في الواجهةمقالات قانونيةوجهات النظر

قراءة في القانون التنظيمي 64.14 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات تقديم الملتمسات في مجال التشريع

 

قراءة في القانون التنظيمي 64.14 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات تقديم الملتمسات في مجال التشريع

 

محمد الهشامي طالب باحث في المجتمع المدني والديمقراطية التشاركية، جامعة الحسن الأول/كلية الحقوق سطات

 

لقد شكل حق المواطنات والمواطنين في تقديم ملتمسات في مجال التشريع، آلية من آليات الديمقراطية التشاركية، وضمانة  لتوسيع قاعدة المشاركة المدنية، وكذا ترسيخ الفعل المدني، محاكاة للبلدان الرائدة، والتجارب السباقة في اعتماد هذه الآلية.

جاء دستور 2011 بعد ما عرف ب “الربيع العربي”، ليفسح المجال بشكل كبير على مستوى النصوص القانونية أمام كافة المواطنات والمواطنين للمشاركة في صنع وتقييم السياسيات العمومية وتدبير الشأن العام والمحلي، عبر مجموعة من الآليات التشاركية/التشريكية. فنص الفصل 14 منه  صراحة على أن: ” للمواطنات والمواطنين، ضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي، الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع”، هنا يمكن القول أن المشرع المغربي اعتمد  صيغة الوضوح عندما خاطب بصفة عامة  ودون أدنى شرط يذكر “…المواطنات والمواطنين…” وأعطى حق تقديم ملتمسات للمساهمة في مجال التشريع.

كما أن الاهتمام الكبير الذي خصت به الوثيقة الدستورية 2011 لموضوع الديمقراطية التشاركية والمجتمع المدني، عجل ودفع بالهيئات الحكومية والقطاعات الوزارية إلى الإسراع في إخراج قوانين تنظيمية تنزل ما نصت عليه فصول الدستور في ما يخص مجال الديمقراطية التشاركية. ومن هذا المنطلق فالسؤال الذي يمكن طرحه بخصوص هذه الترسانة القانونية يتعلق بمدى قدرتها على تنزيل النص الدستوري؟ وإلى أي حد استطاعت ترجمة حمولته على أرض الواقع؟

في 27 يناير 2016  صادق مجلس النواب في جلسة تشريعية على مشروع القانون التنظيمي 64.14 بتحديد شروط وكيفيات تقديم الملتمسات في مجال التشريع، كما صدر ظهير شريف رقم 1.16.108 بتنفيذ القانون التنظيمي أعلاه بالجريدة الرسمية عدد 6492 بتاريخ 18 غشت 2016.  وشكل هذا القانون التنظيمي أحد أهم القوانين التي أتارث نقاشا كبيرا على مستوى الساحة. نظرا لما تحمله مواده، إلى جانب القانون التنظيمي رقم 44.14 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية.

والمتتبع في هذا السياق، سيلاحظ بشكل جلي أن المشرع المغربي أدار ظهره لروح الفصول الدستورية التي كانت واضحة، والمواد التي جاءت بها هذه القوانين التنظيمية لم تستجب لها، بالتالي عوض أن تفتح  المجال  وتوسع نسبة المشاركة المدنية، ستزيدها تضييقا من خلال الشروط التعجيزية التي نصت عليها، والتي كانت محط نقاش لدى هيئات ومكونات النسيج الجمعوي للمجتمع المدني، وهي نصوص لن تزيد إلا من عدم تكون “وعي مدني” لدى مكونات المجتمع، وتكبح النموذج التشاركي المدني الذي يسعى المغرب إلى بنائه.

من خلال هذا المقالة سنحاول تسليط الضوء على أهم ما جاء به القانون التنظيمي 64.14  المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع، وسنركز خاصة على المواد التي نرى فيها نوعا من الفرملة أمام المشاركة المدنية للمجتمع المدني.

 أولا:

   قبل التطرق إلى أهم الإشكاليات التي طرحتها مواد القانون التنظيمي أعلاه، سنقف عند تعريف الملتمس في مجال التشريع كما نصت على ذلك المادة 2 في البند الأول منها، بحيث أشارت إلى أن الملتمس “كل مبادرة يتقدم بها مواطنات ومواطنون وفق أحكام هذا القانون التنظيمي يهدف المساهمة في المبادرة التشريعية، ويشار إليها باسم الملتمس”. فهذا الملتمس أو المبادرة كما عرفته المادة أعلاه، يمكن أن يصبح مقترحا إذا تبناه أحد البرلمانيين، وذلك وفق شروط كما تم التنصيص عليها.

بعد تعريف الملتمس مباشرة، نص البند الثاني من المادة الثانية أعلاه، على شرط التسجيل في اللوائح الانتخابية العامة، بالنسبة لأصحاب الملتمس من المواطنات والمواطنين المقيمين بالمغرب أو خارجه…وهذا الشرط يمكن أن يعطي نتائج عكس ما يراد تحقيقه، وهذه أبرز الملاحظات المسجلة بخصوصه، بحيث أنه:

1/ سيقيد من ممارسة آلية الديمقراطية التشاركية عبر المشاركة بتقديم ملتمسات في مجال التشريع، لأن الخضوع لهذا الشرط يدفعنا للتساؤل حول نسبة المواطنات والمواطنين المسجلين في اللوائح الانتخابية العامة؟،

2/ يحرم شريحة مهمة من المغاربة من مباشرة حق مكفول لهم بموجب الوثيقة الدستورية،

3/ يحد من استقطاب عدد كبير من المواطنين،

4/ يقلص من توسيع وتكريس ثقافة الممارسة المدنية،

 

إن المشاركة في الديمقراطية التشاركية لا يتطلب الولاء للديمقراطية التمثيلية عبر ضرورة التسجيل في اللوائح الانتخابية، وهذا يرجعنا إلى الممارسة التقليدية/المقيدة، فالديمقراطية التمثيلية تبقى سلطة تقليدية تقيد مشاركة المواطنين، وبعد الفوز بأصواتهم،   تبقى غير قادرة على الاستجابة لتطلعاتهم، على اعتبار أن العلاقة القائمة هنا بين المواطنين والهيأة المنتخبة أقل ما يمكن وصفها ب”البراغماتية” ليس إلا، تستفيد الهيأة المنتخبة بنسبة عالية من هذه العلاقة. وعليه فإن من نتائج هذه العلاقة، إفراغ الديمقراطية من محتواها ونشاطها، والمساهمة في اتساع الهوة بين الفاعل السياسي والمواطن/الصوت، الذي يشكل له ورقة رابحة يقودنا مباشرة – وفي ذات السياق- إلى العزوف السياسي.

     ثانيا:

البند الخامس من المادة 2 من القانون التنظيمي 64.14 أعلاه، جاء فيه بصريح العبارة  على أن: “لجنة تقديم الملتمس هي لجنة مكونة من تسعة أعضاء على الأقل يختارهم أصحاب المبادرة في تقديم الملتمس ومن بينهم، شريطة أن ينتسبوا إلى ثلث عدد جهات المملكة”. هذا الشرط ينضاف إلى باقي الشروط/المعيقات المسجلة في هذا القانون التنظيمي، والتي لا تتماشى وفلسفة الدولة في إشراك أكبر عدد للمواطنين، وإعادة الثقة بين مكونات المجتمع والدولة التي تسببت الديمقراطية النيابية في غيابها…

 

وللإشارة فبالرجوع إلى المكتسبات التي حققتها الدول الناجحة، والاتفاقيات التي وقعها المغرب، وكذا التوصيات التي ذكرت بها المفوضية السامية لحقوق الإنسان – بحيث نادت بضرورة القضاء على العوائق أمام المشاركة في صنع القرار-  فإن هذه الشروط لا تشكل محفزا للمواطن بصفة عامة، ومكونات (المجتمع المدني) خاصة، للمشاركة في تدبير الشأن العام والمحلي، وأن يكون إلى جانب الفواعل الرسمية (القطاعين العام والخاص)، لصناعة وبلورة السياسات العمومية عبر آليتي الملتمسات والعرائض، والمشاركة في صناعة القرار.

  ثالثا:

إن أكثر ما يمكن وصفه “بالبيروقراطية التشاركية” عوض “الديمقراطية التشاركية”، هو ما نصت عليه المادة 7 في بندها الثاني، والتي حددت عدد مدعمي الملتمس في  25000 ألف على الأقل، مع إرفاق لائحة دعم الملتمس بنسخ من بطائقهم الوطنية للتعريف. فهذا الشرط التعجيزي يرجعنا لنقطة الصفر، وإلى إعطاء الأولوية للديمقراطية التمثيلية، وبقاء الديمقراطية  التشاركية  تحت سلطتها. فلا يمكن أن تمارس كآلية لإشراك وتشريك المجتمع المدني إلا بموافقة الديمقراطية التمثيلية… وهذا ما يؤكده البند الأخير من المادة 10 الذي ينص على أنه: “لا يقبل قرار رفض الملتمس أي طعن” على الرغم من أن القانون التنظيمي في المادة نفسها نص على أن عدم قبول الملتمس يكون معللا، إلا أن هذا التعليل قد يأخذ عدة أوجه في حالة رفض تبني الملتمس من طرف عضو أو أكثر من أعضاء اللجنة البرلمانية المختصة، وهذا ما يطرح إشكالية حول صحة ومدى قوة التعليل الذي  بموجبه تم رفض ذلك الملتمس من جهة، والعدد الهائل من المواطنات والمواطنين الموقعون عليه من جهة ثانية.

   رابعا:

تثير المادة 11 من القانون التنظيمي السالف الذكر نقطة مهمة بخصوص مدى نجاعة العمل التشريعي المغربي، وهل حقا توجد القدرة على تبني ذلك الملتمس ودراسته، ومحاولة الوقوف على أهم الإشكاليات التي يطرحه، وعلى الإشكاليات التي سيعالجها مستقبلا ؟. بحيث جاء في المادة أعلاه: “يحق للجنة تقديم الملتمس أن تسحب ملتمسها في أي وقت، ما لم يتبنه عضو أو أكثر من أعضاء اللجنة البرلمانية المختصة طبقا لأحكام المادة 12 بعده”. فالظاهر أن هذا الملتمس الذي سيقدمه المواطنات والمواطنون البالغ عددهم على الأقل 25000 ألف قد يبقى قبوله محط احتمال ليس إلا، مادامت اللجنة البرلمانية غير قادرة على تبنيه. ولا يوجد ما يلزم بذلك ما دام الاكتفاء بتعليل الرفض كافيا.

 

كختام فإن الممارسة المدنية أو السياسية تقترن بوجود “ثقافة المشاركة” كفكرة وكتنظير أولا لدى المواطن الفرد، يتبعه رغبة وإرادة فعلية من الجهات الرسمية، قصد منحه شرعية لإشراكه إلى جانب باقي الفواعل في الحياة السياسية/المدنية، وتبعا لهذا السياق فإن هذه المشاركة لن تنتقل من مجالها النصي كفكرة وتنظير إلى ممارسة مجتمعية إذا واجهتها عراقيل ومعيقات، خاصة إذا كانت هذه المعيقات تدخل ضمن “النص” الممهد لترجمة المشاركة المدنية على أرض الواقع. والمجتمع المدني الذي تعتبره التجارب الغربية خطا موازيا لها، استطاعت تحقيق تنمية واسعة بأقصر الطرق من خلاله، وذلك راجع لقوته وفعاليته والمسؤولية التي يتحلى بها لنشر وتكريس الممارسة المدنية كفكرة -مرحلة أولى- وترجمتها كفعل ملموس على الساحة كمرحلة ثانية. ولا يمكن الانتقال إلى التنزيل السليم والفعال دون وعي مكونات المجتمع بالعمل المدني “كثقافة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى