
لا مراء ما للدور الطلائعي الذي تلعبه المؤسسات البنكية في الوقت الراهن، فهي مدخل أساسي لتحقيق التنمية في بعديها الإقتصادي والإجتماعي ومن تم التنمية الشاملة.
حيث تتلقى الأموال من الزبائن والعملاء الذين يجدون البنك ملاذا آمنا لتخزين أموالهم وادخارها من أجل استثمارها وتنميتها في المستقبل، وكل هذا مقابل اقتطاعات مقبولة، كما أن المؤسسات البنكية المذكورة تمنح قروضا نقدية تستهدف بالأساس تدعيم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وهذا بكل تأكيد يساهم في رفع مستوى الإستثمار ببلادنا ومن تم دعم الإستقرار وتحقيق التنمية بشكل فعال وحقيقي.
عموما سنخصص هذه الورقة للحديث وبأقصى ما يمكن من الدقة والإختصار عن عملية إقفال الحساب البنكي وما يستتبعه من آثار قانونية وواقعية أيضا….
لهذا نبادر ونؤكد منذ البداية أن السواد العام من الناس لا علم لهم بعمليات إقفال الحساب البنكي، وهو ما أفرز تعسفات خطيرة من طرف المؤسسات البنكية، حيث تستغل هذه الأخيرة الجهل بالقوانين البنكية في هذا الباب للمطالبة بمبالغ مالية مهمة وغير مشروعة، في إطار"عقود إذعان تعسفية"
فالعديد من العملاء ينقطعون عن استعمال حساباتهم البنكية لأسباب شتى (التي تختلف من شخص لآخر)، ويتفاجؤون في آخر المطاف أنهم مدينون بمبالغ مالية مهمة لفائدة البنك، لا لشئ سوى لأنهم انقطعوا عن استخدام حسابهم البنكي…
إن القانون التجاري المغربي في المادة503 والحالة هاته يلزم المؤسسة البنكية بإغلاق أي حساب بنكي يقل رصيده عن100 درهم ومر عليه عام كامل دون أن يحركه صاحبه.
ولهذا فمطالبة البنك عميله بأداء مبلغ معين بعد انقطاعه عن استخدام حسابه هي مطالبة غير قانونية من جهة، وأكل لأموال الناس بالباطل من جهة أخرى، وعليه نسجل هنا أن معظم العملاء يؤدون تلك المبالغ المطالب بها تحت وطئة الخوف من المتابعات القضائية حسب اعتقادهم….
ونشير هنا أن التاريخ يشهد أن البنوك لم يسبق لها وأن تابعت أحد عملائها في هذا المضمار، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالدعوى المتعلقة بهذه القضية غير مقبولة شكلا طبقا لقواعد قانون المسطرة المدنية، فعنصر المصلحة غير قائم، لأن من شروط المصلحة أن تكون مبنية على أساس قانوني الذي لا وجود له والحالة هاته ما دامت المؤسسة البنكية قد خرقت القانون أصلا لعدم إغلاقها الحساب البنكي رغم توفر شروط الإغلاق قانونا.
علاوة على ذلك فالمؤسسة البنكية لا يمكن أن تقاضي عميلها في مثل هكذا تفاهات، حيث الأصل التجاري يقوم على دعامتين أساسيتين، السمعة التجارية والزبائن، والسمعة التجارية هي حصن حصين وركن ركين لدى جميع الشركات التجارية لا يمكن المس بها أبدا….
ولنفترض جدلا أن المؤسسات البنكية تتجه للقضاء بهذا الخصوص، فالدعوى عموما تتطلب محام، والأخير يتقاضى بدل للأتعاب الذي قد يتجاوز بشكل صارخ المبالغ موضوع الدين، خصوصا إذا تم الطعن بالإستئناف والنقض، كما أن كثرة المساطر وتعقدها تطيل في أمد النزاع الشئ الذي يفوت على البنوك وقت مهم، من الأجدر أن تستغله في قضايا أهم.
صفوة القول أن لا الأوعية القانونية ولا الممارسة العملية تسمح للبنوك أن تأخد مسار المطالبة القضائية، وأن الرضوخ للمراسلات البنكية وأداء المبالغ الوهمية المطالب بها هو تنازل عن الحقوق، وفيه تشجيع للبنوك المذكورة في أكل أموال الناس بالباطل، وأن عدم الإستجابة لتلك المراسالات هو من باب تحصيل حاصل وهو الأصل والقاعدة، لكن الاستثناء هو ما يشهده الواقع المعاش في ظل غياب شبه تام للحملات التحسيسية في هذا الإطار .