق فيها الامر بحساب للادخار من اجل اقتناء السكن ، حيث يكون البنك في هذه الحالة ملزما يتوفير الاعتماد اللازم لاجل تمويل عملية بناء او شراء مسكنه وفق الشروط التي يحدد ها الاتفاق بين الطرفين ، كما انه من ناحية اخرى نجد ان البنك يكون ملزما باحترام المدة المحددة لعقد فتح الاعتماد ، و ان لا يعمد الى وضع حد له بارادته المنفردة و بصورة تعسفية تحث طائلة مسؤولته عن الضر الذي قد يلحق الزبون من جراء ذلك . و عادة ما يتم التمييز في هذا الاطار بين حالة انهاء البنك لعقد فتح الاعتماد محدد المدة و بين حالة ما اذا تعلق الامر بعقد اعتماد غير محدد المدة .
1- فيما يتعلق بعقد الاعتماد محدد المدة
مبدئيا يترتب عن عمد المؤسسة البنكية الى انهاء عقد اعتماد محدد المدة بارادتها المنفردة الى ترتيب مسؤولية على عاتقها بسبب الضرر اللاحق بالمستفيد لان من مقتضايت العقود عامة التزام الطرفين بتفيذ التزاماتهما المتبادلة بحسن نية و عدم مبادرته احدهما دون موافقة الطرف الاخر بانهائه بمحض ارادته .
مما يعني ان البنك يتعين عليه مبدئيا الاستمرار في تقديم الاعتماد لفائدة الزبون حتى انتهاء مدة العقد المبرم بينهما ، غير ان البنك يتحلل من هذا الالتزام في الحالة التي تطرأ طوارئ على الاعتبار الشخصي الذي على ضوئه اقدم البنك على إبرام عقد اعتماد مع الزبون حيث تتزعزع ثقته في الزبون ، الامر الذي يصبح معه إرغام الزبون على الاستمرارية في العقد الى حين انتهاء مدته مشوبا بنوع من التعسف خصوصا اذا علمنا ان من شان هذا الاستمرار إلحاق أضرار ليس بالمستفيد و البنك فحسب و لكن أيضا حتى بالنسبة للغير المتعامل مع الزبون .
و مما تجدر الإشارة اليه في هذا الباب ان القضاء الفرنسي عمد الى الحد قدر الإمكان من امكانية البنك في انهاء عقد الاعتماد محدد المدة بإرادته المنفردة و ذلك في حالة فقد الزبون المستفيد من الاعتماد لاحدى مقومات الاعتبار الشخصي التي بني عليها منح الاعتماد ، و ذلك بهدف حماية الزبون و ان لا يفجأ بقرار البنك القاضي بوقف تقديم الاعتماد في وقت قد يكون في امس الحاجة اليه . مما يتضح معه ان البنك لا يملك الحق في وضح حد لعقد الاعتماد الا في الحالة التي يتاكد فيها بان المركز المالي للزبون يعتريه اضظراب تكون معه وضعيته المالية غير قابلة للاصلاح و التوقيم حيث انه لا يجوز اعمال هذا الحق في الحالة التي يثبت فيها على ان وضعية الزبون مختلة بشكل لا رجعة فيه -situation irrémédiablement compromise – هذا الحل الذي اقرت به محكمة النقض الفرنسية في العديد من قراراتها و تم تكريسه تشريعيا بموجب المادة في فقرتها الثانية من قانون 24 يناير 1984
2- فيما يتعلق بعقد الاعتماد غير المحدد المدة
القاعدة هنا هو ثبوت الحق لكل طرفي العقد في انهائه في أي وقت بمجرد تعبير احدهما عن رغبته في ذلك . غير ان الصعوبة التي تطرح في هذا الاطار تكمن بالدرجة الاساسية في التعارض القائم بين مصالح الطرفين ، ففي الوقت الذي يبدو ان من مصلحة البنك وضع حد الاتفاق الذي يجمه بالزبون لوجود اسباب معتبرة لذلك ، نجد ان مصلحة الزبون تقضي عكس ذلك و هو رغبة في بقاء البنك على التزامه في تدعيم مركزه المالي الذي يوفره له هذا العقد . فهل يكون البنك اذن ملزما عند رغبته في وضع حد لهذا الاعتماد تحث طائلة المسؤولية العقدية بضرورة اشعار الزبون بقراره و اعطائه مهلة لتدبير اموره ام انه لا يقع عليه أي التزام مادام ان العقد هو غير محدد المدة ؟
و لعل الصعوبة التي قد تعترضنا هو في كيفية اثبات الرابطة السبية القائمة ما بين الخطأ أي وضع حد الاعتماد و الضرر اللاحق بالزبون . ففي حالة وضع حد للاعتماد غير المحدد المدة بشكل غير مبرر و غير مشروع ، فان محكمة النقض الفرنسية قد ذهبت الى منح قاضي المستعجلات على اساس اجراءات اعادة الحالة الى ما كانت عليه من ان يامر باستمرار البنك في دعم الزبون . غير ان الحالات تتباين فيما يتعلق تطبيق هذا الحل بين كان الانهاء يتعلق بمقاولة او بشخص من الخواص
أ‌- انهاء اعتماد مقرر لفائدة مقاولة
ينص الفصل 60 فقرة اولى من القانون الفرنسي المؤرخ في 24 يناير 1984 الذي جاء فيها بان ” كل مساعدة لاجل غير محدد تمنحها احدى مؤسسات الائتمان لا يمكن تخفيضها او وقف صرفها الا بمقتضى تبيلغ مكتوب و بعد انصرام مدة الاشعار المحدد عند منح المساعدة . ” كما ان الفقرة الثانية من المادة 525 من مدونة التجارة تنص على انه ” لا يمكن فسخ الاعتماد المفتوح لمدة غير معينة بصورة صريحة او ضمنية ، و لا تخفيض مدته ، الا بعد تبليغ اشعار كتابي و انتهاء اجل يحدد عند فتح الاعتماد دون ان يقل هذا الاجل عن 60 يوما . ” غير ان الفقرة الثانية من المادة 60 من القانون الفرنسي المسشار اليه اجازت ان يتم استثناء من قاعدة انهاء عقد فتح الاعتماد بدون معلة اشعار في حالتين :
– عندما يصبح الوضع المالي للمستفيد مضطربا و غير قابل للاصلاح بالمرة
– و الحالة التي يرتكب فيها المستفيد خطأ جسيما في حق المؤسسة البنكية مانحة الاعتماد .
على من بين الصعوبات التي قد تتثار بهذا الصدد تتعلق بمدة اجل الاشعار فحسب المقتضايات السالفة يجب ان يحدد عند فتح الاعتماد ، في حين انه في الغالب لا يتم ذلك مما يتعين معه ضرورة ان يكون الاجل معقولا دون ان يقل عن 60 يوما . و الكثير من النزاعات تنجم عن تحديد هذا الاجل،و لايمكن في هذا السياق تقرير اجابة مبدئية لان مدة الاشعار هنا تترتب نتيجة لعدة عوامل مثل طبيعة الاعتماد و قيمته و مدته . حيث يتعين على المؤسسة المصرفية في بعض الاحيان ضرورة منح مهلة كافية اللزبون قبل الاقدام على وضع حد لاعتمادها من اجل البحث عن وسيلة اخرى للتمويل .
ب – انهاء عقد الاعتماد المقرر لفائدة شخص خاص
لا يمكن تطبيق مقتضايت الفصل 60 الفرنسي المشار اليه على الاشخاص الخواص مما يعني انه يتعين فقط هنا تطبيق مقتضيات القانتون العام و انه في حالة الانهاء التعسفي فان البنك يمكن اثارة مسؤولية بناء على نظرية التعسف في استعمال الحق .

ثانيا : مسؤولية البنك ازاء الغير
تثار عادة مسؤولية البنوك بسبب الخطا تجاه الغير بناء على مقتضيات المواد 77 و 78 من ق ل ع التي يقالبلها المادتين 1382 و 1383 من القانون المدني الفرنسي , و الاجتهاد يقدم العديد من الامثلة في هذا الباب مثل الحالة التي يتم في فتح اعتماد لاجل تمويل نشاط غير مشروع او عندما يقبل عن علم كمبيالات مجاملة .
1- مسؤولية البنك عن الاخلال بواجب مراقبة استخدام الائتمان في الوجهة المخصص لها .
ان من بين التساؤلات المطروحة هنا هو معرفة ما اذا كان البنك ملزما بمراقبة اوجه استعمال الاموزال المقدمة من طرفه للزبون في نطاق عقد الاعتماد الرابط بينهما . على اساس ان نفترض هنا ان القرض كان مخصصا لغرض معين و ان المقترض لم يحترم هذا التخصيص . فهل يمكن للغير الحصول على تعويض عن الضرر اللاحق بهم ؟
جرت العادة في بعض حالات الائتمان الممنوح للزبون ان يتحمل الزبون بالتزام بعدم انفاق مبلغ الاعتماد في غير الوجهة المحددة في العقد الذي يربطه بالبنك بهذا الخصوص، و من هذا المنطلق نجد بان العقود المبرمة بين الطرفين تتضمن في الغالب بنوذا تسمح للبنك في اجراء فحص دوري لحسابات الزبون و الاطلاع على جميع المستندات التي من شانها ان تمكنه من اجراء هذه المراقبة و بالتالي امكانية تقرير و قف الاعتماد او التخفيض منه و الكف عن دفع باقي الاجزاء المتبقية منه .
فبعد ان كان القضاء في البداية يمتنع عن اثارة مسؤولية البنوك بصدد عدم قيامها بمراقبة استعمال الزبناء للاعتمادات الممنوحة لهم استقر في النهاية على تقرير مسؤوليته عن الضرر الذي قد يلحق الزبون او دائنه من جراء عدم تحمل هذا الواجب , و قد سبق لمحكمة النقض الفرنسية في قرار لها بتاريخ 18/05/1993 ان قضت بمسؤولية البنك تجاه زوجين كانا قد عهدا باشغال ترميم و تجديد منزلهما لاحدى الجمعيات المختصة في ذلك ، وو اللذين قاما بتوكيلها لاجل الاقتراض من بنكهما بالنيابة عنهما بقصد انجاز الاشغال ، حيث ان المحكمة اعتبرت البنك مانح الاعتماد المفتوح لهما بوصفها و كيلة في ذلك عن الزوجين المذكورين و حملته البنك بالتالي تعويض عن الضرر الذي لحق بهما من جراء عدم تمكنهما من استرجاع المبالغ المذكورة المدفوعة للجمعية ، بعد ان دخلت هذه الاخيرة في وضعية التوقف عن الدفع ، من غير ان تقوم باجراء اعمال الترميم و التجديد المتعاقد بشانها . فالقضاء الحديث يحمل البنك المسؤولية اذاكان بمقدوره مراقبة اوجه استعمال الاعتمادات الممنوحة او اذا كان قد التزم بمراقبة اوجه الانشطة المخصصة لها القرض .
2- مسؤولية البنك في حالة فتح المساطر الجماعية
يحدث عملا التمسك بمسؤولية البنك من جراء عدم اتخاذه الاحتياطات اللازمة عند منح الاعتماد لفائدة زبون ، و من جراء ذلك يساهم بشكل او باخر في الزيادة في خسائر المقاولة و بالتالي فانه عند خضوع هذه الاخيرة لمساطر الصعوبات و فتح مسطرة التسوية اوو التصفية القضائية في مواجهته ، فقد يتم البحث عن مدى مسؤولية البنك في تردي الوضعية المالية للزبون .
أ‌- خطأ البنك

يتمثل الخطأ المثار في مواجهة البنك هنما في منح الاعتماد لمقاولة في وضعية مالية حرجة حيث انه كان على البنك اخذا بعين الاعتبار الحالة المالية للمقاولة الامتناع عن تقديم الاعتماد لفائدتها حتى لا يساهم خلق مظهر خادع قد يترتب عنه ضرر اتجاه الغير . على ان تقدير هذا الخطا يظل من صميم السلطة التقديرية لقاض الموضوع بالرغم من تباين مواقف الاجتهااد القضائي بهذا الشان .
فوضعية المقاولة هي التي ستحدد اذا كان الاعتماد الممنوح مبررا ام لا . فمد مدة داب القضاء عن الحديث عن الحالة التي تكون فيها المقاولة في وضعية مالية حرجة لا رجعة فيها و لا يمكن تقويمها . غير ان هذا التصريح لا يمكن اباي حال من الاحوال تفسير واقعي للحالة . فهو يخفي في طياته جزء مهما من نشاط البنوك الذي يتمثل في السماح للمقاولات التي تعيش وضعية صعبة من تجاوزها .
فالخطا قد يتمثل في منح قروض غير متوافقة مع الحجم المالي للمقاولة حيث يترتب عن ذلك رغيبة البحث عن اخفاء اعسار المقاولة ، غير انه بالمقابل لا يمكن التمسك بمسؤولية البنك في حالة منح الاعتماد للمقاولة لتقوية سبل نجاح مسطرة التسوية و انقادها من التصفية القضائية و كانت سبل النجاد في عملية التقويم مؤكدة . لان وضعية المقاولة في مثل هذه الحالات لم تصل بعد الى الحد تصبح معها وضعية المقاولة حرجة و غير قابلة لاي تقويم . و على العموم لا يمكن التمسك بمسؤولية البنوك هنا الا اذا كان البنك مانح الاعتماد على علم بهذ الوضعية الحرجة التي توجد عليها المقاولة المقترضة و يعد هذا الامر من بين احد الدفوع الرئيسية التي تتمسك بها البنوك بهدف التحلل من اية مسؤولية هو ادعاء عدم علمها بالوضعية المالية الحقيقية للزبون .
و انطلاقا من المبدأ العام فان المدعي يتعين عليه لاجل تحميل البنك المسؤولية ان يثبت بان البنك كان على علم بالوضعية المالية الحرجة للزبون . غير انه ايضا يجب ان ناخذ بعين الاعتبار التزام البنك بواجب الاعلام حيث ان المعلومات التي يحصل عليها تتوقف في جزء منها على دراسة كل حالة على حدة . فهي تتوقف مثلا على مدى اهمية القرض المطلوب و ايضا مصداقية المقاولة .

ب‌- دعوى المسؤولية
انطلاقا من القواعد العامة فان الشخص الذي يملك الحق في المطالبة بالتعويض هنا هو الطرف المتضرر ،و مع ذلك فانه في هذا السياق الوضعية قد تتخذ بعدا خاصا بسبب خضوع المقاولة لمسطرة التسوية او التصفية القضائية حيث يتعلق الامر بالدفاع عن مصلحة جماعية . و قد سبق لمحكمة النقض الفرنسية في قرار لها بتاريخ 7 يناير 1976 ان اعترفت للسنديك بامكانية المطالبة بتعويض عن الضرر الجماعي الذي لحق بكثلة الدائنيين . و هو الامر الذي كرسه التشريع الفرنسي بموجب الفصل 621-39 من القانون التجاري حيث يثبت لممثل الدائين المعين من طرف المحكمة وحده الحق التصرف باسم و لمصلحة الدائنيين . و بموجب قرار محكمة النقض الفرنسية الصادر بتاريخ 16 نوفمبر 1993 فان المصفي يجد في السلطات الممنوحة له بموجب القانون بهدف الدفاع عن المصالح الجماعية للدائنين الصفة من اجل ممارسة دعوى المطالبة بالتعويض ضد كل شخص و لو كان صاحب دين يرجع تاريخه الى ما قبل فتح المساطر الجماعية مادام ان ذلك ساهم في بسلوكاته الخاطئة في التخفيض من الجانب الايجابي او تازيم الجانب السلبي .

ج- الضرر
ان الضرر الذي يلحق الدائنين الاخرين للمقاولة صاحبة الاعتماد يكمن في المساعدة البنكية التي اثرت في مالية المقاولة الخاضعة للمسطرة الجماعية و ذلك في جانبها السلبي .
و في هذا السياق يتم عادة التمييز بين صنفين من الدائنين :
الدائنين التي ترجع ديونهم الى ما قبل فتح المسطرة و اولائك التي تكون ديونهم لاحقة . فمن المؤكد ان الدائنين في الحالة الاولى قد لحقهم ضرر حقيقي من جراء منح الاعتماد للمقاولة و حسب القضاء فان هذا الضرر يكون مساويا للفرق ما بين ما حصل عليه الدائنون و ما كان من الممكن ان يحصلوا عليه لو لم يتم منح الاعتماد للمقاولة المدينة أي اذا تم فعلا فتح المسطرة في مواجهة هذه الاخيرة في وقت سابق . اما بالنسية للدائنين اللاحقين على فتح المسطرة فانهم يؤاخذون البنك مانح الاعتماد على انه خلق مظهررا خادعا على ملائة المقاولة الشيء الذي دفعم الى التعامل معها من هذا المنطلق ، غير انه في هذا الحالة نجد ايضا بان القضاء يرد هذا الزعم من خلال تحميل هؤلاء المسؤولية بسبب تعاقدهم مع المقاولة المدينة بنوع من الرعونة و التساهل و من تم التصريح بمسؤولية جزئية فقط على عاتق البنك مانح الاعتماد .
على ان تحديد الضرر ايضا هنا يطرح التساؤل حول معايير و ضوابط التمييز ما بين الضرر الجماعي الذي يملك ممثل الدائين الحق في المطالبة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى