احمد بلا : أهم الأسباب الموضوعية المثارة تلقائيا من طرف القضاء الإداري وعلاقتها بمفهوم النظام العام
أهم الأسباب الموضوعية المثارة تلقائيا من طرف القضاء الإداري وعلاقتها بمفهوم النظام العام
ذ/ أحمد بلا
قاضي بالمحكمة الادارية بأكادير
يثير القضاء الإداري مجموعة من الأسباب تلقائيا ودون أن يتمسك بها أحد الأطراف، والملاحظ أن المحكمة غالبا ما تثير هذه الأسباب إما لتعلقها بالنظام العام أو لغير ذلك من الحالات التي سوف نقوم باستعراضها.
فالأصل أن أطراف الدعوى هم من يثيرون جميع وسائل دفاعهم ويدفعون بما يرونه مناسبا لرد دعوى الخصم، والمحكمة في ضوء ذلك تقوم بالبت في حدود طلبات الأطراف طبقا للفصل 3 من قانون المسطرة المدنية وتطبق القواعد القانونية المنسجمة مع الوقائع المعروضة أمامها، ومن هذا المنطلق يتبين أن إثارة المحكمة لبعض الأسباب تلقائيا ودون حاجة لتمسك أحد الأطراف بها إما لتعلقها بالنظام العام وإما لإن المحكمة تتدخل لتطبيق النص القانوني الواجب على النازلة المعروضة أمامها.
فالملاحظ أن تطبيق مقتضى قانوني على نازلة معينة هو في حد ذاته تنزيل لمفهوم النظام العام، ولعل خير مثال على ذلك بخصوص المنازعات الإدارية هو تطبيق نظرية الدعوى الموازية كما سنرى ذلك لاحقا.
ولتفصيل هذه المسألة وتحديد المفاهيم والتطبيقات المرتبطة بها سوف نعمل على تحديد مفهوم السبب المثار تلقائيا ثم نبين مفهوم النظام العام، قبل أن نستعرض بعض التطبيقات القضائية لكلا المفهومين.
1/ مفهوم السبب المثار تلقائيا وتطبيقاته القضائية:
أ/ مفهوم السبب المثار تلقائيا:
تقنية إثارة المحكمة لسبب ما تلقائيا وبدون تمسك الأطراف به تمكن من مواجهة دعوى الطرف المدعي بقاعدة قانونية تصطدم بطلبات هذا الأخير، كما لو أن المدعي لم يؤطر دعواه بشكل سليم أو خرق مقتضى قانوني معين سواء كان مرتبطا بالنظام العام أو غير متصل به، طالما أن القانون هو من يقرر ذلك الحكم الذي يقتصر دور القاضي في شأنه بالإعلان والكشف عنه وإبرازه كوسيلة وحيدة ترد دعوى المدعي أو خصمه، ويمكن فهم تقنية إثارة السبب من خلال كونها مجرد تطبيق لمقتضيات الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أن القاضي يطبق القواعد القانونية اللازمة على النزاع المعروض عليه.
فإثارة القاضي التلقائية لسبب ما ودون تمسك الأطراف به يشكل في واقع الأمر مجرد تطبيق منه للمقتضيات القانونية المرتبطة بالنازلة المعروضة أمامه، ويؤيد هذا الطرح ما جاء في قرار محكمة النقض الصادر بتاريخ 17/06/2010 :
” في وسائل الطعن مجتمعة :
حيث يعيب الطاعن القرار المطعون فيه في وسيلتي النقض الأولى والثانية: بخرق الفصل الثالث من قانون المسطرة المدنية وانعدام التعليل ذلك أن القرار المطعون فيه أثار عبء انعدام التعليل الذي طال صلب القرار الإداري المطلوب إلغاؤه رغم أن المطلوب في النقض لم يثره ورغم انه لا يتعلق بالنظام العام وانه القرار الإداري أحال من حيث أسبابه على محضر المجلس التأديبي وبذلك تكون الغاية قد تحققت وان المشرع حصر الزامية التعليل في القرارات السلبية والقرار المطعون فيه لا يدخل في زمرة هذه القرارات.
لكن حيث إن محكمة الموضوع طبقت صحيح المقتضيات القانونية إذ أنها لما أثارت تلقائيا عدم تعليل القرار الإداري تكون بذلك قد انساقت وراء مقتضيات الفصل الثالث من قانون المسطرة المدنية الذي يلزمها بالبت طبقا للقوانين المطبقة ولو لم يطلب الأطراف ذلك، ومن جهة ثانية فان ظهير 23 يوليوز 2002 بتنفيذ القانون رقم 01-03 المتعلق بتعليل القرار الإداري ينص فيما ينص عليه من وجوب التعليل على القرارات الإدارية القاضية بإنزال عقوبة إدارية أو تأديبية ولما كان الوضع في النازلة يتعلق بقرار إداري قضى بقهقرة المطلوب في الطعن في الدرجة فانه يدخل بداهة في عداد القرارات المشمولة بوجوب التعليل وبذلك تكون المحكمة عندما قضت بإلغاء المقرر الإداري لعيب في الشكل لعدم إفصاح الإدارة عن سبب إنزال العقوبة، قد عللت قرارها تعليلا صحيحا.” (قرار عدد 473، الصادر بتاريخ 17/06/2010، في الملف الإداري 178/4/1/2009، “غير منشور”.
ب/ تطبيقات السبب المثار تلقائيا:
إشكالية الحكم على جهة إدارية غير ذات صفة: أثارت محكمة النقض تلقائيا باعتبارها آنذاك درجة ثانية من درجات التقاضي أن الحكم على مرفق من مرافق الإدارة غير متمتع بالاستقلال المالي والشخصية المعنوية يشكل خرقا للفصل 515 من قانون المسطرة المدنية، مما جعلها تثير هذا السبب تلقائيا، وتقوم على إثر ذلك وبعد ثبوت استنفاد أطراف الدعوى لأوجه دفاعهم في المرحلة الابتدائية بالتصدي والحكم بعدم قبول الدعوى بعلة أن الطرف المدعي لم يحدد الجهة القانونية المخاطبة بموضوع التعويض المطالب به. وهذا اتجاه مخالف للاتجاه الذي تذهب فيه محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش.
جاء في قرار محكمة النقض عدد 1005 الصادر بتاريخ 14/11/2007 في الملف الإداري عدد 1603/4/2/2005 (غير منشور) ما يلي:
” في السبب المثار تلقائيا من المجلس الأعلى :
حيث ان الحكم المستانف قضى على الإدارة المدعى عليها وزارة الصحة في شخص السيد وزير الصحة بادائها لفائدة المدعي نيابة عن ابنته القاصرة التعويض المذكور اعلاه في حين ان وزارة الصحة ليست سوى مرفق من مرافق الدولة لا تتمتع بالاستقلال المالي والشخصية المعنوية وان الفصل 515 من قانون المسطرة المدنية قد نص على ان الدعوى ترفع ضد الدولة المغربية في شخص الوزير الاول وله ان يكلف بتمثيله الوزير المختص عند الاقتضاء مما كان معه الحكم المستأنف عندما قضى في مواجهة وزارة الصحة قد خالف مقتضيات الفصل 515 المذكور وواجب الابطال .
حيث ان الاطراف قد استنفذوا ما لديهم من اوجه دفع او دفاع مما تكون معه القضية جاهزة للبت في الجوهر عملا بمقتضيات الفصل 146 من قانون المسطرة المدنية .
وحيث ان المستأنف عليه التمس بمقاله الافتتاحي للدعوى الحكم بتحميل الموظفين المدعى عليهم كامل مسؤولية ما تعرضت له ابنته من بتر ضدها اليمنى وبالزامهم بادائهم لها بواسطة والدها تعويضا مؤقتا … واحلال الإدارة المشغلة محل موظفيها في اداء ما سيحكم به من تعويضات لفائدتها ، وقد اكد في مذكرة طلباته بعد الخبر ة على ملتمس الحكم بتحميل كامل المسؤولية للمستشفى الحسني بالناضور عن الاضرار الجسيمة اللاحقة بابنته والحكم تبعا لذلك بتعويض عن هذه الاضرار دون بيان فيه للجهة المطالبة قانونا باداء هذا التعويض والى طلب الدولة المغربية في شخص الوزير الأول وليست المعيار المبين اعلاه مما تكون معه الدعوى غير مقبولة.”
وفي نفس الاتجاه، جاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عدد 1009، بتاريخ 10/03/2014، في الملف عدد 19/13/10، (غير منشور) ما يلي:
“ في السبب المثار تلقائيا من طرف المحكمة لتعلقه بالنظام العام:
حيث إنه بالرجوع إلى المقال الافتتاحي للدعوى يتضح أن المدعي (المستأنف فرعيا) التمس الحكم على المكتب الوطني للمطارات بتسوية الوضعية المادية لمعاشه وذلك بإدماج كل من مكافأة الخدمة وعلاوة الكفاءة وفي تصفية راتب تقاعده من تاريخ إحالته على التقاعد في يناير 2003 والحكم له بتعويض عن الضرر بسبب التماطل قدره 50.000,00 درهم.
وحيث استند المدعي في دعواه إلى كونه ظل يستفيد من المنحتين المذكورتين طوال حياته الإدارية سواء أثناء عمله لدى إدارته الأصلية وزارة النقل أو بعد إلحاقه لدى المكتب الوطني للمطارات إلى حين إحالته على التقاعد وكانتا تخضعان للاقتطاع من أجل المعاش على غرار باقي العناصر المكونة لأجرته، ومع ذلك لم يتم إدماجهما ضمن مكونات احتساب معاشه كما هو الشأن بالنسبة لكافة التقنيين من متقاعدي المكتب، أي أنه ينازع في كيفية تصفية معاشه وليس في عدم تمكينه من المقابل المادي لهاتين المنحتين، وبالتالي كان يتعين عليه توجيه الدعوى بصفة أساسية ضد الجهة الإدارية التي تتولى عملية التصفية المذكورة وهي الصندوق المغربي للتقاعد الذي يعيب عليه عدم احتساب جميع مكونات أجرته عند تسوية راتب معاشه وليس المكتب الوطني للمطارات الذي لم يبين المستأنف عليه وجه الخطأ الذي ارتكبه في هذا الشأن، وأنه لئن كان قد أشار إلى الصندوق المذكور في ديباجة المقال ضمن أطراف الدعوى إلا أن إدخاله لم يكن بصفته المدعى عليه وإنما كطرف مطلوب حضوره فقط كما أنه في ملتمسه النهائي التمس الحكم على المكتب وليس الصندوق مما تبقى معه الدعوى موجهة ضد غير ذي صفة والحكم المستأنف لما قضى بخلاف ذلك لم يطبق القانون على وجه صحيح ويتعين إلغاؤه والحكم تصديا بعدم قبول الطلب.”
فهل السبب المتعلق بتوجيه الدعوى ضد غير ذي صفة سبب متعلق بالنظام العام؟ أم مجرد سبب يرتبط بتطبيق نص قانوني معين؟ ولماذا الحديث عن سبب يتعلق بالنظام العام؟
إثارة وجود دعوى موازية تلقائيا من طرف المحكمة: تقدمت شركة بطلب أمام المحكمة الإدارية بمراكش يرمي إلى إلغاء قرار وزير الاقتصاد والمالية بتاريخ 26/12/2001 القاضي بفسخ بيع قطعة أرضية مخزنية بمراكش بالتجزئة الفندقية بالسملالية، التي فوتت لها لإقامة فندق سياحي تحت شرط فاسخ بإنجاز المشروع داخل أجل أقصاه 30 شهرا ابتداء من تاريخ توقيع العقد، أجابت الإدارة بأن الشركة المدعية لم تف بالتزامها لوجود خلافات بين الشركاء، وبعد المناقشة قضت المحكمة بإبطال قرار الفسخ موضوع الدعوى، بعلة مضمنها ” أن إنذار المتعاقد بواسطة رسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل من أجل تنفيذ التزاماته داخل أجل 3 أشهر من تاريخ التوصل، طبقا للمسطرة المحددة في الفصل 45 من دفتر الشروط العامة، (…) يعتبر من الإجراءات الشكلية والأساسية، وأن الإخلال به من شأنه أن يؤدي إلى حرمان المتعاقد مع الإدارة من حقه في الدفاع عن مصالحه (…) مما يكون معه قرار الفسخ غير قائم على أساس سليم.”
وبعد استئناف الحكم أمام محكمة النقض (باعتبارها محكمة ثاني درجة) قضت هذه الأخيرة بواسطة قرارها عدد 253 الصادر بتاريخ 1/9/2009 في الملف عدد 1426/4/1/2006 (منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 73، ص 231 وما بعدها) بما يلي:
” في السبب المثار تلقائيا:
حيث من جهة، فإن قرار فسخ عقد التفويت (المطعون فيه) غير قابل للانفصال عن العقد، سيما وأن الطعن مستمد من مخالفة العقد، ولم يتم الاستناد فيه إلى مخالفة المشروعية.
وحيث من جهة أخرى، حيث إن دعوى الإلغاء (الماثلة) لم تتحول إلى دعوى القضاء الشامل لمجرد أداء الرسوم القضائية – كما ذهب إلى ذلك الحكم المستأنف- مادام الطاعن قد احتفظ بموضوعها الأصلي وظلت قاصرة على طلب إلغاء القرار الطعين، وهو ما قضت به المحكمة ولو بتعبير الإبطال.
وحيث إنه تطبيقا للفقرة الأخيرة من المادة 23 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية، فإنه لا يقبل الطلب الهادف إلى إلغاء قرارات إدارية إذا كان في وسع المعنيين بالأمر أن يطالبوا بما يدعونه من حقوق عن طريق الطعن العادي أمام القضاء الشامل، والحكم المستأنف لما نحى خلاف ذلك، لم يجعل لما قضى به أساسا من القانون.
قضى المجلس الأعلى بإلغاء الحكم المستأنف وتصديا بعدم قبول الطلب.”
استنتاج:
الملاحظ أن تأسيس دعوى إلغاء قرار إداري متصل بالعقد (أي بالدفع بخرق بند من بنوده) على عدم مشروعيته يؤدي إلى قبول طلب إلغائه حسب ما يستشف من قرار محكمة النقض.
فإذا تبين أن دعوى القضاء الشامل لن تسعف الطرف المدعي في الوصول إلى النتائج التي كان يتوخاها من دعوى الإلغاء، كما في حالة تأسيس دعوى إلغاء قرار عدم الفسخ على إحدى عيوب المشروعية بعيدا عن الحديث على التمسك بعدم تنفيذ المدعى عليه لبنود الاتفاقية، فإن قاضي الإلغاء يقضي بقبول الطلب وينتقل إلى فحص مشروعية القرار الإداري لا غير.
وفي هذا الصدد، صادفنا قرارا صادرا عن محكمة النقض بتاريخ 23/2/1989 رقم 54، في الملف الإداري عدد 7228/81 (الرئيس:الأستاذ أزولاي) منشور بمجلة القضاء والقانون العدد 140/141، نونبر 1989 ص 188، أوضح هذه المسألة بشكل شاف، إذ جاء فيه :
” لكن، حيث إنه لا يمكن التصريح بعدم قبول دعوى الإلغاء على أساس وجود دعوى موازية إلا إذا كانت هذه الدعوى الأخيرة أمام القضاء الشامل من شأنها أن تحقق بالنسبة للطاعنات نفس النتائج التي تتوخاها من طلب الإلغاء في حين أن الدعوى المستعجلة التي سجلتها الطاعنات أمام قاضي المستعجلات كانت ترمي إلى الإذن باستئناف أشغال البناء التي توقفت بعد أن توصلت المدعيات بالمقرر الإداري الصادر عن رئيس المجلس البلدي أما طلب الإلغاء الحالي فإنه يرمي إلى إلغاء القرار المذكور الذي أمر الطاعنات بحذف كل من الطابقين الثاني والثالث من العمارة الأمر الذي لا يمكن أن تصل إليه الطاعنات إلا عن طريق دعوى الإلغاء لعدم وجود دعوى موازية في هذا المجال وبذلك فإن الدفع لا يرتكز على أساس.”
إذن فجوهر فكرة الدعوى الموازية لا يمكن أن ينصرف بتاتا إلى الإضرار بالمعني بالأمر، وبالتالي فإن إثارة هذه المسألة تلقائيا من طرف المحكمة مرتبطة بوجود دعوى موازية تحقق نفس الغايات والآثار التي كان المتضرر يسعى إليها عن طريق دعوى الإلغاء.
وكمثال متميز لتحقق شروط الدعوى الموازية وبالتالي الحكم بعدم قبول دعوى الإلغاء، ما جاءت به محكمة النقض في قراراها عدد 851 الصادر بتاريخ 3/10/2007 في الملف عدد 2427/4/2/2006 (غير منشور) من أنه:
” في السبب المثار تلقائيا من طرف المجلس الأعلى لتعلقه بالنظام العام:
حيث انه من بين شروط قبول دعوى الإلغاء، انعدام الدعوى الموازية وذلك طبقا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 23 من القانون رقم 90-41 المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية.
وحيث ترمي الدعوى الحالية إلى إلغاء القرار الإداري السلبي برفض إرجاع المبلغ المقتطع من التعويض عن المغادرة الطوعية برسم الضريبة العامة على الأجر الممنوح للمدعية (المستأنف عليها) التي كانت مستخدمة لدى المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء للمنطقة الشمالية الوسطى وهي منازعة ضريبية تندرج ضمن القضاء الشامل التي تمكن الطاعنة من الحصول على نفس النتائج التي ترمي إليها دعوى الإلغاء مما يكون معه الطلب غير مقبول والحكم المستأنف القاضي بخلاف ذلك مجانبا للصواب ومعرضا للإلغاء.” .
ولتتضح الصورة أكثر، نسوق مثال آخر موضوعه القرار الصادر عن محكمة النقض عدد 591 الصادر بتاريخ 08/08/2012 في الملف الإداري عدد 102/4/1/2011 (غير منشور) جاء فيه ما يلي:
“حيث يستفاد من أوراق الملف ومن ضمنها القرار المطعون فيه أنه بتاريخ 23 يونيو 2007 تقدم المطلوبون أمام المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بمقال افتتاحي عرضوا فيه أنهم يملكون على الشياع مع ورثة آخرين القطعة الأرضية الفلاحية المسماة “المسكينية” غير محفظة وهي قطعتان : الأولى مساحتها هكتار والثانية مساحتها أربع هكتارات، كائنة بدوار العكبان جماعة شراط، آلت إليهم من والدهم العرجوني العياشي، وورثة آخرين آلت إليهم من والدهم العرجوني العربي، وأن العرجوني محمد اشترى نصف هكتار من القطعة أعلاه من والده ومن عمه التهامي ونال من نفس القطعة هبة من مكفولته خديجة بنت عبد السلام زوجة جده الأعلى، وأن عمهم باع قيد حياته هكتارا واحدا إلى كل من عبد العالي السلاوي وسعيدة وريدي، وأنهم فوجئوا بهما يقومان بأشغال الحفر والبناء في القطعة الذكورة بالرغم من كونها مملوكة على الشياع مع جميع الورثة، وأن البائع باع أكثر مما يملك، والتمسوا إلغاء القرار الصادر عن رئيس الجماعة القروية شراط بتاريخ 27 مايو 2005 تحت عدد 10 القاضي بمنح رخصة لبناء دار سكنى في الأرض الفلاحية “المسكينية” البالغة مساحتها هكتارا واحدا، لخرقه قانون التعمير والقانون المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، وبعد جواب الجماعة المطلوبة في الطعن بالإلغاء وتمام الإجراءات قضت المحكمة الإدارية بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك قانونا، بحكم استأنفه السيد عبد الغني السلاوي ومن معه والجماعة المذكورة أمام محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، التي قضت بموجب قرارها المشار إلى مراجعه أعلاه بتأييد الحكم المستأنف، وهو القرار المطعون فيه بالنقض.
في الوسيلتين الأولى والثانية للارتباط :
حيث تعيب الطاعنة القرار المطعون فيه بنقصان التعليل المنزل منزلة انعدامه وبعدم الارتكاز على أساس قانوني، بدعوى أن المحكمة لم تجب على دفعها المتعلق بوجود دعوى موازية، والمتمثل في كون المطلوبين يرغبون من خلال مقالهم الافتتاحي في قسمة العقار موضوع رخصة البناء، وأنه كان في وسعهم اللجوء إلى القضاء الشامل للمطالبة برفع الضرر عنهم عند الاقتضاء، وأن الطالبة سلمت رخصة البناء بناء على طلب وقرارها مشروع ومبني على وثائق صحيحة لا يمكن الطعن فيها إلا بالزور، مما يعرض القرار المطعون فيه للنقض.
حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار المطعون فيه، ذلك أنها دفعت بوجود دعوى موازية وبأن القرار المطعون فيه مشروع ومبني على وثائق صحيحة، وذلك في مقالها الاستئنافي، والمحكمة اكتفت بالإشارة إلى هذه الدفوع ولم تجب عنها بالمرة، مما يعد خرقا لحقوق الدفاع ومبررا للنقض.”
يتبين من خلال هذا القرار أن توجيه الدعوى في مواجهة الجماعة باعتبارها من سلمت رخصة البناء لمن تقدم بطلبها، لا يستقيم ولو تبت أن طالب الرخصة مجرد مالك على الشياع وطلب رخصة للبناء في ملك مشاع غير مفرز، وبالتالي فإن هذه الدعوى في واقع الحال تهدف إلى قسمة العقار بين الورثة ولا يمكن أن تسأل إزائها الجماعة في منح الترخيص بالبناء، ومن تم فإن الدعوى المقدمة أمام القضاء الإداري تبقى غير مقبولة، مادام بوسع المعني بالأمر اقتضاء حقوقه عن طريق القضاء المدني بواسطة دعوى القسمة.
فهنا مصلحة الطرف المتضرر في طلب القسمة أقوى بكثير من مصلحته في إلغاء قرار الترخيص بالبناء للمالكين معه على الشياع، على اعتبار أن الآثار الناجمة عن إلغاء القرار الإداري –عند ثبوت عدم مشروعيته-تتمثل في إيقاف أشغال البناء تبعا لإلغاء قرار منح الرخصة.
لكن رب قائل يقول بأن استمرار المالك على الشياع المستفيد من رخصة البناء في أشغال البناء قد يؤثر على طبيعة العقار وبالتالي عملية قسمته المرتقبة، وبالتالي إمكانية اعتماد قسمة التصفية بدل القسمة العينية، وهو ما يبرر وجاهة طلب إلغاء قرار الترخيص بالبناء لتجنب آثار الاستمرار في البناء، والتي يصعب توقعها مسبقا.
عليه، فإثارة وجود دعوى موازية تلقائيا من المحكمة مقترن بمعيارين:
المعيار الأول: الحصول على نفس النتائج. (النتائج المرجوة من طلب الإلغاء يمكن اقتضائها عن طريق دعوى القضاء الشامل).
المعيار الثاني: عدم تأسيس دعوى الإلغاء على أحد عيوب المشروعية، خاصة عيب الاختصاص والشكل وانعدام التعليل.
في هذا الاتجاه أيضا، عرضت على المحكمة الإدارية بأكادير نازلة تتلخص وقائعها في أن جمعية تقدمت بمقال تعرض من خلاله أنها أبرمت اتفاقية مع القيادة الجهوية للوقاية المدنية لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد تلقائيا والتي نصت على وضع المدعى عليها المسبح الواقع بتكنتها رهن إشارة الجمعية ومقابل ذلك قامت الجمعية بتنفيذ ما التزمت به بمقتضى الاتفاقية بإجراء إصلاحات للمسبح باستثمارات مالية مهمة إلا أن القيادة الجهوية لم تتقيد بما التزمت به إذ شرعت في البداية في عرقلة عمل الجمعية بإغلاق المسبح من حين لآخر قبل أن تقدم على إغلاقه بصفة نهائية، ملتمسة إلغائه لأنه مشوب بعيب مخالفة القانون وعيب السبب وانعدام التعليل، وبعد المناقشة قضت المحكمة الإدارية بأكادير بإلغاء القرار الإداري المطعون فيه مع ما يترتب عن ذلك قانونا استنادا إلى الحيثيات التالية:
” وحيث إن البين من مقتضيات الظهير الشريف المؤرخ في 1918/06/30 المتعلق بإشغال الاملاك العمومية مؤقتا المشار اليه اعلاه ان سحب رخصة الاحتلال المؤقت للملك العام يجب ان تسند دائما لأسباب مرتبطة بالمصلحة العامة وان يكون هذا السحب ــــ الذي يجب ان يتجسد في قرار صادر عن الجهة المرخصة ــــ مسبوقا بتبليغ بالطرق القانونية للتبليغ للمستفيد من الترخيص بالاحتلال المؤقت للملك العام بإنذار كتابي.
وحيث ان الثابت من وثائق الملف ان الطاعنة تربطها مع القيادة الجهوية للوقاية المدنية باكادير اتفاقية تتعلق طبقا للبند الاول من فصلها الاول باتفاقية شراكة وتعاون وتكوين في مجال التدريب على السباحة والغوص وصيانة المعدات البحرية، وذلك بان تضع ادارة الوقاية المدنية باكادير رهن اشارة الطاعنة المسبح الواقع بثكنة الوقاية المدنية وبالمقابل تستفيذ الادارة من حصص التكوين والتدريب على السباحة والغوص وصيانة المعدات.
وحيث يستفاذ مما ذكر اعلاه، أن الطاعنة ولئن كانت جمعية مؤسسة في اطار ظهير الجمعيات، الا انه بالنظر لما تقدمه للادارة من مهام ولمنخرطيها من خدمات تعتبر في حكم المقدم لخدمة مرفقية عامة نظرا لسهرها طبقا للبند الاول من الفصل الاول والبند الاول من الفصل الثالث من الاتفاقية على تقديم تداريب لفائدة موظفي الوقاية المدنية لجهة سوس ماسة والجهات المجاورة، ولالتزامها طبقا للبند الاول من الفصل الخامس بالمساهمة في عمليات الاغاثة والانقاذ تحت الاشراف المباشر لادارة الوقاية المدنية.
وحيث ان الثابت من وثائق الملف ان اتفاقية الشراكة قد ابرمت منذ 17/05/2013 بين الطاعنة والقيادة الجهوية للوقاية المدنية باكادير في شخص قائدها، واستمر طرفيها على تنفيذ التزاماتهما الى ان تفاجئت الطاعنة بقرار اغلاق المسبح في وجهها خلال شهر فبراير 2016 باقرار من المطلوبة في الطعن، وان التزام الادارة الصمت طيلة هذه المدة دون ان تبادر الى سلوك المساطر القانونية لالغاء تلك الاتفاقية في أوانها ينزلها منزلة الموافق والمصادق على تلك الاتفاقية، مما يجعل دفعها بانعدام صفة القائد الجهوي للوقاية المدنية باكادير في ابرام الاتفاقية واحتجاجها بقرارات وزير الداخلية بتفويض الامضاء وباعفاء القائد المذكور من مهامه غير منتج، طالما انها كانت عالمة بمضمون الاتفاقية المذكورة وبامكانها مباشرة الاجراءات اللازمة لابطال مفعول الاتفاقية، وذلك احتراما للمبدأ العام المتعلق بعدم جواز المساس بالحقوق المكتسبة واستقرار المراكز القانونية ما لم يثبت وجود غش او تدليس في اكتسابها.
وحيث ان الأصل في العقود والاتفاقيات أنها متى نشأت صحيحة، فإنها تستقر بها العلاقة بين الطرفين وتصير ملزمة لطرفيها باعتبارها قانونهما حيث تقوم نصوصها مقام القانون في الدائرة التى يجيزها، وتصبح الاتفاقية هي المرجع في بيان نطاق التعاقد وشروطه وتحديد حقوق والتزامات طرفيها، وأنه يجب تنفيذ الاتفاقية وفقا لما اشتملت عليه شروطها وبما يتفق بحسن النية فلا يجوز نقضها أو تعديلها إلا باتفاق الطرفين أو وفقا للقانون، وكلما نشأ العقد صحيحا ملزما كان تنفيذه واجبا.
وحيث انه وبالنظر للمهام المرفقية التي تقوم بها الطاعنة، وكان الفصل السادس من الاتفاقية الرابطة بين الطرفين ينص على ان تستمر هذه الاتفاقية مدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد تلقائيا ويجب على الطرف الذي يعتزم انهاء هذه الشراكة ان يخطر الطرف الاخر باشعار ، فان تخلف المطلوبة في الطعن عن الادلاء بما يفيد سلوك مسطرة الاشعار في مواجهة الطاعنة داخل الاجل التعاقدي المحدد في الفصل السادس اعلاه رغم تمسكها بذلك في مذكرتها الجوابية،وما يفيذ توفر الشروط والاجراءات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل السادس من الظهير الشريف المؤرخ في 1918/06/30 المتعلق بإشغال الاملاك العمومية مؤقتا المذكورة اعلاه،يجعل موقف المطلوبة في الطعن – أمام خلو الملف من هذا الاشعار الذي يعكس عدم رغبتها في تجديد الاتفاقية – بمثابة موافقة ضمنية على تجديدها لمدة مماثلة، ويكون تصرفها وقرارها بمنع ولوج الطاعنة الى المسبح واغلافه في وجهها غير مؤسس قانونا ومتمسا بالتجاوز في استعمال السلطة لعيب مخالفة القانون وانعدام السبب.
وحيث يتعين تبعا لما ذكر اعلاه،الحكم بإلغاء القرار الإداري الصادر عن المدعى عليها بإغلاق المسبح و منع الطاعنة من استغلاله مع مايترتب عن ذلك قانونا. ” (حكم عدد 1990، الصادر بتاريخ 27/12/2016 في الملف عدد 1427/7110/2016 (غير منشور).
وبعد استئناف الحكم أمام محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش قضت هذه الأخيرة بواسطة قرارها عدد 1277 الصادر بتاريخ 26/07/2017 في الملف عدد 1261/7205/2017 (غير منشور) بما يلي:
” حول سبب الاستئناف المثار تلقائيا لارتباطه بالنظام العام:
(..)
وحيث إن إقدام إدارة الوقاية المدنية بأكادير على منع الجمعية المستأنف عليها من استغلال المسبح الواقع بتكنتها ينطوي على قرار إداري ضمني بفسخ الاتفاقية التي تجمع الطرفين ومعلوم أن الفقه والقضاء الإداري دأبا على اعتبار أن قرارات فسخ العقود الإدارية لا تقبل في حد ذاتها الطعن بالإلغاء لأنها قرارات متصلة بالعقود ورقابة القضاء على مشروعيتها وسببها ومدى ملاءمتها لخطأ المتعاقد لا تمتد إلى إلغائها وإنما تقتصر على التأكد من تلك المشروعية وترتيب أحقية الطرف المتعاقد مع الإدارة في المطالبة بالتعويض لجبر الأضرار اللاحقة به في حال اتسام القرار بأحد عيوب المشروعية وبالتالي فإنه لما التمست الجمعية المستأنف عليها الحكم بإلغاء قرار المنع دون التقيد بما ذكر تكون قد جعلت دعواها معيبة ولما قضت محكمة الدرجة الأولى بقبولها تكون قد جانب الصواب فيما قضت به مما يتعين معه إلغاء الحكم المستأنف والحكم تصديا بعدم قبول الدعوى.”
يجب التأكيد على أن الطرف المدعي يريد الوصول بطلب الإلغاء في نازلة الحال إلى إلغاء القرار الإداري المتسم بأحد عيوب المشروعية وذلك للاستفادة من آثار هذا الإلغاء بالاستمرار في الاستفادة من المسبح، ولا يريد الوصول إلى الحصول على تعويض، فمحكمة الاستئناف الإدارية أعملت ضمنيا نظرية الدعوى الموازية وقاعدة أن مسألة تقدير مشروعية القرار الإداري المتصل بالعقد من صلاحية القضاء الشامل في إطار دعوى التعويض.
يتبين أن توجه محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش يسير نحو إلغاء أي إمكانية للطعن بالإلغاء في مواجهة قرارات فسخ العقود الإدارية بصفة عامة، استنادا إلى كونها قرارات متصلة بالعقود وأن رقابة القضاء على مشروعيتها لا تمتد إلى إلغائها وإنما يقتصر على التأكد من تلك المشروعية، ويبقى للمتضرر حق رفع دعوى التعويض أمام القضاء الشامل، في حين أنه يستشف من قرار محكمة النقض المشار إليه أعلاه الصادر بتاريخ 1/9/2009 أن طلب إلغاء قرار فسخ عقد إداري متى كان مستندا على مخالفة المشروعية فإنه يمكن قبول طلب إلغائه، بمعزل عن دعوى التعويض أمام القضاء الشامل المحفوظة للطرف المتضرر.
فهي إذن ليست قاعدة عامة، بل مرتبطة وجودا وعدما بموضوع طلب الإلغاء والأساس القانوني المعتمد في الدعوى والعيوب المثارة في مقال الدعوى (كمثال على ذلك التمسك بعيب عدم الاختصاص أو عيب انعدام التعليل، فهي عيوب لا يمكن بحثها ومراقبتها إلا عن طريق دعوى الإلغاء وبالتالي يتعين التصريح بقبول الطعن المؤسس عليها).
في هذا المثال السابق، نلاحظ بأن مفهوم النظام العام لصيق أيضا بتطبيق القواعد القانونية وما تواتر عليه الاجتهاد القضائي، أي أن كل إعمال لمقتضى قانوني أو تطبيق اجتهاد قضائي متواتر عليه على نازلة معينة يشكل مسألة من النظام العام وعلى المحكمة أن تثيرها تلقائيا، وكأن المحكمة هنا تطبق القواعد القانونية الواجبة التطبيق على الواقعة المعروضة أمامها لا غير. فلماذا نتحدث إذن عن النظام العام؟
مناقشة فكرة القرار المنفصل:
رأي الأستاذ محمد المنتصر الداودي رئيس الغرفة الإدارية بمحكمة النقض سابقا:
يقول الأستاذ الداودي في هذا الصدد أنه ” إذا كانت القاعدة تقضي بأن الطعن بالإلغاء لا يمكن تصوره إلا ضد القرارات الإدارية مما يعني عدم إمكان سلوكه بالنسبة للعمليات المركبة وأهمها العقود الإدارية التي تتكون من عدة مراحل تشمل كل مرحلة منها عدة قرارات إدارية وهي بهذه الصفة تخرج عن نطاق دعوى الإلغاء إلا أنه ما دامت تسهم في صنعها قرارات إدارية ينظر القاضي إلى كل منها على وجه الاستقلال فإنه يقبل الطعن فيها بالإلغاء، ولعل أوضح مثال على ذلك العقد الذي تبرمه الإدارة والذي لا يتأتى الطعن فيه بالإلغاء باعتباره عملا قانونيا من جانبين اثنين وليس من جانب الإدارة وحدها حتى ولو كان عبارة عن عقد إداري فالمنازعات بشأنه ترفع عن طريق دعوى العقد أي دعوى القضاء الشامل وليس دعوى الإلغاء. ومع ذلك فهناك الكثير من القرارات الإدارية التي ترتبط به ويمكن الطعن فيها بالإلغاء وهو ما يعرف بنظرية القرارات المنفصلة أو القابلة للانفصال، وتظهر فكرة القرار النهائي المنفصل على الخصوص في الإجراءات التي تسبق القرار النهائي والتي يمكن عزلها عن كان هذا الإجراء يرتب بذاته اثرا قانونيا فوريا.”
فالقرار المنفصل يقول الأستاذ الداودي قرار يسهم في تكوين العقد ويستهدف إتمامه إلا أنه ينفصل عن هذا العقد وينفرد عنه في طبيعته فيجوز الطعن فيه استقلالا.
مثال تطبيقي للقرارات المتصلة بالعقد غير القابلة للطعن بالإلغاء:
تقدمت شركة بمقال أمام المحكمة الإدارية بمراكش بتاريخ 22/03/06 تطلب فيه إلغاء قرار عدم الاستجابة لطلب إعفائها من ذعيرة التأخير في الإنجاز موضوع رسالة رئيس دائرة الأملاك المخزنية بأكادير، ذلك أنه سبق لها أن اشترت عن طريق التراضي قطعة أرضية مخزنية مساحتها 2000 مترا حسب دفتر التحملات والالتزامات المصحح الإمضاء بتاريخ 06/01/99 مع التزامها بتنفيذ المشروع المتفق عليه داخل أجل محدود لا يتعدى 18 شهرا ابتداء من تاريخ التوقيع على العقد، مع إمكانية استفادتها من اجل إضافي أقصاه سنة يمنحه رئيس دائرة الأملاك المخزنية بمراكش بعد استشارة لجنة خاصة بالتتبع وموافقة مدير الأملاك المخزنية، وذلك تحت طائلة ذعيرة قدرها 2 % من ثمن بيع القطعة الأرضية عن كل شهر تأخير ابتداء من تاريخ انتهاء الأجل الممنوح، وأن للإدارة الحق في إعفاء الملتزم من أداء تلك الذعيرة إذا كانت الأسباب التي حالت دون إنجاز المشروع داخل الأجل أسباب خارجة عن إرادته، وذلك بواسطة قرار يصدره وزير المالية بعد استشارة اللجنة الخاصة بالانجازات، وان الشركة ألزمت بأداء الذعيرة التعاقدية رغم أن عدم انجازها للمشروع يرجع إلى أسباب خارجة عن إرادتها والتمست إعفاءها من الذعيرة لكون التأخير الحاصل في المشروع يرجع إلى المقاول، وهو طلب رفضته الإدارة، مما أدى إلى إقامة دعوى التمست فيها إلغاء مقرر اللجنة القاضي برفض طلب الإعفاء، وبعد جواب الإدارة والتماسها رفض الطلب، أصدرت المحكمة الإدارية بمراكش حكما مستجيبا للطلب، استأنفته الإدارة، فأصدرت محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش قرارها القاضي بإلغاء الحكم المستأنف والحكم تصديا بعدم قبول الطلب، طعنت فيه الشركة بالنقض.
وجاء موقف محكمة النقض من خلال قراراها عدد 50 الصادر بتاريخ 21/01/2010، في الملف الإداري عدد 933/4/1/2009، (غير منشور) كالتالي:
في وسائل النقض مجتمعة لارتباطها :
حيث تنعى الشركة الطاعنة على القرار المطعون فيه، عدم ارتكازه على أساس قانوني وخرق قاعدة مسطرية أضرت بها وخرق الفصلين 342 و345 من قانون المسطرة المدنية، ذلك انه وحسب طالبة النقض فان القرار المطعون فيه اكتفى بالقول بان المستأنف عليها وهي الشركة “التمست التأييد، إذ لو أورد القرار مضمن الوقائع كما يوجبها الفصلان 342 و345 من قانون المسطرة المدنية ، لأجاب عما ورد وتم تقدير مشروعية القرار المنفصل .
لكن، حيث إنه بالرغم من عدم وضوح ما تمسكت به طالبة النقض في وسائلها، فإنه بالرجوع إلى القرار المطعون فيه يتبين بكل وضوح أنه استنتج بأن الإدارة المطلوبة في الطعن قد استندت في اتخاذ قرارها المذكور على العقد المبرم بين الطرفين وخاصة الفصلين الثالث والعاشر منه، وهو بذلك يعتبر من القرارات المتصلة بالعقد والتي لا تدخل المنازعة بشأنها في نطاق قضاء الإلغاء، وأن تقديم هذه الدعوى في إطار قضاء الإلغاء يجعلها معيبة شكلا وغير مقبولة، مما يكون معه ما تمسكت به الطاعنة في وسائلها عديم الأساس. ”
2/ مفهوم النظام العام وتطبيقاته القضائية:
أ/ مفهوم النظام العام:
مفهوم النظام العام مفهوم مركب ويصعب تحديد ماهيته وطبيعته القانونية، بحيث شبهه الأستاذ عبد الله درميش بكونه كحبة رمل تحركها رياح الصحراء، ومعنى ذلك أن هذا المفهوم مفهوم يتغير بتغير الظروف والمعطيات المحيطة به، وبالتالي يصعب الإمساك بماهيته، فهو ليس مفهوما جامدا وثابتا، بل يتميز بطابع مرن ومتغير.
لمفهوم النظام العام معنيين معنى ضيق يشمل كل ما تنظمه القواعد الآمرة ومعنى واسع يشمل إلى جانب المجال الأول، المبادئ الأخلاقية والدينية التي يكيف المجتمع سلوكه وفقا لها، والتي لا يمكن السماح بمناهضتها بواسطة الاتفاقات التي يبرمها الأفراد، أو التي يعبرون عنها بإرادتهم المنفردة.
والنظام العام على هذا الأساس يمثل قيدا على مبدأ سلطان الإرادة، ويعتبر مسألة نسبية تختلف في المكان والزمان.
والقاضي حسب الفقيه عبد الرزاق السنهوري ” هو الذي يفسر النظام العام التفسير الملائم لروح عصره، وهو يكاد يكون مشرعا في هذه الدائرة المرنة، بل هو مشرع يتقيد بآداب عصره ونظم أمته الأساسية ومصالحها العامة”، واستنادا إلى ذلك فإن المسائل المتعلقة بالنظام العام تعتبر مطروحة على قاضي الموضوع ولو لم يثرها الخصوم.
هكذا، جاء في قرار محكمة التمییز اللبنانیة رقم (13 بتاریخ 19 /12 /1989 ) ما يلي: “بما أنه یمكن التأكید، بادئ ذي بدء، أن المخالفة للنظام العام یجب أن تكون موجهة، بصورة أساسیة، نحو المصلحة العامة للمجتمع، » ولیس ضد المصلحة الخاصة للأفراد، وأن السبب المتعلق بالنظام العام، بالتالي، هو السبب الناشئ عن مخالفة قانون من النظام العام، أي قانون صادر أساساً لرعایة المصلحة العامة في المجتمع، وهذا الوصف للقانون قد ینتج إما عن نص صریح فيه، وإما عن إجتهاد محكمة التمییز التي تضفي هذا الوصف على قواعد قانونیة تعتبرها ذات طابع جوهري خاص ولو وردت في قوانین لم یوضح المشرع ما إذا كان لها مثل هذه الصفة أم لا، أو حتى في قوانین تعنى في الأصل بمصالح خاصة إلا أنها، في الوقت نفسه تمس المصلحة العامة من حیث أن تطبیقها یضع موضع البحث مبادئ عامة كبرى وأساسیة يسعى المجتمع إلى المحافظة عليها، كما سبقت الإشارة إلى ذلك أعلاه، .» مستندة في ذلك إلى الأفكار الأساسیة التي تنبثق عن التشریع في زمن معین.”
وطبقت محكمة النقض المغربية في قرارها عدد 1667/7/08، الصادر بجميع الغرف المؤرخ في 01/07/2008 في الملف الجنائي عدد 8679/08 (منشور بمجلة القضاء والقانون، عدد 156، 2009، ص 222.) مفهوم النظام العام فيما يتعلق بمصادرة الممتلكات عندما اعتبرت أنه إذا كان الغرض من المصادرة في حكم الفصل 42 من القانون الجنائي هو تمليك الدولة جزءا من أملاك المحكوم عليه أو بعض أملاك له معينة، وهو مبدأ عام، فإنها تكون وجوبية يقتضيها النظام العام لتعلقها بتخليق الحياة العامة. هذا ما يتعلق إن شئنا القول بالنظام العام الاجتماعي. وفيما يتعلق بالنظام العام الاقتصادي نورد مثالا ساقه حكم صادر عن المحكمة التجارية بأكادير بتاريخ 20/06/2016 جاء فيه ما يلي:
” وحيث إنه عملا بالمادة 653 من مدونة التجارة –المعتبرة من النظام العام الاقتصادي-فإن الحكم القاضي بفتح المسطرة يوقف ويمنع كل دعوى قضائية يقيمها الدائنون أصحاب ديون نشأت قبل الحكم بذلك كلما كانت الدعوى ترمي إلى الحكم على المدين بأداء مبلغ من المال.
وحيث إن الكمبيالتين موضوع طلب الأداء مستحقتين بتاريخ 08/10/2012 وتاريخ 13/08/2012، وأن الثابت من الحكم عدد 28 الصادر بتاريخ 19/04/2016 المدلى به من الطرفين والمعتبر حجة على وقائعه أن المدعى عليها تم فتح مسطرة التسوية في حقها بتاريخ 25/03/2014، أي أن الدين ناشئ قبل فتح مسطرة التسوية، وأن المطالبة بالدين المذكور في الكمبيالتين حسب البين من صدر المقال لم يكن إلا بتاريخ:27/01/2016 مما يكون معه الدين ناشئ قبل الحكم بفتح المسطرة وحال بمنع المطالبة به ويتعين تبعا لذلك الحكم بعدم قبول الطلب تطبيقا للمقتضيات أعلاه.” (حكم عدد 1540، الصادر بتاريخ 20/06/2016، في الملف عدد 148/8203/16، غير منشور)
وتقوم فكرة النظام العام أيضا على مراعاة استقرار المراكز القانونية، بحيث جاء في قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 4/3/2010 ما يلي: ” (…) باعتبار أن هذا الأجل المنصوص عليه بالمادة 23 من قانون 90-41 المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية من النظام العام لتعلقه باستقرار المراكز القانونية.” قرار عدد 157، الصادر بتاريخ 4/3/2010، في الملف عدد 1274/4/1/2009، غير منشور.
صعوبة تحديد مفهوم النظام العام أدت إلى اختلاف بين مجلس الدولة الفرنسي ومحكمة النقض الفرنسية في تحديد طبيعة ومفهوم فكرة النظام العام، بحيث خصصوا يوما دراسيا لمناقشة هذا الإشكال، وخلصوا سنة 2017 إلى أن مفهوم النظام العام يبقى مفهوما مرنا ومتغيرا، ويستحيل الإحاطة به من جميع الجوانب، وهو يقوم أساسا على فكرتي القواعد الآمرة والمبادئ التي تحكم مسألة من المسائل الجوهرية المرتبطة بالمجتمع في الجوانب الاقتصادية والسياسية والدينية والاجتماعية.
ب/ تطبيقات السبب المثار تلقائيا لتعلقه بالنظام العام:
الآجال الواردة في المدونة العامة للضرائب من النظام العام: استقر قضاء محكمة النقض على اعتبار أن عدم التقيد بالآجال الواردة في المدونة العامة للضرائب يؤدي إلى الحكم بعدم قبول الدعوى، مثال ذلك قرار محكمة النقض عدد 151، الصادر بتاريخ 20/02/2008، في الملف الإداري عدد 3419/4/2/2005 (غير منشور)، جاء فيه ما يلي ”
في السبب المثار تلقائيا من طرف المجلس الأعلى:
حيث ان آجال الدعوى من النظام العام تثيرها المحاكم في أي مرحلة من مراحل التقاضي.
وحيث تقدم المستأنف عليه بتاريخ 27/1/1997 بتظلم الى مدير الضرائب حول ضريبة الارباح العقارية وضريبة التضامن الوطني المتنازع بشانهما ، وانتهى اجل جواب الإدارة على التظلم المذكور في 8/7/1997 وكان آخر اجل لرفع النزاع الى القضاء بتاريخ 9/8/1997 وذلك طبقا لمقتضيات المادة 114 من القانون رقم 89-17 المتعلق بالضريبة العامة على الدخل طبقا للتعديل المدخل عليها بمقتضى المادة 147 من الظهير رقم 175-00-1 الصادر بتاريخ 3/5/2000 الصادر بتنفيذ القانون رقم 97-15 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية ، مما يكون معه الحكم القاضي بقبول الدعوى مجانبا للصواب وواجب الإلغاء.” .
عدم التقيد بشكليات رفع الدعوى يعد سببا من النظام العام: طبقت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط هذا المبدأ في قراراها عدد 751 بتاريخ 27/02/2012 في الملف عدد 278/10/9 (غير منشور) إذ جاء فيه ما يلي:
“حيث إنه بمقتضى مقال افتتاحي للدعوى مسجل أمام المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بتاريخ 19/1/2009، التمس المستأنف عليهم الحكم بإلغاء الواجبات التكميلية المفروضة عليهم برسم الضريبة على الأرباح العقارية برسم سنة 2006 عن عملية بيع حصتهم المشاعة في العقار ذي الرسم العقاري عدد 165.085/12، واحتياطيا إجراء خبرة عقارية لتحديد القيمة التجارية للعقار المبيع.
وحيث طبقا لمقتضيات الفصل 14 من قانون المسطرة المدنية، فإنه لا يمكن تقديم الدعوى من طرف عدة مدعين بمقتضى عريضة واحدة، إلا إذا كان يجمعهم سند مشترك، ولا يحكم انتهائيا في الطلب إلا إذا كان نصيب كل واحد منهم يزيد عن القدر المحدد للحكم انتهائيا.
وحيث في نازلة الحال، فالثابت من أوراق الملف أن الفرض الضريبي المطعون فيه تم في مواجهة كل واحد من المستأنفين بشكل مستقل، وبجدول ضريبي مختلف عن الآخر ويتضمن مبلغ ضريبي مغاير لما تم فرضه على الباقي، أي أن الأمر يتعلق بضرائب مستقلة عن بعضها البعض وتخاطب أشخاص متعددين، مما ينتفي معه السند المشترك الذي يسمح للمستأنف عليهم بالطعن فيها بمقتضى دعوى واحدة، والحكم المستأنف عندما ذهب في غير هذا المنحى لم يجعل لقضائه أساسا من القانون، ويتعين إلغاؤه والحكم تصديا بعدم قبول الطلب وإبقاء الصائر على رافعه.
الحكم بأكثر مما طلب سبب متعلق بالنظام العام: مثال ذلك ما جاء في قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عدد 1424 بتاريخ 31/03/2014، في الملف عدد 352/12/9، (غير منشور):
” في سبب الاستئناف المثار تلقائيا من طرف المحكمة لتعلقه بالنظام العام:
حيث إن الثابت من المقال الافتتاحي للدعوى أن طلب المدعي انصب فقط على الضريبة المهنية والضريبة العامة على الدخل دون المساهمة الإبرائية على الضريبة العامة على الدخل المضمنة في مستخرج جدول الضرائب المرفق بالمقال المفروضة برسم سنوات 1998/1999 ، مما يكون الحكم المستأنف لما قضى بتقادم تحصيل هذه الأخيرة قد قضى بأكثر مما طلب ويتعين إلغاؤه في هذا الشق.”
معاينة بطلان العقد سبب متصل بقواعد النظام العام: (ارتباطا بفكرة القرار الإداري المعدوم في المنازعات الإدارية)
كمثال على ذلك ما جاء في حكم حديث صادر عن المحكمة التجارية بأكادير، عدد 1210، الصادر بتاريخ 16/05/2016، في الملف عدد 113/8201/16، (غير منشور):
“وحيث يتبين من خلال الاتفاق المضمن بعقد الحجز وإفادة الطرفين أن المدعي منح للمدعى عليها مبلغ 60000 درهم كتسبيق عن شقة سكنية لازالت قيد البناء أثناء حصول الاتفاق مما يكون معه التكييف الصحيح للعقد هو بيع العقار في طور الإنجاز بمفهومه الوارد بالفصل 618-1 من ق ل ع.
وحيث إنه عملا بالفصل 618-8 من نفس القانون -الساري المفعول حينئذ وقبل تغييره وتتميمه بالقانون رقم107.12 -فإنه يعد باطلا كل طلب أو قبول لأي أداء كيفما كان قبل التوقيع على عقد البيع الابتدائي. ”وقد استعمل المشرع عبارتي ”طلب” و ”قبول” وكلاهما فعلان يخصان البائع مما يعني أنه المعني بالدرجة الأولى بحكم الفصل المذكور ويتحمل مسؤولية قبول أي أداء من المشتري قبل التوقيع على العقد الابتدائي ولو كان هذا الأخير هو الذي قدمه بمحض إرادته (فدوى العماري: الضمانات القانونية في بيع العقار في طور الإنجاز –دراسة مقارنة- رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في قانون العقود والعقار” جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة ، السنة الجامعية 2004-2005 ، ص: 55)
وحيث إن تحرير العقد الابتدائي لبيع العقار في طور الإنجاز يقتضي احترام الشكليات المنصوص عليها في الفصل 618-3 من القانون المشار إليه تحت طائلة البطلان بما فيها الشخص المؤهل لتحرير العقد ومضمون العقد وشكلياته تحت طائلة البطلان، وأنه حسب الفصل 618-5 لا يمكن إبرام العقد الابتدائي لبيع العقار في طور الإنجاز إلا بعد الانتهاء من أشغال الأساسات على مستوى الطابق الأرضي وهي التزامات لم يتم احترامها في التعاقد موضوع النزاع.
وحيث إنه لئن كان المدعي قد التمس في طلبه فسخ العقد وأن المحكمة تقضي في حدود طلبات الأطراف وفقا للفصل 3 من ق م م، فقد تبين للمحكمة أن الأمر يتعلق بعقد باطل، والقاعدة أن البطلان من النظام العام تثيره المحكمة من تلقاء نفسها. جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي: ”إن المحكمة لما قضت بإرجاع الأطراف إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد طبقا لما ينص عليه الفصل 306 من ق ل ع بعلة أن القانون المطبق على النازلة هو الفصل 618-3 من ق ل ع فإنها تكون قد طبقت الأثر الناتج عن هذا التكييف الذي يجعل العقد الرابط بين الطرفين باطلا مادام أنه لم يحرر وفق الشكلية الواردة في الفصل 618-3 أعلاه ولم تقض بأكثر مما طلب ” القرار عدد 70 الصادر بتاريخ 01/أبريل 2015 في الملف التجاري عدد 985/3/1/2014 منشور بنشرة قرارات محكمة النقض، الغرفة التجارية العدد 23 الصفحة 112.
وحيث إن الالتزام الباطل بقوة القانون لا يمكن أن ينتج أي أثر، إلا استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا له ويتعين بالتالي ترتيب الأثر والحكم على المدعى عليها بإرجاع المبالغ المقبولة منها للمدعي عملا بالفصل 306 من ق ل ع.
وحيث إنه لا ينتج عن التصريح بالبطلان سوى استرداد المبالغ المدفوعة بغير حق، عملا بالفصل السابق ولا مجال للمطالبة بالتعويض عن مبالغ مترتبة في ذمة المدعى عليها بناء على عقد باطل إلا إذا كان ناتجا عن عمل تقصيري غير مشروع وأثبت المدعي أركان المسؤولية التقصيرية من خطأ وضرر وعلاقة سببية خارج إطار التعاقد وهو أمر غير ثابت، وبالتالي يتعين رفض الطلبات المتعلقة بهذا الخصوص. جاء في قرار لمحكمة النقض ” لما كان موضوع الدعوى تم على شكل وصل خلافا للمقتضيات الآمرة المنصوص عليها في الفصل 618-3 من ق ل ع ، ولم يتم توثيقه من قبل إحدى الجهات المؤهلة قانونا لذلك فإنه يكون باطلا بقوة القانون ، ولا يترتب عنه سوى حق المشتري في استرداد ما دفع بغير حق وبدون تعويض عملا بالفصل 306 من ق ل ع.” القرار عدد 69 الصادر بتاريخ 01 أبريل 2015 في الملف التجاري عدد 933/3/1/2014 ، منشور بنشرة قرارات محكمة النقض ، الغرفة التجارية العدد 23 الصفحة 44.”
أمام القضاء الإداري يمكن أن نصادف بعض العقود الإدارية الباطلة لاختلال شرط من شروطها خاصة إذا كان هذا الشرط يتصل بقواعد النظام العام، فهل نصرح ببطلان العقد الإداري كما صرحت بذلك المحكمة التجارية؟ أم أن للقضاء الإداري خصوصية؟
القرار الإداري المعدوم:
وهذا الطرح السابق يلتقي مع فكرة القرار الإداري المعدوم الذي طبقتها الغرفة الإدارية بمحكمة النقض في قرارها عدد 1/228 المؤرخ في 2014/02/20 في الملف الاداري رقم 2012/1/4/104، إذ جاء في القرار المذكور ما يلي:
” لكن حيث إن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما اعتبرت القرار الإداري الصادر عن الإدارة، والمتجلي في تفعيل اقتراح العزل قبل صدور الظهير الشريف، قرارا معدوما لمساسه بمجال محفوظ لا يمارس إلا في شكل ظهير شريف ، ورتبت علي ذلك كون هذا الصنف من القرارات لا يتحصن بمرور أجل الطعن ، فإنها قد طبقت القانون تطبيقا سليما، ولم تخرق مقتضيات الفصل 23 من القانون رقم 90-41 المحتج به ، كما أنها أجابت علي المنازعة في وجود قرار إداري تام الأركان وكون دور الإدارة لم يتعد إخبار المطلوب في النقض بما أوردته في تعليلاتها من أن تجليات تفعيل المقترح المذكور تتمثل في الإبقاء علي الطاعن في وضعيته خارج الوظيفة رغم أن إنهائه للعقوبة الأولي يقتضي إعادة إدماجه في انتظار صدور شريف بتبني إقتراح العقوبة الثانية ، فتكون بذلك قد اعتبرت تفعيل مقترح العزل قبل صدور الشريف هو القرار الإداري المؤثر بذاته في المركز القانوني للطاعن ، والقابل بالتالي للطعن فيه بالإلغاء ، وبالنسبة لخرق القرار المطعون فيه لمقتضيات الفصل 38 من النظام الأساسي الخاص بموظفي الادارة العامة للامن الوطني فإن المحكمة اعتبرت كونها غير ملزمة بتتبع الأطراف في جميع دفوعاتهم خاصة إن لم تكن جدية ، وهو تعليل مطابق لواقع الملف ، سيما وان تقرير البحث المؤرخ في …. والمستدل به من طرف الطاعن يؤكد كون المطلوب في النقض لم يكن له خلال الفترة المعنية بالبحث ،أي نشاط سياسي أونقابي……، وأن للمعني بالأمر سلوك نظيف داخل محيطه ، وخلافا لما ورد في النعي حول عدم الارتكاز علي أساس قانوني وانعدام التعليل فإن القرار المطعون فيه اعتبر انه وخلافا لما تمسكت به الادارة فان جوهر النزاع لاينصب حول مناقشة أساس متابعة الطاعن للمرة الثانية أمام المجلي التأديبي بقدر ما يتعلق بتفعيل مقترح هذا الأخير قبل ان تصدر به موافقة صريحة من السلطة المختصة بالتأديب ، فيكون القرار معللا تعليلا كافيا وسائغا ومبنيا علي أساس قانوني سليم ولم يخرق أي مقتضي قانوني محتج به ، وما بالوسيلتين علي عير أساس .”
يتبين أن القاضي الإداري يمكنه أن يثير كون القرار الإداري المطعون فيه قرار معدوم تلقائيا ومن دون حاجة لتمسك الطاعن بذلك، لاعتبار أن الأمر ملتصق بقواعد تعتبر من النظام العام كعيب الاختصاص والأجل فيما يتعلق برفع دعوى الإلغاء.