مقالات قانونية

دور المؤسسات الوطنية في المحافظة على االتراث الثقافي ومعالم الحماية القانونية الموفرة له


الإسم واللقب: عطار نسيمة.

المؤهل العلمي: سنة الاولى دكتوراه تخصص القانون العام المعمق

الرتبة: أستاذ مساعد.

المؤسسة: جامعة أبو بكر بلقايد -كلية العلوم الحقوق والعلوم السياسية – تلمسان.

 

لطالما كان تراث الأمم ركيزة أساسية من ركائز هويتها الثقافية، وعنوان اعتزازها بذاتيتها الحضارية. وهذا من حيث أن التراث الثقافي هو بمثابة انعكاس للمستوى الحضاري، لأي أمة أو بلد .كما أنه نتاج فهم واستوعاب الإنسان لتراثه، ودينه، وتفاعله الإجتماعي والمادي في كل مرحلة من مراحل تاريخه على صعيد الفرد وعلى صعيد الجماعة.

وعليه تمثل المخطوطات صورة حية، لنتاج الفكر الإنساني في مجالات العلم والمعرفة، بشتى فنونها وفروعها. فالمخطوط هو بمثابة ذاكرة الأمة التي تحكي ماضيها، وعليه يبنى حاضرها ومستقبلها. ومن ثم فقد حضيت الأمة العربية والإسلامية بعدد هائل من المخطوطات، يقدره الباحثون والدارسون بثلاثة ملايين مخطوط، جزء كبير منه ضائع في مكتبات أجنبية وخاصة أو لا يعلم له مكان.

وهذا بالرغم من الحروب والكوارث التي أتلفت مئات الآلاف من المخطوطات، بسبب ما تعرضت له الدولة العربية والإسلامية من حروب وفتن وغزوات، أشهرها عندما أقتحم هولاكو  بجيوشه بغداد عام 1258 م، حيث
ألقيت مئات الآلاف من المخطوطات في نهر دجلة، كما أثبت إبن
بطوطة أن التتار قتلوا في العراق 24 ألف من العلماء، كذلك حين سقوط غرناطة في يد الإسبان عام 1492م أحرقت عشرات الآلاف من المخطوطات، أما الذي سلم من هذه الكوارث والنكبات، فقد نقل معظمه إلى دور المخطوطات والأديرة والمتاحف الأجنبية خلال الحروب
(1).

وإن جمهورية الجزائر كغيرها من الأوطان والبلدان، تفاخر بوجود وثائق ومخطوطات جد مهمة ونادرة، ضمت مصنفات الفقهاء، ودواوين الشعراء، وتجارب العلماء واستنتاجاتهم، والتي فيها تكمن روح الحياة الثقافية والمعرفية، التي عاشها أولئك الصفوة من المؤلفين طوال القرون الماضية. وبالرغم من التسليم  والاعتراف بالمهمة النبيلة التي قدمتها عبر الأزمنة ومازالت تقدمها إلا أنها لا تزال تلاقي التهميش في بعض المناطق، بدليل أن الكثير من المخطوطات سرقت وبيعت بسبب قلة الوعي والجهل بقيمتها النفيسة الغالية عن كل نفيس. إلى جانب أن بعض الأشخاص يعتبرونها ملك خاص لا يحق لأي شخص كان الإطلاع عليه، إضافة إلى الحفظ غير السليم لها  والذي يعرضها للتلف في الصناديق والخزانات بتأثير عدة عوامل، وهذا بالرغم من التوعية التي يقوم بها المهتمون بهذا المجال من خلال الزيارات الميدانية والملتقيات الدولية والوطنية وغيرها.

وبالرغم من أن موضوع المخطوطات، والمشاكل التي تثور بصدده ليس بالموضوع الحديث، إلا أنه لا يزال يطرح العديد من التساؤلات والإشكاليات، على أن هذه الإشكاليات تتمثل أساسا فيما يلي:

ما هي الأهمية التي يكتسبها المخطوط، والتي يجهلها العديد من ممتلكيها؟ وفيما تتمثل الوسائل المادية الكفيلة أو الصحيحة لضمان حماية المخطوط من التلف الناتج عن العوامل المختلفة؟

وفي الأخير ما هي الآليات القانونية الداخلية والخارجية التي تضمن الحماية للمخطوطات؟

وبالتالي سنقسم دراستنا إلى ثلات محور نتناول في مجملهم مايلي:

المحور الأول: التعريف بالمخطوط وأهميته.

المحور الثاني: الوسائل المادية الكفيلة بحماية المخطوط من التلف.

المحور الثالث: الآليات القانونية الكفيلة لحماية المخطوط.

 

 

المحور الأول: التعريف بالمخطوط وأهميته:

أولا: تعريف المخطوط:

كلمة مخطوطة مشتقة لغة من الفعل خط يخط، بمعنى كتب أو صور اللفظ بحروف هجائي(2). أما اصطلاحا فهو كل مصنف أو تأليف قديم،كتبه مؤلفه بخط يده أو عن طريق غيره كأحد تلاميذة النساخ المعاصرين له أو الذين جاؤوا من بعده، والمخطوط العربي هو الكتاب المخطوط بخط عربي، سواء أكان في شكل لفائق أو في شكل صحف، ضم بعضها إلى بعض على هيئة دفاتر أو كراريس. (3).

على أن المقصود بالنسخ هو إعادة كتابة نص المؤلف، سواء نقلت عن الأصل، أو عن الفرع، معتمدا فيه الناسخ على القلم والحبر والورق. وقد كان يعتبر الوسيلة الوحيدة لنشر الكتاب، أو المخطوط وتوزيعه بين القراء في العصور السابقة.

فالمخطوط في عرف المحققين هو كل كتاب تراثي قديم تمت صناعته بأدوات ووسائل تقليدية (4).

كما أن وصف المخطوط لا يقتصر في معناه على المصنفات أو المؤلفات القديمة فقط، بل يصدق وصف المخطوط حتى على المصنفات والمؤلفات الحديثة، سواء كتبت باليد أو بآلة الطبع، وبصفة عامة النصوص الحديثة الخاصعة للقواعد الكتابية المعروفة، سهلة القراءة، واضحة المعنى. (5).

ولنوضح للقارئ المقصود من دراستنا هو المخطوط بمفهومه الأول، والمقصود منه كل مصنف أو تأليف قديم، وبصفة عامة النص التراثي الخاضع للقواعد الإملائية، وقوانين كتابة العصر القديم، من حيث الرسم والرموز والتنظيم المعهود.

ثانيا: نشأة وتطور المخطوط العربي:

ولأجل الإلمام الصحيح بالمخطوط نعرج على مراحل التاريخية، التي تطور فيها الخط العربي، بحيث نبدأ بعصر الجاهلية والذي فيه اختلف الباحثين والدارسين، حول معرفة وتداول المخطوط من عدمه، بحيث يرى جانب من الباحثين والدارسين أنه خلال هذه الفترة من الزمن، لم تعرف البشرية ما يعرف بالمخطوط، بحجة أنهم لم يكونوا ليتقنوا بعد القراءة والتدوين أو الكتابة إلا في ظل وعهد الإسلام.

إلا أن الشواهد التاريخية تثبت عكس ذلك، وهذا بدليل وفرة الكتابات المنقوشة على الحجر وغيره، أكثر من هذا معرفة العرب للخط، وتدوين أشعار الجاهلية وتعليقها على أستار الكعبة، هذه الأشعار المعروفة بالمذهبات أو المعلقات.

أكثر من هذا فقد كانت المواد المستعملة في العصر الجاهلي للخط، مشتقة من صميم البيئة الصحراوية التي يعيش  فيها العرب، بحيث اتسمت بالبساطة وتمثلت فيما يلي:


العُسُب والكرانيف:هذه المادتين كانتا أكثر المواد شيوعا واستعمالا في الكتابة، نظرا لتوافر أشجار النخيل بكثرة، وسهولة الحصول عليها، والعسب جمع عسيب وهي السعفة أو جريدة النخل، أما الكرانيف فجمع كرنافة وهي السعفة الغليظ الملتصق بجدع النخلة.

– الأكتاف والأضلاع: وهي تتمثل في عظام أكتاف وأضلاع الإبل والغنم وغيرها، وهي الأخرى كانت متوفرة بكثرة.

– اللخاف: هي حجارة الرقيقة البيضاء.

 – الرق والأديم والقضيم: وهي تتمثل كلها في أنواع من الجلود، بحيث استخدم الإنسان جلود الحيوان منذ القدم كمادة للكتابة. على أن الفرق بينهم يظهر في أن (الرق) وهو الجلد الرقيق الذي يستوي ويرقق ويكتب عليه، وهو في مجمله يتمثل في البطانة الداخلية للماعز والغزال. أما (الأديم) فهو يتمثل في الجلد الأحمر المدبوغ. وأخيرا (القضيم) هو الجلد الأبيض، ويُعدُّ القضيم أحسن أنواع الجلد التي يكتب عليها، ويصنع من جلد العجل أو الخروف الذي يولد ميتاً أو يموت بعد ولادته بقليل، وقد كانت الجلود تغسل جيدا، ثم تكشف لإزالة الوبر أو الشعر، ثم توضع في ماء الجير حتى تزول المواد الدهنية ثم تجفف، وبعدئذ تدلك بحجر “الحقاف” حتى تصير ناعمة الملمس وتُحكُّ بالطباشير فتصبح بيضاء. وقد كان يعتبر القضيم في الدرجة الأولى بالنسبة للرق، الذي يصنع من جلد المسن من العجول والخرفان والماعز، بعد ترقيقه وجعله مرناً قابلاً للكتابة على وجهيه.

– المهارق: وهي تتمثل في الصحف البيضاء المصنوعة من القماش، والتي تكون إما من حرير أو من قطن، والمهارق هي مفرد مهرق، وهو لفظ فارسي معرب، يعرفه “ابن منظور” بأنه ثوب حرير أبيض يسقى بالصمغ ويصقل ثم يكتب فيه (6). على أن هذا النوع من المخطوط، كان عزيزاً ونادراً وغالي الثمن، ولذلك كانوا يكتبون فيه إلا الجليل من الأمر.

         ما تجدر الإشارة إليه هو أن المواد المذكورة أعلاه، كانت هي المواد الوحيدة للكتابة والخط، والتي لقيت رواجا كبيرا، إلى غاية فتح المسلمين لمصر. ليتعرفوا على مادتين جديدتين للكتابة وهما البردي والقباطي، حيث أن البردي هو نبات كان ينمو في مصر على ضفاف نهر النيل،  وكان يكتب على ساقه التي يبلغ طولها أحياناً مترين،  ثم تقتسم الساق إلى شراثح طويلة ترص عليها شرائح أخرى أفقية، وتغطى بشيء ثقيل فتــسـاعــد المادة الصمغية الموجودة بالنبات على الالتصاق. ثم تطرق وتصقل وكانت القطعة تلحق بالقطعة لتصير لفافة كبيرة ويكتب على أوراق البردي من وجه واحد، وهو الذي تكون فيه الألياف أفقية لتساعد على الانسياب، وكانت مصر هي البلد الذي يمد سائر الأقطار بأوراق البردي.

 وقد ظل واستمر البردي يتصدر مواد الكتابة طوال عصر بني أمية، وخلال الفترة الأولى من عصر بني العباس لأنه كان في متناول عامة الناس (7). أما القباطي فيمكن أن يندرج تحت نوع  المهارق، وهو نوع من أنواع النسيج.

         وقد عُثر على أوراق البردي في مصر في مكان قريب من هرم “سقارة” وفي الفيوم، وهذه الأوراق لها قيمة كبرى في دراسة التاريخ الإسلامي، فعن طريقها عُرف أسماء ملوك شيدوا آثارا خالدة، وأمكن معرفة سِيَر كثيرٍ من ملوك مصر، وخاصة في عهد تبعية مصر للأمويين والعباسيين، وأمكن معرفة نظام الدواوين، وأحوال مصر الإدارية والاقتصادية والحالة الاجتماعية، وأثمان الأصناف الصناعية والأراضي والعقارات.

ثالثا: أهمية المخطوط:

إن هذا العلم المخطوطات، هو بمثابة حصيلة معرفية، دينية، لغوية، علمية. وهذا راجع لكون أن مجال الكتابة أو الخط، لا يختص به جنس أو أمة بعينها، بل اختص به الإنسان بمختلف أديانة وجنسياته. فعن طريق المخطوطات كانت تسجل الأمم والشعوب تاريخها وقوانينها ونظمها .

وإن المخطوطات المتبقية هي أفضل دليل على الآثار المتبقية من الحضارة العربية والإسلامية العظيمة، حيث قام المسلمين بتدوين أفكارهم وعلومهم في هذه المخطوطات، والتي وصلت إلينا اليوم. والتي تحفظ الآن في معظم متاحف ومكتبات العالم. وبالتالي تعدُّ المخطوطات تراثاً وطنياً، لكل بلد من بلدان العالم، ويجب على جميع أجيال المجتمع معرفة هذا التراث.

وبالإضافة إلى اعتبار المخطوطات قطع نفيسة قابلة لأن تُدرس دراسة حفرية، فإن هذه الأخيرة من شأنها أن تساعد الباحثين على التأريخ والموضعة وتجلية خصائص حضارة بائدة. فأهمية المخطوطات كبيرة جدًا، بحيث أن علم وفقه الأمة مدون فيها، وعلم الأئمة وتاريخها ولغتها 

وأكبر دليل على ما قيل يجد تبريره في أن أمضى الكثير من علمائنا حياتهم في مجال كتابة هذه المخطوطات، لكي تبقى ذكرى للأجيال القادمة ولقد تحملوا كثيراً من المشاكل والمتاعب في هذا المجال ولكنهم استمروا في جهودهم الجبارة هذه حتى استطاعوا أن يخلقوا آثاراً خالدة في جميع الحالات. إضافة إلى كونها جزءا هاما من التراث الوطني لمختلف البلدان العربية، والحفاظ عليها يعني الحفاظ على الهوية القومية بمختلف أبعادها في ظل ما يشهده العالم من تغيرات وظهور مفاهيم وقيم جديدة متمثلة في العولمة، التي أصبحت تشكل خطرا على الثقافات الإنسانية المختلفة وتهدد خصوصيات الشعوب. (8) .

بالإضافة إلى ما سبق فإن دراسة وبحث المخطوطات، تساعد الباحثين أيضا على اكتشاف وقائع التزوير والتحريف والدس، فهو بمثابة مرآة للعطاءات العربية والإسلامية على مدى التاريخ(9).
ولو سلمنا بأن بعض المخطوطات تطبع طباعة جيدة متقنة مصححة، فإن ذلك لا يُغني عن المخطوطات، لأن المخطوط يبقى شاهد عدل وصدق على سلامة المطبوع وصحته، وعدم تحريفه، أو تزويره، أو الزيادة فيه، أو النقص منه. وكلما زاد عدد المخطوطات للكتاب زادت الشهادة على إتقان المطبوع وصحته أو عدمها، كحصول الشهادة على الشهادة.

وعليه يتفق الباحثينن والمنقبين إن صح القول في هذا العلم، إلى تقسيم مراحل ظهور وتطور المخطوطات إلى ثلاثة مراحل تتمثل فيما يلي:

المرحلة الأولى: هي مرحلة الاستكشافات التي تسعى إلى نقل الكتاب المخطوط إلى مطبوع.

المرحلة الثانية: هي مرحلة الاجتهاد من أجل إخراج النصوص.

المرحلة الثالثة: هي مرحلة التدقيق العلمي، والتي ازدهرت فيها اهتمامات الباجثين بالمخطوط العربي. إضافة إلى ظهور مختصين في قضايا علم المخطوط ووضع قواعد ومناهج خاصة به.

المحور الثاني: الوسائل المادية الكفيلة بحماية المخطوط من التلف:

تزخر البلاد العربية الإسلامية على غرار البلدان الأخرى، بتراث علمي وثقافي مخطوط، قل أن حظيت مثله أمة من الأمم عبر التاريخ. ولا يتمثل ذلك في كثرته وحجمه فحسب، بل في محتوياته العلمية والأدبية والثقافية والتاريخية، ليشمل العالم القديم والوسيط جغرافيا وتاريخيا. (10)

والدليل على ما سبق هو تباهى الكثير من المكتبات، ومراكز الأرشيف، والمتاحف في العالم العربي بصفة عامة، والعالم الإسلامي بصفة خاصة. برصيد معتبر من المخطوطات، والتي باتت اليوم محور اهتمام عدد كبير من الدارسين والباحثين، العرب والأجانب على حد سواء، نظرا لقيمتها العلمية والفنية.

وبعد التعرف على القيمة الكبيرة لهذه المخطوطات في التعريف بصفة خاصة بالهوية القومية لأمة أو حضارة ما. أصبحت اليوم حتمية الحفاظ عليها، تفرض نفسها في ظل ما يشهده العالم من تغيرات، وظهور مفاهيم وقيم جديدة متمثلة في العولمة التي أصبحت تشكل خطرا على الثقافات الإنسانية المختلفة وتهدد خصوصيات الشعوب.

ومع ظهور وسائل التكنولوجيا الحديثة أصبح لزاما الحفاظ على المخطوطات، من التلف والضياع باستخدام هذه التقنيات لأجل ضمان بقائها وعدم اندثارها، ولتبقى شاهد على أصالة وعراقة وثقافة الأمم السابقة، فيمكن القول بأنها همزة وصل تربط جيل السلف مع جيل الخلف، غير أنه معرض للضياع والاندثار نتيجة لعدة عوامل. (11)

أولا: العوامل المؤثرة سلبا على المخطوطات:

تنقسم العوامل المؤثر سلبا على المخطوطات إلى عوامل طبيعية وكيميائية وأخرى بيولوجية وأخيرا عوامل ذاتية. وهي تتمثل في العوامل التي سنحاول قدر المستطاع شرحها وتبسبطها، لتدارك الوضع ونشر الوعي حول الأمور التي قد تبدوا لغير الملم بتأثيرات هذه العوامل، إلى أنها أمور عادية لا يمكن محاربتها أو تفاديها.

1-العوامل الطبيعية:

وهي تتمثل أساسا في التقلبات المناخية المتمثلة في درجة الحرارة، ونسبة الرطوبة، والإضاءة. وتلعب هذه العوامل دوراً كبيرا في تلف وتخريب المخطوطات.

أ)ارتفاع درجة الحرارة: فدرجة الحرارة قد ترتفع في المكتبات والمتاحف نتيجة تواجدها مثلا في منظقة المناخ الصحراوي مثل مكتبات ولاية أدرار وبشار على سبيل المثال، والتي تزخر بالكم الهائل من المخطوطات. إضافة إلى تأثير مصادر الضوء المباشرة مثل أشعة الشمس، أو المصابيح القريبة، أو ارتفاع نسبة التدفئة في فصل الشتاء، وعليه فإنه من بين الأضرار التي تنجم عن ارتفاع درجة الحرارة، جفاف الأوراق والجلود والبردي وغير ذلك من مواد الكتابة، مما يؤدي إلى اصفرارها  وتشققها لانعدام مرونتها، ومن ثم تكسرها وتفتتها. وكذا نمو بعض الكائنات الدقيقة، والتي تتكاثر أثناء ارتفاع درجة الحرارة.

ب)ارتفاع نسبة الرطوبة: أما ارتفاع نسبة الرطوبة فإنه يمكن القول بأن المخطوطات، هي في الأصل ذات طبيعة عضوية، إما نباتية وإما حيوانية كما سبق وأشرنا. وبالتالي فإن ارتفاع نسبة الرطوبة ستؤدي إلى تكون بقع صفراء، ونمو بكتيريا وحشرات ومساعدتها على التكاثر. كما ستساهم في تكوين البقع الترابية المائية، نتيجة ترسب الأتربة على صفحات المخطوط واتساخها. إضافة إلى أن الارتفاع المفاجئ في درجة الحرارة، يؤدي إلى  تجعد جلود المخطوطات إلى غيرها من التأثيرات السلبية (12).

ج)تأثير الضوء: وهو من بين العوامل التي تلعب دوراً في إتلاف المخطوطات لكن بدرجة أقل من تأثير التغيرات الحرارية. بحيث يظهر أثر الضوء على المخطوطات في جانبين :
– جانب غير مباشر : بوصفه مصدراً حرارياً يساعد على ارتفاع درجة الحرارة، وبالتالي يساعد على ظهور الأعراض التي تسببها الحرارة المرتفعة.
– جانب مباشر : ويظهر تأثيره في ثلاث نقاط وهي :
أ- الأكسدة الضوئية: ظهور بقع صفراء وبنية في أماكن التعـرض للضوء.
ب- الأشعة البنفسجية والفوق البنفسجية: التي تؤدي إلى اضمحلال لون الأحبار الحديدية والصبغية.

ولتفادي حصول الأضرار للمخطوطات من جراء العوامل الطبيعية، يستلزم الأمر ضرورة استخدام أجهزة رفع الرطوبة في حالة الجو الجاف.
– استخدام بعض المواد الكيميائية التي لها القدرة على امتصاص بخار الماء الزائد، وتقليل نسبة الرطوبة إلى النسب المطلوبة في حال ارتفاعها.
– منع سقوط ضوء الشمس المباشر على المخطوطات.
– تركيب ستائر قاتمة اللون على النوافذ للتقليل من شدة الضوء.
– تركيب إضاءة خاصة داخل المخازن ليست لها أدنى أثر ضار على المخطوطات.

-وضع أجهزة للتكييف.(13)

2-العوامل الكيميائية:  يمكن أن نذكر من بين العوامل الكيميائية، الحموضة الموجودة في المخطوطة، حيث أن الحوامض في الورق تأتي من مصدرين:
أ-احتواء المخطوطة نفسها على الحوامض من جراء بقايا المواد عند صناعتها.
ب- الجو الملوث ولاسيما في المدن الصناعية.
فالحوامض حتى ولو كانت ذات تركيز منخفض، فإنها تعرض المخطوطات للتلف تدريجيا، ولعل أحد الأسباب التي تجعل الحوامض موجودة في المخطوطات، أن لفافة المخطوطة نفسها لم تكن قد تمت تنقيتها منها تماماً، عند عملية الصنع.كما أن غازات الكبريت في الجو، لاسيما في المدن الصناعية، هي الأخرى تعد من مصادر تكوين الحوامض.
ويمكن القول بأن كلاً من الوثائقيين والمكتبيين معنيون في الوقت الحاضر، أكثر من غيرهم وبشكل جـدي، بالوقـوف على الحقائق القائلة بأن الحوامض، هي السبب الرئيسي فـي تفسـخ المخطوطات، والمـواد المماثلـة وترديـها وتقصفها. ولأجل الحفاظ على الوثائق والكتب والمخطوطات والخرائط، المصابة بالحامضية وتخليصها من حالات التردي والتفسخ المستمرين، فإنه من الأمور الحيوية والأساسية البحث عن الوسائل الملائمة التي تكفل التخلص من هذه الحامضية.
وهناك طرق متعددة ومختلفة قام بها وجربها عدد من العلماء والخبراء المتخصصين في هذا الميدان، ولكون المواد المستخدمة في هذه الطرق هي مواد كيماوية مضرة بصحة الإنسان، فيجب على من يقوم بها أن يكون خبيراً متخصصاً، وإلا فإن الخطأ في استعمالها يلحق أفدح الأضرار بالإنسان والمواد التي تعالج بهذه الطرق. كما يتطلب الأمر استخدام أجهزة ومعدات خاصة يصعب على المكتبات ودور الوثائق شراؤها أو توفيرها لأنها باهظة الثمن إضافة إلى ضرورة توفر الخبرة لإدارتها وممارسة العمل فيها.
ولذلك نرى أن بعض الأقطار المتقدمة هيأت مراكز ومختبرات متخصصة للقيام بهذا العمل الدقيق والحساس
وهنا نذكر إحدى هذه الطرق المعتمدة على النطاق العالمي في دوائر الأرشيف والمكتبات، وهي طريقة (بارو)، وتعتمد بالدرجة الأولى على الطريقة المائية في إزالة الحامضية نظراً لكفاءتها وضمان نتائجها، حيث أصبحت مقبولة لدى العاملين في هذا الميدان.كما الطريقة مأمونة في التطبيق، بحيث تتلخص طريقة (بارو) في معالجة الورق المصاب بالحامضية باستخدام أسلوب غمس الورق أو الوثائق في محاليل مذابة تتألف من:
محلول مذاب من هيدروكسيد الكالسيوم، محلول مذاب من بيكاربونات الكالسيوم، ثم غسلها بماء صافٍ وتجفيفها. (14)

وكذلك من بين العوامل الكيميائية
الأدخنة: وهي عبارة عن نواتج الإحتراق غير الكامل لكل مادة، وتأتي خطورتها من سرعة انتشارها وصعوبة التحكم فيه، حيث تتخلل رفوف المخازن وأوراق المخطوطات، ويرسب ما بها من مواد عالقة فوق الصفحات مسببة تبقعها وحدوث تفاعلات غير مرغوب فيها مع صفحات المخطوط. لذلك ينصح بتجنب التدخين في المكتبات والمتاحف إضافة إلى ضرورة تهوئة القاعات والمتاحف والخزانات دوريا.
3-العوامل البيولوجية:
نظراً لكون المخطوطات ومكوناتها من أصل عضوي فهي قابلة للتحلل والفساد تحت تأثير الأوضاع المناسبة، من قبل الكائنات الدقيقة التي يكون بإمكانها إحداث تغيرات وتشوهات في الورق والأغلفة واللواصق والأحبار وغيرها.
وفي هذا المجال أشار المتخصصون في معالجة المخطوطات إلى وجود أكثر من سبعين نوعاً من الكائنات الحية سواء أكانت مرئية كالحشرات والقوارض أو دقيقة كالفطريات والبكتيريا، وهذه جميعها تهاجم المخطوطات، وتفتك بها حين تسمح الأحوال المناخية المناسبة لانتشارها وتكاثرها، في مخازن المخطوطات والوثائق.

فيمكن أن نذكر حشرات سطحية الضرر مثل الصراصير وقمل الكتب، وحشرات حفارة الأنفاق مثل النمل الأبيض وديدان الكتب. أما القوارض ومن أمثلتها الفئران والجرذان. إضافة إلى الفطريات والبكتيريا بحيث توجد البكتريا في الهواء بشكل جراثيم، يمكن أن تهاجم الأوراق والجلود كلما سمحت لها الفرصة، ويكون دورها في إتلاف المخطوطات أقل ضرراً من دور الفطريات.

4-العوامل الإنسانية أو الذاتية: يلعب الإنسان هو الآخر دورا سلبيا في إتلاف المخطوطات، وهذا عن طريق القيام بالعديد من التصرفات أو السلوكات التي قد تظهر له عادية، والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:

-التقليب العنيف لصفحات المخطوطات. أو ملامسة صفحاتها بأيد متسخة أو مبللة بالعرق أو الزيوت.
-ثني الأوراق للدلالة على الأماكن التي وصل إليها القارئ، من العادات السيئة التي تؤدي إلى تكسر ألياف الورق ومن ثم احتمال فقدان بعض أجزاء الورق.
-التدخين أو الأكل والشرب أثناء الاطلاع على المخطوطات يؤدي إلى أخطار سقوط الدخان أو شرر الدخان أو المأكولات والمشروبات على صفحاتها وأغلفتها، مما يسبب أضراراً متعددة من اصفرار واحتراق وتبقع يصعب إزالته بعد ذلك.

– جهل بعض العاملين في مخازن المخطوطات بالطرق السليمة لوضعها على الأرفف مما يعرضها للضرر والتقوس.

ثانيا: الرقمنة ودورها في حفظ الموروث الثقافي:

تمثل عملية رقمنة المخطوطات خطوة جد مهمة في وقتنا الحاضر، وهذا من حيث ضمان عدة أمور إيجابية للمخطوطات نجملها فيما يلي:

– حماية المخطوطات العربية بشكل خاص، والتراث العربي بشكل عام من الزوال.

– حماية المخطوطات من التلف والضياع، حيث تمكن تكنولوجيا الرقمنة من نقل جميع المخطوطات على وسيط إلكتروني، يساعد المستفيد على الإطلاع على المخطوط، دون الحاجة للرجوع إلى المخطوط الأصلي. إلا في حالات خاصة، وهذا يقلل من إمكانية تعرض تلك المخطوطات للتلف والضياع، وخاصة المخطوطات القديمة المكتوبة على ورق البردي أو الرق.

– إن وضع المخطوطات المرقمنة على شبكة الإنترنت، يساعد الباحثين للوصول إليها عن بعد بدون جهد وبأقل تكلفة.

– إن الوسائل التكنولوجية الحديثة في مجال تكنولوجيا المعلومات والتوثيق الإلكتروني، يسهل كثيرا إستخدام نسخة إلكترونية من المخطوطات بدلا من النسخ الأصلية، وخاصة أن طبيعة المخطوط نفسه يتطلب التعامل معه بالكثير من الحذر خوفا عليه من التلف.

تساعد عملية الرقمنة على حفظ وصيانة المخطوطات الأصلية، و ذلك بتخزينها على الأقراص المكتنزة          (CD-ROMS)  وبالتالي تساهم في زيادة دخل المكتبات عن طريق بيع هذه الأقراص التي تحتوي على المخطوطات، و من خلال  الاشتراك مع قواعد بياناتها.)15)

المحور الثالث: الآليات القانونية الكفيلة لحماية المخطوط:

إن المتأمل في المخطوطات العربية والإسلامية على حد السواء، يجد ملذتها في تمتعه بما تزخر به من تعريفات وكشوفات عن ما كان، كما يدرك تمام الإدراك بأنها وجهين لعملة واحدة وهذا بعتبارها ثروة قومية، سواء بمحتواها العلمي، الذي يشكل جزءا من التراث الفكري العربي والإسلامي. أو بقوامها المادي، باعتبارها أثرا من الآثار التي خلفها السلف، وبالمقابل فالخلف هو ملزم بحمايتها وصونها، وإلا اعتبر مقصرا ومذنبا في حق جهود السلف.

وكما سبق وبينا فإن المخطوطات على الصعيد الداخلي، هي معرضة للعديد من الأخطار الطبيعية والبيولوجية والكيميائية وحتى الذاتية، وعليه يجب على حائزها أن يضمن لها الحماية من كافة هذه الأخطار، وهذا عن طريق إما التقرب إلى الجهات المعنية وطلب الإرشاد والتوجيه لشرح كيفية الحفظ السليم لها، أو عن طريق التقدم بها إلى الجهات الرسمية وتسليمها باعتبارها أولى من مالكها في ضمان الحماية لها.

أما على الصعيد الخارجي فمع تزايد نشاط مراكز الاستشراق، خلال العقود الماضية الذي تركز بشكل أساسي على جمع مختلف أشكال التراث الإنساني، وشرائها أو تهريبها من البلدان العربية والإسلامية. وأيضا بالنظر لإقبال المؤسسات الثقافية الأجنبية، على اقتناء نوادر المخطوطات وإيداعها أشهر المكتبات والمتاحف حول العالم، فتح الباب واسعا أمام تهريب العديد من المخطوطات إلى الخارج، مستغلين في ذلك سهولة حمل المخطوطات وإخفائها عن الأنظار.

وبالتالي فإن حماية المخطوطات باعتبارها من التراث، لا يتصور تحققه إلا عن طريق وضع وضبط ترسانة من القوانين والقواعد والتوجيهات والعقوبات، التي تحمي وتصون هذا التراث القيم. وبحيث أنه لا يجوز التصرف بهذه الثروة بأي شكل من أشكال التصرف المادي، بيعا أو نقلا أو إخرجا خارج حدود الإقليم، أو تشويها أو إتلافا.

وإن هذه الصرامة في تحقيق الحماية وضمان الصيانة للمخطوطات، كلها تصب نحو هدف واحد هو ضمان البقاء للمخطوطات، وخروجها من طي النسيان إلى عالم الوجود. وتحقيقا لهذا الهدف المنشوذ فقد اتخذت العديد من التدابير، والقوانين بغية حمايتها. حيث نشطت الجهود الوطنية والدولية على حد السواء، لتوفير أكبر قدر من الحماية اللازمة لهذا التراث الثقافي. إذ وصل الأمر بالمجتمع الدولي إلى اعتبار أن المساس بالممتلكات الثقافية، جريمة حرب يعاقب عليها القانون الدولي. (16)

أولا: الحماية القانونية للمخطوطات في ظل التشريع الجزائري:

         إن المشرع الجزائري كغيره من المشرعين في البلدان الأخرى، اهتم هو الآخر بالتراث الثقافي للأمة الجزائرية عن طريق خصه بقانون يضمن الحماية للتراث الثقافي بمجمله هو القانون رقم 98-04 المؤرخ في 20 صفر عام 1419 الموافق ل15يونيو 1998، ليتم استتباعه بمرسوم تنفيذي رقم 03-311 المؤرخ في 17 رجب 1424 الموافق ل 14 سبتمبر 2003 الذي يحدد شروط وكيفيات إعداد وتسيير الجرد العام للممتلكات الثقافية المحمية.

أ)جرد وتسجيل المخطوطات:

         لقد صنفت المخطوطات بحسب القانون رقم 98-04 ضمن فئة الممتلكات الثقافية المنقولة، وهذا بحسب التقسيم الذي نصت عليه المادة 50 من نفس القانون. كما نص القانون الماثل أعلاه على إجراء التصنيف والتسجيل كأحد أهم الإجراءات في توفير الحماية للمخطوط، وهذا راجع  للأثر  المترتب عن التصنيف أو التسجيل، الذي يعود على المخطوط نفسه من حيث اكسابه نوعا من الأهمية. حيث قامت المادة الثانية من المرسوم التنفيذي رقم 03-311 المحدد لشروط وكيفيات إعداد وتسيير الجرد العام للممتلكات الثقافية المحمية تعريف الجرد بقولها أنه يقصد بالجرد العام تشخيص وإحصاء وتسجيل مجموع الممتلكات الثقافية المحمية التابعة للأملاك العامة والأملاك الخاصة للدولة والولاية والبلدية، والتي تحوزها مختلف المؤسسات والهيئات التابعة للدولة أو المخصصة لها طبقا للتنظيم المعمول به. كما تخص أيضا الممتلكات الثقافية المحمية، التي تكون ملكية أشخاص طبيعيين أو معنويين خاضعين للقانون الخاص.

مع الإشارة إلى أن
الممتلكات الثقافية التابعة لوزارة الدفاع الوطني محل جرد خاص يحدد بموجب قرار مشترك بين الوزير المكلف بالثقافة ووزير الدفاع الوطني، وهذا بحسب نص المادة 04 من نفس المرسوم.

أما الممتلكات الثقافية المنقولة المحمية المتواجدة على مستوى الممثليات الدبلوماسية والقنصلية الجزائرية بالخارج محل جرد تحدد كيفياته بقرار مشترك بين الوزير المكلف بالثقافة ووزير الشؤون الخارجية. بحسب نص المادة 05 من نفس المرسوم.

وعليه فقد نص القانون المتعلق بحماية التراث، في مادته 53 على أنه تنشر الممتلكات الثقافية المنقولة، المصنفة بقرار من الوزير المكلف بالثقافة في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.

يجب أن يبين في قرار التصنيف نوعية الممتلك الثقافي المنقول المحمي، وحالة صيانته، ومصدره، ومكان إيداعه، وهوية مالكه أو مقتنيه أو حائزه وعنوانه، وكل معلومات أخرى تساعد على تحديد هوية الممتلك الثقافي المعنى.

يتولى الوزير المكلف بالثقافة إبلاغ قرار التصنيف للمالك العمومي أو الخاص.

         وبالتالي وبحسب نص المادة 51 من القانون المتعلق بحماية التراث، فإنه يمكن أن يقترح تصنيف الممتلكات الثقافية المنقولة ذات الأهمية من وجهة التاريخ، أو الفن، أو علم الآثار أو العلم، أو الدين، أو التقنيات التى تشكل ثروة ثقافية للأمة، أو يمكن تصنيفها أو تسجيلها فى قائمة الجرد الإضافى بقرار من الوزير المكلف بالثقافة عقب استشارة اللجنة الوطنية للممتلكات الثقافية، بمبادرة منه، أو بناء على طلب من أي شخص يرى مصلحة فى ذلك.

ويمكن أن تسجل كذلك في قائمة الجرد الإضافى، بقرار من الوالي، بعد استشارة لجنة الممتلكات الثقافية في الولاية المعنية، متى كانت للممتلك الثقافي المنقول قيمة هامة من الوجهة التاريخية، أو الفنية، أو الثقافية، على المستوى المحلي.

يتولى الوزير المكلف بالثقافة أو الوالي، حسب القيمة الوطنية أو المحلية للممتلك الثقافي، تبليغ قرار التسجيل في قائمة الجرد الإضافي للمالك العمومي أو الخاص الذي يحوز الممتلك الثقافي المعنى.

تترتب على تسجيل أي ممتلك ثقافي منقول في قائمة الجرد الاضافى جميع آثار التصنيف لمدة عشر (10) سنوات وينتهي تطبيقها إذا لم يتم تصنيف الممتلك الثقافي المنقول بانقضاء هذه المهلة.

وقد أنشئت على مستوى المكتبة الوطنية الجزائرية مصلحة خاصة بالمخطوطات الوطنية عن طريق بطاقة الفهرسة والتصنيف المتكونة من الرقم العام، والذي من خلاله يتم التعرف على المخطوطات، وهو بمثابة رقم خاص بها لا يمكن استخدامه لأي مخطوطة أخرى بأي حال من الأحوال. (17)

ب)مساهمة الجهات الرسمية في صيانة وحفظ المخطوطات:

والمقصود من مساهمة الجهات رسمية في صيانة وحفظ المخطوطات، في تقديم الخدمات الفنية الاستشارية والتقنية بشأنها مجانا.

حيث أنه بين نتائج التسجيل في قائمة الجرد الإضافي، هو فرض عبئ إن لم نقل واجب صيانة الممتلك الثقافي المسجل وحمايته وصيانته، على عاتق الحائز أو المالك له من الأشخاص العموميين والخواص على حد السواء.

أكثر من هذا فإنه يمكن للمالكين الخواص لهذا التراث الثقافي، أن يستفيدوا من المساعدة التقنية التى تقدمها المصالح المختصة في الوزارة المكلفة بالثقافة، بغية المحافظة عليه حسب الشروط المطلوبة.

وإذا ثبت أن المالك لا يعير الممتلك الثقافي المنقول عناية كافية لحفظه، وهذا يتأتى من خلال الصلاحية المسخرة للوزير المكلف بالثقافة عن طريق التقفد الدوري للمخطوطات، بإرسال لجان مراقبة تضم رجال الفن المؤهلين لهذه المهمة، فإنه يمكن الوزير المكلف بالثقافة أن ينقل ملكية هذا التراث إلى المجموعة الوطنية بموجب قرار، عقب استشارة اللجنة الوطنية للممتلكات الثقافية. وهذا بحسب نص المادة 55 من نفس القانون.

ج)حظر نقل المخطوطات إلى خارج الوطن:

تنص الفقرة الأولى من المادة 62 من القانون رقم 98-04 على عدم جواز
تصدير أو نقل الممتلكات الثقافية المنقولة المحمية من التراب الوطني. ومن خلال هذه المادة نلمح حرص المشرع الجزائري على ضمان بقاء هذا الموروث الثقافي داخل حدود الوطن، خشية من الضياع أو السرقة، ليعود في الفقرة الثانية من نفس المادة وينص على جواز التصدير المؤقت في إطار المبادلات الثقافية، أو العلمية، أو قصد المشاركة في البحث في نطاق عالمي. ولكن بناء على ترخيص مسبق لهذا التصدير من طرف الوزير المعني بالثقافة.

د)العقوبات الموقعة على الشخص الماس بحماية المخطوط:

1) يعاقب بالحبس من سنتين (2) إلى خمس (5) سنوات، و بغرامة مالية من 100.000 دج الى 200.000 دج أو بإحدى العقوبتين فقط، دون المساس بأي تعويضات عن الأضرار ومصادرات عن بيع أو إخفاء مخطوطات مصنفة أو مسجلة في قائمة الجرد. وهذا بحسب نص المادة 95 من  نفس القانون.

2) يعاقب كل من يتلف أو يشوه عمدا أحد الممتلكات الثقافية المنقولة أو العقارية المقترحة للتصنيف أو المصنفة أو المسجلة في قائمة الجرد الإضافي، دون المساس بأي تعويض عن الضرر، بالحبس مدة سنتين (2) إلى خمس (5) سنوات، وبغرامة مالية من 20.000 دج إلى 200.000 دج وتطبق العقوبة نفسها على كل من يتلف أو يدمر أو يشوه عمدا أشياء مكتشفة أثناء أبحاث أثرية. بحسب نص المادة 96 من نفس القانون.

3) يترتب على أي تصرف، دون ترخيص مسبق، في ممتلك ثقافي عقاري أو منقول مصنف أو مسجل في قائمة الجرد الإضافي إلغاء عقد التصرف دون المساس بالتعويضات عن الأضرار. حسب نص المادة 97 من نفس القانون.

4) تنص المادة 101 على أنه يجب على كل حارس لممتلك ثقافي منقول مصنف أو مسجل في قائمة الجرد الإضافي وعلى كل مؤتمن عليه أن يبلغ خلال الأربع والعشرين (24) ساعة عن اختفاء هذا الممتلك وفي حالة عدم قيامه بذلك يعاقب بالحبس من ستة (6) أشهر الى سنتين (2) وبغرامة مالية من 100.000دج إلى200.000دج أو بإحدى العقوبتين فقط. كما تضاعف العقوبة في حالة العود.

5) يتعرض كل من يصدر بصورة غير قانونية ممتلكا ثقافيا منقولا مصنفا أو غير مصنف، مسجلا أو غير مسجل في قائمة الجرد الإضافي لغرامة مالية من 200.000 دج الى 500.000 دج، وبالحبس من ثلاث (3) سنوات إلى خمس (5) سنوات. وفي حالة العود تضاعف العقوبة.

وكما يتعرض للعقوبة نفسها كل من يستورد بصورة غير قانونية، ممتلكا ثقافيا منقولا، يعترف بقيمة التاريخية أو الفنية أو الأثرية في بلده الأصلي.

ثانيا: الحماية الدولية للمخطوطات في حالة النزاع المسلح:

إن ويلات الحرب العالمية الثانية لم تتوقف أضرارها، عند حد الإضرار بالإنسان وممتلكاته، بل امتدت ويلاتها لتطال حتى التراث الثقافي الموروث. لتتسارع الجهود الدولية للمجتمع الدولي إلى تجريم الأفعال الماسة بالتراث الثقافي للأي أمة أو دولة تمر بحالة حرب أو نزاع مسلح، حيث تمخض عن هذه الجهود الدولية صدور اللوائح الملحقة باتفاقية لاهاي لعام 1899 واتفاقيتي لاهاي الرابعة والتاسعة لعام 1907، لتتوج هذه الجهود في قيام منظمة التربية والعلوم والثقافة والمسماة باليونسكو، وهذا بناء على اقتراح قدمته دولة هولندا بإقرار اتفاقية لاهاي مع لائحة تنفيذية لها وبروتوكول إضافي أول في 14 مايو 1954، بشأن الحماية القانونية للممتلكات الثقافية. وبعد مرور 50 سنة دخل البروتوكول الثاني حيز التنفيذ بتاريخ 26 مايو 1999.

ولقد عرفت المادة الأول من اتفاقية لاهاي لعام 1954 الممتلكات المشمولة بالحماية في ظل النزاعات والحروب المسلحة بنصها ” يقصد بالممتلكات الثقافية مهما كان أصلها أو مالكها وموردها ما يأتي:

-الممتلكات المنقولة أو الثابتة ذات الأهمية الكبرى لتراث الشعوب الثقافي كالمباني المعمارية أو الفنية منها أو التاريخية، الديني منها أو الدنيوي، والأماكن الأثرية، ومجموعات المباني التي تكتسب في تجمعها قيمة تاريخية أو فنية، والتحف الفنية والمخطوطات والكتب والأشياء الأخرى ذات القيمة الفنية التاريخية والأثرية، وكذلك المجموعات العلمية ومجموعات الكتب الهامة والمحفوظات ومنسوجات الممتلكات السابق ذكرها.

-المباني المخصصة في صفة رئيسية وفعلية لحماية وعرض الممتلكات الثقافية المنقولة المبينة في الفقرة “أ”، كالمتاحف ودور الكتب الكبرى ومخازن المحفوظات وكذلك المخابئ المعدة لوقاية الممتلكات الثقافية المنقولة المبينة في الفقرة (أ) في حالة نزاع مسلح.  

-المراكز التي تحتوي على مجموعة كبيرة من الممتلكات الثقافية المبينة في الفقرتين (أ) و(ب) والتي يطلق عليها إسم “مراكز الأبينة التذكارية”.

لتنص المادة 53 من البروتوكول الأول والمادة 16 من البروتوكول الثاني على حظر ارتكاب مجموعة من الأعمال الماسة بالممتلكات الثقافية تتمثل فيما يلي:

-حظر ارتكاب أي من الأعمال العدائية الموجهة ضد الآثار التاريخية أو الأعمال الفنية أو أماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب.

-حظر استخدام الممتلكات السابق ذكرها في دعم المجهود الحربي.

-حظر اتخاذ مثل هذه الممتلكات محلا للهجمات الانتقامية.

أ) لجنة حماية الممتلكات الثقافية في حال النزاع المسلح:

أنشأت لجنة لحماية الممتلكات الثقافية بموجب البروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي لعام 1999 في المادة 24 والتي تتألف من 12 عضو تنتخبهم الدول الأطراف في اجتماع ينعقد في ذات الوقت مع انعقاد المؤتمر العام لليونسكو، والتي تراعي في تشكيلتها التمثيل العادل لمختلف الثقافات ودول العالم، بالإضافة إلى اختيار أعضاء مؤهلين في ميادين التراث الثقافي أو الدفاع أو القانون الدولي، على أن مدة العضوية فيها 4سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.

وفيما يتعلق بطريقة اجتماعها فهي تجتمع لمرة واحدة سنويا في دورتها العادية، بالإضافة إلى دورات استثنائية كلما دعت الضرورة، ولكل عضو فيها صوت واحد. وتصدر قرارات اللجنة بأغلبية ثلثي الأعضاء المصوتين، مع الإشارة إلى عدم جواز مشاركة أي عضو في عمليات التصويت إذا كان التراث المتنازع حوله ملك له. وعليه تتلخص مهامها في الأمور التالية:

-إعداد مبادئ توجيهية لتنفيذ أحكام البروتوكول.

-إنشاء قائمة بالممتلكات المعززة بالحماية.

-النظر في التقارير التي تقدمها الأطراف والتعليق عليها.

-توفير الحماية اللازمة للممتلكات الثقافية عن طريق استخدام أموال صندوق الحماية، الذي أنشئ بموجب البروتوكول لدعم التدابير التحضيرية والإجرائية التي تتخذ وقت السلم للمساهمة في حماية الممتلكات وقت الحرب.

ب) المسؤولية الدولية عن انتهاك أحكام حماية الممتلكات الثقافية في فترات النزاع المسلح:

-قررت المادة 56 من لائحة لاهاي المتعلقة بقواعد وأعراف الحرب البرية لعام 1907 اتخاذ الإجراءات القضائية ضد من يقوم عمدا بتدمير أو إتلاف المؤسسات المخصصة للعبادة أو الممتلكات الفنية والثقافية والعلمية والآثار التاريخية، دونما تحديد لطبيعة الإجراءات الملحقة القضائية هل هي جنائية أم مدنية، وطنية أو دولية.

-نصت المادة 28 من اتفاقية لاهاي لعام 1954 على تعهد الدول الأطراف بتفعيل إجراءات ردعية في تشريعاتها الجنائية التي تكفل محاكمة الأشخاص الذين يخالفون أحكام الاتفاقية أو يأمرون بمخالفتها والتأكيد على المسؤولية  الجنائية لمن يقوم بذلك.

– جاء البروتوكول الأول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف ليقرر التكييف القانوني لانتهاك حماية الممتلكات الثقافية المحمية، باعتبار شن الهجمات عمدا على الممتلكات الثقافية والتاريخية وأماكن العبادة والأعمال الفنية التي يمكن التعرف عليها موضوع جريمة حرب مادامت تتمتع بالحماية المادية.

-قرر البروتوكول الثاني لعام 1999 أحكاما مستقلة للولاية القضائية والمسؤولية الجنائية في المواد (15-21)، وإلزام الدول الأطراف إلى اعتبار الجرائم المنصوص عليها في هذه المواد جرائم بمقتضى القانون الداخلي، وضرورة فرض عقوبات على مرتكبيها والمحرضين على ارتكابها.

-تأكيد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والذي دخل حيز المفاذ بموجب ميثاق روما في الأول من يوليو عام 2002، على اعتبار الهجمات التي تشن على المباني المخصصة لأغراض للعبادة أو التعليم أو الفن أو الآثار التاريخية، بشرط أن لا تكون أهداف عسكرية، جرائم حرب تختص المحكمة بالنظر فيها، دون المساس باختصاص المحاكم الداخلية وفقا للقانون الداخلي والدولي.  

خاتمة:

  نظرا لتزايد الإهتمام الكبير للمخطوطات والوثائق باعتبارها من الشواهد التاريخية وكنوزاً للإبداع الفكري على مر الزمن، أصبحت تهتم اليوم وزارة التراث والثقافة بجمع المخطوطات، والوثائق ونسخ وصيانة هذه المخطوطات والوثائق والحفاظ عليها بطرق وأساليب علمية متطورة. وقد تمكنت الوزارة خلال الفترة الماضية من جمع العديد من المخطوطات وترميم العديد منها، إضافة إلى تضافر الجهود الدولية على توفير أكبر قدر من الحماية لهذا التراث النفيس.

قائمة الهوامش:

1)
حافظي زهير. دور تكنولوجيا المعلومات في حفظ المخطوطات العربية، تاريخ الإطلاع 07-03-2014 متاح على الموقع التالي:
 http://www.cybrarians.info/journal/no14/manuscripts.htm

2) محمد الشامي أحمد وحسب الله، المعجم الموسوعي لمصطلحات المكتبات والمعلومات، دار المريخ، الرياض، 1988، ص. 704.

3) عبد الستار الحلوجي، المخطوط العربي، مكتبة الصباح، الرياض الطبعة الثانية، 1989، ص. 15.

4) أحمد جلايلي، تحقيق المخطوطات: المفهوم والمنهج، مجلة البحوث والدراسات، عدد1، افريل 2004، كلية الآداب والعلوم الانسانية، جامعة ورقلة، الجزائر، ص. 160.

5) نفس المرجع، ص. 160.

6)
عبد الستار، الحلوجي، المرجع السابق.ص.  21و22

7) مزلاح رشيد، الأنظمة الآلية ودورها في تنظيم مخطوطات جامعة الأمير عبد القادر: واقع وآفاق، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في علم المكتبات، جامعة منتوري، قسنطينة، 2006، ص. 28.

8) نفس المرجع، ص 16.

9) عبد الستار الحلوجي، المرجع السابق، ص. 09.

10) عبد اللطيف صوفي، المكتبات في مجتمع المعلومات،قسمطينة،جامعة منتوري،2003. ص.232.

11) حافظي زهير، المرجع السابق.

12) يحي بن بهون حاج محمد، جهود المكتبة الجزائرية الوطنية في حماية وترميم المخطوطات من خلال دورة تكوينية بمخبر الحفظ والتجليد، دورية رفوف، مخبر المخطوطات الجزائرية في غرب إفريقيا، جامعة أدرار، العدد الثالث، 2013، ص. 75.

13) مصطفى مصطفى السيد يوسف، صيانة المخطوطات علما وعملا، القاهرة، عالم الكتب، 2002، ص. 85.

14) لحماية مخطوطاتك ….تعلم الأخطار التي تتعرض لها الوثائق والمخطوطات، متاحة على الموقع التالي http://www.mahaja.com ، تاريخ الإطلاع 07-03-2014

15)حافظي زهير، المرجع السابق.

16) حتحاتي محمد، الحماية القانونية للمخطوطات في التشريع الوطني والقانون الدولي،  الكتاب الدوري لمجلة دراسات وأبحاث، العدد الثاني، صناعة المخطوط الواقع والآفاق، الجزء الأول، منشورات مركز الحكمة، 2012، ص. 20.

17) نفس المرجع، ص. 22.

الفهرس:

العنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوان الصفحة
مقدمة 01
المحور الأول: التعريف بالمخطوط وأهميته 03
أولا: تعريف المخطوط 03
ثانيا: نشأة وتطور المخطوط العربي 03

ثالثا: أهمية المخطوط

05

المحور الثاني: الوسائل المادية الكفيلة بحماية المخطوط من التلف

06
أولا: العوامل المؤثرة سلبا على المخطوطات 07

1-العوامل الطبيعية

07
أ)ارتفاع درجة الحرارة 07
ب)ارتفاع نسبة الرطوبة 08
ج)تأثير الضوء 08
2-العوامل الكيميائية 09
3-العوامل البيولوجية 10
4-العوامل الإنسانية أو الذاتية 10
ثانيا: الرقمنة ودورها في حفظ الموروث الثقافي 11
المحور الثالث: الآليات القانونية الكفيلة لحماية المخطوط 11

أولا: الحماية القانونية للمخطوطات في ظل التشريع الجزائري

12

أ)جرد وتسجيل المخطوطات

13
ب)مساهمة الجهات الرسمية في صيانة وحفظ المخطوطات 14

ج)حظر نقل المخطوطات إلى خارج الوطن

15

د)العقوبات الموقعة على الشخص الماس بحماية المخطوط

15
ثانيا: الحماية الدولية للمخطوطات في حالة النزاع المسلح 16
أ) لجنة حماية الممتلكات الثقافية في حال النزاع المسلح 17
ب) المسؤولية الدولية عن انتهاك أحكام حماية الممتلكات الثقافية في فترات النزاع المسلح 17

خاتمة

18

قائمة الهوامش

18

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى