في الواجهةمقالات قانونية

إشكاليات إثبات سن الحدث – الباحث : سفيان البقالي 

 

 

إشكاليات إثبات سن الحدث

سفيان البقالي
باحث في العدالة الجنائية والعلوم الجنائية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس.

لا شك أن إجرام الأحداث ظاهرة اجتماعية عاشت في كل مجتمع واختلفت نظرة التاريخ الاجتماعي الى هذه المشكلة، فقديما اعتبر الحدث المنحرف مجرما وانه يستحق العقاب ولا سبيل الى إصلاحه إلا بالبتر حتى لا يصاب المجتمع باختلال توازنه، أما المجتمعات الحديثة فقد أدركت بما لا يدعو للشك أن الأحداث غالباً هم ضحية ظروف اجتماعية أدت بهم إلى الانحراف وسوء التكيف، وأن تهيئة الظروف الاجتماعية وتدعيمها بالمقومات الصالحة لتنشئتهم من عطف و حنان هي الحفاظ الحقيقي لقواهم و انطلاقهم نحو غايات اجتماعية صالحة.

فالأحداث هم نواة المجتمع البشري ومرحلة الحداثة يتوقف عليها الى حد بعيد بناء شخصياتهم وتحديد سلوكهم في المستقبل، وأي جهد يوجه لرعايتهم وحمايتهم هو في نفس الوقت تأمين لمستقبل الأمة وتدعيم لسلامتها.

و يعد موضوع المسؤولية الجنائية للأحداث من المواضيع الهامة سواء من الناحية النظرية و العملية على حد سواء، فمن الناحية النظرية يبين كيفية معاملة الأحداث الجانحين سواء من ناحية العقوبة أو من ناحية القواعد الإجرائية الخاصة بملاحقتهم أو محاكمتهم، و مدى فعالية تلك المساءلة الجزائية للحدث و مدى مواكبتها للتطور الحاصل في التشريعات المقارنة، أما من الناحية العملية فالواقع يؤكد تزايد جنوح الأحداث مما يتطلب مسائلتهم جنائيا بهدف تأهيلهم و إعادة إدماجهم في المجتمع.

وتبعا لذلك عملت مختلف التشريعات على تنظيم المسؤولية الجنائية للأحداث إسوة بالاتفاقيات الدولية انطلاقا من إبراز مفهوم الحدث إما بشكل صريح أو ضمني (الفقرة الأولى)، وتبيان الكيفيات والوسائل التي من خلالها يتم تحديد سن الحدث وإثباته (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مفهوم الحدث على مستوى التشريع والاتفاقيات الدولية:

سنتطرق في هاته الفقرة إلى مفهوم الحدث في التشريعات (أولا)، وفي الاتفاقيات الدولية (ثانيا).

أولا: مفهوم الحدث في التشريع:

إن مصادقة الدول على المواثيق الدولية المتعلقة بالأحداث دفعها لتكريس مفهوم الحدث في تشريعاتها الوطنية، وهذا ما سيبرز من خلال الوقوف عند مفهوم الحدث في التشريع المغربي (أ)، وفي التشريعات المقارنة (ب).

أ: في التشريع المغربي:

  • على مستوى القانون الجنائي: إن المشرع الجنائي المغربي كغيره من التشريعات لم يعرف صراحة الحدث، لكن يمكن استخلاص من منطوق المادتين 140 من ق.ج و458 من ق.م.ج أن الحدث هو كل شخص سواء ذكر أو أنثى لم يبلغ سن الرشد القانوني المحدد في القانون المغربي أي 18 سنة شمسية كاملة، فسن الحدث يعتبر المعيار الأساسي لتحديد ما إذا كانت مسؤوليته كاملة أو ناقصة أو منعدمة[1]، فالمشرع المغربي اعتبر الحدث الذي لم يبلغ سن اثنتي عشر سنة كاملة غير مسؤول جنائيا لانعدام أحد الشروط الأساسية لقيام المسؤولية الجنائية المتمثل في التمييز، في حين أن الحدث الذي بلغ سن اثنتي عشر سنة ولم يبلغ سن الرشد القانوني ثمان عشرة سنة كاملة يعتبر ناقص المسؤولية لعدم اكتمال تمييزه.
  • على مستوى القانون المدني: إذا كان المشرع الجنائي استعمل لفظ الحدث للحديث عن الطفل فإن المشرع المدني استعمل لفظ القاصر للحديث عنه، لكنه سار على نفس نهج المشرع الجنائي حيث لم يقم بتقديم تعريف واضح للقاصر وترك ذلك للفقه، فقد عرفه كمال حمدي بأنه “القاصر هو الذي لم يبلغ سن الرشد القانوني، ذلك لأن حياة الفرد تنقسم قانونا إلى مرحلتين الأولى يكون فيها قاصرا والثانية يكون فيها راشدا، ذلك أن الطبيعة نفسها قسمت الحياة إلى مراحل عدة تبعا للتقدم الجسماني والعقلي للإنسان”[2].

وإن المشرع المغربي قد ميز بين القاصر والراشد، فبالرجوع للمادة 214 من مدونة الأسرة نجد أن الصغير المميز هو الذي أتم الثانية عشر سنة شمسية كاملة، كما أورد في الفصل 225 من مدونة الأسرة العديد من الأحكام التي تخضع لها تصرفات الصغير المميز، فهذه التصرفات إما أن تكون نافعة نفعا محضا أو تصرفات ضارة ضررا محضا، أو تصرفات دائرة بين النفع والضرر[3].

ب: في التشريعات المقارنة:

  • التشريع الفرنسي: إن المشرع الفرنسي لم يعرف الحدث، لكن انطلاقا من الفصل 122.8 من القانون الفرنسي الصادر سنة 1945 اعتبر كل شخص دون سن الثالثة عشرة منعدم المسؤولية، بينما كل شخص يتراوح عمره بين سن الثالثة عشرة والثامنة عشرة سنة مسؤوليته ناقصة.
  • التشريع المصري: عرف المشرع المصري في المادة الثانية من القانون رقم 12 لسنة 1996 الحدث بأنه ” كل لم يبلغ ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة”[4]، أما قانون الأحداث المصري رقم 31 لسنة 1974 فقد عرفه بمن لم يتجاوز سنه ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة وقت ارتكاب الجريمة[5]، في حين أن محكمة النقض المصرية عرفت الحدث بأنه من لم يتجاوز سنه ثماني عشرة سنة ميلادية وقت ارتكاب الجريمة[6]، بينما عرف قانون العمل المصري رقم 12 لسنة 2003 الحدث بأنه كل من بلغ الرابعة عشر سنة أو تجاوز سن إتمام التعليم الأساسي ولم يلغ ثماني عشرة سنة كاملة .[7]
  • التشريع الجزائري: إن المشرع الجزائري لم يورد تعريفا واضحا للحدث، فالحدث بصفة عامة يقصد به ذلك الشخص الذي لم يبلغ بعد سن الرشد المقرر قانونا أي الثامنة عشرة سنة بالنسبة لسن الرشد الجزائي طبقا لنص المادة 442 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، أو التاسعة عشرة سنة بالنسبة لسن الرشد المدني طبقا لأحكام المادة 40 من القانون المدني الجزائري[8].
  • التشريع الأردني: بالرجوع إلى قانون الأحداث الأردني رقم 32 لسنة 2014 نجده قد ميز بين بين الحدث و الفتى و المراهق، حيث اعتبر الحدث كل من لم يتم الثامنة عشر من عمره[9].
  • التشريع الكويتي: إن قانون الأحداث الكويتي رقم 111 لسنة 2015 عرف الحدث بأنه كل شخص لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، أما الحدث المنحرف فهو كل من أكمل السنة السابعة من عمره ولم يتجاوز السادسة عشرة وارتكب فعلاً يعاقب عليه القانون[10].

وخلاصة القول يتبين لنا مما سبق أن جل التشريعات ربطـت بـين تعريـف الحـدث و صـغير السـن، وتحديـد السـن الـذي يخـرج بـه الصـغير مـن مرحلـة الحداثـة نظـرا لارتبـاط مسـؤوليته الجنائية بالسن،  فهو قبل التمييز عديم المسؤولية، وبعد التمييز وقبل بلوغ سن الرشد الجزائي ناقص المسـؤولية، وإذا بلـغ السـن الـذي حـدده القـانون للرشـد أصـبح مسؤولا مسؤولية كاملة، وهذا هو التدرج الذي اعتمده المشرع المغربي في إطار المسؤولية الجنائية.

ثانيا: مفهوم الحدث في الاتفاقيات الدولية:

أخد الاهتمام بحقوق الانسان بعدا عالميا بداية من القرن العشرين، حيث توالت الاعلانات و الاتفاقيات الخاصة بالطفولة، كما اهتمت معظم المواثيق الدولية بمعالجة جنوح الأحداث و ذلك في شكل قواعد و اتفاقيات يصادق عليها الدول الأعضاء نذكر منها ما يلي:

  • اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل: تــنص المــادة الأولى مــن اتفاقيــة حقــوق الطفــل الصــادر بقــرار الجمعيــة العامــة للأمم المتحدة لسنة 1989 والتي صادق عليها المغرب بموجب الظهير الشريف رقم 4-93-1 المؤرخ بتاريخ 14/06/1993، على أن: “الطفل يعني كـل إنسـان لم يجـاوز الثامنـة عشرة مالم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه”[11]، فهذا المفهوم أخذ به البروتوكول الملحق باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية المتعلق بمنع ومكافحة الاتجار بالأشخاص، وبصفة خاصة النساء والأطفال، وقد أخذت به العديد من التشريعات الأوربية وهو أيضا التعريف السائد في أغلب قوانین الدول العربية وفي مقدمتها القانون الجزائري، السوري، الليبي والعراقي…
  • قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لإدارة شؤون الأحداث (قواعد بكين): اعتمدت بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 29 نونبر 1985، و تعتبر من أهم الاتفاقيات الدولية وهي عبارة عن قواعد و مبادئ أساسية خاصة بإدارة شؤون قضاء الأحداث الجانحين لتكون نموذجا للدول الأعضاء في الأمم المتحدة في معاملتها مع الأحداث المجرمين[12]، وتنص القاعدة الثانية  من قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لإدارة شـؤون قضـاء الاحداث على أن: “الحدث هو طفـل أو شـخص صـغير السـن يجـوز بموجـب الـنظم القانونيـة ذات العلاقـة مسـاءلته عـن جـرم بطريقـة تختلـف عـن طريقـة مسـاءلة البالغ”[13].
  • الإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايتـه ونمائـه الصـادر في سـبتمبر 1990 ينص أن “الطفـل في نظر الاتفاقية الدولية هـو كـل إنسـان لم يتجـاوز الثامنـة عشـر مـالم يبلـغ سـن الرشـد ذلـك بموجـب القانون المطبق عليه”[14].
  • مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية لمنع جنوح الاحداث (مبادئ الرياض): تلك المبادئ الأساسية للأمم المتحدة لمنع “الجنوح” المعروفة بمبادئ الریاض التوجیهیة التي أعدت في اجتماع لخبراء دولیین عقد في المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب في الرياض، وأوصى باعتمادها مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين، فاعتمدتها الجمعیة العامة للأمم المتحدة يوم 14\12\1990، فمن خلالها وضعت استراتيجيات عامة تكفل الحد من ظاهرة جنوح الأحداث، كما جاءت هذه المبادئ على فكرة مؤداها إن منع الجنوح هو جزء من منع الجريمة في المجتمع بوجه عام، غیر أن هذه المبادئ لم تتطرق إلى وضع تعريف للحدث[15].
  • نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية: يعتبر النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية صغر السن مانع من موانع المسؤولية الجنائية الدولية للفرد[16]، حيث نصت المادة 26 منه على أنه لا يكون للمحكمة الجنائية الدولية اختصاص على أي شخص يقل عمره عن 18 عاما وقت ارتكاب الجريمة المنسوبة إليه، وحسب هذا النص فلا يمكن أن يكون متهما من هو دون الثامن عشر أمام المحكمة الجنائية الدولية، وإنما المتهم أمامها هو كل شخص بلغ الثامنة عشر فما فوقها[17].
  • العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية: إن العهد الدولي اهتم بالطفل والطفولة وبوجه خاص حاجة الحدث أو الطفل إلى الحمایة و الرعاية من خلال التنصيص على عدة مبادئ وحقوق كفيلة بتحقيق ذلك، والمتمثلة في عدم جواز الحكم بالإعدام على أشخاص تقل سنهم عن 18 سنة[18]، وضرورة فصل المعتقلين الأحداث عن البالغين و معاملتهم معاملة تتناسب مع سنهم و مركزهم القانوني، والأخذ بعين الاعتبار سن الأحداث خلال سير الإجراءات و تشجيع إعادة إدماجهم.

الفقرة الثانية: تحديد سن الحدث ووسائل إثباته:

من المعلوم أن تطبيق القواعد الخاصة بالأحداث يتوقف على كون الشخص المطبقة عليه قد بلغ سنا حددها القانون، ونظرا للأهمية التي يشكلها تحديد السن فإن أغلب التشريعات عملت على تنظيمه وذلك عن طريق تحديد وقت حسابه، بالإضافة لوسائل إثباته.

أولا: تحديد سن الحدث:

لتقدير سن الحدث أهمية بالغة من حيث تطبيق الأحكام المتعلقة بالمسؤولية الجنائية الخاصة بالمراحل العمرية المختلفة من حيث العقوبات و كذا تدابير الحماية أو التربية المقررة له، وهذا ما يثير إشكالية كبيرة حول الوقت الذي على أساسه يتم تحديد سن الحدث هل هو وقت صدور الحكم على الحدث؟ أو بوقت رفع الدعوى العمومية؟ أو بوقت ارتكابه للجريمة؟

للإجابة على هذه التساؤلات انقسم الفقه إلى اتجاهين:

الاتجاه الأول أخذ بمعيار تقدير سن المتهم وقت رفع الدعوى عليه لا بمعيار وقت ارتكاب الجريمة، والعلة من ذلك أن الأخذ بمعيار وقت رفع الدعوى يتفق مع الحكمة من إنشاء محكمة الأحداث المتمثلة في رعاية الأحداث ودراسة أحوالهم للإصلاح من شأنهم، إذ متى كان المتهم الماثل أمامها قد تجاوز من الحداثة فلا غاية تتحقق بمعاملته على أساس أنّه لم يبلغها ولا يهم أن يزيد سن المتهم بعد ذلك أثناء المحاكمة مادامت المحكمة وقت أن طرحت عليها الدعوى كانت مختصة في نظرها[19].

أما الاتجاه الثاني الذي يعتبر الاتجاه الراجح يذهب إلى أن حساب سن الحدث يكون بالنظر إلى وقت ارتكاب الجريمة، ويمكن تبرير ذلك من ناحيتين، تتجلى الأولى في كونه يتفق مع مقتضيات العدالة والإنصاف، فمن غير العدل أن يتحمل مرتكب الجريمة تبعات ونتائج تأخر إجراءات العدالة، أما الثانية فتتمثل في كون هذا المعيار يتفق مع مبادئ القانون الجنائي فمبدأ الشرعية الجنائية يقضي بوجوب إعمال النص الجنائي الذي كان ساريا لوقت ارتكاب الفعل الإجرامي[20]، وهذا الاتجاه تبناه المشرع المغربي مع غيره من التشريعات الأخرى من خلال التنصيص صراحة على معيار وقت ارتكاب الجريمة من خلال الفصل 459 من ق.م.ج[21].
كما أنه قد يبرز الإشكال في الجرائم المستمرة التي لا يتحقق فيها الركن المادي إلا بعد فترة قد تطول أو تقصر من الزمن، كأن يرتكب الجاني جزءا من الفعل وهو حدث ويرتكب جزءا آخر وهو راشد، ففي هذه الحالة يحاكم الجاني طبقا لمسطرة الرشداء لأن الفعل في النهاية هو واحد، أي العبرة بالوقت الذي ينقطع فيه استمرار الفعل[22].

ثانيا: وسائل إثبات سن الحدث:

إن من بين الأمور التي تناولت التشريعات تنظيمها بخصوص تحديد سن الحدث طرق إثباته وتتفق أغلب التشريعات على أن وسائل إثباته تتحدد في وسيلتين هما: شهادة الميلاد ثم الخبرة في غياب هذه الأخيرة[23]. وبالنسبة للتشريعات التي تناولت هذه المسألة نجد المشرع المصري الذي قرر في المادة 95 من قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 يقدر “سن الحدث بوثيقة رسمية وإذا تبث عدم وجودها تقدر السن بواسطة خبير”.

أما المشرع المغربي اعتبر من خلال المادة 459 ق.م.ج أن الأصل في إثبات سن الحدث يرجع إلى عقد الازدياد أو شهادة الحالة المدنية التي لا يطعن فيها إلا بالزور[24]، إلا أن الواقع العملي يبين أن الكثير من الأشخاص غير مسجلين بسجلات الحالة المدينة، فهنا قد تطرح على القضاء حالات يقع فيها خلاف حول السن كأن يدعي الشخص المتابع أنه لا زال حدثا أو تدعي النيابة العامة أو المطالب بالحق المدني بأن الشخص بلغ سن الرشد الجنائي.
ولحل هذا الإشكال منح المشرع للمحكمة الزجرية صلاحية البث أولا في النقطة الخلافية المتعلقة بالسن، وذلك لتحديد السن الحقيقي للمتابع بعد أن تأمر بإجراء فحص طبي وبجميع التحريات التي تراها مفيدة، فالمشرع لم يقيد المحكمة بوسائل إثبات معينة وإنما أرشدها أولا لإجراء خبرة أو فحص طبي للمتبع، ثم سمح لها بأن تتخذ كافة التحريات التي تبدو مفيدة والتي من شأنها أن توصلها إلى تحديد السن، ومن ثم يمكن اعتماد شهادة الشهود أو أية وثيقة أخرى شهادة الميلاد الإدارية، وبالتالي فمسألة تحديد السن في حالة الخلاف هي من الوسائل الأولية التي يجب على محكمة الموضوع البث فيها،  فالسن هو الذي يجعل الهيئات المتخصصة في قضايا الأحداث تبسط يدها على القضية.

فضلا عن ذلك ما العمل إذا قدرت المحكمة سن الحدث لعدم توافر ورقة رسمية ثم ظهرت هذه الورقة بعد الحكم في موضوع الدعوى تتبث خلاف السن (كأن تقدر المحكمة أن المتهم قد أتم سن 12 ويتضح من الورقة الرسمية خلاف ذلك)، وهنا فرق بعض الفقه بين حالتين، الأولى إذا كان طريق الطعن ما زال مفتوحا للطاعن أن يستند في طعنه على الورقة الرسمية، والحالة الثانية هي حالة انقضاء طرق الطعن أن تصدر المحكمة حكمها وفي هذه الحالة فإنه يمكن إعادة محاكمة الحدث بناءا على طريقتين من طرق الطعن غير العادية وهي إعادة النظر والمراجعة[25].

وقد يواجه إثبات سن الحدث بالوسائل المختلفة مجموعة من الإشكالات التي تحتاج إلى حلول ومن بينها: فقد تخلو شهادة الميلاد أو شهادة الحالة المدنية أو عقد الازدياد من بيان اليوم والشهر الذي ولد فيه المتهم، ويتوقف على هذا البيان تحديد ما إذا كان المتهم حدثا أو راشدا، وفي هذه الحالة فإن الآراء تجمع على احتساب سن الحدث بناءا لمصلحة المتهم، وعليه فإنه إعمالا لهذه المصلحة فإنه يتم حساب سن الحدث من تاريخ 31 دجنبر للسنة التي ازداد فيها، ومن بين الحالات التي تدخل في هذه النقطة أيضا الحالة التي يتم فيها تقديم شهادتين متعارضتين للمحكمة، إحداهما تثبت أن المتهم بلغ سن الرشد الجنائي والأخرى تثبت أنه لم يبلغه ومازال حدثا، وهذه الحالة تحل كسابقتها عن طريق تطبيق قاعدة الشك يفسر المصلحة المتهم، وبناء عليها يتم الأخذ بالشهادة التي تعتبر المتهم لازال حدثا .[26]

 

 

[1] معاذ أفسحي، عمر حفري، عبد الصمد الزوين، المسؤولية الجنائية للحدث في التشريع الجنائي المغربي، بحث لنيل شهادة الإجازة في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا، جامعة محمد الخامس بالرباط، ص21.

[2] بوكرازة أحمد، المسؤولية المدنية للقاصر دراسة مقارنة، رسالة دكتوراه علوم في القانون الخاص، كلية الحقوق، جامعة قسنطينة 1، الجزائر، السنة الجامعية 2013/2014، ص 15.

[3] عبد الصمد غناج، أسامة بنشيخ وآخرون، عرض حول موضوع ” الأهلية مفهومها، نواعها، عوارضها” دراسة مقارنة بين الشريعة والقانون، ماستر القانون والممارسة القضائية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي، جامعة محمد الخامس، الرباط، السنة الجامعية 2017/2018، ص28.

[4] المادة 2 من القانون رقم 12 لسنة 1996 يقصد بالطفل في مجال الرعاية المنصوص عليها في هذا القانون كل من لم يتجاوز سنه الثامنة عشرة سنة ميلادية كاملة .
و تثبت السن بموجب شهادة الميلاد أو بطاقة الرقم القومي أو أي مستند رسمي آخر .
فإذا لم يوجد المستند الرسمي أصلاً قدرت السن بمعرفة إحدى الجهات التي يصدر بتحديدها قرار من وزير العدل بالاتفاق مع وزير الصحة.”

[5] المادة 1 من القانون رقم 31 لسنة 1974 المتعلق بالأحداث ” يقصد بالحدث في حكم هذا القانون من لم تجاوز سنة ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة وقت ارتكاب الجريمة، أو عند وجوده في إحدى حالات التعرض للانحراف “.

[6] منصور عبد السلام عبد الحميد حسان، مقال حول المسؤولية الجنائية للحدث في مصر والتشريعات المقارنة-دراسة مقارنة، العدد 35، الجزء 4، مجلة كلية الشريعة والقانون بطنطا، 2020، ص1910.

[7] المادة 98 من قانون العمل المصري رقم 12 لسنة 2003 يعتبر طفلاً في تطبيق أحكام القانون كل من بلغ الرابعة عشر سنة أو تجاوز سن إتمام التعليم الأساسي ولم يلغ ثماني عشرة سنه كاملة “.

[8] أمينة زواوي، أطروحة حول المسؤولية الجنائية في الفقه الإسلامي والقانون الجنائي القانون الجزائري نموذجا، كلية العلوم الإسلامية، الخروبة، جامعة الجزائر، السنة الجامعية 2005/2006، ص107.

[9] المادة 2 من قانون الأحداث الأردني رقم 32 لسنة 2014:

يكون للكلمات والعبارات التالية حيثما وردت في هذا القانون المعاني المخصصة لها ادناه مالم تدل القرينة على غير ذلك:

الحدث: كل من لم يتم الثامنة عشرة من عمره.

المراهق: من أتم الثانية عشرة ولم يتم الخامسة عشرة من عمره.

الفتى: من أتم الخامسة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة من عمره.

[10] المادة 1 من قانون الأحداث الكويتي رقم 111 لسنة 2005.

[11] فتوحي أمال، الحدث الجانح دراسة مقارنة بين التشريع الجزائري وبعض التشريعات العربية، رسالة ماستر، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة زيان عاشور، الجلفة، الجزائر، السنة الجامعية 2014/2015، ص13.

[12] السعد ماء العينين، جهاد خديد وآخرون، المسؤولية الجنائية للأحداث، ماستر القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال، جامعة محمد الخامس الرباط، السنة الجامعية 2012/2013، ص12.

[13] موسى بن سعيد، أثر صغر السن في المسؤولية الجنائية في الفقه الإسلامي والقانون الجزائري، كلية العلوم الاجتماعية والعلوم الإسلامية، جامعة الحاج لخضر، باتنة، الجزائر، السنة الجامعية 2009/2010، ص17.

[14] نفس المرجع، ص17.

[15] عبد العاطي الأزهري، الحماية القانونية للأحداث في التشريع المغربي وعلى ضوء الاتفاقيات الدولية، بحث نهاية التمرين، الفوج 35، المعهد العالي للقضاء، فترة التدريب 2008/2010، ص3.

[16] أقني إلياس، أسباب امتناع المسؤولية الجنائية الدولية وفق النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، رسالة ماستر، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة أكلي محند أولحاج، البويرة، الجزائر، السنة الجامعية 2014/2015، ص7.

[17] المادة 26 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية “لا اختصاص للمحكمة على الأشخاص أقل من 18 عاماً، لا يكون للمحكمة اختصاص على أي شخص يقل عمره عن 18 عاماً وقت ارتكاب الجريمة المنسوبة إليه”.

[18] المادة 6 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 دجنبر 1966 ودخل حيز التنفيذ في مارس 1976، وصادقت عليه المملكة المغربية في 27 مارس 1979.

[19] هيشامي بهيجة، المسؤولية الجنائية الحدث نموذجا، رسالة ماستر، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس، السنة الجامعية 2007/2008، ص43.

[20] محمد رمضان الدربالي، المسؤولية الجنائية للحدث “دراسة مقارنة”، رسالة ماستر، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة القاضي عياض، مراكش، السنة الجامعية 2008/2009، ص 38.

[21] المادة 459 الفقرة الأولى من قانون المسطرة الجنائية المغربي “يعتبر لتحديد سن الرشد الجنائي، سن الجانح يوم ارتكاب الجريمة”.

[22] محمد رمضان الدربالي، م.س، ص45.

[23] علي حسين الخلف، سلطان عبد القادر الشاوي، المبادئ العامة في قانون العقوبات، المكتبة الوطنية، بغدد، العراق، بدون سنة النشر، ص399.

[24] المادة 459 من الفقرة الثانية من قانون المسطرة الجنائية المغربي “إذا لم توجد شهادة تثبت الحالة المدنية، ووقع خلاف في تاريخ الولادة، فإن المحكمة المرفوعة إليها القضية تقدر السن بعد أن تأمر بإجراء فحص طبي وبجميع التحريات التي تراها مفيدة، وتصدر، إن اقتضى الحال، مقرراً بعدم الاختصاص”.

[25] عبد الحفيظ الميموني، قراءة في بعض إشكالات المسؤولية الجنائية للحدث، مقال منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية، تاريخ الولوج للموقع 03/04/2023 على الساعة 22:30.

[26] محمد رمضان الدربالي، م.س، ص43.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى