*آثار العدول عن الخطبة
استشارة قانونية
خالد الدك باحث في القانون الخاص
الإطار العام:
مدى أحقية الخطيب في استرجاع الهبة، والتشطيب عليها من السجل العقاري بعدما قامت خطيبته بتسجيله لدى المحافظة العقارية في اسمها، واسترجاع مقدم الصداق الذي تم تجهيز بيت الزوجية به، ومدى أحقية الخطيبة في طلب التعويض عن الضرر الحاصل لها من جراء العدول عن الخطبة، وحكم إنكار الخطيبللحمل الذي يظهر بالخطيبة؟
ملخص الوقائع:
يتعلق الأمر بعدول الخطيب السيد " زيد " عن خطبته للسيدة " رغدة "، لفعلها المشين ورفعه دعوى قضائية لاسترجاع مقدم الصداق الذي صرفته خطيبته في بيت الزوجية حسب ادعائها، والهبة التي قدمها لخطيبته وطلب التشطيب عليها من السجل العقاري، في حين طلبت خطيبته تعويضها عن الضرر الذي أصابها جراء العدول عن الخطبة، كما ادعت حملها من خطيبها الذي أنكره منها.
الإشكاليات:
1- مدى أحقية الخطيب في استرجاع الهبة والصداق ؟
2- مدى أحقية الخطيبة في طلب التعويض عن العدول عن الخطبة؟
3- حكم إنكارالخطيب للحمل الذي يظهر بالخطيبة؟
المحور الأول: صلاحية الخطيب في استرجاع الهبة والصداق
إن تقديم الهدايا نظمته (المادة5 ) من مدونة الأسرة واسترجاعها نظمته (المادة 8) من مدونة الأسرة (أولا)، و التشطيب عليها من السجل العقاري نظمه (الفصل 91) من ظهير 12 غشت 1913 بشأن التحفيظ العقاري (ثانيا) وتقديم الصداق واسترجاعه نظمته (المادة9 ) من نفس المدونة (ثالثا).
أولا: استرجاع الهبة
حسب (المادة 8) من مدونة الأسرة المطبقة في 5-2-2004، فإن لكل من الخاطب و المخطوبة أن يسترد ما قدمه من هدايا ما لم يكن العدول عن الخطبة من قبله، وترد الهدايا بعينها أو بقيمتها حسب الأحوال. و يدخل في حكم الهدايا الهبة المقدمة من طرف الخطيب لخطيبته.
إن التساؤل الذي يطرح في هذا الصدد هو من الذي عدل عن الخطبة؟ هل الخطيب الذي تقدم بدعوى أمام القضاء لاسترجاع هبته وصداقه؟ أم الخطيبة التي قامت بفعلها المشين؟
حسب النازلة التي بين أيدينا فإن السبب المباشر في العدول عن الخطبة يرجع إلى فعل الخطيبة المشين الذي أساء لسمعة الخطيب وأسرته، ويعتبر هذا الفعل المشين بمثابة الإخلال بالتزام أعراف الخطبة التي تقتضي الإحترام والوقار، وبالتالي تكون الخطيبة هي من عدلت عن الخطبة في واقع الحال وليس الخطيب.
والتساؤل الذي يطرح بخصوص استرداد الهبة، هل يملك الخطيب صلاحية استردادها؟ و ما هي المسطرة التي يجب سلوكها للتشطيب عليها من السجل العقاري؟
ثانيا: التشطيب على الهبة من السجل العقاري
إن الخطيب له كامل الصلاحية في استرداد هبته حسب المادة 8 أعلاه مادام لم يصدر عنه ما يفيد العدول عن خطبته كما سبق توضيح ذلك، وطلب التشطيب عليها من السجل العقاري ( قرار عدد 316 صادر في 7-10-1980 قضية عدد303-7-1979 عن محكمة الإستئناف بمكناس – إبراهيم باحماني – العمل القضائي في قضايا الأسرة – طبعة 2009 – ص 22 ).
كما يمكنهأنيشطبعليهامن الرسمالعقاريوذلكبمقتضىحكممكتسبلقوةالشيءالمقضيبهيثبتانعدامأوانقضاءالحقموضوعالتضمين (الفصل 91) من الظهيرالشريفالصادرفي 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913) المتعلقبالتحفيظالعقاريكماوقعتغييرهوتتميمهبالقانونرقم 14.07 الصادربتنفيذهالظهيرالشريفرقم 1.11.177 في 25 منذيالحجة 1432 (22 نوفمبر 2011)؛ الجريدةالرسميةعدد 5998 بتاريخ 27 ذوالحجة 1432 (24 نوفمبر 2011)،ص 5575؛
ولكي يمنع خطيبته من التصرف في الهبة عن طريق بيعها أو التصدق بها أو هبتها لشخص آخر، فإن عليه أنيطلبتقييدااحتياطيابالرسمالعقاريللاحتفاظبحقهمؤقتا، وذلك بناءعلىأمرقضائيصادرعنرئيسالمحكمةالابتدائيةالتييقعالعقارفيدائرةنفوذها( الفصل 85)، ويحددمفعول هذا التقييدفيثلاثةأشهرابتداءمنتاريخصدوره،مالمينجزالتقييدالنهائيللحق،وتكونهذهالمدةقابلةللتمديدبأمرمنرئيسالمحكمةالابتدائيةشريطةتقديمدعوىفيالموضوع،ويستمرمفعولهذاالتمديدإلىحينصدورحكمنهائي(الفصل 86)؛
كما له كامل الصلاحية بالتقدم بدعوى أمام القضاء لأجل طلب استرداد هبته و التشطيب عليها من السجل العقاري، ثم يقوم بتسجيل المقال الإفتتاحي للدعوى بالسجل العقاري لمنع أي تصرف في العقار من قبل خطيبته إلى غاية صدور الحكم (الفصل 85)، وتنحصرفيشهرمدةصلاحيةالتقييدالاحتياطيبناءعلىإدلاءالطالببنسخةمنمقالدعوىفيالموضوعمرفوعةأمامالقضاء ( الفصل 86).
ثالثا: استرجاع الصداق
للخاطبأنيستردماقدمهمنهدايا،إذالميكنالعدولعنالخطبةمنقبله (المادة 8) من الظهيرالشريفرقم 1.04.22 صادرفي 12 منذيالحجة 1424(3 فبراير 2004) بتنفيذالقانونرقم70.03بمثابةمدونةالأسرة؛ الجريدةالرسمية،عدد 5184 بتاريخ 14 ذوالحجة 1424 ( 5 فبراير 2004 )،ص 418.)؛
وحسب (المادة 9) من مدونة الأسرة فإن الخاطب الذي يقدم لمخطوبته بعضا من الصداق أو كله قبل العقد عليها، له الحق في استرداده في حالة العدول عن الخطبة.
إن الخطيب لم يعقد بعد على خطيبته حسب وقائع القضية، وبالتالي فله كامل الصلاحية في استرداد ما عجله من صداق، إلا أن الخطيبة حسب وقائع القضية صرحت بكونها تصرفت في المبلغ المالي المقدم لها من خطيبها في تجهيز بيت الزوجية ، وفي هذه الحالة وحسب المادة 9 أعلاه فإن الخطيبة لها أن تحتفظ بالأثات على أن ترجع المبلغ المالي إلى خطيبها، وإلا بيع الأثات وتحمل المتسبب في الفسخ الفرق بين المبلغين ( دليل عملي لمدونة الأسرة- طبعة 2004- ص21).
المحور الثاني : التعويض عن العدول عن الخطبة
حسب الفقرة الثانية من (المادة 7) من مدونة الأسرة فإن مجرد العدول عن الخطبة لا يترتب عنه تعويض، إلا إذا صدر عن أحد الطرفين فعل سبب ضررا للآخر، فيمكن للمتضرر المطالبة بالتعويض.
ما هو الأساس القانوني المستند عليه للمطالبة بالتعويض عن التراجع عن الخطبة؟
إن إنشاء الخطبة يؤسس التزاما بين الطرفين، بحيث يتم من خلالها تقديم الهدايا وغيرها، فالخطبة إذن هي شبه عقد قانوني، مثلها مثل أي عقد يبدأ بالوعد، والوعد تترتب عنه بعض الالتزامات بين الطرفين، فإذا ما تم هذا الوعد وألحق أحد الطرفين ضررا بالطرف الآخر نتيجة التراجع في وعده، يمكن أن يكون هذا الفعل محلا للمطالبة بالتعويض،وبخصوص ما تم التنصيص عليه في الفقرة الثانية من (المادة 7) من مدونة الأسرة على امكانية المتضرر المطالبة بالتعويض عن كل فعلسببضرراللآخر لا يتعارض مع القواعد العامة المتعلقة بالتعويض عن الضرر، ناهيك أن التعاقد على الخطبة هو أمر أخلاقي قبل أن يصبح التزاما، فقد جاء في الحديث الشريف " لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه"، مما يدل على أنها التزام والقاعدة أن كل التزام له آثار[1].
و قد جاء في وقائع النازلة أن الخطيبة طالبت خطيبها بتعويضها عن الأضرار التي لحقتها من جراء عدوله عن الخطبة وعدم رغبته في إتمام الزواج، وطبقا للفقرة الثانية من (المادة 9) من مدونة الأسرة فإن مجرد العدول عن الخطبة لا يسبب ضررا يمكن المطالبة بالتعويض عنه، وإنما ورد عنصر تحمل تبعات الضرر من قبل الخطيبالذي تراجععن خطبته فقط في أداء فارق الخسارة بينقيمةالمبلغالذيحولمن قبل الخطيبة إلىجهاز والصداق المقدممن قبله؛
لكن بالرجوع إلى وقائع النازلة فإن الملاحظأن الذي حصل له الضرر هو الخطيب وأسرته بسبب الفعل المشين الصادر عن خطيبته، وبالتالي فهو من له الحق في المطالبة أمام القضاء بالتعويض عن الأضرار التي حصلت له وليست خطيبته.
المحور الثالث: حكم الحمل الذي يظهر بالمخطوبة
حسب المادة 156 من المدونة إذا تمت الخطوبة، وحالتظروفقاهرةدونتوثيقعقدالزواج وظهر حمل بالمخطوبة ينسب للخاطب للشبهة إذا توافرت الشروط التالية:
1- إذا اشتهرت الخطبة؛
2- إذا تبين أن المخطوبة حملت أثناء الخطبة؛
3- إذا أقر الخطيبان أن الحمل منهم،
تتم معاينة هذه الشروط بمقرر قضائي غير قابل للطعن، وإذا أنكر الخاطب أن يكون الحمل منه، أمكن اللجوء إلى جميع وسائل الإثبات الشرعية في إثبات النسب.
وفي نازلة الحال فإن الخطيبة ادعت حملها من خطيبها الذي أنكر حملها منه، وبالتالي فإن شروط اكتمال الخطبة متوفرة وتتمثل في إشهارها، ويمكن إثباتها بواسطة شهادة الشهود[2]، وتبادل الهدايا طبقا (للمادة 5) من مدونة الأسرة، أما حكم الحمل أثناء الخطبة فمرده إلى القضاء الذي يملك صلاحية استعمال جميع وسائل الإثبات ومنها الخبرة الطبية لإثبات حمل الخطيبة و مدى انتسابه للخاطب من عدمه عن طريق البصمة الجينية المعروفة بA D N ، لأنه ثبت علميا أن الخبرة الجينية هي أحد الأدلة التي تعتمد على علم الجينات وتشكل أداة قاطعة في الإثبات[3]،
لكن بقي أن نتساءل عن مآل الخطبة الناتج عنها حمل؟ فهل يعقبها زواج أو يبقى الأمر كما هو عليه خطبة وحمل ناتج عنها؟ إن سبب هذا التساؤل هو أن المادة 19 من مدونة الأسرة حددت سن أهليةالزواجبإتمامالفتىوالفتاةالمتمتعينبقواهماالعقليةثمانعشرةسنةشمسية، بينما المواد من 5 إلى 9 المدرجة في الباب الأول المتعلق بالخطبة، لم يتم التطرق فيها إلى تحديد سن أهلية الخطبة، كما يطرح سؤال هل يمكن اعتبار إثبات النسب الناتج عن الخطبة سببا قد يترتب عنه إثبات الزواج؟ لأن قراءة المادة 16 من مدونة الأسرة، تظهر أن الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج هي وثيقة عقد الزواج، لكن إذا ما أعقب الخطبة الناتج عنها حمل زواج، فهل يضمن في عقد الزواج على أن الخطيبين قد أنجبا الطفل قبل الزواج؟ أم يتم التغاضي عن الأمر بعدم التنصيص في عقد الزواج على واقعة الحمل أثناء فترة الخطبة بالمرة؟ لكن الاشكال الذي يمكن أن يحصل هو أنه في حالة وفاة أحد الزوجين، فإناي شخص يعنيه الأمر الطعن في نسب المولود في فترة الخطبة على اعتبار أن نسبه غير شرعي، لأنه ولد قبل إبرام عقد الزواج، وخصوصا إذا لم يقر به الزوج في حياته أو يلحقه بنسبه، لكن نبادر بالجواب أن الحكم الصادر عن المحكمة بثبوت نسب الطفل إلى الخطيب، يضفي طابع الشرعية على المولود المزداد في فترة الخطوبة[4].
لكن التساؤل الذي يطرح في إطار موضوع حماية الطفل هل يكفي حمايته بثبوت نسبه بحكم قضائي أثناء مرحلة الخطبة، وانتسابه لخطيبين؟ أم يجب التفكير في استكمال حمايته بانتسابه إلى أبوين ربطا علاقتهما في إطار مؤسسة الزواج؟
خاتمة:
نخلص مما سبق النتائج التالية:
أولا: إن العدول عن الخطبة ناتج عن فعل الخطيبة المشين فتكون هي من عدلت عن الخطبة في واقع الحال وليس الخطيب وبالتالي فالخطيب له أحقية استرداد الهبة وطلب التشطيب على الهبة من السجل العقاري .
ثانيا: إن الخطيب له كامل الصلاحية في استرداد ما عجله من صداق و الخطيبة لها أن تحتفظ بالأثات على أن ترجع المبلغ المالي إلى خطيبها، وإلا بيع الأثات وتحمل المتسبب في الفسخ الفرق بين المبلغين.
ثالثا:إن مجرد العدول عن الخطبة لايسبب ضررا يمكن المطالبة بالتعويض عنه.
رابعا:إن حكم الحمل أثناء الخطبة مرده إلى القضاء الذي يملك صلاحية استعمال جميع وسائل الإثبات ومنها الخبرة الطبية لإثبات مدى انتساب الحمل للخاطب من عدمه.
[1]– أجوبة السيد وزير العدل والسيد وزير الأوقاف والشؤون الاسلامية عن الأسئلة والاستفسارات المثارة أثناء مناقشة مشروع المدونة أمام مجلسي البرلمان – مجلة المقتضيات الجديدة لمدونة الأسرة- الطبعة الثانية- مارس 2007- ص 52.
[2]– قرار عدد 639 الصادر في 15/11/2011 ملف شرعي عدد 166/2/1/2010 عن محكمة النقض – قرار غير منشور.
[3]– القرار رقم 92 المؤرخ في 20 أبريل 2009 غرفة قضايا الأسرة بمحكمة الاستئناف بالرباط الملف عدد 222/2008/10- منشور بمجلة القضاء والقانون – العدد 160 سنة 2012- ص 206.
[4]– دراسة تحت عنوان – من أهم قرارات المجلس الأعلى في تطبيق مدونة الأسرة بشأن الخطبة والنسب- إبراهيم بحماني- مجلة قضاء الأسرة- العدد 4 و5 فبراير 2009، ص من 180 إلى 181).