أطروحات و رسائل

وضعية الأجراء بين نظام صعوبات المقاولة ومدونة الشغل – دراسة مقارنة رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص

title

مقدمـــة

يؤكد تاريخ القانون أن قوانين الإفلاس القديمة كانت تتسم بطابع عقابي، حيث إن المدين المتوقف عن أداء ديونه عند حلول تاريخ استحقاقها، كان يشكل عقبة في سبيل استقرار المعاملات التجارية، ولذلك كان جزاؤه هو تصفية ذمته المالية.  ولما كان هذا العقاب ينسجم والظرفية التي كان يعرفها اقتصاد القرن التاسع عشر، فإن هذه الوضعية قد تغيرت بهبوب رياح جديدة، تحمل بين طياتها ملامح نظام اقتصادي جديد قائم على تكتل رؤوس الأموال، وتلعب من خلاله المقاولة دورا أساسيا في إرساء أسس اقتصاد متين، وترسيخ دعائم حقيقية للاستقرار الاجتماعي.

وهكذا وفي ظل هذه المعطيات، فطنت التشريعات إلى أن نظام الإفلاس لم يعد يخدم الأهداف العليا للدولة، وذلك لأنه لم يكن يراعي المصلحة العامة، وإنما كان اهتمامه مركزا على حماية المصالح الخاصة للدائنين، وهذا كان يؤثر في وجود المقاولة التي كانت مهددة في ظل هذه الوضعية بالتصفية الكلية لأصولها.

وتأسيسا على ذلك ، ظهرت الحاجة إلى نظام قانوني بديل، يكون هاجسه الأساسي ضمان بقاء المقاولة مع مراعاة المصالح المرتبطة بها، باعتماد آليات تقوم على الوقاية والمعالجة من الصعوبات التي قد تعترض المقاولة، بالشكل الذي يضمن استمرار نشاطها.

وهو الأمر الذي تحقق في ظل ظهور نظام صعوبات المقاولة، الذي جاء بمضامين تحقق الاستقرار المنشود، وتضمن مراعاة البعد الاقتصادي والاجتماعي، دون نسيان البعد الائتماني للمقاولة. ولعل هذا التوجه يبرز الرغبة الجامحة والملحة للمشرع للنهوض بهذا الكائن الحيوي، وذلك بتمكينه من الوسائل الناجعة والملائمة لسرعة الاندماج في المحيط الاقتصادي، وهذا لن يتأتى إلا في ظل وجود مقاولة قوية تتوفر على مختلف المقومات المساعدة لمواجهة تحدي المنافسة، وهذا الرهان لم يعد تحقيقه مرتبطا برئيس المقاولة، بل إن حضور الهاجس الاجتماعي والاقتصادي والائتماني جعل من المقاولة شأنا عاما، وبعبارة أخرى، فمسؤولية النهوض بالمقاولة باستئصال مكامن الداء فيها لم تعد حكرا على المشغل فقط، بل تعدته إلى أجهزة وهيآت أخرى تلعب فيه الدولة والأجراء والدائنون دورا بارزا من أجل وضع أسس أرضية صلبة للمقاولة.

وهكذا فإن الدولة القائمة على الإشراف والمراقبة على مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والهادفة إلى تحقيق التوازن السوسيواقتصادي، كان لزاما عليها أن تتسلح بتحديث قوانينها، خصوصا ذات الصلة بحماية المجتمع اقتصاديا واجتماعيا٠

 وبما أن المقاولة نواة إنتاج تلتقي فيها مختلف شرائح المجتمع، فإن المشرع خصها بأحكام وقواعد تهدف إلى إنقاذها بضمان استقرارها واستمرارها حماية وتحقيقا للمساواة الاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما يمكن ملامسته من خلال مضامين الكتاب الخامس من مدونة التجارة المغربية، والذي يجسد بالفعل الانشغال الحقيقي للدولة المغربية الحديثة، والمتمثل في هاجس توفير الشغل وتحسين الإنتاج، وهذه الأمور لن تتحقق إلا في ظل  تأهيل المقاولة وتحديثها وإن اقتضى الأمر مساعدتها وإنقاذها أو التدخل لأجل علاجها ما لم يقتض الأمر تصفيتها.

من هنا يتضح الارتباط الوثيق بين المصالح المختلفة بالمقاولة، فهذه الأخيرة تعتبر وسيلة لتحقيق الأغراض الاجتماعية، والتي يعد عقد الشغل أحد أبرز تجلياتها، ففي ظل تبني السلطة القضائية لأحد الحلول للنهوض بالمقاولة وإخراجها من وضعية التوقف عن الدفع ،وسواء اختارت مخططا للاستمرارية أو مخططا للتفويت، فإن الهدف الأساسي يبقى هو القيام بوظيفة تصحيح مسار المقاولة اقتصاديا وماليا واجتماعيا.

ولعل هذا الموقف الذي تبناه المشرع هو الدافع الأساسي لاختيارنا هذا الموضوع ،تدفعنا إلى جانب  ذلك عدة مبررات٠

أولا ׃ موضوع البحث ׃

ارتبطت مصالح الأجراء باستمرار نشاط المقاولة  من هذا المنطلق ترسخت القناعة بضرورة ضمان بقاء هذه الوحدة الإنتاجية وهو الأمر الذي تجسد من خلال استحداث  نظام قانوني تمحور حول معالجة المقاولة من الصعوبات التي تعترضها حيث جاء بآليات جديدة  تمزج بين الطابع الوقائي والعلاجي ،الشيء الذي طمأن نوعا ما الطبقة العاملة على مصيرها ومستحقاتها ٠

    ونظرا لأن مضمون الكتاب الخامس من مدونة التجارة  كان متوجها بالدرجة الأولى لإنقاذ المقاولة ﻔﺈن ذلك طرح عدة تساؤلات حول وضعية المصالح المرتبطة بها ،وتعد حقوق الأجراء من بينها لذلك ظهرت الحاجة إلى سن قانون جديد يراعي المركز القانوني لهذه الفئة خلال جميع مراحل حياة المقاولة  وهو الأمر الذي تأتى من خلال إخراج مدونة الشغل إلى الوجود هذه الأخيرة اعتبرت معطى قانوني هام لصالح الأجراء وذلك راجع لكونها تفردت بوضع مختلف الضمانات الحمائية لتكريس السلم والأمن الاجتماعيين٠

ثانيا ׃ دواعي اختيار الموضوع :

يأتي اختيارنا للبحث في موضوع " وضعية الأجراء بين نظام صعوبات المقاولة ومدونة الشغل – دراسة مقارنة – " في ظل المعطيات التالية :

– قلة الإسهامات الفقهية، حيث إن تناول هذا الموضوع بالكتابة لم يحظ بالعناية اللازمة فأغلب الكتابات التي قدر لنا الإطلاع عليها باللغتين العربية والفرنسية تشير إلى الموضوع فقط وذلك في خضم الحديث عن وضعية المصالح المرتبطة بالمقاولة الواقعة في صعوبة والتي يعد المجال الاجتماعي أحد أهم العناصر فيها.

– حساسية وضعية الطبقة العاملة، حيث إنه يجب أن لا نغفل أن الأجير يكفل أسرته بما تدره عليه المقاولة التي يشتغل بها من أجر، هذا العنصر الأخير يتهدده شبح الاندثار في ظل توقف المقاولة المشغلة عن الدفع، وبالتالي فإن هذا يكرس التوجه الذي يقر بأن أول المتضررين من تعثر المقاولة هم العاملون فيها.

– الإسهام في هذا الموضوع من خلال البحث عن الضمانات القانونية والقضائية التي يتيحها التشريع المغربي للأجراء ومقارنتها بنظيرتها في القانون الفرنسي لنبرز مكامن القوة والضعف في نظامنا القانوني حتى يتم تداركه.

– الخوف على مصير عقود الشغل في ظل تبني الدولة المغربية لسياسة الانفتاح الاقتصادي والتي ستضع المقاولة الوطنية في المحك مادام أن 95 % منها مكون من مقاولات صغرى ومتوسطة، سيما وأن هذا التوجه الليبرالي سيفتح المجال أمام المقاولات الأجنبية الكبرى للبحث عن الريادة في هذا السوق الجديد وذلك بإدخال تقنيات جديدة تسمح بتوفير الجودة وبأقل تكلفة، وهذا من شأنه أن يحرج مقاولاتنا في ظل إمكاناتها المحدودة مما قد يعرضها لخطر التصفية.

– حماستنا لمعالجة هذا الموضوع والذي واكبته تشجيعات الأستاذ المؤطر وبعض أساتذة الوحدة، إلى جانب موازاة اختيارنا لهذا الموضوع مع خروج مدونة الشغل إلى حيز الوجود بعد مخاض عسير وبالتالي سيتيح لنا هذا الموضوع مناقشة بعض موادها.

– كثرة الإشكالات التي يطرحها هذا الموضوع، بداية من قصور الصياغة القانونية لمواد مدونة التجارة ومدونة الشغل، مرورا بضآلة الضمانات المتاحة لحماية مصالح الأجراء، ووصولا في نهاية المطاف إلى انعكاسات توقف المقاولة عن الدفع على مصير الشغل، حيث يتهدد الأجير خطر الإعفاء.

ثالثا׃الإشكالات المطروحة:

أمام شح الكتابات التي تناولت موضوع وضعية الأجراء في نظام صعوبات المقاولة أخذنا على عاتقنا عبء مناقشته محاولين من خلال ذلك الإجابة على أهم التساؤلات التي يطرحها والتي يعد الإشكال الرئيسي فيها هو كالتالي ׃

– في إطار الفلسفة التي تبناها المشرع عند إقراره لنظام صعوبات المقاولة ماهي الضمانات التي كرسها هذا القانون لحماية مصالح الأجراء ؟

وبعبارة أخرى : إلى أي حد استطاع المشرع تكريس مفهوم السلم الاجتماعي داخل المقاولة المتعثرة ؟

وعن هذا السؤال المركزي تتفرع الإشكالات التالية :

– ماهو مصير عقود الشغل في ظل توقف المقاولة عن الدفع ؟

– ما مآل الديون المستحقة للأجراء على المقاولة المتعثرة ؟

– أي دور للأجير في ظل نظام المساطر الجماعية ؟

– إلى أي حد استطاعت الأجهزة المتدخلة في نظام صعوبات المقاولة، الدفاع عن                                                                             مصالح المأجورين ؟

– ما مدى تفعيل المسطرة الاجتماعية في نزاعات الشغل ؟

– ما هي الآليات التي يعتمدها القضاء لضمان حقوق الطبقة العاملة ؟

– هل ثمة طرق بديلة تجنب الأجير تعقيدات الإجراءات المتبعة أمام المحاكم ؟

هذه الأسئلة وغيرها والتي تشكل خطوط الإشكالية المركزية سيتم الإجابة عنها في حينها ضمن مضامين موضوعنا.

رابعا ׃ صعوبات البحث ׃

تتجسد أهم الصعوبات التي واجهتنا في ندرة الأعمال التي تناولت الموضوع في الخزانة المغربية ٠

نفس الصعوبات جابهتنا حين جمع العمل القضائي المغربي حيث لم تسعفنا اجتهادات المحاكم المغربية سيما في مجال صعوبات المقاولة في الاستئناس بها في كثير من النقط ٠

خامسا׃ منهجية البحث׃

ترتكز دراستنا لهذا الموضوع على الجوانب التالية ׃                                                                    

1 – الدراسة المقارنة ׃ حيث إن تحليلنا سينصب على القانون الفرنسي بغية الوقوف على ثغرات نظيره المغربي والسعي للخروج ببعض الجوانب الايجابية للاستفادة منها٠

2 – الجانب النقدي ׃ من خلال استعراض مختلف النقاط التي تخلف فيها التشريع المغربي عن التشريع الفرنسي محاولين اقتراح حلول وبدائل لتقويم النقص٠

سادسا ׃ خطة البحث ׃

يلاحظ ﺃﻦ البعد الاجتماعي يبقى ﺃحد العناصر البارزة داخل المقاولة،لذلك يتوخى التشريع المحافظة عليها لتوفير ضمانات البقاء للمصالح المرتبطة بها، ويتعلق الأمر هنا بالحق في الشغل، الذي نادى جلالة الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير بضرورة مراعاته في سياسة الحكومة، وذلك بقوله " … وفي هذا الصدد نجدد التأكيد على أننا نعتبر توفير فرص العمل المنتج للشباب في صدارة انشغالنا، بالنظر لكونه استثمارا لطاقات ما أحوج بلادنا إلى سواعدها وعقولها، وبقدر ما نوجه الحكومة إلى أن تواصل إيلاء قضية تشغيل الشباب أسبقية الأسبقيات … "(1).

 

 

 
 

 

 

(1)    نص الخطاب منشور بجريدة الصباح، السنة السادسة العدد 1654، الاثنين 01/08/2005، ص 3.

 

 

 

 إلى جانب ذلك،هناك العنصر الثاني وهو مرتبط بضمان أداء مستحقات الأجراء، هؤلاء يلعبون بحكم موقعهم داخل المقاولة دورا بارزا في النهوض بها، وذلك إما بوصفهم شركاء فيها من خلال إسهاما تهم في رأسمال المقاولة، أو من خلال المعطيات التي يتوفرون عليها والتي تجعل منهم مصدرا مهما للمعلومات.

ولما كانت السمة البارزة في نظام صعوبات المقاولة هي اعتماد آليات ترمي في مجملها إما إلى الوقاية أو اعتماد مساطر المعالجة، فإن طبيعة الأهداف المراد تحقيقها، قد أفرزت ضرورة الاستعانة ببعض المؤسسات٠ ومادام أن طبيعة الموضوع محل البحث مرتبطة بالمجال الاجتماعي، فإن الأجهزة المتدخلة في هذا الإطار تلعب دورا يتحقق من خلاله الضمان المراد للطبقة العاملة، وهذا ما يمكن ملاحظته في ظل وجود مفتشية الشغل كجهاز قانوني يتمثل دوره الأساسي في مراعاة التطبيق السليم للمقتضيات المضمنة في مدونة الشغل، وكذا الحال بالنسبة للجنة المقاولة تلك المؤسسة الجديدة، والتي تضطلع بحكم مهامها التمثيلية بصلاحيات تنصهر كلها في هدف وحيد هو حماية حقوق الأجراء.

إلى جانب ذلك ثمة جهازان قضائيان يتم انتدابهما بموجب الحكم الصادر بفتح مساطر المعالجة، ويتعلق الأمر هنا بالسنديك والقاضي المنتدب، فأي دور لهذين الجهازين في ضمان تحقيق الأمن الاجتماعي ؟

وحتى تضطلع الدولة بمسؤولياتها اتجاه هذه الوحدة الإنتاجية، أوكلت للقضاء التجاري صلاحيات مهمة تتجلى في سلوك مجموعة من المساطر لضمان استمرار نشاط المقاولة والحفاظ على وضعية التشغيل وحماية مصالح الدائنين دون إهمال تنفيذ التزامات المقاولة وذلك استجابة لمسايرة التطور الاقتصادي.

       وهكذا يتضح أن القضاء أصبح يضطلع إلى جانب مهامه الكلاسيكية بأخرى اقتصادية تسير في اتجاه خدمة المصالح الاجتماعية، وهو الأمر الذي يمكن ملاحظته من خلال الأدوار التي يقوم بها والتي تخوله اقتراح الحل الملائم لوضعية المقاولة المتعثرة وذلك إما  بتبني مخطط للاستمرارية أو مخطط للتفويت أو تصفيتها قضائيا إذا كانت وضعيتها مختلة بشكل لا رجعة فيه.

وهو في سبيل تحقيقه لهذه الأهداف يعتمد على مجموعة من الآليات في سبيل الإحاطة بواقع المقاولة الاجتماعي، وكذا يبقى هذا العنصر الأخير حاضرا في ظل صلاحية الاختيار المخولة للقاضي بشأن العروض المقدمة في ظل تبني مخطط للتفويت، وكذلك أثناء إنهاء عقود الشغل وذلك من خلال فرض رقابته على مدى احترام المسطرة المنصوص عليها في مدونة الشغل.

ومادام الأجير هو المعني المباشر بالحماية  فقد خوله المشرع في سبيل تكريس الطابع الحمائي، امتيازات مسطرية أثناء اصطدام مصالحه برغبات المشغل، وهكذا متعه بنظام المساعدة القضائية، وبتشكيل خاص لهيئة الحكم، كما أن الأحكام الصادرة في المادة الاجتماعية تكون مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون.

وإذا كان النظام القضائي بما يعتريه من بطء في الإجراءات من شأنه أن يهدد مصالح الأجراء، فقد عملت مختلف التشريعات على ابتكار حلول سلمية تكون مقترحا بديلا لفض نزاعات الشغل بشكل ودي وتوافقي، وهو الأمر الذي يتحقق في ظل تطبيق الصلح والتوفيق والوساطة …

ومع كل ذلك  فإن التجربة بينت أنه سواء تعلق الأمر بسلوك الحلول البديلة لتسوية المنازعات أو باللجوء إلى القضاء الرسمي لفض النزاعات الشغلية، فإنه في أغلب الأحيان يفرز الواقع العملي الاضطرار إلى اللجوء إلى مسطرة الإعفاء لضمان استمرار نشاط المقاولة، هذا المعطى من المرشح أن يستفحل في ظل انخراط الاقتصاد المغربي في مناخ اقتصادي جديد، حيث إن المقاولة المغربية هي ذات إمكانات محدودة سواء على الصعيد المادي أو حتى التقني، وهذا من شأنه أن ينعكس سلبا على الإنتاج، وهو ما يصطدم ومتطلبات المنافسة الدولية التي تفرض على المقاولات المنافسة التميز من ناحية الجودة والثمن.

و سيؤثر هذا الأمر لا محالة على استقرار علاقات الشغل، إذ في ظل وجود 95 % من المقاولات الصغرى والمتوسطة بالمغرب سيكون باب التخلي عن الأجراء بداعي الحفاظ على القدرة التنافسية مفتوحا، مادام أن أجور الطبقة العاملة تدخل ضمن التكلفة الإجمالية للمنتوج، وهذا من شأنه أن يهدد الاستقرار الاجتماعي،على الرغم من أن نظام صعوبات المقاولة اعتبر بمثابة نقطة تحول كبرى، إذ أن تطبيقه ساهم في الحفاظ على عدد كبير من المقاولات رغم توقفها عن الدفع (1) وهذا ساعد في الحفاظ على التوازن الاقتصادي وبالتالي الاجتماعي.

ولمقاربة كل هذه المراحل نقترح التقسيم الثنائي التالي :

الفصل الأول     : حقوق الأجراء في نظام صعوبات المقاولة.

الفصل الثاني : حقوق الأجيربين فعالية القضاء والطرق البديلة لتسوية المنازعات.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
 

 

 

(1) أنظر في هذا الشأن الملحق رقم 1، والذي يجسد الإحصاءات الرسمية للمقاولات الخاضعة لنظام صعوبات المقاولة ، صادرة عن المحكمة التجارية بالدارالبيضاء، وتوضح انخفاض عدد المقاولات المحكوم بتصفيتها، وهذا يعد إنجازا في حد ذاته يؤكد نجاعة هذا النظام في تحقيق الاستقرارين الاقتصادي والاجتماعي، ولو أن خلق هذا التوازن قد يكون مرفوقا بسلوك مسطرة الإعفاء لضمان استمرار نشاط المقاولة.

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الأول  :

حقوق الأجراء في نظام صعوبات المقاولة ׃

 

 

 

 

 

 

 

 

          وعيا من المشرع المغربي بالتحولات التي شهدها ويشهدها العالم في ظل عولمة الاقتصاد القائمة على غزو الأسواق والانفتاح على التقنيات، عمل على تحيين قوانينه بالشكل الذي يضمن مواكبة التطور المتنامي الذي تفرضه شدة المنافسة.

ولما كانت المقاولة أحد الرهانات المعول عليها، باعتبارها وحدة اقتصادية واجتماعية تساهم في التنمية، تدخل لإنقاذها من الصعوبات التي تعترضها بموجب الكتاب الخامس من مدونة التجارة، وذلك من أجل الحفاظ على الاستقرارين الاقتصادي والاجتماعي، هذا الأخير احتل موقعا مهما وأصبح هاجسا يخامر المشرع سيما في ظل الصعوبات التي تمر منها بعض المقاولات حيث كان عليه البحث عن الحلول والإجراءات الضرورية لحماية الطبقة العاملة ، وذلك بالشكل الذي يمكنه أن يضمن حقهم في الشغل وفي استيفاء مستحقاتهم التي تعد ديونا على المقاولة المتعثرة (المبحث الأول).

ولما كان القضاء هو الجهاز الرسمي الساهر على حسن تطبيق نظام صعوبات المقاولة، وذلك بالشكل الذي يضمن للدائنين عامة والأجراء على وجه الخصوص حقهم في استخلاص  ديونهم، فقد اعتبر مصلحة الطبقة العاملة من أولويات هذا النظام وذلك في ظل تشعب المشاركة العمالية، وكذا دورها خلال تطبيق نظام  المساطر الجماعية.

وفي هذا السياق، وأمام كثرة الملفات المعروضة على المحاكم، تبين لهذه الأخيرة بأن الحفاظ على المكتسبات الاجتماعية لن يتحقق إلا في ظل وجود أجهزة مساعدة، وهو الشيء الذي تفعل عمليا بوجود السنديك والقاضي المنتدب وممثلين للأجراء وكذا مفتشية الشغل (المبحث الثاني).

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول :

ضمانات الحفاظ على حقوق الأجراء في ظل نظام صعوبات المقاولة׃

سعى المشرع من خلال اعتماده على نظام صعوبات المقاولة إلى المحافظة على مجموعة من الحقوق المرتبطة بالمقاولة، ولما كان البعد الاجتماعي ﺃحد المجالات المتصلة بها، فقد شكل ﺃحد مراميه ولذلك اتخذ كافة التدابير في سبيل تحقيق هذه الغاية، لأن الأمر يهم فئة تشكل شريحة مهمة في المجتمع وهم الأجراء، وهكذا تبنى حلولا تراعي المصلحة الاجتماعية بالشكل الذي يحفظ أكبر عدد من مناصب الشغل (المطلب الأول)، وفي نفس الوقت يضمن استخلاص ديونها أثناء سريان مساطر المعالجة (المطلب الثاني).

المطلب الأول :

مصير عقود الشغل في إطار سلوك مخطط الاستمرارية والتفويت׃

يعد عقد الشغل أحد العناصر التي راهن المشرع على الحفاظ عليها من خلال تطبيق مضامين الكتاب الخامس من مدونة التجارة، وفي سبيل ذلك، وضع مجموعة من الضوابط ومرد ذلك بالأساس إلى الأهمية التي يتسم بها لدى الأجراء، حيث يعتبر المصدر الأساسي لعيشهم، ولذلك وحفاظا على التوازن الاجتماعي الذي يخلقه كان لابد من سن إجراءات هاجسها الأساسي ضمان استمرار هذه العقود، سواء كان ذلك خلال تبني مخطط للاستمرارية (الفقرة الأولى)، أو أثناء اختيار التفويت كحل (الفقرة الثانية).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفقرة الأولى : وضعية عقود الشغل خلال سلوك مخطط الاستمرارية ׃

يعتبر مخطط الاستمرارية حلا من حلول مساطر معالجة صعوبات المقاولة إلى جانب كل من التفويت والتصفية القضائية، وقد استهدف المشرع من خلاله إنقاذ المقاولة، ذلك الكائن الذي انتقل من فكرة كونه مجرد وحدة قانونية إلى أخرى تصنفها ضمن الوحدات الاقتصادية، حيث تعد مركزا لمجموعة من المصالح يجب حمايتها، وذلك بضمان استمراريتها، (1) وهو ما تم فعليا من خلال اعتماد التسوية القضائية، والتي تتحدد أهدافها وفق منطوق المادة الأولى من قانون 25 يناير 1985 الفرنسي كما يلي :

" تحدث مسطرة للتصحيح القضائي تهدف إلى حماية المقاولة والمحافظة على النشاط الاقتصادي والشغل وتصفية الخصوم … " (2).

وهكذا يبدو اعتماد مخطط الاستمرارية ﺃحد أهم أنجع الحلول المقترحة لتصحيح وضعية المقاولة، لأننا باعتماده نحقق أحد أهم أهداف نظام صعوبات المقاولة، ألا وهو ضمان بقاء المقاولة عن طريق بث الحياة فيها بإعادة استغلال نشاطها، وفي ذلك طمأنة للأجراء والدائنين.

وعليه، ولتحقيق الغاية المرجوة من وراء تبني هذا المخطط فإنه يلزم أن يتضمن مختلف العناصر ذات الصلة بالمقاولة، فهو من جهة يجب أن يعين الأجهزة التي ستنفذ المخطط، بما في ذلك تحديد الالتزامات الملقاة على عاتقها لتصحيح وضعية المقاولة المختلة، ومن جهة أخرى ينبغي عدم إهمال العنصر الاجتماعي والذي تتحدد على ضوئه التصورات المعطاة بشأن قطاع الشغل، بما في ذلك اقتراحات الإعفاء كلما دعت الضرورة إلى ذلك (3).

 

 

 

 
 

 

 

(1) وهو ما أكده المشرع المغربي من خلال المادة 592 من م ت  بقوله إنه :

     " تقرر المحكمة استمرارية المقاولة إذا كانت هناك إمكانات جدية لتسوية وضعها وسداد خصومها … ".

     – وتقابلها في القانون الفرنسي الفقرة الأولى من المادة 69 من قانون 25 يناير 1985 وقد جاء فيها :

« le tribunal décide, sur le rapport de l’administrateur, la continuation de l’entreprise lorsqu’il existe des possibilités sérieuses de redressement et de règlement du passif .. ».

(2) تنص الفقرة الأولى من المادة الأولى من قانون 25 يناير 1985 على ما يلي :

« il est institué une procédure de redressement judiciaire destinée à permettre la sauvegarde de l’entreprise, le maintien de l’activité et de l’emploi et l’apurement du passif … ».

(3) محمد دبالي : " مخطط الاستمرارية في معالجة صعوبات المقاولة "، رسالة لنيل د دعم في قانون الأعمال، جامعة محمد الأول،   كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة، السنة الجامعية : 2000 – 2001، ص 9 – 10.

ولتحقيق هذه الغاية، فإن المحكمة تعمل عند اختيارها للحل المناسب على الاستئناس بالتقرير الذي أعده السنديك، وبعد ذلك تختار الحل الذي يضمن مصلحة الدائنين والمدين معا٠ ويعد حل الاستمرارية مبدئيا أنسبها، مادام سيضمن استمرار النشاط وفي نفس الوقت يطمئن الدائنين على مستحقاتهم.

ومن المتصور أن هذه الوضعية لن تتحقق إلا في ظل وجود مؤشرات المعالجة، وتبقى للجهة القضائية المختصة كامل الصلاحية لتحديد نمط تسيير المقاولة الخاضعة لنظام المعالجة، بحيث لها أن توكل أمر تسييرها لرئيس المقاولة نفسه متى توسمت في تسييره سمات النجاح، كما لها أن توعز بذلك للسنديك، وفي الحالتين معا تخضع أعمالهما لضوابط يفرضها القاضي لضمان حسن سير المسطرة، من ذلك منع تفويت أموال تعتبر ضرورية لاستمرارية المقاولة (1).

يتضح مما سبق إذن أن هذا النمط من الحلول يهدف إلى تحقيق أكبر نسبة ممكنة من التوازن والتوافق بين مختلف المصالح المتعارضة، وهذا ما يفسره وجود رئيس المقاولة على رأس الأجهزة المتدخلة لإنقاذ المقاولة، وكذا وضع خطة من أجل تسوية الديون لضمان حقوق الدائنين، وأيضا الإبقاء على مناصب الشغل الضرورية لاستمرارية المقاولة (2).

ويبقى نجاح هذا المخطط رهينا بتوفر ضمانات البقاء لهذا الكائن، وذلك بتحديد المتطلبات الأساسية والأولويات لاستمرارية المقاولة والتي قد يكون من بينها تعطيل بعض مناصب الشغل وبالتالي إعفاء بعض الأجراء (3).

 

 
 



في  ضوء ما سبق، نتساءل عن الموقع الحقيقي لعقود الشغل خلال هذه الفترة ؟

 

(1) تنص المادة 594 من م ت على ما يلي : " يمكن للمحكمة أن تقرر في الحكم الذي يحصر مخطط الاستمرارية أو يغيره، عدم إمكانية تفويت الأموال التي تعتبر ضرورية لاستمرارية المقاولة دون ترخيص منها وذلك لمدة تحددها المحكمة …، يتم تقييد عدم إمكانية تفويت الأموال بالسجل التجاري للمقاولة ".

(2) محمد دبالي : مرجع سابق، ص 74

     – عبد الرحيم السلماني : " حصر المحكمة لمخطط الاستمرارية في إطار مسطرة التسوية  القضائية، " المجلة المغربية لقانون  الأعمال والمقاولات، ع 7 يناير 2005، ص 29 – 30.

(3) جدير بالذكر في هذا الإطار أن المشرع المغربي جعل تحديد مدة تنفيذ مخطط الاستمرارية من اختصاص المحكمة، لكن شريطة أن لا تتجاوز هذه المدة 10 سنوات، وهو الأمر الذي كرسته المادة 596 من م ت  بقولها على أنه " تحدد المحكمة مدة مخطط الاستمرارية على ألا تتجاوز عشر سنوات ". ومن جهة أخرى فإن تسيير المقاولة يكون عقب صدور حكم التصفية القضائية بيد السنديك وحده دون غيره وهو الموقف الذي تبناه المشرع المغربي من خلال الفقرة الثالثة من المادة 619 من م ت  بقولها إنه : " يؤدي الحكم بالتصفية القضائية إلى تخلي المدين بقوة القانون عن تسيير أمواله والتصرف فيها، وحتى تلك التي امتلكها بأي وجه من الوجوه، مادامت التصفية القضائية لم تقفل بعد، يقوم السنديك بممارسة حقوق الدائنين وإقامة دعاوي بشأن ذمته المالية طيلة فترة التصفية القضائية …".

=

إذا كان مخطط الاستمرارية يضمن للمقاولة بقاءها من خلال استغلال نشاطها، فإن هذا لا يعني الإبقاء على جميع الوحدات الإنتاجية، كما لا يعني الحفاظ على جميع مناصب الشغل، إذ أن الظرفية الاقتصادية للمقاولة قد تفرض التضحية ببعض عقود الشغل لضمان بقاء أخرى.

وهكذا نجد أن التشريع الفرنسي قد تعرض لهذا الإشكال بالإجابة، حيث فرض على الجهة القضائية المختصة إعلام واستشارة لجنة المقاولة أو مندوبي الأجراء وكذا السلطة الإدارية المختصة طبقا لمقتضيات مدونة الشغل كلما اقتضى هذا المخطط سلوك مسطرة الإعفاء لأسباب اقتصادية (1).

ويتعين عند الحكم بحصر المخطط أن يتم تضمينه عدد الأجراء المرخص بإعفائهم، وكذا الأنشطة والأصناف المهنية المعنية.

بالمقابل نجد أن المشرع المغربي ورغم خروج مدونة الشغل إلى حيز الوجود، فالملاحظ مع ذلك أن التنظيم الاجتماعي بقي قاصرا، ولا أدل على ذلك من ترك صلاحية تنفيذ عقود الشغل ضمن الاختصاصات الموكولة للسنديك وفق منطوق المادة 573 م. ت. حيث إن المشرع لم يستثن عقد الشغل – على غرار نظيره الفرنسي من خلال المادة 37 من قانون 25 يناير 1985 – من ضمن العقود الجارية الخاضعة لسلطة السنديك.



وعليه، ومتى تبين للسنديك أنه لإنقاذ المقاولة واستمرار نشاطها يجب إعفاء بعض الأجراء، فإنه يتقدم بطلب للقاضي المنتدب بصفته الجهاز الساهر على السير السريع للمسطرة وعلى حماية المصالح المتواجدة بها، يرمي من ورائه إلى الحصول على الإذن بفسخ بعض عقود الشغل، والذي يترتب عنه في حالة تحققه استحقاق الأجراء المفصولين   لتعويضات (2).

=

– وتقابلها في التشريع الفرنسي الفقرة الأولى من المادة 152 من قانون 25 يناير 1985 التي تنص على ما يلي :

 

« Le jugement qui prononce la liquidation judiciaire emporte de plein droit à partir de sa date, dessaisissement pour le débiteur de l’administration et de la disposition de ses biens même de ceux qu’il a acquis à quelque titre que ce soit tant que la liquidation judiciaire n’est pas clôturée. Les droits et actions du débiteur concernant son patremoine sont exercés pendant toute la durée de la liquidation judiciaire par le liquidateur .. ».

 

(1) وهذا ما أشارت إليه المادة 63 من قانون 25 يناير 1985 بنصها على أنه :

« Lorsque  le  plan  prévoit  des  licenciements pour  motif  économique,  il  ne  peut être arrêté  par

=

ورغم ما قيل بشأن هذا المخطط، فإننا مع ذلك نعتقد بأنه يكرس بعض الحماية، حيث إن البعد الاجتماعي يبقى من أهم العناصر والآليات التي تعمل على الحفاظ عليه، وهذا من شأنه أن يخلق الاستقرار المنشود، وبالتالي تحقيق الأمن المتمثل في إقرار السلم الاجتماعي الذي يضمن للطبقة العاملة حقها في الإبقاء على مصدر رزقها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
 

 

 

= le tribunal qu’après que le comité d’entreprise où, à défaut les délégués du personnel ainsi que l’autorité administrative compétente ont été informés et consultés conformément aux dispositions des articles L 321 – 7 deuxième alinéa, et L 321 – 10 du code du travail … ».                            

(2) محمد منعزل : " أثر التسوية القضائية على إنهاء عقود العمل – مقارنة بين القانون الفرنسي والقانون المغربي – "، مجلة المنتدى، العدد الثالث ، يونيو 2002، من ص 151 إلى 156.

    – وللإشارة فإننا سنتعرض في المبحث الثاني من الفصل الثاني من هذا البحث لمسطرة الإعفاء بنوع من التفصيل.

 

 

 

 

 

 

 

الفقرة الثانية : أثر التفويت على عقود الشغل ׃

يعد عقد الشغل بصريح الفصل 723 من ق ل ع عقد معاوضة وبه يتحقق وجود الفرد، وهذا ما يقتضي تضافر الجهود من أجل حمايته والحفاظ عليه، وهو الأمر الذي تحقق بظهور قوانين جديدة والتي تمخض عنها ظهور بوادر حمائية أكثر (1)، هذه الأخيرة تبقى محدودة في ظل وجود تطورات تغير من الوضعيات الأصلية للأجير وتخلق أخرى تواكب المستجدات من ذلك تغيير المراكز القانونية للمشغلين إما نتيجة الخوصصة أو على إثر تفويتها إلى الأغيار في إطار مسطرة التسوية القضائية.

ولما كان الهدف من وجود هذه الأشكال من انتقال المقاولة هو تحسين وضعيتها، إما بإسناد مهمة تسييرها وإعادة هيكلتها للخواص في إطار تكريس التوجه الليبرالي القائم على تشجيع المبادرات الفردية .

وقد يكون الهاجس من تفويت المقاولة إلى الأغيار هو تصحيح وضعية المقاولة والحفاظ على مناصب الشغل بها وتصفية الخصوم بعد أن تعذر تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي داخلها قبل ذلك٠ في ظل هذه الوضعية الأخيرة نطرح التساؤل حول الآثار القانونية الناجمة عن تغير المركز القانوني للمشغل على الأجير في ظل سلوك مسطرة التفويت؟ ، وبعبارة أخرى، ما هي انعكاسات تفويت المقاولة على استقرار الأجير في عمله ؟

لقد أضحى مبدأ الحفاظ على استمرارية عقد الشغل ضرورة تفرض نفسها بإلحاح نظرا لآثارها الإيجابية على مستوى الاستقرار الاجتماعي داخل المقاولة، وبالتالي فإن أي تغيير يمس المقاولة سواء في إسمها أو مركزها القانوني لا يعد سببا للاستغناء عن أجرائها(2).

انطلاقا من هذه القاعدة عملت مختلف التشريعات على توفير الضمانات الكافية من خلال إسناد مهام التسيير والرقابة اللتين تطالان على التوالي المقاولة المتعثرة لأجهزة يفترض فيها العمل على إنقاذ المقاولات التي تظهر عليها بوادر للعلاج.

 

 

 
 



(1) ولعل مدونة الشغل تعد من أبرز القوانين التي كرست هذا التوجه.

 

(2) سليمان أريفي : " أثر الخوصصة على عقود الشغل والضمانات القانونية لحماية الأجراء "، رسالة لنيل د د ع  في القانون الخاص، وحدة قانون الأعمال، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة، السنة الجامعية : 1999 – 2000، ص 31

وهكذا فمتى تبين للقضاء، باعتباره الجهاز الرئيسي الساهر على حسن تطبيق المسطرة، بأن الحالة التي توجد عليها المقاولة المتوقفة عن الدفع لا تمنع من بقائها واستمرار وجودها فإنه يتخذ التدابير التي يراها مناسبة لاستئصال الداء، وذلك استنادا إلى آليات سخرها له المشرع في اتجاه إنقاذ المقاولة والحفاظ على مناصب الشغل دون الإضرار بمصالح الدائنين٠ ومن أجل تحقيق هذه الغاية أعطى المشرع في إطار مسطرة التسوية القضائية للمحاكم إمكانية الاختيار بين حلين أساسيين هما :

1 – مخطط للاستمرارية الذي يبقي المقاولة في يد مالكها الأصلي.

2 – مخطط للتفويت الذي تنتقل بموجبه ملكية المقاولة من مالكها الأصلي إلى مقاول جديد يعمل على الحفاظ عليها (1).

والمحكمة في ترجيحها لأحد الخيارين تستند على التقرير الذي يعده السنديك، والذي يتضمن أصل الصعوبات وتصوراته الاقتصادية والاجتماعية والتي يمكن أن تكون حلا ينقذ المقاولة من التصفية.

وهكذا وعند اختيارها لمخطط التفويت خلال فترة الملاحظة كحل مناسب لوضعية المقاولة فإنها تنتقي العرض الذي يؤمن استمرارية استغلال نشاطها على نحو يحافظ فيه على أكبر عدد ممكن من مناصب الشغل تحقيقا للسلم الاجتماعي وضمانا لتنمية اقتصادية متينة.

 

 
 

 

 

 

(1) تفاديا للخلط الذي يمكن أن يقع بين مخطط التفويت والذي يعتبر إجراءا مستقلا في مساطر التصحيح القضائي، وبين بعض الإجراءات المرتبطة بمخططات أخرى،  سنعمل على توضيح الفروق بينها و هكذا وجب أن نميز بين :

     – مخطط التفويت والذي كما قلنا بأنه يعد إجراءا مستقلا في مساطر التصحيح القضائي، وبين التفويت الجزئي المنصوص عليه في المادة 592 من م ت  والمعتمد كإجراء هام من أجل حسن تنفيذ مخطط الاستمرارية وإنجاحه، وذلك عن طرق تفويت بعض القطاعات من أجل توفير مصادر مالية لتفويت المقاولة، وهذا هو وجه الخلاف بينه وبين مخطط التفويت الذي يهدف إلى الحفاظ على المصالح المرتبطة بالمقاولة عبر ضمان استمرار نشاطها.

    – التفويت الشامل وهو عملية بيع للوحدات الإنتاجية وهو ما تؤكده الفقرة الأولى من المادة 623 من م ت ، ويتم اعتماد هذا الإجراء في حالة التصفية القضائية للمقاولة وذلك بأمر من القاضي المنتدب، في حين أن مخطط التفويت هو إجراء يعتمد بناء على حكم تصدره المحكمة المختصة، ويحق لهذه الأخيرة أن تقضي بفسخ المخطط كلما تبين أن هنالك إخلالا بالالتزامات الملقاة على عاتق المفوت إليه.

    – التفويت الجزافي، وقد نظمه المشرع المغربي في الفصل 319 من القانون التجاري الملغى، ويعد من البيوع الحبية القائمة على المراضاة والموافقة بين اتحاد الدائنين بشرط الحصول على إذن من طرف المحكمة، في حين أن مخطط التفويت يمثل تفويتا إجباريا لا يتوقف على رضا المدين والدائنين كما ٲنه يشكل وسيلة مستقلة يتم العمل بها في إطار مساطر التصحيح القضائي، بخلاف التفويت الجزافي الذي يشكل وسيلة استثنائية يعمل بها في إطار مسطرة تصفية الأموال كلما كانت الإجراءات العادية تبدو معقدة وطويلة، حول تمييز مخطط التفويت عما قد يشتبه به، أنظر عبد المنعم محسيني : " التفويت القضائي للمقاولة في إطار مخطط التفويت "، رسالة لنيل د دع في قانون الأعمال، جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة، السنة الجامعية : 1999 – 2000 – ص 63 إلى 69.

من هذا المنطق يتضح ﺃن المشرع  وسع من نطاق تدخل القضاء، حيث تجاوز دوره الكلاسيكي الممثل في الفصل في المنازعات، إلى آخر ذي صبغة اقتصادية واجتماعية يجسده دور القاضي في المساهمة في تحقيق استمرار نشاط المقاولة وفي ضمان الحفاظ على مناصب الشغل وأخيرا في أداء مستحقات الدائنين (1).

فإلى أي مدى تتحقق هذه الأهداف في ظل تبني مخطط التفويت ؟

الملاحظة الأساسية التي يجب إبداؤها في هذا الباب هي أن القاضي في ظل تبني التفويت كحل يعكس توجه هذا الجهاز نحو إصلاح وضعية المقاولة يصطدم بوجود مصالح متضاربة، فبين رغبة المفوت إليه في اقتناء المقاولة بأقل الأثمان، ومراعاة وضعية الأجراء الراغبين في الحفاظ على مورد عيشهم، وضمان مستحقات الدائنين الراغبين في استيفاء ديونهم، يجد القاضي نفسه ملزما بتحقيق التوازن الذي كرسه المشرع من خلال المادة 605 من م ت (2)، والتي لم تقيد المحكمة بهدف على حساب آخر، وإنما عليه الاهتمام بالعرض الذي يضمن تكافؤ هذه المصالح جميعها، والعرض الأصلح هو ذلك الذي يراعي البعد الاجتماعي والذي يقتضي ضمان استمرار مناصب الشغل، والبعد الائتماني الذي يهدف إلى الوفاء بديون والتزامات المقاولة إزاء سائر المتعاملين معها.

وهكذا يتضح ﺃن عرض التفويت ينبغي أن يطمئن المحكمة بوجود آفاق للتشغيل وهذا يعني بأن انتقال المقاولة إلى المفوت إليه لا يؤثر على وضعية الأجراء، وإن كان ذلك لا يعني ضرورة الإبقاء عليهم جميعا، إذ قد تدعو ضرورة استمرار نشاط المقاولة القيام ببعض الإعفاءات، وفي هذه الحالة تطبق المقتضيات المنصوص عليها في مدونة الشغل (3).

 

 
 



(1) وهذا هو الهدف الذي يسعى إليه المشرع المغربي، والذي توضحه مضامين الفقرة الأولى من المادة 603 من م ت بنصها على أنه " يهدف التفويت إلى الإبقاء على النشاط الذي من شأنه أن يستغل بشكل مستقل والمحافظة على كل أو بعض مناصب الشغل الخاصة بذلك النشاط وإبراء ذمة المقاولة … "

 

    – وتقابلها في القانون الفرنسي الفقرة الثانية من الفصل 81 من قانون 25 يناير 1985 بقوله :

« la cession a pour but d’assurer le maintien d’activités suxeptibles d’exploitation autonome, de tout ou partie des emplois qui y sont attachés et d’appurer le passif … ».

(2) تنص المادة 605 من م ت على أنه : " تختار المحكمة العرض المتعلق بالمجموعة المفوتة والذي يضمن أطول مدة لاستقرار التشغيل وأداء مستحقات الدائنين ".

    – وتقابلها في القانون الفرنسي المادة 85 من قانون 25 يناير 1985 بقولها على أنه :

« le tribunal retient l’offre qui permet dans les meilleures conditions d’assurer le plus durablement l’emploi attaché à l’ensemble cédé et le paiement  des créanciers ».

(3) وهذا ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 592 من م ت ، وللتذكير فإن مسطرة الفصل لأسباب اقتصادية نظمها المشرع في مدونة الشغل الجديدة في المواد من 66 إلى 71.

    – حول ضمانات التشغيل خلال تبني مخطط التفويت، أنظر محمد أبو الحسين : " وضعية الأجراء إثر تفويت المقاولة الموجودة في حالة تسوية قضائية "، المجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات العدد 2، ماي 2003، ص 17 – 18.

وهكذا يتضح أن تغيير المركز القانوني للمشغل، لا ينعكس بالضرورة على استمرار مناصب الشغل، وهو الحكم الذي استقر عليه المشرع المغربي من خلال المادة 19 من مدونة الشغل بنصه على ﺃنه׃ " إذا طرأ تغيير على الوضعية القانونية للمشغل، أو على الطبيعة القانونية للمقاولة وعلى الأخص بسبب الإرث، أو البيع، أو الإدماج، أو الخوصصة، فإن جميع العقود التي كانت سارية المفعول حتى تاريخ التغيير، تظل قائمة بين الأجراء وبين المشغل الجديد الذي يخلف المشغل السابق في الالتزامات الواجبة للأجراء، وخاصة في ما يتعلق بمبلغ الأجور، والتعويضات عن الفصل من الشغل، والعطلة المؤدى عنها … " (1).

ففي ضوء هذه المادة، فإن الآثار القانونية الناجمة عن عقود الشغل التي كانت سارية المفعول حتى تاريخ التغيير تنتقل إلى المفوت إليه.

وعن الأساس القانوني لقاعدة استمرار عقود الشغل، يرى بعض الفقه (2) أن ذلك مرده إلى فكرة الحوالة القانونية للعقد، مادامت أن عناصر هذه الأخيرة متوفرة ومحددة في ثلاثة شروط :

1 – أن تكون عقود الشغل سارية وقت تغيير المشغل.

2 – أن يحدث تغيير في المركز القانوني للمشغل.

3 – استمرار المشروع وبقاء إمكانات فرصة للشغل.

وهكذا يتبين أن المفوت إليه يلتزم بتحقيق هذه الأهداف وبالشكل الذي لا يضر بمصالحه، وهو الأمر الذي لن يتحقق إلا بتضافر جهود جميع الفاعلين داخل المقاولة، وعلى رأسهم الأجراء والذين يلقى على عاتقهم أيضا التزام العمل بجد وبالشكل الذي يضمن للمقاولة التي تحتضنهم استمرارها، حتى يضمنوا كمقابل لذلك الاستقرار على مستوى

 

 

 
 



 

 

(1) وللإشارة فإن هذه المادة نسخت مضامين الفصل 754 من ق ل ع.

    – وتقابلها في التشريع الفرنسي المادة L. 122 – 12 من قانون الشغل.

     وفي هذا الإطار نشير إلى أن ثمة عدة تطبيقات قضائية في هذا المجال من ذلك القرار الصادر عن الغرفة الاجتماعية بالمجلس الأعلى تحت رقم 2247 صادر بتاريخ 24 شتنبر 1990 في الملف الاجتماعي عدد 9750/89، والذي جاء فيه "، وإنه تطبيقا لمقتضيات الفصل 754 من ق ل ع، فإنه إذا طرأ تغيير في المركز القانوني لرب العمل فإن جميع عقود العمل الجارية تستمر بين المالك الجديد للمشروع وبين عماله وخدمه ومستخدميه … ".

    – قرار أورده، عبد اللطيف خالفي : " الاجتهاد القضائي في المادة الاجتماعية "، الطبعة الأولى، 2001، ص 110.

(2) عبد الحميد عثمان الحفني " أثر تغير صاحب العمل على عقود العمل في القانونين الفرنسي والمصري (مع دراسة نقدية للمادة 59 من قانون العمل الأهلي الكويتي "، مجلة الحقوق، العدد الثالث، السنة الثانية والعشرون، سبتمبر 1998، ص 411.

مناصب الشغل، وهو الأمر الذي سينعكس إيجابا حتى على مدخولهم، إذ سيتمكنون من اقتضاء أجورهم كلما تحسنت وضعية المقاولة، وبالتالي لن تطرح أمامهم إشكالية توقف المشغل عن أداء مستحقاتهم، وهو الموضوع الذي سيكون محور تحليلنا في المطلب الموالي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المطلب الثاني :

ضمانات أداء ديون الأجراء ׃

يعتبر عقد الشغل من العقود التبادلية التي ترتب التزامات متبادلة بين طرفي العلاقة الشغلية الأجير والمشغل، حيث يلتزم الأول بأداء العمل المتفق عليه، بينما يتعهد المشغل بإعطائه أجرا نظير ذلك، هذا الأخير يعد عنصرا أساسيا في عقد الشغل، وقد عرفه بعض الفقه (1) بأنه " الأجر ليس فقط ما يؤديه المشغل نظير قيامه بالعمل المتفق عليه، وإنما هو كل ما يدخل الذمة المالية للأجير نظير قيامه بالعمل وبمناسبته سواء أداه المشغل شخصيا، أو أداه غيره من المتعاملين مع المحل الذي يشتغل فيه، وذلك أيا كان نوعه، وأيا كانت التسمية التي تطلق عليه، وأيا كانت الطريقة التي يتحدد بها، وكيفما كان شكل وطبيعة عقد الشغل ".

في ضوء هذا التعريف تبرز الأهمية البالغة للأجر بالنسبة للأجير الذي يعتمد عليه في غالب الأحيان اعتمادا كليا في معيشته ومعيشة أسرته، وهذا يجعله في أغلب الأوقات في مركز تبعية اقتصادية إلى جانب تبعيته القانونية (2)، هذه الوضعية من شأنها أن تخلق اضطرابا على مستوى استقرار حياة الأجير إذا ما تعرض صاحب الشغل لصعوبات في ظل تقلب الأحوال الاقتصادية وحدة المنافسة وتردي الإنتاج، مما ينعكس سلبا على المركز القانوني للأجير، وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن الآليات والقواعد التي اعتمدها المشرع لضمان أداء مستحقات الأجراء في ظل توقف مقاولة مشغلهم عن الدفع ؟

للإجابة عن هذا الإشكال سنعتمد دراسة مقارنة بين القانونين الفرنسي والمغربي وعلى ضوء ذلك سيتضح لنا أي نوع من الضمانات التي يتمتع بها الأجراء.

 

 

 

 

 

 

 

 
 

 

 

(1)  عبد اللطيف خالفي : " الوسيط في مدونة الشغل – الجزء الأول – علاقات الشغل الفردية "، المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى، 2004، ص 284.

(2) أستاذنا محمد الكشبور : " عناصر عقد الشغل في التشريع الاجتماعي المغربي "، مطبعة النجاح الجديدة الطبعة الأولى، 1989، ص 71.                                                                                                                                                                                                                                                                                             

الفقرة الأولى : موقف التشريع الفرنسي من ضمان أداء ديون الأجراء ׃

اهتم المشرع الفرنسي بتأمين الأداء الفعلي لديون الأجراء، وذلك عندما يجد المشغل نفسه غير قادر على أداء الواجب الذي عليه بالمقارنة مع ماله، حيث يصبح الأجراء في هذه الحالة هم أول من يتحمل نتائج ذلك، حيث يتهددهم خطر عدم الأداء، ولهذا حظيت هذه الديون من جهة بامتياز عام على المنقولات والعقارات (أولا)، ومن جهة أخرى حظيت بامتياز خاص أو بامتياز ممتاز Super – privilège ، والذي يضمن للأجراء الحق في الأداء الفوري لديونهم (ثانيا).

أولا : الامتياز العام : Le privilège général.

قيد المشرع الفرنسي الامتياز العام لأجر العامل في لائحة الامتيازات العامة المحددة في القانون المدني.

هذا وقد تم التنصيص على هذا المبدأ من خلال الفصل L. 143 – 7 من قانون   الشغل (1)، والذي اعتبر بأن ديون الأجراء المرتبطة بالأجر تتمتع بامتياز على منقولات وعقارات المدين، وذلك وفقا للشروط المحددة في الفصل 4 – 2101 و 2 – 2104 من القانون المدني.

يتم الامتياز على عقارات المشغل المدين في حالة ضعف امتياز المنقولات، ويتم ذلك في إطار البيع العمومي (2).

والملاحظ أن التشريع الفرنسي صنف الامتياز العام في الرتبة الرابعة، وذلك بعد المصاريف القضائية ومصاريف الجنازة والمرض، ويصبح هذا الامتياز مسبوقا بامتياز الخزينة والامتيازات الخاصة الأخرى في حالة وجودها (3)، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل

 

 

 

 

 

 
 

 

 

(1) ينص الفصل L 143 – 7 من قانون الشغل الفرنسي على ما يلي :

    « la créance de salaire des salariés et apprentis est privilégiées sur les meubles et immeubles du débiteur dans les conditions prévues aux articles 2101 – 4 et 2104 – 2 du code civil ».

(2) – Albert Arseguel et Thierry Météyé, intervention sous le thème, « les créances salariales » actes du colloque sur la situation des créances  après 10 ans d’application de la loi du 25 janvier 1985, centre du droit des affaires l’imprimerie Cassergain-Niort, Montchestien, 1998, p 125 – 126

(3) « G » luyon caen et « J » pellisier : « droit du travail », Dalloz, 1990, P 613

على ضعف الضمانات المكرسة لحماية ديون الأجراء، مع العلم أنها الأولى بالحماية، ولذلك عمل المشرع الفرنسي بعد أن تبين له ذلك على جعل امتياز العمال امتيازا ممتازا وبمقتضاه أصبح الأجراء يتمتعون بحق الأولوية في استيفاء مستحقاتهم.

ثانيا : الامتياز بالأولوية : le super – privilège .

أدخل الامتياز الممتاز في التشريع الفرنسي بمقتضى مرسوم قانون صادر بتاريخ 8 غشت 1935 بعد شيوع فكرة عدم فعالية الامتياز العام، سيما على مستوى البطء المفرط في تسوية ديون الأجراء في ظل نظام المساطر الجماعية.

وبرزت أهمية هذه التقنية الجديدة في تفضيلها لدين الأجراء عن طريق أدائه في أقرب وقت ممكن قبل أي دين آخر، وذلك في حالة التسوية القضائية أو تصفية أموال المدين (1).

وجدير بالذكر في هذا الإطار أن الامتياز الممتاز يغطي نفس الديون التي يضمنها الامتياز العام، وهو محدد كذلك من حيث الزمان، وقد جعله المشرع الفرنسي يرد على المنقول والعقار على حد سواء، وذلك بخلاف ما هو عليه الحال في الامتياز العام الذي لا يرد على العقار إلا استثناء (2).

من هنا تبرز أهمية هذا النوع من الامتياز والذي يكفل للأجير استيفاء حقه بالأولوية عن باقي الديون الأخرى، بما فيها تلك التي تحظى بالاستفادة من قاعدة الأولوية باعتبارها

ناشئة وبصفة قانونية بعد صدور حكم فتح مساطر المعالجة (3).

بعد هذه التوطئة، يحق لنا التساؤل عن حدود هذا الامتياز من حيث الزمان ؟

الملاحظ إجابة على هذا السؤال، هو أن المشرع الفرنسي كان أكثر دقة، وذلك عندما تجاوز الإشكال الذي كان يطرحه نص المادة 40 من قانون 1985 قبل تعديل 10 يونيو 1994 والذي كان يتسم بنوع من الغموض حول تحديد الفترة التي يتم خلالها الاستفادة من

(1) Albert Arseguel et Thierry Météyé : op cit., P 126.

   – « F » Derrida, « P » Godé, « J » pierre sortais : « redressement et liquidation judiciaire des entreprises », Dalloz, 3ème édition, 1991, P 158.

(2) Fernand Derrida « le super privilège » des salariés dans les procédures de règlement judiciaire et de liquidation des biens », recueil Dalloz Sirey, 31 janvier 1973, 5° cahier, chronique, P 59.

 

(3) عن الديون التي تحظى بالاستفادة من قاعدة الأولوية بصفتها ناشئة بصورة قانونية بعد صدور حكم فتح مساطر المعالجة، أنظر المادة 40 من قانون 25 يناير 1985 والتي تنص على ما يلي :

 

=

امتياز حق الأسبقية.

وهكذا أصبحت الديون التي تستفيد من حق أسبقية المادة 40 تشمل الديون الناشئة بصفة قانونية عن متابعة المقاولة لنشاطها خلال فترة الملاحظة التالية للحكم بالتصحيح القضائي أو خلال الفترة التي تحددها المحكمة كذلك لمتابعة النشاط بعد التصريح بالتصفية القضائية.

وفي هذا الإطار، نشير إلى أن المشرع الفرنسي من خلال المادة 40 استثنى الديون المضمونة بامتياز قانون الشغل، وجعلها مقدمة على غيرها من الديون، بما في ذلك الديون المترتبة على المقاولة أثناء فترة الملاحظة وإعداد الحل، وكذا في مرحلة التصفية القضائية.

وعليه، فإن هذه الديون تحظى بالأولوية في الأداء قبل تلك المشار إليها في المادة

السابقة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الأهمية التي يوليها المشرع الفرنسي للأجراء لدرجة أنه بوأها الدرجة الأولى، وهذا ما يمكن ملاحظته بشكل جلي من خلال المادتين 128 و 129 من قانون 1985 (1) اللتين تضعان مستحقات الأجراء في المرتبة الأولى ضمن الديون الواجبة الأداء.

وهكذا، ومن خلال ما سبق، يبرز لنا الحرص الكبير الذي يوليه القانون الفرنسي لهذه الفئة، ويبقى لهذا التدخل ما يبرره من منطلق أن الأجراء يبقون الطرف الأول المعرض للضرر

 

 
 



                                                                                                     =

 

 « Les créances nées régulièrement après le jugement d’ouverture sont payés à leur échéances lorsque

l’activité est poursuivie, en cas de cession totale ou de liquidation ou lorsqu’elles ne sont pas payées à l’échéance en cas de continuation, elle sont payées par priorité à toutes les autres créances, assorties ou non de privilèges ou sûretés٫ à l’exception des créances garanties par le privilège établi aux articles L. 143 – 10, L. 143 – 11, L. 742 – 6 et L. 751 – 15 du code du travail.

Leur paiement se fait dans l’ordre suivant :

1 – Les créances de salaires dont le montant n’a pas été avancé en application des articles L. 143 – 11 – 1 à L. 143 – 11 – 3 du code du travail ;

2 – Les frais de justice ;

3 –Les prêts consentis par les établissements de crédit ainsi que les créances résultant de l’exécution des contrats poursuivis conformément aux dispositions de l’article 37 et dont le cocontractant accepte de recevoir un paiement différé, ces prêts et délais de paiement sont autorisés par le juge commissaire dans la limite nécessaire à la poursuite de l’activité pendant la période d’observation et font l’objet d’une publicité.

4 – Les sommes dont le montant a été avancé en application de 3ème article L. 143 – 11 – 1 du code du travail ;

5 – Les autres créances, selon leur rang ״

 

=

من أي إجراء يمكن أن يمس سير المقاولة، ولذلك عمل المشرع على ضمان أداء                  

 

ديون هذه الفئة، وهو بهذا التوجه يكون قد ساير الموقف الذي تبنته الاتفاقية الدولية رقم 95 المتعلقة بحماية الأجر الصادرة سنة 1949 من خلال المادة 11 منها، وذلك عندما اعتبرت أن لديون الأجراء طابعا معيشيا له ولأسرته وفي سبيل ضمان هذا الحق متعته بحق الأسبقية في الأداء عن باقي الديون الأخرى (*).

 

 

 

 

 

 

=

– يلاحظ من خلال هذا النص أن ديون الأجراء تحظى بحق الأسبقية في إطار تمتعها بما يسمى بالامتياز الممتاز، ولذلك فهي تقدم على غيرها من الديون بما فيها تلك المنصوص عليها في الفصلين 2101 و 2104 من القانون المدني الفرنسي اللذين ينصان على التوالي على الامتيازات العامة على المنقولات والامتيازات العامة على العقارات.

أنظر تفاصيل الجدل الذي عرفه مجال تطبيق الامتياز أو حق الأسبقية المنصوص عليها في المادة 40، عبد الرزاق الزيتوني : ״تنازع الدائنين بين امتياز المادة 575 م ت وباقي  الضمانات الأخرى"، مقال منشور بمجلة المنتدى، العدد الثالث، يونيو 2002، ص 161 – 162.

– أحمد شكري السباعي : " مسطرة التسوية القضائية (أو التصحيح القضائي) والتصفية القضائية وتمويل المقاولة " مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية، ع 80 يناير فبراير 2000 ص 16 – 17.

(1) تنص المادة 128 من قانون 25 يناير 1985 على ما يلي :

« Les créances résultat d’un contrat de travail sont garanties en cas d’ouverture d’une procédure de redressement judiciaire :

 1- Par le privilège établi par les articles L. 143 – 10, L. 143 – 11, L. 742 – 6 et L. 751 – 15 du code de travail, pour les causes et montants définis auxdits articles.

2 – Par le privilège du 4° de l’article 2101 et du 2° de l’article 2104 du code civil ».

– وتنص الفقرة الأولى من المادة 129 من نفس القانون على ما يلي :

« Nonobstant l’existence de toute autre créance , les créances que garantit le privilège établi aux

articles L. 143 – 10, L. 143 – 11, L. 742 – 6 et L. 751 – 15 du code du travail doivent être payées par l’administrateur sur ordonnance du juge-commissaire, dans les dix jours du prononce du jugement ouvrant la procédure de redressement judiciaire, si l’administrateur dispose des fonds nécessaires … ».

 

(*) أنظر بهذا الشأن التقرير الصادر عن مجلس الخبراء نحت عنوان ׃

« Les normes internationales du travail une approche globale » 75ème anniversaire de la commission d’experts pour l’application des conventions et recommandations, version préliminaire 2002, P 275. – 276.

 

 

 
 



الفقرة الثانية :  موقف التشريع المغربي من ضمان أداء ديون الأجراء ׃

 

         

تعتبر المقاولة مركزا وملتقى للعديد من المصالح الفردية والجماعية، إذ بينما تتجلى الأولى في مصلحة الدائنين عامة والأجراء خاصة في الحصول على ديونهم كاملة في مواعيد استحقاقها وفي استقرار عقود الشغل، تكرس المصلحة الثانية حق الدولة والمجتمع في استمرار نشاط المقاولة ضمانا للاستمرار الاقتصادي ولفرص الشغل.

وفي سبيل توفير ضمانات البقاء للمقاولة، تم سن نظام صعوبات المقاولة الذي يخول بحكم الآليات التي يتضمنها للمقاولة فرصة لتجاوز الصعوبات التي تمر بها.

من هنا تتضح الأهمية التي يوليها المشرع للمقاولة، هذه الأخيرة أصبحت بحكم المصالح المرتبطة بها ذات شأن عام بعد أن كانت ذات شأن خاص، ومادام أن العنصر البشري يعتبر أحد أهم ركائزها، فإننا نتساءل عن أي نوع من القواعد أو الضمانات التي وفرها المشرع للأجراء لاستيفاء مستحقاتهم في ظل توقف المقاولة التي يشتغلون بها عن الدفع ؟

الملاحظة التي يمكن إبداؤها في هذا الإطار هي أن المشرع المغربي أتاح للأجراء بوصفهم دائنين للمقاولة الاستفادة من قاعدة الامتياز (1)٠ فهل تعد هذه الأخيرة كافية لتوفير الحماية الضرورية لهذه الفئة ؟

الإجابة على هذا السؤال تستدعي منا دراسة طبيعة الديون المشمولة بالامتياز (أولا)، ثم حدود هذا الامتياز كوسيلة لحماية ديون الأجراء (ثانيا).

أولا : طبيعة الديون المشمولة بالامتياز׃

 

 
 



تعد ديون الطبقة العاملة من أهم الديون التي تحظى بأهمية خاصة نظرا للطابع المعيشي الذي تلعبه الأجور، لذلك مكن المشرع هذه الفئة من امتياز عام على أموال المشغل بشكل يجنبهم مزاحمة باقي الدائنين (2)، وذلك  من  خلال  الفصل  1248  من  ق. ل. ع      

 

(1) عرف المشرع المغربي الامتياز في الفصل 1243 من ق ل ع بما يلي : " الامتياز حق أولوية يمنحه القانون على أموال المدين نظرا لسبب الدين ".

(2) عن معيار التمييز بين الامتياز العام والامتياز الخاص، أنظر تفصيل ذلك عند، مراد الفرتاني : " القانون المغربي والصلح الواقي من الإفلاس "، رسالة لنيل د د ع في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط، السنة الجامعية 1990 – 1991، ص من 99 إلى 103.

 

والذي ينص على الديون المشمولة بهذا الحق والتي من بينها :

" … رابعا : الأجور والتعويضات عن العطل المستحقة الأجرة، والتعويضات المستحقة بسبب الإخلال بوجوب الإعلام بفسخ العقد داخل المهلة القانونية والتعويضات المستحقة إما عن الفسخ التعسفي لعقد إجارة الخدمات، وإما عن الإنهاء السابق لأوانه لعقد محدد المدة … " (1).

يتضح لنا من خلال هذا الفصل بأن امتياز الأجور هو امتياز غير كاف، فهو من ناحية لا يرد إلا على منقولات المدين دون عقاراته حتى لو كانت مؤجرة للغير، وبالتالي فهو يتعطل بحقوق الامتياز الخاص على المنقول، وكذا حقوق الامتياز العام السابق عليه ( مصروفات الجنازة – الديون الناشئة عن مصروفات مرض الموت – المصروفات القضائية )، وهذا من شأنه أن يؤخر استيفاء مستحقات الأجير (2)، وما يزكي ذلك هو صمت المشرع عن المدة التي يجب فيها الأداء.

وقد طرح إشكال بالمناسبة بالنسبة لبعض مكملات الأجر مثل المشاركة في الأرباح أو المكافآت، بحيث طرح التساؤل حول إمكانية استفادة هذه الأخيرة من هذه   القاعدة ؟

إجابة على ذلك، عملت محكمة النقض الفرنسية على التمييز بين ما يتقاضاه الأجير نتيجة مشاركته في الأرباح، ففي هذه الحالة تقترب وضعيته من وضعية الشريك، ولذلك فإنه يصعب منطقيا تقبل مطالبته بنصيبه من أرباح مؤسسة في حالة إفلاس، إلا أن هذا الموقف تعرض لانتقاد بعض الفقه (3)، من منطلق الاختلاف التام بين وضعية الشريك ووضعية الأجير، ووظيفة الربح عن وظيفة الأجر.

 

 

 

 

 
 

 

 

(1) نشير في هذا الإطار إلى أننا سنكتفي فقط بمناقشة مختلف الإشكالات المرتبطة بالأجر متجاوزين الحديث عن الديون الأخرى المخولة للأجير، وذلك حتى لا نحيد عن صلب الموضوع، ولمن يود معرفة المزيد حول طبيعة الديون الأخرى يرجى الرجوع إلى الحاج الكوري : " حماية الأجور على ضوء سياسة التشغيل في المغرب "، رسالة لنيل د د ع في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط، السنة الجامعية : 1985 – 1986 – ص من 208 إلى 213.

(2) عبد الكريم عباد : " دور القضاء في معالجة صعوبات المقاولة "، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الحقوق، شعبة القانون الخاص، جامعة الحسن الثاني – عين الشق – كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالدار البيضاء، السنة الجامعية : 2003 – 2004، ص 65.

(3) الحاج الكوري : مرجع سابق، ص 206 – 207.

بالمقابل اعتبرت نفس المحكمة بأن مساهمة الأجير في أرقام المبيعات هي وحدها المشمولة بالامتياز، أما بخصوص مكافآت الشغل التي يقدمها المشغل لعماله في بعض المناسبات مثل عيد رأس السنة أو العطلة السنوية، فقد صرحت المحكمة بقصر الامتياز على المكافآت الإلزامية فقط والثابتة إما بمقتضى عرف مهني أو اتفاق (1).

وعموما فإن أجر العامل الذي يحظى بصفة دين ممتاز هو الأجر بمعناه الواسع، وهذا يعطيه الحق في استيفاء دينه قبل بقية الديون العادية، ومع ذلك فإن التصنيف الذي يحظى به في ظل ق ل ع يجعل من وضعية الأجراء غير جيدة، سيما وأن الامتياز العام الذي يستفيد منه الأجراء لا يضمن كل الديون المستحقة لهم، وإنما فقط تلك السابقة على الحكم بالتصفية القضائية.

وفي هذا الإطار، نسجل التحول الكبير الذي تحقق في ظل خروج مدونة الشغل إلى الوجود، حيث عرف المركز القانوني للأجير تحسنا ملحوظا، يتجلى، ذلك من خلال استفادة هذه الفئة من امتياز الرتبة الأولى قصد استيفاء ما لها من مستحقات في ذمة المشغل على جميع منقولاته (2)، وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال المادة 382 والتي تنص على أنه : " يستفيد الأجراء خلافا لمقتضيات الفصل 1248 من الظهير الشريف المكون لقانون الالتزامات والعقود من امتياز الرتبة الأولى المقررة في الفصل المذكور، قصد استيفاء ما لهم من أجور وتعويضات في ذمة المشغل من جميع منقولاته.

تكون التعويضات القانونية الناتجة عن الفصل من الشغل مشمولة بنفس الامتياز، ولها نفس الرتبة " (3).

 

 

 

 

 

 

 

 

 
 

 

 

(1) الحاج الكوري : مرجع سابق،ص 207.

(2) نسجل في هذا الإطار عدم وجود أي جديد على مستوى طبيعة امتياز ديون الأجراء، حيث إنها بقيت تشمل فقط منقولات المدين دون عقاراته، ونعتبر هذا قصورا كان على المشرع تجاوزه، وذلك بتمديد نطاق الامتياز ليشمل حتى عقارات المدين.

(3) في نفس الإطار أنظر المادة 261 من م ش م والتي تنص على أنه :

" يستفيد الأجير، خلافا لمقتضيات الفصل 1248 من الظهير الشريف المكون لقانون العقود والالتزامات، من امتياز الرتبة الأولى المقرر في الفصل المذكور … ".

ورغم التحسن الذي لمسناه من خلال المادة السابقة، فإنه مع ذلك لا يفي بالمطلوب، مادام أن الامتياز في مجمله لا ينصب إلا على منقولات المدين دون عقاراته، وهذا من شأنه أن يضيق من نطاق الضمانات المتاحة للأجراء، وفي هذا الإطار نسجل تواضع حماية أجر الأجير مقارنة مع ما هو عليه الحال في فرنسا، حيث لم يكتف المشرع الفرنسي بضمان ديون الأجراء اعتمادا فقط على الامتياز العام والذي قد يشمل حتى عقارات المدين، بل إن طبيعة هذه المستحقات فرضت عليه إيجاد أنظمة قانونية بديلة تكرس الحماية الفعلية والشاملة للأجراء، وهو ما تأتى لهذه الفئة بإقرار ما يسمى بالامتياز الممتاز أو الاستثنائي (1)٠ فأي حماية للأجراء إذن في ظل فشل الامتياز العام عن تحقيق الحماية الضرورية للأجير ؟ وهل ثمة نظام قانوني آخر بديل على غرار ماهو معمول به في فرنسا ؟

تعتبر الأجور المستحقة عن الفترة اللاحقة لصدور الحكم القاضي بفتح مسطرة المعالجة القضائية ضد المقاولة المشغلة من ضمن الديون المشمولة بحق الأولوية المنصوص عليها في المادة 575 من م ت (2)، والذي يخول للمستفيدين منه إمكانية الحصول على حقوقهم بالأسبقية على سائر الدائنين٠ ولتفعيل هذه القاعدة، يفترض وجود أصول للمدين لتطبق عليه، ومن التطبيقات القضائية في هذا الشأن نذكر القرار الصادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 10/10/2000 (3)، والذي جاء في حيثياته " لكن حيث ﺇنه إذا كان الطاعن يعتبر دينه امتيازيا فإن من أهم الآثار التي تترتب عن حق الأسبقية المنصوص عليه في المادة 575 من مدونة التجارة أن الديون المشمولة بهذا الحق تؤدى في تاريخ استحقاقها مهما كانت المرحلة التي قطعتها التسوية القضائية، وبالتالي فهي لا تخضع لمسطرة التصريح بالديون المنصوص عليها في المواد من 686 إلى 690 من مدونة التجارة، ذلك أن المادة 575  تنص  على  ما يلي " يتم  سداد الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم التسوية بالأسبقية على كل ديون أخرى سواء كانت

 

 
 

 

 

(1) أنظر تفصيل هذا النظام لدى محمد حجيب : " حماية الأجير في تفليسة المشغل "، المجلة المغربية للقانون، ع 14، سنة 1987، ص 220 إلى 223.

(2) تنص المادة 575 من م ت على ما يلي :

     " يتم سداد الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح التسوية بالأسبقية على كل ديون أخرى سواء كانت مقرونة أم لا بامتيازات  أو ضمانات ".

(3) قرار رقم 2062/ 2000، صادر بتاريخ 10/10/2000 (غير منشور)، انظر الملحق رقم  2.

مقرونة أم لا بامتيازات أو بضمانات ".

وحيث ﺇنه لذلك فإن الديون الناشئة بصفة قانونية بعد فتح مسطرة التسوية القضائية وفي الوقت الذي تكون فيه مثبتة ومستحقة الأداء يمكن المطالبة بها مباشرة من رئيس المقاولة أو السنديك إن كان هو المسير دونما حاجة إلى تصريح أو تسجيل.

كما أن هذا الدين لا يخضع لقاعدة وقف المتابعات الفردية ولا لقاعدة وقف سريان الفوائد المنصوص عليها على التوالي في المواد من 653 إلى 656 ومن 695 إلى 660 من مدونة التجارة وبالتالي يمكن المطالبة به وفق الطرق القانونية العادية … ".

وعن فترة الدين المشمول بامتياز حق الأسبقية، نشير إلى أن نقطة انطلاق هذه الفترة هي النطق بحكم التسوية القضائية، أما عن مجال هذه الفترة فإننا نتفق مع الرأي (1) الذي يقول إن مجال الامتياز يتسع ليشمل كافة مراحل المعالجة، بما فيها حالة التصفية القضائية، هذه الأخيرة تستدعي ليمتد نطاق امتياز المادة 575 إليها أخذ إذن المحكمة المختصة والذي قد يأتي إما تلقائيا أو بطلب من السنديك، أو وكيل الملك (2).

في خضم المعطيات السابقة، يطرح التساؤل عن موقع ديون الأجراء في ظل تطبيق مقتضيات المادة 575 م ت السابقة الذكر ؟

إن المبرر الدافع لطرح هذا الإشكال يرجع بشكل أساسي إلى أن دين المأجورين سيتعرض لتزاحم ديون أخرى نشأت بدورها بعد الحكم القاضي بفتح مسطرة المعالجة، وهذا سيجعلها تستفيد بدورها من امتياز حق الأسبقية، وفي هذا الإطار يرى بعض الباحثين (3) أنه في هذه الحالة يجب الاحتكام لتاريخ استحقاق الدين والذي يعتبر حاسما للفصل بين الدائنين، ومتى وقع أن كان لعدة ديون نفس تاريخ الاستحقاق، فإنها تؤدي بالأسبقية على بعضها

 

 

 
 

 

 

 

(1) أنظر بشأن الاتجاه الفقهي المؤيد لهذا الطرح :

     – عبد الرزاق الزيتوني : مرجع سابق، ص من 162 إلى 164.

     – وعن الموقف الفقهي الذي تبنى طرحا مخالفا يقول باقتصار مجال الامتياز المنصوص عليه في المادة 575 م ت  على متابعة  المقاولة لنشاطها على المرحلة المؤقتة أو الانتقالية (فترة الملاحظة ) دون المراحل الأخرى ( مرحلة إعداد الحل – مرحلة الاستمرارية – مرحلة التفويت )، أنظر أحمد شكري السباعي : " مسطرة التسوية القضائية … "، مرجع سابق، ص 18 – 19.

(2) أنظر بهذا الشأن مضمون المادة 620 م ت .

(3) أمنية ناعمي : " حقوق الامتياز في مسطرة صعوبات المقاولة "، مجلة القصر، العدد السادس، شتنبر 2003، ص 128.

البعض بحسب رتبة كل دين وفقا للقواعد العامة المتعلقة بامتيازات الدائنين على منقولات وعقارات المدين٠ وإذا كانت هنالك ديون متساوية في الرتبة ومستحقة الوفاء في نفس التاريخ، فإن الدائنين الممتازين في هذه الحالة سيستوفون حقوقهم على وجه   المحاصة (1).

وهكذا يتضح أن مستحقات الأجراء ستحظى بنفس المعاملة التي ستسري على مختلف الديون الأخرى المستفيدة بدورها من امتياز المادة 575 م ت، وهذا سيشكل إضعافا لضمانات الحماية، وهو الوضع الذي تجنبه التشريع الفرنسي من خلال المادة 40 من قانون 25 يناير 1985 السابقة الذكر، وذلك عندما وضع ديون الأجراء في مقدمة الديون المترتبة على المقاولة المدينة.

من هنا يطرح التساؤل التالي :

إلى أي حد يعتبر الامتياز وسيلة ناجعة لحماية ديون الأجراء ؟

الإجابة على هذا السؤال ستحيلنا على النقطة الموالية والمرتبطة بحدود الامتياز كوسيلة لحماية ديون الأجراء.

ثانيا : حدود الامتياز كوسيلة لحماية ديون الأجراء׃

تبين لنا من خلال دراسة امتياز ديون الأجراء أنه وإن كان يسمح بضمان جزئي للأجور تماشيا مع حاجتهم إليها لتلبية رغباتهم المعيشية، فإن تطبيقه يتطلب أولا وقبل كل شيء وجود أموال في ملك المشغل، وهو الأمر الذي قد لا يتحقق دائما مما يفقده قيمته العملية نظرا لارتباطه بتوافر الأصول اللازمة، وهذا يفسر بأن الامتياز لا يضمن الأداء بعينه، وإنما يجعل فقط لمستحقات الأجراء امتيازات في التوزيع (2)، ومن ثم فإن المركز القانوني لدين الأجير يتساوى والديون الأخرى.

 

 

 
 

 

 

(1) هذا الحكم نصت عليه الفقرة الأولى من الفصل 1245 ق ل ع وذلك بالصياغة التالية : " الدائنون الممتازون في مرتبة واحدة يستوفون حقوقهم على وجه المحاصة … ".

   – وجدير بالذكر  أن امتياز الأولوية المقررة لفائدة الأجراء لم يسلم بدوره من الانتقاد إذ رأى فيه البعض عنوانا لعدم تحقيق المساواة بين كافة الأجراء، فقد يكون من بين دائني المقاولة مجموعة من الموردين، فتأخير أداء ديون هؤلاء يؤثر بصفة غير مباشرة على حقوق العاملين معهم، أنظر بهذا الشأن، سعيد عز : " عقد الشغل المحدد المدة في ضوء القانون المغربي والمقارن قراءة في الوصف الحقيقي لعلاقة الشغل "، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الحقوق، جامعة الحسن الثاني عين الشق – كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالدار البيضاء، السنة الجامعية 2001 – 2002، ص 378.

(2) مراد الفرتاني : مرجع سابق، ص 133.

وفي هذا الإطار، نشير إلى الدفع الذي تقدم به أجراء شركة مانيك (1)، والذي طالبو من خلاله الاستفادة من مقتضيات المادة 382 من م  ش م، وهكذا جاء فيه׃  " بناء على المقال الافتتاحي للدعوى المقدم من طرف المدعين بواسطة نائبهم …، يطالبون من خلاله مراجعة الأمر بتسليم الحصة غير القابلة للحجز الصادر من القاضي المنتدب لتصفية شركة مانيك والقاضي بتحديد الحصة غير القابلة للحجز في مبلغ 678 درهم لكل عامل لمخالفته مقتضيات الفصل 1248 من قانون الالتزامات والعقود والفصل 365 من مدونة التجارة، والفصل 382 من مدونة الشغل، فضلا عن مخالفته لما ذهبت إليه بعض المحاكم المغربية خاصة المحكمة الابتدائية بالعرائش في ملف الإفلاس عدد 221/95 التي منحت للعمال الحصة الغير القابلة للحجز على عنصري الأجرة والتعويضات الأخرى المحكوم بها لفائدة العمال … والتمسوا الحكم بمراجعة الأمر الصادر لفائدتهم بتحديد الحصة غير القابلة للحجز في مبلغ 678 درهم والحكم من جديد طبقا للفصل 1248 من  قانون  الالتزامات  والعقود  والفصلين  382 و 589 من  مدونة الشغل بأحقيتهم لجميع التعويضات المحكوم بها لفائدتهم من طرف محكمة الشغل مع شمول الأحكام الاجتماعية الصادرة لفائدتهم بالامتياز المنصوص عليه في الفصل 382 من مدونة الشغل وشمول الحكم بالنفاذ المعجل … ".

إلى جانب ما سبق، نسجل غياب مؤسسة للتأمين الإجباري في القانون المغربي، وهي جهاز يكفل للأجير أداء مستحقاته في حالة تعثر مقاولة مشغله.

وعليه نخلص إلى أن الامتياز في التشريع المغربي ليس وسيلة مثلى لحماية الأجور في حالة  إفلاس المشغل، وذلك بالنظر إلى طبيعة هذا الامتياز أولا وإلى انعدام نظام للتأمين الإجباري ثانيا٠ ونظرا لأهمية هذا الأخير، نتساءل عن أي دور لمؤسسة التأمين الإجباري في القانون الفرنسي في ضمان أداء مستحقات الأجير ؟

 

 

 

 

 
 

 

 

 

(1)   حكم صادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء، تحت رقم 48/2005، بتاريخ 14/02/2005 . ملف رقم 2/10/2005 (غير منشور)، أنظر الملحق رقم 3.

        عمل المشرع الفرنسي بعد قضية ليب L’affaire Lip " (1) على التدخل   لتفادي المشاكل الناجمة عن عدم أداء ديون الأجراء المستحقة على مشغلهم المدين، حيث بلغت نسبة الديون غير المؤداة 61 % سنة 1973، ولذلك صدر بتاريخ 27 دجنبر 1973 قانون تم بموجبه إحداث نظام لتأمين أداء الديون الناتجة عن عقد الشغل يمول وفق الفصل L. 143 – 11 – 1 من قانون الشغل الفرنسي من الاشتراكات المفروضة على رؤساء المقاولات في تأمين إلزامي لضمان أداء أجور الأجراء في حدود سقف معين دون أي تأخير بواسطة  المشغل (2). وفي حالة عدم أدائه للأقساط الخاصة بالتأمين المذكور تتولى هيئة التأمين القيام بالأداء الفوري لتلك الأجور في حالة خضوع المقاولة لمسطرة التسوية أو التصفية القضائية وقد  اتخذ  هذا  النظام  شكل  جمعية  مكلفة بإدارة  نظام  تأمين  ديون الأجراء ( AGS )(3)

 

l’association pour la gestion du régime d’assurance des créances des salariés .

وهكذا أصبح للمتصرف القضائي (السنديك في القانون المغربي )، الحق في أن يطالب هذا الجهاز بالمبالغ اللازمة لأداء الديون الخاضعة للامتياز الممتاز في حالة عدم وجود أموال تنفذ عليها لدى المدين الخاضع لمساطر المعالجة.

هذا وقد توجت هذه التجربة بنتائج محمودة تجلت في تسديد مجموعة من ديون الأجراء، تشهد على ذلك النسب المؤداة، حيث تم الوفاء بأجور أجراء يتراوح عددهم ما بين 594 و 896 خلال الفترة الممتدة ما بين 1974 و 1977 (4).

 

 
 

 

 

(1) يتعلق الأمر هنا بمصانع ليب للساعات، وتدور وقائع هذه القضية التي دارت أحداثها  سنة 1973 حول مصانع ليب التي صدر حكم بتصفيتها قضائيا، وبناء على ذلك تم إغلاق المقاولة وتم تسريح عمالها المرتبطين معها بعقود شغل والذين كان عددهم كبيرا قدر ب 1300 عامل.

    ونظرا لانعكاسات هذا التسريح الجماعي على المستوى الاجتماعي، وما قد ينجم عنه من مخاطر ناجمة بالأساس عن التهديد بشبح البطالة، قام هؤلاء بمظاهرات كبرى عمت شوارع مدينة بزانسون، واكبها تعاطف جماهيري نجم عنه في نهاية المطاف تقرير الأجراء التوجه نحو هذه المصانع، واحتلوها وقرروا مواصلة العمل وتسيير الإدارة بأنفسهم.

     وردت وقائع هذه القضية في مؤلف، أحمد شكري السباعي : " نظام الإفلاس في القانون التجاري المغربي " دار الكتب العربية بالرباط، الطبعة الثانية سنة 1976، ص 229.

(2) Jean-François Martin : « redressement et liquidation judiciairesprévention, règlement amiable, faillite personnelle Banqueroute « encyclopédie DELMAS, Septième édition, 1999, P 142.

(3) – Yves Chartier : « Droit des affaires » Thèmes droit, presses universitaires de France, 1ère édition, Avril 1989, P 272.

       – Michel Jeantin : « droit commercialinstruments de paiement et de crédit, entreprise en difficulté », Dalloz, 1988, P 749.

(4) أورد هذه الإحصائيات، الحاج الكوري، مرجع سابق، ص 225.

       وبصدور تشريع 1985 تم توسيع نطاق الامتياز ليشمل من جهة جميع المؤاجرين بمن فيهم الصناع التقليديين الذين يشغلون أجيرا واحدا أو أكثر سواء كانوا أجانب أو محليين، ومن جهة أخرى توسع مجال هذا التأمين ليشمل كذلك المقاولات الوطنية (1).

وبما أن الأمر كان يتعلق بتجربة رائدة، فقد اعترتها بعض الصعوبات من بينها الإشكال المرتبط بحدود تدخل هذا الجهاز، وبمعنى آخر هل يضمن هذا الجهاز أداء جميع التعويضات المستحقة للأجير، أم أن الأمر سيقتصر على صنف معين ؟

تجيبنا على ذلك الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض الفرنسية في قرارها رقم 366 الصادر بتاريخ 7 يوليوز 1998 (2)، والذي تدور وقائعه في أن " السيدة والتريني Waltrigny كانت أجيرة لدى شركة بوتي كولان Petitcolin ، واستفادت من التقاعد بتاريخ 31 دجنبر 1993، وأنها التجأت إلى محكمة الشغل قصد الحصول على تعويض معاشي من مشغلها على المبالغ التي دفعتها من أجل اقتناء حصص بالشركة، وأنه أمام مكتب الصلح، وقع الصلح بين الأجير ومشغلها حول قيمة المبالغ المستحقة وكيفية تسديدها، وأن شركة بوتي كولان قد تم اعتبارها في حالة تسوية قضائية بتاريخ 8 دجنبر 1994، وأن جدولا للتسوية قد تم وضعه بقرار مؤرخ في 9 مارس 1995، وأن AGS قد

أمنت ضمان المبالغ المستحقة برسم التعويض عن الإحالة على التقاعد دون تلك المتعلقة بالمبالغ المدفوعة من أجل اقتناء أسهم بالشركة … ".

وفي تعليل الغرفة الاجتماعية للقرار الذي ستتخذه اعتبرت بأنه " لكن حيث إن AGS لها حق خاص لمناقشة مبدأ تغطية ضمانها في جميع الحالات التي تكون فيها شروط هذا الأخير غير متوفرة.

وحيث أيضا إن دفع مبالغ من أجل اقتناء حصص بالشركة لا يشكل دينا ناتجا عن تنفيذ عقد الشغل.

 

 

 

 

 
 



.

 

(1) Yves Chartier : op cit, P 272 – 273.

 

(2) قرار منشور بالنشرة الإخبارية للمجلس الأعلى، العدد 8، سنة 2000، ص 51 – 52.

 

وبقضائها كما فعلت، فإن محكمة الشغل تكون قد خرقت النص أعلاه (1).

 

وحيث يتعين تطبيق مقتضيات الفصل 627 من قانون المسطرة المدنية الجديد.

قضت بنقض وإلغاء القرار الصادر بتاريخ 13 نونبر 1995 … ، وبأن AGS ليس عليها ضمان أداء مبلغ 3791,34 فرنك ".

في ضوء هذا القرار،يتضح بأن تدخل AGS يقتصر على أداء المستحقات الناجمة عن تنفيذ عقد الشغل، ويعد هذا في حد ذاته مكسبا حمائيا بمقتضاه يتم ضمان أداء المبالغ المستحقة للأجراء يوم افتتاح المسطرة من طرف جمعية ضمان أجور الأجراء ( AGS )، وذلك بعد أن تعذر استيفاء هذه الحقوق من المدين.

ونظرا لأهمية هذا الضمان في جانبه الاجتماعي، فإننا نحبذ تبني نظام مشابه له في التشريع المغربي، حتى نوفر للأجير فرصة لاستيفاء مستحقاته في حالة غياب أصول تكون تأمينا لضمان الأداء.

وهكذا نلاحظ أن الأجير، ذلك العنصر البشري داخل المقاولة محروم في ظل التشريع المغربي من جملة من الضمانات مقارنة مع نظيره الفرنسي، مع العلم أنه يعد آلية مهمة داخل المقاولة، سيما في ظل تكريس فكرة المقاولة المواطنة، والتي جعلت منه معنيا بصورة مباشرة بأحوال المقاولة في جميع مراحل حياتها، بما فيها الفترة التي تعتريها فيها صعوبات.

فأي دور للأجراء خلال هذه المرحلة ؟

هذا ما سنحاول إبرازه من خلال استعراضنا لمختلف تجليات المشاركة العمالية في ظل نظام المساطر الجماعية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
 

 

 

 

(1)    إشارة إلى الفصل 1 – 11 – 143 من قانون الشغل الفرنسي.

 

 

المبحث الثاني :

تجليات المشاركة العمالية في نظام صعوبات المقاولة

وسبل حماية الأجراء مؤسساتيا ׃

بهدف تحسين أداء المؤسسات،التي أصبحت بحكم الظرفية الاقتصادية ملزمة بتأهيل إمكاناتها حتى تستطيع الاندماج داخل المحيط الاقتصادي وتعزز من تنافسيتها سيما في ظل نهج أغلب الدول لسياسة الانفتاح، عمل أرباب المقاولات على مواكبة سياق التحولات بربط ما هو اقتصادي بما هو اجتماعي، حيث اقتنع هؤلاء بأنه لضمان وضع أفضل لمواجهة الواقع الليبرالي الجديد يجب إشراك الطبقة العاملة في رأسمال المقاولة ( المطلب الأول )، ولتفادي الصدام الذي قد يحدث في حالة عدم توافق مصالح الطرفين خاصة عند انتكاس وضعية المقاولة نتيجة عدم قدرتها على مواجهة تحدي الواقع الاقتصادي وبالتالي سقوطها في فخ الإفلاس، فإن الأنظمة القانونية عملت على إيجاد مؤسسات تمثيلية أو تابعة للجهاز القضائي تكون صلة وصل بين طرفي النزاع ( المطلب الثاني ).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المطلب الأول :

مفهوم المشاركة العمالية ׃

يرى بعض الفقهاء (1)ن المقصود بالمشاركة العمالية ذلك " النظام الذي يثبت فيه لعنصر العمل في المشروع دور في وظيفة رب العمل بمظهريها السلطة والفائض معا " انطلاقا من هذا التعريف، يتضح أن الأجراء يعدون أحد عنصري الإنتاج، وهذه الصفة تسمح لهم بلعب أدوار طلائعية سواء على مستوى التسيير وحتى على صعيد المردود، ولهذا درجت المقاولات في العهد الجديد، حيث التحرر من القيود الجمركية وفسح المجال لسيادة الليبرالية الاقتصادية على إشراك الطبقة العاملة من خلال تخصيص أسهم لهذه الفئة داخل المقاولة ( الفقرة الأولى ) (2)، كما أن هذه الوضعية من شأنها أن تخلق لدى الأجراء إحساسا بالانتماء للمقاولة وهذا يفرض عليهم التدخل في كل لحظة متى تبين لهم وجود تهديد للمقاولة التي تشغلهم ( الفقرة الثانية )، كما تجعلهم معنيين بأحوالها أثناء مراحل حياتها، ولذلك فهم يعدون مصدرا مهما للمعلومات ( الفقرة الثالثة ).

وهذا ما سنعمل على توضيحه فيما يلي :

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
 

 

 

(1) مراد منير فهيم : " مبدأ المشاركة العمالية في القانون المقارن والقانون المصري "، منشأة المعارف بالإسكندرية، سنة 1986، ص 114.

    – في نفس الاتجاه أنظر مباركة دنيا : " المشاركة العمالية في تسيير المؤسسة الشغلية "، مقال منشور بالمجلة المغربية للاقتصاد والقانون، العدد الخامس، سنة 2002، ص من 61 إلى 78.

(2) حول التطور التاريخي لنظام الأسهم العمالية في فرنسا انظر.

– CHarlotte Boutin : « mécanismes et enjeux de l’actionnariat salarié » Mémoire soutenu en vue de l’obtention du DESS « Banques et finances » université RENE DES CARTES (Paris V) faculté de droit Année universitaire : 2002 – 2003, session : oct/Nov. 2003, P 7 à 13.

الفقرة الأولى : إشراك الأجراء في رأسمال المقاولة ׃

أصبحت عملية إشراك الأجراء في رأسمال الشركات آلية جديدة لتطوير المقاولة، على اعتبار أن فكرة المساهمة تهدف بالأساس إلى تحفيز الأجير أيا كان موقعه على العطاء، وهو الأمر الذي سينعكس إيجابا على المقاولة، مادام أن من شأن تفعيل هذه التقنية امتصاص التوترات الاجتماعية التي قد تندلع بسبب تصادم المصالح من جهة، ومن جهة أخرى تحقيق مردود أفضل على مستوى الإنتاج (1).

وهكذا، ونظرا للآثار الإيجابية لهذا النوع من المشاركة العمالية،عملت مختلف التشريعات على  تقنين هذه الوضعية من خلال التنصيص على تخصيص نسبة من الأسهم لأجراء المقاولة (2)، وهو الأمر الذي نهجته أغلب المقاولات (3) وذلك رغبة منها في تشجيع الأجراء، حتى تكون هنالك شراكة فعلية وحقيقية بين الشغل ورأس المال، وبذلك يتحول المركز القانوني للأجير اتجاه ملاك وسائل الإنتاج من علاقة تبعية خالصة إلى مشاركة منتجة (4).

ويجدر بنا في هذا الإطار أن نشير إلى أن أسهم الشغل action de travail، لا تلزم أرباب المقاولات لأنها ليست من النظام العام، ولذلك فإن هذه الآلية تتوقف على إرادة المكتتبين عند تأسيس الشركة أو عند تحويلها (5).

 

 
 

 

 

(1) سليمان أريفي : " أثر الخوصصة على عقود الشغل والضمانات القانونية لحماية الأجراء "، رسالة لنيل د دعم في القانون الخاص وحدة قانون الأعمال، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة، السنة الجامعية 1999 – 2000، ص 73 – 74.

(2) على مستوى التشريع المغربي نجد هناك مجموعة من النصوص التي تكرس هذا النمط من المشاركة، وهكذا نجد المادة السابعة من القانون رقم 39 – 89 المؤذن بموجبه تحويل منشآت عامة إلى القطاع الخاص (منشور ب ج ر ع 22 – 4042 بتاريخ 18 أبريل 1990 ص 711 – 717)، تنص على أنه : " يمكن عند القيام بعمليات التحويل المنصوص عليها في المادة الأولى، أعلاه أن تقترح مساهمة فيها على الأجراء العاملين في المنشأة وعلى المتقاعدين منها، وذلك وفق شروط تتحدد بمرسوم ״. وفي نفس السياق تنص الفقرة 3 من المادة 415 من قانون 95-17 المتعلق بشركات المساهمة (منشور ب ج ر ع 4422، بتاريخ 17 أكتوبر 1996، ص 232) على ما يلي : " لا تطبق أحكام هذا القانون على شركات المساهمة ذات رأس المال المتغير وعلى الشركات ذات المساهمة العمالية التي تظل خاضعة لأحكام الظهير الشريف السابق الذكر الصادر في 17 من ذي الحجة 1340 (11 غشت 1922).

      – وللإشارة فإن ظهير 11 غشت 1922 نظم أحكام المساهمة العمالية في الشركات الخفية الاسم في الفصول من 72 إلى 80.

(3) وهكذا  نجد مثلا بأن شركة جنيرال تاير المصفاة كانت قد خصصت مجموعة من الأسهم والتي بلغ عددها 7411 إلى مأجوريها، بموجب مرسوم رقم 2.94.850 منشور ب ج رع 4286 بتاريخ 18 رجب 1415 الموافق ل 21 دسمبر 1994، ص 2072. – وفي مثال آخر خصصت شركة سوطيما Sothema نسبة 3000 سهم لأجرائها، لمزيد من التوضيح أنظر، جريدة  La tribune, 10/16/  Février 2005, P 22  .

    – لمزيد من التوضيح بشأن المساهمات العمالية، انظر الملحق رقم ( 4 ) خاص بالمقاولات المغربية، ثم الملحق رقم (5)  خاص ببعض المقاولات الفرنسية.

(4) أحمد محمد محرز : " تمويل أسهم العمال في الشركات – المساهمة والقطاع العام- "، طباعة شركة الجلال للطباعة، 2003، ص 14.

(5) أحمد شكري السباعي : " الوسيط في الشركات والمجموعات ذات النفع الاقتصادي – الجزء الثالث – شركات المساهمة " ، دار نشر المعرفة، الطبعة الأولى، 2004، ص 269.

والملاحظة التي يجب إبداؤها هي أنه يمكن مبدئيا في ظل هذه الوضعية تصور الأجير كشريك بالمقاولة، وهذا من شأنه أن يدفعنا إلى طرح التساؤل التالي :

إذا قلنا بأنه يحق للأجير أن يتمتع بصفة الشريك بمساهمته في رأسمال الشركة، فهل هذا يخوله صلاحية تبليغ رئيس المقاولة بالإخلالات التي تعترض سير المقاولة وفق ما تنص عليه المادة 546 (1)، أم أن صفة الشريك تنصهر في ظل وجود علاقة التبعية، مادام أن المزج بين الوصفين غير مقبول، فالأول يفترض نوعا من السلطات والحقوق، فيما يستدعي الثاني الخضوع لسلطة ورقابة المشغل ؟

يجيبنا على هذا الإشكال المجلس الأعلى في أحد قراراته (2) حيث اعتبر أن صفة أجير لا تتنافى وصفة الشريك إذ ليس هناك ما يمنع أن يكون الشخص أجيرا وشريكا في نفس الوقت، كما لا تلغي كل واحدة منهما الأخرى.

 وقد اعتبر المشرع المغربي من خلال الفصل 75 (3) من ظهير 11 غشت 1922 ﺃن أسهم الشغل تكون اسمية، وقد تم تجريدها من أهم خصائص الأسهم العادية وهي القابلية للتداول، من هنا يمكن القول إنه للنهوض بالمقاولة ينبغي مراعاة البعد الاجتماعي لأنه بتحقيق هذه الغاية نضع المقاولة في مسارها الصحيح من جهة، ومن جهة أخرى تستفيد المقاولة من الحوافز التي خصصها المشرع لها نظير تخصيص نسب معينة للأجراء، من ذلك الامتيازات الضريبية والتي يمكن ملاحظتها من خلال المادة 66 من القانون المنظم للضريبة العامة على الدخل (4) بنصها على أنه : " تعفى من الضريبة العامة على الدخل :

13 – الدفعة التكميلية التي تتحملها الشركة المشغلة … والتي تخصصها هذه الأخيرة لأجرائها تطبيقا لقرار الجمع العام الاستثنائي.

 

 
 

 

 

 

 

(1) تنص الفقرة الأولى من المادة 546 من م ت على أنه : " يبلغ مراقب الحسابات إن وجد، أو أي شريك في الشركة لرئيس المقاولة الوقائع التي من شأنها الإخلال باستمرارية استغلالها، داخل ثمانية أيام من اكتشافه لها برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل يدعوه فيها إلى تصحيح ذلك الإخلال ".

(2) قرار عدد 897 مؤرخ في 9 – 06 – 1999 في الملف التجاري عدد 1078/93، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد 56    – عدد خاص بالقضاء التجاري – السنة 22 يوليوز 2000، ص 183 إلى 187.

    – في نفس الاتجاه أنظر، إدريس فجر : " بطلان عقد العمل في ضوء القانون التجاري "، مجلة الحدث القانوني، العدد 1، دجنبر 1997، ص 5 إلى 7.

(3) ينص الفصل 75 من ظهير 11 غشت 1922 على ما يلي : " أسهم العمل إسمية، وتسجل باسم الشركة التعاونية لليد العاملة، ولا تقبل التفويت طيلة قيام الشركة ذات المساهمة العمالية، ويطبع عليها بطابع يشير إلى عدم قابليتها للتفويت والحجز ".

(4) أحدثت الضريبة العامة على الدخل بموجب قانون رقم 89 – 17، منشور ب ج ر ع 4023 بتاريخ 6 ديسمبر 1989.

" يراد بعبارة الدفعة التكميلية، القسط الذي تتحمله الشركة من ثمن السهم والناتج عن الفرق بين قيمة السهم في تاريخ تخصيص الاختيار وثمن السهم المدفوع من قبل المأجور، غير أن الاستفادة من الإعفاء تتوقف على الشرطين التاليين :

أ) يجب ألا تزيد الدفعة التكميلية على نسبة 10 % من قيمة السهم في تاريخ تخصيص الاختيار، وإلا فإن القسط الزائد على النسبة المذكورة يعتبر تكملة للأجرة الخاضعة للضريبة بالسعر المحدد في جدول الضريبة المنصوص عليه في المادة 94 بعده وذلك برسم سنة ممارسة الاختيار.

ب) يجب ألا يتم بيع الأسهم المتملكة من لدن المأجور قبل فترة منع التصرف تبلغ خمس سنوات ابتداء من تاريخ تخصيص الاختيار دون أن يقل الأجل الفاصل بين تاريخ ممارسة الاختيار وتاريخ البيع المذكور عن ثلاث سنوات.

وفي هذه الحالة فإن الفرق بين قيمة السهم في تاريخ ممارسة الاختيار وقيمته في تاريخ تخصيص الاختيار يعتبر بمثابة زائد قيمة تملك تفرض عليه الضريبة …

وفي حالة بيع الأسهم قبل انقضاء فترة منع التصرف البالغة خمس سنوات أو فترة حيازة الأسهم لمدة ثلاث سنوات المشار إليها أعلاه، تعتبر الدفعة التكميلية المعفاة وزائد قيمة التملك المشار إليها أعلاه بمثابة تكملة للأجرة خاضعة للضريبة كما هو مبين في أ – أعلاه مع مراعاة تطبيق الغرامة والعلاوة المنصوص عليهما في المادة 109 بعده " (1).

إلى جانب ذلك يكرس الفصل 80 من ظهير 1922 شكلا آخر من الامتيازات حيث   " ﺇن الشركات التي تمتثل للمقتضيات السابقة تعفى فيما يتعلق بنظامها والرسوم المتعلقة بزيادة رأس مالها من حقوق التنبر والتسجيل وذلك فقط فيما يعود إلى مبالغ أسهم العمل.

والشركات التي يكون فيها عدد أسهم العمل موازيا على الأقل لربع عدد أسهم رأس المال تتمتع علاوة على ما تقدم لفائدة أسهمها للعمل بالمزايا التي يمنحها الفصل 21 من القانون المؤرخ في 30 دجنبر  سنة 1903 … للحصص  أو الأسهم في  الشركات  المسماة تعاونية والمؤلفة من العمال  والصناع  فقط  أيا  كان نوع  تلك الشركات …  وعلاوة على

 

 

 

 
 

 

 

(1) المادة 66 المشار إليها منشورة ب ج ر ع  4861 بتاريخ فاتح يناير 2001، ص 10 – 11.

الإعفاءات الضريبية المنصوص عليها في الفقرة السابقة تتمتع الشركات ذات المساهمة العمالية بالمزايا التي تمنحها القوانين والمراسيم الجاري بها العمل للشركات التعاونية فيما يتعلق بإرساء الأشغال الهامة والتعهد بها ".

في ضوء هذين النصين تتضح إذن نوايا المشرع، حيث ﺇن سلوكه لنظام الإعفاءات الضريبة سواء للأجراء المساهمين أو للشركات، نابع بالأساس من رغبته في خلق إحساس متبادل بين طرفي الإنتاج بالانتماء وخلق مقاولة مواطنة وذلك اختياريا دون إجبار (1)*

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
 

 

 

 

(1) حول الامتيازات الضريبية المتاحة للأسهم العمالية، أنظر

– CHarlotte Boutin : op. cit., P 27.

(*) نسجل في هذا المجال تخوفنا على اقتصادنا الوطني، إذ من المعلوم أن 95 % من مقاولاتنا هي صغرى ومتوسطة، وهذا يضعها في المحك في ظل تبني سياسة الانفتاح وولوج شركات أجنبية للسوق الداخلية وما يواكب ذلك من استيرادها لمختلف التقنيات الحديثة، وهذا سيهدد لا محالة بقاءها، لذلك فإن المقاولة المغربية ملزمة بمسايرة نمط الاقتصاد العالمي بتأهيل إمكاناتها لتتوافق وحدة التنافسية التي تفرضها سياسة الليبرالية، وفي هذا الإطار نعتقد بأن أنسب الطرق لمواجهة هذا التحدي هو في التكثل الاقتصادي سواء عن طريق الاندماج أو بالتمركز في شكل قانوني معين، وهو النهج الذي سلكته بعض المقاولات المغربية بعدما تبين لها صعوبة الفوز ببعض الصفقات التي تعرضها الدولة وذلك في إطار طلب العروض لاختيار الفاعلين الاقتصاديين المناسبين لإنجاز المشروع.

ففي مجال إنجاز الطريق السيار، وبعد فوز شركة تركية بصفقة إنجاز الطريق السيار الرابط بين الدار البيضاء وسطات، عبرت بعض الشركات المغربية عن رغبتها في الاستفادة من هذه العملية إلا أنها ووجهت بمنافسة أجنبية سيما في مجال الأسعار، وبما أن الدولة تعتمد سياسة تشطير المشروع لتسريع إنجازه، اقترحت على المقاولات المغربية التكثل في شكل مجموعة ذات نفع اقتصادي للاستفادة من إنجاز المشروع المتعلق بإنجاز طريق سيار رابط بين سطات ومراكش، وهو الشيء الذي تأتى لها حيث تكتلت أربع شركات وهي :

SINTRAM – SOTRAVO – LA ROUTE DU NORD – MEGEC.

وفازت بصفقة إنجاز الشطر الثالث من المشروع والرابط بين صخور الرحامنة وبنكرير وذلك بقيمة 720 مليون درهم، وخلال مدة 29 شهرا (قوام هذا المشروع 31 كلمترا).

– بينما فازت بصفقة الشطر الرابع من المشروع والرابط بين بنكرير والطريق الرئيسية 2002 أربع مقاولات مغربية أخرى وهي :

HOUAR – SEPROB – SNCE – SOMAGEC.

وذلك بقيمة 516 مليون درهم، وخلال مدة 29 شهرا كذلك (قوام هذا المشروع 28 كلمترا) هذه المعلومات مأخوذة من :

Rapport d’activité 2004, de l’autoroutes du Maroc, P 20.

– وحول ميزة التكتل في شكل مجموعة ذات نفع اقتصادي انظر أستاذنا عز الدين بنستي : " الشركات في التشريع المغربي والمقارن – الجزء الثاني" طبعة سنة 2000، ص من 226 إلى 229.

 

 

الفقرة الثانية : دور ممثلي الأجراء في تحريك مسطرة المعالجة ׃

نظرا لتشعب المصالح وتضاربها داخل المقاولة، عملت مختلف التشريعات على تبني تقنية اختيار أجهزة ممثلة للأجراء، وذلك حتى تكون هنالك آلية للحوار الجاد ولتفادي الصدمات التي لن تكون في صالح أي من الطرفين، وقد سجلت هذه المؤسسة – متمثلة في لجنة المقاولة أو مندوبي الأجراء – حضورها من خلال الدور البارز الذي تمارسه على مختلف الأصعدة، إلا أن الإشكال الأساسي الذي يطرح هو أي دور لممثلي الأجراء خلال توقف المقاولة عن الدفع، وبمعنى آخر هل يعد من صلاحيات ممثلي الأجراء الحق في تحريك مسطرة المعالجة ؟ .

الملاحظ أن مضامين الكتاب الخامس من مدونة التجارة المغربية أفرزت من جديد مجالا آخر للاختلاف مع القانون الفرنسي، حيث إن هذا الأخير خول للأجراء إمكانية تحريك مسطرة المعالجة عبر أجهزتهم التمثيلية، وذلك من خلال الفقرة الأخيرة من المادة الرابعة من قانون 25 يناير 1985 المتعلق بالتسوية القضائية والتصفية القضائية، والتي تسمح للجنة المقاولة أو لمندوبي الأجراء في حالة عدم وجود هذه اللجنة إخبار رئيس المحكمة أو وكيل الملك بكل واقعة تفيد بأن هناك  توقفا عن الدفع(1).

إلى جانب ذلك خول المشرع الفرنسي لممثلي الأجراء الحق في طلب كل المعلومات التي تهم السير العام للمقاولة وإدارتها والتوجهات التي ستأخذها وتقارير مفصلة عن كل ما من شأنه المساس بها (2). وانطلاقا من دراسة وتحليل مختلف الوثائق، يصبح لممثلي الأجراء إمكانية تشخيص الوضعية المالية والاقتصادية والاجتماعية للمقاولة،وانطلاقا من قانون 10 يونيو 1994 أصبحت للجنة المقاولة صلاحية الإنذار والإخبار عبر ثلاث مراحل (3) :

 

 
 

 

 

 

(1) تنص الفقرة الأخيرة من المادة الرابعة من قانون 1985 على ما يلي :

« le comité d’entreprise ou, à défaut, les délégués du personnel peuvent communiquer au président du tribunal ou au procureur de la république tout fait révélant la cessation des paiements de l’entreprise ».

(2) – M. cozian – A. Viandier – El. Deboissy : « droit des sociétés », Treizième édition Litec, 2000, P 315 – 316. 

(3) تنص الفقرة الخامسة من المادة L 432 من قانون الشغل الفرنسي على ما يلي :

« lorsque le comité d’entreprise a connaissance de faits de nature à affecter de manière préoccupante la situation économique de l’entreprise, il peut demander à l’employeur de lui fournir des explications …, s’il n’a pu obtenir de réponse suffisante de l’employeur ou si elle-ci confirme le caractère préoccupant de la situation, il établit un rapport, dans les entreprises visées à l’article L. 434 – 5, ce rapport est

=

– المرحلة الأولى : هي مرحلة الاستفسار، وخلالها تطالب لجنة المقاولة رئيس المقاولة بتفسيرات بشأن المؤشرات التي توحي بوجود صعوبات تعيشها المقاولة من خلال جلسة تعقدها، ويلتزم رئيس المقاولة خلال هذه الجلسة بإعطاء الإيضاحات اللازمة وإن أمكن التدابير التي يراها مناسبة.

وتخضع تفسيرات رئيس المقاولة للسلطة التقديرية للجنة المقاولة، فإن اقتنعت بأن الأمور لن تؤثر على سير المقاولة فإنها تقف عند هذا الحد، أما إذا لم تقتنع فإنها تستمر في المداولات.

المرحلة الثانية : ويتم خلالها إعداد تقرير من طرف اللجنة وأجيرين مختارين لكفاءتهم المهنية ينضمان للجنة لكتابة التقرير، وذلك مدة خمس ساعات في اليوم وتعتبر ساعات عمل عادية مؤداة الثمن، وللجنة المقاولة خلال هذه المرحلة الاستعانة بخبير محاسبات لإعداد التقرير، هذا الأخير يجب أن يوضح الظروف التي جعلت اللجنة تطالب بممارسة حقها في الإخبار، كما يمكن أن يتضمن هذا التقرير الاقتراحات الممكنة لحل الأزمة.

– المرحلة الثالثة : وهي مرحلة الإخبار وخلالها يتم إخبار مجلس الإدارة أو مجلس الرقابة خمسة عشر يوما قبل الاجتماع، ويتم طرح الأمر من خلال جدول أعمال ومناقشته، فإن لم يقع ذلك تتم المناقشة في الاجتماع الموالي.

إذا كان هذا هو حال التشريع الفرنسي، فكيف هو الوضع عندنا في القانون المغربي ؟ مبدئيا وحسب منطوق المادة 563 من مدونة التجارة، فإنه يحق لكل دائن لمقاولة متوقفة عن الدفع أن يطلب فتح مسطرة المعالجة في حالة امتناعها عن الوفاء عند حلول الأجل كيفما كان مبلغ  وطبيعة  دينه،  وهذا  هو  التوجه  الذي  سار  عليه  القضاء  التجاري  في

 

 

=  établi par la commission économique, ce rapport est transmis à l’employeur et au commissaire aux comptes. Le comité d’entreprise ou la commission économique peut se faire assister, une fois par exercice, de l’expert-comptable prévue au premier alinéa … convoquer le commissaire aux comptes et s’adjoindre avec voix consultative deux salariés de l’entreprise choisis pour leur compétence … »

– لمزيد من المعلومات أنظر بقية المادة وفي نفس المجال :

– Alain Coeuret : « la représentation du personnel et l’entreprise en difficulté » Rev. Dr. Soc, n° 9 – 10, Septembre – Octobre 1986, P 652 jusqu’à 655.

 

مجموعة من القرارات (1).

لذلك ذهب غالبية الفقه (2) إلى أن للأجراء استنادا إلى هذه المادة الحق في تقديم طلب فتح مسطرة المعالجة ضد المقاولة التي يشتغلون بها رغم سكوت المشرع عن ذلك، في حين ذهب جانب آخر منه (3) إلى اعتبار أن المادة السابقة لا تسعف في منح الأجراء إمكانية طلب فتح مساطر المعالجة ولذلك نادوا بتخصيص نص يتيح ذلك على غرار القانون الفرنسي، وإلى حين حصول ذلك فالأجراء يمكن أن يكونوا سببا في فتح هذه المساطر من خلال المعلومات التي يدلون بها لرئيس المحكمة أثناء مسطرة التسوية الودية (4)، ذلك أنه بناء على هذه المعلومات يمكن للمحكمة المختصة أن تفتح المسطرة ضد المقاولة المتوقفة عن الدفع، إما تلقائيا وإما بناء على طلب النيابة العامة، أما عن موقفنا من هذه المسألة، فإننا نعتقد أن المادة 563 م ت رغم عموميتها وإمكانية تطبيق مقتضياتها على الأجراء، فإننا نذهب خلاف الاتجاه الفقهي الأول لنقول إنه حبذا لو كان هنالك نص خاص على غرار التشريع الفرنسي يتيح للأجير هذه الإمكانية، سيما وأن التطبيقات القضائية في المغرب لم تعطنا ولو حالة عملية واحدة تزكي اتجاه الفقه الذي يذهب إلى استفادة الأجراء من المادة 563 من م ت .

في ضوء ما سبق، نسجل من جديد قصورا كبيرا في حق الأجراء، ذلك أن الأجير لا يسمح له على مستوى مساطر الوقاية أو على مستوى مساطر المعالجة بأي تدخل فاعل داخل المقاولة، مع العلم أنه الأدرى بالاضطرابات الحاصلة باعتباره مواطنا داخلها، لذلك كان من الأجدى لو تمت الاستفادة من وضعية هؤلاء للخروج بأنسب الحلول، ولذلك فإن الأمر لا يجب أن يقتصر فقط على مجرد الاستشارة بل يجب أن يتم توسيع هامش تدخل هذه الفئة، لأننا بذلك نكرس وضعية محبدة في عالم الأعمال، ألى وهي تحسيس الأجير بالانتماء للمقاولة.

(1) من ذلك قرار محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء رقم 181/2000، صادر بتاريخ 25/01/2000 والذي جاء في حيثياته " حيث إنه لئن كان بمقدور كل دائن كيفما كانت طبيعة دينه حسب مقتضيات الفصل 563 من م ت أن يطلب فتح مسطرة صعوبة المقاولة … ״ حكم غير منشور.

(2) أنظر في هذا الشأن :

   – محمد البعدوي : " حماية حقوق المأجورين بالمقاولة المشتغلة الخاضعة لمسطرة المعالجة في قانون مدونة التجارة "، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، ع 50، ماي – يونيو 2003 ص 132.

   – في نفس المجال أنظر : حكيمة أنفة : " الضمانات القانونية لحماية الأجراء في ظل نظام صعوبات المقاولة " رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في قانون الأعمال، جامعة محمد الأول ،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة، السنة الجامعية׃ 2000 – 2001، ص 69.                                                                                                                 ‗

 

وفي هذا الإطار نسجل سابقة قضائية سجلتها المحكمة التجارية بالدار البيضاء عندما أصدرت حكمها وفق طلب عمال شركة سوكومين الذين تقدموا بمقال يهدف إلى الحكم بفتح مسطرة التصفية القضائية في مواجهة المدعى عليها (1).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
 

 

 

 

 

(3) ويمثله عبد الرحيم السلماني : " وضعية الأجراء في ظل قانون معالجة صعوبات المقاولة "، مجلة كتابة الضبط، ع 8، ماي 2001، ص 150.

(4) تنص الفقرة الثانية من المادة 548 من م ت على أنه " في نهاية هذا الاجتماع، يمكن لرئيس المحكمة على الرغم من أية مقتضيات تشريعية مخالفة أن يطلع على معلومات من شأنها إعطاؤه صورة صحيحة عن الوضعية الاقتصادية والمالية للمدين، وذلك عن طريق مراقب الحسابات أو الإدارات أو الهيئات العمومية أو ممثل العمال أو أي شخص آخر ".

(1) حكم رقم 131 بتاريخ 02 / 05 / 2005، ملف رقم 258/10/2004 (غير منشور)، أنظر الملحق رقم 6.

 

 

الفقرة الثالثة : الدور الاستشاري لممثلي الأجراء ׃

تظهر مشاركة مؤسسة ممثلي الأجراء في مسطرة المعالجة من خلال الطابع الاستشاري الذي يتمتعون به في كل ما يخص المقاولة وإدارتها والتوجهات التي ستأخذها، لأجل هذا فهي تتلقى، بصفة مستمرة معلومات وتقارير مفصلة عن كل ما من شأنه المساس بالمقاولة(1)، وهذا يكرس مفهوم المقاولة المواطنة، والتي تجعل من الأجير معنيا وبشكل مباشر بكل ما يهم شؤون المقاولة التي يشتغل بها، لذلك فإن هذه الوضعية تسمح له بأن يبدي – متى دعت الظروف إلى ذلك – رأيه في شكل استشارة يقدمها حتى تتضح الصورة بالنسبة للجهة القضائية المختصة، وهذا يدفعنا إلى طرح التساؤل حول طبيعتها القانونية ، وبمعنى آخر، هل تعد الاستشارة إجراء إلزاميا أم جوازيا فقط ؟

بداية نشير إلى أن التشريعين الفرنسي والمغربي لم يحددا المقصود بالاستشارة (2)، وقد ذهب أحد الباحثين (3) إلى أن الاستشارة الحقيقية تقتضي المرور عبر مرحلتين : الأولى تفترض سلوك مسطرة الإخبار وهي ما عبر عنها المشرع المغربي في المادة 66 م من م ش م بالتبليغ، وتتجلى أهمية هذه المرحلة في كونها تبرز الوضع الحقيقي للمقاولة في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والمالية، وذلك من خلال المعلومات التي يتم تقديمها للجهة المراد مساعدتها حتى يتأتى لها الإطلاع بشكل شامل على موضوع الاستشارة.

أما الثانية : فتعتبر تتميما لسابقتها، ومن خلالها يتم فتح باب الحوار والتشاور .

وبرجوعنا إلى التساؤل السابق يجدر بنا جوابا عليه التمييز بين القانونين الفرنسي والمغربي.

 

 

 

 

(1) وهذا ما أقرته المادة 1 – L 432 من قانون الشغل الفرنسي بنصها على أنه :

« Dans l’ordre économique le comité d’entreprise est obligatoirement informé et consulté sur les questions intéressant l’organisation la gestion et la marche générale de l’entreprise et notamment sur les mesures de nature à affecter le volume ou la structure des effectifs … ».

(2) استشارة : consultation : الرأي الذي يبديه أحد الخبراء إما كتابة أو شفهيا في موضوع معين قانوني أو غير قانوني، فالرأي المعرب عنه استشاري consultatif .

– Dictionnaire juridique, librairie du Liban, septième édition, 2000, P 74.

(3) فاطمة حداد : " الإعفاء لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية وإغلاق المقاولات – دراسة مقارنة – " أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة الحسن الثاني – عين الشق – كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالدار البيضاء السنة الجامعية : 2004 – 2005، ص 252.

 

 

أولا : بالنسبة للتشريع الفرنسي׃

الملاحظ أن نص المادة 1 – L 432 من قانون الشغل الفرنسي يعطي الحق للمؤسسات العمالية ممثلة في لجنة المقاولة أو مندوبي الأجراء في الاستشارة والإعلام حول كل القرارات التي تهم السير العام للمقاولة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الصيغة جاءت على سبيل الإجبار وهذا يجعل من مسطرة الاستشارة شرطا ضروريا لصحة أي إجراء يهم المقاولة المعنية.

والأكثر من هذا فإن هذه المادة تمنح لمندوبي الأجراء وللجنة المقاولة صلاحيات أخرى كرستها مواد أخرى في قانون الشغل وذلك في حالة عدم استشارتهم، حيث يبقى لهم الحق في رفع دعوى على أساس عرقلة سير عملهم (1).

يؤكد ذلك الفصل السادس (2) من القانون الصادر في 25 يناير 1985 المتعلق بالتسوية والتصفية القضائية والذي يفرض ضرورة الاستماع للجنة المقاولة أو لمندوبي الأجراء بشأن فتح المسطرة الجماعية.

وتبرز أهمية هذا الإجراء كذلك عندما يتم الحديث عن مصير المقاولة، حيث إن الأمر الصادر عن المحكمة بشأن الوقف الكلي أو الجزئي للمقاولة، لا يتم إلا بعد الاستماع لممثلي الأجراء (3).

ثانيا : بالنسبة للتشريع المغربي׃

درجت المحاكم المغربية على الاستعانة بالأجراء لفهم حقيقة الوضع الذي تعيشه المقاولة الخاضعة لمسطرة المعالجة، وسندها في ذلك مجموعة من النصوص القانونية، منها ما ورد في مدونة التجارة سواء بصفة مباشرة،  من  ذلك  المادة  590 التي تنص على أنه ׃

(1) وهذا ما نصت عليه وعلى التوالي المادتان 1 – L 482 و 1 – L 483 من قانون الشغل الفرنسي وذلك تحت وصف الجريمة بجنحة العرقلة.

(2) تنص المادة السادسة من قانون 1985 على ما يلي :

« le tribunal statue sur l’ouverture de la procédure, après avoir entendu ou dûment appelé en chambre du conseil le débiteur et les représentants du comité d’entreprise ou à défaut des délégués du personnel … »

(3) وهذا ما أكدته المادة 36 من قانون 1985 بنصها على أنه :

« A tout moment, le tribunal, à la demande de l’administrateur du représentant des créanciers, du débiteur, du procureur de république ou d’office et sur rapport de juge-commissaire, peut ordonner la cessation totale ou partielle de l’activité ou la liquidation judiciaire.

Le tribunal statue après avoir entendu ou dûment appelle en chambre de  conseil, le débiteur, l’administrateur, le représentants des créanciers, et les représentants du comité d’entreprise ou, à des délégués du personnel ».

" تقرر المحكمة إما استمرار قيام المقاولة بنشاطها أو تفويتها أو تصفيتها وذلك بناء على تقرير السنديك وبعد الاستماع لأقوال رئيس المقاولة والمراقبين ومندوبي العمال ".

أو بصفة غير مباشرة، وهذا شأن المادة 581 التي تنص على أنه : " يمكن للسنديك الحصول على المعلومات التي من شأنها أن تعطيه فكرة صحيحة عن الوضعية الاقتصادية والمالية للمقاولة عن طريق مراقب الحسابات والإدارات والهيآت العمومية أو عن طريق أي شخص آخر، وذلك على الرغم من أي مقتضيات تشريعية مخالفة ".

ونصوص أخرى وردت بمدونة الشغل من ذلك المادة 466 والتي تنص على أنه : " في إطار المهام الاستشارية للجنة المقاولة يعهد إليها بالمسائل التالية :

– التغيرات الهيكلية والتكنولوجية للمقاولة .

– الحصيلة الاجتماعية للمقاولة عند إقرارها.

– الاستراتيجية الإنتاجية للمقاولة ووسائل رفع المردودية.

– وضع مشاريع اجتماعية لفائدة الأجراء والسهر على تنفيذها … ".

وعليه، وانطلاقا من النصوص السابقة تبدو أهمية الاستشارة التي يبديها الأجراء، حيث إنها تعد إجراء مسطريا مهما، وتعتبر أساسا للقول بصحة المسطرة، وتبقى مسألة جدوى هذا الإجراء وانعكاسه على القرار المتخذ من قبل الجهة القضائية المختصة مثار تساؤل. إذ هل تعتبر هذه الاستشارة ملزمة لدرجة الأخذ بها، أم أنها لا تعدو أن تكون مجرد رأي قد يؤخذ به على سبيل الاستئناس فقط، وفي حالة الاستغناء عنه فإن ذلك لن يؤثر على  القرار المتخذ ؟

على مدار الأحكام والقرارات القضائية التي قدر لنا الإطلاع عليها، يبدو أن استشارة الأجراء لا تتجاوز حدود الاستئناس فقط، فهي لا تؤثر على القرار المتخذ، حيث إن سلطة اختيار الحل الأنسب تبقى اختصاصا صرفا للمحكمة المختصة، وهذا ما دفع ببعض الباحثين (1) – وندعمه في ذلك – إلى اعتبار أن هذا الوضع من شأنه أن يضعف من دور الأجهزة

 

 

 

(1) حكيمة أنفة : " الضمانات القانونية لحماية الأجراء في ظل نظام صعوبات المقاولة "، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في قانون الأعمال، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة  ، السنة الجامعية 2000 – 2001، ص 73.

التمثيلية، ويجعل منها مجرد جهاز شكلي ليس إلا داخل المقاولة، ومع ذلك يشكل تدخل هذه الأجهزة دعما لاختيار الحل الأنسب من قبل الجهة المختصة.

ومادام أن الدافع من تدخل ممثلي الأجراء هو الحفاظ على حقوق الطبقة العاملة ، وفي نفس الآن يبقى هاجس القاضي عند بته في موضوع يتعلق بمقاولة متعثرة هو تكريس فلسفة نظام صعوبة المقاولة بما فيها ضمان استقرار مناصب الشغل، فإن هذا من شأنه أن يوحد منظور جميع الفعاليات المتدخلة في هذا المضمار.

ومع ذلك، قد يستقر رأي المحكمة على الحكم بتصفية المقاولة، مما قد يضعف من المركز القانوني للأجراء، ولذلك يطرح التساؤل حول إمكانية طعن الأجراء أو ممثليهم في مثل هذه القرارات ؟

عالج المشرع الفرنسي هذه المسألة من خلال المواد من 171 إلى 177 من قانون 25 يناير 1985، ويتضح من خلال المادة 171 (1) بأن هذه الإمكانية متاحة، حيث يمكن للجنة المقاولة الطعن في القرارات المتخذة من قبل المحكمة والمتعلقة بتبني أو رفض المخطط، وذلك أمام محكمة الاستئناف، أو الطعن بالنقض في الحكم القاضي بفتح المسطرة والتصفية القضائية.

أما بالنسبة للتشريع المغربي، فالملاحظ أنه لم يتعرض لهذه المسألة، وحسبنا في هذا المجال وفي ظل غياب نص صريح يسمح ويتيح القيام بذلك للأجراء أن نعتمد القواعد العامة المعمول بها، والتي تخول " لكل من تضرر من حكم أو قرار صدر ضده أو قضى برفض كل طلباته أو بعضها بمناسبة البت في إجراء من إجراءات افتتاح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية " (2) حق الاستئناف.

في ضوء ما سبق، يمكن القول بأن إشراك الأجير كأداة استشارية، يجب أن تتجاوز المنظور المعمول به والذي يجعل من هذه الاستشارة مجرد صيغة للاستئناس لا تلزم القاضي بأي حال، ولذلك حبذا لو تم  تفعيل دور الأجهزة  التمثيلية من خلال دعم صلاحياتها

 

 
 

 

 

 

(1) تنص المادة 171 من قانون 1985 على ما يلي :

    « Sont susceptibles d’appel ou de pouvoir en cassation :

    les décisions statuant sur la liquidation judiciaire, arrêtant ou rejetant le plan de continuation de l’entreprise de la part du … comité d’entreprise ou à défaut, des délégués du personnel … ».

(2) لمزيد من التوضيح حول هذا الموضوع أنظر عبد الرحيم السلماني : " طرق الطعن في الأحكام الصادرة في مادة صعوبات المقاولة "  منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات  ع 1 ، دجنبر 2002، ص من 28 إلى 31.

وتخويلها حق الطعن في القرارات التي تهدد بشكل أو بآخر الأجير عامة ومناصب الشغل بشكل خاص، وذلك بشكل صريح على غرار القانون الفرنسي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المطلب الثاني ׃

دور الهيئات المتدخلة في نظام صعوبات المقاولة في حماية مصالح الأجراء ׃

يعتبر نظام صعوبات المقاولة أحد المحطات المهمة في التاريخ القانوني بالمغرب، وقد تبناه المشرع آملا من خلاله أن يوفر للمقاولات مختلف ضمانات البقاء، سيما بعد المرحلة الانتقالية التي عرفتها والتي جعلت منها مقاولة ذات شأن عام بعد أن كانت ذات شأن خاص، ولعل المبرر إلى ذلك يرجع بالأساس إلى المصالح الأخرى المرتبطة بها والتي عمل القانون على محاولة المحافظة عليها، سيما تلك المرتبطة باستقرار الشغل.

وتكريسا من المشرع لهذا التوجه، سن عدة آليات قانونية لخدمة هذا الهدف، من ذلك خلق أجهزة تضمن حسن سير المسطرة وتكفل الحفاظ على الحقوق المتعلقة بها، والتي يعتبر حق الأجراء ﺃحدها.

وهكذا نجد الأجهزة التالية : مفتشية الشغل ( الفقرة الأولى ) ولجنة المقاولة ( الفقرة الثانية ) و السنديك ( الفقرة الثالثة ) والقاضي المنتدب ( الفقرة الرابعة ).

فماهي الضمانات التي توفرها هذه المؤسسات القانونية لحماية مصالح الأجراء داخل المقاولة المتعثرة ؟.

هذا ما سنعمل على توضيحه فيما يلي :

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفقرة الأولى ׃ مفتشية الشغل ׃

تفاديا لسطوة إرادة الأفراد بتغليب مصالحهم الخاصة على مصالح عامة أو خاصة أخرى، ومادام أن النصوص القانونية تبقى جامدة إذا لم يتم تفعيلها بتطبيقها، تدخلت الدولة في المجال الاجتماعي وأنشأت جهاز مفتشي الشغل (1) تناط به مهمة السهر على تنفيذ مقتضيات مدونة الشغل من خلال فرض احترام نصوصها، وقد خصص لها قانون 99 . 65 المتعلق بمدونة الشغل الجديدة حيزا مهما يبتدئ من المادة 530 إلى المادة 548 ثم من المادة 551 إلى المادة ٠556 والملاحظ من خلال هذه المواد أن المشرع حاول أن يجعل من هذا الجهاز مؤسسة قانونية قائمة الذات، وفي سبيل تحقيق هذه الغاية، خولها مجموعة من الآليات تعتبر نبراسا للهدف المنشود ألا وهو حماية الأجراء، ذلك العنصر الذي يبقى بحكم تبعيته للمشغل عنصرا ضعيفا يحتاج إلى من يدافع عنه، ولذلك تم التكليف بتطبيق الأحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالشغل لأعوان مكلفين بتفتيش الشغل(2).

فإلى أي حد استطاع هذا الجهاز أن ينصف الأجراء ويضمن لهم حقوقهم ؟

يبدو من خلال هذا التساؤل أن ذلك سيدفعنا إلى تحليل مختلف الصلاحيات التي خولها المشرع لمفتشي الشغل، ولذلك سنعمد في هذا المجال إلى تحليل سلطات هذا الجهاز من خلال مستويين، نخصص الأول منه لمناقشة دوره خلال سلوك مسطرة الإعفاء لأسباب اقتصادية على أساس أن نتناول في جانب ثان أحد الأدوار الأساسية التي يقوم بها، ونقصد بذلك تلك المرتبطة بالصلح كتقنية سلمية لحل نزاعات الشغل، مادام أن المشرع عمل على تكريس هذا الدور الذي كان معمولا به سابقا وإن كان ذلك كان في غياب أي سند قانوني.

أولا : صلاحيات مفتشي الشغل خلال مسطرة الإعفاء لأسباب اقتصادية׃

من المعلوم أن طبيعة النظام الليبرالي تفرض على المقاولات تأهيل تقنياتها حتى تستطيع مواجهة منافسة المقاولات الأخرى، وذلك بإدخال تغييرات جديدة سواء على المستوى الهيكلي أو التكنولوجي، وإلا وقعت ضحية ضعف إمكاناتها، وبالتالي ستضيع في

 

 

(1) حول المسار التاريخي لهذا الجهاز، أنظر أستاذنا محمد الكشبور : " نظام تفتيش الشغل الواقع الحالي وآفاق المستقبل "، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، 1997، ص 12 إلى 19.

(2) أنظر المادة 532 من مدونة الشغل المغربية.

متاهة الإفلاس، وفي كلتا الحالتين، وحتى تخفف من عبء الضرر ستكون مضطرة إلى التخلي عن اليد العاملة كلا أو جزءا، وهنا نتساءل عن دور مفتشية الشغل خلال هذه   المرحلة ؟

تنص المادة 67 من مدونة الشغل على أنه " يتوقف فصل الأجراء العاملين في المقاولات المشار إليها في المادة 66 أعلاه، كلا أو بعضا لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو ما يماثلها أو لأسباب اقتصادية على إذن يجب أن يسلمه عامل العمالة أو الإقليم في أجل أقصاه شهران من تاريخ تقديم الطلب من طرف المشغل إلى المندوب الإقليمي المكلف بالتشغيل … ".

في ضوء هذه المادة يتبين أن المشرع ربط مشروعية الإعفاء بضرورة استصدار إذن من عامل العمالة أو الإقليم.

أما عن دور مفتش الشغل خلال هذه المرحلة، فإنه لا يتعدى حدود الاستشارة ويكون ذلك خلال مرحلتين : الأولى وتكون قبل استصدار الإذن بالإعفاء، حيث يتلقى هذا الجهاز طلب التسريح ويعمل على جمع المعلومات الضرورية والتي من شأنها أن تبرر هذا الطلب من عدمه، وفي هذه الحالة لا يبدي مفتش الشغل رأيا أو يقدم توصية في الموضوع، وإنما يبقى مجرد آلية لجمع المعلومات حتى يكون القرار الصادر عن الجهة المختصة مبنيا على أسباب حقيقية، وهذا لا يعني بأن هذه الأبحاث تلزم عامل العمالة أو الإقليم.

أما عن الثانية فتكون بعد صدور الإذن بالإعفاء، حيث يتلقى مفتش الشغل القرار القاضي بالإعفاء دون أن يكون له الحق في إبداء رأيه.

وهكذا يتضح لنا أن مفتش الشغل يتمتع بدور شكلي لا غير، وأنه في مجال الإعفاء  تكون صلاحياته منعدمة في ظل تقييد مهامه وجعلها محصورة في مجرد إبداء الرأي سواء قبل منح الإذن بالإعفاء أو بعده، وهذا يدفعنا إلى القول إن هذا الجهاز وضع أساسا لضمان استقرار التشغيل،وهذا هو جوهر الحماية التي يتوخاها الأجير، وبما أن مفتش الشغل لا يكون رأيه مؤثرا، فإن هذا من شأنه أن يجعل من صلاحياته هي والعدم سواء، وبالتالي فإننا ندعو إلى تزكية دوره من خلال إلزام الجهة المختصة بقرار الإعفاء بضرورة استشارته.

ونعتقد أن من شأن منح مفتش الشغل سلطة تقديرية وكذا إمكانية الطعن في القرار القاضي بالإعفاء بعد صدوره أن يقوي من الضمانات التي يطلبها الأجير.

إذا كان هذا هو الدور الذي يتمتع به مفتش الشغل خلال هذه المرحلة، فماذا يمكن القول عن صلاحياته الممثلة في الصلح الذي يبرم على يديه بعد أن يرفع إليه نزاع بين الأجير ومشغله ؟

ثانيا : دور مفتش الشغل في حل نزاعات الشغل׃

رغم أن القضاء يعتبر الجهاز الرسمي لفض المنازعات، فإن اللجوء إليه يفرض أحيانا سلوك مجموعة من المساطر، ويلزم الأطراف المتنازعة بتقديم مصاريف قضائية، وبما أن نزاعات الشغل تتميز بنوع من الخصوصية نظرا لوجود طرف ضعيف وهو الأجير، فإن المشرع متعه بنظام قضائي خاص (1)٠ ورغم ذلك، أبانت الممارسة أن القضاء لا يضمن فعليا ودائما مصلحة الأجير، ولذلك عمدت هذه الفئة إلى سلوك الطريق الودي قبل طرق باب القضاء، وذلك باللجوء إلى مفتش الشغل الذي يلعب دورا مهما في محاولة التوفيق بين طرفي النزاع، وهنا نطرح التساؤل التالي :

ماهي القيمة القانونية للصلح المبرم أمام مفتش الشغل ؟

يعتبر الصلح أحد أشكال تسوية علاقات الشغل، والذي يعبر عن رضائية الأطراف المتنازعة، فالأجير يعرب من خلال إبرامه عدم رغبته في اللجوء إلى القضاء وذلك بعد أن يستخلص تعويضات عن ذلك، وبالمقابل يلزم المشغل بدفع قيمة التعويض، وفي الحالتين معا لا تشكل الحقوق المقتضات كنتيجة لعقد الصلح جوهر المطالب المبتغاة لطرفي النزاع، بل إن الحصول على المقابل استدعى التنازل عن بعض المطالب وذلك تفاديا لطول الإجراءات القضائية.

 

 

 

 

 
 

 

 

 

 

(1)    هذا ما سنتناوله في المبحث الأول من الفصل الموالي.

 

 

 

 

وتحقيقا لهذه الغاية، تم اعتماد الصلح أمام مفتش الشغل، وقد أثبتت التجارب نجاعة هذه الصورة من الصلح في الحد من نزاعات الشغل الفردية (1) رغم ما عرفته هذه المسألة من تضارب فقهي بين قائل بجدوى إبرام الصلح أمام هذا الجهاز وبين آخر يرى أنه يصعب تصور منح اختصاصيين متضاربين لمفتش الشغل، فهو من جهة الساهر على تطبيق النصوص التشريعية المنظمة لعقد الشغل وهذا يفرض عليه التعامل بنوع من الصرامة لتطبيق هذه المقتضيات، وبالمقابل فإن المهمة الثانية وهي تلك المرتبطة بإبرام الصلح تستدعي نوعا من الليونة والدبلوماسية مع المشغل، وهذا يدفعه في أغلب الأحيان إلى تقديم مجموعة  من التنازلات استرضاء للمؤاجر (2).

وعموما، وبغض النظر عن هذا الجدل الفقهي، يبقى الصلح أمام مفتش الشغل أحد المحطات البارزة لفض النزاعات (3) ولذلك فهو يكون صحيحا مالم يثبت أن ثمة غبنا  مس مصالح الأجير أو أن الصلح المنعقد لم يراع المقتضيات المتصلة بالنظام العام (4)، ويعمل عون التفتيش على إثبات واقعة الصلح في محضر.

وهنا نتساءل عن مدى إمكانية الأجير أن يرفع دعوى للطعن في الصلح الذي تم تحت إشراف مفتش الشغل ؟

إن هذا الإشكال يفتح باب النقاش حول القيمة القانونية للصلح المبرم أمام مفتش الشغل، وفي هذا الإطار نشير إلى أن بعض الباحثين (5) ووعيا منه بقيمة الصلح المبرم أمام مفتش الشغل نادى بحصر الصلح على مستوى هذا الجهاز فقط، وبالمقابل اعتبر أن الوقت حان لإعفاء القضاء الاجتماعي من هذا الاختصاص، حيث أبانت الممارسة قصور هذا الجهاز عن تحقيق هذه الغاية، ومن جهة أخرى يستغرق وقتا طويلا أثناء تطبيقه للإجراءات المنصوص عليها قانونا وهذا لن يكون في صالح الأجير.

 

 
 

 

 

 

(1) عز سعيد : " العمل القضائي المغربي في مجال نزاعات الشغل لفردية " مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، 1994، ص 168.

(2) سنعمل على توضيح هذه المسألة بشكل أكثر في الفصل الثاني من هذا البحث وذلك أثناء حديثنا عن الطرق البديلة لتسوية المنازعات.

(3) حول المحطات التي يمر منها الصلح أنظر، بشرى العلوي : " الصلح كوسيلة لحل نزاعات الشغل الفردية  على ضوء مدونة الشغل الجديدة "، المجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات، العدد 8، ماي 2005، ص من 34 إلى 36.

(4) محمد الكشبور : " نظام تفتيش الشغل … "، مرجع سابق ، ص 71.

(5) صباح كوتو : " مفتشية الشغل ودورها في ضمان الحماية العمالية "، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، شعبة القانون الخاص وحدة قانون الأعمال، جامعة الحسن الثاني – عين الشق – كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالدار البيضاء، السنة الجامعية 2003 – 2004، ص 256.

لذلك، وأخذا بعين الاعتبار طبيعة النزاع، يجب أن يتم تجاوز عملية تكرار إجراء الصلح على مستوى القضاء أيضا٠ من هنا يرى جانب من الفقه (1) أن الصلح المبرم على مستوى مفتشية الشغل يجب أن تعطاه صبغة قضائية تضمن قوته التنفيذية، ومن هنا يقترح تمتيعه بحق التذييل والتأشير المنصوص عليه في نص الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية من قبل رئيس المحكمة في إطار سلطاته الولائية الإستعجالية، سيما وأنه بحكم صلاحيات مفتش الشغل الرقابية يستطيع الإطلاع على العديد من الوثائق والسندات التي من شأنها أن تعطي صورة واضحة عن محيط المقاولة.

مع كل ما سبق، أثبتت الممارسة أن الصلح الذي يقيمه مفتش الشغل بين الأجير ومشغله، وسواء تم ذلك قبل انتهاء علاقة التبعية أو بعدها، يصل مع ذلك النزاع إلى القضاء ليقول كلمته فيه، وهذا يثبت إمكانية الطعن في الصلح المبرم بهذه الطريقة، ومن جهة أخرى يجعل  تدخل مفتش الشغل في هذا المجال عديم الفائدة مادام القضاء لا يأخذ بهذا الصلح ولا يعتد به.

من هنا دافع البعض (2) عن سلطات هذا الجهاز، وطالب بتعزيزها بتدعيم الصلح الذي يتم أمامها مع تمتيعه بالقوة التنفيذية ليطمئن أعوان التفتيش إلى فائدة دورهم، ويثق الأجراء في جدوى الأجهزة المكلفة بتطبيق تشريع الشغل.

وصفوة القول يمكن القول إن مفتش الشغل يلعب دورا هاما في الحفاظ على السلم الاجتماعي من خلال سلطاته الرقابية، إضافة إلى مهامه المتعلقة بتسوية المنازعات الفردية والجماعية عبر جلسات الصلح، والتي أبانت الممارسة الفعلية لها عن كشف أهمية هذا الجهاز في الحد من القضايا التي يمكن أن تعرض على القضاء " حيث إن نسبة هامة من النزاعات يفصل فيها وديا وبصفة نهائية، خاصة وأن المسطرة أمام جهاز تفتيش الشغل تمتاز بالبساطة والسرعة والمجانية " (3).

 

 

 

 

 
 

 

 

 

 

(1) هاشم العلوي : القضاء الاجتماعي بالمغرب "، طبع بدار النشر المغربية سنة 1986، ص 164.

(2) صباح كوتو : مرجع سابق ، ص 258.

(3) بلقاسم بنبراهيم : تأملات حول دور مفتش الشغل في ظل القانون رقم 65.99 بمثابة مدونة الشغل " المجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات، ع 8 ماي 2005، ص 73.

وهذا ما يثبته الجدول التالي بمثابة إحصاء.

 

السنة

2003

2004

عدد النزاعات

9096

8295

عدد المطالب

29444

20322

المطالب الملباة

10647

10083

المبالغ المحصل عليها

7.674.542

32.553.344,43

العمال المدمجون

1473

1578

النزاعات المحالة على المحاكم

3107

3181

عدد النزاعات المسواة

5989

5114

 

 

النزاعات المعروضة على مفتشية الشغل بجهة الدار البيضاء*

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
 

 

 

 

* هذه الإحصاءات أدلى لنا بها ذ/ عبد الصمد الإدريسي : مفتش شغل بمندوبية تفتيش الشغل بالمعاريف.

الفقرة الثانية : لجنة المقاولة ׃

كانت العلاقة بين المشغل والأجير في المغرب تخضع لقانون تجاوزه الوقت، والذي كان صامتا عن العديد من المشاكل التي كانت تواجه الطرفين.

في نفس الوقت، كان هنالك غياب لاتفاقية جماعية وللجنة تؤسس لحوار دائم وخلق جو ملائم للتواصل، وكل هذا كان يخلق إحساسا بالخوف وعدم الثقة، حيث إن الأجير لا يشعر بالحماية الكافية نتيجة لإمكانية فقدان العمل في أي وقت (1).

إلا أنه بصدور مدونة الشغل (2) ظهر الجديد على مستوى المؤسسات التمثيلية، فإضافة  إلى مندوبي الأجراء، جاءت المدونة بمؤسسة لجنة المقاولة (3)، وذلك من أجل خلق نوع من التوازن لتحقيق الازدهار الاقتصادي والسلم الاجتماعي وإنجاح الحوار البناء ومواكبة ما يعرفه عالم الشغل من تغيير مستمر ومتقلب بفعل التطورات المتنامية في المجال التكنولوجي (4).

فما هي الخصوصية التي تتميز بها هذه اللجنة ؟

وما طبيعة الصلاحيات المخولة لها لضمان مصالح الأجراء ؟

وقبل هذا وذاك، ما الجديد الذي أتت به هذه المؤسسة لضمان حقوق الأجراء العاملين في مؤسسة متوقفة عن الدفع ومهددة بشبح التصفية ؟

(1) أنظر في هذا الشأن :

– Khadija Angade et M’barka El GHZALI : « les entreprises en difficulté au Maroc caractéristiques et Mesures préventives », Mémoire pour l’obtention d’un DES en sciences Economique, Université Hassan II – Aïn chock – faculté des sciences juridiques, Economiques et sociales, Casablanca, juillet 1997, P 187 – 188.

(2) قانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل منشور ب ج ر ع 13 بتاريخ 5167 شوال 1424 ( 8 دسمبر 2003 ).

(3) تجدر الإشارة إلى أنه ثمة عدة لجان إلى جانب لجنة المقاولة، والعبرة في تعدد هذه اللجان يكون بحسب عدد الأجراء العاملين في المقاولة، وقد خلقت هذه اللجان لمساعدة لجنة المقاولة في عملها، وعليه نجد اللجان التالية :

     أ – اللجنة الاقتصادية : وتكون إجبارية في المقاولات التي يوجد بها 1000 أجير فأكثر، وتضم ممثلين للأجراء يتم اختيارهم من لجنة المقاولة ومن اللجنة المركزية وتضم في أقصاها خمسة أعضاء على الأكثر، وتهتم هذه اللجنة بدراسة الوثائق الاقتصادية والمالية ومساعدة أعضاء اللجنة لإعداد تقرير حق الإنذار والاستماع إلى كل إطار أو مسير للمقاولة … ، وتجتمع على الأقل مرتين في السنة، وتستفيد من أربعين ساعة في السنة لعقد اجتماعاتها.

     ب – لجنة التكوين : تكون إجبارية في المقاولات أو المؤسسات التي بها على الأقل 200 أجير، وتدرس كل الوثائق الخاصة بالتكوين، وإعداد مداولات خاصة بالتكوين، وتستشار في حالة اتخاذ تدابير متعلقة بعطل فردية للتكوين، ودراسة مشكل العمل بالنسبة للمعوقين.

    ج – لجنة السكن : تكون إجبارية في المقاولات أو المؤسسات التي تضم على الأقل 300 أجير، وتسعى هذه اللجنة إلى مساعدة الأجراء لمواجهة مشكل السكن.

– Pierre le Cohu : « Agir avec les représentants du personnel », Agir en connaissance de cause, Lamy / Les echos, 3e édition, Mai 2000, P 147 – 148.

(4) محمد برادة غزيول : " قراءة أولية للجنة المقاولة من خلال مشروع مدونة الشغل (1) مواد جد محتشمة ولا تفي بالغرض "، جريدة العلم ع 17879، السبت 1 ماي 1999.

إن الإجابة عن هذه الأسئلة تستدعي منا تحديد الإطار العام الذي تعمل في ظله لجنة المقاولة (أولا) على أن نتناول بعد ذلك أهم الصلاحيات المخولة لها (ثانيا)، معتمدين في ذلك على دراسة مقارنة بالقانون الفرنسي.

أولا : الإطار العام للجنة المقاولة׃

تجدر الإشارة إلى أن التشريعين المغربي والفرنسي لم يعمدا معا إلى تحديد المقصود بلجنة المقاولة، وإنما انصب اهتمامهما على تحليل مكوناتها ومهامها.

 وقد أحدثت هذه اللجنة بفرنسا سنة 1945 من أجل إشراك الأجراء في تسيير المقاولة ٠وقد لعبت منذ إنشائها دورا مهما على الصعيد الاقتصادي والتنظيمي للمقاولة باعتبارها ﺃحد أهم الأجهزة الممثلة لفئة الأجراء، خصوصا بعد صدور قانون Auroux لسنة 1982 (1)، حيث أصبح على رئيس المقاولة إخبار اللجنة بالسير العام للمقاولة التي يديرها، وكذا استشارتها في كل ما يتعلق بالتغيرات المراد إحداثها في على الصعيد الاقتصادي والقانوني والاجتماعي والتكنولوجي٠ وعليه، يبقى جانب الاستشارة والإخبار من بين المهام والصلاحيات التي تضطلع بها لجنة المقاولة، وتبرز قيمة هذه السلطات من خلال إبداؤها لآرائها قبل دخول المشروع حيز التنفيذ من جهة، وكذا تقديم الاقتراحات والانتقادات إن وجدت من جهة أخرى.

من هنا تبرز أهمية هذه المؤسسة والتي يفترض فيها بحكم المهام التي تمارسها أن تتكون من أعضاء قريبين من محيط المقاولة٠

 فمما تتشكل هذه اللجنة ؟

يتم انتخاب أعضاء لجنة المقاولة إجباريا في المقاولة التي يوجد بها بصفة اعتيادية خمسين أجيرا على الأقل، وهذا ما كرسه المشرع المغربي من خلال المادة 464 م ش، هذه الأخيرة تطرح إشكالا مرتبطا بطبيعة المقاولات التي يمكن أن تحدث بها هذه اللجنة، حيث إن المشرع اكتفى بالمعيار العددي المحدد في خمسين أجيرا .

ونرى إجابة على هذا الإشكال أن الحل يكمن في المادة الأولى من مدونة  الشغل  والتي  تشير  إلى " المقاولات  الصناعية  والتجارية،  ومقاولات  الصناعة التقليدية،

 

 
 

 

 

 

(1) . Pierre le Cohu : op – cit. P 109

والاستغلالات الفلاحية والغابوية  وتوابعها، كما تسري على المقاولات والمؤسسات التابعة للدولة والجماعات المحلية، إذا كانت تكتسي طابعا صناعيا أو تجاريا أو فلاحيا، وعلى التعاونيات والشركات المدنية والنقابات والجمعيات والمجموعات على اختلاف أنواعها ".

وإذا كان المشرع الفرنسي قد نص على الوقت الذي تجرى فيه انتخابات أعضاء هذه اللجنة والذي يوافق يوم انتخاب مندوبي الأجراء حسب الاقتراع النسبي باللائحة في     دورتين (1) فالملاحظ أن المشرع المغربي سكت عن كل ذلك.

وبالنسبة لتشكيل لجنة المقاولة فإنها تتكون وفق المادة 465 من م ش م من :

1- المشغل أو من ينوب عنه .

2- مندوبين اثنين للأجراء يتم انتخابهما من قبل المندوبين المنتخبين٠

وﺇذا كان المشرع الفرنسي قد ضبط مدة نيابة أعضاء اللجنة في سنتين (2)، فالملاحظ أن نظيره المغربي لم يسر على منواله.

3- ممثل أو ممثلين نقابيين اثنين بالمقاولة عند وجودها.

4- كل شخص ينتمي إلى المقاولة ويتوفر على الكفاءة والخبرة في مجال     اختصاصها (3).

 الملاحظ من هذا التشكيل أن المشرع المغربي عمد إلى نفس التكوين الذي تبناه المشرع الفرنسي حين حديثه عن تشكيل لجنة المقاولة، ويتضح من خلال هذه المعطيات أن التكوين يغلب عليه طابع الشمول من حيث ضمه لمختلف الفعاليات المؤثرة في مسار المقاولة، ومن ثم فإن هذه الخلية وفق هذه المعطيات تعتبر مؤسسة وتنظيما قانونيا متوازنا

 

 
 

 

 

 

(1) يعد الاقتراع النسبي تقنية انتخابية تم إقرارها لانتخاب النواب البرلمانيين وقد جاءت كبديل عن الاقتراع بالأغلبية، وهي تقنية بسيطة تقوم على أسلوب القائمة، حيث يتم التصويت على مجموعة مرشحين تضمهم مجموعة لوائح متنافسة، ويعمد إلى هذه الطريقة لاختيار المرشحين البرلمانيين لضمان تمثيل الهيئات الصغرى والكبرى والحيلولة دون استئثار هذه الأخيرة بالتمثيل البرلماني كما هو الشأن في الاقتراع بالأغلبية.

    – لمزيد من التوضيح أنظر أستاذنا محمد المعتصم : " مختصر النظرية العامة للمؤسسات السياسية والقانون الدستوري "، دار الطباعة والطبعة منشورين، سنة 1991، ص من 146 إلى 154.

(2) تنص الفقرة 12 من المادة L 433 من قانون الشغل الفرنسي على انه :

« les membres du comité d’entreprise sont « élus » pour deux ans ; leur mandat est renouvelable ».      

(3) وهذا ما نصت عليه المادة 467 من م ش م      

 

 

 

 

من شأن  احترام  ضوابطه  ضمان  مصالح  الأطراف  في  حالة  توتر العلاقات  وذلك من خلال توخي السبل الودية لحل مختلف المشاكل والمعوقات التي يمكن أن تعيق سير المقاولة وإبداء الاستشارات والمقترحات والتي أثبتت التجربة الفرنسية نجاعتها في هذا المضمار (1).

إذا كان هذا حال المقاولات الفردية التي تضم خمسين أجيرا على الأقل، فما العمل إذا كانت المقاولة تتوفر على عدة فروع وتشغل في كل مؤسسة خمسين أجيرا ، هل تحدث لجنة المقاولة على صعيد كل فرع أم يتم الاكتفاء بانتدابها في الشركة الأم ؟

إذا كان المشرع قد سكت عن معالجة هذه الحالة، فإن نظيره الفرنسي تناولها بالتنظيم، حيث اعتبر أنه في هذه الوضعية يتم تشكيل لجنة في كل مؤسسة على حدة إذا كانت تضم خمسين أجيرا على الأقل ، يتم انتخاب أعضائها وفق نفس طريقة انتخاب أعضاء لجنة المقاولة.

وعلى صعيد التشريع الفرنسي دائما يتم إحداث لجنة تدعى باللجنة المركزية (2) على مستوى المقاولة وتضم :

1- رئيس المقاولة أو ممثليه.

2- ممثلي الأجراء ونوابهم منتخبين في كل مؤسسة من قبل لجنة المؤسسة، ويجب أن لا يتجاوز عدد الممثلين عشرين عضوا، وكذا الشأن بالنسبة لنوابهم.

وبالنسبة لتوزيع المقاعد بين مختلف المؤسسات والهيئات الممثلة للأجراء، فإن ذلك يكون وفق اتفاق بين رئيس المقاولة والهيئات النقابية، ويتم الرجوع إلى مدير مقر المقاولة الذي يحدد هذا التوزيع.

3- ممثلي النقابات يتم اختيارهم من بين المنظمات الممثلة وفق نفس الشروط المشار إليها سابقا (3).

 

(1) من الملاحظ على تكوين لجنة المقاولة وفق المادة 465 م ش م هو اقتصارها على الإشارة إلى ضرورة وجود مندوبين اثنين للأجراء يتم انتخابهما، والحال أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما العمل في حالة لو تعذر حضور هذين المندوبين معا أو أحدهما ؟

    المشرع الفرنسي مراعاة منه لإمكانية حدوث ذلك فقد أشار إلى ضرورة تعيين نواب منتخبين وهو ما سكت عنه المشرع المغربي.

(2) تعد صلاحيات لجنة المؤسسة واللجنة المركزية هي نفسها التي للجنة المقاولة وهي على صنفان :

    – أدوار تقليدية وتنحصر في تدبير الأنشطة الاجتماعية والثقافية.-

 –      أدوار حديثة تتمثل في الإعلام والاستشارة في المجالات الاقتصادية والتنظيمية والسياسة الاجتماعية للمقاولة.

(3) . Pierre le Cohu : Op. – cit. , P 112

من جانب آخر وعلى مستوى المعيار العددي يطرح إشكال آخر يتعلق بحالة انخفاض عدد أجراء المقاولة عن خمسين أجيرا، أو في حالة ارتفاع هذا العدد فماهو مصير لجنة المقاولة في هذه الحالة ؟، بالرجوع للقانون الفرنسي نجده ربط من خلال الفقرة الثانية من المادة 1 – L 431 من قانون الشغل إحداث لجنة المقاولة في كل المقاولات التي تشغل خمسين أجيرا على الأقل، بأن يكون هذا النصاب قد توافر خلال اثنا عشر شهرا متوالية أو غير متوالية خلال ثلاث سنوات الأخيرة (1).

أما إذا نزل عدد الأجراء عن خمسين، فإن إلغاء لجنة المقاولة لا يكون تلقائيا، فهو يبقى معلقا على رخصة وإذن من المشغل الذي له الحق في أن يترك اللجنة تمارس عملها أو يعفيها من ذلك.

أما إذا ارتفع عدد الأجراء عن خمسين، فإنه في هذه الحالة تجرى انتخابات جزئية بطلب من الرئيس لرفع عدد أعضاء لجنة المقاولة.

ويحظى أعضاء لجنة المقاولة  في القانون الفرنسي بالاستفادة من تكوين تقوم به إما هيئات معترف بها أو من مراكز التكوين التابعة لهيئات نقابية، ويشمل هذا التكوين التعرف على الميكانيزمات الاقتصادية وكيفية تبادل الآراء أثناء الاجتماعات٠

    وهكذا يبدو أن دور لجنة المقاولة في غاية الأهمية، ولذلك وحتى يتسم نشاطها بالفاعلية فإن ذلك يحتاج إلى تأطير متوازن وهذا لن يتأتى إلا في ظل تبني أسلوب الحوار المنظم القائم على عقد اجتماعات، فكيف يتم تسيير هذه الاجتماعات ؟

            تعقد لجنة المقاولة في القانون الفرنسي اجتماعاتها مرة في الشهر أو مرة في شهرين حسب الحالات، وذلك وفق نظام وتسيير معينين (2)، فالكاتب هو الذي يحدد الاجتماعات العادية والاستثنائية، والسكرتير يتم انتخابه في أول اجتماع بأغلبية الحضور وهو الذي يعمل على توقيف الجلسة وتحرير تقرير عنها، وفي حالة غيابه، يتم اختياره في بداية الجلسة.

 

 
 

 

 

 

(1) تنص الفقرة الثانية من المادة 1 – L 431 من قانون الشغل الفرنسي على ما يلي :

« la mise en place d’un comité d’entreprise n’est obligatoire que si l’effectif d’au moins cinquante salaries est atteint pendant douze mois, consécutifs ou non, au cour des trois années précédentes » =

وتاريخ عقد الاجتماعات يكون من اختيار اللجنة، ويتم إرسال استدعاء خلال ثلاثة أيام أو 72 ساعة قبل الاجتماع، وأثناء عقد هذا الأخير تقوم اللجنة بتسيير الجلسة لفرض احترام سير الجلسات والتدخلات والإجابة عن التساؤلات، وأثناء الجلسة تقوم اللجنة باتخاذ كل التدابير لضمان ذلك، ويلعب ممثلو الأجراء دورا في السير العادي للجنة مع إمكانية الرجوع إلى القضاء في حالة وقوع نزاع.

        يتوج الاجتماع بتحرير محضر للجلسة يعده كاتب الجلسة، هذا المحضر يجب أن يحظى بموافقة اللجنة، ويمكن نشره، وقد أكد قانون الشغل الفرنسي على أن المحضر الخاص بالميزانية يجب أن يكون في علم الأجراء، وهناك محاضر يجب إخبار مفتش الشغل بها.

     بالمقابل نجد أن لجنة المقاولة في المغرب تجتمع مرة كل ستة أشهر، ويمكن لها أن تستدعي " للمشاركة في أشغالها كل شخص ينتمي إلى المقاولة يتوفر على  الكفاءة والخبرة في مجال اختصاصها "، من ذلك استدعاء خبير الحسابات من أجل دراسة الحسابات السنوية للمقاولة، وكذا يمكن الاستعانة بخبير في التكنولوجيا في كل حالة يتم فيها إدخال تقنيات جديدة، والأجراء لهم الحق في مناقشة تعيين هذا الخبير والرجوع إلى القضاء في حالة النزاع، وهذا ما نصت عليه المادة 467 م ش م٠

     من خلال هذه الفقرة التي خصصناها لتكوين لجنة المقاولة ونظام سيرها تأكد لنا أن المشرع المغربي سكت عن مجموعة من الجوانب والتي تعتبر مهمة لأنها تؤطر نظام سير هذه المؤسسة، كما تبين لنا أن التشريع المغربي أغفل الإجابة عن مجموعة من الإشكالات التي يطرحها هذا الجهاز مما جعل منها وليدا ميتا في المهد، إذ كيف يمكن تفعيل هذه المؤسسة في ظل القصور الكبير الذي طال نظامها القانوني ؟، وإذا كان هذا حال نظام سير هذه اللجنة، فماذا يمكن القول عن صلاحياتها ؟.

 

 

 
 

 

 

 

=   

﴿2 حول نظام سير لجنة المقاولة أنظر :

– Pierre   le Cohu : p – cit., P 148 a 156.

– Jean Savatier ; « le fonctionnement de comités d’entreprise quelques difficultés », Rev – Dr. Soc, n° 3, Mars 1982.

ثانيا : صلاحيات لجنة المقاولة׃

يعهد للجنة المقاولة في إطار مهامها الاستشارية بصريح المادة 466 م ش م بما يلي :

1- التغيرات الهيكلية والتكنولوجية للمقاولة، حيث تضطلع لجنة المقاولة بمهمة تقديم الاستشارة للمقاولة في كل ما من شأنه أن يؤدي إلى تغيرات سواء على الصعيد التكنولوجي، كما لو اقتضت ضرورة سير المؤسسة تغيير أسلوب عملها من خلال اعتماد تقنيات جديدة تقوم على آليات ومعدات تكنولوجية لمواجهة المتطلبات ومراعاة الجودة والسرعة. ﺃوعلى الصعيد الهيكلي عندما تضطر المقاولة إلى التقليص من عدد أجرائها متى دعا إلى ذلك حسن سير المقاولة، مادام أن السير بالشكل الجاري لا يتوافق واحتياجات المقاولة الشغلية من جهة، ومن جهة أخرى يعرقل العدد الزائد للأجراء حسن سير المقاولة (1)٠

2- الحصيلة الاجتماعية للمقاولة عند إقرارها.

3- الإستراتيجية الإنتاجية للمقاولة ووسائل رفع المردودية.

4- وضع مشاريع اجتماعية لفائدة الأجراء والسهر على تنفيذها.

وجدير بالذكر في هذا الإطار أن لجنة المقاولة في فرنسا تحتكر تدبير الأنشطة الاجتماعية والثقافية للمقاولة، وقد حدد قانون الشغل لائحة بهذه الأنشطة وهي على الشكل التالي :

ﺃ- الأنشطة الاجتماعية التي تهم تحسين المطاعم والسكن …

ب- الأنشطة الاجتماعية والثقافية التي تتعلق بأوقات الفراغ والتنظيم الرياضي

ج- المؤسسات المهنية والتربوية كالمراكز التعليمية والتكوينية.

 وإن الاستفادة من الأنشطة الاجتماعية والثقافية هي عامة بالنسبة لجميع أجراء المقاولة بدون تميز على أساس الجنس أو الأصل أو الرأي (2).

وللجنة المقاولة في القانون الفرنسي إمكانية تحديد أثمنة بعض الخدمات بالنسبة لفئة

 

 
 

 

 

 

(1) لمزيد من التوضيح أنظر عبد اللطيف خالفي : " الوسيط في مدونة الشغل – الجزء الأول – علاقات الشغل الفردية "، المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى، 2004، ص 286 – 287.

(2) أنظر تفصيل الأنشطة الاجتماعية والثقافية للجنة المقاولة :

– Pierre le Cohu : op – cit., P 113 – 114.

– Jean Savatier : « l’action sociale et culturelle des comités d’entreprises ». éditions liaisons, 1992.

من الأجراء حسب دخلهم، وتبقى الغاية  الأساسية  لعمل  لجنة  المقاولة هي تحسين مجال عمل الأجير وذلك من خلال تحسين شروط العمل داخل المقاولة كتوفير بعض المواد الضرورية كالماء الصالح للشرب، وضمانات السلامة والوقاية داخل العمل.

إضافة لما تقدم، يمكن للجنة المقاولة في إطار السلطات المخولة لها اختيار استمرار أنشطة معينة أو حذفها أو إنشاء أنشطة جديدة وتسييرها.

كما أن هناك إمكانية خلق لجنة مشتركة بين مجموعة من المقاولات لتسيير الأنشطة المشتركة وتتكون من كل اللجن.

وعلى أعضاء اللجنة المنتهية خدمتهم تقديم تقرير لأعضاء اللجنة ووضع الوثائق الإدارية المتعلقة بتسيير أنشطة اللجنة، وإذا تم إقرار مصاريف لا تتوافق مع الأنشطة الاجتماعية والثقافية يتم الرجوع إلى العدالة لتقرير ما إذا كانت تلك الأنشطة تتوافق والقانون، ويمكن لأعضاء لجنة المقاولة التحقق من حسابات اللجنة والمطالبة بكل التوضيحات، وإذا لم تعط اللجنة هذه التوضيحات أو رفضت ذلك، يمكن الرجوع إلى قاض المستعجلات الذي يعطي أمره بتوفير تلك التوضيحات أو تعيين محاسب.

في هذه الحالات وغيرها يمكن مساءلة أعضاء اللجنة مسؤولية مدنية أو جنائية، ويمكن تقرير مسؤولية الأعضاء الشخصية بمن فيهم الرئيس. في حالة ارتكاب أخطاء شخصية غير قانونية، ويبقى للرئيس حق الاحتجاج والرجوع إلى القضاء.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الإطار هو :

إذا كانت النصوص القانونية تخول للجنة المقاولة ممارسة مجموعة من الصلاحيات، فمن أين لها بالموارد الضرورية التي تتيح لها القيام بذلك ؟.

من أجل تسهيل الصلاحيات المتعلقة بالوضع الاقتصادية والاجتماعي للمقاولة، تتوصل لجنة المقاولة بمساعدة سنوية من الأجراء ومن واجباتهم المخصصة للتأمين، وتقدر في مجموعها بـ 0,2 % من الكتلة الأجرية، إلى جانب مساعدة الجماعات العمومية والتنظيمات النقابية والهيآت والوصايا(1).

 

 

 
 

 

 

 

 

 (1) يلاحظ تجاهل المشرع المغربي تنظيم مصدر تمويل صلاحيات لجنة المقاولة، مع العلم أن أية مؤسسة تحتاج لممارسة صلاحياتها لميزانية تسهل عليها القيام بمهامها.

وتستخدم هذه المساعدات من ﺃجل توفير كل الوثائق وشراء كل الأجهزة وتمويل كل الأنشطة.

وللإشارة فإنه إذا كان المشرع المغربي لم يتحدث عن دور لجنة المقاولة في الحالة التي تكون فيها المقاولة في حالة تسوية أو تصفية قضائية بحسب الأحوال، فإننا بالمقابل نجد المشرع الفرنسي تعرض لهذه المسألة، فكيف تعمل هذه المؤسسة في ظل توقف المقاولة عن الدفع ؟ وما طبيعة المهام التي تمارسها والتي تسمح بتحقيق الأمن الاجتماعي للطبقة     العاملة ؟

تهتم لجنة المقاولة كلما تعلق الأمر بالحياة الاقتصادية والاجتماعية للمقاولة، باتخاذ عدة مبادرات في سبيل إنقاذ المقاولة، وفي سبيل تحقيق هذه الغاية، خولها المشرع (1) عدة صلاحيات، فمن جهة تتمتع بحق الاستشارة والإخبار، حيث إن رئيس اللجنة يقوم بإعطاء المعلومات اللازمة حول أحوال المقاولة، وتقوم لجنة المقاولة بعد تلقيها لتلك المعلومات بكافة التدابير التي يمكن أن تساعدها على فهم ومعرفة حقيقة وضع المقاولة بما في ذلك طرح الأسئلة والتعليق على المعلومات وانتقادها.

وتهم المعلومات المقدمة من قبل رئيس اللجنة الجوانب التالية : (2)

1- الإطار القانوني والتنظيمي للمقاولة.

2- التوقعات الاقتصادية للمقاولة.

3- الطوارئ التي تحدث للمقاولة الوحيدة أو تلك التي تحدث في إطار المجموعة.

4- الوضعية المالية للمقاولة.

5- تحسين أو تحويل أو تجديد التجهيزات أو وسائل الإنتاج.

6- وضعية الأجراء حسب الجنس.

7- الحصيلة العامة للإنتاج.

8- معلومات حول الأجراء.

9- التوقعات الاقتصادية والاجتماعية للسنة المقبلة.

 

 
 

 

 

 

(1) نتحدث هنا عن التشريع الفرنسي مادام أن التشريع المغربي سكت عن الحديث عن دور لجنة المقاولة خلال خضوعها لمسطرة التسوية أو التصفية القضائية.

(2) . Pierre le Cohu : op – cit., P 119 – 120

وحتى تقوم اللجنة بصلاحياتها في هذا الإطار، أجبر القانون الإدارة  بوضع جميع الوثائق الضرورية رهن إشارة لجنة المقاولة وخصوصا : (1)

1- تقرير دوري كل ثلاثة أشهر.

2- تقرير سنوي للعمل.

3- خلاصة وتقرير سنوي لأنشطة المقاولة.

4- تقرير المحاسب.

5- التصريح الضريبي …

وانطلاقا من دراسة وتحليل مختلف الوثائق، فإن لجنة المقاولة لها إمكانية تشخيص الوضعية المالية والاقتصادية للمقاولة.

وابتداء من قانون 10 يونيو 1994، أصبحت للجنة صلاحية الإنذار والإخبار (2).

وللإشارة، فإن ثمة معلومات سرية يعطيها رئيس المقاولة للجنة، وضمانا لحسن سير المقاولة ولما لأهمية هذه المعلومات وحساسيتها لحياة المقاولة فقد ألزم المشرع أعضاء اللجنة بالحفاظ على السر المهني، وهو ما كرسه المشرع المغربي في المادة 468 من م ش م بنصه على أنه " يلتزم أعضاء لجنة المقاولة بالحفاظ على السر المهني " .

ويلاحظ أن المشرع اكتفى من خلال نص المادة 469 من م ش م بمعاقبة كل مخالفة لمقتضيات القسم الثالث – المتعلق بلجنة المقاولة – بغرامة مالية بخلاف ما ذهب إليه المشرع الفرنسي والذي رتب على كل إخلال بالمواد المنظمة للجنة المقاولة عموما، والمتعلقة بإفشاء السر المهني خصوصا، مسؤولية مدنية وجنائية، وهو ما نذهب إليه ونسايره نظرا لحساسية بعض المعلومات (3).

 

 

 
 

 

 

 

(1) . Khadija Angade et M’barka el GHAZLI : op – cit., P 190 – 191.

(2) لمزيد من التوضيح حول المراحل التي تتبعها لجنة المقاولة في مجال الإخبار أنظر الفقرة الثانية من المطلب الأول من المبحث الثاني من هذا الفصل.

(3) الملاحظ بأن المشرع المغربي في نص المادة 468 من م ش م اكتفى كتدبير ردعي عن إفشاء السر المهني، وعن الإخلال بالمقتضيات الخاصة بلجنة المقاولة بمجرد عقوبة في شكل غرامة مالية محددة فيما بين 10.000 إلى 20.000 درهم، وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن مدى نجاعة هذه العقوبة في حالة إفشاء أحد أعضاء اللجنة سرا يهم إما حسابات المقاولة المهنية، أو يتعلق بسير أنشطتها أو حالتها الاقتصادية أو الاجتماعية، وانعكاسات هذا التصرف في حالة وصول هذه المعلومات للمقاولات المنافسة، إضافة إلى تشويه صورة المقاولة من خلال التأثير على قيمتها الائتمانية وهو ما قد يدفع بالبنوك ومؤسسات التمويل إلى الامتناع عن مدها بسيولة مالية، وفي هذه الحالة يمكن للمقاولة أن تختفي بإفلاسها، وما قد ينجم عن ذلك من آثار اجتماعية كارثية من هنا يبدو أن العقوبة المقررة كان ينبغي أن تكون مشددة، لأن الأمر يتعلق بتهديد لكيان اقتصادي واجتماعي في نفس الآن، ولذلك نعتقد أن الردع يجب أن لا يقتصر على مجرد غرامة مالية، بل أن يرتبط بالمسؤولية الجنائية كذلك.

انطلاقا مما سبق، تبدو لجنة المقاولة مؤسسة قانونية في غاية الأهمية، وتبقى الملاحظة البارزة في هذا الإطار تتمثل في القصور التشريعي الذي طال هذا الجهاز في ظل القانون المغربي، حيث إن هذا الأخير سكت عن مجموعة من الوضعيات وعن كثير من الصلاحيات التي تضطلع بها في ظل القانون الفرنسي، المصدر الرئيسي للكتاب الخامس من مدونة التجارة.

وعليه، فإننا نتساءل عن دور هذه المؤسسة في خضم الإشكالات القانونية التي سبق أن أشرنا إليها، إلى جانب تلك المرتبطة بطبيعة البيئة الاقتصادية، فهل يفترض في هذا الجهاز أن يمارس مهامه لإقرار السلم الاجتماعي بدون آليات قانونية وسلطات فعلية، أم أن تجليات صلاحياته ستبرز كلما دعت الظروف المستجدة ضرورة التدخل، وهنا هل يسمح التنظيم القانوني بتجاوز المهام المحددة أصلا بنصوص قانونية أم أن المشرع سيتدرع بحتمية توافق تكوين ومهام المؤسسة مع المحيط الذي تعمل فيه ؟

يتبين إذن أن التنظيم القانوني الحالي يطرح مجموعة من الإشكالات.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفقرة الثالثة: القاضي المنتدب ׃

يعتبر القاضي المنتدب إلى جانب السنديك ﺃحد أهم الأجهزة المتدخلة في نظام صعوبات المقاولة، يتجلى ذلك من خلال الصلاحيات المعهود له بها، والتي تجعل منه حلقة أو همزة وصل بين مختلف المتدخلين في المسطرة، وهو الأمر الذي دفع ببعض الفقه (1) إلى تشبيهه بقائد الجوقة الموسيقية chef d’orchestre، والذي يلعب دور المنسق بين مختلف العازفين لإحداث التناغم المطلوب، وهو الدور الذي يمارسه القاضي المنتدب لإنجاح مسطرة المعالجة.

من هنا برزت أهمية هذا الجهاز مما دفع بالتشريعات، ومن بينها القانون المغربي،إلى إحاطته بالعناية اللازمة سواء على مستوى كيفية تعيينه (أولا)، أو من خلال الصلاحيات المعهود له بممارستها (ثانيا).

أولا : تعيين القاضي المنتدب ׃

نظرا للدور المهم الذي يضطلع به القاضي المنتدب، مكنه المشرع من هامش كبير من التدخل، فبالإضافة إلى صلاحياته القضائية، يباشر مهام الوصاية والإدارة العامة على المسطرة، وهذا يجعل منه جهازا قضائيا باختصاص خاص (2)، ولذلك حظي باهتمام تجلى في طريقة تعينه، وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن كيفية انتداب القاضي المنتدب ؟

للإجابة على هذا التساؤل سنعمد إلى إجراء مقارنة بين القانونين الفرنسي والمغربي، وهكذا :

1 – بالنسبة للقانون الفرنسي׃

يتم تعيين القاضي المنتدب من قبل المحكمة المختصة في الحكم القاضي بفتح المسطرة في مواجهة المقاولة المتوقفة عن الدفع (3)، وذلك شريطة توافره على أقدمية سنتين

 

 

 

 
 

 

 

 

(1) أنظر في هذا الشأن المهدي شبو : " مؤسسة القاضي المنتدب في مساطر معالجة صعوبات المقاولة – دراسة مقارنة – " أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الحقوق، وحدة التكوين والبحث في قانون الأعمال جامعة الحسن الثاني – عين الشق – كلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية بالدار البيضاء، السنة الجامعية 2003 – 2004، ص 17.

(2) عمر أزوكار : " القاضي المنتدب في مساطر معالجة صعوبات المقاولة "، منشور بجريدة الأحداث المغربية بتاريخ فاتح شتنبر 2000، ص 8.

(3) وهذا ما نصت عليه المادة 10 من القانون الصادر بتاريخ 25 يناير 1985 بقولها :

« Dans le jugement d’ouverture, le tribunal désigne le juge commissaire ».

على الأقل من الممارسة القضائية (1)، ولعل ذلك راجع بالأساس إلى طريقة اختيار القضاة، حيث يعينون عن طريق الانتخاب من بين التجار ومحترفي الأنشطة التجارية بصفة      عامة (2).

وتبقى من خصوصيات القانون الفرنسي في هذا الشأن إمكانية تعيين المحكمة مصدرة الحكم القاضي بفتح مسطرة المعالجة لنائب للقاضي المنتدب يكلف بالقيام بالإجراءات اللازمة لسير المسطرة نيابة عن القاضي المنتدب ، والذي قد تضطره الظروف إلى عدم القيام بها.

2 – بالنسبة للقانون المغربي ׃

تسند مهمة القاضي المنتدب لقاض من قضاة المحكمة التجارية التي أصدرت الحكم القاضي بفتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة، سواء تم إسناد هذه المهمة لقاضي لا ينتمي للهيئة التي أصدرت الحكم القاضي بفتح المسطرة ضمانا للحياد أو تم هذا التعيين من بين التشكيلة التي أصدرت الحكم.

ونظرا لطبيعة المهام التي يمارسها القاضي المنتدب لصالح المقاولة المتعثرة، فقد منع المشرع المغربي إسنادها لأقارب رئيس المقاولة أو مسيريها حتى الدرجة الرابعة، وذلك بصريح الفقرة الثانية من المادة 637 من مدونة التجارة.

ثانيا : وظائف القاضي المنتدب ׃

يلعب القاضي المنتدب دورا مهما في نظام صعوبات المقاولة، ويتجلى ذلك من خلال الصلاحيات المخولة له، والتي تجعل منه الحلقة الرابطة بين المحكمة من جهة المنشغلة بالبت في دعاوى مرتبطة بمقاولات أخرى متعثرة، ولذلك يتكفل القاضي المنتدب بممارسة مهامها – حيث يتولى نيابة عنها سلطة الإشراف والإدارة – وذلك باتخاذ القرارات الكفيلة بتصحيح وضعية المقاولة، أو الخروج بحل التصفية (3)، ومن جهة أخرى بين باقي الأطراف الأخرى الفاعلة في هذه المسطرة كالسنديك والمراقبين …

 

 

 

(1) أنظر بهذا الصدد الفقرة الرابعة من المادة 412 من قانون التنظيم القضائي الفرنسي.

(2) عبد الكريم عباد : " دور القضاء في معالجة صعوبات المقاولة "، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق جامعة الحسن الثاني – عين الشق – كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالدار البيضاء السنة الجامعية 2003 – 2004، ص 81.

(3) أحمد شكري السباعي : " نظام الإفلاس في القانون التجاري المغربي "، نشر وتوزيع درا الكتب العربية بالرباط، الطبعة الثانية، سنة 1976، ص 200 – 201.

وهكذا يمكننا القول إن وظائف القاضي المنتدب تتوزع بين صنفين :

1- وظائف تقليدية׃ تتمثل في النيابة عن الجهاز القضائي في تسيير المسطرة وفي حماية المصالح المتواجدة بالمقاولة المتعثرة.

2 – وظائف اقتصادية ׃ تتجسد في سلطة الاختيار المخولة له والتي تسمح له بتقدير الأمور واختيار الحلول الناجعة والتي من شأنها أن تساهم في تصحيح وضعية المقاولة المعنية بفتح المسطرة اتجاهها.

يتضح إذن أن الحفاظ على المقاولة يبقى الهاجس الأساسي للقاضي المنتدب، هذا وإن من شأن استمرار نشاطها ضمان الحفاظ على بعض المصالح المتواجدة بها ومن بينها حق الأجراء المشتغلين بها.

فماهي المجالات التي يتدخل فيها القاضي المنتدب والتي تتحقق من خلالها الحماية المتوخاة والتي ينتظرها الأجراء ؟

إن الإجابة على هذا الإشكال ستجرنا إلى تحليل بعض الوظائف والتي ترتبط بشكل  أو بآخر بالغاية المرجوة من تدخل هذا الجهاز في إقرار السلم الاجتماعي وهكذا سنتناول الاختصاصات التالية :

1 – صلاحية القاضي المنتدب في مجال الإعفاء لأسباب اقتصادية׃

الأصل هو أن فتح مسطرة التسوية القضائية لا يؤثر على استمرار التشغيل داخل المقاولة، وهذا ما يمكن ملاحظته من مقتضيات المادة 571 من م ت  والتي تنص على أنه : " يتابع نشاط المقاولة بعد إصدار حكم التسوية القضائية "، إلا أنه قد تفرض الضرورة لإنقاذ المقاولة المبادرة ببعض الإعفاءات وذلك بداعي وجود سبب اقتصادي وهنا نتساءل عن دور القاضي المنتدب خلال هذه المرحلة ؟

جدير بالذكر، أن التشريع الفرنسي الصادر في 25 يناير 1985 الذي استقى منه القانون المغربي نظام صعوبات المقاولة تعرض لمختلف حالات تدخل القاضي المنتدب، وهكذا وفي مجال الإعفاء، عمد القانون الفرنسي  من  خلال  المادة  45 من  القانون الصادر

 

سنة 1985 (1) إلى منح صلاحية الترخيص بهذا الإجراء للقاضي المنتدب خلال فترة الملاحظة، وذلك بعد سلوك مسطرة يقوم خلالها المتصرف القضائي باستشارة – وليس مجرد إخبار – ممثلي الأجراء والسلطة الإدارية المختصة في مجال قانون الشغل، ويرفع تقريره بعد ذلك إلى القاضي المنتدب متضمنا وضعية المقاولة وظروف عملها والحلول المقترحة لحل مشاكلها بما فيها تعويض الأجراء وإعادة إدماجهم (2).

وفي ضوء هذا التقرير، يتخذ القاضي المنتدب قراره إما بالإعفاء أو عدمه، حيث يتمتع في هذا المجال بسلطة تقديرية يستند خلالها على عدة معايير والتي تعتبر مبررا لقراره، وعليه فإنه لا يرخص بالإعفاء إلا بعد أن يتأكد من أن ضمان استمرار نشاط المقاولة يستدعى سلوك هذه المسطرة، وهذا يعني أن يكتسي هذا الإجراء صبغة استعجالية وضرورية.

وبالمقابل، يتقيد في حالة استقراره على الترخيص بالإعفاء بضرورة تحديد عدد الأجراء، وكذا الأنشطة والأصناف المهنية المعنية به (3).

وبالرجوع للتشريع المغربي، نجد أن المشرع، من خلال المادة 573 من م ت (4) خول للسنديك وحده الحق في أن يطالب بمواصلة العقود الجارية بما فيها عقد الشغل، حيث إنه لم يستثن هذا العقد بصريح العبارة، على خلاف المشرع الفرنسي الذي استثنى بمقتضى الفقرة الأخيرة من المادة 37 من قانون 25 يناير 1985 عقد الشغل من نطاق تطبيق مبدأ مواصلة العقود الجارية التنفيذ في  تاريخ  صدور  الحكم  القاضي  بفتح  مسطرة التسوية القضائية (5)

 

 
 

 

 

 

(1) تنص المادة 45 من قانون 25 يناير 1985 على ما يلي :

« Lorsque des licenciements pour motif économique présentent un caractère urgent inévitable et indispensable pendant la période d’observation l’administrateur peut être autorisé par le juge – commissaire à procéder à ces licenciements, préalablement à la saisine du juge – commissaire, l’administrateur informé et consulté le comité d’entreprise, ou à défaut, les délégués du personnel et l’autorité administrative compétente en matière de droit du travail dans les conditions prévues aux articles L.321 – 7, deuxième alinéa, et L.321 – 10 du code du travail. Il font à l’appui de la demande qu’il adresse au juge –commissaire les recueilles et les justifications de ses diligences en vue de faciliter l’indemnisation et le reclassement des salaries.

(2) لمزيد من التوضيح حول دور القاضي المنتدب في مجال الإعفاء لأسباب اقتصادية أنظر :

Marie – Hélène Monserie : « les contrats dans le redressement et la liquidation judiciaire des entreprises », librairie de la cour de cassation, Litec, 1994, P 123 à 128.

(3) المهدي شبو : مرجع سابق، ص 233.

(4) تنص الفقرة الأولى من المادة 573 من م ت  على ما يلي : " بإمكان السنديك وحده أن يطالب بتنفيذ العقود الجارية بتقديم الخدمة المتعاقد بشأنها للطرف المتعاقد مع المقاولة … ".

(5) تنص الفقرة الأخيرة من المادة 37 من قانون 25 يناير 1985 على ما يلي :

« les dispositions du présent article ne concernent pas les contrats de travail ».

من هنا يتضح القصور التشريعي في هذا المجال، لذلك نساند الاتجاه الذي ذهب إليه أحد الباحثين (1) عندما اعتبر منح الاختصاص بالترخيص بالإعفاء للسنديك، فيه نوع من الخطورة، ولذلك حبذا لو تم التنصيص على هذه الصلاحية لفائدة القاضي المنتدب الذي يبقى الأقدر على تجسيد الدور التقريري (2) الذي تلعبه السلطة المحلية، وذلك بحكم إطلاعه على مكامن ضعف المقاولة ومكامن قوتها من خلال التقرير الذي يعده السنديك.

2 – صلاحية القاضي المنتدب في تنفيذ عقد الشغل كعقد جاري׃

إن المشرع المغربي من خلال المادة 573 م ت خول للسنديك سلطة مطلقة في مواصلة تنفيذ العقود الجارية (3) أو التخلي عن تنفيذها، وفي هذا الإطار نعتقد أن تغييب القاضي المنتدب ولو حتى على سبيل الاستشارة، مسألة يجب على المشرع أن يعيد النظر فيها ، سيما وأن الأمر يرتبط بعقد له طابع خاص – الأمر هنا يتعلق بعقد الشغل – ولهذا لاحظنا أنه في ظل التشريع الفرنسي خول المشرع صلاحية الترخيص بالاستغناء عن بعض عقود الشغل كلما دعت إلى ذلك ضرورة استمرار نشاط المقاولة للقاضي المنتدب، وهو الأمر الذي لم يسر على منواله القانون المغربي.

ورغم أن التشريع الفرنسي خول للمتصرف القضائي صلاحية البت في تنفيذ العقود الجارية من خلال المادة 37 من قانون 25 يناير 1985، فإنه مع ذلك  في حالة المنازعة من طرف المتضرر من الخيار الذي سلكه المتصرف القضائي، فإن للقاضي المنتدب كامل الصلاحية للبت في هذا النزاع وذلك لاختصاصه العام في المسطرة، وهو الأمر الذي كرسته محكمة النقص الفرنسية (4).

3 – صلاحية القاضي المنتدب في ضمان استقرار عقود الشغل خلال تبني خيار التفويت׃

تكريسا لدور السنديك في حماية مصالح الأجراء، فإن هذا الجهاز يعمل على إعداد تقرير في  شكل موازنة  مالية  واقتصادية  واجتماعية  يضمنه  مختلف  المعطيات التي  من

 

 

 
 

 

 

 

(1) المهدي شبو : مرجع سابق، ص 237.

(2) حول تقنية التقرير المخولة للقاضي المنتدب، أنظر عمر أزوكار : مرجع سابق، ص 8.

(3) يرى بعض الفقه أنه يجب استبعاد عقد الشغل من نطاق تنفيذ هذا المبدأ وذلك للطابع المعيشي والاقتصادي للأجر.

   – امحمد لفروجي : " مصير العقود جارية التنفيذ في تاريخ فتح مسطرة التسوية القضائية "، مساطر صعوبات المقاولة القانون والعمل الوضعي، منشورات المجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات ع 5، 2005، ص 15.

(4) أنظر في هذا الصدد موقف محكمة النقض الفرنسية׃

– Cass. 25 janvier. 1994, Rev. Proc. Coll. 1995, 47 n° 5, obs. Dureuil.

شأنها أن تعطي صورة وافية عن محيط المقاولة بما فيها تقديم مقترحات، والتي قد يكون من بينها حل التفويت.

فأين يتجلى دور القاضي المنتدب في هذا المضمار ؟

بالرجوع إلى مدونة التجارة نجدها تنص في المادة 605 منها على أنه " تختار المحكمة العرض المتعلق بالمجموعة المفوتة والذي يضمن أطول مدة لاستقرار التشغيل وأداء مستحقات الدائنين ".

في ضوء هذه المادة، يمكن القول ﺇن التفويت يعتبر أحد الحلول المعتمدة لإنقاذ المقاولة المتعثرة، والمشرع بإقرار هذه التقنية إنما يهدف إلى المحافظة على المقاولة بالدرجة الأولى، وهو الموقف الذي تبنته محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء عندما أقرت بأن " المشرع في إطار المساطر الجماعية أخذ بعين الاعتبار مصلحة المقاولة بالأساس وليس مصلحة المقاول بدليل تنظيمه لمسطرة تفويتها إلى الغير واعتبار التفويت كحل من حلول التسوية " (1).

وجدير بالذكر، وارتباطا بما سبق ﺃن السنديك في خضم تقديمه للتقرير الآنف الذكر، والذي يضمنه العروض المقدمة من الأغيار، يقترح تبني أحدها، وبعد ذلك يأتي دور القاضي المنتدب والذي تبقى له السلطة التقديرية الكاملة في الأخذ بهذه العروض من عدمها، حيث له صلاحية تبني عرض آخر يرى فيه تحقيق فلسفة المشرع من إقرار هذه التقنية.

وهكذا فإن القاضي المنتدب يأخذ بالعرض الذي يضمن توفير أكبر عدد من مناصب الشغل وذلك تماشيا مع موقف المشرع المغربي الذي يهدف من خلال التفويت إلى " الإبقاء على النشاط الذي من شأنه أن يستغل بشكل مستقل والمحافظة على كل أو بعض مناصب الشغل الخاصة بذلك النشاط … " (2).

من هنا يتضح ﺃن سلوك مسطرة التفويت يستدعي من القاضي المنتدب اليقظة البالغة حتى يضمن مرور العملية بالشفافية المطلوبة، لذلك فإن عمله في هذا المجال يستدعي منه التروي  والأناة  أثناء  دراسة  العروض  المقدمة  ليختار  الأصلح  والأضمن  والذي  تتوفر

 

 

 
 

 

 

 

 

(1) قرار 2731/2000 صادر بتاريخ 22/12/2000 رقم الملف 40/99/5، غير منشور.

(2) المادة 603 من مدونة التجارة.

فيه المعايير التي استقر عليها المشرع والتي يبقى البعد الاجتماعي أحد أهم عناصرها.

وإجمالا، يمكننا القول إن القاضي المنتدب يلعب دورا مهما في نظام صعوبات المقاولة، هذه الأهمية تشكل في ذات الوقت رهانا وتحديا يطمح هذا الجهاز لتحقيقه٠

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفقرة الرابعة: السنديك ׃

نظرا لحساسية وطبيعة المساطر المعتمدة في نظام صعوبات المقاولة، فقد أوكل المشرع مهمة متابعة الإجراءات المتبعة خلالها للسنديك، هذا الأخير الذي يعتبر بحق مؤسسة قانونية مهمة و هذا يستدعي منها تكوينا خاصا يتوافق والمهمة المسندة إليها (أولا)، وبالمقابل فقد خولها القانون صلاحيات مهمة بدءا من تسيير عمليات التسوية أو التصفية القضائية (ثانيا)، وصولا إلى تحقيق الديون (ثالثا).

أولا : معايير اعتماد السنديك׃

تباشر مهام السنديك وفق المادة 568 م ت " من طرف كاتب الضبط ويمكن للمحكمة عند الاقتضاء أن تسندها للغير "، ويتم تعيينه بمقتضى الحكم القاضي بفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية٠ وهكذا يعتبر التشريع المغربي السنديك أحد العناصر الإلزامية المكونة لأجهزة المسطرة، وهو في ذلك ينحو في نفس الاتجاه الذي سار عليه التشريع الفرنسي.

وإذا كانت مدونة التجارة لا تسمح بتعيين أكثر من سنديك واحد بخلاف ما كان عليه الأمر في ظل القانون التجاري الملغى، والذي كان يسمح بزيادة العدد إلى ثلاثة سنادكة (1).

فبالمقابل فإن القانون الفرنسي يسير في اتجاه تعدد المتصرفين القضائيين متى تعلق الأمر بالقضايا الكبرى حيث يتم في هذه الحالة تقسيم المهام بينهم، فيتكلف البعض بالتسيير والبعض الآخر بالتخطيط (2).

وفيما يتعلق بالفئات التي خصها المشرع بممارسة مهام السنديك وفق المادة 568 م ت السابقة الذكر فإما أن تكون من بين كتاب ضبط المحكمة التي فتحت أمامها المسطرة (1)   وإما من الغير (2).

 

 

 

 
 

 

 

 

 

 (1) في ظل ظهير 12 غشت 1913 الملغى، كانت مقتضيات الفصل 217 منه تنص على ما يلي : " تعين المحكمة في حكمها بإشهار الإفلاس وكيلا للدائنين أو عدة وكلاء، ويمكن في كل آن زيادة عدد هؤلاء حتى ثلاثة … ".

(2) F. Perochon ; « Entreprises en difficultés. Instrument de crédit et de paiement L.G.D.J. Paris, 1992, P 599.

 

 

 

 

 ونشير في هذا المجال إلى أن مدونة التجارة الجديدة قد تخلت عن إسناد هذه المهام لأحد الدائنين (1).

1 – السنديك المعين من كتاب الضبط׃

يعتبر تعيين السنديك من بين كتاب ضبط المحكمة التي فتحت أمامها المسطرة هو الأصل(2) ويدل على ذلك الصياغة التي جاءت بها المادة 568 من م ت، (3) و يفترض فيه في الحالة العادية التوفر على المؤهلات القانونية الكافية، وأن يكون على دراية بتسيير المقاولات وإدارتها (4).

ونأخذ في هذا المجال بموقف أحد الباحثين (5) والذي اعتبر أن تكوين كاتب الضبط يفتقر إلى أحد أهم مقومات تسيير المقاولات، وهو الدراية بالمجال الماكرو اقتصادي الذي يساهم في حسن تسيير وإدارة المقاولات.

زد على ذلك أن الصلاحيات الموكولة للسنديك تفرض عليه التفرغ الكامل لمهامه نظرا لحساسية ودقة المهام التي يضطلع بها، وهذا ما لا نلمسه في ظل تراكم المهام المناطة بكاتب الضبط إلى جانب مهامه كسنديك، بل والأكثر من هذا قد يكون سنديكا لأكثر من مقاولة. ومادامت صلاحياته محددة من حيث الزمن وأمام كثرة الضغوط، فإنه قد يقع في أخطاء التسرع، ومن ثم تضيع الغاية من سن نظام صعوبات المقاولة، والتي تتحدد في ضمان استمرار نشاط المقاولة، وهذا ما يدفعنا إلى القول إن هذه المهمة تستدعي جهازا خاصا قائم الذات تكون صلاحياته الوحيدة هي الاضطلاع بشؤون المقاولة المختلة.

وإذا كانت العادة تفترض أن تكون ثمة أتعاب كمقابل للمهام التي يقوم بها المكلف بأعمال السنديك، فإنه في حالته ككاتب للضبط لا يتقاضى غير راتبه كموظف عمومي.

 

 
 

 

 

 

(1) حيث إن ظهير 1913 الملغى، كان يسمح للدائنين بممارسة صلاحيات السنديك، وذلك بصريح الفصل 218 منه والذي كان يقضي بما يلي : " يجوز أن يختار الوكلاء من بين الدائنين بشرط أن يوافق على ذلك بالإجماع من يعتبرون دائنين، لكن المحكمة ليست ملزمة بقبول هذا الاختيار "

(2) العبرة في عدم تحديدنا للمحكمة  المختصة، هل هي تجارية أم ابتدائية راجع بالأساس إلى أنه ورغم أن المقتضيات المتعلقة بصعوبات المقاولة تدخل في اختصاص المحاكم التجارية، فإنه ثمة قضايا مازالت جارية  تتعلق بنفس المجال ولكن في ظل القانون القديم (نظام الإفلاس)، ومازالت معروضة على المحاكم الابتدائية.

(3) حيث إننا نجد هذه المادة قد أوردت عبارة " وعند الاقتضاء "، وهذا يدفعنا إلى القول بأن هنالك فئة يوعز لها أصلا بهذا الاختصاص واستثناءا يتم إسناده للغير.

(4) عمليا كتاب الضبط لا تتوفر فيهم المعايير الفنية المطلوبة ولذلك فإن المحكمة تلجأ في كثير من الأحيان إلى اعتماد خبراء محاسبيين .

(5) محمد محبوبي : " مؤسسة السنديك في إطار صعوبات المقاولة "، مداخلة في إطار الندوة المنعقدة بالرباط في 8 و 9 أبريل 2005 تحت عنوان " حصيلة ثماني سنوات من تطبيق التشريع الجديد للمساطر الجماعية بالمغرب (صعوبة المقاولة)"، والمنظمة من قبل الوكالة الدولية الأمريكية للتنمية USAID ووزارة العدل (غير منشورة).

وأثناء ممارسته لمهامه، يتخذ صفة وكيل قضائي حيث قد يخضع لقواعد القانون المدني أو القانون  الإداري  حسب الأحوال(1).

2 – السنديك المعين من الغير׃

في إطار السلطة التقديرية المتاحة للمحكمة، تعمد هذه الأخيرة إلى اختيار سنديك من الغير متى اقتضت الضرورة ذلك من قبيل الحاجة إلى شخص تتوفر فيه مؤهلات علمية معنية إلى جانب الشروط الأخرى كالخبرة والسمعة الطيبة …، ولذلك درجت المحاكم على اختيار  خبراء محاسبين أو من ضمن الأطر أو مديرا أو مسيرا سابقا … (2).

وفي ممارسته لمهامه، يتمتع السنديك المعين من الغير بصفة وكيل مأجور يخضع لمقتضيات القانون المدني (3)، ويستحق أتعابا عن الأعمال التي يقوم بها، والتي تكون إما ثابتة أو في شكل نسب مئوية تحتسب بناءا على طبيعة المهمة المسندة له بحسب ما إذا كانت تتعلق بمجرد مساعدة في التسيير أو مراقبة التسيير أو الحلول محل المسير أو إعداد تقارير أو التفويت … ، أو مراعاة حجم المقاولة من حيث نشاطها وعدد أجرائها ورقم معاملاتها .

وسواء تم تعيين السنديك من بين كتاب الضبط أو من الغير، فإن إمكانية استبداله تبقى قائمة وذلك إما " بطلب من القاضي المنتدب تلقائيا أو بناء على تشك لديه من المدين       أو أحد الدائنين " وفق ما تنص عليه مقتضيات المادة 644 من م ت.

وحماية للمقاولة وللمصالح المرتبطة بها منع المشرع إسناد مهمة السنديك إلى أقارب رئيس المقاولة حتى الدرجة الرابعة طبقا للمادة 637 م ت أو مسيريها، وهو نفس الاتجاه الذي كان في ظل القانون التجاري الملغى (4)، والعبرة من ذلك هو تفادي تعيين سنديك يجمع بين صفتين متناقضتين، العمل لما فيه مصلحة  المقاولة  تطبيقا  لمقتضيات  المادة  640  من  

م ت  من جهة، ومن جهة أخرى التصرف  باسم  لدائنين  باعتباره  ممثلا  لهم  طبقا  للمادة

 

 

 
 

 

 

 

(1) محمد لفروجي : " صعوبات المقاولة والمساطر القضائية الكفيلة بمعالجتها "، مطبعة النجاح الجديدة الطبعة الأولى 2001، ص 299.

(2) مليكة عفيف : " وضعية الدائنين في إطار نظام صعوبات المقاولة "، تقرير لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في قانون الأعمال، جامعة الحسن الثاني – عين الشق – كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، السنة الجامعية 2002 – 2003، ص 94.

(3) " دليل المحاكم التجارية الاختصاص والمسطرة "، منشورات وزارة العدل، سلسلة الدلائل والشروح القانونية، مطبعة فضالة، الطبعة الأولى، 2000 ص 120.

(4) تنص مقتضيات الفصل 219 من القانون التجاري الملغى على ما يلي : " لا يجوز أن يعين وكيلا للدائنين من كان قريبا أو صهرا للمفلس إلى الدرجة الرابعة بدخول الغاية ".

 

642 من مدونة التجارة .

فالعمل بهذين الصفتين تجعلان من السنديك حكما وخصما في آن واحد، مادام أن مصلحة المقاولة تستدعي استمرارية النشاط، بينما يروم الدائنون توزيع الأصول بصفة آنية بينهم (1) .

ثانيا : تسيير عمليات التسوية أو التصفية القضائية والسهر على تنفيذ مخطط الاستمرارية أو التفويت׃

يكلف السنديك بمقتضى نص المادة 640 م ت بتسيير عمليات التسوية والتصفية القضائية ابتداء من تاريخ صدور حكم فتح المسطرة حتى قفلها، ويسهر على تنفيذ مخطط الاستمرارية أو التفويت، وفي سبيل تحقيقه لهذه الغاية، يعمد إلى جمع المعلومات الفنية والمحاسبتية التي تسمح له بتقويم وضعية المقاولة بشكل سليم ومن ثم حسن اختيار القرارات الملائمة.

وعليه، ومتى تبين للسنديك إمكانية تصحيح وضعية المقاولة، فإنه يعمل على رسم مستقبلها من خلال مخطط اقتصادي  ومالي واجتماعي في شكل مشروع مخطط للتسوية (2)، هذا الأخير الذي يفترض فيه أن يعطي جوابا على الجوانب التالية :

1 – الجانب المالي : حيث على المخطط أن يحدد الطرق والسبل التي سيتم بواسطتها تسوية الخصوم.

2 – الجانب الاقتصادي : حيث يجب أن يحدد المشروع الآفاق المستقبلية وأن يعين مصادر التمويل التي من شأنها أن تسهم في إنقاذ المقاولة المعنية بفتح المسطرة.

3 – الجانب الاجتماعي : إلى جانب الاهتمام باستمرارية نشاط للمقاولة، فإن المخطط يجب أن يقترح ويحدد  ضمانات  استقرارا مستوى  التشغيل وذلك  من خلال  الحيلولة  دون

(1) عبد الكريم عباد : " دور القضاء في معالجة صعوبات المقاولة "، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق شعبة القانون الخاص، وحدة قانون الأعمال جامعة الحسن الثاني – عين الشق – كلية العلوم الاقتصادية والاجتماعية بالدار البيضاء، السنة الجامعية 2003 – 2004، ص 90.

– في نفس الاتجاه أنظر.

Jean – Pierre ADAM, « les rôles des l’administrateur judiciaire et du mondataire liquidateur » ; colloque deauville organisé les 7 et 8 juin 1986 par l’association droit et commerce Revue jurisprudence commercial N° 2, Mars 1987, P 107.

(2) ذهب بعض الفقه الفرنسي إلى تكييف تقرير المتصرف القضائي (السنديك) بكونه بمثابة "تشخيص"، ومشروع التصحيح أو التسوية بكونه بمثابة " الوصفة " التي بإمكانها أن تؤدي إلى العلاج.

-«B» Soinne, « Traité, Théorique et pratique des procédures collectives », édition Litec, 1987, P 611.

– Jean – Pierre ADAM, op – cit., P 111.

تسريح أعداد كبيرة من الأجراء، وبالمقابل اتخاذ كافة التدابير لضمان حقوق الذين طالهم التسريح.

ويعمد السنديك لتفعيل مقتضيات المخطط الموضوع من طرفه على مراقبة ومساعدة المدين في تسيير أمواله (1).

انطلاقا مما سبق يمكننا القول إنه إذا كان إنقاذ المقاولة هو الهدف الرئيسي لمساطر التسوية القضائية، فإنه إلى جانب ذلك ثمة هاجس الحفاظ على مناصب الشغل وتسوية الخصوم كذلك٠ والسنديك أثناء ممارسته لمهامه له أن يحصل على الرغم من أية مقتضيات تشريعية معارضة أو مخالفة، على سائر المعلومات التي من شأنها أن تعطيه فكرة صحيحة عن الوضعية الاقتصادية والمالية والاجتماعية للمقاولة، وذلك بصريح نص المادة        581 م ت (2) .

ثالثا : طلب تنفيذ العقود الجارية׃

من خلال نص المادة 573 م ت التي تقضي بأنه " بإمكان السنديك وحده أن يطالب بتنفيذ العقود الجارية … " يتضح أن السنديك يبقى هو المؤهل الوحيد لاختيار تنفيذ العقود الجارية ولا ينافسه في ذلك أحد بما فيه القاضي المنتدب .

وقد عرف الفقه (3) العقود الجارية بأنها هي " العقود التي أبرمها رئيس المقاولة مع الأغيار المتعاقدين والتي لم تستفد أو لم تنقض آثارها الرئيسية بعد صدور حكم فتح مسطرة المعالجة " ونظرا لأهمية بعض هذه العقود والتي قد تساهم في حل الأزمة أو أن من شأن بقاءها التخفيف من حدتها، فقد أوكل المشرع للسنديك وحده صلاحية قبول هذه العقود من عدمها، مستغنيا في ذلك عن أخذ إذن أو حتى مجرد استشارة الأغيار بمن فيهم القاضي المنتدب وحتى رئيس المقاولة، وهنا نتساءل عن سبب هذا المجال الواسع للسلطات

 

 
 

 

 

 

 

(1) Jean – Pierre ADAM. Op – cit., P 108.

(2) تنص المادة 581 م ق على ما يلي : " يمكن للسنديك الحصول على المعلومات التي من شأنها أن تعطيه فكرة صحيحة عن الوضعية الاقتصادية والمالية للمقاولة عن طريق مراقب الحسابات والإدارات والمنشآت العمومية أو عن طريق أي شخص آخر، وذلك على الرغم من أي مقتضيات تشريعية مخالفة ".

(3) أحمد شكري السباعي : " الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة، ومساطر معالجتها – الجزء الثاني – "، مطبعة المعارف الجديدة، الطبعة الأولى، 2000، ص 321.

– في نفس المجال أنظر تعريف، محمد لفروجي : " مصير العقود جارية التنفيذ في تاريخ فتح مسطرة التسوية القضائية "، مساطر صعوبات المقاولة بين القانون والعمل الوضعي، منشورات المجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات ع 5، 2005، ص 13.

التي منحها المشرع لهذا الجهاز، فهل ذلك راجع لكفاءته أم أن التشريع أخذ بعين الاعتبار كونه الجهاز الساهر على تنفيذ المسطرة ؟

نعتقد أن المشرع قد بالغ في منح صلاحيات للسنديك سيما في مجال إقرار تنفيذ العقود الجارية، ولذلك كان من الأجدر لو اقترنت هذه السلطات بضرورة استشارة الجهات الأخرى المعنية بسير المسطرة وخصوصا القاضي المنتدب ورئيس المقاولة.

وجدير بالذكر في هذا الإطار  أن المشرع المغربي، من خلال المادة 573 م ت، جاء بصياغة عامة للعقود الجارية، وهذا يدفعنا إلى التساؤل׃ هل تدخل عقود الشغل ضمن الخيارات المتاحة للسنديك ؟

الملاحظ أن المشرع الفرنسي من خلال المادة 37 (1) من قانون 1985 وضع حدا لهذا الإشكال بأن ﺃخرج عقد الشغل من نطاق العقود الجارية الخاضعة لسلطة المتصرف القضائي ( السنديك عندنا في المغرب ) وهو الموقف الذي كرسته محكمة النقض الفرنسية في العديد من قراراتها (2).

في حين أن التشريع المغربي من خلال المادة 573 لم يصرح باستثناء عقود الشغل من مجال العقود الجارية، مع العلم أن نص هذه المادة استقي من القانون الفرنسي، وهنا يطرح التساؤل عن سبب هذا الموقف.

من هذا المنطلق اتجهت الآراء الفقهية في هذا المجال إلى المناداة باستثناء عقود الشغل على غرار ما قرره القانون الفرنسي، مستندين في دفعهم (3) إلى الاعتبارات الاجتماعية، وانعكاسات إنهاء عقد الشغل على شريحة مهمة من المجتمع، إلى جانب أن الطابع الاقتصادي والاجتماعي للأجر يحول دون إخضاعه لمختلف الأحكام المتعلقة بالديون الأخرى التي تكون مترتبة على رئيس المقاولة.

 

 

 
 

 

 

 

(1) المقابلة للمادة 573 من م ت المغربية، حيث تنص الفقرة الأخيرة من المادة 37 على ما يلي :

« Les dispositions du présent article ne concernent pas les contrats de travail ».

(2) أنظر بهذا الشأن .

– Cass – Soc, 19 décembre 1999. Rev. Juisp. Soc 1999. n° 11, P 859.

(3) يمثل هذا الاتجاه :

   – أحمد شكري السباعي : " الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها – الجزء الثاني – "  مرجع سابق، ص 344.

   – عمر أزوكار : " استمرار العقود الجارية في مساطر معالجة الصعوبات "، مجلة المرافعة، ع 12 يناير 2002، ص 93.

   – امحمد لفروجي : " مصير العقود جارية التنفيذ في تاريخ فتح مسطرة التسوية القضائية "، مرجع سابق، ص 15.

أما عن موقفنا من هذا الإشكال، فإننا نعتقد أننا وإن كنا نتفق مع الآراء الفقهية التي تنادي باستبعاد عقد الشغل من نطاق العقود الجارية، فإنه مع ذلك نناشد المشرع أن يتقيد بالنهج الذي تبناه المشرع الفرنسي، وعليه فإن الضرورة تستدعي أن يكون هذا الاستثناء صريحا وبمقتضى نص، وهنا نبدي ملاحظة تتعلق بالأسباب والدوافع التي تجعل من المشرع أثناء اعتماده القانون الفرنسي كمرجع ومصدر لأغلب قوانينه، يلجأ لسياسة البتر والتشذيب، هل الأمر يتعلق بدأبه على محاولة جعل القوانين المستقاة تلائم المحيط الجديد الذي ستطبق فيه أم أن هناك غايات أخرى، علما بأن العناصر التي يتم حذفها من المصدر هي من الأهمية بمكان، والأمر هنا لا يقتصر فقط على مجرد صلاحيات السنديك، بل يتعداه إلى مجالات أخرى سنثيرها تباعا على أساس أننا سنبقى دائما مرتبطين بمحور بحثنا ؟

رابعا : تحقيق الديون تحت مراقبة القاضي المنتدب׃

يضطلع السنديك بمهمة حصر الديون المستحقة على المقاولة الخاضعة لمسطرة المعالجة. وفي سبيل ذلك، ألزم المشرع الدائنين بالتصريح بديونهم وفق آجال محددة في المادة 687 م ت (1)، وذلك تحت طائلة سقوط الدين ٠ ومن جهة أخرى، توضع بين يديه – السنديك – قائمة مصادق عليها مسلمة من المدين تضم لائحة بأسماء الدائنين وبقيمة  ديونهم (2)، ومادام أن الأحكام والأوامر الصادرة في مادة مسطرة معالجة الصعوبات والتصفية القضائية مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون، فإنه لا مجال للحديث عن توقيف عملية تحقيق الديون عن طريق الطعن، وهذا ما أشارت إليه المادة 728 م ت .

ولما كان التدقيق أثناء سلوك مسطرة التحقيق من الأهمية بمكان، فإن ذلك وضع على كاهل السنديك  مسؤولية  إخبار  الدائنين  الذين  يكون  دينهم موضوع نزاع بواسطة رسالة

 

 

 
 

 

 

 

(1) تنص الفقرة الأولى من المادة 687 م ت على ما يلي : " يجب تقديم التصريح بالديون داخل أجل شهرين ابتداء من تاريخ نشر حكم فتح المسطرة بالجريدة الرسمية، ويمدد هذا الأجل بشهرين بالنسبة إلى الدائنين القاطنين خارج المملكة المغربية ".

    – من التطبيقات القضائية في الموضوع، قرار المجلس الأعلى عدد 1269، مؤرخ في 12/11/2003، ملف تجاري عدد 1135/3/2/2003، منشور بسلسلة القانون والممارسة القضائية، ع 5، 2005، ص 123، والذي يقضي بأن " المادة 689 م ت إن كانت توجب على المدين أن يسلم السنديك قائمة مصادقا عليها بدائنيه … فإن ذلك لا يعفي الدائنين الملزمين بالتصريح بديونهم إلى السنديك وفقا لأحكام المادة 686 م ت ".

    – يستثنى من التصريح بالدين الأجراء.

(2) تنص المادة 689 م ت على مايلي : " يسلم المدين للسنديك قائمة مصادقا عليها بدائنيه ومبلغ ديونه ثمانية أيام على الأكثر بعد صدور حكم فتح المسطرة وذلك باستثناء الحالة التي فتحت فيها المسطرة بناء على التصريح بالتوقف عن الدفع ".

مضمونة مع الإشعار بالتوصل، وذلك من أجل تقديم شروحهم داخل أجل 30 يوما (1) ومن التطبيقات القضائية في هذا المجال نذكر القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بمراكش والتي اعتبرت بأن " الدائن الذي وقع نزاع في دينه كلا أو بعضا والذي لم يرد على السنديك داخل الأجل القانوني لا يمكنه أن يطعن في أمر القاضي المنتدب المؤيد لاقتراح السنديك عملا بمقتضيات الفصل 697 من مدونة التجارة، مما يتعين معه التصريح بعدم قبول الاستئناف "، وهو نفس التوجه الذي سار عليه المجلس الأعلى لما اعتبر بأن          " الدائن الذي وقع نزاع في دينه كلا أو بعضا لم يرد على السنديك داخل الأجل القانوني لا يمكنه أن يطعن في أمر القاضي المنتدب المؤيد لاقتراح السنديك، والمحكمة التي تبين لها أن الطالب لم يرد على إشعار السنديك الذي أورد فيه منازعة المدين في مبلغ الدين رغم منحه أجل ثلاثين يوما لإبداء ملاحظاته ورغم توصله بالإشعار بتاريخ 11/06/2001، ورتبت عن ذلك وعن صواب عدم قبول الطعن الموجه ضد الأمر الصادر عن القاضي المنتدب تكون قد طبقت بشكل صحيح مضمون المادة المذكورة … " (2).

ونظرا للطابع الفني لعملية تحقيق الديون، فإن الأمر يستدعي شخصا مؤهلا، ولذلك جرت العادة في المجال القضائي على اختيار سنديك من بين الخبراء المحاسبين (3).

وتتطلب مسطرة التحقيق الاستماع لأقوال رئيس المقاولة والمراقبين ومندوبي الأجراء  بحسب مضمون المادة 590 م ت ، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الإطار هل تكتسي عملية الاستماع تلك صبغة الإلزام أم يمكن الاستغناء عنها، وبمعنى آخر هل يعتبر عدم سلوك إجراء الاستماع عيبا موجبا لإلغاء مسطرة تحقيق الديون ؟

تجيبنا على هذا الإشكال محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 2001 في ردها على الدفع الذي تقدم به المستأنف والمتعلق بكون " الحكم المستأنف خرق مقتضيات

(1) أنظر مضمون المادة 693 من مدونة التجارة.

(2) القراران أشار إليهما عبد الرحيم السلماني : " مسطرة تحقيق الديون في إطار قانون صعوبات المقاولة " منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات، ع 5، ماي 2004، ص 14 – 15.

(3) يرى بعض الباحثين أن بحثه قاضه إلى استنتاج أن مهام السنديك تسند في مرحلة التسوية القضائية إلى خبراء من خارج المحكمة، بينما تسند لكاتب ضبط المحكمة في فترة التصفية القضائية.

   – زكية عومري : " آثار فتح مسطرة التسوية القضائية على الدائنين الناشئة ديونهم قبل فتح المسطرة – الجزء الأول –"، مجلة القصر، ع 11 ماي 2005، الهامش رقم 1 ص 36.

    وهذا ما يمكن تٲكيده من خلال جملة من الأحكام نذكر منها، موقف المحكمة التجارية بالبيضاء والتي تبنت تعيين سنديك من الخبراء في المحاسبة، وذلك في الملف عدد 5192/99، تحت عدد 1850/99، بتاريخ 19/04/99، غير منشور، وفي نفس الإطار أنظر مجموعة أحكام أشار إليها محمد بنزهرة : " الإشكالات التي تطرحها العقود الجارية بعد فتح مسطرة التسوية القضائية مجلة القانون والاقتصاد، ع 19، 2002، الهامش رقم 7، ص 143.

الفصل 590 من مدونة التجارة، ذلك أنه تطبيقا لهذا الفصل فإن المحكمة تقرر إما استمرار قيام المقاولة بنشاطها أو تفويتها أو تصفيتها القضائية، وذلك بناء على تقرير السنديك وبعد الاستماع لرئيس المقاولة والمراقبين ومندوبي العمال، إلا أنه يلاحظ في الحكم المستأنف أنه صدر بناء على تقرير مباشر من القاضي المنتدب وليس من السنديك والحال أن المشرع أكد على أن هذا الأخير هو الذي يرفع التقرير حتى يمكن تقديم الاستئناف في مواجهته … ".

حيث ردت إجابة على هذا الدفع بقولها " … وحيث ﺇنه تبعا لذلك ولكون السنديك وضع تقريره من خلال المستنتجات المشار إليها أعلاه دون مشاركة رئيس المقاولة كما ينص على ذلك الفصل 579 من م ت، ومن تم فإن ما قضى به الحكم المستأنف من تحويل التسوية القضائية إلى تصفية قضائية في مواجهة المقاولة … يكون غير مرتكز على أساس الشيء الذي يتعين معه  إلغاؤه … " (1).

وتتويجا لعملية تحقيق الديون أمام السنديك، يعد هذا الأخير قائمة بالديون المحققة ملتزما في ذلك باحترام الأجل الذي حددته المادة 694 من م ت والمتمثل في مدة أقصاها ستة أشهر تبتدئ من صدور حكم فتح المسطرة.  وفيما يخص شكليات ومحتوى التصريح بالديون، فقد اعتبر بعض الفقه (2) أنه مادام أن المشرع المغربي لم يشر إلى شكل محدد لذلك فإنه يتعين – نظرا لطبيعته القضائية – أن يحترم شكليات المقال كما هي منصوص عليها في قانون المسطرة المدنية.

وفيما يخص مضمون التصريح، فقد قام المشرع المغربي بتفصيله من خلال المادة 688 من م ت وذلك على الشكل التالي :

" يضم التصريح مبلغ الدين المستحق بتاريخ صدور حكم فتح المسطرة مع تحديد قسط الدين المؤجل في حالة التسوية القضائية .

يحدد التصريح طبيعة الامتياز أو الضمان الذي قد يكون الدين مقرونا به.

 

 
 

 

 

 

(1) قرار رقم 2511/2001 صادر بتاريخ 30/11/2001، في الملف رقم 2090/2001/11 .

(2) عبد الرحيم السلماني : " التصريح بالديون في إطار مسطرة معالجة صعوبات المقاولة : الإجراءات والآثار "، منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات، العدد 3، شتنبر 2003، ص 12.

عندما يتعلق الأمر بديون بالعملة الأجنبية، يتم التحويل إلى العملة الوطنية حسب سعر الصرف بتاريخ صدور حكم فتح المسطرة.

ويشمل التصريح أيضا :

1) العناصر التي من شأنها أن تثبت وجود الدين ومبلغه إذا لم يكن ناجما عن سند، وإن تعذر ذلك، تقييما للدين إذا لم يحدد مبلغه بعد،

2) كيفية احتساب الفوائد في حالة استئناف سريانها مع تنفيذ مخطط الاستمرارية.

3) الإشارة إلى المحكمة التي رفعت إليها الدعوى إن كان الدين موضوع نزاع.

يرفق بالتصريح جدول وثائق الإثبات، ويمكن تقديم هذه الوثائق على شكل نسخ ويمكن للسنديك أن يطلب في أي وقت تقديم أصولها أو وثائق تكميلية ".

ختاما لهذه الفقرة،  نعتقد أن سلوك مسطرة تحقيق الديون ينعكس إيجابا على المقاولة المختلة متى طبقت بحرفيتها واحترمت آجالها، لأن من شأن تعيين الدين وحصره تبني الحل الملائم والذي يناسب حجم الخصوم، وبالمقابل لا يمكن للسنديك أن يقدم مخططا للتسوية إذا لم يتمكن من الحصول على تصريح نهائي بالديون وإلا فإنه سيكون مضطرا لتغيير مخطط التسوية باستمرار (1).

ونشير إلى أن مسألة قبول الدين أو عدمه هي مسألة تدخل ضمن سلطة السنديك التقديرية.

وانطلاقا مما سبق ذكره، تبرز مؤسسة السنديك كفاعل رئيسي في نظام صعوبات المقاولة وتبقى حنكته من أهم المؤشرات التي يمكن الاعتماد عليها لتقرير ما إذا كان باستطاعة المقاولة المعنية بمسطرة المعالجة الخروج من الضائقة والأزمة.

وعليه، فإننا نسير في اتجاه دعم وتكريس هذه المؤسسة من خلال رد الاعتبار إليها وذلك بخلق جهاز مستقل تتوفر فيه الإمكانات والمؤهلات، والأمر هنا لا يقتصر على المجال القانوني فحسب بل يطال مجالات أخرى لها علاقة بالخبرة المحاسبية كذلك، لذلك فإننا نذهب إلى نزع الاختصاص عن كتاب الضبط مادام هؤلاء يفتقدون لهذه المهارات سيما وأن التطبيقات العملية أبانت على أن كاتب الضبط يمكن أن يضطلع بمهامه الإدارية في المحكمة

 

 
 

 

 

 

(1) عبد الرحيم السلماني:"مسطرة تحقيق الديون …"، مرجع سابق، ص 11.

إلى جانب مهامه كسنديك لمقاولة أو عدة مقاولات، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى خلل في مهامه، وبالتالي يجعل من كاتب الضبط عوض أن يكون أداة فاعلة، سواء في المجال القضائي أو الاقتصادي آلية للأخطاء وسوء التقدير مادام أن التركيز سيكون مشتت، وهذا يتنافى والهدف من إقرار نظام صعوبات المقاولة (1)، ولذلك نعتقد بضرورة إيعاز هذا الاختصاص لجهاز مستقل تتوفر فيه الإمكانات والشروط، وسواء تعلق الأمر بشخص     ذاتي (2) أو معنوي (3) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

(1) يتمثل هذا الهدف بالأساس في ضمان استمرار نشاط المقاولة والحفاظ على استقرار مناصب الشغل وتسوية خصوم المقاولة.

(2) وهو الموقف الذي تبناه د/ محمد خيري أثناء مداخلة بمناسبة مناقشة أطروحة حول موضوع " الوديعة  النقدية المصرفية في القانون المغربي والمقارن " ناقشها عبد السلام المريني بتاريخ 2005/07/02 بقاعة الندوات بجامعة الحسن الثاني السنة الجامعية 2004 – 2005.

(3) ذهب د/ محمد جنكل إلى أنه لا مانع من أن يكون السنديك شخصا معنويا، لأن من شأن ذلك أن يوزع المهام بين مجموعة من الأطر وبالتالي تخفيف العبء وضبط دقائق الأمور "، مداخلة له بمناسبة الندوة المنعقدة بالرباط أيام، 9 و 10 أبريل 2005 بعنوان ثماني سنوات من تطبيق المقتضيات القانونية الجديدة المتعلقة بنظام المساطر الجماعية بالمغرب مداخلة بعنوان : " مساعدي القضاء " السنادكة، المحامون، الخبراء " ( غير منشورة ).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثاني :

حقوق الأجير بين فعالية القضاء

و الطرق البديلة لتسوية المنازعات

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يتمثل الهدف الأساسي للمشرع من خلال سنه لقوانين في المادة الإجتماعية ، في توفير الحماية القانونية والقضائية للطبقة العاملة، وقد أجمع الفقهاء على أن الأجير يبقى دائما الطرف الضعيف في العلاقة الشغلية، ولذلك وحتى لا يستأثر المشغل بسلطات تصل إلى حد الإعفاء ولو بدون مبرر مشروع، عمل المشرع على وضع ضمانات قانونية تمثلت في إصدار مدونة للشغل والتي تعد بحق آلية قانونية ودعامة كفيلة بتحقيق الهاجس الأمني للأجير، هذا الهدف يبقى رهينا  بتفعيل النصوص القانونية من طرف السلطة القضائية والتي تعتمد لمباشرة مهامها تقنيات تسمح لها بمعرفة وضعية المقاولة من جهة، ومن جهة أخرى تخول للطبقة العاملة حق الاستفادة من نظام مسطري يتماشى وخصوصية الفئة المتنازعة ( المبحث الأول ).

وإلى جانب الضمانات التي يوفرها القضاء الرسمي، عملت التشريعات في المجال الاجتماعي على وضع أسس قانونية جديدة وذات طبيعة سلمية  للحفاظ على استقرار العلاقة الشغلية ، وذلك بإقرار حلول بديلة يلجأ إليها قبل طرق باب القضاء.

إلا أنه ومع ذلك، وسواء تعلق الأمر بالضمانات القضائية أو حتى بسلوك الحلول السلمية كطريق لفض النزاعات الشغلية، فإن الضرورة العملية قد تستدعي للحفاظ على استقرار نشاط المقاولة اللجوء لمسطرة الإعفاء ( المبحث الثاني )، وهذا ما سنعمل على توضيحه فيما يلي׃

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول :

مظاهر حماية القضاء الرسمي لحقوق الأجير׃

يعتبر القضاء الجهاز الرسمي المختص بالبت في النزاعات عامة وتلك المتعلقة بعقود الشغل خاصة ٠

وحتى يحقق الغاية المرجوة منه فقد خوله المشرع عدة صلاحيات ( المطلب الأول )، ومادام أن طبيعة النزاع المعروض عليه يتسم بخصوصيته فإن المسطرة المتبعة أمامه تتسم بدورها بهذه الصفة ( المطلب الثاني )، وهذا ما سنعمل على توضيحه فيما يلي :

 

المطلب الأول :

صلاحيات المحكمة في دعم الحفاظ على عقود الشغل ׃

تكريسا للدور الذي تمارسه الجهة القضائية، عمل المشرع على تمتيعها بعدة صلاحيات، يصب جانب منها في اتجاه معرفة محيط المقاولة (الفقرة الأولى)، بينما تسير في جانب آخر في اتجاه دعم هامش تدخلها من خلال الرقابة التي تفرضها على إنهاء عقود الشغل (الفقرة الثانية).

 

 

 

الجزء الثاني 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى