في الواجهةمقالات قانونية

إشكالية تحديد الربح المفروضة عليه الضريبة في حالة تفويت عقارات وقع تملُّكها عن طريق الإرث – بقلم : المختار السريدي

 

إشكالية تحديد الربح المفروضة عليه الضريبة

في حالة تفويت عقارات وقع تملُّكها عن طريق الإرث

بقلم : المختار السريدي

باحث في المنازعات الضريبية

تفاديا لأي مراقبة بَعدية للضريبة وما قد يترتب عليها من تصحيح للأساس الضريبي من طرف إدارة الضرائب ، فإن الخاضع للضريبة يجد نفسه عند إيداع إقراراته الضريبية وأداء المبالغ المستحقة مطالباً بالتحقق من العقود والأوراق والوثائق والمستنذات التي يجب عليه إرفاقها بإقراره والتي قد تساعده في الوصول إلى تحديد الربح المفروضة عليه الضريبة وحصر الواجبات المستحقة بالكيفية القانونية الصحيحة و السليمة .

و هذا ما يجب الإنتباه إليه والتأكد منه بالنسبة للعديد من الضرائب والرسوم لاسيما الضريبة على الدخل المترتبة على الأرباح العقارية ، حيث عملية تحديد الربح الصافي العقاري المفروضة عليه الضريبة لابد أن تتم ووفق ما جاء في المادة 65 من المدونة العامة للضرائب ، بواسطة عملية طرح ما بين :

  • ثمن التفويت بعد أن تُسقط منه أو تُخصم منه عند الإقتضاء مصاريف التفويت .

  • ثمن التملك أو الإقتناء أو الشراء بعد أن تُضاف إليه مصاريف التملك .

إلا أن الإشكال يبرز في حالة تفويت عقارات وقع تملكها أو اكتسابها عن طريق الإرث ، حيث جاء في الفقرة الثانية من المادة 65 ما يلي :

” في حالة تفويت عقارات وقع تملكها عن طريق الإرث ، يمثل ثمن التملك الواجب اعتباره مع مراعاة أحكام المادة 224 أدناه  :

– إما القيمة التجارية للعقارات يوم وفاة الهالك المقيدة في الجرد الذي أنجزه الورثة .

– وإما إذا تعذر ذلك ، القيمة التجارية للعقارات يوم وفاة الهالك كما صرح بها الخاضع للضريبة ”.

فانطلاقا من هذه الفقرة التي وقع تعديلها بموجب البند الأول من المادة من قانون المالية للسنة المالية 2018 بعدما كانت كثيرة الغموض والتأويل ، يتبين بأنه في حالة تفويت عقار تم اكتسابه عن طريق الإرث ، فإن قيمة التملك التي يجب طرحها من قيمة ومصاريف التفويت هي إما القيمة التجارية للعقار المفوَّت في تاريخ وفاة المورث المقيدة في الجرد أو الإحصاء الذي أنجزه الورثة مباشرة بعد الوفاة وإما في حالة تعذر إنجاز الإحصاء القيمة التجارية للعقار المفوَّت في تاريخ وفاة المورث المقدرة والمصرح بها من طرف المفوِّت ، وذلك مع مراعاة أحكام المادة 224 من المدونة العامة للضرائب التي تمنح مفتش الضرائب صلاحية تصحيح أو إعادة تقدير قيمة التملك المصرح بها من طرف الخاضع للضريبة .

وهذا يعني بأنه في حالة غياب الإحصاء أو عدم إنجازه أو في حالة عدم وجود قيمة للتملك عند تفويت العقار ، يمكن للمفوِّت أن يقوم بعملية تقدير لهذه القيمة بكيفية معقولة ومطابقة لسوق العقار تحت طائلة إعادة تقديرها من طرف مفتش الضرائب في حالة وجود مغالاة في التقدير والتقويم .

لكن في بعض هذه الحالات قد يعمد بعض مفتشي الضرائب بفرض الضريبة بكيفية تلقائية طبقا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 65 من المدونة العامة للضرائب دونما أخد بعين الإعتبار لقيمة التملك المقدرة من الخاضع للضريبة ، والصواب هو أن يقوم المفتش بإعادة تقدير قيمة التملك في تاريخ وفاة المورث وبالتالي إعادة فرض الضريبة بكيفية عادية بواسطة عملية طرح ما بين قيمة التفويت مخصومة منها مصاريف التفويت وقيمة التملك مضافة إليها مصاريف التملك تطبيقا لما جاء في الفقرة الأولى من نفس المادة ، أما أن يلغي المفتش قيمة ومصاريف التملك جملة وتفصيلا ويقوم بفرض الضريبة تلقائيا فإن الأمر يبدو غير منطقي من الناحية الواقعية وغير مستساغ من الناحية القانونية ، خصوصا و أن الفقرة الثانية من المادة 65 قد جاءت صريحة وواضحة في هذا الشأن حيث ورد فيها بأنه ” إذا تعذر إثبات ثمن التملك أو نفقات الإستثمار أو هما معا قامت الإدارة بتقديرهما وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 224 …” وليس برفضهما أو استبعادهما ، وقد يكون من الأفضل إعادة صياغة هذه الفقرة على الشكل التالي ” إذا تعذر إثبات ثمن التملك أو نفقات الإستثمار أو هما معا بعد تقديرهما من طرف الخاضع للضريبة قامت الإدارة بإعادة تقديرهما وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 224 …” وذلك حتى تكون منسجمة مع روح الفقرة الثانية من المادة 65 ، لأن الخاضع للضريبة هو من يصرح وهو من يقدِّر القيمة التجارية للعقار المفوَّت في تاريخ وفاة المورث وذلك عند تعذر إنجاز إحصاء التركة .

و يقصد بثمن التملك حسب ما جاء في الفقرة الأخيرة من المادة 65 من المدونة العامة للضرائب ، الثمن المصرح به أو المعبَّر عنه أوالمعترف به أو المتفق عليه من لدن طرفي العقد أو أحدهما ، سواء كان حقيقيا وواقعيا كما تم الإتفاق عليه بين الأطراف ؛ أو كان موضوع تقويم أو تقدير من أحدهما أو كليهما في تاريخ التملك ؛ أو كان موضوع تصحيح أو تعديل من طرف مفتش الضرائب المكلف بمراقبة التفويتات .

و قد يحدث أن يقوم بعض الخاضعين للضريبة في عديد من الحالات أثناء تفويت عقارات آلت إليهم إرثا من مورثيهم ، وهم لا يتوفرون على عقود إراثة و لا على جرود مِلكية أو إحصاءات للتركة قصد اعتمادها في احتساب وتصفية الضرائب المستحقة عليهم ، فيعمدون إلى الإدلاء ب ” عقود قسمة أو عقود مخارجة ” أنجزوها بناء على عقود إراثة معتبرينها بأنها هي الأصل الحقيقي للملك الذي وقع تفويته لأن هذا الملك كان على الشياع بين الورثة وأن القسمة أو المخارجة هي التي وضعت حدا للشيوع وأفرزت لكل وارث نصيبه الشرعي ، حتى وإن كان هذا يبدو مخالفا لماورد في الفقرة الثانية من المادة 65 حيث لا بد من وجود إحصاء للتركة وإلا قام الخاضعون للضريبة بوضع تقديرات للعقارات المبيعة تكون مطابقة لتاريخ وفاة الهالك تخضع هي الأخرى لمراقبة الإدارة .

ولكن الإشكال يظل قائما إذا كان تاريخ الوفاة قديما يصعب معه على الطرفين الخاضع للضريبة والإدارة القيام بتقدير لقيمة التملك بكيفية منطقية أو على الأقل قريبة من الواقع ، فلا الخاضع للضريبة محق في تقديره ولا الإدارة محقة في إعادة التقدير ، وهذا ما قد يطرح العديد من الإشكالات والصعوبات سواء بالنسبة للخاضعين للضريبة أو لإدارة الضرائب أو حتى بالنسبة للجان المحلية لتقدير الضريبة أو المحاكم الإدارية عندما تُعرض عليهم نزاعات وطعون من هذا النوع ، ولذلك فإننا نتمنى تدخلا حاسما من المشرع الضريبي قصد اعتماد القيم التجارية المعبر عنها في عقود القسمة وعقود المخارجة كقيم للتملك دون حاجة إلى إجهاد النفس في البحث عن تقدير لقيمة تملك في تاريخ وفاة المورث قد يمت وقد لايمت للواقع بصلة .

وإذا كانت الإدارة الضريبية تجنح اليوم إلى التبسيط والتوحيد سواء على مستوى الإجراءات والمساطر أو على مستوى تحديد الأسس الخاضعة للضريبة ، فيما يخص عددا من الضرائب والرسوم كما هو الشأن بالنسبة للضريبة على القيمة المضافة المفروضة على عمليات بناء السكن الشخصي التي أصبحت ب ” لوك ” جديد استحسنه العديد من الخاضعين للضريبة وأقبلوا على الأداء أفواجا أو بالنسبة لضريبة التسجيل التي تؤدى بكل طواعية وأريحية ودون أدنى مراوغة أو تلكؤ ، فإنه يكون من الأجدر أن تعيد – أي الإدارة – النظر في طريقة احتساب وتصفية الضريبة على الدخل المترتبة على الأرباح العقارية ، لأن عملية الإحتساب تلك و بالطريقة المشار إليها سلفا تبدو معقدة وغير واضحة ومرهقة نوعا ما سواء بالنسبة لمفتش الضرائب أو بالنسبة للخاضع للضريبة ، بسبب كثرة و تنوع الوثائق والأوراق المتطلبة من قبيل عقود التفويت و عقود التملك والمصاريف والإستثمارات المرتبطة بها والتي غالبا ما تكون عبارة عن فاتورات تتفنن بعض الشركات والمقاولات في اختراعها وتنميقها وبيعها في السوق السوداء ، مما يفسح الباب أمام أشكال وأنواع منوعة من التهربات والتملصات من أداء الواجب الضريبي ، ولذلك فإننا ندعو الإدارة الضريبية صاحبة الشأن – وهي مجندة الآن عن بكرة أبيها من أجل محاربة هذه الأشكال والأنواع – أن تبحث عن طريقة مبسطة لاحتساب هذه الضريبة شبيهة بطريقة احتساب ” المساهمة الإجتماعية للتضامن المطبقة على ما يسلمه الشخص لنفسه من مبنى معد للسكن الشخصي ” المنصوص عليها في المادة 275 من المدونة العامة للضرائب أو بطريقة احتساب ” ضريبة التسجيل ” الواردة بالمادتين 131-133 من نفس المدونة ، حتى يرتاح الخاضعون للضريبة من الطواف هنا وهناك بحثا عن عقود تملك بالية أو فاتورات أو أوراق ثبوتية مكتوبة ليعززوا بها إقراراتهم .

وهذا كله من أجل إصلاح ومواصلة إصلاح العلاقة مع الخاضعين للضريبة و بعث الثقة والطمأنينة في نفوسهم ، حتى نكون على موعد حقيقي مع ورقة الطريق التي رسمتها إدارة الضرائب لنفسها وتكفَّلت بتنفيذها وحثَّت موظفيها لكي يتمسكوا بها و يعضوا عليها بالنواجد ، امتثالا للتعليمات الملكية الواردة في الخطاب الملكي ليوم الجمعة 14 أكتوبر 2016 بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة للبرلمان الذي جاء فيه :

” إن الهدف الذي يجب أن تسعى إليه كل المؤسسات هو خدمة المواطن ، وبدون قيامها بهذه المهمة ، فإنها تبقى عديمة الجدوى ، بل لا مبرر لوجودها أصلا… فالغاية منها واحدة ، هي تمكين المواطن من قضاء مصالحه ، في أحسن الظروف والآجال وتبسيط المساطر وتقريب المرافق والخدمات الأساسية منه … إن تدبير شؤون المواطنين ، وخدمة مصالحهم ، مسؤولية وطنية ، وأمانة جسيمة ، لا تقبل التهاون ولا التأخير … إن الصعوبات التي تواجه المواطن في علاقته بالإدارة كثيرة ومتعددة ، تبتدئ من الإستقبال ، مرورا بالتواصل ، إلى معالجة الملفات والوثائق ” .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى