في الواجهةمقالات قانونية

رقابة بنك المغرب على التمويل بين السياسة التقليدية والحديثة

مقدمة :

في ظل الاتجاه المتصاعد نحو تطبيق عولمة النشاط الاقتصادي وما يرتبط به من إزالة كافة القيود، أمام تحركات رؤوس الأموال والاستثمارات عبر الحدود،[1] فإنه في المقابل بات الاستقرار المالي والبنكي من القضايا التي تحظى باهتمام بالغ، من جميع الأطراف خاصة السلطات الوصية على رقابة هذا القطاع، بحيث أنه من حق هذه الأخيرة التدخل في السياسة المالية وتوزيع الائتمان بهدف تحقيق الاستقرار للقطاع البنكي ووقايته من المخاطر المحيطة به.

وإيمانا من المشرع المغربي بضرورة حماية ووقاية مؤسسات الائتمان بصفة خاصة، والنشاط البنكي بصفة عامة، تم إحداث ما يسمى بالسياسة الانتقائية للائتمان ابتداء من أواسط الستينات إلى غاية الثمانينات، ثم حاول المشرع المغربي في مرحلة أخرى تجديد آليات الرقابة على التمويل من خلال مواكبته للقانون رقم 12- 103 الصادر سنة 2015،[2] بمجموعة من التدابير للمحافظة على الاستقرار المالي، ومن أهم هاته التدابير هي الرقابة على التمويل عن طريق بنك المغرب مباشرة الذي يتحكم في ذلك عن طريق أدوات حديثة.

هذا، وتكتسي الرقابة على التمويل أهمية كبيرة، فمن الناحية العملية تصب الرقابة على تمويل مؤسسة الائتمان، من ناحية في ضبط عملية عرض الائتمان على العملاء، ومن ناحية أخرى تفادي وقوع انكماش أو تضخم، وبالتالي الحفاظ على التوازن الضروري بين الكتلة النقدية، وبين تلبية حاجيات الاقتصاد الوطني، أما من الناحية النظرية فتصب في وضع إطار موحد و مستقر يجعل بنك المغرب يضبط تمويل مؤسسات الائتمان بشكل دقيق.

ويعتبر بنك المغرب الجهة الوصية على القطاع، و المخول له ضبط التمويلات التي تقدمها مؤسسات الائتمان للعملاء، من خلال وضعه لأدوات رقابية، في انسجام تام مع السياسة النقدية، ومصلحة مؤسسات الائتمان، التي تقتضي حماية هاته لأخيرة من المخاطر البنكية، خاصة مخاطر القروض و السيولة.[3]

وحتى يقوم بنك المغرب بممارسة هذه الرقابة بشكل فعال، يعتمد على أدوات وسياسات محددة للرقابة، تنقسم هاته السياسات، لتقليدية و أخرى حديثة.

و من خلال ماسبق نطرح التساؤل المحوري وهو، إلى أي حد استطاعت السياسة التقليدية و الحديثة ضبط تمويلات مؤسسات الائتمان؟ وما هي السياسة الأكثر فعالية في ضبط التمويلات البنكية؟ كتساؤل فرعي.

و انطلاقا من هاته  التساؤلات سنقسم هذا الموضوع من خلال مبحثين نتناول في المبحث (السياسة التقليدية) و في (المبحث الثاني) السياسة الحديثة.

 

المبحث الأول : السياسة التقليدية

استعان بنك المغرب منذ أواسط الستينات إلى غاية نهاية الثمانينات على ما يسمى بالسياسة الانتقائية في مراقبته لتمويل مؤسسة الائتمان،[4] وكان هدفه من ذلك ليس وقاية القطاع البنكي من المخاطر، أكثر من توجه تركيزه على تنمية بعض القطاعات الاقتصادية الحيوية، وكان يستخدم بنك المغرب لذلك، أدوات مثل تأطير القروض وتحديد أسعار الفائدة بالإضافة إلى الاحتياطي النقدي.

 

 

1– سياسة تأطير القروض

 تعتبر سياسة تأطير القروض من ضمن الأساليب النوعية للرقابة على التمويل والتي تستهدف توجيه الائتمان صوب بعض القطاعات الاقتصادية التي تمثل أهمية إستراتيجية، وذلك بهدف إعطاء القطاع النقدي والمالي، وسائل تسمح له بالمساهمة بأكثر فعالية في التنمية، بحيث قامت السلطات النقدية بفرض معاملات إجبارية على مؤسسات الائتمان، لفائدة الخزينة العمومية، وكذلك لصالح بعض القطاعات ذات الأولية، بحيث كانت مؤسسات الائتمان ملزمة بامتلاك محفظة دنيا من سندات الخزينة، وملزمة بمراعاة معامل للاستخدام في قروض السكن،[5] وهاته الأدوات كانت السلطات النقدية تمارسها للتحكم في السيولة لدى مؤسسات الائتمان، فإذا كانت المعاملات الإجبارية عالية، هذا يعني عدم قدرة مؤسسات الائتمان توزيع قروض جديدة، وبالتالي توجيه سياستها الائتمانية بشكل إجباري، والحد من حريتها الربحية.

وهذا ما يعاب على هاته الأداة، أنها جعلت مؤسسات الائتمان غير حرة في سياستها التجارية الربحية، هذا ما أتقل كاهل المؤسسات وعرضهم لخطر الأزمة.

2- سياسة تحديد أسعار الفائدة

 

سياسة تحديد سعر الفائدة كان الهدف منها هو تشجيع الادخار، وتوجيهه نحو الاستعمالات الأكثر نفعا للاقتصاد الوطني، لذلك كانت القروض الممنوحة للمصدرين  والمستثمرين، وكذا لتسويق محصول الحبوب، تستفيد من تمويلات بنك المغرب بأسعار فائدة تفضيلية، هذا ما زاد من تضييق كبير على مؤسسات الائتمان، ونموهم وحرية سياستهم التجارية، ناهيك عن تعريضهم لمخاطر الفائدة، لكن وفي إطار التحرير البنكي وسياسة وقاية مؤسسات الائتمان تم التخلي عن سياسة تحديد أسعار الفائدة تدريجيا،[6] فمن أهم إيجابية تحريره هو، إنعاش المنافسة بين البنوك وإدخال استعمال القابلية لتغيير عقود القرض.

3- الاحتياطي النقدي

 

الاحتياطي النقدي هو إيداعات إجبارية مجمدة لدى البنك المركزي بدون فوائد وعن طريق تغيير حجم هذه الإيداعات تستطيع السلطات النقدية التأثير على سيولة البنوك وقدرتها على منح القروض،[7] وأثبتت هاته التقنية فعالية كبيرة في مراقبة سيولة مؤسسات الائتمان و التحكم في المخاطر الممكن أن تقع، بحيث رفع الاحتياطي يساهم في الحد من التوسع في القروض، وبالتالي إعطاء فرصة لمؤسسات الائتمان لإعادة النظر في سياستها الائتمانية، أما الخفض في الاحتياطي يعني ضخ سيولة في مؤسسات الائتمان وبالتالي انتعاشها، بالنسبة للاحتياطي الإلزامي في المغرب، يعرف تغير في كل فترة معينة، بحيث الاحتياطي الإلزامي لسنة 2016 هو 5 % من ودائع البنوك تحت الطلب، باستثناء الودائع بالدرهم القابلة للتحويل، أو شهادات الإيداع التي يساوي أجلها الأصلي أو يفوق 3 أشهر، وقد عرفت نسبة الاحتياطي ارتفاعا بحيث كان قبل ذلك نسبة الاحتياطي محددة في 2 %،[8] هذا ما يعني محاولة بنك المغرب، الحد من توسع مؤسسات الائتمان و أخذها للحيطة و الحذر.

 

المبحث الثاني : السياسة الحديثة

بسبب عدم نجاح سياسة تأطير القروض، وتحديد معدلات الفائدة في إطار السياسة التقليدية، شرع بنك المغرب في سياسة حديثة، تتمثل في ما يسمى بالعمليات الرئيسية، وهي تدخل بنك المغرب في السوق النقدي عن طريق ضخ السيولة، وسحبها عن طريق التسبيقات لمدة سبعة أيام، وعملية سحب السيولة لمدة سبعة أيام بمبادرة من بنك المغرب، وذلك بشكل منتظم وبوتيرة أسبوعية، وتمثل هاته العمليات الأداة الرئيسية للتحكم في السياسة الائتمانية لمؤسسات الائتمان، وكذلك لتطبيق السياسة النقدية لبنك المغرب، كما تؤدي هذه العمليات دورا رئيسيا في التقليل من المخاطر البنكية وضخ السيولة وتنشيط السوق النقدي، وتمكين بنك المغرب من بسط رقابته على التمويل بشكل شامل.[9]

وتتم هاته العمليات الرئيسية حسب سعر الفائدة الرئيسي ((le taux directeur ويحدد سعر الفائدة الرئيسي مجلس بنك المغرب حسب التوازنات المالية وميزان المخاطر الموجود في القطاع البنكي، وسعر الفائدة الرئيسي حاليا في سنة 2017 يعرف

أدنى انخفاض له بنسبة 2.25 %، بعد ما كان 3 % سنة 2012، [10] وهذا دليل على أن بنك المغرب يشجع مؤسسات الائتمان في ضخ السيولة الكافية لمواجهة المخاطر البنكية خاصة مخاطر السيولة.

بالإضافة إلى العمليات الرئيسة، نجد ما يسمى بالآليات الثانوية، التي يتم اللجوء إليها إذا لم تستطع العمليات الرئيسة ضبط السوق النقدية بواسطة التسبيقات أو سحب السيولة، ولكن بشرط ألا تكون السيولة في حالة عجز مستمر أو فائض دائم.

وقد حدد القرار التنظيمي الصادر عن بنك المغرب و المتعلق بأدوات السياسة النقدية، الآليات الثانوية التي يستخدمها بنك المغرب في مراقبة سيولة مؤسسة الائتمان والتحكم فيها لضمان تنفيذ فعال لأهداف السياسة النقدية وحصرها في الأتي:

  • عمليات الضبط الدقيق:  وهي عمليات تهدف إلى التخفيف من تأثير التقلبات غير المتوقعة للسيولة، وتستخدم بشكل ظرفي لمدة تقل عن سبعة أيام، وتتم من خلال اتفاقيات إعادة الشراء أو القروض المضمونة.
  • التسهيلات الدائمة : تهدف هذه التسهيلات، إلى تقديم أو سحب السيولة ليوم واحد، وتتميز بقصر مدتها، وبطابعها المؤقت الاستثنائي لعجز السيولة أو فائضها.
  • العمليات الهيكلية: تهدف هذه العمليات إلى تدبير وضعية الفائض أو النقص في السيولة ذات الطابع العام، وتشمل هذه العمليات، شراء أو بيع الأذون الصادرة على الخزينة بالسوق الثانوي وإصدارات بنك المغرب المعلقة بسندات الاقتراض المتداولة أو إعادة شراؤها، ويطلق على هذه الآليات بعمليات السوق المفتوح.[11]

وتؤدي الآليات الثانوية إلى جانب العمليات الرئيسية دورا مهما في تنشيط السوق النقدي، وتحقيق أهداف السياسة النقدية، غير أن بنك المغرب من الناحية العملية، لا يقوم باستعمال كل تلك الأدوات السالفة الذكر، و إنما يقتصر على عمليات رئيسية تساندها بعض العمليات الثانوية التي تستعمل حسب الظرفية النقدية.[12]   

 

خاتمة:

يتبين لنا جليا، في نهاية دراستنا لهذا الموضوع مدى فعالية السياسة الحديثة التي ينهجها بنك المغرب ومدى سرعتها و تأثيرها المباشر، ولكن في المقابل تبقى السياسة التقليدية ليست غير مرغوب بها بالمرة، بل حتى هي تأخذ مكانها في المراقبة على التمويل، خاصة سياسة الاحتياط النقدي.

ومن أهم نتائج الرقابة على التمويل الناجحة، وهي المساهمة في الحفاظ على سمعة السوق النقدي و كذلك حماية المودعين، وتوفير التمويل اللازم للقطاعات الاقتصادية، فضلا عن ضمان تنفيذ السياسة النقدية للدولة، ناهيك عن وقاية مؤسسات الائتمان من المخاطر البنكية و خاصة مخاطر السيولة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


[1] صلاح الدين حسن السيسي، "معايير لجنة بازل لكفاية رأس المال و الرقابة الفعالة للمخاطر المصرفية المناطق الصناعية المؤهلة (الكويز)"، مطبعة الهيئة المصرية للكتاب 2005، ص 13. 

[2] – القانون رقم  103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.14.193 الصادر في فاتح ربيع الأول 1436 (24 ديسمبر 2014) ، المنشور في  ج . ر عدد 6328 بتاريخ 22 يناير 2015 . ص 162.

 

[3] Mariama ERRIFAIY, « La gestion du risque, du crédit bancaire : approche théorique et analyse empirique », Mémoire pour l’obtention du diplôme d’études supérieures approfondies en sciences économie, «université Mohamed Ṿ souissi », faculté des sciences juridique économiques et sociales, année universitaire  2002-2003, P 43.  

[4] — عائشة الشرقاوي المالقي، "الوجيز في القانون البنكي المغربي"، الطبعة الثانية، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط 2007 . ص 116 .

[5] – رضوان بادة، "الرقابة على البنوك في المغرب"، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص وحدة التكوين والبحث في قانون المقاولة، جامعة محمد الخامس، أكدال، كلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية، الرباط، السنة الجامعية  2013-2014  ص 120.

[6] – عائشة الشرقاوي المالقي، مرجع سابق ص 113.

[7] ميرا ندا زغلول رزق، "النقود و البنوك"، جامعة بنها كلية التجارة، 2009، بدون ذكر المطبعة ، ص235.

[8]Vu Le rapport sur La stabilité Financière, Exercice 2015 Numéro 3(Bank, al Maghreb) P 139.

[9] – رضوان بادة، مرجع سابق، ص129.

[10] – راجع خانة السياسة النقدية في موقع بنك المغرب:  http://www.bkam.ma/ تم الإطلاع عليه في 2017-06-10 على الساعة 15:00.

[11] – رضوان بادة، مرجع سابق، ص134.

[12] – رضوان بادة، مرجع سابق، ص135.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى