مقالات قانونية

الاختصاص الإقليمي للأقطاب الجزائية المتخصصة في ظل قانون الإجراءات الجزائية الجزائري

téléchargement (2)

الأستاذ حافظ بن زلاط

باحث في قسم الدكتوراه

جامعة سيدي بلعباس

الجزائر

 

الاختصاص الإقليمي للأقطاب الجزائية المتخصصة في ظل قانون الإجراءات الجزائية الجزائري

مقدمة:

    لا يكفي لبيان اختصاص المحاكم الجزائية تحديد فئة المحاكم التي تختص بنظر الدعوى على أساس شخص الجاني و المجني عليه أو على أساس نوع الجريمة و درجة جسامتها، و إنّما يجب أيضا تحديد أي محكمة من بين محاكم التي هي من نظام واحد و من درجة واحدة تكون صالحة للفصل فيها، ذلك أن المحاكم تتوزع على مناطق الدولة المختلفة و يتحدد لكل منها حدودا جغرافية أو إدارية ، بحيث لا يجوز لها الخروج عن منطقة الصلاحية المعينة لها.

ومن هنا نطرح الإشكالية التالية:كيف يتحدد الإختصاص الإقليمي للأقطاب الجزائية حسب مفهوم المشرع وهل هذا الاختصاص –الإقليمي- يطرح إشكالات في الواقع العملي القضائي؟

        الفرع الأول: توسيع الاختصاص المحلي لوكيل الجمهورية

    تتشكل النيابة العامة من مجموعة قضاة تختص بوظيفة المتابعة و الاتهام ضمن اختصاص إقليمي محدد بنص القانون، () و الاختصاص الأساسي للنيابة العامة هو تحريك الدعوى العمومية ومباشرتها لهذا يجب أن تلتزم الحدود الإقليمية في عملها و أن تقوم بعملها باعتبارها جهاز من أجهزة الدولة يسعى إلى الحقيقة مدفوعا بمقتضيات المصلحة العامة().

    لقد عمل المشرع الجزائري و بموجب القانون رقم: 04-14 المؤرخ في: 10 نوفمبر 2004 على تعديل أحكام المادة 37 من قانون الإجراءات الجزائية و ذلك بإضافة فقرة ثانية للمادة و جاء فيها:

''يتحدد الاختصاص المحلي لوكيل الجمهورية بمكان وقوع الجريمة، و بمحل إقامة أحد الأشخاص المشتبه في مساهمتهم فيها أو بالمكان الذي تم في دائرته القبض على هؤلاء الأشخاص حتى و لو حصل هذا القبض لسبب آخر.

    يجوز تمديد الاختصاص المحلي لوكيل الجمهورية إلى دائرة اختصاص محاكم أخرى، عن طريق التنظيم، في جرائم المخدرات و الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية و الجرائم الماسة المعالجة الآلية للمعطيات و جرائم تبيض الأموال و الإرهاب و الجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف''

    وانطلاقا من نص المادة المذكور أعلاه ينعقد الاختصاص المُوسع للأقطاب الجزائية، ومنه يتوسع الاختصاص المحلي لوكيل الجمهورية كلّما تعلق الأمر بالتحري و التحقيق بشأن الجرائم المذكورة على سبيل الحصر في المادة: 37 من قانون الإجراءات الجزائية.

الفرع الثاني: توسيع الاختصاص المحلي لقاضي التحقيق:

    تطبيقا لقاعدة الفصل بين وظيفتي المتابعة و التحقيق، لا يجوز لقاضي التحقيق أن يحقق في القضية من تلقاء نفسه بل يتعين أن ترفع إليه الدعوى من قبل غيره ()، و لا يحق له أن يحقق في القضية إلا ضمن قواعد اختصاص منصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية.

    حدد المشرع القواعد العامة المتعلقة بالاختصاص المحلي أو الإقليمي في قانون الإجراءات الجزائية لقاضي التحقيق ، فيتحدد الاختصاص المحلي بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة أو الذي يقيم فيه المتهم أو الذي يقع فيه القبض عليه().

    وسلك المشرع الجزائري نفس المسلك من خلال القانون رقم: 04-14 المؤرخ في: 10 نوفمبر 2004 في تحديده و توسيعه لاختصاص قاضي التحقيق و من هذا المنطلق نصت المادة: 40 على مايلي: ''يتحدد الاختصاص المحلي لقاضي التحقيق محليا بمكان وقوع الجريمة ، أو بمحل إقامة أحد الأشخاص المشتبه في مساهمتهم في اقترافها أو بمحل القبض على هؤلاء الأشخاص حتى و لو كان هذا القبض حصل لسبب آخر يجوز تمديد الاختصاص المحلي لقاضي التحقيق إلى دائرة اختصاص محاكم أخرى، عن طريق التنظيم، في جرائم المخدرات و الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية و الجرائم الماسة المعالجة الآلية للمعطيات و جرائم تبيض الأموال و الإرهاب و الجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف''.

    و بالتالي فإن المادة 40 من قانون الإجراءات الجزائية تعطي اختصاصا إقليميا موسعا لقاضي التحقيق كلما تعلق الأمر بالجرائم المذكورة أعلاه و منه يصبح لقاضي التحقيق التابع لهذه المحكمة اختصاص إقليمي يتجاوز اختصاصه العادي .

الفرع الثالث: توسيع الاختصاص الإقليمي لمحاكم الأقطاب الجزائية:

    في هذا الإطار نصت المادة 329 من قانون الإجراءات الجزائية على مايلي:

'' تختص محليا بالنظر في الجنحة محكمة محل الجريمة أو محل إقامة أحد المتهمين أو شركاءهم أو محل القبض عليهم و لو كان هذا القبض قد وقع لسبب آخر.

و لا تكون محكمة محل حبس المحكوم عليه مختصة إلا وفق الأوضاع المنصوص عليهــا في المــادتين(): 552 و 553 ق إ ج ج.

    كما تختص المحكمة كذلك بالنظر في الجنح و المخالفات غير القابلة للتجزئة أو المرتبطة.

    و تختص المحكمة التي ارتكبت في نطاق دائرتها المخالفة أو المحكمة الموجودة في بلد إقامة مرتكب المخالفة بالنظر في تلك المخالفة.

    يجوز تمديد اختصاص المحلي للمحكمة إلى دائرة اختصاص محاكم أخرى عن طريق التنظيم، في جرائم المخدرات و الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية و الجريمة الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات و جرائم تبيض الأموال و الإرهاب و الجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف''.

    ولقد حدد المشرع الجزائري أربع محاكم جزائية ذات اختصاص مُوسع مدد اختصاصها الإقليمي بموجب المرسوم التنفيذي رقم: 06 -348 () و هي:

محكمة سيدي محمد ، محكمة قسنطينة، محكمة ورقلة، محكمة وهران.

    وطبقا لهذا المرسوم فإن الاختصاص المحلي لهذه المحاكم الأربعة يتوسع ليشمل باقي محاكم الأخرى التي تدخل في نطاقها الجهوي على النحو التالي:

– يمتد الاختصاص المحلي لمحكمة سيدي محمد و وكيل الجمهورية و قاضي التحقيق بها إلى محاكم المجالس القضائية لــ: الجزائر و الشلف و الأغواط و البليدة و البويرة و تيزي وزو و الجلفة و المدية و المسيلة و بومرداس و تيبازة و عين الدفلى.

– يمتد الاختصاص المحلي لمحكمة قسنطينة و وكيل الجمهورية و قاضي التحقيق بها إلى محاكم المجالس القضائية لـ: قسنطينة و أم البواقي و باتنة و بجاية و بسكرة و تبسة و جيجل و سطيف و سكيكدة و عنابة و قالمة و برج بوعريريج و الطارف و الوادي و خنشلة و سوق أهراس و ميلة.

– يمتد الاختصاص المحلي لمحكمة ورقلة و وكيل الجمهورية و قاضي التحقيق بها إلى محاكم المجالس القضائية لـ: ورقلة و أدرار و تمنراست و إليزي و تندوف و غرداية.

– يمتد الاختصاص المحلي لمحكمة وهران و وكيل الجمهورية و قاضي التحقيق بها إلى محاكم المجالس القضائية لـ: وهران و بشار و تلمسان و تيارت و سعيدة و سيدي بلعباس و مستغانم و معسكر و البيض و تيسمسيلت و النعامة و عين تموشنت و غليزان.

        وبناء على ما ذكر أعلاه فإن المشرع الجزائري() قد حسم مسألة الاختصاص المحلي للأقطاب الجزائية لكل من : محكمة سيدي محمد، قسنطينة، ورقلة، وهران، غير أنه في حالة حصول إشكال في الاختصاص فإن الفصل فيه يعود لرئيس المجلس القضائي الذي تقع في دائرة اختصاصه المحكمة التي تم تمديد اختصاصها مع التنويه أن أمر رئيس المجلس القضائي لا يكون قابلا لأي طعن.

 

إن التطور الذي طرأ على السياسة الجنائية الحديثة عاد بالفائدة على المتهم و ذلك بفضل تخصص القاضي الجنائي ، و منه كان التخصص ضمانة مهمة للمتهم في ظل متطلبات السياسة الجنائية المعاصرة ، بشأن ضرورة الاهتمام بشخص المتهم سعيا لتحديد مسؤولياته عن الجريمة هذا من جهة، و من جهة أخرى الاهتمام بطبيعة الجريمة الخطيرة سعيا للقضاء عليها ، و في هذا السياق يقول الأستاذ حسين جميل: '' من المـُهم في ضمانات حقوق المتهم توفير محاكمة عادلة و من أهم عناصر هذه المحاكمة محكمة متخصصة و محايدة و مستقلة و علنية ، وافتراض البراءة للمتهم''.


 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى