مقالات قانونية

 اثبات النسب و نفيه بين الطرق التقليدية والحديثة

téléchargement 

 

               أ./عبد الحميد عيدوني

المدرس بكلية الحقوق-تلمسان

 

يثير هذا الموضوع نقاشا فقهيا كبيرا، ذلك أنه ما من مسألة في قانون الأسرة أكثر حساسية و أعظم أثرا من مسألة تثبيت النسب أو نفيه، إذ بتثبيت النسب يفرق بين الولد الشرعي واللقيط، ذلك لأن لهذا التفريق أثرا فلا يكتسب الولد الحقوق الأسرية من ميراث أو نفقة أو حضانة إلا بثبوت النسب له.

ومما زاد الأمر خطورة وجود وسائل علمية حديثة تجعل من نسبية ولد ما –بيولوجيا- إلى شخص أو نفيها عنه أمرا مؤكدا.

وهنا يطرح التساؤل عن مدى اقتران الطرق الحديثة بالطرق التقليدية في شرعية إثبات النسب أونفيه بها؟

و للإجابة على هذا التساؤل سيتم التطرق أولا إلى تثبيت النسب في (مطلب أول)؛ ثم إلى نفيه في (مطلب ثاني).

المطلب الأول:

تثبــــــــــــــــــــــــــيت النســــــــــــــــــــب

من المعلوم أنه إذا قامت الزوجية و لو بعقد فاسد أو بشبهة وطء تثبت نسبة الولد إلى أبيه تلقائيا و لم يحتج إلى إرادة هذا الأخير و لا لإرادة غيره لإثبات هذا النسب[1].

و إنما يتصور ورود الإرادة لإثبات النسب إذا كان الولد مجهول النسب، فهنا يلحق الولد لمن ادعاه إما بالطرق التقليدية (فرع أول)؛ أو بالطرق الحديثة(فرع ثاني).

الفرع الأول:

تثبيت النسب بالطرق التقليدية:

والطرق التقليدية في إثبات النسب الإقرار (أولا)؛ و البينة (ثانيا).

أولا: تثبيت النسب بالإقرار:

تنص المادة 40/1 من ق أ على أنه:” يثبت النسب بالإقرار “، و الإقرار في الاصطلاح إخبار الشخص عن ثبوت حق للغير على نفسه[2]، و دليل اعتبار الإقرار وسيلة من وسائل الإثبات في الشريعة قوله تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ[3]، وقول رسول الله صلى الله عليه و سلم على من زنت إمرأته ” واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها “[4]، و وجه الدلالة أنه لما اعتبر الإقرار دليلا على الحدود- على خطورتها – اعتبر دليلا على ما سواها من باب أولى.

و دليل اعتبار الإقرار من وسائل الإثبات في النسب بالخصوص قول رسول الله صلى الله عليه و سلم :” من ادعى إلى غير أبيه و هو يعلم فالجنة عليه حرام “[5]، فلو لم يكن الإقرار معتبرا لما أوجب هذا الجزاء الشديد، ذلك، أن إدعاء نسب  كاذب  فيه خلط للأنساب و إفساد للأعراض واشتباه الحلال  بالحرام  و تسوية بين النكاح و السفاح.

و الإقرار عند المشرع الجزائري على نوعين :

1-إقرار  على النفس ؛

2-إقرار على الغير .

1-الإقرار على النفس: تنص المادة 44 من ق أ على أنه :” يثبت النسب بالإقرار بالبنوة  ، أو الأبوة أو الأمومة لمجهول النسب و لو في  مرض  الموت متى صدقه العقل أو العادة “، يتضح من المادة أن الإقرار على النفس هو ذلك الإقرار الذي يحمل فيه المقر النسب على نفسه، فإقرار الرجل أنه أب لولد ما أو إقرار  هذا الأخير  ببنوته لذلك الرجل أو إدعاء امرأة أنها أم لهذا الولد إقرار فيه تحميل النسب على النفس[6].

و إشترط المشرع لثبوت النسب بالإقرار على النفس الشروط التالية :

-أن يكون الولد مجهول النسب، فإذا كان الولد معلوم النسب كأن يكون له أب فلا يصلح إقرار الغير هنا، لأن القاعدة أن النسب إذا ثبت لا ينفك بحال[7].

-و أن يكون إدعاء الأبوة أو الأمومة أو البنوة يصدقه العقل و العادة، كأن يكون الفارق بين سن الأب أو الأم و بين سن الولد مقبولا، فإذا ادعى شخص له عشرين سنة ببنوة من له عشرة سنين إليه لم يقبل لاستحالة ذلك[8].

-وجود عقد نكاح صحيح أو بشبهة، سواء كانت الشبهة في العقد أو في الوطء[9]، لمن ادعى الأبوة أو البنوة لرجل، فإذا لم يوجد ذلك فلا يمكن أن ينسب ولد لرجل ما على الإطلاق[10].

و ينقل عن بعض السلف جواز إمكانية ذلك بتأويل “الولد للفراش”[11] أنه في حالة التنازع[12]، والصحيح ما عليه إجماع  أهل الإسلام على المنع لصراحة الدليل، فالألف و اللام في “الولد” و”العاهر” تدل على العموم أي أن كل ولد لا ينسب إلاّ إلى الفراش و هو الوطء في عقد صحيح أومتلبس بشبهة- كما ذكر-، و أن كل عاهر- أي زاني – فله الحجر و هو كناية على خيبة الأمل و الخسران، و هذا مذهب أهل السنة قاطبة[13].

-إذا ادعى الولد بنوته لرجل فلا يصلح هذا الإقرار إلا بتصديق هذا الرجل له، فيكون ذلك إقرارا من هذا الرجل ببنوة هذا الولد[14].

2– الإقرار على الغير: تنص المادة 45 من ق.أ على أنه :” الإقرار بالنسب في غير البنوة والأبوة، و الأمومة لا يسري على غير المقر إلاّ بتصديقه “، أشارت المادة إلى أحد نوعي الإقرار، وهو الإقرار على الغير، و هو تحميل النسب على غير المقر[15]، كإدعاء الأخوة و العمومة إلا أن الشرط فيه- بالإضافة إلى الشروط  المذكورة في النوع الأول من الإقرار – أن يصدقه المقر عليه، الأب عند الإقرار بالأخوة، و الجد عند الإقرار بالعمومة[16].

ثانيا: تثبيت النسب بالبينة:

تنص المادة 40/1 من ق أ على أنه :” يثبت النسب بالبينة ..” و دليل إعتبار البينة وسيلة من وسائل الإثبات في الشريعة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :”البينة على المدعي”[17]، فدل الحديث أن كل من ادعى حقا له على الغير أن يلجأ في إثباته إلى البينة.

و البينة في الشريعة شهادة الشهود[18]، و الفرق بين البينة و الإقرار، أن الإقرار إثبات حق الغير على النفس، أما البينة فإثبات حق النفس على الغير، و يشترط في الشهود العدالة لقول الله تعالى: “وَاسْتَشْهِدُوا ذَوِي عَدْلٍ مِنْ رِجَالِكُمْ “[19]، فلما احتيج إلى شرط عدالة الشهود في الأموال احتيج إلى شرط عدالة الشهود في الأعراض و الأنساب من باب أولى.

و ذهب الأحناف إلى أن إثبات النسب لا يشترط فيه الذكورة، بل يكفي رجل وامرأتين[20]، وهذا الذي رجحه الأستاذ بلحاج العربي، فقال في معرض الحديث عن إثبات النسب بالبينة: “والمراد بالبينة هي شهادة رجلين أو رجل و امرأتين.”[21]، إلا أنه بالرجوع إلى القرارات القضائية نجد أن القضاء قد اشترط الذكورة، إذ جاء في القرار المؤرخ في 15ديسمبر1986 أن: “شهادة النساء تأتي في المرتبتين الثالثة و الرابعة من أنواع الشهادات الشرعية، ففي الثالثة شهادة امرأتين مع الرجل في المال وما يؤول إلى المال، والنوع الرابع تقبل شهادة امرأتين فيما لا يطلع عليه إلا النساء كما في الحيض.”[22]، و هذا الذي ذكره القضاء هو مقتضى مذهب المالكية، إذ النسب عندهم لا يثبت إلا بشاهدين عدلين ذكرين[23].

و يثور الإشكال في حالة ما إذا تنازع رجلان على الإدعاء بولد فقال كل واحد منهما هذا ابني، فهل يمكن اللجوء هنا إلى الطرق العلمية الحديثة لإثبات النسب في الشرع و القانون؟.

الفرع الثاني:

تثبيت النسب بالطرق الحديثة:

نتحدث هنا عن تثبيت النسب بالطرق الحديثة في الشرع (أولا)؛ ثم في القانون (ثانيا).

أولا: حكم الشرع في إثبات النسب بالوسائل الحديثة:

دلت نصوص كثيرة في الشريعة على جواز إثبات النسب بالوسائل الحديثة، منها قول رسول الله صلى الله عليه و سلم :” يا عائشة ألم تري أن مجززا المدلجيّ – و كان قائفا – دخل علي فرأى أسامة بن زيد و زيدا و عليها قطيفة قد غطيا رؤوسهما و بدت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضهما من بعض “[24]، فدل هذا على جواز إثبات النسب بالقيافة.

و قد ثبت عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أن امرأة في عهده مات زوجها فاعتدت أربعة أشهر و عشرا ثم تزوجت فمكثت عند زوجها أربعة أشهر و نصف ثم ولدت فاستعان في إثبات النسب بأهل الخبرة من النساء[25]، و كذلك فعل لما تنازع رجلان في إدعاء ولد امرأة فاستعان بالقائف أولا ثم بأهل الخبرة من النساء ثانيا[26].

فدل قول رسول الله صلى الله عليه و سلم و فعل ثاني الخلفاء الراشدين على جواز إثبات النسب بالقيافة و بالاستعانة  بأهل الخبرة بشؤون الولادة و النساء، و عليه لزم القول بجواز الاستعانة بأهل الخبرة من أهل الطب، و كذا بالوسائل العلمية المستحدثة في إثبات النسب، إلاّ أنه يشترط أن يكون الولد المراد تثبيت نسبه مجهول النسب؛ و دليل ذلك أن سعد بن أبي قاص و عبد بن زمعة اختصما في غلام عند رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقال الأول : هذا ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إليَّ أنه ابنه و انظر إلى شبهه؛ و قال عبد بن زمعة هذا أخي ولد على فراش أبي، فحكم رسول الله صلى الله عليه و سلم للثاني[27].

فدل الحديث على أمرين الأول أن استخدام القيافة أو الوسائل العلمية الحديثة لا يكون إلاّ  لمجهول النسب، و الثاني أنه إذا نفت الوسائل العلمية نسب ولد و أثبتته الوسائل الشرعية التقليدية، كوجود عقد زواج صحيح، فتقدم الوسائل الشرعية التقليدية و يثبت النسب، و عليه فإن القاعدة في النسب أنه ما ثبت بالشرع لا ينفي إلاّ بالشرع.

ثانيا: موقف المشرع الجزائري من إثبات النسب بالطرق العلمية:

تنص المادة 40/2 من ق.أ على أنه:” يجوز للقاضي اللجوء إلى الطرق العلمية لإثبات النسب “، فدل هذا على أن المشرع الجزائري أخذ بالقول الراجح الذي يذهب إلى جواز إثبات النسب بالوسائل العلمية الحديثة، لكن المشرع الجزائري لم يقيد استخدام الوسائل العلمية- لإثبات النسب- بأنها متعلقة بمجهول النسب، ويجدر التنبيه أن إثبات النسب الشرعي أي الانتساب إلى أب ما لا يكون إلاَّ إذا وجد عقد نكاح صحيح أو بشبهة – كما سلف –

و الملاحظة التي لا بد من ذكرها هنا أن القضاء الجزائري قد استقر قديما[28] على استبعاد الوسائل الحديثة لإثبات النسب[29] حتى صدر القرار 05 مارس2006. الذي نقض قرار مجلس قضاء مسيلة لاستبعاده طلب الاعتماد على البصمة الوراثية (ADN) كدليل علمي لإلحاق نسب الطفل إلى أبيه[30].

المطلب ثانيا:

 نــــــــــــــــــــــــــــــــــــــفي النســــــــــــب

 بعدما جرى الحديث عن مدى القدرة على تثبيت النسب، سيتم التطرق هنا عن  نفي النسب بالطرق التقليدية (فرع أول)؛ والحديثة (فرع ثاني).

الفرع الأول:

نفي النسب بالطرق التقليدية

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :” إثنان في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة على الميت”[31]، فدل الحديث على عموم حرمة الطعن في النسب، و هذا عين ما أكده حديث إختصام عبد بن زمعة مع سعد بن أبي وقاص، و قد تقرر عند علماء الأصول أن ما دل القرآن و السنة على عموم تحريمه لا تخص بعض جزئياته منه بحلٍ إلا بالكتاب و السنة، و اختلف هل يجوز أن يخص القياس عموم القرآن و السنة و الراجح –عندهم- عدم جواز ذلك[32]، و عليه فإن عموم تحريم الطعن بالنسب في القرآن و السنة لا يخص في بعض جزئياته إلاَّ بدليل من القرآن و السنة.

أولا: نفي النسب بالطرق التقليدية في الشريعة:

يخصص اللعان من عموم تحريم الطعن في النسب لقوله تعالى:” وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ” إلى قوله تعالى:” وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ.[33]، و ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لاعن بين رجل و امرأته فانتفى من ولدها ففرق بينهما و ألحق الولد بالمرأة[34]، وقد قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لا يدعى ولد الملاعنة لأبيه بل لأمه[35].

فثبت جواز نفي النسب باللعان على الوجه الوارد في القرآن و السنة المطهرة فخص هذا عموم تحريم الطعن في النسب.

ثانيا: نفي النسب بالطرق التقليدية في القانون الجزائري: تنص المادة 41 من ق.أ : “ينسب الولد لأبيه متى …لم ينفه بالطرق المشروعة “، لم يحدد المشرع في تقنين الأسرة المقصود بـ”الطرق المشروعة ” التي يمكن للأب أن ينفي بها نسب ولده، و بالتالي لزم علينا اللجوء إلى المادة 222 من ق.أ التي تحيلنا إلى الشريعة الإسلامية التي لم تقر إلاَّ بطريقة وحيدة لنفي النسب و هي اللعان، و هذا ما يؤكده استقرار الاجتهاد القضائي على أنه لا ينفي النسب إلاَّ باللعان[36].

و ينفى النسب في القانون الجزائري أيضا إذا ما عدم وجود عقد زواج صحيح أو بشبهة؛ أو استحال اللقاء بين الزوجين؛ أو كان الإنجاب خارج الآجال القانونية.

فعدم وجود عقد نكاح صحيح أو بشبهة ذكرته المادة 40 من ق أ بنصها أنه: “يثبت النسب بالزواج الصحيح…أو بنكاح الشبهة أو بكل زواج تم فسخه بعد الدخول  طبقا للمواد 32 و33 و 34 من هذا القانون “، و عليه فإن أي علاقة جنسية بين رجل و امرأة لا تكون في إطار عقد نكاح و لو بشبهة و نتج عنها ولد فإن نسبته إلى أبيه تنتفي، و هذا ما استقر عليه الاجتهاد  القضائي في الجزائر[37].

أما استحالة اللقاء بين الزوجين فأوردته المادة 41 من ق أ بنصها أنه: ” ينسب الولد لأبيه …متى أمكن الإتصال …”، فإذا كان الزوج مسجونا أو في بلد آخر أو مجبوبا أو خصيا فإن النسب ينتفي منه دون الحاجة إلى اللعان[38].

و أما الإنجاب خارج الآجال القانونية لإثبات النسب فقد ذكرته المادة 42 من ق.أ بنصها أنه:” أقل مدة الحمل ستة أشهر و أقصاها عشرة أشهر .”، و المشكلة هنا أن المشرع لم يحدد المدة التي تحسب فيها هذه الآجال، فهل تحسب أدنى مدة الحمل الستة أشهر من وقت العقد  أو من وقت الدخول، وهل تحسب أقصى مدة الحمل العشرة أشهر من يوم وقت الطلاق الفعلي أو من وقت الحكم  به[39]؟.

و المهم هنا أن المرأة إذا جاءت بالولد لأقل من الحد الأدنى للحمل أو جاءت به لأكثر من الحد الأقصى، فإن النسب ينتفي إلى أبيه[40].

و السؤال هنا في حالة توافر كل شروط ثبوت النسب. كأن يولد الولد في إطار علاقة شرعية و أمكن الاتصال بين الزوجين و أنجب داخل الآجال القانونية المقررة لإثبات النسب، فهل يمكن  أن ينفي هذا النسب ؟ .

الفرع الثاني:

نفي النسب بالوسائل الحديثة:

الظاهر من نصوص الكتاب و السنة  أنه لم يرد بهما نص يجيز نفي النسب بالطرق العلمية الحديثة، و لا يمكن الأخذ بالمصالح المرسلة، لأن هذه الأخيرة تعتبر إذا لم يرد نص في القرآن و السنة على اعتبارها أو نفيها[41]، فكيف و قد نص صراحة بالسنة على تحريم الطعن في النسب[42].

و الراجح في المسألة أن يقال أن اللجوء إلى الوسائل الحديثة هنا جائز إذا كان غايته إثبات نسب الولد و درأ مفسدة اللعان – إذا رضي الزوج به- فإن دلت الوسائل الحديثة على عدم ثبوت نسب الولد إلى أبيه لم يكن لأبيه إلاَّ اللعان؛ فإن الوسائل الحديثة لا يصلح الاحتجاج بها – في الشريعة – لنفي النسب.

و لا يمكن الأخذ بالوسائل الحديثة لنفي النسب في التقنين الأسري الجزائري لأن المادة 40/02 من ق.أ تنص على أنه :” يجوز للقاضي اللجوء إلى الطرق العلمية لإثبات النسب “، فقيدت المادة اللجوء إلى الطرق العلمية على حالة إثبات النسب، و هذا رعاية لمصلحة الطفل.

خاتمــــــــــــــــــــــــــة

و آخر ما يقال في هذا الشأن أنه يجب الاحتراس في هذا الموضوع، فعلى فقهاء قانون الأسرة و كذا القضاة و قبلهما المشرع أن يكونوا في أتم الحذر، حتى لا يسوون بين النكاح و السفاح.

وقد أحسن المشرع الجزائري صنيعا عندما مال إلى ما ذهبت إليه الشريعة من تساهلها في إثبات النسب حتى أثبته مع الشك في الأنكحة الفاسدة و لو بوطء شبهة[43]، إلا أنها تشددت غاية التشدد في نفي النسب فلم تفتح إلاَّ بابا واحدا وهو اللعان، كل ذلك لتغليب مصلحة الطفل و المرأة و الأعراض.

 

[1]-تنص المادة 40 من ق أ على أنه:” يثبت النسب بالزواج الصحيح…أو بنكاح الشبهة أو بكل زواج تم فسخه بعد الدخول طبقا لمواد 32 و 33 و 34 من هذا القانون “، و الأجدر أن تصاغ هذه المادة على الشكل التالي :

“يثبت النسب بالزواج الصحيح ،  و بالزواج الفاسد و بالإقرار و البينة و بالوطء بشبهة “، انظر، تشوار جيلالي ، نسب الطفل في القوانين المغاربية للأسرة بين النقص التشريعي و التنقيحات المستحدثة ، مجلة العلوم القانونية و الإدارية ، جامعة أبو بكر بلقايد ، كلية الحقوق ، تلمسان ، ع.3، 2005 ، ص .7

[2] -انظر محمد الزحيلي ، وسائل الإثبات في الشريعة الإسلامية ، ج،1 ،ط.1 ، مكتبة دار البيان ، دمشق ، 1982 ، ص . 233

[3] – سورة النساء، الآية. 135.

[4] -أبو عبد الله البخاري ، صحيح البخاري، ط.1، دار بن حزم، القاهرة، 2008، ر.ح.2315 ، ص.273.

[5] -أبو عبد الله البخاري ، نفس المرجع، ر.ح.4327، ص .519.

[6] – انظر ، صالح بوغرارة ، حقوق الأولاد في النسب و الحضانة ، مذكرة ماجستير ، جامعة الجزائر ، بن يوسف بن خدة، كلية الحقوق ، بن عكنون، 2007 ، ص .37.

[7] -انظر ، ممدوح عزمي ، دعاوي ثبوت الزوجية و النسب و التبني ، دار الفكر الجامعي ، الإسكندرية ، د.س ، ص.71.

[8] – بلحاج العربي، أحكام الزواج في ضوء  قانون الأسرة الجديد ، ط.1، دار الثقافة، الأردن، 2012 ، ص.488.

[9] -تشوار جيلالي، نسب الطفل في القوانين المغاربية للأسرة بين النقص التشريعي و التنقيحات المستحدثة ، المرجع السابق ، ص .6

[10] – انظر، بن شويخ رشيد ، الطرق الشرعية و القانونية لثبوت النسب أو نفيه ، مجلة العلوم القانونية و الإدارية ، جامعة أبو بكر بلقايد ، كلية الحقوق ، تلمسان ، ع.3،2005 ،ص.37 .

[11] -الحديث بتمامه” الولد للفراش و للعاهر الحجر “. (أبو عبد الله البخاري، المرجع السابق،ر.ح.2053، ص.244.).

[12] -انظر ، أحمد حمد ، موضوع النسب في الشريعة و القانون، ط.1،دار القلم ،الكويت، 1983 ، ص .155.

[13] -أحمد العسقلاني ، فتح الباري شرح صحيح البخاري،ج.15، ط.1، دار طيبة، الرياض، 2005، ص.472.

[14] -بلحاج العربي ، أحكام الزواج في ضوء قانون الأسرة الجديد ، المرجع السابق، ص.489.

[15] -انظر ،تياب نادية ، حق النسب و الحماية المقررة لمجهولي النسب في القانون الجزائري ،مجلة العلوم القانونية و الإدارية و السياسية ، جامعة أبو بكر بلقايد  ، كلية الحقوق، تلمسان، ع.6،2008، ص.162 .

[16] -صالح بوغرارة ، المرجع السابق  ،ص.42.

[17] -محمد الألباني، إرواء الغليل ، ج.8، ط.1، المكتب الإسلامي، بيروت، 1989، ر.ح.2661، ص.279.

[18] -مالك بن أنس ، الموطأ، ط.1، دار الإمام مالك، الجزائر، 2002، ص 484.

[19] – سورة البقرة ، الآية 282.

[20] -انظر، ناصر الإسلام الرمفوري، البناية في شرح الهداية، ج.5، ط.2، دار الفكر، بيروت، 1990،ص.459؛ وانظر كذلك، طفياني خديجة ، إثبات النسب في تقنين الأسرة الجزائري و الفقه الإسلامي ، مذكرة ماجستير، جامعة أمحمد بوقرة ، كلية الحقوق و العلوم التجارية ،  بومرداس، ص .72.

-بلحاج العربي، أحكام الزواج في ضوء قانون الأسرة الجديد، المرجع السابق، ص.490.[21]

[22] -انظر، قرار، م.أ، غ.أ.ش، 15/12/1986، ملف رقم.43889، م.ق، ع.2، 1993، ص.37؛ وانظر أيضا، قرار، م.أ، غ.أ.ش، 27/03/1989، ملف رقم.53272، م.ق، ع.3، 1990، ص.82، انظر كذلك، قرار، م.أ،غ.أ.ش ، 25/12/1989 ، ملف رقم .58224 ،م.ق،ع.4 ، 1991 ، ص 110.

– انظر، أبو الحسن التسولي، البهجة في شرح التحفة ، ج.1، ط.1، دار الكتب العلمية، لبنان، 1997، ص.178.[23]

[24] -أبو عبد الله البخاري ، المرجع السابق ، ر.ح.6771 ، ص .808.

[25] -مالك بن أنس ، الموطأ ، المرجع السابق ،ر.ح.1414، ص .432.

[26] – مالك بن أنس ، الموطأ ، المرجع السابق ،ر.ح.1415، ص .432.

 

[27] – أبو عبد الله البخاري ، المرجع السابق ، ر.ح.6765 ، ص .708.

– انظر،قرار، م.ع، غ.أ.ش، 15/05/1999، ملف رقم.222674، م.ق، ع.1، ص.126. [28]

[29] -انظر ، زبيري بن قويدر ، القضاء بين التطور العلمي و التشريعي في مسألة إثبات النسب ، مجلة العلوم القانونية و الإدارية و السياسية ، جامعة أبو بكر بلقايد ، كلية الحقوق ، تلمسان،ع.8،2009، ص .68.

[30] -انظر، قرار ،م.ع،غ.أ.ش ،05/03/2006 ، رقم الملف 355180 ، م.م.ع ،ع.1 ،2006 ، ص.469 و ما بعدها .

[31] -أبو الحسين مسلم ، صحيح مسلم، ج،1، دار الجيل، بيروت، د.س، ر.ح.236 ، ص.58.

[32] -انظر، تاج الدين ابن الفركاح ، شرح الورقات ، ط.1، دار ابن حزم ، القاهرة،2009، ص.248

[33] – سورة النور، الآيات 7.8.9.

[34] -أبو عبد الله البخاري، المرجع السابق، ر.ح.5315 ، ص 478

[35] -أبو داوود السجيستاني ، سنن أبي داوود، ج.2، ط.1، دار بن حزم، بيروت، 1997، ر.ح.2256، ص.478

[36] – انظر، قرار ،م.أ،غ.أ.ش ، 03/02/1971 ،ن.ق،ع.2،1972 ، ص. 37 ؛ و انظر، قرار ،م.أ ،غ. أ.ش ، 03/12/1984 ، ملف رقم.35326 ، م.ق،ع.1،1990 ، ص .83؛ وانظر، قرار ،م.ع،غ.أ.ش، 25/12/2002 ، ملف رقم .296020 ،م.ق،ع.1،2004،ص.28 .

[37] -انظر، قرار، م.أ،غ.أ.ش ، 08/10/1984 ، ملف رقم  34137 ،م.ق،ع.4،1989 ، ص.79 ؛ و انظر، قرار ،م.ع ، غ.أ.ش ، 21/05/1991 ، ملف رقم.74712 ، م.ق،ع.2،1994 ، ص .56.

[38] – بلحاج العربي ، أحكام الزواج في ضوء قانون الأسرة الجديد ، المرجع السابق، ص. 518

[39] -زبيري بن قويدر ، المرجع السابق ، ص .64.

[40] -انظر، قرار ، م.ع،غ.أ.ش، 22/01/ 1990 ، ملف رقم.57756 ،م.ق،ع.2 ، 1992 ، ص .71.

[41] -انظر، محمد تقيه، مصادر التشريع الإسلامي، ط.1، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر، 1993، ص.150.

[42] -و هذا عين ما أخذت به اللجنة الدائمة للإفتاء . ( اللجنة الدائمة للإفتاء ، فتاوى اللجنة الدائمة، الرئاسة العامة للإفتاء، السعودية، د.س، ج.20 ، ص.331 ) .

[43] – بلحاج العربي ، أحكام الزواج في ضوء قانون الأسرة الجديد ، المرجع السابق، ص..521

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى