” آليات المتابعة و العقاب في جريمة إساءة إستعمال أموال الشركة ”
– باحث في سلك الماستر – تخصص العلوم الجنائية بكلية الحقوق فاس
– مهتم بالبحث في مجال قانون الأعمال و العلاقات المهنية
تقديم:
ان الشركات التجارية تعتبر ركيزة أساسية للنشاط الاقتصادي و الحياة التجارية ، إذ تعتبر معيارا تقييميا لمدى قوة الدول و تقدمها في ظل النظام الدولي الجديد ، وذلك لما لها من أثر مباشر على اقتصاد البلاد .
ويعود سبب اكتسابها لهذه الأهمية إلى المشروعات الضخمة التي تضطلع بها نتيجة لعجز الفرد على القيام وحده بذلك هذا من جهة ، ومن جهة أخرى التطور المستمر الذي تعرفه الحياة الاقتصادية في الآونة الأخيرة ، فقد أصبحت هذه الشركات عصب الحياة الاقتصادية و التجارية و المالية على الصعيدين الوطني و العالمي . وذلك من بالنظر الحجم الذي اتخذته ولما تؤديه من خدمات ضرورية لجعل النمو الاقتصادي و الاجتماعي في تصاعد مستمر ، فالعالم الآن دخل مرحلة التنمية العامة على كافة المستويات المعيشية و الإجتماعية و الثقافية . (1 )
وتعتبر الشركات التجارية من أهم أدوات تعبئة الادخار وتحفيز المستثمرين على خوض غمار مغامرة انشاء المشاريع الاقتصادية من خلال تسخير أموالهم المتوفرة قصد الحصول على المزيد من الربح . وهكذا لما كانت الشركات التجارية بمثابة ذلك المربع الخصب للاختلاسات و التلاعبات التي قد لا تنحصر انعكاساتها السلبية في مالية الشركة و مصالح مختلف الفاعلين المرتبطين بها ، بل تمتد حتما إلى صلب الاقتصاد الوطني بكامله مما أصبح لزوما مد جسور الارتباط بين هذه الشركات التجارية و القانون الجنائي كي يوفر لها ما تحتاجه من قواعد قانونية تحدد الأفعال المكونة للجرائم المحتمل اقترافها في حقها و العقوبات الزجرية الملائمة لردعها .(2 ) وعلى هذا النحو بدأ غزو القانون الجنائي لعالم الاقتصاد و الأعمال بصفة عامة ، ومجال الشركات التجارية بصفة خاصة غايته تحقيق الحماية الكافية لرأس المال و ضمان المظلة اللازمة للاستثمار.
وفي هذا الصدد ، تندرج المقتضيات الجنائية التي تم تضمينها في صلب قوانين الشركات التجارية بحيث أصبحت وظيفتها هي التوصل لحماية المقاولة و ذمتها المالية و صيانة مصالح الأطراف الأخرى و بالتالي توجيه جميع المتدخلين في حياة الشركة لخدمة المصلحة العامة .
إذا كان القانون الجنائي للشركات إذن ينطوي على ما يسمى بجرائم التأسيس و جرائم التسيير ثم جرائم الحل و التصفية فإن موضوع دراستنا في هذا المقال سوف نقتصر على إحدى أهم و أبرز جرائم التسيير إلا وهي جريمة إساءة استعمال أموال الشركة Délit D’abus de biens sociaux . حيث يعتبر المال قطب الراحة لانطلاق أي مشروع إقتصادي أو تجاري و بالتالي فليس غريبا أن تشكل فكرة البحث المشترك بين شخصين أو أكثر عن الأموال الكافية لاستغلال مشروع معين أهم أسباب ظهور الشركة . ولذلك فإن حماية هذا المال تصبح ذات أولوية من أجل تأمين إستمرارية و دوام النشاط أو المقاولة و كذلك لما يشكل المال من ضمان عام لدائني تلك الشركة فضلا عما تمثله هذه الشركة نفسها من أهمية في إطار الاقتصاد الوطني برمته
لأجل هذه الاعتبارات الأساسية و غيرها تدخل المشرع الجنائي بقصد توفير شروط السلامة للذمة المالية للشركة و اعتمادتها و ذلك بمقتضى سن ضوابط و قواعد جزرية يمكن أن تطال كل الممارسات المنحرفة و الطائشة التي من شأنها الاعتداء أو إساءة استعمال أموال الشركة أو اعتمادتها نتيجة جشع مسيريها، وقد استوجب مبدأ الشرعية الجنائية بلورة و استحداث صورة خاصة من التجريم و العقاب ضد التلاعبات و الخروقات التي قد يقترفها المسيرون في حق الذمة المالية و القدرة الإئتمانية للشركات التي عهد إليهم بمهام إرادتها .(3 )
وعليه فإن إساءة الاستعمال إذن تتجسد عندما ينحرف مسير الشركة عن الغاية التي عين من أجلها في منصبه و التي تنحسر في تسخير خبرته و كفاءته المهنية من أجل تحقيق غرض الشركة و خدمة مصلحتها بحيث أن هذا الاستعمال السيء يكمن حسب الفقه في كل نشاط يسعى الجاني من ورائه إلى الاستئثار المباشر بأموال الشركة أو تسخير ميزانيتها لسداد مصاريف ذات طبيعةشخصية .(4 )
و يرجع الأصل التاريخي لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة إلى العمل القضائي الفرنسي قبل تدخل المشرع بموجب قانون 8 غشت 1935 المعدل لقانون 1867 ، حيث عمل الاجتهاد القضائي على معاقبة مديري و مسيري الشركات المقترفين لأي أعمال منافية لمصلحة الشركة اعتمادا على نظرية الوكالة المستندة بالأساس على تفسير النص العام المتعلق بجريمة خيانة الأمانة لسد الفراغ التشريعي القائم في ميدان زجر الأفعال المنحرفة أثناء تسيير و إدارة أموال الشركة .
فنظرية الوكالة تعتمد بالأساس على وجود وكالة عامة بين الشركاء و المساهمين بمسيري الشركات تقضي بالضرورة إدارة أموال الشركة وفقا لما تقتضيه مصلحة الشركة ، و بالتالي فقد كان يعاقب على كل مسير عمد إلى القيام بأي عمل يخدم مصلحة غير مصلحة المقاولة التي عهد إليه تدابير أموالها حيث في الغالب الذي يشكل الفعل اختلاس فيتم تكييفه بأنه جريمة خيانة الأمانة . فقد كان القضاء الفرنسي يأخذ بفكرة الوكالة بمفهومها الشامل الذي يسمح باعتبار المسير وكيلا عن الشركاء و بالتالي يصبح مسيئا للائتمان اذا ثبت قيامه بأعمال إختلاس أو تبديد في حق المال الذي وكل في إرادته، غير أن ذلك لم يكن كافيا لتحقيق حماية شاملة لأموال الشركة خاصة أمام قصور المادة 408 من مدونة نابليون في تغطية كل أموال الشركة ومختلف أوجه التلاعبات ، أما التجريم و العاقبة على جريمة إساءة استعمال أموال الشركة فقد افرزتها موجات أزمة 1929 حيث تمت الإشارة إليها بشكل صريح في مرسوم 8 غشت 1935 ثم انتقلت إلى قانون الشركات التجارية الفرنسي الصادر ب 24 يوليوز 1946 لتدرج ضمن مدونة التجارة لسنة 2000 .
أما بالنسبة للوضع المغربي فإن القضاء المغربي على غرار القضاء الفرنسي لم يكن يتردد – حتى قبل تبني هذه الجريمة – في متابعة و إدانة مديري الشركات بسبب إساءة التصرف على أساس جريمة خيانة الأمانة خاصة أمام عبارات الفصل 547 من القانون الجنائي الواسعة والتي تمكن من تغطية مثل هذه السلوكات ، أما فيما يتعلق بموقع جريمة إساءة إستعمال أموال الشركة فلم تكن معروفة في ظهير 11 غشت 1922 المنظم للشركة ذات المسؤولية المحدودة، ولم يتم التنصيص عليها إلا مع قانون 17.95 (5 ) المنظم لشركة المساهمة الصادر بتاريخ 30 غشت 1996 في إطار المادة 384 منه و بعد ذلك تم إدراج نفس الجريمة في المادة 107 من قانون 5.96 .
أولا : بالنسبة لتعريف جريمة إساءة استعمال أموال الشركة :
يتعين في البداية تحليل هذا الموضوع إعطاء تعريف لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة حتى يسهل بعد ذلك إجراء المقارنة و التمييز بينها و بعض الجرائم المماثلة لها .
لم يعرف المشرع المغربي جريمة إساءة استعمال أموال الشركة سواء في مدونة التجارة أو في قانون الشركات ، بل اكتفى بتحديد الأفعال التي تشكل إساءة استعمال أموال الشركة و ذلك بمقتضى الفقرة الثالثة من المادة 384 من قانون رقم 95.17 المتعلق بشركات المساهمة التي جاء فيها مايلي : “…. الذين استعملوا بسوء نية أموال الشركة أو اعتماداتها استعمالا يعلمون تعارضه مع المصالح الاقتصادية لهذه الأخيرة ، وذلك بغية تحقيق أغراض شخصية أو لتفضيل شركة أو مقاولة أخرى لهم بها مصالح مباشرة أو غير مباشرة .”
وكذلك البند الثالث من المادة 107 من القانون رقم 5.96 المنظم لباقي الشركات الذي جاء فيه مايلي ” المسيرون الذين استعملوا عن سوء نية أموال الشركة أو اعتماداتها يعلمون انه ضد المصلحة الاقتصادية للشركة و ذلك لتحقيق أغراض شخصية أو لمحاباة شركة أو مقاولة لهم فيها مصالح مباشرة أو غير مباشرة ”
و لذلك يمكن تعريف جريمة إساءة استعمال أموال الشركة بأنها كل أوجه الاستعمال لأموال الشركة الذي يتم من طرف المسير بسوء نية و بشكل يتعارض مع المصلحة الاقتصادية للشركة .
ومن أمثلة جريمة إساءة استعمال أموال الشركة نجد مثال “قيام الشريك بسحب شيكين دون إذن شريكه ”
ثانيا : تمييز جريمة إساءة استعمال أموال الشركة عن جريمة خيانة الأمانة .
قبل التنصيص في قانون الشركات على جريمة إساءة استخدام أموال الشركة كان القضاء المغربي يتابع المتصرفين و المسيرين من أجل هذه الجريمة بناء على الفصل 547 من القانون الجنائي المتعلقة(6 ) بخيانة الأمانة .
وعلى الرغم من التشابه القائم بين جريمة خيانة الأمانة و جريمة موضوع هذا المقال و على الرغم أيضا من أن المادة 547 من القانون الجنائي المغربي أفرغت في عبارات واسعة ، فإن هناك بعض الفوارق بينهما من عدة جوانب تكمن فيما يلي :
أ-على مستوى تطبيق كل جريمة :
يختلف نطاق تطبيق الجريمتين من حيث الأشخاص ذلك أن نطاق جريمة خيانة الأمانة يتسع ليشمل جميع الأشخاص بمن فيهم الإجراء و المستخدمين و لا ينحصر في فئة المسيرين القانونيين أو الفعليين كما هو الحال بالنسبة لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة
ب – على مستوى العناصر التكوينية للجريمة :
أنهما تختلفان أيضا في الركنين المادي و المعنوي فالاختلاس أو التبديد الذي يشكل الركن المادي في جريمة خيانة الأمانة يعتبر مفهوما ضيقا اذا ما قورن بالاستعمال الذي تتحقق به جريمة إساءة استعمال أموال الشركة .
و بالفعل فاستعمال المال بوجه مختلف لما هو متفق عليه وقت التسليم غير كاف لاعتباره خيانة الأمانة . بل ينبغي أن يظهر الجاني بمظهر المالك أن يظهر نيته في تغيير الحيازة لفائدته كما أن جريمة خيانة الأمانة لا تتحقق إلا بثبوت الضرر وفقا لما ينص عليه الفصل 547 من القانون الجنائي على اعتبار أن هذه الجريمة من جرائم الضرر و هذا ما كرسه المجلس الأعلى في القرار الصادر بتاريخ 1985-03-28
ج – على مستوى درجة العقوبة :
كما سيتضح من خلال التحليل أسفله في الشق المتعلق بالعقاب فإن العقوبة المخصصة لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة عقوبة مخففة اذا ما قورنت بتلك المخصصة لجريمة خيانة الأمانة و على الرغم من هذه الفوارق فإن بعض الفقه الفرنسي لاحظ أن جريمة خيانة الأمانة تستغرق جريمة إساءة استعمال أموال الشركة لانها تطبق على المسيرين و غيرهم .ولأن هذه الجريمة الثانية مشتقة من الجريمة الأولى و متفرعة عنها .(7 )
تتمثل الأهمية العلمية في تعدد النصوص المنظمة لجنحة إساءة استعمال أموال الشركة و اختلاف التدخلات التشريعية لتوسيع نطاق الحماية المقررة للشركة و ضرورة التدخل لدعم حرية المبادرة و حماية الادخار تشجيعا للاستثمار المنوط به لتحريك عجلة الاقتصاد الوطني و حماية المتدخلين في العملية الاقتصادية على اختلاف اصنافهم، أما الأهمية العملية لدراسة جريمة إساءة استعمال أموال الشركة في كون أن أي تهاون في التصدي لهذه الجريمة من شأنه أن يؤثر على تطور وتيرة نمو الاقتصاد الوطني من خلال التساهل في الإخلال بأموال الشركة
انطلاقا مما سبق سبق و من تحديدنا لأهمية الدراسة لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة ، و على ضوء ماجاء به المشرع المغربي، يمكن لنا صياغة إشكالية هذا المقال أو الدراسة كما يلي :
إلى أي حد توفق المشرع المغربي في تحديد و إبراز آليات المتابعة في جريمة إساءة استعمال أموال الشركة ، وترتيب الجزاءات التي تحد منها ؟
لأجل لإجابة عن هذه الإشكالية يقتضي الأمر منا الإجابة على مجموعة من التساؤلات الفرعية في هذا المقال أهمها :
-ماهي الآليات القانونية المتاحة في التشريع المغربي لكشف هذه الجريمة ؟ وما هي حدود فعاليتها؟
-إلى أي حد يمكن توفير حماية معقولة لاقلية الشركاء و المساهمين من هاته الجريمة ؟
-ما مدى فعالية العقوبة الحبسية المقررة في تحقيق الردع و تخليق عالم الأعمال ؟
إشكالات و تساؤلات عديدة و متنوعة ، افرزها تطبيق جريمة إساءة استعمال أموال الشركة و التي سنحاول الإجابة عليها من خلال التصميم التالي :
المحور الأول : الدعاوى العمومية و المدنية في جريمة إساءة استعمال أموال الشركة .
المحور الثاني : النظام العقابي لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة
المحور الأول : الدعاوي العمومية و المدنية في جريمة إساءة استعمال أموال الشركة
تعتبر الدعوى القضائية الوسيلة النافعة لإقتضاء الحق بناء على ما تخوله النصوص التشريعية.
كما أن جرائم ” جنحة” استعمال أموال الشركة تبيح للمتضرر إقامة دعوى عمومية جنائية ، وتطبق بشأنها القواعد العامة في قانون المسطرة الجنائية، بالإضافة إلى الدعوى المدنية التابعة وكل هذا من أجل حماية مختلف المصالح والحقوق المتواجدة داخل الشركة.
(8 )
الفقرة الأولى : الدعوى العمومية في جرائم استعمال أموال الشركة
بين الدعوى العمومية الناجمة عن جنحة إساءة استعمال أموال الشركة تشير على المستوى العملي عدة إشكالات.
كما أن تحريك الدعوى العمومية في جريمة إساءة استعمال أموال الشركة تطبيق بشأنه القواعد العامة في قانون المسطرة الجنائية وعليه يمكن إثارتها من طرف النيابة العامة ومن طرف المتضرر عن طريق تقديم شكاية إلى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية.(9 )
والمغزى من إعطاء حق النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية في هذه الجريمة إلى كون الشركة أداة ووسيلة لتنشيط الاقتصاد الوطني وتنمية، ومن فيه أن المس بهذه الأخيرة ” الشركة” يعني المس بالنظام الاقتصادي والاجتماعي القائم وهو ما يفتح الباب للنيابة العامة للدفاع عن مصالح المجتمع بواسطة تحريك الدعوى العمومية ضد كل من سولت له نفسه لإخلال بهذا النظام.(10 )
بالإضافة إلى النيابة العامة يمكن لكل متضرر التقدم بشكاية عن طريق ممثلها القانوني إلى وكيل الملك المحكمة الابتدائية بغرض تحريك المتابعة ضد الجاني، الذي يمكن أن يكون أحد أعضاء الجهاز الإداري بالنسبة لشركة المساهمة أو المسير بالنسبة لباقي الشركات التجارية، أو المصفي في الحالة التي يرتكب فيها هذا الأخير هذه الجريمة أثناء مباشرة أعمال التصفية.(11 )
كذلك بعض تحريك الدعوى العمومية عن طريق التبليغات المقدمة من إدارات خاصة، مثال مصلحة الضرائب خلال قيامها بالمراقبة أو بمناسبة التحقق من التهرب الضريبي عن اكتشاف ارتكاب المسيرين لأفعال تشكل إساءة استعمال أموال الشركة، ونجد أن إدارة الضرائب تعد مصدرا إمتيازيا للتبليغ عن هذه الجريمة.
نجد أيضا حتى لما لدور الأقلية من أهمية في التبليغ عن الجريمة رغم صعوبة التي تواجههم في الإثبات لارتكاب هذه الجريمة، حيث نجد أنه رغم حق إطلاعهم على مجموعة من الوثائق فإنها لا تتضمن ما يثبت هذه الجريمة، وذلك من جهة لها يلجأ إليه المسير لإخفاء معالمها، ومن جهة أخرى نجد أن حقهم في الإطلاع لا يسمح لهم بأخذ نسخة من الوثائق وهذا فيه إشكال.(12 )
في هذا الصدد هناك صعوبة تكمن في إثبات الجريمة من طرف المساهمين نظرا لعدم عليهم وإلمامهم الشامل بعلم المحاسبة والمراجعة، أضف إلى ذلك أن المخالفات الخطيرة والجسيمة لا يتم إدراجها في دفاتير الشركة لا يمكن الوقوف عليها إلا بواسطة خبير مختص في مراجعة الحساب و توقيعها كمراقب الحسابات وهنا يظهر قصور وعدم جدوى المنحى الذي ساهم عليه المشرع المغربي حينما لم يخول لمراقب الحسابات إبلاغ الجرائم المكتشفة من طرفه أثناء مباشرة مهامه إلى وكيل الملك وذلك ما تبينه جليا المادة 169 من قانون 17-95 المتعلق بشركات المساهمة والمادة 13 من قانون 5-95 المتعلق بباقي الشركات التي تحيل على أحكام القانون 17-95 ” وإبلاغ مراقب الحسابات الجرائم المكتشفة إلى وكيل الملك إمكانية من شأنها أن تقوي سلطات مراقب الحسابات واستقلالهم وتمكن كذلك الكشف عن مجموعة من الجرائم التي تبقى خفية ومستقرة ولذلك تبليغ أعضاء المجلس الإداري بهاته الجرائم ليس من شانها الحيلولة دون وقوع الشركة فيها.(13 )
وهذا الأمر يجب تداركه من بل المشرع، لأن اقتصار مراقب الحسابات بتبليغ أجهزة الشركة بالتلاعبات المالية، والتي لن تقوم بالتبليغ مخافة أن تطالها المسؤولية جراء تقصيرها في الإدارة والمراقبة المنوطة بها يعتبر عاتقا على مستوى حماية أموال الشركة من إساءة استعمالها.(14 )
وجب التوضيح على أنه لكي تعتبر الدعوى العمومية مقبولة يجب أن ترفع داخل الآجال القانونية المحددة لها وقبل أن يلحقها التقادم.(15 )
إن المشرع المغربي لم يورد اي نص خاص بتقادم دعوى جريمة إساءة استعمال أموال الشركة في قوانين الشركات التجارية، مما يعني أنها تخضع للقواعد العامة الواردة في المسطرة الجنائية ، ابتداء من يوم ارتكاب الجريمة. (16 )
غير أن بعض أوجه إساءة استعمال أموال الشركة قد تشكل جريمة مستمرة، كما هو الحال في أفعال لإمتناع عن التصرف أو حالة لاستعمال المستمر ” مثلا استعمال منزل مملوك في الشركة، حيث تكون الجريمة حينئذ متجددة، وينتج عن ذلك أن سريان تقادم الدعوى العمومية في هذه الحالة يبدأ من يوم تحقق التنفيذ النهائي للجريمة.
وقد عرف تحديد وقت بدا سريان التقادم في هذه الحالة كثيرا من التردد في القضاء الفرنسي، الذي حدده في البداية في اليوم الذي يظهر فيه الفعل الجرمي أو تتم معاينته، ثم حدده في مرحلة لاحقة في اليوم الذي يظهر فيه الفعل الجرمي أو تتم فيه معاينته في ظروف تسمح بمباشرة الدعوى العمومية، وما فتئ بعد ذلك أن ربطة بتاريخ الكشف عن الجريمة ، مالم يكن ضحية الجريمة يعلم بارتكابها بمناسبة عن الجريمة، مالم يكن ضحية الجريمة بارتكابها بمناسبة تقديم البيانات السنوية وكان بإمكانية إحاطة النيابة العامة علما بها، حيث يبين التقادم من يوم العلم بالجريمة.(17 )
الفقرة الثانية: الدعوى المدنية في جرائم إساءة استعمال أموال الشركة
الدعوى المدنية هي الدعوى يقيمها من أحقه ضرر من الجرائم بطلب تعويض هذا الضرر، والدعوى المدنية التابعة هي كل دعوى يكون موضوعها هو التعويض عن الضرر الذي أصاب المتضرر من الجريمة موضوع الدعوى العمومية سواء كان هذا الضرر شخصيا أو ماديا أو حتى معنويا تسببت فيه الجريمة مباشرة، بل قد يكون الضرر غير مباشر وهنا نتحدث عن الدعوى العمومية المقامة من قبل الجمعيات ذات المنفعة العامة.(18 )
في هذا الصدد نجد أن الدعوى المدنية التابعة لجريمة إساءة استعمال أوال الشركة تخضع لنفس المقتضيات العامة، إلا أنها لا تخلف بالرغم من ذلك من بعض الخصوصيات المتمثلة أساسا في الأشخاص المتضررين اللذين لهم حق لإنتصاب كطرف مدني، وهنا يجب التعيين بين دعوى لهم حق لإنتصاب كطرف مدني، وهنا يجب التمييز بين دعوى الشركة ودعوى الشريك أو المساهم الفردي.(19)
الدعوى التي تقيمها الشركة فهي الدعوى التي تقيمها دفاعا عن مصالحها إذا كانت قد تضررت بشكل شخصي ومباشر كإساءة استعمال أموالها واعتماداتها من قبل المسيرين مثلا، وذلك لطلب التعويض عن الأضرار اللاحقة بها(20 ) وخصوصية المطروحة هنا أن الشركة مملوكة لشخص معنوي ممثلا في ممثلها القانوني ” الرئيس أو المسيرين فما هو الحل الذي قررته المشرع في هذه الحالة و الحال أن الممثل القانوني للشركة هو نفسه الجاني فلا يتصور أن يرفع الدعوى على نفسه؟
وهنا قد أجاز المشرع للشركاء والمساهمين أن يكلفوا واحدا أو بعضا منهم بتمثيلهم في دعوى الشركة، ويشترط لصحة المسطرة أن يتم إدخال الشركة في الدعوى في شخص ممثليها القانونيين مادة 353.
بمعنى أن دعوى الشركة من خلالها تدافع الشركة على مصالح مجموع المساهمين فيها ضد أعضاء مجلس الإدارة اللذين ارتكبوا الفعل المخالف للقانون فإنه يجوز لكل مساهم مباشرة الدعوى نيابة عن الشركة حيث تسمى في هذه الحالة دعوى الشركة الممارسة على انفراد، وهذه الحالة الأخيرة، تقوم عند ما تتماطل الجمعية العامة عن تعيين من تنتذبه لرفع هذه الدعوى باسم مجموع المساهمين أو في حالة عدم رفعها من قبل هؤلاء ولتصبح هذه المسطرة اشترط القانون إدخال الشركة في الدعوى في شخص ممثلها القانوني أما في حالة سكوت الممثل القانوني عن رفع الدعوى، يمكن مباشرتها بواسطة عضوا و أكثر من مجلس لإدارة إما بصفة فردية أو بصفة جماعية مع توافر الشروط التي يتطلبها القانون.
أما الدعوى التي يقيمها المساهمون أو المساهم في الشركة من أعضاء أجهزة الإدارة والتسيير اللذين تسببوا بسوء تصرفهم وبنشاطاتهم عين القانون في إحداث ضرر بشكل مباشر أو شخصي للمساهم من جراء إساءة استعمال أموال الشركة.
حيث ينتصب الساهم في إطار هذه الدعوى كطرف مدني للمطالبة بتعويضه عن الضرر اللاحق به، وبالرجوع إلى المادة 352 من قانون 17-95 فإننا نجدها تتضمن مقتضيات خاصة بالدعوى الفردية للمساهم بينما هناك المادة 353 من نفس القانون تنص على حق المساهم في ممارسة الدعوى الفردية عن الشركة.(20 )
وتتنوع لأضرار التي يمكن أن تصيب الشركة، بين الضرر المادي الذي يلحق بالذمة المالية للشركة، والذي يمكن أن يتمثل في فقدان مبالغ مالية أو تراجع قيمة أسهمها أو الحرمان من الحصول على جزء من الأرباح، وبين الضرر المعنوي الذي يصيب الشركة في سمعتها التجارية.
وبالنسبة لتقدير التعويض فغالبا ما ترجع المحاكم إلى حين محاسبية لتحديد حجم الضرر.
أما فيما يحض قضية التقادم يجب أن ترفع الدعوى في الأجل المحدد لها، بحيث نص المشرع المغربي على آجال موحدة فيما يخص الدعوى المسؤولية المدنية في المادة 355 من ق.ش.م ما يلي:
” تتقادم دعوى المسؤولية ضد المترفين والمدير العام وإن اقتضى الحال المدير العام المنتدب وأعضاء مجلس لإدارة الجماعية سواء قدمتها الشركة أو فرد من الأفراد بمرور خمس سنوات ابتداء من العمل المحدث للضرر، وإن وقع كتمانه فابتداء من تاريخ كشفه وأما بدا وصف هذا الفعل بالجريمة فإنه لا يتقادم إلا بمرور عشرين
المحور الثاني : النظام العقابي في جريمة إساءة استعمال أموال الشركة .
أن استجماع جريمة إساءة استعمال أموال الشركة لاركانها التكوينية بفتح الباب أمام إقامة و تحريك الدعوى العمومية في حق المسير الذي أخل بخدمة المصلحة العامة للشركة وذلك قصد إنزال العقوبة به .
احتراما للشرعية الجنائية في التجريم و العقاب يحدد القانون الجنائي للشركات التجارية و العقوبات التي من الممكن أن تطال كل مسير يأتي هذه الجريمة .(21 )
وتنقسم العقوبات عموما إلى شق أصلي يعطي القانون إمكانية الحكم بها لوحدها و شق من العقوبات يعتبر إظافي و تكميلي الأصل فيه أنه من غير الممكن تنزيله لوحده . وهنا نسائل النظام العقابي الوارد في قوانين الشركات إلى أي حد يحترم هذا التصنيف ؟ هل حقا أوجد المشرع إلى جانب العقوبات الأصلية عقوبات إظافية يمكن الحكم بها على المسير المعتدي على أموال الشركة ؟ وإذا ما وجدت فأي خصوصيات مميزه لها عن تلك الواردة في القواعد العامة الجنائية؟ وهل تأثر النظام العقابي لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة بالتعديلات التي لحقت القوانين الرئيسية للشركات التجارية ؟
خصص التشريع المغربي بمقتضى المادة 384 من قانون الشركات المساهمة لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة عقوبات جبسية يحدد نطاقها بين شهر و ستة أشهر و غرامات مالية من 100.000 إلى 1.000.000 درهم. وهي نفس العقوبات التي أحالت عليها المادة 107 من قانون 5.96 مع تقليص في الغرامة المالية حيث تحدد بين 10.000 و 100.000 درهم .
غير أن مقارنة الوضع التشريعي بالمغرب مع التشريع الفرنسي كمرجعية تاريخية ، فإنه من البادي التباين في المعاملة العقابية لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة ، فالتشريع الفرنسي عامل مرتكب هذه الجريمة بنوع من الصرامة حيث جعل العقوبة السالبة للحرية تصل من سنة إلى خمس سنوات ، وغرامة مالية تقدر 375.000 أورو .
الفقرة الأولى : مميزات العقوبات الحبسية :
إن إدراج العقوبات السالبة للحرية في ميدان الأعمال آثار نقاشات عميقة في الأوساط الفقهية ، حيث رفض جانب من الفقه القانوني للأعمال التدخلات الزجرية ، ما جعل العقوبة السالبة للحرية في هذا الإطار تتميز(22 ) عن العقوبة في إطار القواعد العامة بخصائص معينة نجملها في ما يلي :
1-هزالة العقوبة الحبسية :
مقارنة الوضع المغربي في معاملته لجنحة إساءة استعمال أموال الشركة بالوضع في فرنسا تظهر مدى الإختلاف و التباين ، ففي الوقت الذي تعاقب فرنسا بعقوبة حبسية تصل لخمس سنوات ، فالتشريع المغربي المنظم للشركات يعاقب بالحبس من شهر لستة أشهر .(23 )
وهذه العقوبة المخففة و المواجهات الشرسة للجماعات الضاغطة لرجال الأعمال لكافة المحاولات التي اهتمت بالتشديد في المعاملة العقابية لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة ، لا تفسر إلا بمحاباة ظاهرة لفائدة مجرمي الأعمال و الذي يرى فيه جانب من الفقه بأنه إخلال للمبادئ الناظمة للسياسة الجنائية في دولة القانون ، وبالتالي ضرورة إعادة التدخل بما يتناسب و خطورة الجريمة و الأضرار التي من الممكن أن تترتب عنها من جهة و نوعية الضحية المستهدفة والتي تقتضي التشديد كلما كان الفعل متجه نحو المساس بأموال المقاولة بشكل يضر بمصالح الشركة و بالجمهور بشكل ينسجم و التوجه و الاختيار النفعي للدولة المعاصرة .(24 )
فاستبعاد العقوبة الحبسية في ميدان الأعمال وأن كان أمرا محمودا فإنه يجب أن يبقى مداه مقتصر على المخالفات التي لا ترمي إلى الإضرار العمدي بمالية الشركة ، أما بالنسبة للسلوكات التي من شأنها أن تضر بأصول المقاولة فإن الفقه يشجع التوجه الذي تبناه مشروع قانون شركات المساهمة -تم رفضه بفعل الضغوطات – الذي كان يجعل العقوبة الحبسية تتراوح بين ستة أشهر و سنتين ، حماية وردعا لكل محاولات قد تعصف بالذمة المالية للمقاولة.
2-اختلاف مدد العقوبة الحبسية :
القاعدة الأصل وفقا لقوانين الشركات التجارية هي الحبس من شهر إلى ستة أشهر لكل مسير ثبت عليه إساءة استعمال أموال الشركة ، وإلا أن قانون شركات التعاونية في تصديه لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة كان له خيار آخر من حيث العقوبة حيث أحال على المادة 375 من القانون الجنائي و الذي يتضمن عقوبات حبسية يحدد نطاقها بين سنة و خمس سنوات .
وتفعيل هذا الأمر يجعل مسير شركة (25 ) تعاونية لجمع الحليب مثلا . – عرضة للعقوبات حبسية أكثر صرامة و قساوة في حالة إساءته لمالية تعاونية من نظيره الذي يدبر شركة مساهمة عملاقة ، هذه المفارقة هي من الناحية الواقعية غير قابلة لأي تبرير منطقي (26 ) سليم .
ولعل الحل الأمثل في هذا الإطار هو التدخل التشريعي لتوحيد العقوبة الواجبة التطبيق على جريمة إساءة استعمال أموال الشركة .
الفقرة الثانية : سمات العقوبات المالية :
أن فرض التدخل الزجري ميدان الأعمال غالبا ما تقدم الغرامات المالية كحلول بديلة يرى فيها الفعالية و النجاعة و التلائم مع خصوصية المعاملات التجارية لذلك يبدو جليا تأثر المشرع المغربي بالتوجهات الرافضة للتدخل الزجري و الانتصار للعقوبات المالية كحل لمعالجة و التصدي لخصوصيات جرائم الأعمال إيمانا من المشرع بفكرة الزجر المالي لحماية عالم الأعمال و تخليق حياة الشركة.(27 )
نفس الأمر نهجه المشرع في معالجته لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة ، غير أن مقدار الغرامة المالية في هذا السياق يختلف باختلاف أشكال الشركة التجارية و لا يخضع للمبادئ العامة .
1-اختلاف مقدار الغرامة المالية :
على عكس التوجه الفرنسي الذي حدد عقوبة مالية موحدة تطبق على كل الشركات التجارية(28 ) تقدر ب 375000 أورو ، فإن التشريع المغربي اختار أن يحدد نطاق الغرامة المالية بحسب طبيعة كل شركة ، فنجده يعاقب على اساءة استعمال أموال الشركة في إطار شركة المساهمة البسيطة و التوصية بالأسهم بمبالغ مالية تتراوح بين 100.000 درهم و 1.000.000 درهم ، أما إذا ارتكبت الجريمة في نطاق شركة ذات المسؤولية المحدودة فتكون الغرامة متأرجحة بين 10.000 درهم و 100.000 درهم ، في حين اذا تعلق الأمر بشركة التعاونية فإن الغرامة تنحصر ما بين 1200 . 20000 درهم .
غير أنه نرى في نظرنا من الانجح للتصدي لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة فلا بد أولا من الوضوح في النص الزجري و توحيد الغرامات المالية بغض النظر عن طبيعة الشركة التي ترتكب في ظلها مع جعل الحد الأقصى للغرامة المالية مقرون بقيمة الضرر أو مقدار الربح المتوخاة تحقيقه من وراء هذه الجريمة ، إذ كيف لمن اختلس مبالغ طائلة تفوق قيمتها أضعاف الحد الأقصى للغرامة المالية أن يعبر أي إهتمام لما يتوخاه المشرع من ردع عن طريق الغرامة المالية .(29 )
2-عدم تطبيق مبدأ الضروف القضائية المخففة :
خلافا لما تسمح به المواد 143 و(30 ) 150 من مجموعة القانون الجنائي و التي تعطي للقاضي إمكانية النزول عن الحد الأدنى المقرر قانونا للعقوبة فإن المادة 377 من قانون 95.17 و المادة 103 من قانون 96.5 يمنع على القاضي النزول عن الحد الأدنى للغرامة المالية المقررة في القانون الجنائي للشركات . (31 )
3-عدم سريان مبدأ إيقاف التنفيذ :
خلافا للمادة 55 من القانون الجنائي منعت المادة 377 من قانون شركة المساهمة تطبيق قاعدة وقف التنفيذ بخصوص الغرامة المالية و حصرها في نطاق العقوبات الحبسية التي يمكن للقاضي جعلها موقوفة التنفيذ .
وبخصوص العقوبات التكميلية لاظافية فإنه و مراعاة لخصوصية نطاق الأعمال فإنه ليست كل العقوبات الأظافية الواردة في المادة 40 من مجموعة القانون الجنائي و إنما تختصر العقوبات الأضافة التي من الممكن تطبيقها على المسيرين في :
-نشر حكم الإدانة كاملا أو مستخرج منه على نفقة المسير .
-تعليق الحكم في الأماكن العمومية .
-تجريد المسير من الأهلية التجارية .
الفقرة الثالثة : خصوصية بعض المحددات العقابية :
لقد جاء قانون 20.05 حاملا في طياته تعديلات جدرية مست بالأساس بعض المحددات العقابية و التي لا يرى فيها سواء التخفيف قدر الإمكان من العقوبات الحبسية و الاقتصار على الزجر المالي المقيد والتي من شأنها أن تؤثر سلبا على زجر إساءة استعمال أموال الشركة (32 )، تقتصر الذكر على حالتين منهما تعديل قانون 05.20 وهما حالة العود غير المقيد بفترة زمنية محددة وتطبيق العقوبة الأشد .
1-اقرار التقييد الزمني لحالة العود :
قبل إدراج قانون 05.20 كانت المادة 375 من قانون شركة المساهمة تجعل الشخص في حالة عود كل من يرتكب جريمة بعد أن يكون قد حكم عليه أما بعقوبة حبسية أو غرامة مالية أو هما معا بحكم حائز لقوة الشيء المقضي به نتيجة جريمة سابقة .
غير أن تعديل قانون 05.20 من المادة 375 حددت المدة التي يعتبر فيها الشخص في حالة عود و التي حددتها في 5 سنوات من تمام تنفيذ العقوبة .
هذا التعديل يرى فيه جانب من الفقه بأنه تعديل اضطراري ومفروض، إذ أن الصيغة القديمة للفصل 375 كانت تحقق حماية أكبر وردع لكل مسير سواء قبل ارتكاب الفعل أو بعد ارتكابها وتنفيذ العقوبة أو تقادمها على اعتبار هذا المسير سيكون على بينة من أن ارتكاب جريمة أخرى خلال ما بقي من حياته سيجعل منه في حالة عود ما يترتب على ذلك من تشديد للعقوبة في حقه وهو ما قد يفيد تقنية مجال الأعمال من أي تصرفات غير مسؤولة (33 )
2-الغاء قاعدة تطبيق العقوبة الأشد :
يعتبر مبدأ العقوبة الأشد من المبادئ التي لم تسلم من تعديل قانون 20.05 إذ كانت المادة(34 ) 376 لا تسمح بتطبيق المقتضيات الزجرية الواردة في قانون الشركات إلا إذا كانت لا تقبل أي تكييف جنائي أشد وفقا لأحكام القانون الجنائي، الأمر الذي كان يعطي الأولوية في غالب الأحيان لتطبيق مقتضيات جريمة خيانة الأمانة كلما كانت أفعال الاختلاس تقبل تكييف خيانة الأمانة .
لكن مع إلغاء المادة القانونية مع تعديل(35 ) 20.05 انحصرت العقوبة في مقتضيات القانون الجنائي للشركات التجارية رغم هزالتها خاصة في جريمة إساءة استعمال أموال الشركة ، الأمر الذي غل يد القاضي والزمه بتطبيق العقوبات المنصوص عليها في قانون الشركات ولو كانت الأفعال قابلة للتكييف كجرائم ذات عقوبات أشد وفقا لأحكام القانون الجنائي،(36 ) وهذا التمييز في المعاملة العقابية بين جرائم الأعمال و الجرائم العادية يرى فيه إخلال بمبدأ المساواة أمام القانون بين المواطنين .
خاتمة :
نخلص من دراستنا لهذا الموضوع الى القول أن المشرع لم يكتفي بالنص العام – الفصل 547 من مجموعة القانون الجنائي المغربي الذي بمقتضاه يجرم جريمة خيانة الأمانة بالنظر لما يمكن أن تلحقه من أضرار بالمال المشترك بل جرم بنص خاص الفصل 384 من قانون شركات المساهمة و الفصل 107 من قانون باقي الشركات عملا دقيقا يتجلى في السلوك المسيء لاستعمال أموال الشركة بما يخالف مصلحتها الاقتصادية .
وعلى الرغم من أوجه التشابه التي يمكن مصادفتها بين جريمة إساءة استعمال أموال الشركة وبعض الجرائم القريبة منها مثل جريمة خيانة الأمانة و جريمة التفالس فإنه أوجه الاختلاف بينها تبقى قائمة على المستوى القانوني .
ولعل السبب في تجريم الأفعال التي تسيء استعمال أموال الشركة يرجع الى رغبة المشرع في المحافظة على المال المشترك و المصلحة المشتركة و الاقتصاد الوطني في النهاية . ويبدو أن العقوبات التي نص عليها المشرع ضد المسير في حالة ارتكابه لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة متلائمة مع هذا النوع من الجرائم، ومن الأفضل من ذلك أن المشرع اعتمد العقوبات المالية لكونها تكون رادعة أكثر من الثانية على أساس أن المسير غالبا ما يهدف من خلال إساءة استعمال أموال الشركة إلى تحقيق أغراض و منافع و مزايا خاصة ، وبعبارة مختصرة فالتاجر أو المسير يبحث طبعا عن المزيد من الربح ولا شك أن أفضل عقوبة لردعه تتجلى في المساس بوضعيته المالية لانها هي المنطقة الحساسة بالنسبة له .
لائحة المراجع :
(1 ) – موردي امينة -جريمة التعسف في استعمال أموال الشركة – مذكرة التخرج لنيل شهادة الماستر في القانون -تخصص قانون أعمال -جامعة 8 ماي 1945 قائمة كلية الحقوق و العلوم السياسية سنة 2015.2016 ص1.
(2 ) – رضى ابن خدة – القانون الجنائي للشركات التجارية – محاولة من أجل نظرية عامة . رسالة لنيل دبلوم الماستر . تخصص القانون و المقاولة . جامعة المولى إسماعيل كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مكناس . سنة 2008.2009 . ص 3و 4
(3 ) – المختار البقالي – جريمة إساءة استعمال أموال الشركة – رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص – تخصص القانون و المقاولة . جامعى الولى إسماعيل كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مكناس . عدم ذكر الطبعة ص 6 ،7
(4 ) – عبد الحفيظ بلقاضي – جريمة إساءة استعمال أموال الشركة – المجلة المغربية لقانون الأعمال و المقاولات العدد 11 . أكتوبر 2006 -ص 15 .
(5 ) – ظهير شريف رقم 1.96 124 الصادر بتاريخ 14 ربيع الأول 1417 (30 شتنبر 1996 ) بتنفيذ القانون رقم 17.95 المتعلق بشركة المساهمة .
(6 ) – جاء فيه ” من اختلس أو بدد بسوء نية . أضرار بالمالك أو واضع اليد أو الحائز . امتعة أو نقوذا أو بضائع أو سندات أو وصولات أو أوراقا من أي نوع تتضمن أو تنشىء التزاما أو إبراء كانت سلمت إليه على أن يردها أو سلمت إليه الاستعمالها أو استخدامها لغرض معين يعد خائنا للأمانة يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات و غرامة من مأتين إلى ألفي درهم …..
(7 )
(8 ) – هشام الأعرج – الآليات القانونية لحماية أموال الشركات التجارية من التلاعبات – رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص . كلية الحقوق بفاس -سنة 2012.2013 ص 105 .
(9 ) مقال الكتروني – رحاب المعرفة القانونية – https://www.google.com/url?sa=t&source=web&rct=j&url=https://m.facebook.com/permalink.php%3Fstory_fbid%3D282309918567027%26id%3D281268875337798&ved=2ahUKEwij7pSO46ffAhXrQxUIHf8wAg0QFjADegQICRAB&usg=AOvVaw2Sug2sCPKE-1-ONq2chMgA
تاريخ الاطلاع 16 دجنبر 2018 على الساعة 10.12 .
(10 ) – مقال إلكتروني – رحاب المعرفة القانونية – العنوان الإلكتروني السابق .
(11 ) – من خلال المواد 3/384 ق . س نلاحظ أن الفاعل الأصلي هو كل من أجهزة الإدارة و التدبير و التسيير . والمادة 107 من قانون باقي الشركات انه المسير القانوني أو الفعلي . وكل من أساء استعمال أموال الشركة من غير المذكورين في هذه المواد يعاقب بجريمة خيانة الأمانة .
(12 ) – هشام الأعرج ، مرجع سابق . ص 106 .
(13 ) – مقال الكتروني – رحاب المعرفة القانونية – العنوان الإلكتروني السابق .
(14 ) – هشام الأعرج ، مرجع سابق . ص 106.107
(15 ) – مقال الكتروني – رحاب المعرفة القانونية . م.س
(16 ) – هشام الأعرج ، مرجع سابق . ص 107 .
(17 ) – هشام الأعرج . مرجع سابق . ص 108.107
(18 ) – فاطمة الذيب – القانون الجنائي للأعمال خصوصياته و تطبيقاته – رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص – كلية الحقوق بفاس ، سنة 2007.2008 . ص 90 .
(19 ) – هشام الأعرج . مرجع سابق . ص 108
(20 ) – فاطمة الذيب . مرجع سابق ص 92
(21 ) – محمد بن دعيمة. جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة . مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر في الحقوق تخصص القانون الجنائي للأعمال . كلية الحقوق و العلوم السياسية قسم الحقوق السنة الجامعية 2016.2017 .
(22 ) – رضى بن خدة. مرجع سابق . ص 83
(23 ) – المادة 423 من قانون 95.17
(24 ) – عبد الحفيظ بلقاضي التدخل الجنائي بين التقييد بالحد الأدنى و المد التوسعي الشامل القانون الجنائي المعاصر و التغيير في النموذج الإرشادي مجلة القصر عدد 10 يناير 2005 ص 66 .
(25 ) – هشام الأعرج مرجع سابق . ص 178 .
(26 ) – رضى بن خدة مرجع سابق . ص 91 .
(27 ) – علال فالي . قانون 20.05 مقاربة جديدة لمفهوم التجريم . مجلة القصر عدد 24 شتنبر 2009 . ص 18 .
(28 ) – المادة من قانون العقوبات الفرنسي .
(29 ) – قرار وارد في الآليات القانونية . ص 144 .
(30 ) – تنص المادة 150 من ق ج في الجنح الضبطية بما في ذلك حالة العود يستطيع القاضي…. أن ينزل بالعقوبة المقررة .
(31 ) – هشام الأعرج مرجع سابق . ص 189 .
(32 ) – علال فالي مرجع سابق . ص 11.
(33 ) – علال فالي مرجع سابق . ص 14.
(34 ) – المختار البقالي نرجع سابق . ص 190 .
(35 ) – قانون 20.05 القاضي بتغيير و تتميم. القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 18.08.1 بتاريخ 17 جمادى الأولى 1429 (23ماي2008 ) .
(36 ) – المختار البقالي .مرجع سابق . ص 191 .