بحوث قانونيةفي الواجهةمقالات قانونية

آثار الكفالة العينية في القانون المدني الأردني الدكتور: محمد عبد الغفور محمد العماوي – الاستاذ: عثمان محمد الزوايدة



آثار الكفالة العينية في القانون المدني الأردني

The effects of in-kind guarantee in the Jordanian civil law

?الاستاذ: عثمان محمد الزوايدة

محامي – الاردن

?الدكتور: محمد عبد الغفور محمد العماوي

أستاذ مساعد – جامعة الإسراء – كلية الحقوق – الاردن

الملخص

بين الباحثان في هذه الدراسة آثار الكفالة العينية في التشريع الأردني، وذلك لأن نصوص القانون المدني الأدرني قد خلت من تنظيم الكفالة العينية في نصوص خاصة. فالأثر المباشر للكفالة العينية يظهر في العلاقة بين الكفيل العيني والدائن، ولكن هناك آثار أخرى تنشأ وتظهر فيما بين الكفيل العيني والمدين خصوصاً عند تنفيذ عقد الكفالة.

وقد بيّن الباحثان من خلال هذه الدراسة الدفوع التي منحها القانون للكفيل العيني في مواجهة الدائن وفي مواجهة المدين، ثم بين الباحثان كيف ينتهي عقد الكفالة؟. وتوصل الباحثان إلى عدة نتائج وتوصيات أهمها أن يقوم المشرع الأردني بتنظيم عقد الكفالة العينية بموجب نصوص خاصة أسوة بالتشريعات المقارنة، ونظراً لأهميتها ورعاية الكفيل العيني والمحافظة على سير المعاملات وعدم تعطيل الإئتمان.

Abstract

The two researchers in this study showed the effects of the in-kind guarantee in the Jordanian legislation, because the texts of the Jordanian civil law were devoid of organizing the kind guarantee in special texts. The direct effect of the in-kind guarantee appears in the relationship between the guarantor in kind and the creditor, but there are other effects that arise and appear between the guarantor in kind and the debtor, especially when executing the surety contract.

Through this study, the researchers showed the defenses given by the law to the guarantor in kind in the face of the creditor and in the face of the debtor, then the researchers showed how the bail contract ends? The researchers reached several conclusions and recommendations, the most important of which is that the Jordanian legislator organizes the contract of in-kind guarantee under special texts, similar to the comparative legislation, and given its importance, taking care of the sponsor in kind, maintaining the flow of transactions and not disrupting credit.

المقدمة

الأثر المباشر للكفالة العينية يظهر في العلاقة ما بين الدائن والكفيل، فهما طرفا هذا العقد وإليهما تنصرف آثاره، ومع ذلك فهناك آثار أخرى تنشأ ليس عند عقد الكفالة ذاته بل عند تنفيذه، وهي واقعة الوفاء من الكفيل العيني للدائن، وتظهر هذه الآثار في العلاقة بين المدين والكفيل””.

وعند نشوء عقد الكفالة العينية فإن هناك آثاراً تترتب بين أطراف العقد، فما هي هذه الآثار؟.

أهمية البحث

يقع الضمان العام في الكفالة العينية على عقار أو منقول، فيكون للدائن ضمان أقوى من غيره، لأن قيمة الضمان تكون ثابته إلى حد ما، مما يؤدي إلى إستقرار المعاملات والإئتمان بين الأشخاص في التعامل، ولأن الكفالة العينية تقتصر على الشيء المقدم من الغير وهو عقار أو منقول ولا تنتقل هذه التأمينات إلى ذمة الكفيل العيني الشخصية بل تقتصر على قيمة الشيء المقدم من الكفيل العيني، لذلك فإن هذا التأمين يحقق للدائن ضماناً أكيداً، بخلاف الكفيل الشخصي الذي يكفل من خلال ضم ذمته المالية إلى ذمة المدين، فقد تتعرض هذه الذمة إلى الإعسار أو غيره، مما يؤدي إلى عدم إستقرار المعاملات بين الأشخاص وإلى عدم إرتياح الدائن إلى هذا الضمان.

مشكلة البحث

تظهر مشكلة الدراسة في أن المشرع الأردني لم ينظم نصوص خاصة تعالج الكفالة العينية، ولكن بسبب نظام الملكية الفردية والجماعية وإستقراره وبسبب تزايد قيمة الثروات المنقولة وغير المنقولة أصبح التوجه إلى التأمينات العينية هو الخيار الأمثل، وأصبح من السهل ورود هذه التأمينات على المنقول والعقار على حد سواء من خلال الحيازة والرهن، وبذلك أصبحت التأمينات العينية أكثر أهمية بالنسبة للدائن من التأمينات الشخصية لأنها تبعده عن خطر إعسار المدين والكفيل الشخصي، وتحصنه من قاعدة قسمة الغرماء، وتمكنه من تتبع المال المخصص له في أي يد يكون.

منهج البحث

إعتمدت هذه الدراسة على المناهج (الوصفي والتحليلي والمقارن)، وذلك من خلال الوقوف على النصوص العامة في القانون المدني الأردني، وكذلك على النصوص المتعلقة بالكفالة العينية في القانون المقارن ودراستها وتحليلها.

خطة البحث

قام الباحثان بتقسيم هذه الدراسة إلى عدة مباحث: المبحث الأول لبيان العلاقة فيما بين الكفيل العيني والدائن، وحلول أجل دين الكفيل العيني، وحق الدائن في مطالبة المدين أو الكفيل العيني أو مطالبتهما معاً، والتنفيذ على العين المخصصة، وكيفية إنقسام الدين في حال تعدد الكفلاء، وبراءة ذمة الكفيل العيني في مواجهة الدائن. وفي المبحث الثاني بين الباحثان علاقة المدين بالكفيل العيني من خلال الدعوى الشخصية ودعوى الحلول. وفي المبحث الثالث تناول الباحثان كيفية رجوع الكفيل العيني على المدينين في حال تعددهم، سواء المدينين المتضامنين أو المدينين غير المتضامنين. وفي المبحث الرابع تناول الباحثان الدفوع الممنوحة للكفيل العيني بموجب القانون ومنها الدفوع الخاصة بالإلتزام الأصلي، والدفوع المتلعقة ببطلان الإلتزام الأصلي، والدفوع المتعلقة بإنقضاء الإلتزام الأصلي. ومن ثم إنتهاء الكفالة العينية.

الدراسات السابقة

  1. دراسة بعنوان: عقد الكفالة المدنية والأثار المترتبة عليه (دراسة مقارنة) بين مجلة الأحكام العدلية والقانون المدني المصري، للباحثة سعاد توفيق أبو مشياخ، جامعة النجاح الوطنية، فلسطين – نابلس، كلية الدراسات العليا، 2006م. وقد تناولت هذه الدراسة تعريف الكفالة وبيان خصائصها وأطرافها وفق ما جاء به الفقه الإسلامي ومجلة الأحكام العدلية من جهة والقانون المصري المدني من جهة آخري، فتناولت في الفصل الأول أنواع الكفالة من حيث مصدر الإلتزام بها وهي كفالة إتفاقية التي إكتفت بها مجلة الاحكام العدلية. ثم تناولت الدراسة تقسيم الكفالة إلى كفالة مدنية وكفالة تجارية من حيث طبيعتها، وميزت هذه الدراسة الكفالة عن النظم القانونية المشابهة لها. ولم تقتصر هذه الدراسة على نوع معين من الكفالة.

    أما في دراستنا هذه فقد تناولت نوع معين من الكفالة وهو (الكفالة العينية) وقام الباحثان بتعريف الكفالة العينية، وآثار الكفالة العينية، وإنتهاء الكفالة العينية.

  2. دراسة بعنوان: الأثار المترتبة على الكفالة – دراسة مقارنة، للباحث محمد حمد عبد الحميد عبد الحميد، الجامعة الأردنية، كلية الدراسات العليا، 1997م، وقد تناولت هذه الدراسة الأثار المترتبة على الكفالة، وهذفت هذه الدراسة إلى اظهار هذه الأثار المترتبة على الكفالة. فتناولت هذه الدراسة أثر الكفالة على الكفيل والأصيل وعلاقة الكفيل بالدائن من حيث المطالبة وأساسها وما يؤثر فيها، وبيّنت خطابات الضمان وإلتزام الكفيل فيها. وأوضحت أيضاً علاقة الكفيل بالأصيل فبينت مدى العلاقة التي تربط الكفيل بالأصيل إذا ما رفعت دعوى على آخر، ورجوع الكفيل على الأصيل وشروط ذلك. كما بينت علاقة الكفلاء فيما بينهم إذا تعددوا لدين واحد ورجوع بعضهم على بعض، وبينت أيضاً الطرق التي تزول بها آثار الكفالة. لذلك فقد إقتصرت هذه الدراسة على الآثار التي تترتب عل الكفالة بشكل عام، بالإضافة إلى علاقة الكفلاء فيما بينهم. أما دراستنا هذا فتتميز عن هذه الدراسة بأنها تبين العلاقة فيما بين الكفيل والدائن وكذلك فيما بين الكفيل والمدين، والدفوع التي تكون للكفيل في مواجهة كل منهما.

    المبحث الأول: العلاقة ما بين الكفيل العيني والدائن

    لم يأخذ المشرع الأردني برأي جانب من الفقه الإسلامي الذين يرون أن الكفالة تؤدي إلى إنتقال الدين من ذمة المدين المكفول عنه إلى ذمة الكفيل، فهذا يترتب عليه براءة ذمة المدين الأصلي، فلا يكون للدائن أن يطالبه بالدين وإنما يطالب به الكفيل الذي يصبح المدين الوحيد عندئذ. كما لم يأخذ برأي الجمهور الذي يرون أن أثر الكفالة الرئيس هو شغل ذمة الكفيل بالدين الشاغل لذمة المدين المكفول عنه مع بقائه شاغلاً لذمة الأخير، فيكون كلاً منهما مطالباً بالدين. وإنما أخذ المشرع الأردني برأي فريق من الحنفية الذين يرون أن أثر الكفالة يتمثل في ثبوت حق مطالبة الكفيل بالدين المكفول به في حدود العين المخصصة للوفاء بالدين””.

    وعليه سيتم دراسة هذا المبحث في خمسة مطالب كالتالي:

    المطلب الأول: حلول أجل دين الكفيل العيني

    لا يجوز للدائن أن يطالب الكفيل العيني بدينة الناشىء عن عقد الكفالة العينية إلا بعد حلول ميعاد هذا الدين، وإذا لم يكن هناك إتفاق على تحديد ميعاد تحديد دين الكفيل العيني فإن هذا الميعاد يحل بإستحقاق دين المدين، أو إذا أتفقا على ميعاد خاص لدين الكفيل العيني فلا تجوز مطالبته إلا بعد حلول هذا الميعاد حتى لو كان دين المدين قد حل ميعادة من قبل. وفي ذلك تنص المادة (966/1) من القانون المدني الأردني على أنه: (على الكفيل أن يفي بإلتزامه عند حلول الأجل).

    ولا يجوز أن يكون ميعاد دين الكفيل العيني أقرب من ميعاد دين المدين، وفقاً لقاعدة أن إلتزام الكفيل العيني لا يجوز أن يكون أشد من إلتزام المدين، وإن جاز أن يكون أهون منه.

    وكل تغير في ميعاد دين المدين يستفيد منه الكفيل العيني، ولكن لا يضار منه، فإذا حصل المدين على مهلة للوفاء بأمر من المحكمة أو بأذن الدائن، فإن الكفيل العيني يستفيد من هذه المهلة ولا تجوز مطالبته قبل حلول الإجل الجديد، والكفيل العيني لا يضار من هذا التأخير فإن أرد أن يوفي للدائن بدينه في الميعاد القديم فيجب على الدائن أن يقبل منه هذا الوفاء، وذلك لتفادي الضرر الذي قد يلحق بالكفيل جراء التأخير. وفي حالة الدين إذا كان مؤجلاً فقد أجمع الفقهاء على أنه إذا كان الدين حالاً تصح كفالته مؤجلاً، ويكون حالاً على الأصيل ومؤجلاً على الكفيل، فللدائن مطالبة الدين في الحال، ولكن ليس له مطالبة الكفيل قبل الأجل المحدد””.

    وهناك رآي فقهي آخر ذهب إلى أن كفالة الدين الحال مؤجلاً تكون صحيحه، وعند ذلك يتأجل على الكفيل والأصيل جميعاً إلى الأجل المحدد””. وهذا ما نصت عليه المادة (970) من القانون المدني الأردني: (إذا كفل أحدهم بالدين المعجل كفالة مؤجلة تأجل على الكفيل والأصيل معاً إلأ إذا أضاف الكفيل الأجل إلى نفسه أو إشترط الدائن الأجل للكفيل فإن الدين لا يتأجل على الأصيل).

    أما في حالة تأجيل الدين المكفول حالاً فإن الكفيل العيني يستفيد من هذه المهلة ولا تجوز مطالبته قبل حلول الأجل الجديد، وهذا ما نصت عليه المادة (969) من القانون المدني الأردني: (إذا وقعت الكفالة مطلقة فإن إلتزام الكفيل يتبع إلتزام الأصيل معجلاً كان أو مؤجلاً).

    وبالتالي إذا كان الأجل واحداً بالنسبة للمدين والكفيل إمتد أجل الإلتزام الأصلي بإرادة الدائن أو بحكم القاضي، فيترتب على تبعية إلتزام الكفيل أن يستفيد من ذلك فلا يجوز للدائن إجباره على الوفاء قبل حلول الأجل الجديد، ولكن للكفيل أن يتمسك بالأجل الأصلي فيلتزم الدائن بقبول الوفاء ولو لم يحل الأجل الجديد إذا كانت له مصلحة في ذلك، فقد يرى أنه من الأفضل أن يفي قبل حلول الأجل الجديد حتى يستطيع الرجوع على المدين قبل أن يعسر أو يزيد إعساره””.

    أما في حالة سقوط أجل الدين المكفول به فقد إختلف الفقه في حكم سقوط أجل الإلتزام الأصلي، حيث ذهب رأي إلى أن سقوط أجل إلتزام المدين يرتب عليه أيضاً سقوط أجل إلتزام الكفيل، لأن هذا هو مقتضى فكرة التبعية، وكذلك فإن الغرض من الكفالة هو ضمان حق الدائن ضد مخاطر إعسار المدين أو إفلاسة وقد تحقق ذلك بالفعل””. وتنص المادة (973) من القانون المدني الأردني على أنه: (إذا مات الكفيل أو المدين قبل حلول الدين المؤجل أستحق الدين في تركة من مات)، وهنا يسقط الأجل في حالة الموت وترتب الدين في تركة المتوفى دون الحق في مطالبة الكفيل في حالة وفاة المدين إلا عند حلول الأجل.

    وهناك أسباب آخرى لسقوط الأجل، وهي ما جاء في نص المادة (404) من القانون المدني الأردني، التي جاء فيها: (يسقط حق المدين في الأجل: 1. إذا حكم بإفلاسه أو إعساره. 2. إذا لم يقدم تأمينات الدين المتفق عليها. 3. إذا إنقضت توثيقات الدين بفعله أو بسبب لا يد له فيه مالم يبادر إلى تكملتها).

    والرأي الراجح يرى أن سقوط أجل دين المدين لا يحرم الكفيل من الأجل، لأن مقتضى فكرة التبعية لا يعني أن إلتزام الكفيل أشد من إلتزام المدين، ولكن ليس هناك ما يمنع أن يكون أخف منه، ولأن سحب الثقة من المدين بسبب إعساره، لا يبرر سحب الثقة في نفس الوقت من الكفيل””.

    المطلب الثاني: حق الدائن في مطالبة المدين أو الكفيل العيني أو مطالبتهما معا

    أجازت الشريعة الإسلامية للدائن مطالبة الكفيل أو المدين أو مطالبتهما معاً، وهذا ما جاء في المادة (644) من مجلة الأحكام العدلية إذ نصع على أنه: (الطالب مخير في المطالبة إن شاء طالب الأصيل بالدين وإن شاء طالب الكفيل ومطالبته أحدهما لا تسقط حق مطالبة الآخر ويطالبهما معاً). وقد أخذ المشرع الأردني بهذا الرأي إذ تنص المادة (967/1) من القانون المدني الأردني على أنه: (للدائن مطالبة الأصيل أو الكفيل أو مطالبتهما معاً).

    وبالتالي فإنه يجوز للدائن مطالبة المدين أو الكفيل العيني بكل الدين أو بجزء منه بشرط أن لا يستوفي الدين إلا مرة واحدة””.

    المطلب الثالث: التنفيذ على العين المخصصة للكفيل العيني

    الدائن مخير في مطالبة أي من الدائن أو الكفيل، فيجوز له أن يطالب الكفيل العيني قبل المدين ويحوز له مطالبة المدين قبل الكفيل العيني، وهنا مركز الكفيل العيني في حكم المتضامن مع المدين، لكن هناك إستثناء أورده المشرع الأردني في المادة (971) والتي تنص على أنه: (إذا كان الدين موثقاً بتأمين عيني قبل الكفالة ولم يكن الكفيل متضامناً فلا يجوز التنفيذ على أموال الكفيل قبل التنفيذ على الأموال الموثقة للدين). بمعنى أنه لا يجوز التنفيذ على أموال الكفيل قبل التنفيذ على التأمين العيني، وهذا يتطلب شرطين هما: الأول: أن يكون الدين موثقاً بتأمين عيني. والثاني: أن لا يكون الكفيل العيني متضامناً.

    وبهذا الخصوص جاء في أحد قرارات محكمة التمييز الأردنية ما يلي: (يلزم الكفيل بالتضامن والتكافل مع المدين بمقدار كفالته ولا يلزم بما يزيد على ذلك، وعليه فلا يلزم الكفلاء مع المدين إلا في حدود المبالغ المذكورة في العقد الجاري مدين وعقد كفالة الكمبيالات المتعلقة بالشروط العامة للكمبيالات وخصم الأوراق التجارية الموقعة من المدين والكفلاء، بالإضافة إلى الفائدة القانونية والعمولة)””.

    وجاء في قرار آخر لمحكمة التمييز الأردنية ما يلي: (… إذا أقرت المدعية بأنها قامت بإلغاء سند تأمين الدين فإنها تكون بذلك قد أبرأت ذمة الكفيل العيني من الدين لأن الرهن التأميني ينقضي إذا تنازل الدائن المرتهن عنه تنازلاً موثوقاً مع بقاء الدين طبقاً لأحكام المادة 1368 من القانون المدني)””.

    ويلتزم الكفلاء المتعددون لدين واحد بالتضامن والتكافل فيما بينهم من جهة وفيما بينهم وبين المدين من جهة أخرى عملاً بالمادة (974) من القانون المدني الأردني.

    المطلب الرابع: إنقسام الدين في حالة تعدد الكفلاء

    إذا كفل الدين كفيل واحد، كان للدائن أن يرجع عليه بمقدار العين المكفول بها””. أما في حالة تعدد الكفلاء سواء أكان تعددهم بعقود مختلفه أم بعقد واحد فالمشرع الأردني ميز بينهما؛ فقد نصت المادة (974) من القانون المدني الأردني على أنه: (إذا تعدد الكفلاء لدين واحد جازت مطالبة كل منهم بكل الدين إلا إذا كفلوا جميعاً بعقد واحد ولم يشترط فيه تضامنهم فلا يطالب أحد منهم إلا بقدر حصته)، فالمشرع هنا نص على الكفالة الشخصية بقوله يرجع بكل الدين، أما في الكفالة العينية فيرجع عليه بمقدار العين المكفول بها فقط.

    ويرى الباحثان أن المشرع الأردني فرق بين تعدد الكفلاء في عقود مختلفة إذ أعطى في هذه الحالة للدائن أن يطالب المدين أو أي من الكفلاء بالقدر المخصص للوفاء بالدين، وأما في حالة تعددهم بعقد واحد جاز لهم التمسك بحق التقسيم ولا يحق للدائن مطالبتهم بكل الدين وإنما بمقدار حصة الكفيل فقط.

    المطلب الخامس: براءة ذمة الكفيل العيني في مواجهة الدائن

    تبرأ ذمة الكفيل العيني بصفة أصلية إذا كان عقد الكفالة ذاته باطلاً بطلاناً مطلقاً، أو كان موقوفاً وطلب الكفيل العيني إبطاله. وتبرأ ذمة الكفيل العيني كذلك بصفة أصلية إذا إنقضى إلتزامه بسبب من أسباب إنقضاء الإلتزام المقررة في القواعد العامة وفي مقدمتها الوفاء، ولكن الذي يهمنا هنا بصفة خاصة هو براءة ذمة الكفيل العيني لأسباب راجعة إلى فكرة التبعية التي تربط بين التزامه والتزام المدين، والقاعدة المقررة في هذا الموضوع هي إن ذمة الكفيل العيني تبرأ بصفة تبعية بمجرد براءة ذمة المدين، لأن إلتزام الكفيل العيني تابع لإلتزام المدين في وجوده وإنقضائه.

    وتبرأ ذمة الكفيل العيني أيضاً بصفه تبعية إذ إن إلتزامه تابع لإلتزام المدين الأصلي وقد نص المشرع الأردني على أسباب إنقضاء وبراءة ذمة الكفيل العيني في نصوصه حيث تنص المادة (987) من القانون المدني الأردني على أنه: (تتنتهي الكفالة بأداء الدين أو تسليم المكفول به وبإبراء الدائن للمدين أو كفيله من الدين)، فذمة المدين تبرأ وذمة الكفيل العيني تبراً بصفة تبعية إذا قام المدين بالوفاء بصورة صحيحة، وتبرأ أيضاً ذمة الكفيل العيني في حالة الوفاء الإعتياضي، حيث نصت المادة (977) من القانون المدني الأردني على أنه: (إذ إستوفى الدائن في مقابل دينه شيئاً آخر برئت ذمة الأصيل والكفيل إلا إذا أستحق ذلك الشيء)، فهنا يُعد بحكم الوفاء. وبهذا الخصوص جاء في قرار محكمة التمييز الأردنية ما يلي: (… تعتبر المدعية عاجزة عن إثبات دعواها بعد إقرارها بأن الكمبيالة التي أبرزتها إنما كانت تأميناً. توجه اليمين الحاسمة إلى المدين وليس للكفيل لأن إلتزام الكفيل في الكفالة المطلقة يتبع إلتزام الأصيل عملاً بالمادة 969 مدني. ولأن إنقضاء الدين بوفاء المدين له أو ببراءة ذمته منه يترتب عليه براءة ذمة الكفيل وإنتهاء الكفالة عملاً بالمادة 987 مدني)””.

    وتعتبر المقاصة من أسباب أنقضاء الكفالة؛ فإذا أصبح المدين دائناً لدائنه إنقضى كل من الدينين بمقدار الأقل منهما، حيث تنص المادة (350) من القانون المدني الأدرني على انه: (تتم المقاصة بناءً على طلب صاحب المصلحة فيها وتقع بقدر الأقل من الدينين)، فإذا تمسك بالمقاصة صاحب المصلحة وصاحب المصلحة ليس المدين فقط بل الكفيل العيني أيضاً، فيستطيع أن يتمسك بالمقاصة لأن براءة ذمة المدين تؤدي إلى براءة ذمته هو، فإن إنقضى جزء من دين المدين بالمقاصة بقي الجزء الآخر، وبقيت ذمة الكفيل العيني مشغولة بالمطالبة بالجزء الذي لم ينقص. وكل ذلك بحيث لا يزيد الدين عن قيمة العين المكفولة.

    وتنقضي الكفالة أيضاً في حالة إتحاد الذمتين، فمثلاً في حالة ورث المدين الدائن فيجتمع فيه صفتا الدائن والمدين وينقضي إلتزام المدين إذا كان هو الوارث الوحيد وبذلك تبراً ذمة الكفيل العيني تبعاً له، وأما إذا كان هناك ورثة آخرون فتبرأ ذمة الكفيل العيني في حدود ما برئت منه ذمة المدين، وهذا ما جاء في نص المادة (989) من القانون المدني الأردني وتنص على أنه: (إذا صالح الكفيل أو المدين الدائن على قدر من الدين برئت ذمتهما من الباقي، فإذا إشترطت براءة الكفيل وحده فالدائن بالخيار، فإذا شاء أخذ القدر المصالح عليه من الكفيل والباقي من الأصيل وإن شاء ترك الكفيل وطالب الأصيل بكل الدين).

    وفي حالة إستحالة تنفيذ إلتزام المدين لسبب لا يد له فيه فإنه ينقضي، وينقضي إلتزام الكفيل العيني بصفة تبعية، وهذا ما جاء في نص المادة (373) من القانون المدني المصري””، ولكن إذا كان المدين مسؤولاً عن إستحالة تنفيذ إلتزامه، فإنه يلتزم بالتعويض ويبقى الكفيل ضامناً للإلتزام بالتعويض، والإلتزام بالتعويض ليس إلتزاما جديداً، ولكنه طريقة مختلفة لتنفيذ نفس الإلتزام، وهي طريقة يكشف عنها عنصر المسؤلية في نفس الإلتزام””.

    وأيضا هناك أسباب خاصة ببراءة ذمة الكفيل العيني، ومنها عدم تقدم الدائن في تفليسة المدين فإذا أفلس المدين فلا يحق للكفيل أن يدخل في تفليسته إلا إذا كان قد وفى بالدين للدائن، أما قبل ذلك فحق الدخول في تفليسة المدين يبقى للدائن وحده. ولذلك فرض القانون على الدائن أن يدخل في تفليسة المدين ليس حفاظاً على حقه فقط، بل حفاظاً أيضاً على حق الكفيل، ومنعاً للضرر الذي يمكن أن يسبب عدم قدرته على الدخول في هذه التفليسة””، وهذا ما جاء في المادة (978) من القانون المدني الأردني والتي تنص على أنه: (على الدائن إذا أفلس مدينه أن يتقدم في التفليسة بدينه وإلا سقط حقه في الرجوع على الكفيل بقدر ماترتب على تراخيه من ضرر). وكذلك بينت المادة (786) من القانون المدني المصري أنه في حالة إفلاس المدين يجب على الدائن أن يتقدم في التفليسه بالدين””.

    المبحث الثاني: علاقة المدين بالكفيل العيني

    إذا كانت نية الكفيل هي نية التبرع فإنه لا يرجع على المدين سواء كانت الكفالة بإذنه أو بغير إذنه””. ولا يهم بعد ذلك أن تكون الكفالة بأمر من المدين أو أنها عقدت دون أمر أو طلب منه إلا أنه وافق عليها ضمناً أو صراحةً، والسبب في ذلك أن توثيق الدين أيا كان سببه كفالة أو حوالة أو تضامناً بين المدينين، لا يمكن أن يحصل دون رضا المدين بالكفالة، عندما تكون هذه الكفالة معقودة لمصلحة الدائن دون أن يكون للمدين مصلحة فيها، كحصوله على إئتمان للدائن، أو على مد أجل إلتزام قائم من قبل بينهما””.

    وحتى يستطيع الكفيل العيني الرجوع على المدين يجب أن يكون أوفى الدين المتفق عليه في الأجل المحدد له، وهذا مانصت عليه المادة (968) من القانون المدني الأردني: (يجوز أن تكون الكفالة مقيدة بأداء الدين من مال المدين المودع تحت يد الكفيل وذلك بشرط موافقة المدين)، وتنص المادة (979) من القانون المدني الأردني على أنه (1. ليس للكفيل أن يرجع على الأصيل بشيء مما يؤديه عنه إلا إذا كانت الكفالة بطلبه أو موافقته وقام الكفيل بأدائها. 2. وليس له أن يرجع بما عجل أداءه من الدين المؤجل إلا بعد حلول الأجل.

    وعليه فإنه يكون للكفيل العيني وسيلتان للرجوع على المدين، هما: الدعوى الشخصية أو دعوى الحلول. وهذا ما سيتم بحثه في الملبين التاليين:

    المطلب الأول: الدعوى الشخصية

    بينت المادة (800) من القانون المدني المصري أنه يكون للكفيل العيني الذي وفّى الدين أن يعود على المدين بالقدر الذي أوفى به””. وهناك عدة إتجاهات لتحديد الصيغة القانونية للدعوى الشخصية:

    الإتجاه الأول: وهو من الفقه الفرنسي؛ حيث جرى هذا الإتجاه على أساس أن الدعوى الشخصية هي دعوى الوكالة أو دعوى الفضالة، فإذا عقدت الكفالة برضا المدين وبعلمه ودون معارضته فيكون للكفيل الرجوع عليه (على المدين) بدعوى الوكالة، إلا إذا عقدت دون علم المدين ومعارضته عليها، فإنه يكون للكفيل الرجوع على المدين بدعوى الفضالة””.

    الإتجاه الثاني: وهو من الفقه المصري؛ حيث أن رجوع الكفيل على المدين لا يؤسس على دعوى الوكالة، ولكنه يؤسس على دعوى مستقلة هي دعوى الكفالة المنصوص عليها في القانون، فإنه لا يمكن عدّ الكفيل وكيلاً عن المدين والإ جاز للكفيل أن يتنازل عن الكفالة في أي وقت يشاء، وليس عليه إلا أن يخطر الدائن ذلك وهذا ما نصت عليه المادة (716) من القانون المدني المصري. ومن ناحية آخرى لا يمكن عدّ الكفيل فضولياً لأن من أهم شروط الفضالة توافر صفة في العمل الذي يقوم به الفضولي، ولا يعدّ قيام الكفيل بالوفاء أمراً، وكذلك فإن الفضولي شخص يقوم بعمل غير ملزم أصلاً به، بينما الكفيل ملزم بالوفاء للدائن بمقتضى عقد الكفالة””. وإن هذه الدعوى الشخصية تسمح للكفيل بالرجوع على المدين بما أداه، فإن كان الكفيل أدى جزءاً من الدين، فإنه يرجع به على المدين دون توقف عن دفع الدين، وقد يحصل أن يرجع الكفيل على المدين بالجزء الذي أداه في نفس الوقت الذي يرجع فيه الدائن على المدين بالباقي، فيشترك الإثنان عندئذ في أموال المدين دون أن يتقدم أحدهما على الآخر، فإن لم تكن أموال المدين كافية لسداد دينهما فتقسم بينهما قسمة غرماء.

    إلا أن بعض الفقهاء ذهبوا إلى تقييد هذا الحكم في حالة الكفالة الجزئية، وحتى يحق للكفيل الذي يوفي بالجزء الذي ضمنه من الدين أن يزاحم الدائن في رجوعه به، أما إذا كانت الكفالة مطلقه فلا يحق للكفيل الذي ضمن كل الدين ولم يوف إلا جزء منه فقط أن يزاحم الدائن في إستيفاء الجزء الباقي، لأن الضمان والتعرض لا يجتمعان ومن يجب عليه الضمان لا يجوز له أن يطلب بالإستحقاق، سواء في الحقوق العينية أو الحقوق الشخصية””.

    المطلب الثاني: دعوى الحلول

    تنص المادة (1004/2) من قانون المدني الأردني على أنه: (ومع ذلك لا يبقى الكفيل عينياً كان أو شخصياً ملتزماً قبل الدائن إلا إذا رضي بالحوالة). فالكفيل الذي وفى الدين يكون له أن يرجع على المدين بمقتضى حلوله محل الدائن طبقاً للقواعد العامة في الوفاء مع الحلول، وهذا ما نصت عليه المادة (326) من القانون المدني المصري””. وبينت المادة (799) من القانون المدني المصري أنه في حالة أوفى الكفيل العيني الدين المخصص للوفاء جاز له أن يحل محل الدائن في المطالبة بحقه) “”.

    ولا يشترط لإستفادة الكفيل من الدعوى أن يقوم الكفيل بوفاء الدين عن المدين فعلاً سواء كان جزءاً من الدين أو كاملاً، وبأية طريقة كانت نقداً أم بمقابل، ولكن المشرع المصري قضى بأنه لا يحق للكفيل الرجوع على المدين بدعوى الحلول إلا بعد أن يكون الدائن قد إستوفى حقه كاملاً. والحكمة من ذلك هي أنه إذا سمحنا للكفيل بالرجوع على المدين بدعوى الحلول قبل أن يستوفي الدائن حقه كاملاً فإن المدين قد يتضرر من هذ الرجوع.

    أما موقف المشرع الأردني فلم ينص على القاعدة مع الحلول ولا على تطبيقها في عقد الكفالة، إلا أن هذا لا يعني عدم قدرة الكفيل في الرجوع على المدين عن طريق حلوله محل الدائن الموفى له، وأن الفقه الإسلامي، وعلى وجه الخصوص فقهاء الحنفية منه، يرى أن الكفيل في حال أمره منه بالضمان وقيامه بالوفاء بناء على هذا الضمان يتملك الدين بذلك الوفاء ويحل محل الدائن فيه””.

    ويرى الباحثان أن المشرع الأردني لم يشترط الأمر لرجوع الكفيل، أو أنه على الأقل فسره بأن تكون الكفالة بطلب المدين أو موافقته، حتى يستطيع الكفيل الرجوع على المدين، إلا أنه وبحسب القواعد العامة في المادة (309) من القانون المدني يجوز له الرجوع على المدين حيث تنص هذه المادة على أنه: (من أوفى دين غيره بأمره كان له الرجوع على الآمر بما أداه عنه وقام مقام الدائن الأصلي في مطالبته به سواءً إشترط الرجوع عليه أم لم يشترط).

    المبحث الثالث: رجوع الكفيل العيني على المدينين في حالة تعددهم

    إن علاقة الكفيل العيني بالمدينين لها وجهان، الوجه الأول يتمثل في حالة تعدد المدينين غير المتضامنين، والوجه الثاني يتمثل في حالة تعدد المدينين المتضامنين. وهناك أحكام خاصة في كلا الحالتين سيتم بيانها في المطلبين التاليين:

    المطلب الأول: تعدد المدينين غير المتضامنين

    إذا تعدد المدينون في الدين الواحد وكانوا غير متضامنين، فإما أن يكون الكفيل العيني قد كفلهم كلهم جميعاً وإما أن يكون كفل بعضهم. فإذا كان الكفيل العيني قد كفلهم جميعاً كان له الحق أن يرجع على كل منهم بقدر حصته بالدين، فطالما كانوا غير متضامنين فيعتبر الكفيل العيني قد كفل عدة ديون موزعة على عدة أشخاص، فيعود على كل منهم بالدعوى الشخصية أو بدعو الحلول كما تم ذكرها سابقاً“”.

    المطلب الثاني: حالة تعدد المدينين المتضامنين

    إذا كان المدينون متضامنين وضمنهم الكفيل جميعاً فكيف يستطيع أن يرجع على كل منهم؟. أجابت على ذلك المادة (986) من القانون المدني الأردني والتي تنص على أنه: (إذا كان المدينون متضامنين فالذي كفلهم يطلبهم جميعاً أن يرجع على أي منهم بكل ما وفاه من الدين). وبما أن الكفيل لا يستطيع أن يرجع على المدين المنفرد ألا إذا كانت الكفالة بطلب الأخير أو موافقته، فقد إشترط القانون أيضاً أن يطلب جميع المدينين المتضامنين من الكفيل كفالتهم حتى يستطيع الكفيل أن يرجع عليهم، وهو يرجع عليهم بقدر العين المخصصة للوفاء، لأن كل مدين ملزم في مواجهة الدائن في سداد الدين كله، فيكون المدين عندئذ ملزماً في مواجهة الكفيل بكل ما أداه الكفيل العيني بالعين المحددة لسداد الدائن. وللكفيل العيني الحق بالرجوع بدعوى الحلول فيعطي للكفيل أيضاً الحق في المطالبة بكل الدين الذي وفاه، لأن للكفيل في هذه الحالة ما للدائن من حق، وحق الدائن يعطيه إمكانية الرجوع على كل مدين بكل الدين بموجب قواعد التضامن في القانون المدني الأردني (المادة 426 وما بعدها) “”.

    هنا يستطيع الكفيل أن يرجع على المدين المتضامن غير المكفول عنه بموجب الدعوى غير المباشرة التي يمارسها نيابة عن المدين المتضامن المكفول عنه، فالكفيل إذا أدى الدين للدائن أصبح هو دائناً لكل مدين متضامن مكفول عنه، وهذا المدين يصبح دائناً للمدينين الآخرين المتضامنين معه وإن لم تشملهم الكفالة، ونظراً لأن حقوق أي مدين متضامن قبل غيره من المدينين لا تتخطى نصيب المدين الذي يرجع عليه يضاف إليه نصيبه في حصة المعسر منهم، فلا يجوز للكفيل الذي يرجع بأسم المدين الذي كفله أن يتخطى حدود هذا القدر””.

    ويذهب الرأي الراجح في الفقه إلى أن للكفيل أن يرجع على المدين المتضامن غير المشمول بالكفالة بدعوى الحلول، ذلك أن قواعد الحلول تقتضي إن الكفيل العيني الذي وفى بالجزء المحدد للدائن يحل محل هذا الأخير فيه بما يضمن هذا الحق من ضمانات، ولما كان التضامن بين المدينين هو أحد الضمانات لذلك، كما يجوز للدائن أن يرجع على أي مدين متضامن بكل الدين، فإنه يجوز للكفيل الذي حل محل الدائن أن يرجع على أي مدين متضامن بكل الدين، وإن لم يكن قد كفل هذا الدين””.

    المبحث الرابع: الدفوع الممنوحة للكفيل العيني بموجب القانون

    أتاح المشرع الأردني عدة دفوع يستطيع الكفيل العيني بمقتضاها أن يعود على المدين في حال قام بالإلتزام الذي لم يف به المدين، وهذه الدفوع قد تتعلق بالدين أو بإلتزام الكفيل وإما بضرورة التنفيذ على أموال المدين أولاً، وترمي هذه الدفوع في جملتها إما إلى براءة ذمة الكفيل، أو إلى تحصينه عند التنفيذ على أمواله””. فما هي الدفوع الممنوحة للكفيل العيني؟ هذا ما سيتم الإجابة عليه في المطالب التالية:

    المطلب الأول: الدفوع الخاصة بالإلتزام الأصلي

    يُعرف بأن إلتزام الكفيل هو إلتزام تابع لإلتزام المدين المكفول، فالأول يتبع الثاني في وجوده وصحته وإنقضائه. وإنطلاقاً من هذا يكون للكفيل أن يتمسك في مواجهة الدائن بالدفوع التي للمدين التي يحتج بها عليه””. وهذا ما بينته المادة (782) من القانون المدني المصري بأنه يحق للكفيل العيني أن يحل محل الدائن إذا قام الكفيل في سداد الدين””. لذلك فإن هناك دفوع متعلقة ببطلان الإلتزام وأخرى متعلقة بإنقضاءه.

    الفرع الأول: الدفوع المتعلقة ببطلان الإلتزام الأصلي

    إن إلتزام الكفيل العيني هو إلتزام تابع لإلتزام المدين، وإن كانت الكفالة تجوز بغير علم المدين ورغم معارضته إلا أنه يبقى إلتزام الكفيل العيني تابعاً لإلتزام المدين وفق الأصل ولا يقوم إلا بقيامه، وبالتالي يحق للكفيل العيني أن يدفع بجميع الدفوع التي يستطيع المدين أن يدفع بها بمواجهة الدائن كالدفع ببطلان الإلتزام الأصلي.

    للكفيل أن يدفع دعوى الدائن بأوجه الدفع المتعلقة بالدين والتي تستند إلى عدم مشروعية التصرف القانوني، أي مخالفة التصرف لقاعدة آمرة من قواعد القانون، سواء أكانت هذه القاعدة متعلقه بموضوع التصرف أو بشكله، وعليه فللكفيل أن يدفع بتخلف الشكل في التصرف الذي ولده أو أنعدام الرضا به أو عدم توافر شروط المحل، كمخالفة محله للنظام العام، أو شروط السبب كمخالفة سببه للآداب العامة””.

    فإذا كان إلتزام المدين باطلاً بطلاناً مطلقاً لعيب يشوب الإرادة أو لعيب في الشكل أو لإنعدام الأهلية أو لأي سبب آخر من أسباب البطلان، فإن القانون أعطى للكفيل الحق بالدفع بالبطلان إذ إن إلتزامه تابع لإلتزام المدين. وبما أن إلتزام المدين باطل فإن إلتزام الكفيل العيني باطل بطلاناً مطلقاً تبعاً لذلك.

    ونص المشرع الأردني على عدم إجازة ناقص الأهلية للعقد، فنصت المادة (135/1) من القانون المدني الأردني على أنه: (يجوز لناقص الأهلية أن يطلب إبطال العقد).

    والمشرع المصري أورد نصاً بكفالة ناقص الأهلية، حيث نصت المادة (782/2) من القانةون المدني المصري على أنه: (إذا كان الوجه الذي يحتج به المدين هو نقص أهليته وكان الكفيل عالما بذلك وقت التعاقد، فليس له أن يحتج بهذا الوجه)””.

    ويستفاد من هذا النص أنها حالة إستثنائية على القاعدة الأصل التي هي أن من حق الكفيل العيني الدفع بجميع الدفوع التي للمدين، وإستثنى من هذه الدفوع حالة علم الكفيل العيني بنقص الأهلية وقت التعاقد للمدين فليس له بهذه الحالة الدفع بالبطلان.

    الفرع الثاني: الدفوع المتعلقة بإنقضاء الإلتزام الأصلي

    إن محل إلتزام الكفيل العيني هو ضمان الوفاء بالإلتزام الأصلي وإن تبعية الكفالة العينية ترتب إنقضاء إلتزامه إذا إنقضى إلتزام المدين، وينقضي إلتزام المدين أو الكفيل العيني بالطرق العامة للإنقضاء وهي كالتالي:

    اولاً: الوفاء

    يعد الوفاء من الطرق العامة لإنقضاء الحق، فإذا قام المدين بالوفاء بإلتزامه فإن ذمة الكفيل العيني تبرأ أيضاً بالتبعية، لأنه إذا إنقضى الإلتزام الأصلي إنقضى معه الإلتزام التبعي. وفي هذا يرى أحد شراح القانون أنه: “ينقضي إلتزام الكفيل بصفة تبعية لإنقضاء إلتزام المدين، فإلتزام الكفيل لا يقوم بمفرده بل لا بد أن يرتكز على إلتزام أصلي يعمل على ضمان الوفاء به، وهو تابع لهذا الإلتزام في وجوده وفي صحته وفي إنقضائه، فإذا إنقضى إلتزام المدين وقت مطالبة الدائن للكفيل به، فإن للكفيل أن يتمسك بإنقضاء إلتزامه”””.

    ونصت المادة (987) من القانون المدني الأردني على أنه: (تنتهي الكفالة بأداء الدين أو تسليم المكفول به وبإبراء الدائن للمدين أو كفيله من الدين).

    وإذا كان الوفاء كلياً إنقضى الإلتزام الأصلي، وتبعاً لذلك ينقضي إلتزام الكفيل، أما إذا كان جزيئاً إنقضى إلتزام كل من المدين والكفيل بمقدار ما حصل الوفاء به، وبمجرد حجز الدائن على أموال المدين وبيعها ويكون الثمن كافياً للوفاء ينقضي الإلتزام الأصلي وبذلك ينقضي إلتزام الكفيل العيني.

    وقد أخذ المشرع الأردني بالوفاء وأجازه، وهذا ما أكدت عليه المادة (317/1) من القانون المدني الأردني، والتي تنص على أنه: (يصح الوفاء من المدين أو من نائبه أو من أي شخص آخر له مصلحة في الوفاء).

    ثانياً: الوفاء بمقابل

    إن الوفاء بمقابل هو إتفاق بين الدائن والمدين أو مع الكفيل العيني على قبول شيء آخر بدل الدين إستعاض به عن الشيء المستحق، وأن الوفاء بمقابل يبرىء ذمة المدين من الدين الأصلي، وتبرأ ذمة الكفيل العيني تبعاً لذلك بطريقة التبعية.

    وبينت المادة (783) من القانون المدني المصري أنه إذا قبل الدائن أن يستوفي شيئاً آخر غير العين الذي خصصها الكفيل العيني للوفاء تبرأ ذمة الكفيل العيني””. فإذا قبل الدائن إستيفاء حقه شيئاً آخر غير الذي تعهد به المدين يزول الإلتزام الأصلي ويزول معه إلتزام الكفيل العيني، ويشترط أن يستوفي الدائن مقابل الدين من المدين لا من الكفيل العيني.

    وبذلك فإن الوفاء بمقابل ينتج أثره إذا قدم المقابل المدين أو شخص من الغير أما الذي يقع من الكفيل فلا ينقضي إلتزامه ولا يبرأ ذمته إذا أستحق هذا الشيء بل بمقدور الدائن أن يرجع عليه بضمان الإستحقاق. وإن النص ليس من النظام العام، لذا يجوز الأتفاق على ما يخالفه، فإذا أتفق الدائن عند قبوله الوفاء بمقابل مع المدين على أن يحتفظ بحقه في الرجوع على الكفيل إذا أستحق هذا المقابل، في هذه الحالة يعد الوفاء بمقابل معلقاً على شرط فاسخ هو إستحقاق الشيء، فإذا تحقق الشرط زال الوفاء بمقابل بأثر رجعي ويظل الدين الأصلي قائماً وكذلك الكفالة التي تضمنه، ويجوز الدائن أن يحتفظ بحق الفسخ في حالة إستحقاق المقابل، فإذا أستحق الشيء تم فسخ الوفاء بمقابل، وعاد الدين الأصلي وعادت الكفالة بالتبعية له””. فقد نصت المادة (977) من القانون المدني الأردني على أنه: (إذا إستوفى الدائن مقابل دينه شيئاً آخر برئت ذمة الأصيل والكفيل إلا إذا أستحق ذلك الشيء). ويشترط في الوفاء بمقابل سريان أحكام البيع، وإذا كان الوفاء بمقابل تم تعيينه من حيث ملكية الشيء للمدين أو الكفيل، كما تطبق عليه أحكام ملكية ضمان العيوب الخفية والأحكام المتعلقة بالمتعاقدين من حيث أهلية تصرف كل منهما وهذا ما بينته المادة (351) من القانون المدني المصري””.

    ثالثاً: المقاصة

    عرفت المادة (343) من القانون المدني الأردني المقاصة على أنها: (إيفاء دين مطلوب لدائن بدين مطلوب منه لمدينه). فالمقاصة هي وسيلة سلبية في تسوية الديون المتقابلة بين ذمتين، كل منهما دائنة للأخرى ومدينة، وذلك بمقدار الأقل منهما، فإذا تمت المقاصة بين دين الدائن والمدين فإن إلتزام المدين ينقضي، وينقضي تبعاً لذلك إلتزام الكفيل والدائن، فإلتزام الكفيل والمدين ينقضيان بالمقاصة””.

    ولا تقع المقاصة إلا إذا تمسك بها من له مصلحة فيها، وتقع بقدر الأقل من الدينين، ولكن إذا أدى المدين ديناً عليه وكان له طلب المقاصة فيه فلا يجوز له أن يتمسك بضمانات هذا الحق إضراراً بالغير إلا إذا كان يجهل وجوده وكان له في ذلك عذر مقبول، وهذا ما جاء في المادة (352) من القانون المدني الأردني والتي تنص على أنه: (إذا أدى المدين ديناً عليه وكان له أن يطلب المقاصة فيه بحق له فلا يجوز أن يتمسك بضمانات هذا الحق إضراراً بالغير إلا إذا كان يجهل وجوده وكان له في ذلك عذر مقبول).

    ويجوز النزول عن المقاصة بعد توافر شروطها، ويترتب على ذلك عودة الدينين إلى الوجود مرة أخرى بما كان لهما من تأمينات بشرط عدم الإضرار بحقوق الغير، ومن ثم فإذا كان أحد الدينين مضموناً بكفالة إنقضت بإنقضائه بالمقاصة، فإن الكفالة لا تعود إذا عاد الدين المكفول من جديد بسبب النزول عن المقاصة””.

    رابعاً: إتحاد الذمة

    يترتب على إتحاد الذمة إنقضاء الدين بالقدر الذي إتحدت فيه الذمة، وذلك لإستحالة المطالبة بالدين، وذلك لأنه لا يمكن للشخص مطالبة نفسه، وقد يقع على الدين كاملاً؛ كأن يكون المدين هو الوارث الوحيد للدائن، أو يكون بجزء من الدين كما لو ورث نصف التركة، وفي هذه الحالة ينقضي نصف الدين ويكون للوارث الآخر المطالبه بالنصف الباقي.

    ويترتب كذلك على إتحاد الذمة إنقضاء الإلتزام الأصلي وإنقضاء إلتزام الكفيل العيني بالتبعية له وفق القاعدة بأن الفرع يتبع الأصل وجوداً وعدماً، أما إذا إتحدت ذمة الكفيل العيني فلا ينقضي الإلتزام لأن الأصل لا يزول بزوال الفرع.

    ينقضي الإلتزام إذا إجتمعت في شخص واحد صفتا الدائن والمدين، وأهم أسباب إتحاد الذمة الميراث والوصية، فقد يرث الدائن المدين أو يرث المدين الدائن أو يوصي الدائن لمدينه بالدين، وإذا زال إتحاد الذمة بأثر رجعي عاد الدين إلى الوجود ثانية وعادت معه ملحقاته بما في ذلك إلتزام الكفيل كما لو إتضح أن إتحاد الذمة غير حقيقي بسبب ظهور وارث آخر يحجب المدين الذي قد ورث الدائن من قبيل الخطأ””. وهذا ما نصت عليه المادة (990) من القانون المدني الأردني حيث نصت على أنه: (إذا مات الدائن وإنحصر إرثه في المدين برىء الكفيل من الكفالة، فإن كان له وارث آخر برىء الكفيل من حصة المدين فقط).

    خامسا: الإبراء

    الإبراء هو تصرف قانوني، ولا يشترط لحصوله إتفاق الدائن والمدين، ومحله هو نزول الدائن عن حقه دون عوض، ويشترط أيضاً أن تكون إرادة الدائن كاملة، وأهليته خالية من العيوب، ويترتب عليه إنقضاء الإلتزام الأصلي وتوابع الدين وضماناته، وبالتبعية تبرأ ذمة الكفيل العيني بمجرد براءة المدين، وإذا بطل الإبراء عاد الإلتزام إلى الوجود، وعادت كذلك الكفالة العينية التي تضمنه، وهذا مستفاد من نص المادة (445) من القانون المدني الأردني، والتي نصت على أنه: (لا يتوقف الإبراء على قبول المدين، إلا أنه يرتد برده، وإن مات قبل القبول فلا يؤخذ الدين من تركته).

    وفي ذلك يقول أحد شراح القانون المدني أنه: يؤدي الإبراء إلى براءة ذمة المدين بمجرد علمه به، وإذا رد المدين الإبراء فإن الدين يعود من جديد إلى ذمته، إلا أن الكفيل يستطيع الطعن في هذا الرد بالدعوى البوليصية لأن من شأنه زيادة إلتزامات المدين، ويترتب على ذلك عدم سريان الرد في حق الكفيل، وتبرأ ذمته من الكفالة بصفة نهائية””.

    سادساً: إستحالة التنفيذ

    إذا إنقضى الدين المكفول بسبب أجنبي لا يد للمدين فيه إنقضت الكفالة بإنقضائه، وبالتبعية ينقضى إلتزام الكفيل، وأما إذا إنقضى الدين بسبب إهمال أو تقصير من المدين فإنه يُسأل عن تعويض الأضرار الناجمة عن ذلك، ويبقى الكفيل العيني ضامناً للوفاء بهذا التعويض. وهذا مستفاد من نص المادة (448) من القانون المدني الأردني، والتي تنص على أنه: (ينقضي إلإلتزام إذا أثبت المدين أن الوفاء به أصبح مستحيلاً عليه لسبب أجنبي لا يد له فيه).

    سابعاً: التقادم

    إذا إنقضى الإلتزام المكفول بالتقادم، فإن الكفالة تنقضي بإنقضائه، وينقضي إلتزام الكفيل بمجرد إنقضاء الإلتزام المكفول بالتقادم، والأصل أن تنقضي الإلتزامات في وقت واحد، إلا أنه يمكن أن ينقضي الإلتزام الأصلي دون إلتزام الكفيل، إما لأنه نشأ بعد الإلتزام الأول، وإما لأنه مضافاً إلى أجل أبعد، فعند ذلك تبرأ ذمة الكفيل بتقادم الدين الأصلي بالرغم من عدم تقادم إلتزامه هو، لأن براءة ذمة المدين تؤدي إلى براءة ذمة الكفيل””.

    وتبرأ ذمة الكفيل بمجرد تقادم الدين الأصلي، ويجوز للكفيل أن يتمسك بالتقادم حتى ولو لم يتمسك به المدين الأصلي، وحتى لو تنازل عنه المدين، لأن هذا التنازل لا ينبغي أن يضر بالكفيل، هذا بالإضافة إلى أن للكفيل مصلحة مؤكدة في التمسك بالتقادم. وهذا ما نجده في نص المادة (464) من القانون المدني الأردني والتي تنص على أنه: (لا يجوز للمحكمة أن تقضي بالتقادم من تلقاء نفسها، بل يجب أن يكون ذلك بناء على طلب المدين أو بناء على طلب دائنيه أو أي شخص له مصلحة فيه ولو لم يتمسك به المدين).

    المطلب الثاني: الدفوع المتعلقة بإلتزامات الدائن

    إن إلتزام الكفيل العيني هو إلتزام مدني ثانوي تابع للإلتزام الأصلي، وهدف إلتزام الكفيل العيني هو ضمان الوفاء بالدين، وبالتالي فإن مصلحة الكفيل العيني هي أن لا يصدر أي فعل يؤثر على مركزه القانوني، ومن حق الكفيل العيني أن يدفع مطالبة الدائن له بالدين نتيجة إهماله وتقصيره. وتالياً الدفوع المتعلقة بإلتزامات الدائن:

    الفرع الأول: الدفع ببراءة ذمة الكفيل بسبب تأخر الدائن في إتخاذ الإجراءات ضد المدين

    بينت المادة (785) من القانون المدني المصري أنه لا تبرأ ذمة الكفيل العيني بمجرد أن الدائن تأخر في إتخاذ الاجراءات أو أنه لم يتخذها””. ويستفاد من هذا النص أنه لا تبرأ ذمة الكفيل بمجرد تأخر الدائن في إتخاذ الإجراءات أو بمجرد عدم إتخاذها، وحتى تبرأ ذمة الكفيل عليه إنذار الدائن، فإذا لم يقم الدائن بإتخاذ أية إجراءات ضد المدين خلال مدة ستة أشهر، فأن ذمة الكفيل تبرأ، ما لم يقدم المدين للكفيل ضماناً كافياً.

    ويرى الباحثان أن المشرع الأردني سلك مسلك المشرع المصري في ذلك حيث نصت المادة (981) من القانون المدني الأردني على أنه: (إذا أستحق الدين، ولم يطالب الدائن المدين به فيجوز للكفيل أن ينذر الدائن بإتخاذ الإجراءات ضد المدين، وإذا لم يقم بذلك خلال ستة أشهر من تاريخ الإنذار ولم يقدم المدين للكفيل ضماناً كافياً خرج الكفيل من الكفالة).

    الفرع الثاني: عدم تقدم الدائن بالدين في تفليسة المدين

    يترتب على إفلاس المدين حلول أجل الإلتزام بالنسبة له، ومن ثم يلتزم الدائن بأن يطالب التفليسة بالدين حتى لا يضر بالكفيل، فإذا قصر في ذلك كان مسؤولاً عن الضرر المترتب للكفيل، ولذلك تبرأ ذمة هذا الأخير بقدر ما يصيبه من ضرر من جراء عدم تقدم الدائن بالدين في تفليسة المدين””.

    وبينت المادة (786) من القانون المدني المصري أنه إذا أفلس المدين وجب على الدائن أن يتقدم في التفلسية بالدين””.

    وتنص المادة (978) من القانون المدني الأردني على أنه: (على الدائن إذا أفلس مدينه أن يتقدم في التفليسة بدينه وإلا سقط حقه في الرجوع على الكفيل بقدر ما ترتب على تراخيه من ضرر).

    وللكفيل الدفع ببراءة ذمته إذا لم يتقدم الدائن بالتفليسه، ولم يقم بإتخاذ الإجراءات بمطالبة المدين، ويعدّ هذا التقدم وسيلة محافظة على حقه وإعفاء للكفيل من جزء من الدين يساوي ما حصل عليه الدائن من التفليسة.

    وحتى يستطيع الكفيل الدفع ببراءة ذمته لا بد من شروط يجب توافرها للتمسك بهذا الدفع؛ فأولاً يجب أن يكون المدين قد أفلس، وأن الدائن لم يتقدم للمطالبة بحقه عند الإفلاس، ويجب على الكفيل التمسك بهذا الدفع بقدر ما أصابه من الضرر، وهذا مستفاد من نص المادة (978) من القانون المدني الأردني.

    وإذا أفلس المدين فلا يحق للكفيل أن يدخل في تفليسته إلا إذا كان قد وفى بالدين للدائن، أما قبل ذلك فحق الدخول في تفليسة المدين يبقى للدائن وحده، لذلك فرض القانون على الدائن أن يدخل في تفليسة المدين ليس حفاظاً على حقه فقط بل حفاظاً أيضاً على حق الكفيل ومنعاً للضرر الذي يمكن أن يصيبه بسبب عدم قدرته الدخول في هذه التفليسة، لأن هذا الدخول هو الوسيلة الوحيدة لكي يحصل الدائن على حقه أو جزء من حقه على نحو يؤدي إلى براءة ذمة الكفيل أو التخفيف من إلتزامه، فإن قصر الدائن في إلتزامه هذا ولم يتخذ إجراءآت الرجوع والمشاركة في إقتسام أموال المدين وضاعت عليه فرصة إستيفاء بعض حقه، فلا يجوز له الرجوع على الكفيل إلا بما يزيد على ما كان سيحصل عليه من التفليسة لو أنه دخل فيها.

    وإلتزام الدائن بالدخول في تفليسة المدين لا يحتاج إلى إخطار من الكفيل، بل عليه أن يبادر إليه من تلقاء نفسه، وإلا جاز للكفيل أن يتمسك ببراءة ذمته في الحدود المشار إليها أعلاه، وتمسك الكفيل في هذا الحق بصورة دفع أو دعوى لا بد منه، لأن هذا الحق ليس من النظام العام فلا تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها، ويمكن للكفيل أن يتنازل عنه صراحة أو ضمناً””.

    الخاتمـــــــــــة

    الكفالة العينية من التأمينات العينية التي ثبت كفاءتها في الحياة العملية إلا أن المشرع الأردني لم يعالج وينظم لها أحكام خاصة رغم إن التوجه الكبير بين الأفراد في تعاملهم في التأمينات العينية على إختلاف أنواعها لكونها أكثر ضماناً لما تمثله من قيمة مالية مرتبطة بمنقول أو عقار يمكن التنفيذ عليه، إضافة إلى أن الدائن في الكفالة العينية يملك حقاً ثابتاً ومستقلاً عن دائني المدين.

    من أجل ذلك قام الباحثان بتقديم هذه الدراسة لبيان آثار الكفالة العينية وذلك من خلال بيان العلاقة فيما بين الكفيل العيني والدائن، وحلول أجل دين الكفيل العيني، وحق الدائن في مطالبة المدين أو الكفيل العيني أو مطالبتهما معاً، والتنفيذ على العين المخصصة، وكيفية إنقسام الدين في حال تعدد الكفلاء، وبراءة ذمة الكفيل العيني في مواجهة الدائن. وكذلك من خلال بيان علاقة المدين بالكفيل العيني من خلال الدعوى الشخصية ودعوى الحلول، وكيفية رجوع الكفيل العيني على المدينين في حال تعددهم، سواء المدينين المتضامنين أو المدينين غير المتضامنين، والدفوع الممنوحة للكفيل العيني بموجب القانون ومنها الدفوع الخاصة بالإلتزام الأصلي، والدفوع المتلعقة ببطلان الإلتزام الأصلي، والدفوع المتعلقة بإنقضاء الإلتزام الأصلي. ومن ثم إنتهاء الكفالة العينية.

    النتائج:

  3. الكفالة العينية تعتبر من أقوى الضمانات لصالح الدائن.
  4. الكفالة عقد لازم بالنسبة للكفيل، يشغل بهذا الإلتزام ذمته بما شغلت به ذمة الأصيل.
  5. إذا كفل الكفيل الدين الحال مؤجلاً تأجل الدين على الأصيل أيضاً في ظاهر الرواية عند الحنفية وبهذا أخذ القانون المدني الأردني.
  6. موت الأصيل والكفيل يسقط الأجل في حق من مات منهما ويصبح الدين متعلقاً بالتركة.
  7. تأجيل الدين في حق الأصيل يعتبر تأجيلاً في حق الكفيل، وتأجيله في حق الكفيل لا يعتبر تأجيلاً في حق الأصيل عند جمهور الفقهاء.
  8. يستطيع الكفيل التمسك بالدفوع التي يتمسك بها الأصيل لدفع دعوى الدائن وكل ما يبطل الإلتزام الأصلي يسقط الكفالة.
  9. هناك علاقة تربط الكفلاء المتضامنين وهي علاقة الكفالة فيحق لمن أدى الدين أن يعود على الكفلاء الآخرين.

    التوصيــــــــــات:

  10. يوصي الباحثان المشرع الأردني بضرورة معالجة نصوص الكفالة العينية وتنظيمها في أحكام خاصة لها لتقوية الإئتمان، وتيسيراً للمعاملات لما فيها مصلحة لأطراف عقد الكفالة العينية، وكذلك أحكام الكفيل العيني والعين المخصصة للوفاء، والأحكام التي تعالج علاقة المدين بالكفيل العيني.
  11. يرى الباحثان بإن الكفالة العينية هي من الأمور المهمة في الحياة العملية، لذلك يتوجب على الباحثين أن يهتموا بهذا النوع من التأمينات ودراستها خاصة في المجال العملي في المحاكم ودوائر التسجيل.
  12. يرى الباحثان أنه لا بد من التمييز فيما بين الكفالة العينية والكفالة الشخصية لتجنب اللبس بينهما.

    وبذلك نكون – وبكل تواضع – قد أكملنا سطور هذا البحث، وندعو الله العلي القدير أن نكون قد وفقنا للصواب، فإن أصبنا فمن الله، وإن أخطأنا فمن أنفسنا، فالكمال صفة لا ينفرد بها إلا الله سبحانه وتعالى، ولعل باحثاً آخر يأتي من بعدنا يصوّب ما أخطأنا فيه أو يعدّل أو يضيف إلى ما كتبنا، فالعمل البشري لا بد أن يعتريه النقص مهما كان بالغاً درجة الكمال.

    المراجع والمصادر

    أولاً: الكتب

  13. أبو السعود، رمضان، (1980م)، الوسيط في التأمينات الشخصية والعينية، جامعة الإسكندرية.
  14. تناغو، سمير عبد السيد، (1985م)، التأمينات الشخصية والعينية الكفالة، الرهن الرسمي، وحق الإختصاص، الرهن الحيازي، حق الإمتياز، الإسكندرية: منشأة المعارف.
  15. حسن، عبد الخالق، (1986م)، الكفالة – دراسة مقارنة بين القانون المدني والفقه الإسلامي، القاهرة: دار الهدى للطباعة.
  16. خطاب، طلبة وهبه، (1987م)، عقد الكفالة، القاهرة: مكتبة سيد عبد الله وهبه.
  17. السرحان، عدنان (2007م)، العقود المسماة الوكالة الكفالة، عمان: دار الثقافة للنشر والتوزيع.
  18. سعد، أحمد محمود، (1994م)، عقد الكفالة – دراسة مقارنه، القاهرة: دار النهضة العربية، ط1.
  19. مصطفى، منصور، (1960)، عقد الكفالة، مصر: المطبعة العالميه.
  20. منصور، محمد حسين، (د.ت)، النظرية العامة للإئتمان، الإسكندرية: منشأة المعارف.

    ثانياً: الرسائل الجامعية:

  21. أبو مشياخ، سعاد توفيق سليمان، عقد الكفالة المدنية والآثار المترتبة عليه دراسة مقارنة بين مجلة الأحكام العدلية والقانون المدني المصري، رسالة ماجستير، جامعة النجاح الوطنية – فلسطين، نابلس، كلية الدراسات العليا، سنة 2006م.

    ثالثاً: القوانين وقرارات المحاكم:

  22. القانون المدني الأردني رقم (43) لسنة 1976م.
  23. القانون المدني المصري رقم (131) لسنة 1948م.
  24. قرارات محكمة التميز الأردنية بصفتها الحقوقية، منشورات مركز عدالة.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى