في الواجهةمقالات قانونية

آليات الرقابة على ميزانية الجماعات الترابية بالمغرب – ياسين الفاطمي

 

آليات الرقابة على ميزانية الجماعات الترابية بالمغرب

ياسين الفاطمي

باحث في المالية العامة

لقد أصبحت اللامركزية تشكل آلية فعالة لإقامة الديمقراطية، وأسلوب فعال لمتطلبات التنمية الترابية، وعليه فإن اللامركزية الإدارية تستلزم توافر الشروط والأركان المعنوية والمادية لذلك، وفي هذا المنحى يأتي العنصر المالي في مقدمة هذه الأركان والشروط باعتباره الوسيلة الموضوعية لتنفيذ السياسات العمومية المعتمدة محليا، ومن هنا تبرز لنا المالية الترابية كأداة تمويلية و أساسية لنفقات الجماعات الترابية ،كما تظهر الجبايات الترابية كمورد أساسي لها، فهذه الأخيرة تعتبر من الآليات التي يعتمد عليها في تطوير مالية الجماعات الترابية، ومنه تظهر لنا أهمية المداخيل الجبائية كمورد لخلق الثروة التي تعد عاملا مساعدا لحسن التدبير الترابي من أجل تنمية بشرية مستدامة .

كما تعتبر الرقابة على الميزانية الترابية وسيلة لضبط النشاط المالي للجماعات الترابية من خلال الحرص على عقلنة تدبير الإيرادات وترشيد النفقات.حيث يكمن الهدف من الرقابة في المستوى الأول في التأكد من تحصيل كل أنواع الإيرادات الترابية الجبائية وغير الجبائية المنصوص عليها في الميزانية الترابية مع إزالة كل العراقيل التي تعيق تحصيل هذه الموارد. لكن هدف الرقابة في المستوى الثاني ، يحيل على التأكد من أن الإنفاق الترابي يتم بالشكل الذي ارتضىاه المجلس الترابي لكونه ممثل السكان، باعتبارهم الممول الأصلي لميزانية الجماعات الترابية والمحدد لمختلف أهدافها الاقتصادية ،الاجتماعية والسياسية، فما هي إذن أنواع الرقابة على ميزانية الجماعات الترابية؟.

 

     أولا: الرقابة ذات الطبيعة السياسية والإدارية

تعد الأجهزة التي تمارس الرقابة على تنفيذ ميزانيات الجماعات الترابية بين هيئات ذات طبيعة سياسية وأخرى ذات طبيعة إدارية. تتمثل الرقابة ذات الطبيعية السياسية الممارسة على المالية الترابية في الأجهزة المنتخبة التابعة للجماعات الترابية، خاصة أن مجالسها التداولية كجهاز سياسي يمارس حق الرقابة على ماليتها من خلال تقنية الحساب الإداري التي تجعلها في عمق الممارسة المالية والمحاسبة الترابية. أما الطبيعة الإدارية للرقابة الممارسة على المالية الترابية فتمارسها سلطات الوصاية من خلال وزارتي الداخلية والمالية مركزيا أو محليا.

1-الرقابة ذات الطبيعة السياسية

الرقابة آلية بناءة وذات جدوى يجب العمل بها لأنها أصبحت ضرورة مؤكدة للتدبير الجيد وعنصر من العناصر المكونة للحكامة الجيدة.[1]

بحيث تندرج الرقابة التي تجريها المجالس التداولية على تنفيذ ميزانية الجماعات الترابية ضمن الرقابة ذات طبيعة سياسية، إذ يقوم الجهاز التداولي بدوره الرقابي من خلال تقنية الميزانية عن طريق الرقابة السابقة التي تتمثل في اعتمادها ، ورقابة موازية بتتبع تنفيذها عن طريق التصويت على التعديلات الجزئية المدخلة خلال السنة[2]، في حين أن الرقابة التي تجريها عن طريق الحساب الإداري فهي من صنف الرقابة اللاحقة التي تعترف للمجالس التداولية بالحق في مساءلة الأجهزة التنفيذية عن الطريقة التي تم بها الصرف والإنفاق الفعلي للإعتمادات المالية الترابية.

  • دور الحساب الإداري في تنفيذ الميزانية الترابية:

إذا كانت الميزانية الترابية بمثابة وثيقة التقدير والتوقع للمداخيل والترخيص بالنفقات التي تعتزم تحقيقها في السنة، فان الحساب الإداري يعتبر أداة لقياس مدى تحقيق هذه العمليات المالية وتنفيذها والية حصر النسب والأرقام المتعلقة بذلك ، لكونه المرآة التي تعكس مدى نجاعة التدبير المالي للميزانية الترابية. هذا المعطى يجعل منه الأداة التي تخول المجالس المنتخبة من سلطة الرقابة السياسية على تنفيذها ، وبالتالي ضبط الاختلالات التي تعتري هذا التنفيذ من جهة ، ثم توفر معطيات ومؤشرات لازمة لاتخاذ القرار الملائم لتصحيح أو لدعم المسار المالي للجماعة من جهة ثانية.

  • دور التدقيق في رقابة المجالس التداولية على تنفيذ الميزانية الترابية:

التدقيق المالي تقنية تكتسي أهمية خاصة في الرقابة على مالية الجماعات الترابية ومجموعاتها ، لكونها تشكل في الوقت الراهن دعامة أساسية بالنسبة لتطوير الفعالية الاقتصادية والاجتماعية للجماعات الترابية من جهة ،وحماية المال العام الترابي من التبذير وسوء الاستعمال من جهة ثانية، وتكريس التدبير الجيد الذي يمثل في النهاية الغاية المنشودة لتحقيق تنمية شاملة لمحيط الجماعة الترابية التي تشتغل في إطاره من جهة ثالثة.[3]

وتتبدى أهمية التدقيق المالي على المستوى الترابي من خلال ما يلي:

  • عقلنة استعمال الرساميل البشرية والمالية ،للوصول إلى أجود ملائمة لها من الأهداف والنتائج المحصلة .
  • تقليل هامش الخطأ بالنسبة للتسيير اليومي، من أجل تنمية الأهلية للمنافسة.
  • التحسين من استغلال الطاقات ، والقدرات الظاهرة أو الكامنة.[4]

يهدف المشرع المغربي من إقرار تقنية التدقيق المالي داخل الممارسة المالية الترابية إلى التأكد من دقة المستندات المالية والمحاسبية التي تعتمدها الجماعات الترابية، بحيث تعكس بصدق ووفاء وضعيتها المالية ، في إطار احترام المبادئ المحاسبية المالية المتعارف عليها ، ويهدف المدقق المالي في إطار تقريره، إما إلى قبول أو رفض الكشوفات الحسابية المعروضة عليه من اجل مراقبته هذه ، ليعطي رأيه الصحيح حول مصداقيتها وشفافيتها .

فضلا عن ذلك، يهتم التدقيق المالي بفحص العمليات التي لها تأثير على المحافظة على أملاك الجماعات الترابية ، وتسجيل ومعالجة المعلومات المحاسبية، وكذا المعلومات المالية المنشورة من طرفها ، ويشكل بذلك دراسة للوضعية المالية للجهاز الترابي من خلال التأكد من جودة وفعالية تسيير ماليته، الأمر الذي يجعل منه وسيلة للتصديق الاثباتي  للحسابات بواسطة تحسين جودة التسيير المحاسبي والوثائق المرسلة والمعلومات المالية، وفحص سلامة المساطر والمصاريف والإنفاق الترابي.[5]

2-  الرقابة ذات الطبيعة الإدارية:

يقصد بالرقابة الإدارية على المالية الترابية مجموع السلطات التي يمنحها المشرع للسلطة المركزية، لتمكينها من الرقابة على النشاط المالي للجماعات الترابية بهدف حماية الصالح العام ، حيث يخول هذا الاختصاص عادة إلى الأجهزة الإدارية والمالية التابعتين لوزارة الداخلية ووزارة المالية:

تمارس وزارة الداخلية مهامها الرقابية من خلال جهازين أساسيين هما: المفتشية العامة للإدارة الترابية ، والمفتشية العامة للمالية الترابية.

يتميز عمل الجهاز الأول بطابع العمومية من حيث الاختصاص والمجال، ويتحدد مجال الجهاز الثاني في رقابة المشروعية والملائمة، إلا أن هذا الأخير من الرقابة ذو أهمية بالغة.

تنصب رقابة هذه الهيئات بالأساس على الأعمال التي يكون موضوعها التدبير المالي والمحاسبي للجماعات الترابية ومجموعاتها كالميزانية الترابية والحساب الإداري مثلا.

وتمارس وزارة المالية سلطتها الرقابية من خلال جهازين أساسيين : المفتشية العامة للمالية والخزينة العامة للمملكة ، حيث يعهد للجهاز الأول بمهمة مراقبة مالية الجماعات على مستوى مصالح الصندوق والمحاسبة ،[6] أما مراقبة الخازن العام للمملكة فتتم من خلال طريقتين مختلفتين لكنهما متكاملتين:تتجلى الأولى في المراقبة على الوثائق ، من خلال اطلاع الرئيس على أعمال مرؤوسيه بناء على التقارير والوثائق التي يرسلها له كافة المحاسبين المكلفين بالتحصيل، والثانية من خلال المراقبة في عين المكان ، تتم بواسطة زيارات تفتيشية ميدانية ذات صبغة فجائية ومباغتة.

ثانيا: الرقابة ذات الطبيعة القضائية:

تعتبر الرقابة القضائية أو بواسطة هيئات مستقلة أسمى وألم الطرق في الرقابة على التنفيذ الموازناتي سواء على الصعيد المركزي أو على الصعيد الترابي، حيث تخضع ميزانيات الجماعات الترابية لرقابة قضائية لاحقة، تمارس بواسطة جهازين قضائيين متخصصين هما المجلس الأعلى للحسابات، والمجالس الجهوية للحسابات.

1- رقابة المجلس الأعلى للحسابات:

يمارس المجلس الأعلى للحسابات العديد من الاختصاصات منها رقابته على مالية الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية، والتي تنصب خاصة على الآمر بالصرف والمحاسب العمومي.[7]

  • تدقيق حسابات المحاسبين العموميين:

 

حيث توجه ملفات الاستئناف من قبل كتابة الضبط من المجلس الجهوي إلى كتابة الضبط بالمجلس الأعلى للحسابات الذي يوجهها الرئيس الأول مباشرة بعد تسجيلها إلى رئيس الغرفة المتخصصة من أجل تعيين المستشار المققر، هذا الأخير ملزم بتوجيه نسخ من عريضة الاستئناف إلى الأطراف المعنية قصد الإدلاء بمذكراتها الجوابية داخل أجل ثلاثين يوما الموالية من تاريخ التبليغ، ويصدر المجلس حكمه وفق الإجراءات المحددة في المادتين 33و34من المدونة.إلا أن الأحكام الإستئنافية تعد قابلة للطعن بالنقض لدى المجلس الأعلى داخل الآجال المحددة لطرق الطعن، خاصة إذا رأى أحد الأطراف أن هناك خرقا للقانون أو عدم احترام الإجراءات الشكلية،أو انعدام التعليل ،أو عدم اختصاص المجلس. كما أنها أي الأحكام تعد أيضا قابلة لطلب المراجعة وفقا للمساطر والإجراءات والآجال المحددة في المادة 50من المدونة.

  • التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية:

 

حيث يتم توجيه ملف الطعن  بالاستئناف من قبل وكيل الملك لدى المجلس الجهوي إلى الوكيل العام بالمجلس الأعلى للحسابات ، ويقوم هذا الأخير بتعيين المستشار المقرر المكلف بالتحقيق الذي يوجه عريضة الطعن إلى الأطراف المعنية بالاستئناف. هذه الأطراف ملزمة بتقديم مذكراتها اليومية داخل ثلاثين يوما الموالية لتاريخ التبليغ.

إلا أن هيئة الحكم في مجال استئناف الأحكام المتعلقة بالتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية تبث أولا في مسألة قبول الطلب من حيث الشكل، وعند اعتبار الطلب مقبولا تبث فيما بعد بالجوهر . وتكون هذه الأحكام قابلة للطعن أمام المجلس الأعلى، كما يمكن أن تكون قابلة لطلب المراجعة.[8]

2- رقابة المجالس الجهوية للحسابات:

تتولى المجالس الجهوية للحسابات-طبقا لمقتضيات الفصل149من الدستور -مراقبة حسابات الجهات والجماعات الترابية الأخرى وهيئاتها، وكيفية قيامها بتدبير شؤونها.إذ بموجب ذلك تمارس في حدود دائرة اختصاصاتها العديد من المهام تربط ب:[9]

*البث في حسابات الجماعات الترابية ومجموعاتها .

*ممارسة وظيفة قضائية في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية تجاه كل مسؤول أو موظف أو عون في الجماعات الترابية ومجموعاتها.

*مراقبة تسيير المقاولات المخولة الامتياز في مرفق عام محلي أو المعهود إليها بتسييره.

*مراقبة استخدام الأموال العمومية المتلقاة من طرف المقاولات والجمعيات وكل الأجهزة الأخرى التي تستفيد من مساهمة في الرأسمال أو من مساعدة كيفما كان شكلها من طرف أي جماعة محلية .

*المساهمة في مراقبة الإجراءات المتعلقة في تنفيذ ميزانية الجماعات الترابية وهيئاتها .

وفي ظل هذه المهام، يشكل خلق المجالس الجهوية للحسابات وسيلة لتخفيف العبء على المجلس الأعلى للحسابات ، والضغط على موارده البشرية المحدودة بالنظر إلى الحقل الشاسع للرقابة على مالية الجماعات الترابية ومجموعاتها من جهة، واعتبارا للعامل الجغرافي ، فإن لامركزية المراقبة القضائية ستؤدي إلى حل كل مشاكل الآجال التي يتطلبها نقل الوثائق المحاسبية والإدارية من الجماعات الترابية ومجموعاتها إلى الهيئة العلية للرقابة على الأموال العمومية من جهة ثانية.

كما أن قرب المجالس الجهوية للحسابات من الواقع الترابي سيمكنها من القدرة على تشخيص المعوقات المحتملة للتدبير المالي في الوقت المناسب، وبأقل تكلفة ، وفي أقرب وقت، كما سيمكنها من التقييم والتقدير الموضوعي للتدبير المالي للجماعات الترابية ومجموعاتها من ناحية ثالثة

العدد2،مطبعة طوب بريس،الرباط،ص46.  كريم لحرش:الحكامة الترابية بالمغرب،سلسلة اللامركزية و الإدارة الترابية،[1]

45/08.  المادة 28 من قانون التنظيم المالي الترابي رقم [2]

10  عبد العزيز الحبشي.بعض مظاهر تقنية التدقيق و الرقابة الممارسة على مالية الجماعات الترابية وهيئاتها على ضوء مدونة المحاكم المالية. المجلة المغربية للإدارة الترابية و التنمية، العدد 50، 2003، ص 23.

11 كريم لحرش: تدبير مالية الجماعات الترابية بالمغرب. مطبعة طوب بريس،الرباط،،الطبعة الثانية:2011،ص91.

 ،ص 92.  2011 كريم لحرش: تدبير مالية الجماعات الترابية بالمغرب. مطبعة طوب بريس،الرباط،،الطبعة ا

[6] El kiri mostapha: L`Inspection générale des finances au Maroc: Interrogation sur le passé et perspectives pour l`avenir,Revue Marocain d`Audit et Développement,n5,1996,P69.

 لحميدوش مدني.المحاكم المالية بالمغرب:دراسة تطبيقية و نظرية مقارنة.الطبعة الأولى،مطبعة فضالة،المحمدية،2003،ص،256.[7]

[8]  كريم لحرش.تدبير مالية الجماعات الترابية بالمغرب،مرجع سابق،ص،97

محمد حنين:تأملات في مدونة المحاكم المالية.مجلة القانون المغربي،العدد5، 2003،ص 5. [9]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى