المبدا المقرر في ميدان التعاقد ان العقد لا يلزم الا من كان طرفا فيه، فأثاره لا تنصرف الا الى متعاقديه بالذات ما دام قد ارتضيا ذلك.
غيران هذه القاعدة ليست مطلقة، اذ قد يحدث في بعض الحالات ان يتعاقد شخص لمصلحة الغير فتنصرف آثار التعاقد مباشرة الى هذا الغير كما لو كان قد باشر العقد بنفسه فتترتب له الحقوق ويتحمل بالالتزامات الناشئة عنه، ويكون لهذا الغير الحق في المطالبة بها بنفسه كما يطالب بتنفيذ الالتزامات.
والاشتراط لمصلحة الغير تعاقد يتم بين شخصين ،احدهما يسمى المشترطle stipulant ، وآخر يسمى المتعهدle promettant وبموجب هذا التعاقد ، يشترط الاول على الثاني ان بلتزم هذا الاخير في مواجهة شخص ثالث أجنبي عن التعاقدو يسمّى المنتفع . beneficiaireوينشا للمنتفع حق مباشر من هذه المشارطة يستطيع ان يطالب به المتعهد.
فموضوع الاشتراط لمصلحة الغير يندرج ضمن أثار العقد بالنسبة للغير المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود،وقد عرف الأستاذ مأمون الكز بري الغير – باعتباره كل ما سوى الخلف العام والخلف الخاص والدائنين أي كل شخص أجنبي عن حلقة المتعاقدين المتولدة عنه، ولا تربطه بهما أي رابطة الزامية¹.
¹-مامون الكزبري –نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي الجزء الاول مصادر الالتزامات ص 264
ولقد أخذت التشريعات القديمة بهذا المبدأ، منذ عهد الرومان بالرغم من أن القانون الروماني في بداية عهده لم يكن يعرف الاشتراط لمصلحة الغير خصوصا وان رابطة الالتزام كانت رابطة شخصية محضة، تقتصر على المتعاقدين وحدهما دون إمكانية امتدادها إلى الغير، زيادة عل الأوضاع والشكليات التي كانت سائدة آنذاك، حيث كان شكلية العقود تقضي بعدم إمكانية مباشرتها إلا من طرف المتعاقد نفسه وجعل أثارها تنسحب إليه وحده دون غيره.
غير أن مقتضيات التعامل ما لبثت ان تغيرت وجعلت القانون الروماني يسلم بفكرة نيابة الابن او العبد عن رب الأسرة وذلك في حدود ضيقة بجعل رب الأسرة دائنا لا مدينا نظرا لما له من سلطة عليهما. وأخذت به أيضاً التشريعات الإسلامية، واستقرّ الأمر لهذا المبدأ في مختلف النظم القانونية منذ ذلك الحين. واستمر العمل به حقبة طويلة من الزمان، حتى بدا لفقهاء رومة ضرورة التخفيف منه والتحلل من بعض آثاره، فأجازوا منذ القرن الأول للميلاد المشارطة للغير.
وكذلك كان الشأن في فرنسا، قبل مجموعة نابليون، حتى إذا صدر التقنين المدني فيها عام 1804، أورد المشرّع فيه استثناء من قاعدة نسبية أثر العقد، وأجاز الاشتراط لمصلحة الغير في المادة 1121 صراحة، متى توافرت للمشترط مصلحة مادية أو أدبية من اشتراطه.
والاشكال الذي يحق لنا طرحه وهو تساؤل مشروع ما مدى تطبيق القواعد العامة المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود الخاصة بالاشتراط لمصلحة الغير على العقود التجارية مثلا الوكالة التجارية الوكالة بالعمولة ؟وهل يمكن ان نطبقها كذالك على خدمات البورصة والاعتماد المستندي.
فسنتحدث اذن عن أحكام الاشتراط لمصلحة الغيركالية من اليات التعاقد في المبحث الأول أما بالنسبة للمبحث الثاني سنتطرق فيه لتطبيقات الاشتراط لمصلحة الغير.
التصميم:
مقدمة
المبحث الأول: احكام الاشتراط لمصلحة الغير كالية من اليات التعاقد
المطلب الأول: مفهوم الاشتراط لمصلحة الغير
الفقرة الأولى: ماهية الاشتراط لمصلحة الغير وشروط تحققه
الفقرة الثانية:الطبيعة القانونية للاشتراط لمصلحة الغير
المطلب الثاني: آثار الاشتراط لمصلحة الغير
الفقرة الأولى: علاقة المشترط بالمتعهد
الفقرة الثانية: علاقة المتعهد بالمنتفع و علاقة المشترط بالمنتفع
المبحث الثاني: بعض تطبيقات الاشتراط لمصلحة الغير في العقود التجارية
المطلب الأول: عقد الوكالة بالعمولة والاعتماد المستندي
الفقرة الاولى عقد الوكالة بالعمولة
الفقرةالثانية الاعتماد المستندي
المطلب الثاني: عقود التامين و عقد الائتمان الايجاري
الفقرة الاولى عقود التامين
الفقرةالثانية عقد الائتمان الايجاري
خاتمة.
المبحث الأول: احكام الاشتراط لمصلحة الغيركالية من الية التعاقد
يعتبر الاشتراط لمصلحة الغير من أهم المظاهر الحقيقية لخرق مبدأ نسبية آثار العقد حيث تنسحب هذه الآثار في حق طرف أجنبي لم يساهم في إبرام العقد[1].
فما هو التعريف القانوني للاشتراط لمصلحة الغير؟ وما هي الشروط اللازمة لتحققه؟
(المطلب الأول)، وما هي الآثار المترتبة عنه؟(المطلب الثاني).
المطلب الأول: مفهوم الاشتراط لمصلحة الغير
إن الحديث عن مفهوم الاشتراط لمصلحة الغير يحيلنا إلى تحديد ماهيته وشروطه (فقرة أولى)، ثم بعد ذلك طبيعة الاشتراط لمصلحة الغير (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: ماهية الاشتراط لمصلحة الغير وشروط تحققه:
أولا: ماهية الاشتراط لمصلحة الغير:
يقصد بالاشتراط لمصلحة الغير تلك الحالة التي يتم فيها التعاقد بين شخص يسمى المشترط، وآخر يسمى المتعهد، وذلك بهدف إنشاء حق لمصلحة شخص ثالث هو المستفيد أو المنتفع من الاشتراط[2].
وبعد أن كانت حلقة الاشتراط لمصلحة الغير ضيقة جدا بسبب طغيان مبدأ الأثر النسبي للعقود فان الأمر على خلاف ذلك في الوقت الراهن حيث ظهرت عدة أنماط للتعاقد الحاصل عن طريق الاشتراط لمصلحة الغير،خصوصا في ميدان التأمين إذ يحق لكل شخص أن يؤمن على حياة زوجه و أولاده أو على حياة غيره ممن لا علاقة له به فيكون هذا الشخص بمثابة مشترط، وشركة التأمين تتعهد بدفع المبالغ المستحقة للزوجة والأولاد أو الغير باعتبارهم مستفيدين من هذا الاشتراط
وما قيل عن عقد التأمين يقال أيضا عن الهبة المثقلة بالتزام لمصلحة الغير كأن يهب شخص عقارا لغيره مقابل التزام هذا الأخير بدفع ريع هذا العقار لجهة خيرية مثلا .
ونتيجة لاتساع حالات الاشتراط لمصلحة الغير من الناحية العملية فان جل التشريعات المدنية[3] بادرت إلى اعتناق هذه النظرية ونصت عليها في فصول مستقلة، وهكذا فان قانون الالتزامات والعقود المغربي قد تناول أحكام الاشتراط لمصلحة الغير في الفصلين 34 و 35 من ( ق.ل.ع )حيث جاء في الفصل الأول ما يلي:’’ ومع ذلك يجوز الاشتراط لمصلحة الغير ولو لم يعين إذا كان سببا لاتفاق أبرمه معاوضة المشترط نفسه أو سببا لتبرع لمنفعة الواعد……’’
ثانيا: شروط تحقق الاشتراط لمصلحة الغير
من المتفق عليه اليوم أنه لابد حتى يتحقق الاشتراط لمصلحة الغير توافر الأركان و الشروط لقيام عقد صحيح من تراض و أهلية ومحل وسبب وخلو الإرادة من العيوب التي تضعف من سلامة عنصر التراضي.
وبالإضافة إلى هذه الأركان العامة فان هناك شروط خاصة أكد المشرع على ضرورة توفرها تحت طائلة عدم الاعتداد بالعقد الذي حصل به الاشتراط لمصلحة الغير، وتتمثل هذه الشروط فيما يلي:
الشرط الأول: أن يتعاقد المشترط باسمه الخاص.
يجب لقيام الاشتراط لمصلحة الغير أن يتعاقد المشترط مع المتعهد لا باسم المنتفع وهذا ما يميز الاشتراط لمصلحة الغير عن مختلف صور النيابة كالوكالة والفضالة.
فالوكيل يتعاقد باسم الموكل الذي يعتبر هو الطرف في العقد لا الوكيل.
والفضولي كذلك هو نائب قانوني عن رب العمل وهو لا يقوم بعمله إلا إذا كانت هناك ضرورة عاجلة تتطلب القيام بهذا العمل، وإذا بدأ العمل وجب عليه أن يستمر فيه بحيث لا يجوز له بعدئذ الرجوع.
أما المشترط فهو يتعاقد باسمه ولا ينوب عن المنتفع و يترتب على ذلك أن لكل شخص أن يشترط لمصلحة غيره، مادامت له مصلحة شخصية من وراء هذا الاشتراط،وله أن يرجع عن الاشتراط بمحض إرادته1.
الشرط الثاني: أن يتم الاتفاق على إنشاء حق مباشر للمستفيد:
إن الاتفاق الحاصل بين المشترط والمتعهد يمتاز بأنه يخلق حقا مباشرا لمصلحة الطرف المستفيد من الاشتراط من غير أن تكون هناك واسطة لنقل هذا الحق للمنتفع بالاشتراط، وهذا ما يميز الاشتراط لمصلحة الغير عن فكرة حوالة الحق من دائن إلى آخر حيث أن الحق لا ينتقل إلى المحال له إلا إذا مكنه المحال عليه من هذا الحق بأمر من المحيل2. وقد أشارت الفقرة الثانية من الفصل 34 من ق.ل.ع إلى هذا الشرط ولا يلزم في الطرف المستفيد أن يكون موجودا عند إبرام العقد، وإنما يصح الاشتراط حتى ولو كان هذا المستفيد غير موجود في الحال ولكنه قابل للوجود في المستقبل، ثم إنه ليس هناك ما يمنع من نشوء اشتراط لمصلحة الغير حتى ولو كان هذا الغير غير محدد المواصفات، إنما يلزم في كل من الوضعين السابقين أن يكون هذا الغير قابلا للتحديد عند استحقاق الحق وهذا ما أشارت إليه الفقرة الأولى من الفصل 34 من ق.ل.ع
الشرط الثالث: وجود مصلحة شخصية للمشترط في الاشتراط.
يتعاقد المشترط باسمه ويعمل لحسابه، ولهذا كان بديهيا أن تكون له مصلحة شخصية في ذلك،وإلا كان عمله ضربا من العبث ومصلحة المشترط المقصودة هنا لا يشترط فيها أن تكون مادية أي مالية، كما لو اشترط شخص على المتعهد أن يدفع مبلغا من المال إلى المنتفع سدادا لدين مترتب لمصلحة هذا الأخير في ذمة المشترط، بل يجوز أن تكون أدبية أي معنوية، كما في هبة يشترط فيها الواهب على الموهوب له التزاما لمصلحة مستشفى، أو كما في عقد تأمين على الحياة يعقده الأب لمصلحة أولاده أو زوجته.
ووجود المصلحة لدى المشترط ليس مرهونا بترتيب التزام عليه: فقد توجد المصلحة حتى لو كان المشترط لا يلزم نفسه بشيء، مثل ذلك أن تتعاقد أم مع مطلقها على أن يلتزم بتأدية مرتب لابنهما دون أن تلتزم الأم بشيء نحو الأب ، فالأم هنا تشترط لمصلحة ابنها واشتراطها صحيح لوجود المصلحة الأدبية لديها، ولا يهم بعد هذا أن تلتزم بشيء أو لا تلتزم.
وإن وجود المصلحة الشخصية للمشترط هو الذي يبرر حقه بمطالبة المتعهد بتنفيذ التزامه نحو المنتفع حتى بعد أن يظهر المنتفع رغبته في قبول المشارطة، هذا ما لم يكن حق المطالبة بالتنفيذ قد حصر بالمنتفع وحده (الفصل 35 من ق.ل.ع) 1.
الفقرة الثانية: طبيعة الاشتراط لمصلحة الغير.
ثار الجدل بين الفقهاء بخصوص تحديد الطبيعة القانونية للاشتراط لمصلحة الغير سيما عقب شيوع هذه المؤسسة في ميدان التامين وقد ظهرت بهذا الخصوص عدة نظريات أهمها:
(أ) نظرية الإيجاب:
يرى أنصار نظرية الإيجاب بأن الاشتراط لمصلحة الغير ما هو إلا تطبيق من تطبيقات النظرية العامة للالتزامات وليس استثناءا من مبدأ أثر نسبية العقود ودليلهم في ذلك أن عقد الاشتراط لمصلحة الغير ينشطر في الوقع إلى عقدين: الأول يربط المشترط بالمتعهد والثاني يربط المشترط بالمستفيد، فعندما ينتقل الحق إلى المشترط بمقتضى العقد الأساسي فان هذا الأخير يقوم بعرض إيجاب جديد على الطرف المستفيد لقبول الحق الذي انتقل إليه عن طريق المتعهد1. وقد تعرضت هذه النظرية لعدة انتقادات أهمها أنها تجعل من الاشتراط لمصلحة الغير أحد تطبيقات قاعدة نسبية أثر العقود ،لا استثناءا منها كما أنها تفتقد هذه المؤسسة فائدتها المتمثلة في جعل المنتفع يكتسب حقا مباشرا إزاء المتعهد وان هذا الحق لا يمر بذمة المشترط، فلا يتهدد المنتفع بخصوصه خطر مزاحمة دائني هذا المشترط أيضا2.
(ب) نظرية الفضالة:
يعتبر الفقيه لايبي من أنصار هذه النظرية التي تجعل الاشتراط لمصلحة الغير مظهرا من مظاهر الفضالة حيث أن المشترط يتصرف كالفضولي بهدف تقديم خدمة للغير أو جعله يستفيد من حق لم يساهم في إنشائه، وخلافا لنظرية الإيجاب فان أنصار فكرة الفضالة يرون بأن آثار الاشتراط تسري بأثر رجعي منذ إنشاء التصرف، وبذلك فالمشترط يكون بمثابة وكيل لأنه يتعاقد باسمه ولكن لحساب غيره والإقرار اللاحق للتصرف من طرف المستفيد يعتبر بمثابة التوكيل السابق حتى ولو كانت هذه الوكالة افتراضية في ميدان الفضالة.
وبالرغم من أن البناء القانوني لهذه النظرية كان أكثر تناسقا من النظرية الأولى إلا أنها قد تعرضت بدورها لبعض الانتقادات من ذلك مثلا:
إن الفضولي لا تكون له مصلحة شخصية في الأعمال التي يقدمها لغيره أما المشترط فإنه له مصلحة في الاشتراط سواء كانت مادية أو معنوية.
من أحكام الفضالة أن يرجع الفضولي على رب العمل في حدود المبالغ والمنافع التي استفاد منها هذا الأخير3، أما بالنسبة للمشترط فإنه ليس له الحق في الرجوع على المستفيد لتعارض ذلك مع فكرة الاشتراط لمصلحة الغير ذاتها.
(ج) نظرية الحق المباشر:
القائلون بهذه النظرية يرون بأن العقد المتضمن الاشتراط يتجاوز أثره حلقة الطرفين المتعاقدين وينشئ حقا مباشرا لشخص لم يكن طرفا في العقد هو المنتفع. فالمتعهد إلى جانب التزامه التعاقدي إزاء المشترط، واستثناءا من قاعدة نسبية العقد، يلتزم أيضا إزاء المنتفع والتزامه هذا مبعثه الإرادة المنفردة وهكذا لا يتوقف ثبوت الحق للمنتفع على قبوله. فحقه قد نشأ وقت إبرام العقد بين المشترط والمتعهد، وقبول المنتفع للإشتراط ينحصر أثره في إكساء هذا الإشتراط مناعة تجعله غير قابلة للنقد من قبل المشترط الذي يتمتع كما نعلم بحق نقض الاشتراط ما دام المنتفع لم يصرح بقبوله به.
ونظرية الحق المباشر يقول بها معظم الفقهاء نخص بالذكر Lambert و kolin و Capitant وهي المعمول بها في الاجتهاد1.
ومن وجهة نظرنا فإننا نؤيد نظرية الحق المباشر على اعتبار أنها تتفق مع عدة أحكام واردة في قانون الالتزامات والعقود تقضي باعتبار الاشتراط لمصلحة الغير مؤسسة مستقلة ترد كاستثناء على مبدأ نسبية العقود وتخول المنتفع مبدئيا الحق في أن يطالب مباشرة وباسمه المتعهد بتنفيذ تعهده2.
المطلب الثاني: آثار الاشتراط لمصلحة الغير.
ترتبط أثار الإشتراط لمصلحة الغير بثلاثة أشخاص: المشترط والمتعهد والمنتفع. ومن تم نتناول أثار الاشتراط انطلاقا من ثلاث علاقات، علاقة المشترط بالمتعهد ( فقرة أولى)، علاقة المتعهد بالمنتفع ( فقرة ثانية )، ثم علاقة المشترط بالمنتفع ( فقرة ثالثة ).
الفقرة الأولى: علاقة المشترط بالمتعهد.
إن علاقة المشترط بالمتعهد تخضع لمقتضيات العقد الذي يربط بينهما، وبالتالي فإن أحكام هذا العقد تتغير من حالة لأخرى بحسب ما إذا كان الاشتراط بالمعاوضة أو على سبيل التبرع3،إذ أنه بالرغم من خصوصيات هذا العقد أو ذاك فإن هناك جملة من الأحكام الهامة المشتركة التي تنظم علاقة المشترط بالمتعهد نجملها في مايلي:
أ- يتعين على كل من المشترط والمتعهد أن يفيا بالتزاماتهما العقدية تجاه بعضهما البعض، فالمشترط يتوجب عليه أن يمكن المتعهد من الحصول على موضوع الاشتراط حتى يتمكن بدوره من الوفاء بالتزاماته الشخصية تجاه المستفيد[5].
ب- في حالة امتناع أحد المتعاقدين عن تنفيذ التزاماته إزاء الطرف الآخر فإنه يحق لكل منهما أن يطلب تنفيذ العقد متى كان ذلك ممكنا أو المطالبة بفسخ العقد مع التعويض عن الأضرار الناجمة عن عدم تنفيذ الالتزام1، وخلافا لما قاله البعض من أن المشترط ليس له الحق في رفع دعوى مباشرة ضد المتعهد في حالة امتناع هذا الأخير عن الوفاء بالتزاماته تجاه المستفيد، فإن الرأي القار في الوقت المعاصر يذهب إلى تمكين المشترط من ممارسة هذه الدعوى لتحقيق شرط المصلحة في ذلك بالنسبة للمشترط وهذا ما نص عليه الفصل 35 من (ق.ل.ع) " يسوغ لمن اشترط لمصلحة الغير أن يطالب مع هذا الغير تنفيذ الالتزام ما لم يظهر منه إن طلب تنفيذه مقصور على الغير الذي أجري لصالحه "، ومن هنا يتبين لنا أنه ليس هناك ما يمنع أطراف الاشتراط من الاتفاق على مخالفة مضمون الفصل السابق، وذلك بالاتفاق على حصر نطاق ممارسة هذه الدعوى في شخص المشترط دون المستفيد أو العكس.
الفقرة الثانية: علاقة المتعهد بالمنتفع وعلاقة المشترط بالمنتفع.
1- علاقة المتعهد بالمنتفع
يكتسب المنتفع حق دين مباشر في مواجهة المتعهد وذلك بناءا على عقد الاشتراط، من تم لا يعتبر إبداء رغبته في الاستفادة شرطا لاكتساب هذا الحق وإنما ينحصر مفعولها في تأكيد الاستقرار النهائي للحالة الناشئة عن الاشتراط وبالتالي حرمان المشترط من نقضه .
فضلا عن ذلك تولد هذه العلاقة آثارا قانونية جد مهمة من أبرزها:
– لا يتحتم على المستفيد قبول الاشتراط بل يجوز له رفضه شريطة أن يبلغ هذا الرفض للمشترط بصفة صريحة أو ضمنية.
– يكتسب المستفيد حقا شخصيا ذاتيا يملكه لنفسه لا بالنيابة عن المشترط. بمعنى أنه يجوز له أن يطالب به المتعهد بدعوى مباشرة ولا يحتاج في ذلك إلى استعمال الدعوى الغير مباشرة التي ترفع باسم المدين، وذلك ما لم يقض العقد بأن المشترط يحتكر وحده مطالبة المتعهد بأداء حق المنتفع2. ويجوز له عند إخلال المتعهد بالتزاماته أن يطالب بتعويض عن الأضرار المترتبة عن عدم الوفاء.
– ينتقل حق المستفيد في قبول الاشتراط إلى ورثته يستعملونه عقب وفاته وإذا حصلت الوفاة بعد القبول حل الورثة محل سلفهم في الانتفاع بالحق محل الاشتراط.
– من حق المتعهد أن يتمسك إزاء المستفيد بكل الدفوع المترتبة عن عقد الاشتراط كالدفع ببطلان موضوع الاشتراط لعدم مشروعية سببه مثلا1 .
2- علاقة المشترط بالمنتفع.
بالرغم من أن المستفيد لا يرتبط بالمشترط بمقتضى عقد مستقل إلا أنه يتأثر بكيفية محسوسة من كل إجراء أو تصرف يقدم عليه المشترط قبل نفاذ الاشتراط في حق المنتفع . وقياسا على الفقرة الأولى من الفصل 34 من قانون الالتزامات والعقود التي تسمح بإنشاء العقد الأساسي للاشتراط بين المشترط والمتعهد معاوضة أو على سبيل التبرع فإن هذا الوصف ينطبق كذلك على العلاقة الثانية التي حصل الاشتراط بسببها ونتيجة لذلك فان استفادة المنتفع قد تكون معاوضة عن دين أو التزام سابق في ذمة المشترط كأن يبيع هذا الأخير سلعة للمشتري ويشترط عليه تسليم ثمنها للغير الذي كان دائنا له بما يوازي ثمن البضاعة وفي مقابل ذلك فان استفادة المنتفع قد تكون على وجه التبرع كالتأمين على الحياة لمصلحة شخص ثالث، أو هبة عقار للمتعهد مع اشتراط أداء الريع السنوي لهذا العقار لمصلحة الشخص المنتفع.
غير أن من مميزات هذه العلاقة أيضا هو أنه يحق لكل من المشترط والمستفيد العدول عن فكرة الاشتراط أو رفضها باعتبار أنه ليس هناك ما يلزم المشترط بالاستمرار في اشتراطه قبل صدور القبول من المستفيد2 كما أنه ليس هناك ما يجبر المنتفع على قبول شيء لا يرضاه حتى وإن كان مفيدا له3.
المبحث الثاني:بعض تطبيقات الإشتراط لمصلحة الغيرفي المادة التجارية.
باعتبار نظرية الاشتراط لمصلحة الغير أثر خارج عن مبدأ نسبية أثار العقد، سنتطرق في هذا المبحث إلى بعض تطبيقات التعاقد الحاصل عن طريق الاشتراط لمصلحة الغير خصوصا في الوكالة بالعمولة والاعتماد المستندي ( مطلب أول) و عقد الائتمان الإيجاري و عقود التأمين في ( مطلب ثاني).
المطلب الأول: عقد الوكالة بالعمولة والاعتمادالمستندي.
تناولت مدونة التجارة كل من الوكالة بالعمولة في الكتاب الرابع المتعلق بالعقود التجارية من اجل تسهيل المعاملات لان السمة التي تتميز بها التجارة وهي السرعة الى جانب الثقة والائتمان هذا ماسوف نتناوله في فقرة اولى اما بالنسبة للاعتماد بصفة عامة او فتح الاعتماد فقد تناوله المشرع في الباب الخامس من القسم السابع الخاص بالعقود البنكية لكننا هنا سوف نتطرق باذن الله لتقنية الاعتماد المستندي بصفة خاصة في الفقرة الثانية.
الفقرة الاولى: عقد الوكالة بالعمولة.
تناولت مدونة التجارة تحديد المقصود بالوكالة بالعمولة في المادة 422. ((هو عقد يلتزم بموجبه الوكيل باسمه الخاص بتصرف قانوني لحساب موكله
يخضع عقد الوكالة بالعمولة للمقتضيات المتعلقة بالوكالة وكذا القواعد التالية )) و يستفاد من هذا النص أن الوكيل بالعمولة _ سواء فرداً أم شركة – يتعاقد مع الغير باسمه الشخصي لكن لحساب من كلفه بإبرام العقد. ويقوم الوكيل بهذه المهمة مقابل الحصول على أجرة أو عمولة، ولذلك سمى بالوكيل بالعمولة. وعلى ذلك لا تعتبر الوكالة بالعمولة وكالة عادية. ذلك أن الوكالة العادية – مد نية كانت أو تجارية – تفترض أن الوكيل يتعاقد مع الغير باسم ولحساب الموكل، أي أن الوكيل ينبئ الغير بأنه يتعاقد بالنيابة عن شخص آخر هو الموكل. ومع ذلك قد لا ينبئ الوكيل المتعاقد معه عن صفته كنائب عن الموكل بل قد يتعمد هذا الإخفاء لمصلحة معينة. وهذه الصورة قد تعرض في الحياة المدينة – وتعرف بالتعاقد باسم مستعار – كما يمكن مشاهدتها في الحياة التجارية. فقد يسعى أحد الراغبين في شراء عقار إلى إخفاء شخصيته عن البائع عارضاً عليه شراء العقار فيكلف غيره بالتوحه إليه دون أن يعلمه بأنه يتعاقد لحساب المشترى الحقيقي. وفي هذه الحالة يكون صاحب الاسم المستعار مكتسباً وحدة صفة المتعاقد إزاء البائع وتنصرف آثار العقد إليه المشترى الحقيقي. ويتعين على المتعاقد بعد ذلك أن ينقل هذه الآثار المشترى الحقيقي تنفيداً للاتفاق المبرم بينهما.
فإذا ما احترف الأشخاص إعارة اسمه في التعاقد مع الغير متحملاً مخاطر الصفقات المبرمة عد وكيلا بالعمولة. وبعبارة أخرى يمكننا القول أن الوكالة بالعمولة هي عبارة عن تعاقد باسم مستعار ذى طبيعة تجارية. وتعد الوكالة بالعمولة عملاً تجارياً بتطبيق المعيار العام للعمل التجاري، إذ تمثل تعبيراً عن نشاط لمشروع رأسمالي في أحد مجالات الخدمات.
ولاشك أن الوكيل بالعمولة وسيط بين الغير والموكل في بيع بضاعة
أو شرائها أو نقلها. كما أنه يقصد تحقيق الربح وإلا ما كان يتقاضى عمولة عن إبرام الصفقات لحساب الموكل.
ثم إن لنشاط الوكيل بالعمولة طابعه التجاري : فهو يعمل بصورة مستقلة عن الموكل بل أنه لا يرتبط بموكل واحد بل يتعدد عملاؤه. وعادة ما يكون للوكيل بالعمولة محل تجاري وإن كانت ممارسة هذا النشاط لا تتطلب بالضرورة توافر محل تجاري. وكثيراً ما يستثمر الوكيل بالعمولة أمواله في العمليات التي يكلف بالقيام بها ثم يستردها من الموكل. ولاشك أخيراً في أن لديه نفقاته العامة بوصفه مشروعاً تجارياً.
فكما أن الصفة التجارية هي التي تميز الوكالة المدينة عن الوكالة التجارية رغم إنهما من قبيل الوكالة العادية فإن الصفة ذاتها الناجمة عن احتراف الوكيل هي التي تميز الوكالة بالعمولة عن التعاقد باسم مستعار.
ولا يهم الأمر بعد ذلك أن يكون العقد محل الوكالة عقداً تجارياً أم مديناً. كما يستوى أن ترد العمليات على بضائع أو عروض تجارة أو صكوك تجارية أو غيرها من الأموال
-الطبيعة القانونية لعقد الوكالة بالعمولة
من التعريف لعقد الوكالة يمكننا استخلاص سمتين رئيسيتين للعقد : أنه عقد وكالة يتعاقد فيه الوكيل باسمه الشخصي وأنه عقد تجاري بالنسبة إلى الوكيل بالعمولة.
-عقد الوكالة بالعمولة عقد وكالة
طالما كان الوكيل بالعمولة يمارس نشاطه على وجه المشروع. وفيما لم يرد بشأنه نص في التقنين التجاري تطبق أحكام قانون الموجبات والعقود المتعلقة بعقد الوكالة. وبصد الحديث عن تعريف عقد الوكالة بالعمولة ذكرنا أن الوكالة قد تكون نيابية. وقد تكون غير نيابية. ففي الحالة الأولى التي يعلم فيها الغير المتعاقد مع الوكيل أن الأخير إنما يتعاقد باسم ولحساب موكله، يتيقن الغير أن آثار العقد سوف تضاف إلى الموكل سواء كان دائناً أو مديناً.
أما الحالة الثانية فهي الحالة التي يجهل فيها الغير أن الوكيل يتعاقد لحساب شخص آخر لأنه يتعاقد باسمه الشخصي. وفي هذه الحالة رأينا أن القواعد العامة تقضي بعدم إضافة آثار العقد إلى شخص الموكل، بل أن الغير وقد تعامل مع الوكيل على أنه أصيل يستطيع أن يرجع عليه بوصفه من تعاقد معه دائناً أو مديناً بحسب الأحوال.
و بما أن عقد الوكالة بالعمولة صورة للوكالة غير النيابية التي يظهر فيها الوكيل امام الغير وكأنه أصيل في التعاقد، فباعتبارها وكالة تخضع لأحكام عقد الوكالة دون أحكام النيابية.
و يترتب على تعاقد الوكيل بالعمولة باسمه الشخصي أنه :
1-يشترط في الوكيل بالعمولة الأهلية الكاملة في حين أن كمال الأهلية ليس متطلباً في الوكالة العادية. إلا أنه يكفي أن تتوافر في الوكيل بالعمولة الأهلية التجارية لأن الفرض أن الوكيل بالعمولة تاجر.
2-يكون الوكيل بالعمولة مسؤولاً عن تنفيد العقد محل الوكالة في مواجهة الغير لأنه وحده يكتسب صفة المتعاقد، وقد ارتضى تحمل مخاطر هذا العقد.
3-يمكن ان يخضع لمساطر صعوبات المقاولة الوكيل بالعمولة إذا ما توقف عن دفع دين ناشيء عن العقد محل الوكالة بفرض أن هذا العقد عقد تجاري. فسواء كان التوقف عن الدفع راجعاً إلى الوكيل بالعمولة أو الموكل فإن الوكيل يعتبر قد توقف عن دفع دين تجاري شخصي يبرر تطبيق مساطر المعالجة .
عقد الوكالة بالعمولة عقد تجاري
الطبيعة التجارية هي التي تميز الوكالة بالعمولة عن التعاقد باسم مستعار. والوكالة بالعمولة عقد تجاري تطبيقاً للمعيار العام للعمل التجاري.
فالصفة التجارية التي نقصدها في هذا المقام لا يقتصر أثرها على تحديد مدى خضوع الوكالة بالعمولة لأحكام القانون التجاري ولكنها عنصر من عناصر تكييف الوكالة بالعمولة.
و يترتب على اعتبار عقد الوكالة بالعمولة عقداً تجارياً أن الوكيل بالعمولة يستحق أجره دائماً ولو ينص العقد على ذلك، لأن التبرعات خارجة عن نطاق الأعمال التجارية وغريبة عن الحياة التجارية. وفي حالة النزاع حول مقدار العمولة يتولى القاضي تحديدها.
و يراعى أن عقد الوكالة بالعمولة قد يكون عقداً مختلطاً وذلك إذا كانت الوكالة مدينة بالنسبة إلى الموكل. ففي حالة قيام الوكيل بالعمولة ببيع منتجات زراعية لأحد المزارعين يكون العقد مختلطاً : تجارياً بالنسبة إلى الوكيل بالعمولة ومديناً بالنسبة إلى المزارع.
تمييز الوكيل بالعمولة عن غيره من الوسطاء التجاريين
لا تعد الوكالة بالعمولة الصورة الوحيدة للوساطة التي قد تشاهدها الحياة التجارية. فهناك أشخاص آخرون من الوسطاء التجاريين يختلفون عن الوكيل بالعمولة. وأهم هؤلاء الوكيل التجاري والممثل التجاري والسمسار.الوكيل بالعموله يظهر امام العامه بالاصيل مع انه وكيل ويقوم بالتوقيع باسمه الخاص وهذا الفرق بين الوكيل العادي والوكيل بالعموله
لكن هل يمكن اعتبار الوكيل بالعمولة بمثابة المشترط بالمعنى الموجود في القواعد العامة؟
الفقرة الثانية : الاعتماد المستندي
إن التجارة الخارجية مجال واسع و كبير إضافة إلى الأهمية التي تمثلها فهي تتميز بوجود العديد من التعقيدات التي تعرقل و تصعب سيرها بطريقة عادية .
و هذا الأمر يعد طبيعي جدا و ذلك لتدخل طرف أجنبي في العملية كما أن طبيعة العلاقات تكون خارج الحدود الإقليمية إذ أن أطراف العملية التجارية يختلفون عن بعضهم البعض أضف إلى ذلك بعد المسافة التي تفصل بينهما .
و من هذا كله و من اجل إزالة هذه الصعوبات و العوائق تتدخل البنوك محاولة أن تلعب دور الوسيط الذي يربط بين هؤلاء الأطراف .
و تتدخل البنوك في هذا المجال ممثلة دورا كبيرا في تمويل التجارة الخارجية خاصة ما تعلق مننها بتمويل الواردات و في هذا الشأن هناك عدة أساليب وتقنيات تستخدم لتسهيل عمليات التجارة الخارجية ( بجانبيها الصادرات و الواردات).
و هنا يكمن دور البنك في تدخله لتسديد قيم السلع أو تحصيلها و هذه التقنيات تكون في شكل تسهيلات أو تحصيلات أو اعتمادات مستندية .
و بإعتبار أن الاعتمادات المستندية أحسن و أسهل طريقة لتمويل التجارة الخارجية و نظرا لأهميتها فإن موضوع بحثنا سيوضح لنا ماهية الاعتماد المستندي
الاعتماد المستندي هو احد الأعمدة القاعدية للتجارة الخارجية و التي تسير الكثير من الصفقات و الأموال في كل أقطاب العالم حيث أن ظهوره كان نتيجة البعد المكاني بين البائع و المشتري للتوفيق بين الحاجات المتباينة لهذين الأخيرين التابعين لبلدين مختلفين .
يمكننا أن نقول بعبارة بسيطة أن الاعتماد المستندي عبارة عن تعهد شرطي ممنوح من طرف بنك ما ، أي يمثل تعهد من بنك لبائع البضاعة / الخدمة بدفع مبلغ معين من المال شريطة تقديمه مستندات معينة توضح شحن البضاعة أو حسن تنفيذ الخدمة ضمن فترة زمنية محدودة .
في ظل هذه الاجراءات المعقدة فيما يتعلق بالاعتماد المستندي الى اي مدى اذن يمكن القول ان هذه التقنية تدخل ضمن الاشتراط لمصلحة الغير؟ .
المطلب الثاني :عقد الائتمان الايجاري وعقود التأمين.
يعدعقد الائتمان الايجاري من ضمن العقود التجارية التي تناولها المشرع في الكتاب الرابع وهو عقد يتميز عن العقود الاخرى بمميزات عدة وهذا ماسنتناوله في الفقرة الاولى امافيما يخص عقود التامين فسنتحدث عنها في فقرة ثاتية
الفقرة الاولى :عقد الائتمان الايجاري
يعد الائتمان الايجاري وفق مقتضيات المادة 8 من القانون 6 يوليوز 1993 الذي يتعلق بمؤسسات الائتمان ومراقبتها
-عملية اكراء للسلع التجهيزية او المعدات او الالات التي تمكن المكتري كيفما كان تكييف تلك العمليات من ان يتملك في تاريخ يحدده المالك …….
-كل عملية اكراء للعقارات المعدة لغرض مهني تم شراؤها من طرف المالك او بناها لحسابه اذا كان من شان هذه العملية كيفما كان تكييفها ان تمكن المكتري من ان يصير مالكا لكل او بعض الاموال المكراة على ابعد تقدير عند انصرام اجل الكراء. وهو وسيلة حديثة نسبياً لتمويل استثمارات المشروعات الاقتصادية، فعندما يرغب صاحب المشروع في تمويل مشروعه فإنه يقصد إحدى الشركات المالية المتخصصة ويبرم معها عقدا تلتزم بمقتضاه الشركة الممولة بشراء منقولات أو عقارات بقصد إيجارها إلى المستفيد على أن يحتفظ هذا الأخير بحق شراء هذه المنقولات أو العقارات عند نهاية مدة العقد ووفق ثمن متفق عليه، يراعى فيه الأداءات التي تمت برسم الإيجار ولو جزئيا .
ويظهر تطبيق الاشتراط لمصلحة الغير في عقود الائتمان الايجاري في الحالة التي تقوم شركة الإئتمان الايجاري بتضمين عقد الائتمان الايجاري وسيلة يتم بمقتضاها نقل حقها في الرجوع إلى المستأجر وتكون نافذة في مواجهة البائع، حيث تشترط شركة الائتمان الايجاري على البائع أن يتعهد بالوفاء بالتزامه بالضمان الناشئ عن عقد البيع لمصلحة المستأجر فالشركة إذن هي المشترطة والبائع أو المقاول هو المتعهد ، أما المستأجر فهو الذي ينتفع من هذا الاشتراط فبموجب هذا النظام إذن يتقرر للمستأجر حق شخصي ومباشر في الرجوع على البائع أو المقاول ،ومن جانب آخر لا يستطيع فسخ عقد البيع لأنه أجنبي عن ذلك العقد الذي تضمن الاشتراط وإذا ما أراد المستأجر إعمال هذا الحق ، فلابد من حصوله على توكيل من طرف الشركة الممولة إذا ما سمحت له بإعمال دعوى رد المبيع التي هي من دعاوى الفسخ في نظر الفقه والقضاء الفرنسي.
وهكذا وجدت نظرية الاشتراط لمصلحة الغير ، قبولا لدى القضاء الفرنسي لتبرير حق المستأجر في الرجوع على البائع1. لأنها تسمح بمنع المستأجر من أن يتسبب في حل عقد البيع ، وتعطي لشركة الائتمان الإيجاري الحق في اختيار الأسلوب الذي تراه مناسبا لتمكين المستأجر من ممارسة بعض حقوقه.
ولذلك فإن الاشتراط لمصلحة الغير في نظر بعض الفقه يبقى الأقرب في مفهومه وشروطه لعملية الائتمان الإيجاري1.
إلا أنه رغم كل ما سبق فإن الاشتراط لمصلحة الغير ليس هو أصدق قالب قانوني للتعبير عن آلية رجوع المستأجر على البائع أو المقاول بالضمان ذلك أنه لا يسمح للمستأجر بفسخ عقد البيع أو رفع دعوى لرد المبيع.
الفقرة الثانية: عقود التأمين.
هناك تطبيقات عدة فيما يتعلق بعقود التامين فالمتعاقد وهو المشترط يؤمن على حياته لصالحه ولصالح اولاده, يتعهد بمقتضاه المؤمن بأن يدفع للشخص أو للأشخاص الذين يعينهم المؤمن له في عقد التامين عند وفاته مبلغا محددا أو راتبا عمريا أو للمؤمن له نفسه إذا بلغ سنا معينا وهو على قيد الحياة مقابل أقساط يؤديها المؤمن له على قيد حياته أو الفترة المتفق عليها .
وللتامين على الحياة ثلاث صور متميزة عن بعضها وهي إجمالا التأمين لحالة الوفاة، ثم التأمين المؤقت، فالتأمين لحالة البقاء.
تعد عقود التأمين على الحياة من ابرز الصور التي يتحقق فيها الاشتراط لمصلحة الغير، وبناءا على ذلك فانه يحق للشخص أن ينشئ حقا لمصلحة جنين منتظر الوجود إلا أن ذلك يبقى معلقا على واقعة تحقق الولادة الطبيعية السليمة للطرف المستفيد من الاشتراط، وإذا كان التأمين على الحياة لمصلحة الغير لا يثير مشاكل قانونية إلا أن الوضع ليس كذلك بالنسبة للتأمين على المسؤولية كما هو الشأن بالنسبة للتأمين ضد حوادث السير فبالرغم من أن التأمين ضد هذه المخاطر يكون لمصلحة شخص غير محدد عند إبرام العقد كطرف ستفيد إلا أن الاتجاه القار في ميدان الفقه والقضاء يتشدد كثيرا بخصوص إضفاء طابع الاشتراط لمصلحة الغير على هذه الحالة، ونتيجة لذلك فان الطرف المستفيد في قضايا التأمين على المسؤولية ( الضحية) لا يحق له الرجوع على شركة التأمين إلا إذا تبثث مسؤولية المؤمن له، وتطبيقا لما سبق فان الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى ذهبت في القرار الصادر عنها بتاريخ 11 يوليوز1975 إلى رفض طلب النقض الذي بناه الطاعن على مضمون الفصل 34 من قانون الالتزامات والعقود مبررة رفضها بما يلي :" لكن من جهة فان المنتفع من عقد التأمين لا يمكن أن يحكم له على شركة التأمين بإحلالها في الأداء محل المؤمن له إلا بعد إقامة الدعوة على هذا الأخير واثبات مسؤوليته " .
كذالك قد يعقد امين النقل تامينا على سلامة البضاعة ,ويكون التامين في هذه الحالة لمصلحة مرسل البضاعة .فاذا هلكت او تلفت ,يحق لمرسل البضاعة ان يطالب شركة التامين مباشرة بعوض التامين.
وتظهر اهمية الاشتراط لمصلحة الغير في عقود الاحتكار والتزام المرافق العامة ,كالاحتكار الذي يمنح لشركات المياه والنور والغاز مثلا.فان مانح الاحتكار وهي الحكومة تشترط على المحتكر شروطا لمصلحة الجمهور لقاء الخدمات التي يقدمها . وعندئذ يكون لكل فرد حق مباشر في المطالبة بالتزام هذا الحد الاقصى
خاتمة:
ويظهر من خلال استقراء نصوص قانون الالتزامات والعقود حيث نجد أن الاشتراط لمصلحة الغير يعتبر استثناءا على مبدأ نسبية العقود .ولعل أخذ المشرع المغربي به على غرار مجموعة من التشريعات الأخرى يعتبر سياسة محمودة من جانبه، حيث إنه يمكن المتعاقدان من التعاقد لفائدة شخص من الغير لا وجود له أثناء العقد،كما أنه يسهل الأمر على هذا الغير حتى يستطيع مطالبة المتعهد بتنفيذ تعهده في غنى تام عن المشترط .كما أن الاشتراط لمصلحة الغير أحيانا يمكن المنتفع من تلبية حاجاته حتى في حالات عسره المالي كما رأينا فيما يتعلق بالائتمان الإيجاري باعتبار هذا الاخير عقدا تجاريا.وللاشتراط لمصلحة الغير تطبيقات عدة في العقود التجارية منها الوكالة بالعمولة والاعتماد المستندي. وبالتالي فلم يقتصر على العقود المدنية التي تعتبر الشريعة العامة للالتزامات .
لائحة المراجع:
– مأمون الكزبري، نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي، الجزء الأول مصادر الالتزامات.
– برادة محمد غزبول:"" عقد الائتمان الايجاري بين الفقه والقضاء " في الدورة التخصصية في المادة التجارية سلسلة الندوات واللقاءات والأيام الدراسية يونيو 2004
– رياض فخري :الآليات القانونية المميزة لعقد الإيجار التمويلي دراسة تحليلية " اطروحة لنيل درجة الدكتوراه في الحقوق جامعة عين شمس مصر.
– عبد الفتاح عبد الباقي، موسوعة القانون المصري، نظرية العقد والإرادة المنفردة، دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي طبعة 1934،
– عاطف النقيب، نظرية العقد، طبعة 1988،
– عبد الصافي ، القانون المدني ، الجزء الأول ، المصدر الايرادي للالتزامات ، العقد ، الكتاب الثاني ، أثار العقد ، الطبعة الأولى ، 2007 ،
–هشام فرعون، النظرية العامة للالتزامات في التشريع المغربي، محاضرات ألقيت على طلبة السنة الثانية من الإجازة، كلية الحقوق، فاس السنة الجامعية 1977/1978،
– عبد القادر العرعاري، النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني، الجزء الأول، مصادر الالتزامات، الكتاب الأول، نظرية العقد في مبادئها القانونية ومظاهرها التطبيقية، دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي، طبعة 1995
– سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني، المجلد 1، نظرية العقد والإرادة المنفردة،الطبعة4 ، 1987،
1 – برادة محمد غزبول:"" عقد الائتمان الايجاري بين الفقه والقضاء " في الدورة التخصصية في المادة التجارية سلسلة الندوات واللقاءات والأيام الدراسية يونيو 2004
1 – رياض فخري :الآليات القانونية المميزة لعقد الإيجار التمويلي دراسة تحليلية " اطروحة لنيل درجة الدكتوراه في الحقوق جامعة عين شمس مصر.ص334
3 – عبد القادر العرعاري، مرجع سابق، ص 233 ، 234
2 – بالرغم من أن قانون الالتزامات والعقود المغربي لم ينص على إمكانية عدول المشترط عن فكرة الاشتراط إلا أن ذلك لا يعني حرمانه من ممارسة هذا الحق إذا توفر الشرطان الآتيان
* أن يتم العدول عن فكرة الاشتراط قبل صدور القبول من الطرف المستفيد من الاشتراط
* ألا يكون في هذا العدول ما يخالف طبيعة عقد الاشتراط كأن يتم تسديدا لدين سابق مستحق على المشترط، وخلافا للمشرع المغربي فإن غالبية التشريعات الحديثة قد نصت على فكرة نقض الاشتراط من طرف المشترط كالقانون المدني المصري في المادة 155.
1 – عبد الحق الصافي مرجع سابق، ص 60 ، 61 .
2 – في هذا الإطار نقض المجلس الأعلى قرارا أصدرته محكمة الاستئناف بفاس قضى بعدم قبول دعوة مطالبة بتنفيذ موضوع الاشتراط الذي تقدمت به شركة سينما أمبير باعتبارها مستفيدة من حق الاشتراط الذي يتمثل في الخيار بين غلق الكوة المطلة على قاعة العرض أو الإبقاء عليها والتي كانت مخصصة لاستقبال زبناء القاعة في فترة الاستراحة التي تتخلل أجزاء العرض الواحد قرار المجلس الأعلى، 17 دجنبر 1980 قضاء المجلس الأعلى، عدد 27، 1981، ص 49.
1 – مأمون الكزبري، مرجع سابق، ص 280، فقرة 222.
[5] – عاطف النقيب، نظرية العقد، طبعة 1988، ص 410.
3 – عبد الفتاح عبد الباقي، موسوعة القانون المصري، نظرية العقد والإرادة المنفردة، دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي طبعة 1934، ص 595، فقرة 301.
2 – الفصول 228، 33، 34 قانون الالتزامات والعقود.
1 – نقض فرنسي قرار 8 ابريل 1895، دالوز 1895-1-441 ، ونقض فرنسي قرار 19 نونبر 1907، دالوز، 1908-1-129، مأخوذ عن مأمون الكز بري، مرجع سابق ص 294.
3 – الفصل 449، من قانون الالتزامات والعقود.
2 – عبد الصافي ، القانون المدني ، الجزء الأول ، المصدر الايرادي للالتزامات ، العقد ، الكتاب الثاني ، أثار العقد ، الطبعة الأولى ، 2007 ،ص 56
1 – عبد القادر العرعاري، مرجع سابق،ص 229 .
1 – مأمون الكزبري، مرجع سابق ص 275 ،276 .
2 – هشام فرعون، النظرية العامة للالتزامات في التشريع المغربي، محاضرات ألقيت على طلبة السنة الثانية من الإجازة، كلية الحقوق، فاس السنة الجامعية 1977/1978، صفحة5 وما يليها
1 – مأمون الكزبري، نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي، الجزء الأول مصادر الالتزامات. ص274.
[3] – من ذلك مثلا المادة 1121 مدني فرنسي، والمادة 152 مدني مصري التي جاء فيها (لا يرتب العقد التزاما في ذمة الغير ولكن يجوز أن يكسبه حقا)
[2] – سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني، المجلد 1، نظرية العقد والإرادة المنفردة،الطبعة4 ، 1987،صفحة607،فقرة313
[1] – عبد القادر العرعاري، النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني، الجزء الأول، مصادر الالتزامات، الكتاب الأول، نظرية العقد في مبادئها القانونية ومظاهرها التطبيقية، دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي، طبعة 1995 صفحة 224.