إنتكاسة القانون الجنائي للأعمال إساءة استعمال أموال الشركة نموذجا
“ إنتكاسة القانون الجنائي للأعمال
إساءة استعمال أموال الشركة نموذجا “
من إعداد الباحث: العمري المفضل
يتمتع أعضاء الجهاز الاداري للشركة بسلطات واسعة للتصرف باسم الشركة ولتحقيق أهدافها وأغراضها، لأجل ذلك تُوضع رهن إشارتهم أمولا قصد إدارتها و استغلالها بما يحقق مصلحة الشركة و المساهمين. إلا أن سلطة الاستغلال هاته تستهوي المتصرفين وتولد لديهم الرغبة في التصرف في أموال الشركة لحسابهم الخاص في أغراض شخصية، لذلك بادر المشرع المغربي كغيره من التشريعات المقارنة الى التنصيص على جريمة إساءة استعمال أموال الشركة ABUS DE BIEN SOCIAUX”
برزت جريمة إساءة استعمال أموال الشركة في أصلها التاريخي بصدور المرسوم الفرنسي في 8 عشت 1955 سدا للفراغ الذي كان يشوب الوضع التشريعي القائم في مجال زجر الأعمال غير المشروعة المرتكبة إخلالا بتدبير رؤوس الأموال المحصل عليها بصورة نظامية من جهة، وتهدئة لمخاوف الرأي العام الواقع تحت موجة من الفضائح المالية من جهة أخرى. ولابد من التذكير هنا بأن تطبيق المادة 408 من مدونة نابليون الجنائية ( الملغاة) بشأن جريمة خيانة الأمانة كان رهينة بثبوت تسليم المال المنقول بناء على أحد عقود الأمانة المحددة في القانون تحديدا حصريا و التي لم يكن يقع ضمنها عقد الشركة .
صحيح أن قضاء المحاكم الفرنسية قد جرى على اخذ عقد الوكالة بمفهومه الواسع وعلى نحو يسمح باعتبار المسير وكيلا من الشركاء- وبالتالي مسيئا للإتمان إذا ما ثبت قيامه بالتبديد أو الاختلاس- إلا أن هذا لم يكن كافيا بذاته لإزالة الشكوك المميزة حول عدد من الممارسات المخلة بحقوق الشركاء والمتعارضة مع مصلحة الشركة مما يحول دون إعتبارها داخلة ضمن المجالات المعاقب عليها على أساس جريمة خيانة الأمانة.
أمام هذا القصور التشريعي كان لابد من التدخل بموجب نص خاص تجريما لإساءة استعمال اموال الشركة واعتماداتها. إلا أنه ومن المشكوك فيه أن تكون أسباب نزول هذا النص التجريمي الخاص الوارد في القانون المغربي إذ أن الفصل 547 من مجموعة القانون الجنائي المعاقبة على جريمة خيانة الأمانة قد جرى إفراغه في عبارات واسعة ولم تشترط في التسليم أن يكون بعقود معينة محددة، وأنه فرض فقط أن يخول المسلم حيازة مؤقتة او ناقصة، بمعنى أن يتسلم الجاني الشيء ليرده او يستعمله لغرض معين سواء أتم ذلك بأحد عقود الأمانة الستة المنصوص عليها في القانون او بأي عقد آخر مسمى أو غير مسمى، بل حتى ولو لم يتوفر في واقعة التسليم عناصر العقد بمفهومه المدني .
واعتبارا لذلك، لم يتردد القضاء المغربي- حتى قبل صدور القانون 95-17 و 5-96 بشأن الشركات التجارية- في متابعة المديرين و المسيرين بسبب سوء تدبير أموال المقاولة على أساس جريمة خيانة الأمانة.
من هذا البسط يغدو التساؤل مشروعا عن صحة الأسباب الداعية إلى تجريم إساءة استعمال أموال الشركة واعتمادتها لما لها من تأثير على الحياة الاقتصادية و الاجتماعية وذلك بناء على نص خاص، وعما اذا لم يكن هذا الموقف يعوزه- من زاوية السياسة الجنائية- التبرير السليم طالما أن في وجود النص العام كفاية لتأمين المصلحة المراد حمايتها جنائيا، وبعبارة أدق، فإن التساؤل الذي يطرح نفسه هنا ما اذا كان ما يميز النص الخاص عن النص العام لا يتعدى حدود الاعتبارات التقنية البحثة ام ان بين النصين اختلافا يتصل بجوهر القانوني الساري على كل واحدة من الجريمتين .؟
وفي سبيل تلمس عناصر الإجابة عن هذا التساؤل، ينبغي تناول النظم القانونية التي تخضع لها جريمة استعمال أموال الشركة واعتماداتها بالدراسة و التحليل. ولعل أهم الجوانب الجديرة بالبحث في هذا الإطار: الإحاطة بالشرط المفترض لهذه الجريمة ( المبحث الاول)، ثم بيان عناصرها التكوينية من جهة التجريم و العقاب ( المبحث الثاني).
المبحث الأول: الشرط المفترض في جريمة إساءة استعمال أموال الشركة
لا ينطبق وصف جريمة استعمال أموال الشركة إلا إذا ثبت عنصران اثنان في شرطها المفترض، ان تثبت لمرتكبها صفة محددة ( المطلب الاول)، وان تتخذ الشركة التي وقعت ضحية لها شكلا قانونيا معينا( المطلب الثاني).
المطلب الثاني: صفة فاعل الجريمة
لا تثبت صفة الفاعل في جريمة إساءة استعمال أموال الشركة لأي شخص يقوم بإختلاس أموال الشخص المعنوي من قبيل ما يصدر عن محاسب الشركة أو مستخدميها من ممارسات غير مشروعة، والتي تكيف غالبا بكونها أفعال سرقة أو خيانة أمانة. والحق أن الجريمة التي نحن بصددها إنما تنتمي الى طائفة الجرائم ذوي الصفة الخاصة، بحيث لا يصلح فاعلا أصليا فيها الإ من يمارس في نطاق الشركة مهمة التسيير القانوني أو الفعلي ،.
المطلب الثاني: الشكل الذي ينبغي أن تتخذه الشركة
يتحدد نطاق تطبيق جريمة اساءة استعمال اموال الشركة في التشريع الفرنسي في شركات الأموال دون الأشخاص- ولعل ما يفسر هذا الخيار أن مسؤولية المسيرين في هذه الشركات الأخيرة مسؤولية مطلقة وتضامنية، بمعنى أن لكل خطأ في التسيير انعكاسا على ذمة المسير المالي- أما نصوص القانون المغربي فقد وردت في هذا المجال خلوا من كل تقييد مما يعني صلاحية مطلق الشركات – من حيث المبدأ- لكي تصبح موضوعا للجريمة
ويتمثل النص التجريمي الأساسي في هذا الشأن – في القانون 95-17 المتعلق بشركات المساهمة الصادر في 30 غشت 1996 الذي ينص في مادته 384/3 على ما يلي : ” يعاقب بعقوبة الحبس من شهر الى ستة اشهر وبغرامة من 100.000 الى 1.000.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، أعضاء أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير لشركة المساهمة:
1- …
2- …
3- الذين استعملوا بسوء نية، أموال الشركة أو اعتمادتها استعملت يعلمون تعارضه مع المصالح الاقتصادية لهذه الأخيرة وذلك بغية تحقيق أغراض شخصية أو لتفضيل شركة او مقاولة أخرى لهم بها مصالح مباشرة أو غير مباشرة…
وتجدر الإشارة الى ان القانون 5-96 المتعلق بشركة التضامن و شركة التوصية البسيطة و التوصية بالاسهم وذات المسؤولية المحدودة وشركة المحاصة ، إنما اكتفى في مادته 107 بنقل المقتضى المذكور اعلاه حرفيا.
ومع ذلك فإن نص هذه المادة يثير اشكالا او انتكاسة خاصة فيما يتعلق بشركة المحاصة التي لم تتمتع بصريح القانون القانون بالشخصية المعنوية مما يجردها بالتالي من اكتساب الذمة المالية التي يعتبر وجودها شرطا لازما لقيام الجريمة.
ولما كان المال في شركة المحاصة مالا مشتركا بين الشركاء كان النص الأجدر بالتطبيق في هذه الحالة هو الفصل 523 من القانون الجنائي الذي ينص على : يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة و غرامة قدرها ألف و مائتين درهم، أحد الورثة أو مدعي الورثة الذي يتصرف بسوء
نية في التركة أو جزء منها قبل اقتسامها، ويعاقب بنفس العقوبة المالك على الشياع أو الشريك الذي يتصرف بسوء نية في المال المشترك أو رأس المال .
هذا وتجدر الإشارة إلى أنه بالإضافة إلى القانونين الأساسيين المذكورين بشأن الشركات التجارية ثمة قوانين خاصة كمدونة التأمينات لسنة 2002 (225) و القانون الخاص بالشرکات التعاونية لسنة1985 (م90) أفردت مقتضيات محددة لتجريم اساءة استعمال اموال الشركة.
المبحث الثاني: العناصر التكوينية لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة
سوف نحاول من خلال هذا المبحث الوقوف على عناصر التجريم( المطلب الاول)، ومن ثم الوقوف على عناصر العقاب في جريمة اساءة استعمال اموال الشركة ( المطلب الثاني).
المطلب الاول: عناصر التجريم
مدام الركن القانوني مسطر من طرف المشرع المغربي، لابد من تحليل الركن المادي ( الفقرة الاولى)، ثم المعنوي( الفقرة الثانية).
الفقرة الاولى: الركن المادي
تتحد عناصر الركن المادي في جريمة إساءة استعمال أموال الشركة في كل نشاط يسعى الجاني من ورائه إلى استعمال أموال الشركة او اعتماداتها لتحقيق مصلحة شخصية و وبصورة تتناقص مصلحة الشركة
أولا: عنصر الاستعمال
ان هذا المفهوم- الاستعمال- واسع جدا بحيث لا يرتهن بثبوت نية التملك لدى المسير غير النزيه، أو الانتقال الفعلي للمال من ذمة الشركة إلى ذمته الشخصية. و بناء عليه، يتحقق النشاط المكون للركن المادي في الجريمة بمجرد الاستفادة من القرض أو التسهيلات المالية أو الاستخدام غير المبرر لسيارات الشركة ومعداتها أو الاستعانة بأجرائها للقيام بخدمة شخصية لفائدة المدير او المسير .
ولكن هل يمكن أن يتحقق الاستعمال بنشاط سلبي او عن طريق الامتناع كعدم مطالبة المتصرف
او المدير بدين للشركة التي يديرها على شركة أو مقاولة أخرى له بها مصالح شخصية، أو قعوده عن تخفيض مبلغ مكافاته المالية رغم الخسارة المسجلة في ميزانية الشركة ؟.
الاجماع غير منعقد على اعتبار السلوك السلبي كاف لأن يكون استعمالا، إذ قضت محكمة النقض الفرنسية في إحدى قراراتها بأن مجرد الإهمال او الامتناع لا يمكن ان يشكل استعمالا. كما ان هذا الرأي لا يتفق تماما و مقتضى مبدأ الشرعية الجنائية، اذ لو أراد المشرع تجريم الإمتناع او عدم الاستعمال لنص على ذلك صراحة .
وفيما يتعلق بخصائص الاستعمال طبقا لنص الفقرة الثالثة من المادتين 384 و 107 من قانون 95-17 و قانون 965 ينبغي أن ينصب الاستعمال على أموال الشركة او على اعتماداتها .
و يقصد بالأموال Biens مجموعة الأشياء المادية الموضوعة رهن تصرف الشركة أي مجموع القيم المنقولة و غير المنقولة الموجهة لتحقيق غرضها (وتشمل المعدات و البضائع الموجودة في مخازن الشركة فضلا عن الديون المستحقة لدى الغير والعقارات العائدة لها).
اما اعتمادات الشركة Credit de la Société فيراد بها بالمعنى الواسع قدرتها على استقطاب ثقة الغير بالنظر إلى رأسمالها و طبيعة معاملاتها و السير الجيد للمقاولة.
و يكون استعمال الاعتمادات مناقضا لمصلحة الشركة كلما ثبتت الصفة غير الاعتيادية Caractere Anormal للخطر الذي يعرض المسير المقاولة إياه أو الصفة غير الاعتيادية للتصرف المنجز باسم هذه المقاولة و لحسابها.
ثانيا: تعارض الاستعمال مع مصلحة الشركة
إن تحديد المعنى المراد بتعارض الاستعمال مع المصلحة يقتضي إجراء التفرقة بين فرضيتين اثنتين : فرضية المصلحة الاقتصادية داخل الشركة المنفردة أو المستقلة من جهة و فرضية المصلحة الاقتصادية في إطار مجموع الشركات من جهة أخرى.
بخصوص المصلحة الاولى وأمام انعدام تعريف واضح لمفهوم المصلحة الاقتصادية و الاجتماعية للشركة، فسح المشرع المغربي المجال للفقه الجنائي الذي يتردد بين الأخذ بنظريتين اثنتين في هذا النطاق: النظرية التعاقدية و النظرية النظامية.
يستند القائلون بالنظرية التعاقدية Théorie Contractuelle إلى المادة 1348 من القانون المدني الفرنسي و المادة 1007 من قانون الالتزامات والعقود التي جاء فيها: يلتزم كل شريك بأن يقدم الحساب في نفس الحدود التي يلزم الوكيل بتقديمه فيها: أولا……… ثانيا: عن كل ما تسلمه من أجل العمليات التي هي موضوع الشركة و كل شرط من شأنه أن يعفي الصالح المشترك” أو بمناسبة العمليات التي هي موضوع الشركة وشرط من شأنه أن يعفي شريكا من واجب تقديم الحساب يكون عديم الأثر”.
وبناء على هذه النظرية تتحقق مصلحة الشركة من خلال تحقق مصلحة المساهمين فيها. من هنا كان لزاما على الشركاء مسيرين كانوا أم غير مسيرين التصرف في حدود الغرض الذي أنشئت من اجله الشركة فضلا عن ضرورة الالتزام بتنفيذ تصرفاتهم بحسن نية وبما ينأى بهم عن كل غش .
أما أنصار النظرية النظامية Théorie institutionnelle فيعتبرون المصلحة المشتركة متجسدة في مصلحة المقاولة، مما يعني ضرورة الأخذ بالحسبان ليس مصلحة الشركاء فقط كما تقول النظرية التعاقدية، و إنما أيضا مصلحة الأجراء و الدائنين و الموردين و الزبناء فضلا عن مصلحةالدولة نفسها التي تتحقق من خلال ازدهار المقاولة و استمرارها.
ومهما يكن من أمر فإن المصلحة الاقتصادية للشركة لا تعدو أن تكون تطبيقا من تطبيقات المفاهيم الإطارية NATION-CADRE التي تأبى کل تحديد دقيق بسبب تغير مضمونها حسب الوقائع مما يجعل القاضي الجنائي مضطلعا بالدور المحوري في إبراز مدى تعارض الفعل المنسوب
إلى المسير أو المدير مع المصلحة الاقتصادية المقاولة .
و لكن هل يجوز متابعة المسير او المتصرف على أساس الجريمة التي نحن بصددها في حالة الفوز بصفقة عمومية او تخفيف العبء الضريبي على المقاولة؟
بالرجوع إلى مقتضى المادتين 384 من القانون 95-17 و المادة 107 من القانون 96-5 يتضح ان الجريمة تقوم متى تعارض الاستعمال مع المصالح الاقتصادية للشركة و ليس بمجرد الاستعمال غیرالمشروع لأموال الشركة، و لما كان من المبادئ الثابتة تفسير النصوص الجنائية على نحو ضیق کان من غير السائغ الإدانة على أساس جريمة إساءة استعمال أموال الشركة .
وفيما يتعلق بالمصلحة الثانية- داخل مجموع الشركات- فإنها تقوم على أساس التعاون المتبادل بين أفراد المجموعة على مستوى الخدمات و اليد العاملة و الدعم المالي الخ…..
أما الإشكال الذي يثور في هذا النطاق فيتخذ الصيغة التالية: لتقدير مدى مشروعية المعاملات المالية و الخدماتية التي تتم بين الشركات التابعة للمجموعة الواحدة، هل ينبغي النظر إلى مصلحة كل شركة على حدة أم إلى المصلحة العامة للمجموعة؟
لئن تواثر قضاء محكمة النقض الفرنسية على حسم هذا الإشكال لفائدة الحل الثاني فان الاعتراف بمشروعية الفعل و الإقرار بوجود سبب إباحة كفيل بدفع تهمة إساءة الاستعمال عن المسير يظل رهينا بتوافر شروط محددة ،و مؤدى هذه الشروط أن المساعدة أو المساهمة المطلوبة من الشركة التابعة للمجموعة لا تكون متعارضة مع مصالحها إذا:
– أملتها المصلحة الاقتصادية والاجتماعية والمالية المشتركة لسائر أفراد المجموعة.
– وكانت مندرجة ضمن السياسة المرسومة لهذه المجموعة ككل.
– و ثبت أنه ليس من شانها خلق نوع من عدم التوازن بين التزامات الواقعة على كل من الشركة المساهمة والشركة المستفيدة.
الفقرة الثانية: الركن المعنوي
تتطلب جريمة إساءة استعمال أموال الشركة بالإضافة إلى الركن المادي توافر القصد الجنائي لدى المتهم، ذلك أن المشرع أورد في الفصلين 384 من ق 95 – 17 و 107 من ق 96 – 5 عبارات تدل على ضرورة وجود هذا القصد لدى الفاعل من قبيل ” الذين استعملوا بسوء نية …” “واستعمالا يعلمون تعارضه مع المصالح الاقتصادية… ” و كذلك ” بغية تحقيق أغراض شخصية أو التفضيل شركة أو مقاولة أخرى لهم بها مصالح مباشرة أو غير مباشرة .
من هنا كان لزاما لاكتمال مقومات الركن المعنوي في هذه الجريمة تحقق القصد الجنائي بنوعيه العام والخاص.
فالأول يتوفر بتحقق علم المسير بالاعتداء على مصلحة الشركة وبإتجاه إرادته نحو تحقيق الواقعة الإجرامية.
و صحيح أن عبء إثبات أركان الجريمة ومنها القصد الجنائي يقع نظريا على عاتق النيابة العامة وأن صالح المتهم هو الأولى بالرعاية كلما جاء هذا الإثبات مشوبا بالشك، الإ أن الممارسة القضائية تقضي افتراض سوء النية لدى المسير اعتبارا لمركزه الرفيع ومسؤوليات الجسيمة داخل المقاولة .
وبخصوص القصد الخاص فإنه لاكتمال الوجود القانوني لجريمة استعمال أموال الشركة يلزم إلى جانب القصد العام قصد خاص لدى المتهم قوامه تحقيق أغراض شخصية أو تفضيل شركة أو مقاولة له بها مصالح مباشرة أو غيرمباشرة لكن ماذا يراد بالمصلحة الشخصية للمسير؟.
مما تنم عليه اجتهادات القضاء أن مصلحة المسير تتسم بالصفة الشخصية إذا حققت له نفعا ذاتيا سواء كان ذلك من طبيعة مادية كالاغناء على حساب الشركة أو معنوية من قبيل سعي المسير نحوتأمين علاقاته الاجتماعية أو خدمة أهدافه السياسية أو الانتخابية.
و إذا كان الغالب أن يكون مصلحة المسير مباشرة کسداد مصاريفه الشخصية من ميزانيةالشركة، فقد يحدث أن تكون غير مباشرة وذلك كما لو تخلى المتصرف أو المدير عن مزايدة بغية تفضيل شركة منافسة .
المطلب الثاني: عناصر العقاب
نتناول في هذا المطلب مساهمة الأشخاص في الجريمة بصورة أصلية او تبعية( الفقرة الاولى)، كخطوة في سبيل تحريك المتابعة وتطبيق العقاب(الفقرة الثانية).
الفقرة الثانية: المساهمة في الجريمة
أولا: المساهمة الأصلية في جريمة إساءة استعمال أموال الشركة
تعتبر جريمة إساءة استعمال أموال الشركة من الجرائم التي لا تقترف إلا من طرف أعضاء الجهاز الاداري للشركة، مما يعني ضرورة ثبوت صفة المسير في مرتكبها
والمسير يقع تحت طائلة العقاب المقرر لهذه الجريمة سواء أكان مسيرا قانونيا أو فعليا :
وتحدد صفة المسير القانوني DIRIGEANT DE DROIT بالنظر إلى النظام الذي تخضع له الشركة، فالبنسة لشركات المساهمة مثلا يتمتع بصفة مسير قانوني كل شخص معين بشكل نظامي وفقا للمقتضيات القانونية الخاصة بهذه الشركات والذين أسندت إليهم مهمة إدارة وتسيير الشركة من غير أن يكون مستخدمين فيها.
أما المسير الفعلي DIRIGEANT DE FAIT فقد عرفته محكمة النقض الفرنسية بكونه الشخص يملك سلطة إلزام الشخص المعنوي بالقرارات التي يتخذها ويباشرها بكل حرية واستقلال نشاطا إيجابي يتعلق بالتدبير و التسيير
ثانيا: المساهمة التبعية في جريمة إساءة استعمال أموال الشركة
تتحقق صفة المشارك فيمن لم يثبت ارتكابه الفعل المادي للواقعة الجرمية، إلا أنه تدخل فيها بالتحريض أو المساعدة أو تقديم الإعانة، ومن قبيل المشاركة في هذه الجريمة: أن يتعهد مراقب الحسابات للرئيس المدير العام للشركة أو لأحد المسيرين بعدم التبليغ عن الخروقات المالية المكونة للجريمة أمام الجمعية العامة أو مجلس الرقابة .
وهنا يطرح سؤال حول ما إذا كان من الممكن أن تتحقق المشاركة عن طريق الامتناع كما إذا علم أحد أعضاء مجلس المراقبة بالخروقات التي يقوم بها الرئيس والتي تشكل جريمة إساءة استعمال أموال أو إعتمادات الشركة ولم يقم بالاعتراض عليها رغم كونه ملزما بذلك قانونا؟
الواقع أن القضاء المغربي وفي حدود ما اطلعنا عليه من أحكام وعلى قلتها لم يتطرق لهذا الاشكال. أما بالنسبة لموقف قضاء محكمة النقض الفرنسية ويبدو مستقرا على كون المشاركة في الجريمة إنما يتطلب الإتيان بفعل ايجابي سابق او معاصر لتنفيذ الجريمة، وأنها تنتفي لمجرد عدم الفعل أو الامتناع.
الفقرة الثانية: المتابعة و العقاب
أولا: تحريك الدعوى العمومية و تقادمها
لئن كان تحريك الدعوى العمومية في جريمة إساءة استعمال أموال الشركة، تطبق بشأنه القواعد العامة في قانون المسطرة الجنائية، فان بدء سريان تقادمها تحكمه بعض الاعتبارات الخاصة. ويمكن القول بالنسبة للمسألة الأولى أنه بالإضافة إلى النيابة العامة التي أوكل إليها القانون بصورة أساسية أمر إثارة المتابعة الجنائية، يسوغ للمتضرر من الجريمة إثارتها أيضا عن طريق تقديم شكاية لوكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية و الانتصاب كطرف مدني، و تثبت صفة المتضرر للشركة نفسها فضلا عن الشركاء و المساهمين الذين نالهم ضرر مباشر من الجريمة.
ولعل ما يجب التنبيه إليه في هذا السياق أن ثمة صعوبات بالغة تعترض المساهمين كأقلية في الشركة في سبيل تقديم الدليل الإيجابي على وجود عناصر الجريمة و توافر النية السيئة لدى المسير .
وقد زاد الأمر تعقيدا قصور أو عدم جدوى أو انتكاسة المنحى الذي سار عليه المشرع المغربي حينما لم يخول لمراقب الحسابات إبلاغ الجرائم المكتشفة من طرفه إلى وكيل الملك كما فعل المشرع الفرنسي .
ومن جهة اخرى، تمتاز جريمة إساءة استعمال أموال الشركة و اعتماداتها بكونها تقع ضمن الجنح الضبطية الخاضعة لمبدأ التقادم الرباعي المنصوص عليه في المادة5 من ق.م.ج ولما كانت هذه الجريمة من طبيعة فورية او وقتية كان تقادمها يبدأ من يوم ارتكابها.
ثانيا: العقاب على الجريمة
لعل أهم ما يميز العقاب الجاري على جريمة إساءة استعمال أموال الشركة خاصيتين إثنتان ” التساهل المفرط الذي يطغى على هذا العقاب في شقه الخاص بالعقوبة السالبة للحرية من جهة، واختلاف العقوبات من حالة إلى أخرى باختلاف النصوص القانونية الواجبة التطبيق من جهة اخرى.
فإذا كان المشرع الفرنسي يرصد لهذه الجريمة عقوبة حبسية تتراوح مدتها بين سنة و خمس سنوات وغرامة مالية مقدارها 375000 أورو، فان المشرع المغربي لا يعاقب عليها كأصل عام، إلا بالحبس من شهر الى سنة وغرامة تتراوح بين 100000 الى 1000000 درهم أو بإحدى هاته العقوبتين فقط في إطار القانون المتعلق بشركات المساهمة المادتان 384_347 وشركة التوصية بالاسهم في المادة 118. أما إذا ارتكبت الجريمة في نطاق الشركة ذات المسؤولية المحدودة خضعت لنفس العقوبة الحبسية ولغرامة من 10000 الى 100000 درهم كما جاء في المادة 107 من القانون 96-5 واذا ارتكبت في نطاق التعاونيات طبقت العقوبة المنصوص عليها في الفصل 357 من مجموعة القانون الجنائي المتمثلة في الحبس من سنة الى خمس سنوات و الغرامة من 1200 الى 20000 درهم كما هو مسطر في المادة 90 من ق.س. التعاونيات.
هذا والى جانب العقوبات الأصلية، ثمة عقوبات اضافية يمكن للمحكمة النطق بها بمقتضى المادة 422 من القانون 17-95 التي تقضي بأنه يمكن للمحكمة أن تأمر بنشر قرارها كاملا او بنشر مستخرج منه على نفقة المحكوم عليه في الصحف التي تحددها او بإعلانه في الاماكن التي تعينها، كما يمكن لها أن تقضي بسقوط الأهلية التجارية وفق لأحكام المادتان 745و 746 من مدونة التجارة.
من هنا يصبح الإستنتاج سائغا بأن هذا التمييز في المعاملة العقابية من نص لآخر حسب تاريخ صدوره او حسب نوعية الشركة التي ترتكب الجريمة في نطاقها يبدو أمرا غير قابل للتبرير بأدنى اعتبار من اعتبارات المنطق السليم، وإنما ينطوي على محاباة ظاهرة لفائدة مجرمي الأعمال، مما يعد إخلالا بالمبادئ الناظمة للسياسة الجنائية داخل دولة الحق و القانون.
ولعل من المفارقات العجيبة التي تنهض دليلا إضافيا على مجافاة هذا المنطق أن تكون العقوبة الواجبة التطبيق على الجريمة المرتكبة في نطاق إحدى تعاونيات الحليب أو الصناعة التقليدية اشد وطأة من تلك التي يجري تطبيقها على الجريمة المرتكبة في محيط إحدى الشركات متعددة الجنسية، أليس هذا بأكبر مظاهر انتكاسة القانون الجنائي للأعمال لذلك فالمشرع المغربي مطالب بإعادة النظر في القانون الجنائي للاعمال وجعله تحت مدونة موحدة وخاصة يسهل الإلمام بها ومن أجل إنهاء مسألة التضخم.