في الواجهةمقالات قانونية

الأحكام الخاصة بالمسؤولية الجنائية للحدث – ياسين رشاد ،

الأحكام الخاصة بالمسؤولية الجنائية للحدث

ياسين رشاد ، باحث في العدالة والعلوم الجنائية ، جامعة سيدي محمد بن عبدلله بفاس.

تقديم :

اتجهت مجموعة من التشريعات بما فيها التشريع الجنائي المغربي إلى تكريس نظام قانوني يخص مراحل المسؤولية الجنائية وذلك وفق سن الفاعل اعتماداً على مبدأ تدرج المسؤولية الجنائية ، وإن كان التشريع الجنائي المغربي يعترف بالتدرج في نضوج الصغير [1] فإنه في المقابل لابد أن يعترف بتدرج المسؤولية الجنائية [2] وذلك ما أخد به المشرع الجنائي المغربي ، وبالرجوع الى المادة 458  من قانون المسطرة الجنائية[3] نجدها قد أجملت مراحل المسؤولية الجنائية في ثلاث مراحل ، مرحلة انعدام المسؤولية ومرحلة نقصانها ثم مرحلة اكتمالها ، وما يهمنا هنا هو مرحلة انعدام المسؤولية الجنائية للحدث (المطلب الأول )، وكذا مرحلة نقصان المسؤولية الجنائية للحدث (المطلب الثاني).

 

المطلب الأول : حالة انعدام المسؤولية الجنائية للحدث

يقصد بإنعدام المسؤولية الجنائية للحدث تلك الحالة التي تكون الإرادة متجردة من القيمة الفانونية، لإن الإرادة التي يعتد بها المشرع الجنائي لا تتحقق إلا بتوفر شرطان هما التمييز وحرية الاختيار ، وعند انتفاء أحد هذين الشرطيين أو كلاهما تصبح الإرادة عديمة القيمة القانونية [4].

وعليه فإن صغر السن من الأسباب التي تدل على فقدان حرية الاختيار والإدراك ، إذ ان القدرة على التمييز والإدراك لاتكون عند الإنسان مرة واحدة بل تنموا معه عبر مراحل ، وبذلك فإن العلة على انتفاء مسؤولية الصغير هي عدم بلوغه واكتمال نضجه بالشكل الذي يجعله مؤهلا للتمييز لعدم إكتمال قواه الدهنية القادرة على تفسيير المحسوسات وإدراك ماهية الأفعال وآثارها [5].

وبالرجوع إلى التشريع الجنائي المغربي نجده قد عالج حالة انعدام المسؤولية الجنائية للحدث في الفصول 138/139/140 ، حيث اعتبر الحدث الذي لم يبلغ بعد 12 سنة ميلادية ، عديم المسؤولية الجنائية عما قد يصدر عنه من مخالفة لنصوص القانون الجنائي.

وهكذا قد جاء في منطوق الفقرة الأولى من الفصل 138 من القانون الجنائي ،”الحدث الذي لم يبلغ سنه اثني عشر سنة كاملة يعتبر غير مسؤول جنائياً لإنعدام تمييزه ” ، وهو ما أكدته بالضبط كذلك المادة 458  من قانون المسطرة الجنائية .

وتماشياً مع ذلك يتضح أن انعدام مسؤولية الحدث تجد أساسها في انعدام تمييزه ، وهذا الانعدام مقرر بمقتضى قرينة قانونية قاطعة يفترض معها أنه لم يكن مدركا حين ارتكابه الجريمة وغير قابلة لإثبات العكس.

وهكذا اذن فمرحلة انعدام المسؤولية الجنائية لدى الحدث تتحدد في التشريع الجنائي المغربي ، إلى حين بلوغه اثني عشر سنة ميلادية ، أي أن الحدث المنعدم التمييز هو الحدث الذي لم يبلغ سن اثني عشر سنة[6].

وتبعاً لذلك إذا اقترف الحدث الذي لم يبلغ اثني عشر سنة أي فعل مخالف للتشريع الجنائي ويعتبر جريمة معاقب عليها ، فإنه لا يسأل جنائياً عما صدر منه ، وعند إحالته على القضاء وتبين للمحكمة بعد المناقشة أن نا ارتكبه الحدث يعد جريمة ، فإنه لا يكون بمقدور قاضي الاحداث إلا تسليمه لوليه أو حاضنه أوالمقدم عليه أو كافله أو وصيه أو شخص أو المؤسسة المعهود لها برعايته، وذلك حسب ما جاء في الفقرة الأخير من المادة 468 من قانون المسطرة الجنائية.

وبالتالي فإن كل من يرتكب جريمة وسنة يقل عن اثني عشر سنة يعتبر غير مسؤول جنائيا وذلك بسبب إفتراض عدم تمييزه بقوة القانون ، الذي اعتبر حكماً حتى لو كان في واقع الحال مميزاً أو يحظى بقدر من التمييز يكفي لمسائلته[7].

وعليه فإنه لا يقبل من أي شخص أن يقدم الدليل على وجود وتوافر التمييز من عدمه لدى الحدث الذي لم يبلغ سن اثني عشر سنة ، ولو كان يتوفر عليه ، بل إن الأكثر من هذا حتى إذا اقتنع القاضي بتوافر التمييز فلا يسوغ له أن يعتبر الحدث مسؤولا جنائياً عن فعله .

وبهذا يكون المشرع الجنائي المغربي قد ساير أغلب القوانين المقارنة في هذا الشأن مع ما أقره من انعدام المسؤولية الجنائية للحدث في هذا السن[8].

صفوة القول أن تمتيع الحدث بسن محدد لانعدام المسؤولية الجنائية لديه يعتبر بمثابة قرينة قانونية قاطعة كما سبق الذكر ، لا تقبل اثبات العكس ، ولا يمكن في ضوءها بأي شكل من الاشكال تقرير بعض العقوبات السالبة للحرية في حقة حسب ما جاء في المادة 473 من قانون المسطرة الجنائية[9]، إلا أن هذا لا يمكن أن يعفي أو يمنع من اتخاذ بعض التدابير في حقه حسب المواد 468/480 من قانون المسطرة الجنائية كنا سلف الذكر .

وفي الأخير ينبغي الإشارة إلا أن المشرع الجنائي لم يتطرق أويحدد السن الأدنى لسن انعدام المسؤولية الجنائية لدى الحدث بمعنى السن الدنيا والتي لا ينبغي متابعة الحدث أمام القضاء الجنائي فيه [10]،إلا أن ما درج عليه العمل القضائي في المحاكم هو عدم تقديم الأحداث الذين يقل سنهم عن ثمان سنوات أمام الهيئات القضائية المختصة[11].

لكن وبرغم من انتفاء المسؤولية الجنائية للحدث الذي لم يبلغ سن التمييز، فإن بعض التشريعات تضعهم تحت ركن المسؤولية الاجتماعية حيث سمحت للقضاء بأن يتولى أمرهم ويعالج حالات انحرافهم، وذلك بإخضاعهم للتدابير التربوية والتهذيبة التي تتوخى إصلاحهم.[12]

 

المطلب الثاني : حالة نقصان المسؤولية الجنائية للحدث

إن كان المشرع إعتبر الحدث الذي لم يبلغ سن اثني عشر سنة منعدم المسؤولية الجنائية لإنعدام تمييزه ، فإن ذلك يختلف عند بلوغه أكثر من ذلك السن بحيث تصبح مسؤوليته ناقصة عندما يكون بين سن الثانية عشر والثامنة عشروذلك لعدم اكتمال تمييزه أي خضوعه لما يسمى بحالة نقصان المسؤولية الجنائية .

ومرحلة نقصان المسؤولية الجنائية لدى الحدث هي المرحلة التي تلي مرحلة انعدام المسؤولية الجنائية وهي مرحلة أخرى يتوافر فيها الادراك والتمييز للحدث الا انه غير مكتمل.

وتبدأ مرحلة نقص المسؤولية الجنائية للحدث منذ بلوغه سن التمييز 12 سنة ، وتنتهي ببلوغه سن الرشد الجنائي ، حيث في هذه المرحلة يكون الحدث محلًا للمسؤولية الجنائية غير أنها تبقى مسؤولية ناقصة لعدم اكتمال أهليته الجنائية .

وتعد هذه المرحلة المرحلة الوسطية من عمر الحدث ، إذ تفصل بين مرحلة إنعدام المسؤولية بشكل كامل التي تنتفي فيها الأهلية الجنائية للحدث ومرحلة المسؤولية الكاملة والتي تكتمل لديه الأهلية فيها ، فيصبح إذ ذاك مسؤولا مسؤولية كاملة عما يرتكبه من جرائم.[13]

وقد نص على هذه الحالة الفصل 139 من مجموعة القانون الجنائي في الفقرة الأولى حيث جاء فيها :”الحدث الذي أتم اثني عشر سنة ولم يبلغ الثامنة عشر يعتبر مسؤولًا مسؤولية جنائية ناقصة بسبب عدم اكتمال تمييزه “.

وتم النص على نفس المقتضى مع وجود اختلاف في الصياغة وذلك في الفقرة الثالثة من المادة 458  من قانون المسطرة الجنائية ” يعتبر الحدث الذي يتجاوز سن اثني عشر سنة وإلى غاية بلوغه ثمان عشر سنة مسؤولا مسؤولية ناقصة بسبب عدم اكتمال تمييزه “.

وتبعًا لذلك ، يستفيد الحدث ناقص المسؤولية الجنائية من عذر صغر السن وبالتالي تخفف عنه العقوبة في الجنح والجنايات ، لذلك من فمن العدل أن لا يسأل الحدث الجاني ناقص الأهلية إلا مسؤولية مخففة، يقرها المشرع أو القاضي حسب الأحوال[14].

وهو الآمر الذي أشار اليه الفصل 135  من مجموعة القانون الجنائي الذي نص على أن مسؤولية الشخص تكون ناقصة إذا كان وقت ارتكابه الجريمة مصاباً بضعف في قواه العقلية من شأنه أن ينقص إدراكه أو إرادته ويؤدي إلى نقص مسؤوليته جزئيا .

وكما هو الشأن بالنسبة للحدث عديم المسؤولية الجنائية فإنه نقص المسؤولية بسبب الحداثة فهو ظرف شخصي يسري فقط لمن توفر فيه، دون المساهمين والشركاء في الجريمة .

وفي حال ارتكاب الحدث الجانح الذي اتم اثني عشر سنة  لم يبلغ ثمان عشر سنة مخالفة ، يمكن أن يحكم عليه بأداء غرامة وفق مسطرة السند التنفيذي [15]، كما أنه يمكن للقاضي أن يقتصر فقط على توبيخه ، أو الحكم بالغرامة المنصوص عليها قانوناً طبقًا لما جاءت به المادة 468  من قانون المسطرة الجنائية.

أما في الجنح فيمكن للمحكمة أن تحكم على الحدث بتدبير أو اكثر من تدابير الحماية والتهذيب ، كما يمكنها بصفة استثنائية أن تعوض أو تكمل تلك التدابير بعقوبة حبسية أو مالية بالنسبة للحدث ناقص المسؤولية ، إذ تبين لها أن ذلك ضروري نظراً لظروف أو شخصية الحدث الجانح شريطة تعليل مقررها بخصوص هاته النقطة ، وفي هذه الحالة يخفض الحدان الأقصى والأدنى المنصوص عليها في القانون إلى النصف وإذا حكمة المحكمة بعقوبة حبسية إضافة إلى تدابير الحماية فإن العقوبة السالبة للحرية نتفذ بالأسبقية ، وذلك طبقاً لمقتضيات المواد 480/481/482 من قانون المسطرة الجنائية[16].

وهذه الفكرة هي ما أكدتها محكمة النقض المغربية في قرارها الذي جاء فيه على أن ” الآصل هو الحكم على الحدث بتدابير الحماية أو التهذيب المنصوص عليها في المادة 481 من ق م ج ، وإذا ما قررت غرفة الاحداث استثناء أن تعوض أو تكمل هذه التدابير بعقوبة حبسية أو مالية بالنسبة للخدث الجانح الذي يقل عمره عن 18 سنة نظراً لظروفه أو شخصيته ، فإنه يشترط أن تعلل مقررها بهذا الخصوص”[17].

أما في الجنايات ، إذا كانت الجريمة التي اقترفها الحدث ناقص الأهلية عقوبتها الأصلية هي الإعدام أو السجن المؤبد أو السجن لمدة ثلاثين سنة ، فإنها تستبدل بعقوبة تتراوح بين 10  و 15  السنة حسب ما جاءت به المادة 493 من قانون المسطرة الجنائية الفقرة الأخيرة ، مع مراعاة ما يملك القاضي من سلطة تقديرية في تقرير العقوبة[18].

وفي الأخير يمكن الإشارة إلى ان المشرع الجنائي المغربي وهو يحدد مسؤوليته الحدث الجنائية ويأطرها من حيث الانعدام والنقصان اخد بعين الاعتبار مجموعة من المعايير الوطنية والدولية لتنزيل نصوص القانون الجنائي والمسطرة الجنائية فيما يخص الحدث ، حيث تدرج في تحديد ما اذا كانت أفعال الحدث تستوجب المساءلة من عدمها ، لكن وفي حقيقة الآمر ان مسألة الإدراك والتمييز أضحت تاخد منحى اخر وذلك راجع إلى التقدم التكنولوجي والتطور الرقمي مما يستوجب إعادة مراجعة النصوص وفقاً لهذا .

 

[1]اعترف المشرع المغربي بالتدرج في نضوج الصغير في مدونة الاسرة ، الكتاب الرابع .

[2] محمد علي جعفر، الاحداث المنحرفون، المؤسسة الجامعية للدراسة والنشر، بيروت 1984 م .

[3] المادة 458 : يتحدد سن الرشد الجنائي ببلوغ ثمان عشر سنة ميلادية كاملة .

يعتبر الحدث إلى غاية بلوغه اثني عشر سنة غير مسؤول جنائياً لانعدام تمييزه.

يعتبر الحدث الذي يتجاوز سن اثنتي عشرة سنة والى غاية بلوغه ثمان عشرة سنة مسؤولا مسؤولية ناقصة بسبب عدم اكتمال تمييزه.

[4] محمد بازي ، الاعتراف الجنائي في القانون المغربي دراسة مقارنة ، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص، كلية الحقوق الدار البيضاء،(السنة غير مذكورة)،ص134 .

[5] سامي النصراوي،النظرية العامة للقانون الجنائي المغربي في الجريمة والمسؤولية الجنائية ، الجزء الأول ، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الثانية 1986، ص 328 .

    [6] محمد رمضان الدربالي، المسؤولية الجنائية للحدث “دراسة مقارنة”، مرجع سابق ، ص53 .

_ أنظر المادة 468  من قانون المسطرة الجنائية

[7] عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي ،القسم العام ، مرجع سابق، ص321.

[8] في القانون التونسي: الفصل 68 من مجلة الطفل،وفي القانون الجزائري:38  من المجلة الجزائية،وفي القانون الجنائي الفرنسي:الفصل 122 الفقرة الثانية.

[9] – المادة 473  الفقرة الأولى < لا يمكن أن يودع بمؤسسة سجنية الحدث الذي لم يبلغ 12  كاملة ولوبصفة مؤقتة، ومهما كان نوع الجريمة >.

_ انظر المواد : 468/480 من قانون المسطرة الجنائية.

[10] على خلاف بعض التشريعات المقارنة كالتشريع السودانى والقطري اللذان نصا على عدم اعتبار الفعل الذي يرتكبه الصغير الذي يقل سنه عن السابعة جريمة.

[11] عبد الرحمان مصلح الشرادي،عوامل انحراف الاحداث في التشريع المغربي والقانون المقارن،مطبعة الأمنية الرباط،الطبعى الأولى 2002،ص253.

[12] Alain bruel et denis salas, Répertoire de droit pénal et de procédure pénale ,enfance délinquante, Tome III ,2éme édition 1995,P4.

[13] عادل يحيى قرني علي،النظرية العامة للاهلية الجنائية دراسة مقارنة،دار النهضة العربية القاهرة2000 ،ص 345.

[14] لطيفة الداودي،الوجيز في القانون الجنائي المغربي، المطبعة والوراقة الوطنية ، مراكش الطبعة الأولى ،2007،ص136.

راجع المادة 458  من قانون المسطرة الجنائية.

انظر الفصل 135  من مجموعة القانون الجنائي المغربي .

[15] المواد من 375 الى 380 من قانون المسطرة الجنائية المغربي .

راجع المواد 480/481/482 من قانون المسطرة الجنائية المغربي .

[17] قرار محكمة النقض عدد 394، الصادر بتاريخ 5  ماي 2011 في الملف الجنائي عدد 6/9/2011/2300، مجلة قضاء محكمة النقض الإصدار الرقمي 2012، العدد 75، ص292.

[18] لطيفة المهداتي ، سلطة القاضي التقديرية في تفريد الجزاء ، طبعة 2007،ص

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى