القانون الضريبيفي الواجهةمقالات قانونية

إشكالية تنفيذ الأحكام ضد الادارة الضريبية بين المقتضيات القانونية والعمل  القضائي

إشكالية تنفيذ الأحكام ضد الادارة الضريبية

بين المقتضيات القانونية والعمل  القضائي

 

الحسن المير

 باحث بسلك الدكتوراه

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سطات

المقدمة.

إن إشكالية امتناع الإدارة -عامة وإدارة الضرائب على الخصوص -عن تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها في المجال الضريبي لا تعتبر ظاهرة حديثة أو وليدة العصر بل ظهرت منذ ظهور الدولة ومرتبطة بتطور سلطاتها وامتيازاتها، وتتداخل فيها عدة عوامل منها القانونية والسوسيولوجية والسيكولوجية والأخلاقية، ورهينة بتطور القضاء الإداري الذي يحكم العلاقة بين الدولة والأفراد.

ويقصد بالتنفيذ جواز الشيء[1] والخلاص منه أو تحقيق الشيء وإخراجه من حيز الفكر إلى مجال الواقع[2]، ويقصد به كذلك المرحلة التي تتحول فيها الحقوق من حالة السكون لحالة الحركة، عن طريق إيصال تلك الحقوق إلى أصحابها بمختلف الطرق والآليات خصوصا الجبرية منها والتي تفرض ما يجب أن يحتله القضاء من هيبة واحترام لدى الإدارة و في نفوس المواطنين. ويمكننا في هدا السياق طرح الأسئلة التالية

  • ما هي الأسباب التي تحول دون قيام الإدارة الضريبية بتنفيذ الأحكام الصادرة ضدها؟
  • ما هي صور عدم تنفيذ الأحكام ضد الإدارة الضريبية؟
  • ما هي أبرز الحلول التي قدمها الاجتهاد القضائي المغربي للحد من انتشار عدم التنفيذ؟

 

 

المحور الأول: الأسباب القانونية المعيقة لتنفيذ الأحكام ضد الإدارة الضريبية.

تكمن إشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية ضد الإدارة بالأساس في غياب مسطرة خاصة بتنفيذ الأحكام الإدارية لإجبار الإدارة على التنفيذ، فقانون المحاكم الإدارية لا يتضمن مسطرة خاصة بتنفيذ الأحكام الإدارية، كما أن قانون المسطرة المدنية لا يتضمن الوسائل اللازمة لجبر الإدارة على تنفيذ الأحكام القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به.

و القانون المحدث للمحاكم الإدارية اكتفى بوضع مادة فريدة في ميدان التنفيذ[3]، وهي المادة 49 التي تنص على أن: «التنفيذ يتم بواسطة كتابة ضبط المحكمة الإدارية التي أصدرت الحكم، ويمكن لمحكمة النقض أن تعهد بتنفيذ قراراتها إلى المحكمة الإدارية».

والمادة 49 لم توضح بشكل مفصل كيفية تنفيذ الأحكام الإدارية، مما جعلها متسمة بالقصور، والأكثر من ذلك أنها تسببت في مجموعة من التعقيدات وطرحت عدة إشكالات (مسألة الإنابة).

فالمادة 49 تنص على ما يلي: «يتم التنفيذ بواسطة كتابة ضبط المحكمة الإدارية التي أصدرت الحكم، ويمكن للمجلس الأعلى أن يعهد بتنفيذ قراراته إلى المحكمة الإدارية».

حيث اكتفت بتحديد الجهة التي أوكل لها المشرع تنفيذ أحكام المحاكم الإدارية، وهي كتابة الضبط بها بالنسبة للأحكام الصادرة عن كل محكمة إدارية على حدة في حدود اختصاصها المكاني، بالإضافة إلى إمكانية تنفيذ القرارات الصادرة عن الغرفة الادارية بمحكمة النقض.

و مقتضيات هذه المادة هي تأكيد لما جاء في الفقرة الثانية من الفصل 429 من قانون المسطرة المدنية التي تنص كذلك على أنه: «يتم التنفيذ بواسطة كتابة ضبط المحكمة التي أصدرت الحكم…».

كما أن القانون رقم 90.41، لم يحدد أي طريقة لإجبار الإدارة على تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها، و لم يرتب أي جزاء على الإدارة في حالة امتناعها عن التنفيذ.

و لم يضم صيغة تنفيذية خاصة بالأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية، فهل يعني هذا أن المحاكم الإدارية مدعوة لتذيل أحكامها بالصيغة التنفيذية الواردة في المسطرة المدنية؟ للإجابة عن هدا التساؤل

يمكننا الرجوع إلى القانون رقم 90.41، حيث نجد أن المادة السابعة منه تنص على إمكانية تطبيق القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية، وهي المشار إليها في الفصل 433 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على ما يلي: «وبناء على ذلك يأمر جلالة الملك جميع الأعوان وبطلب منهم أن ينفذوا الحكم المذكور (أو القرار) كما يأمر الوكلاء العامين للملك أن يمدوا يد المعونة لجميع قواعد وضباط القوة العمومية وأن يشدوا أزرهم عندما يطلب منهم ذلك قانونيا».

وقد كانت كتابة ضبط المحاكم الإدارية تتردد بين اعتماد هذه الصيغة التنفيذية، أو وضع طابع يحمل عبارة “نسخة تنفيذية سلمت طبق الأصل ولأجل التنفيذ”، كما ينص على ذلك الفصل 428 من قانون المسطرة المدنية[4]، ويمكن تفسير هذا التردد بعدم تلاءم الصيغة التنفيذية الخاصة بالأحكام المدنية، مع طبيعة الأحكام الإدارية، كما أنها لا تتلاءم مع الجهة المطلوبة في التنفيذ، على اعتبار أن تنفيذ على الإدارة الضريبية لا يمكن تصوره عن طريق الاستعانة بالقوة العمومية، ومع ذلك فقد تم الاتفاق بين جميع المحاكم الإدارية على وضع الصيغة التنفيذية المذكورة على النسخ التنفيذية المتعلقة بالأحكام الإدارية، في انتظار تدخل المشرع من أجل وضع صيغة تنفيذية خاصة بالأحكام الإدارية مثل ما هو معمول به في القانون المقارن.

كما أنه هناك مشكل آخر تسببت فيه المادة 49 من قانون المحدث للمحاكم الإدارية، والمتمثل في مشكل الإنابة القضائية حيث تقضي بأن المحكمة الإدارية هي التي تنفذ الأحكام الصادرة عنها أو الصادرة عن الغرفة الإدارية بمحكمة النقض، مما يجعل تنفيذ الأحكام الإدارية صعبا مادام أن المحاكم الإدارية لا توجد في كل المدن المغربية، إذ كيف يمكن تنفيذ حكم صدر عن المحكمة الإدارية بالرباط في حق الإدارة المحكوم عليها المتواجدة بطنجة التي لا تتوفر على محكمة إدارية، فهذه المدينة تدخل في دائرة نفوذ المحكمة الإدارية بالرباط؟

فحرفية نص المادة 49 تقضي بأن يتوجه عون التنفيذ بالمحكمة الإدارية بالرباط إلى مدينة طنجة ليقوم بإجراء التنفيذ، الأمر الذي يصعب تصوره، وإذا طبقنا المادة السابعة من نفس القانون، سنجد أن المادة 439 من قانون المسطرة المدنية[5]، تعطي الحق لكتابة ضبط المحكمة التي أصدرت الحكم أن تنيب عنها كتابة ضبط المحكمة التي يجب أن يقع التنفيذ في دائرتها القضائية.

فحسب الفصل 439 من ق م م يمكن توجيه إنابة قضائية إلى محكمة أخرى، فإذا كان الأمر يتعلق بمحكمة إدارية فلا إشكال، لكن إذا كان التنفيذ سيجري في مدينة لا توجد بها محكمة إدارية، فهل يمكن توجيه إنابة قضائية إلى المحكمة الابتدائية؟

هنا يطرح الإشكال بخصوص طريقة تنفيذ الأحكام الإدارية التي تختلف طبيعتها عن طبيعة الأحكام العادية، كما أن الإشكال يثور أكثر في حالة إثارة صعوبات في التنفيذ والتي فيها – حسب ما استقر عليه العمل القضائي، محكمة التنفيذ، أي المحكمة التي يجري التنفيذ بدائرتها، فإذا عرضت صعوبة قانونية أو واقعية في تنفيذ حكم إداري على رئيس المحكمة الابتدائية (باعتبارها محكمة التنفيذ)، فإن هذا الأخير يستعصي عليه البت في هذه الصعوبة، لأن ذلك يقتضي منه إبداء وجهة نظره في صياغة منطوق الحكم الإداري أو في تعليله أو غير ذلك، والتي تكون مختلفة عن وجهة نظر المحكمة الإدارية المصدرة للحكم، هذا فضلا عن كثرة ملفات التنفيذ الموجودة بالمحاكم الابتدائية، مما يجعل عملية تصفية الأحكام الإدارية تتأخر.

وقد وجدت المحاكم الإدارية حلا لهذا المشكل عن طريق توجيه الملف التنفيذي مباشرة إلى العون القضائي الذي تم اختياره من طرف طالب التنفيذ دون توجيه إنابة قضائية إلى المحكمة الابتدائية التي تعمل بدائرتها العون القضائي المذكور، فبهذه الطريقة إذا ما أثيرت صعوبة في التنفيذ فإن محكمة التنفيذ هي المحكمة المصدرة للحكم أي المحكمة الإدارية، وبالتالي فإن هذه الأخيرة هي التي تكون مختصة بالبت في تلك الصعوبة وليس المحكمة الابتدائية ما دامت الإنابة القضائية لم توجه إليها.

و هناك صعوبات قانونية أخرى، مثل إشكال المدة التي يجري فيها التنفيذ، فالقواعد العامة تنص على أن التنفيذ يجب أن يتم داخل أجل 30 سنة، فالتساؤل يثور حول بداية سريان هذا الأجل؟، كما يثور التساؤل حول طبيعته، بمعنى هل هو أجل تقادم أم أجل سقوط، مع مراعاة الاختلاف الحاصل بينهما؟

وهناك مشكل أخر، يتمثل في كون النسخة التنفيذية لا تسلم إلا مرة واحدة، وذلك على عكس ما كان معمولا به في الماضي، بحيث كان يتم إرجاع القضية للمحكمة الموضوع التي تعطي نسخة تنفيذية ثانية[6].

المحور الثاني: صور عدم تنفيذ الأحكام في المجال الضريبي.

إن النية السيئة للإدارة حين لا تكون راغبة في تنفيذ الحكم يمكن أن تأخذ عدة صور، ويبقى القاسم المشترك بينها هو أنها تشكل مساسا بالمبادئ الدستورية ومبادئ الكرامة الإنسانية وفقدان المصداقية في المؤسسة القضائية.

والإدارة حين تعمد إلى عدم تنفيذ الحكم سواء بطريقة سلبية أو بطريقة سيئة أو سافرة فإنها لا تعدم الوسيلة التي توصلها إلى هذا الغرض، فما هي إذا صور التي يتجسد فيها امتناع الإدارة الضريبية عن التنفيذ؟

أولا: التراخي في التنفيذ.

يفترض عند قيام المحكمة بإصدار حكم حائز على قوة الشئ المقضي به أن تبادر الإدارة إلى اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتنفيذه، ذلك أن التراخي في تنفيذ الحكم، فضلا عما يحمله من تحقير وإضعاف لسلطة القضاء، فإنه يسبب أضرارا لمن صدر الحكم لصالحه ويجعل التنفيذ صعبا على الإدارة، وقد استقرت أحكام القضاء الإداري على أن من واجب الجهة الإدارية أن تقوم بتنفيذ الأحكام في وقت مناسب من تاريخ صدورها وإعلانها، فإن هي تقاعست أو امتنعت دون وجه حق عن التنفيذ في وقت مناسب اعتبر هذا الامتناع بمثابة قرار سلبي مخالف للقانون يوجب لصاحب الشأن التعويض[7].

ويلاحظ أن المدة التي تلتزم الإدارة فيها بالانتهاء من تنفيذ الحكم هي في الغالب غير محددة لا من طرف المشرع ولا من طرف القاضي الإداري نفسه الذي أصدر الحكم لكن يجب على الإدارة أن تختار فإن وقت التصرف بعدم التأخر إلى ما لا نهاية، وأن تقرر الإدارة التنفيذ في مواعيد معقولة[8].

ثانيا: التنفيذ الناقص.

تساءلات M. Fayolle في رسالتها[9]: إذا كان الأفراد ملزمين بإطاعة الحكم القضائي حرفيا، أليس من المسموح للإدارة ألا تطيعه إلا روحا qu’a l’esprit طالما أنها هي الوحيدة المنوط بها قانونا وفنيا كل ما يتعلق بالتنفيذ؟

قد تجيب الإدارة بالإيجاب، ولكن يوجد أيضا المحكوم له وهو صاحب مصلحة أيضا ويضره أن يجد ما قضي له به لا ينفذ، إلا جزئيا أو على غير ما أراد الحكم، فالتعسف يجد ملاذه في عدم التنفيذ.

وإذا كانت الإدارة الضريبية تتمتع بسلطة تقديرية في تنفيذ أحكام الإلغاء بصفة خاصة فإنها مقيدة بطبيعة الحال بالقيد العام على تصرفاتها وهو مراعاة المشروعية، وإلا كان ذلك إهدارا منها لقيمة الحكم، إذ لا معنى لإلغاء القرار فرض الضريبية لمخالفته للقانون إذا عادت الإدارة من جديد إلى مخالفة القانون أو إذا نفدت الحكم تنفيذا صوريا أو مبتورا، وإنما يجب عليها أن تنفد الحكم تنفيذا صحيحا كاملا مراعية في ذلك ما جاء في منطوقه وما ارتبط بهذا المنطوق من أسباب جوهرية[10].

ويتحقق التنفيذ الناقص للحكم الإداري، عندما لا تنفد الإدارة بعض ما يلزمها به الحكم الإداري الصادر ضدها أو بمعنى آخر عندما لا تراعي بعض الآثار القانونية أو المادية التي يرتبها الحكم عند تنفيذه، فالإدارة وبدلا من الرفض السافر أو التراخي الممل تفضل أن تمكر وتناور لكي تتفادى آثار الشيء المقضي به ضدها وهي للأسف الشديد تتمتع في هذا المجال بخيال خصب[11]، وعلى الرغم من أن بعض المتفائلين أمثال Odent يعتقدون أن الإدارة لا تمتنع عن التنفيذ إلا عندما توجهها صعوبات قانونية أو مادية، فإنهم لا ينكرون أن هناك حالات تتخلص فيها الإدارة من التزامها بتنفيذ الأحكام[12].

ثالثا: الرفض الصريح.

إذا ملت الإدارة التباطؤ الرتيب أو عجزت عن المناورة لا يكون أمامها كحصن أخير سوى مجرد الرفض العادي، ومن حسن الحظ أن حالات الرفض الصريح تبقى نادرة بالنسبة للصور الأخرى إلا أنها رغم ذلك خطيرة، والخطورة هنا تبلغ منتهاها لأن موقف الإدارة سيؤدي إلى إهدار كل قيمة لأحكام القضاء[13]، وعلى قدر بساطة هذه الوسيلة على قدر ما تتضمنه من تحقير صارخ للأحكام القضائية واستهانة بما لها من قدسية واحترام، وتفشي هذه الوسيلة من شأنه هدم نظام الرقابة من أساسه وتجريده من كل مميزاته وإضاعة الفائدة منه.

وهناك من الفقهاء من يرى أنه نادرا ما تلجأ الإدارة المركزية إلى هذه الوسيلة المكشوفة، وأن غالبية حالات الامتناع التي يكون بهذا الشكل تقع من جانب الهيئات المحلية[14].

و من الحالات المؤسسة لامتناع الإدارة عن التنفيذ أو الرفض الصريح نجد قضية Fabregue المشهورة، حيث أصدر رئيس بلدية قرار بعزل حارس البلدية السيد فابريك عن عمله بدون وجه قانوني، وتم إلغاء هذا القرار من طرف مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 23 غشت 1909، غير أن رئيس البلدية أعاد إصدار القرار الملغي وتم إلغائه مرة ثانية من طرف مجلس الدولة، وتكرر الإصدار والإلغاء حتى بلغ عشر مرات، وقد انقلبت المسألة – كما بين هوريو – إلى نوع من المبارزة بين المجلس والإدارة[15].

المحور الثالث: دور القضاء الاداري المغربي في إشكالية تنفيذ الأحكام في المجال الضريبي.

في ظل استفحال ظاهرة عدم تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة السلبية وعدم فعالية وجدوى الوسائل المستمدة من القانون الإداري، فقد عمل القاضي الإداري على البحث عن وسائل جديدة لجبر الإدارة على التنفيذ، مستندا في ذلك على الإحالة المنصوص عليها بالمادة 7 من قانون المحاكم الإدارية، وقد أقر إمكانية اعتماد الغرامة التهديدية والحجز على الأموال الخاصة للإدارة الممتنعة عن التنفيذ[16].

أولا: دور الغرامة التهديدية في حمل الإدارة الضريبية على تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها.

تجد الغرامة التهديدية أساسها القانوني في المادة 7 من القانون رقم 90/41 والفصل 448 من ق.م.م ،

فما المقصود بالغرامة التهديدية؟ وما هي خصائصها؟ وما هي شروط الحكم بها؟ وما مدى إمكانية اعتمادها في مواجهة الإدارة الضريبية في حالة امتناعها عن التنفيذ؟

1: تعريف الغرامة التهديدية وخصائصها.

اختلف الفقه والقضاء حول تعريف محدد للغرامة التهديدية أو الإكراه المالي، إذ  يعرفها بعض من الفقه بأنها عقوبة مالية تبعية تحدد بصفة عامة عن كل يوم تأخير، يصدرها القاضي بقصد ضمان حسن تنفيذ حكمه أو حتى بقصد ضمان تنفيذ أي إجراء من إجراءاته[17].

وعرفها البعض الأخر بأنها وسيلة التي يلزم بها القاضي المدين بتنفيذ التزاماته عينا خلال مدة معينة، فإذا تأخر في التنفيذ كان ملزما بدفع غرامة تهديدية عن هذا التأخير تقدر بمبلغ مالي عن كل يوم أو كل أسبوع أو أية وحدة أخرى من الزمن، أو عن كل مرة يأتي عملا يخل بالتزامه، وذلك إلى أن يقوم بالتنفيذ أو أن يمتنع نهائيا عن الإخلال بالالتزام[18].

و يعتبرها البعض بكونها الوسيلة المعترف بها للقاضي الإداري لكي تسمح له بإجبار الإدارة على تنفيذ حكم قضائي، أي أنها يجب أن تؤدي بالقاضي إلى تحديد مبلغها بمستوى يقدر أنه كاف لكي لا تلجأ الإدارة إلى اختيار حل غير فعال يبدو لها أنه أقل تكلفة من الحل الذي يقوم على تنفيذ الحكم القضائي المعني[19].

عرفت محكمة النقض الفرنسية الغرامة التهديدية بأنها وسيلة إكراه مختلفة كل الاختلاف عن التعويض، وهي ليست في الأخير إلا وسيلة لردع الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي وليس من أهدافها تعويض الأضرار أو التماطل في التنفيذ، وهي عادة ما تستغل حسب مدى خطورة غلط المدين الممتنع وحسب إمكانياته أيضا[20]، وقد عمل القضاء العادي في كل من فرنسا ومصر على وضع قواعد الغرامة التهديدية قبل أن يتم تقنينها من قبل المشرع.

و في المغرب فإن الغرامة التهديدية نظام أقره القانون منذ العمل بالمسطرة المدنية في 1913، إلا أنه لم يحدد تعريفا للغرامة التهديدية على الرغم من التعديلات التي لحقته، وأمام هذا النقص، عمل القضاء العادي على تحديد تعريف للغرامة التهديدية إذ نجد أن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء تحدد مفهوم الغرامة التهديدية بكونها «وسيلة للضغط على المدين لإجباره على تنفيذ التزامه، والقاضي الذي يقوم بتصفية الغرامة التهديدية يتأكد أولا ما إذا كان التنفيذ ممكنا وما إذا كان تدخل المدين ضروريا»[21]، أما المجلس الأعلى – محكمة النقض حاليا- فقد عرفها بكونها «إجبار المحكوم عليه ليقوم بتنفيذ ما يقتضي تدخله شخصيا من القيام بعمل أو الامتناع عن عمل وهو ما يقتضي أن يكون العمل المطلوب منه يدخل الإدارة في دائرة التنفيذ»[22].

  • خصائص الغرامة التهديدية.
  • وسيلة لإجبار الإدارة على التنفيذ عن طريق القضاء.
  • لا يتم اللجوء للغرامة التهديدية إلا بعد إثبات امتناع الإدارة الضريبية عن التنفيذ بموجب محضر قانوني يحرره مفوض قضائي.
  • لا يتم اللجوء إلى الغرامة التهديدية إلا بعد اكتساب الحكم قوة الشئ المقضي به.
  • وتعد الغرامة التهديدية مؤسسة قانونية منظمة بموجب الفصل 448 من ظهير الالتزامات والعقود المغربي.
  • موضوع الغرامة التهديدية ينصب على القيام بعمل أو الامتناع عن القيام بعمل.
  • تعد الغرامة التهديدية إجراء وقتي لا تنتهي إلا بتنفيذ المدين أو إنهاء الالتزام.
  • لا تهدف الغرامة التهديدية إلى جبر الضرر الذي أصاب الدائن بسبب عدم التنفيذ، بل تهدف فقط تذكير الإدارة بالتزاماتها الأساسية المتمثلة في احترام مضمون قوة الشيء المقضي به.

ثانيا: امكانية الحجز على الممتلكات الخاصة للإدارة لتنفيذ مقتضى الحكم.

يعتبر الحجز على أموال صورة من صور التنفيذ الجبري المعمول بها في إطار القانون الخاص، وإذا كان المبدأ العام يقضي بعدم جواز الحجز على الأموال العمومية للدولة ومؤسساتها حفاظا على مبدأ سير المرفق العمومي بانتظام و باضطراد من جهة، ولكون هذه الأموال محاطة بحماية قانونية تمنع التصرف فيها من جهة ثانية.

و هذا لم يمنع من بروز اتجاه فقهي واجتهاد قضائي يسمح بإمكانية الحجز على أموال الدولة الخاصة بعد فصلها عن الأموال العامة، وهذا ما رست عليه المحاكم الإدارية ومحاكم الاستئناف الإدارية ببلادنا منذ إنشائها حيث لجأ لإعمال وسيلة الحجز في مواجهة الإدارة الممتنعة عن التنفيذ لضمان الحقوق والحريات الأفراد ، كما كرس إجراء الحجز التنفيذي اتجاه الإدارة الممتنعة عن التنفيذ، والذي ينصب على المنقولات والعقارات التي تدخل ضمن الأملاك الخاصة المملوكة للإدارة على اعتبار أن هذه الأموال لا تخصص للمنفعة العامة واستعمال الجمهور، وبالتالي فإجراء الحجز عليها لن يعرقل سير المرفق العمومي.

1: الحجز لدى الغير في مواجهة الإدارة الممتنعة عن التنفيذ.

نظم المشرع المغربي الحجز لدى الغير[23] في الباب الثالث من قانون المسطرة المدنية، إذ نص الفصل 488 على أنه: «يمكن لكل دائن ذاتي أو اعتباري يتوفر على دين ثابت إجراء حجز بين يدي الغير بإذن من القاضي على مبالغ و مستندات لـمدينه و التعرض على تسليمها له».

و المشرع لم يحدد تعريفا للحجز لدى الغير بل اكتفى بتنظيم هذا الحجز وتحديد إجراءاته، وترك مهمة تحديد ووضع التعاريف والمصطلحات القانونية والمفاهيم القضائية للفقه والقضاء[24].

يقصد بالحجز لدى الغير تلك المسطرة التي ترمي إلى عقل أموال المدين بين يدي هذا الأخير إما بواسطة كتابة الضبط بناءا على سند تنفيذي، أو بناءا على طلب عند عدم وجود هذا السند، على أن يطالب الحاجز باستخلاص المبالغ المحجوزة مباشرة أو تسليمه نتاج بيع الأشياء المحجوزة[25].

إذا كان الحجز لدى الغير من وسائل التنفيذ الجبرية في القانون الخاص، فإن القاضي الإداري لم يتوانى عن إعمال هذه الوسيلة في مواجهة الإدارة الممتنعة عن تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها وخصوصا في مجال التعويض، مستندا في ذلك على إحالة القانون رقم 41/90 على قانون المسطرة المدنية في مجال التنفيذ.

ويعد الأمر الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 23 أبريل 1997 تحت عدد 99 من الأحكام المؤسسة في هذا الاتجاه، حيث قضى فيه رئيس المحكمة الإدارية المصادقة على الحجز لدى الغير في حق الوكالة الوطنية لمحاربة السكن غير اللائق، والتي امتنعت عن تنفيذ حكم صدر في حقها، والمهم في هذه القضية هو أنه خلال مسطرة تنفيذ الحجز، دفعت الوكالة على أنها مؤسسة عمومية ومن تم فإنه لا يجوز الحجز على أموالها، فكان جواب المحكمة على النحو التالي: «إن الأموال التي يتشكل فيها رأس مال المحجوز عليها على افتراض أنها أموال عمومية، فإن جزء منها قد صدر أصلا لتسديد مستحقات أصحاب الأراضي المنزوعة ملكيتهم، وهذا الحجز يشكل ضمانة بالنسبة لهؤلاء ولا ضرر فيه على مصلحة المحجوز عليها».

يمكن اعتبار هذه القاعدة بمثابة إحدى الضمانات التي من شأنها صيانة حقوق أصحاب الأراضي المنزوعة ملكيتهم من لدن بعض المؤسسات العمومية التي تمتنع عن تعويض هؤلاء[26].

و يلاحظ الأمر القضائي الصادر عن المحكمة الإدارية حصر إمكانية الحجز لدى الغير على أموال نازعي الملكية، إذا كانوا عبارة عن مؤسسات عمومية، وهذا ما جعل بعض الباحثين (مصطفى التراب) متخوف من السير في هذا الاتجاه، نظرا لصعوبة بل لاستحالة حجز أموال إدارة عمومية بوزارة ما حيث لا تتوفر على أموال خاصة يمكن حجزها، فضلا عن خضوعها لنظام المراقبة المالية والمحاسبة العمومية[27].

و قد بحثت المحكمة الإدارية بالرباط في مناسبة أخرى عن وسيلة مغايرة لما سبق ذكره، تمكنها من إيقاع الحجز على أموال المؤسسات العمومية عندما يتعلق الأمر بقضايا خارج عن نطاق نزع الملكية، إذ أقامت الحجز في مواجهة المكتب الوطني للأبحاث والاستثمارات النفطية الممتنع عن التنفيذ. وحول الدفع بعدم إمكانية الحجز على أمواله المثار بمناسبة التصديق على الحجز، ردت المحكمة بأمرها الصادر في 7 شتنبر 1997 بقاعدة جديدة مفادها: «إذا كان لا يجوز الحجز على أموال المؤسسات العمومية فلكونها مليئة الذمة، وليس لكون أموالها أموالا عمومية – مادام لا يوجد نص قانوني يمنع حجزها-ولكن إذا ثبت امتناع المؤسسة العمومية عن تنفيذ حكم قضائي بدون مبرر، فإن ملائمة الذمة تصبح غير مجدية بالنسبة للتنفيذ الذي يرغب فيه من صدر الحكم لصالحه، وفي هذه الحالة يجوز القيام بالتنفيذ الجبري على أموال المؤسسة المذكورة نظرا لصيغة الإلزام التي تفرضها – وبحكم القانون – الأحكام القضائية القابلة للتنفيذ…»[28].

 

 

 

 

 

 

الخاتمة.

رغم الاجتهادات التي يقوم بها القاضي الاداري والتي تعتبر دعامة وضمانة للملزم الضريبي فإنها تصطدم ببعض الإشكالات تعيق هده الحماية، وأبرز هده الاكراهات كما ضعف التكوين لدى القاضي الضريبي الذي يغلب عليه التكوين المدني، و استعانته بالخبرة كثيرا وبشكل مكثف، مما ينعكس سلبا على جودة الأحكام من حيت التعليل القانوني، ويصطدم القاضي الاداري بإكراه أخرى هو إشكالية تنفيذ الأحكام الحائزة على قوة الشي المقضي به من طرف الإدارة الضريبية باستعمالها شتى صور عدم التنفيذ والتي تتجلى في التراخي أو التنفيذ المعيب أو عدم التنفيذ، مستغلة بدلك بعض الفراغات القانونية أو ضعف الموارد المالية، ولكن قاضي الاداري حاول ابتكار بعض الحلول للحد من انتشار الظاهرة عبر تطبيق الغرامة التهديدية ثم امكانية الحجز على الأموال الخاصة للإدارة بل حاول تحميل الموظف المسؤول عن عدم التنفيذ المسؤولية الشخصية عن فعل الامتناع.

[1] : ابن منظور: “لسان العرب”، المجلد الرابع عشر، دار صادر للطباعة والنشر بيروت، المطبعة الأولى، ص 316.

[2] : محمد عبد الخالق: “مبادئ عامة التنفيذ”، دار النهضة العربية، الطبعة الرابعة، سنة 1978، ص 4.

[3]: تعريف التنفيذ: التنفيذ لغة هو إخراج الشيء من مجال الفكر والتحول إلى مجال العمل فلا يبقى رهين لإحساس والإرادة بل يصبح واقعا معاشا واتصاله بالواقع هو منشأ الصعوبة، الجمعية المغربية لإنحاء المعرفة القانونية، منشورات الجمعية المغربية لإنشاء المعرفة القانونية، ودادية المنتدبين القضائيين، 1999.

[4]: الفصل 428 من ق.م.م: “تنفذ الأحكام الصادرة من محاكم المملكة في مجموع التراب الوطني بناء على طلب من المستفيد من الحكم أو من ينوب عنه”.

[5]: المادة 439 من ق.م.م: “يتم التنفيذ ضمن الشروط المقررة في الفصلين 433 و 434 غير أنه يمكن لكتابة ضبط المحكمة التي أصدرت الحكـم أن تنيب عنها كتابة ضبط المحكمة التي يجب أن يقع التنفيذ في دائرتها القضائية”.

[6] : نورة بوطاهر،”إشكالية تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الإدارة”، مقال منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية العدد 177 ص 45.

[7] : حسني سعد عبد الواحد، مرجع سابق، ص: 397.

[8]كمال وصفي، “أصول إجراءات القضاء الإداري”، الكتاب الثاني 1964، ص: 262.

[9] : M. FAYOLLE OP. CIT p164.

[10] : كمال الرفاعي، “أصول إجراءات القضاء الإداري”، الكتاب الثاني مكتبة الأنجلو مصرية 1964، ص: 169.

[11] :  G. Peiser «Contentieux administratif» Dalloz. Paris 1974. p127.

[12]:  R. Odent «Contentieux administratif» 1970-1971 p 1025.

[13]:  سليمان الطماوي، “القضاء الإداري الكتاب الثاني قضاء التعويض”، سنة 1977، ص 153.

[14]: إبراهيم أوفادة، المرجع السابق، ص 190.

[15] : حسني سعد عبد الواحد، ص 405.

[16]: نجاة حجراوي، “إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة الإدارة”، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة الحسن الأول، سطات، سنة 2009-2010، ص 93.

[17] : أحمد الصايغ، “الغرامة التهديدية كوسيلة لتنفيذ الأحكام القضائية الإدارية”، منشورات م.م.إ.م عدد 55، السنة 2004، ص 24.

[18] : عبد الرزاق أحمد السنهوري، “الوسيط في شرح القانون المدني الجزء الثاني”، دار النهضة العربية القاهرة، الطبعة الثانية، سنة 1967، ص807.

[19]:  Jean François, «Les grandes décisions de la jurisprudence- droit administratif» – PUF – 1999 p : 555.

[20]: أدولف ريولط / ترجمة إدريس ملين، “المسطرة المدنية في شروح”، منشورات المعهد الوطني لدراسات القضاء، طبعة 1990، ص 307.

[21] : قرار عدد 1316 بتاريخ 28 يونيو 1991، منشور بمجلة المحاكم المغربية، العدد 71، قسم الاجتهادات القضائية.

[22]: قرار عدد 531 بتاريخ 22 فبراير 1989، منشور بمجلة المجلس الأعلى، عدد مزدوج 42-43.

[23] : أحمد الصايغ، “إشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية بالمغرب”، مرجع سابق، ص 234.

يقصد بالغير الذين ليس لهم مصلحة شخصية في الدعوى الصادر فيها الحكم المراد تنفيذه ولا يعود عليهم من هذا الحكم عليهم من هذا الحكم نفع أو ضرر ولم يكونوا بين في الخصومة بأشخاصهم أو أشخاص غيرهم: للاستزادة انظر مجلة الإشعاع، العدد 28، فبراير 2004، ص 77.

[24]: عزيز الفرحاني، لحسن المرضي، “مسطرة الحجز لدى الغير في التشريع المغربي”، بحث نهاية تدريب الملحقين القضائيين بالمعهد العالي للقضاء، الفوج 32 سنة 2004، ص 5.

[25]: محمد بذيدي، “الحجز لدى الغير”، الندوة الأولى للعمل القضائي والبنكي، منشورات المعهد الوطني للدراسات القضائية والمجموعة البنكية في المغرب – دجنبر 1987، ص 80.

[26] : مصطفى التراب، “إشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية”، مجلة القصر، العدد 11، ماي 2005، ص 91 و92.

[27] : مصطفى التراب، “إشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية”، مجلة المحاكم الإدارية، العدد الأول، سنة 2001، ص 39.

[28] : محمد قصري، “الغرامة التهديدية والحجز في مواجهة الإدارة الممتنعة عن التنفيذ الأحكام القضائية الإدارية الصادرة ضدها”، مرجع سابق، ص 128.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى