أنواع الخطأ الطبي وصوره في المسؤولية المدنية للطبيب الممارس في القطاع الخاص.
مولاي محمد لمين .
ماجستير في العلوم القانونية و الإدارية – تخصص قانون و صحة – باحث في قسم الدكتوراه – جامعة سيدي بلعباس –
أستاذ مساعد متعاقد بمعهد الحقوق بالمركز الجامعي بالنعامة .
ملخص المقال ( باللغة العربية ) .
من خلال دراستنا لموضوع ” أنواع الخطأ الطبي وصوره في المسؤولية المدنية للطبيب الممارس في القطاع الخاص” حاولنا توضيح مفهوم هذا الخطأ و تبيان أنواعه التي تتمثل أساسا في التفرقة بين الخطأ الفني و الخطأ العادي من جهة و الخطأ الجسيم و الخطأ اليسير طبقا لما إستقر عليه رأي الفقه و تبنته أحكام القضاء سواء في فرنسا أو مصر أو الجزائر .
و إستخلصنا بأن الخطأ الطبي لا يمكن إلا أن يكون إخلالا بحق المريض في التطبيب على وجه العموم وفقا لقواعد المهنة المتفق عليها، كما أنه إخلال بتلك الثقة التي وضعها المريض في طبيبه و هو أيضا إخلال بواجب قانوني عام و توصلنا إلى أن الفقه و القضاء إستقر على ضرورة مؤاخذة الطبيب عن جميع أخطائه دون تفرقة بين خطأ فني و خطأ عادي و لا بين خطأ جسيم و خطأ يسير .
كما تطرقنا من خلال هذه الدراسة إلى محاولة تبيان أهم صور الخطأ الطبي المحتملة في جانب الطبيب الممارس في القطاع الخاص بتدرج مراحل العمل الطبي من مرحلة التشخيص مرورا بمرحلة تنفيذ العلاج إلى غاية مرحلة المراقبة اللاحقة على تنفيذ العلاج .
Résumé.
Dans cette étude ont est concluent qu’il faut donc une faute médical cette faute au niveau du doctrine et du jurisprudence c’est une faute ordinaire en laquelle se serait traduit l’oubli par le médecin privé de son devoir professionnel et la conclusion c’est que toute faute du médecin privé engage sa responsabilité civile.
Cependant, l’existence d’une faute professionnelle, en soi, n’est pas suffisante pour entraîner la responsabilité du médecin privé.
La faute se définit, de façon générale, comme un manquement à un devoir .
Aussi dans le domaine du type de faute commis par le médecin privé il ya des fautes de diagnostic et des fautes au cour d’intervention médical et des fautes après l’intervention médical ou thérapeutique ou chirurgical.
مقـدمــة .
إن الخطأ الطبي الموجب للمسؤولية المدنية بصفة عامة هو أي خطأ يثبت في جانب الطبيب سواء تعلق بأداء مهنته كطبيب و هو ما يعرف بالخطأ الفني أو المهني و المتمثل في الخروج عن الأصول الفنية للمهنة و مخالفة قواعد العلم و الأصول الطبية المستقرة أو كان خطأ عادي غير متعلق بالمهنة ناتج عن إهمال الطبيب و تقصيره و عدم إحتياطه و إتخاذه الحيطة و الحذر التي يمليها عليه واجب الحرص و حسن التبصر .
طبقا لما سبق ذكره سوف نتطرق إلى أنواع الخطأ الطبي و صوره في المسؤولية المدنية للطبيب الممارس في القطاع الخاص ضمن فرعين .
الفرع الأول : أنواع الخطأ الطبي.
ينقسم خطأ الطبيب بصفة عامة وخطأ الطبيب الممارس في القطاع الخاص من حيث طبيعتـه إلى خطأ عادي وخطأ فني ومن حيث درجة الخطأ إلى خطأ جسيم وخطأ يسير .
أولا : الخطأ العادي والخطأ الفني .
الخطأ العادي هو الخطأ الخارج عن ميدان المهنة التي يمارسها الشخص الذي نسب إليه الخطأ وهو الإخلال بالإلتزام المفروض على الناس كافة بإتخاذ الحيطة والعناية اللازمة عند القيـــام بسلوك معين لتفادي ما قد يؤدي إليه هذا السلوك من نتيجة ضارة وغير مشروعة فالأخطــاء العادية إذا هي التي تصدر من أي شخص ولا علاقة لها بصفة الطبيب وتسمى أخطاء مادية ومن أمثلة الأخطاء المادية التي يقترفها الطبيب أن يقوم بعملية جراحية وهو في حالة سكـــر أو أن ينسى إحدى أدوات الجراحة في بطن المريض أو إذا ترك وعاء مملوء بالماء الساخن ملاصقا لجسم المريض الواقع تحت تأثير البنج فيتسبب في إحداث حروق للمريض أو إذا لم يراعـي الطبيب قواعد النظافة أثناء عمله أو قيامه بعملية جراحية مع كون يده اليمنى مصابة بعجز عـن الحركة .
أما الخطأ الفني أو الخطأ المهني فهو الخطأ الداخل في نطاق المهنة التي يزاولها الشخــص صاحب تلك المهنة فالخطأ الفني إذا هو إخلال رجل الفن كالطبيب بالقواعد العلمية والفنية التـي تحددها وتفرضها عليه الأصول والأحكام القانونية العامة لمباشرة مهنته ومن أمثلة الأخطاء الفنية التي إرتكبها ذوو المهن الطبية الخطأ في تشخيص المرض أو أن يقوم طبيب غير مختص في الجراحة بإجراء عملية جراحية لمريضه أو أن لا يقوم الطبيب بأمر المريض بأمر معين تحتـم قواعد مهنة الطب ضرورة القيام بذلك.(1) ولا يثور الجدل أو الخلاف حول مساءلة الطبيب عن الخطأ المادي أو العادي الذي إقترفــه سواء خارج ميدان عمله الفني أو داخله فهو يسأل عن الخطأ الذي إرتكبه في جميع درجاتـــه وصوره كما هو الشأن بالنسبة للشخص العادي ولكن ثار النقاش حول الخطأ الفني الذي يقترفـه الأطباء إخلالا بالقواعد الفنية التي تلزمهم بها القواعد الطبية .
فذهب رأي من الفقه إلى أن الطبيب لا يمكن مساءلته عن الخطأ الفني فلا يسأل عن رأيه أو عن المذهب العلمي الذي يعتنقه أو العلاج الذي يصفه أو عن التدخلات الجراحية التي يجريها ويعتمد هذا الرأي على أن الطبيب بحصوله على الإجـازة والدرجة العلمية والتي بمقتضاها ترخص له الدولة مباشرة مهنة الطب يكون جديرا بالقيام بعمله وبالتالي أهلا لثقة الناس به هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن العلم والعمل الطبي بإعتباره علمـا متطورا غير ثابت يعتمد فيه التشخيص على الحدس والإستنتاج مما يسهل وقوع الطبيب فــي الخطأ وأن إثارة مسؤوليته يعني تقييد حريته في مباشرة العلاج الذي يراه ملائما. (2) أضف إلى ذلك أن إخضاع الطبيب الحاصل على درجة علمية لأي رقابة في ممارسة مهنتـه يقلل من شأن درجته العلمية بل ويعدم قيمتها كما يضر بسمعة مهنة الطب ويعطل مزاولتهـــا وبالتالي تقدمها وتطورها فالطبيب حسب هذا الرأي لا يسأل إلا أمام ضميره وأمام الرأي العام (3) , وقد رد على هذا الرأي جانب من الفقه نادى بمسؤولية الطبيب عن خطئه الفني بقولهــم أن المشرع عندما إشترط إستبعاد كل شخص لم يكن قد حصل على القدر الكافي من المعلومات التي تجعله قديرا وكفئا وماهرا لعلاج المرضى لم يقصد من إشتراط الشهادة العلمية أن يعتبـر حاملها معصوما من الخطأ ناهيك عن أن كفاءة صاحب الشهادة تتعلق بوقت الحصول عليها ولا تؤمن إستمرار هذه الكفاءة بعد ذلك فالشهادة وحدها لا تسعف أصحاب هذه النظرية لإستبعاد مسؤولية الطبيب وأما بشأن كون العمل الطبي علم متطور وغير ثابت فإنه رغم التسليم بذلك إلا أن قواعد وإحتياطات ثابتة ومستقرة على مدى عدة سنوات يتعين على الطبيب التقيد والإلمام بها وأن أي إخلال بذلك يرتب مسؤوليته .
كما ذهب هذا الرأي أن التمييز في الأخطاء التي يرتكبها الطبيب بين الخطأ العادي والخطأ الفنـي ليـس لـه أي سنـد في القانـون وهـو ما ذهب إليه الفقـه الفـرنسي أن المادتيـن ( 1382_1383) من القانون المدني الفرنسي ما هما إلا نصان عامان ومطلقان لا يفرقان بين الطبيب وغيره أو بين خطأ عادي و فني أو مهني(3) وليس لهذه التفرقة كذلك سند في التشريع الجزائري .
وقد ذهب الدكتور السنهوري في هذا الصدد إلى القول ” إن التمييز بين الخطأ المادي والخطأ الفني في مزاولة المهنة فوق أنه دقيق في بعض الحالات لا مبرر له وإذا كان الطبيب أوغيـره من العملاء في حاجة إلى الحماية من الأخطاء الفنية فالواجب إعتبار الرجل الفني مسؤولا عـن خطأه المهني مسؤوليته عن خطأه العادي فيسأل في هذا أو ذاك حتى عن الخطأ اليسير والـذي أدخل اللبس في شأن الخطأ المهني أن المعيار الذي يقاس به هذا الخطأ هو أيضا معيار فني فهـو معيار شخص من أواسط رجال الفن مثل هذا الشخص لا يجوز له أن يخطئ فيما إستقرت عليه أصول فنه والأصول المستقرة للفن هي ما لم تعد محلا للمناقشة بين رجال هذا الفن بل جميعهم يسلمون بها ولا يقبلون فيها جدلا ومن ثم يبدو الخروج على هذه الأصول المستقرة خطأ لا يغتفر ويكاد يلامس الخطأ الجسيم فاختلط به ولكن يجب التنبيه إلى أن الخروج على هذه الأصـــول المستقرة جسيما كان هذا الخروج أو يسيرا بعد خطأ مهنيا يستوجب المسؤولية (4) .
وذهب الرأي الراجح إلى القول بأنه إذا كان الأطباء في حاجة إلى ثقة وطمأنينة أثنـــــاء ممارستهم لمهنتهم فإن المريض في حاجة إلى الحماية والرعاية من الأخطاء الفنية وبالتالي إعتبار الرجل الفني أو المهني مسؤولا عن خطئه المهني أو الفني كمسؤوليته عن خطأه العادي فيسـأل عن هذا وذاك حتى ولو كان ذلك يسيرا وعلى هذا إستقر القضاء الفرنسي والمصري والسـوري والجزائري (5) .
ثانيا : الخطأ الجسيم والخطأ اليسير .
لقد كان الهدف من تقسيم الخطأ الذي يرتكبه الأطباء إلى خطأ مهني جسيم وخطأ عقــدي يسير هو إعفاء الأطباء من المسؤولية عن الخطأ المهني إلا إذا كان جسيما ويعرف الخطأ الجسيم قانونا أنه ذلك الخطأ الغير عمدي والذي لا تتوافر فيه نية الإضرار بالغير ولكن كون هذا الخطأ جسيما وكبيرا فإن ذلك دفع بفقهاء الرومان إلى تشبيهه بالخطأ العمدي أو الخطأ التدليسي مــن نواح معينة ، فالخطأ الجسيم بصفة عامة هو ذلك الخطأ الذي لا يصدر إلا من أقل النــاس تبصرا(6) .
وفيما يتعلق بمسؤولية الطبيب الممارس في القطاع الخاص بصفة خاصـــة أو الطبيب بصفة عامة فيسأل عن كل خطأ يصدر منه بلا تفرقة بين خطأ فني وخطأ عادي ولا بين خطأ جسيم أو خطأ يسير .
ومن ثم فالطبيب يخضع للمعيار العام أو بعبارة أخرى يسأل الطبيب كلما كان الخطأ الذي أتاه لا يأتيه طبيب من مرتبته وجد في ذات الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب المسؤول فالطبيب الإختصاصي مسؤوليته أشد في مجال تخصصه من الممارس العام ، وكان بعــض الفقهاء يقول للتيسير على الأطباء بالتفرقة بين الخطأ الفني الذي يتصل بالمهنة والخطأ العـادي الذي لا يتصل بالمهنة وفي صدد الأول لا يسأل إلا عن خطئه الجسيم أما بصدد الثاني فيعامل الطبيب كأي شخص آخر وهذا مردود من ناحية أن الأفراد من ناحية أخرى في حاجة إلـى حمايتهم من إهمال الطبيب ( 7) .
كما أن تبني فكرة الخطأ المهني الجسيم سرعان ما إندثرت وفقدت كثيرا من بريقها وشهرتها على إثر الحكم الصادر عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 20 ماي سنة 1936 حيث قـررت أن الطبيب وبمقتضى عقد العلاج المبرم بينه وبين المريض ملزم ببذل عنايتــه للمريض على أساس من الجهود الصادقة والمتفقة مع الأصول العلمية الثابتة وأن أي إخلال بهذا الإلتزام متعمد كان أو غير متعمد جزاؤه المسؤولية التعاقدية (8).
وهذا الحكم يمكن تطبيقه على الخطأ الذي يرتكبه الطبيب الممارس في القطاع الخـاص بإعتباره يرتبط بمريضه بموجب عقد علاج طبي.
وخلاصة القول أن إشتراط توافر الخطأ الجسيم لكي تنعقد المسؤولية المدنية للطبيب لم يعـد مأخوذا به بل إن الفقه والقضاء هجره وإكتفيا بوجود الخطأ سواء كان جسيما لا يغتفر أو يسيرا وعلى هذا سار القضاء في الجزائر فقد أقرت المحكمة العليا في الجزائر مسؤولية الطبيب عـن الخطأ المرتكب من طرفه ولم تشترط في أي قراراتها شرط الخطأ الجسيم ومن تلك القـرارات القرار المؤرخ في 30/05/1995 والسابق الإشارة إليه أين قررت ” من المقرر قانونا أن كـل إهمال أو عدم إنتباه أو عدم مراعاة للأنظمة يفضي إلى القتل الخطأ يعرض صاحبه للمسؤولية الجزائية .
ومتى ثبت أن خطأ الطبيب أدى إلى وفاة الضحية وتوافرت العلاقة السببية بينهما إستنادا لتقرير الخبرة وإعترافات المتهم إذ أمر بتجريع دواء غير لائق بصحة المريض .
فإن قضاة الموضوع قد أعطوا للوقائع التكييف الصحيح وسببوا قرارهم بما فيه الكفاية”(9) .
الفرع الثاني : صـور الخطـأ.
سنتطرق لبعض صور الخطأ الطبي للطبيب الممارس في القطاع الخاص الأكثر شيوعــا والأكثر أهمية نظرا لصعوبة حصر جميع صور الخطأ الطبي وهذه الصور هي الخطأ فـي التشخيص والخطأ في تنفيذ العلاج أو التدخل الجراحي والخطأ في المراقبة والتي سنتناولهـا تباعا.
أولا : الخطأ في التشخيص .
إذا كان الهدف الأساسي للعمل الطبي هو علاج المريض أو على الأقل التخفيف من آلامه فلا شك أن ذلك لا يمكن تحقيقه إلا من خلال العمل أولا على معرفة حالة المريض ومدى الخطورة فيها وسوابقه المرضية وما يمكن أن تؤول إليه هذه الحالة .
وهذا في الواقع ما لا يمكن التوصل إلى معرفته إلا من خلال التشخيص لذلك يعرفه الفقــه بأنه “ذلك الجزء من الفن الطبي الذي يهدف لمعرفة طبيعة المرض ووضعه في الإطار المحدد له “ (10) .
ولقد نصت المادة 16 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائرية ” يخول الطبيب أو جراح الأسنـان القيام بكل أعمال التشخيص والوقاية والعلاج لا يجوز للطبيب أو جراح الأسنان أن يقدم علاجـا أو يواصله أو يقدم وصفات في ميادين تتجاوز إختصاصاته أو إمكانياته إلا في الحــالات الإستثنائية ” .
وذهب الفقه والقضاء إلى القول أن مجرد الغلط في التشخيص لا يشكل في حد ذاته خطأ تقوم بـه مسؤولية الطبيب فكما يرى البعض فإن الخطأ في هذا المجال لا يظهر إلا إذا تبين أن الوسائـل وبصفة عامة الحرص الضروري لوضع تشخيص دقيق لم توضع موضع التطبيق فالقضاء لـم يشأ أن يؤاخذ الطبيب على مجرد الغلط الذي هو من الطبيعة الإنسانية ويمكن أن يقع فيه أفضـــل الأطباء إنما يريد الوقوف بوجه كل إهمال أو تقصير من جانب الطبيب في لجوئه إلى كافــة الوسائل الحديثة للبحث والتحري التي توفرها له المعطيات العلمية في المجال الطبي , وإذا وجد الطبيب نفسه إزاء وضع لا يمكن تفسيره في ضوء المعطيات العلمية فهو يرتكب خطأ تقوم به مسؤوليته إذا لم يأخذ هذا الوضع في الإعتبار عند قيامه بالتشخيص(11) .
أما من حيث إثبات خطأ الطبيب الممارس في القطاع الخاص أثناء مرحلة التشخيص فهذا الإثبات تصادفه صعوبتان الأولى تأتي من ناحية أنه وفقا للقواعد العامة في الإثبات يقع عبئ هذا الإثبات على عاتق المريض والثانية أنه لا يتصور أن يثير الطبيب المخطئ مسألة إرتكابه خطأ فـــي التشخيص لذلك عادة ووفقا للإجراءات المتبعة أمام القضاء فإن القاضي يقوم بندب خبير في هـذا الشأن نظرا للطبيعة الفنية لهذا العمل .
ثانيا : الخطأ في تنفيذ العلاج .
بعد قيام الطبيب الممارس في القطاع الخاص بعملية التشخيص وإختيار العلاج المناسـب للمريض يبدأ الطبيب في تنفيذ العلاج والواقع أنه إذا كان الطبيب لا يسأل عن الآثار السيئــة التي تحدث نتيجة لهذا العلاج أو الأسلوب العلاجي ما دام قد تقيد في ذلك بالأصول العلمية فـإن الطبيب يمكن مساءلته عن التنفيذ السيئ للعلاج أو الطريقة العلاجية التي إختارها وذلك متى ثبت خطئه في هذا التنفيذ .
ويؤكد الفقه الفرنسي على دقة القول بوجود خلل في تنفيذ العلاج وذلك بسبب هامش الإحتمال الملازم لتنفيذ كل عمل علاجي أو جراحي ويرى هذا الفقه أن القضاء الفرنسي يعي هذا الوضع إلى حد كبير ويقبل فكرة المخاطر الضرورية إلا أنه مع ذلك يقرر بشكل صارم أن كل إهمال أو عدم إحتياط أو رعونة ولو كان ضئيلا يشكل خطأ من جانب الطبيب يقيم مسؤوليتــه ودون أن يعتد في هذا المجال بالغلط المرتبط بالطبيعة الإنسانية والذي لا يمكن لأمهر الأطباء تجنبه (12) . ومرحلة العلاج كثيرة التشعب ومن العسير متابعة جميع تشعباتها وأخطاء العلاج كثيرة فهناك الخطأ في الحقن بالأمصال والخطأ في وصف العقاقير السامة والخطأ في التدخل الجراحـــي والخطأ في العلاج بالأشعة والخطأ في نقل الدم والتجارب الطبية وجراحة التجميل والخطأ فـي العلاج النفسي وتحليله وكذلك الخطأ في إختيار وسائل العلاج (13) .
فهناك الوسائل اليدوية كما في علاج تقويم العمود الفقري يدويا وكذلك معالجة المريـــض بالوسائل البدائية والميكانيكية وخاصة الضوء والحرارة وكذلك التخثير الكهربائي والحــراري للشعر والسحاج الجلدي والعلاج الغذائي والطب المغناطيسي.
ومن البديهي أن الطبيب بصفة عامة والطبيب الممارس في القطاع الخاص بصفة خاصــة لا يسأل عن قيامه بالعلاج المطابق للأصول العلمية فلا تنهض مسؤوليته عن الآثار السيئة الناجمة عن هذا العلاج إلا إذا أقيم الدليل على وجود خطأ يستنتج من الإهمال الذي حدث من جانــب الطبيب أثناء قيامه بمهمته (14) .
فالطبيب ملزم أثناء تقديمه للعلاج لمريضه أن يبذل العناية الواجبة التي تمليها عليه أصــول مهنة الطب وقواعدها فلقد نصت المادة 45 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائرية ” يلتزم الطبيب أو جراح الأسنان بمجرد موافقته على أي طلب معالجة بضمان تقديم علاج لمرضاه يتسم بالإخلاص والتفاني والمطابقة لمعطيات العلم الحديثة والإستعانة عند الضرورة بالزمـــــلاء المختصين والمؤهلين ” .
هذا وتتعدد التطبيقات القضائية لصور الخطأ الطبي في مجال تنفيذ العلاج سواء أكان العلاج غير جراحي أم كان علاجا جراحيا .
فقد أخذ القضاء بخطأ الطبيب الجراح المتمثل في عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة التي كانـت تقتضيها حالة المريض الخاصة .
كما أقر القضاء بخطأ الجراح لإجرائه عملية لطفل حديث الولادة تحت مفعول مخدر عــام وعميق دون مراعاة الوقت المناسب بين تهيئته للجراحة والشروع في تنفيذها.
كما يعتبر من السائد والمعمول به لدى القضاء هو إعتبار نسيان الطبيب الجراح لجسم غريب في جسم المريض خطأ يوجب مسؤوليته بغض النظر عن الظروف التي يتم فيها التدخــل الجراحي (15) .
ثالثا : الخطـأ في المراقبـة.
إن علاقة الطبيب الممارس في القطاع الخاص بالمريض لا تنتهي بمباشرة الأول للعلاج أو التدخــل الجراحي فعلى الطبيب واجب مراقبة مريضه للتأكد من أثار العلاج ومدى تأثيره على المريض .
ولا شك أن واجب مراقبة المريض تظهر أهميته بصفة خاصة عقب إنتهاء العمليات الجراحية غير أن ذلك لا ينفي أهميته في حالات العلاج الغير جراحي سيما إذا كان العلاج عن طريـق إستخدام أدوية يمكن أن تنتج عنها آثار ضارة أو خطيرة بالنسبة للمريض وهذا ما أكدته بعض أحكام القضاء .
فقضي مثلا باعتبار الطبيب مسؤولا عن وفاة مريضة كان قد وصف لها علاجا للتخسيـــس ينطوي على قدر من الخطورة دون متابعة لأثار هذا العلاج كما إعتبر القضاء الطبيب مسـؤولا عن عدم مراقبة تنفيذ تعليماته وكانت الدعوى في هذه الحالة الأخيرة تتعلق بشخص أصيب فـي حادث فأعطى الطبيب الذي تولى الكشف عليه تعليمات بإعطائه حقنة مضادة للتيتانوس غير أن المريض لم يأخذ هذه الحقنة فأصيب بالمرض ولكن تمت معالجته منه ورغم ذلك فقد تخلفـت عن هذه الإصابة أضرار جسيمة فرفع هذا المريض دعوى على الطبيب نسب إليه فيها عــدم مباشرته بنفسه الحقن للمريض الذي أصيب به فاستجابت المحكمة له وألزمت الطبيــــب بالتعويض (16) .
وأول من يقع عليه واجب مراقبة المريض بعد إنتهاء التدخل العلاجي خاصة الجراحي هــو طبيب التخذير الذي كما يجب عليه أن يعرف كيفية تخذير المريض عليه واجب إخراجه من حالة التخذير وإعادة الإفاقة إليه لتجنب كل ما يمكن أن يثور من مشاكل تنفسية أو قلبية وقد إعتـرف القضاء الفرنسي في الوقت الحاضر بإنعقاد عقد بين المريض وطبيب التخذير الذي يراه عشية إجراء العملية وإن كان إختيار طبيب التخذير تم من طرف الطبيب الجراح (17) .
غير أن واجب المراقبة لا يقتصر على طبيب التخذير فالجراح الذي أجرى العملية عليه كذلك واجب مراقبة المريض ومتابعته بعد إنتهاء العملية .
فقد إعتبر الجراح مسؤولا عما أصاب المريض من حروق أثناء غيبوبته عقب إجراء العمليـة الجراحية بسبب عمليات التدفئة التي قام بها الممرضون إذ كان على الطبيب الجراح أن يراقب بنفسـه درجة الحرارة اللازمة .
كما أقر القضاء بخطأ الجراح لعدم لفت نظر المريض إلى ضرورة وضع سيقانه بطريقة معينـة عقب الجراحة التي أجراها له ، رغم ما في ذلك من أهمية في نجاح العملية أو فشلها ومن ذلـك أيضا إعتبار الطبيب الجراح مخطئا لتركه المريض يعود إلى منزله عقب إجراء جراحة له في عينه دون أية مساعدة أو إحتياطات رغم علمه بأن المريض سيصعد الطابق الثالث وإمكان تأثر الجراح بذلك وحدوث مضاعفات خطيرة له (18).
خــاتمــــة .
لقد حاولنا من خلال هذه الدراسة التطرق إلى أنواع و صور الخطأ الطبي في مجال المسؤولية المدنية للطبيب الممارس في القطاع الخاص بإعتبارها فرع من المسؤولية المدنية الطبية بصفة عامة وتبين أن قوام المسؤولية المدنية للطبيب الممارس في القطاع الخاص تجاه المريض المضرور هو صدور خطأ منه بالمخالفة للأصول الفنية لمهنة الطب هذا من جهة و من جهة أخرى أن الفقه و القضاء مستقر على مساءلة الطبيب عن جميع الأخطاء التي تصدر منه سواء كانت عادية أم فنية و سواء كانت جسيمة أم يسيرة.
كما تبين لنا أن أخطاء الطبيب الممارس في القطاع الخاص تتعدد صورها بتعدد مراحل التدخل الطبي فلا تقتصر الأخطاء فقط على مرحلة العلاج بل تسبق ذلك بإمكانية وقوعها أثناء مرحلة التشخيص و كذا في مرحلة لاحقة على العلاج و هي مرحلة المراقبة اللاحقة لتنفيذ العلاج.
التهميش و الإحالات :
- الدكتور أسعد عبيد الجميلي , الخطأ في المسؤولية الطبية المدنية , دار الثقافة للنشر والتوزيع , طبعة 2009 , صفحة رقم 109 .
- الدكتور أسعد عبيد الجميلي , المرجع السابق , صفحة رقم 191.
- الدكتور رايس محمد , المسؤولية المدنية للأطباء في ضوء القانون الجزائري , دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع طبعة 2007 , صفحة رقم 171.
- الدكتور أسعد عبيد الجميلي , المرجع السابق , صفحة رقم 199.
- الدكتور أسعد عبيد الجميلي , المرجع السابق , صفحة رقم 198.
- الدكتور رايس محمد, المرجع السابق , صفحة رقم 174 .
- الدكتور رايس محمد , المرجع السابق , صفحة رقم 179 .
- الدكتور محمد حسنين , الوجيز في نظرية الإلتزام , مصادر الإلتزامات وأحكامها في القانون الجزائري , المؤسسة الوطنية للكتاب , طبعة 1983 ص 153.
- الدكتور رايس محمد , المرجع السابق , صفحة رقم 180.
- قرار المحكمة العليا , غرفة الجنح والمخالفات , المجلة القضائية , العدد الثاني لسنة 1996, صادرة عن قسم الوثائق للمحكمة العليا .
- الدكتور محمد حسن قاسم , إثبات الخطأ في المجال الطبي دار الجامعة الجديدة , طبعة 2006, صفحة رقم 222.
- الدكتور محمد حسن قاسم , المرجع السابق , صفحة رقم 223.
- الدكتور محمد حسن قاسم , المرجع السابق , صفحة رقم 225.
- الدكتور أسعد عبيد الجميلي , المرجع السابق , صفحة رقم 395 .
- الدكتور أسعد عبيد الجميلي , المرجع السابق , صفحة رقم 306.
- الدكتور محمد حسن قاسم , المرجع السابق , صفحة رقم 227.
- الدكتور محمد حسن قاسم , المرجع السابق , صفحة رقم 228.
- المجموعة المتخصصة في المسؤولية القانونية للمهنيين , الجزء الأول المسؤولية الطبية , منشورات الحلبي الحقوقية بيروت , لبنان , الطبعة الثانية 2004 , صفحة رقم 116.
(19) الدكتور محمد حسن قاسم , المرجع السابق , صفحة رقم 229.