سلسلة الابحاث الجامعية و الأكاديميةفي الواجهةمقالات قانونية

الاصدار 36 – أبريل 2021 – التكفل القضائي بالنساء ضحايا العنف الزوجي على ضوء قانون محاربة العنف ضد النساء – سلسلة الابحاث الجامعية والأكاديمية

تأتي جهود مكافحة العنف ضد النساء بالمغرب، في سياق دينامية حقوقية مستمرة تعززت بدستور 2011 الذي أسس لجيل جديد من الإصلاحات، وتضمن ميثاقا للحقوق والحريات الأساسية، ورسخ مبادئ وقيم ومقتضيات تصب كلها في اتجاه تعزيز وحماية حقوق المرأة والنهوض بها وصيانة كرامتها، فضلا عن تنصيصه على حظر ومكافحة كل أشكال التمييز بسبب الجنس، وضرورة تمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بجميع الحقوق، وتحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء، وإحداث هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز. كل ذلك ضمانا لمشاركة المرأة الفعلية في المسلسل التنموي الذي تسير نحوه البلاد.

ويتجسد اهتمام المغرب أيضا بمناهضة العنف ضد النساء، من خلال انخراطه في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان عن طريق المصادقة على جل الصكوك الدولية الخاصة بحماية المرأة، لا سيما اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة؛ واتفاقية مناهضة التعذيب وجميع ضروب المعاملات اللا إنسانية أو المهينة.

ولقد عملت المملكة المغربية على ملاءمة قوانينها مع التوجه العالمي، فقامت بتبني مجموعة من الاستراتيجيات الوطنية ابتداء من سنة 2002، والتي تستمد مرجعيتها من الوثيقة الأممية التي تتضمن الاستراتيجيات النموذجية والتدابير العملية للقضاء على العنف ضد المرأة في مجال منع الجريمة والعدالة الجنائية المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قراراها عدد 86/52 المؤرخ في دجنبر 1997، حيث تضمنت هذه الوثيقة مجموعة من الإجراءات العملية الملزمة للدول والتي يتعين مباشرتها لتطوير المنظومة القانونية في مجال الحماية والتكفل بالنساء ضحايا العنف، وتطوير قدرات كافة المتدخلين في أجهزة البحث والتحري وباقي مكونات المؤسسة القضائية.

 وأبرز ما أفرزته هذه الاستراتيجيات المتعاقبة هو العمل على الارتقاء بمستوى التكفل بالنساء ضحايا العنف، سعيا نحو إرساء منظور جديد يتوخى توفير تكفل حقيقي لهذه الفئة، في سبيل تحقيق هذه الغاية، فقد أحدثت وزارة العدل بكافة محاكم المملكة خلايا للتكفل بالنساء ضحايا العنف منذ سنة 2004؛ أعقبها خلق لجان محلية وجهوية بصفتها آليات للتنسيق بين جميع المتدخلين الحكوميين وغير الحكوميين.

وتجدر الإشارة إلى أن التكفل القضائي بالنساء ضحايا العنف، يمثل من خلال الخلايا الموجودة بالمحاكم؛ جزءاٌ لا يتجزأ من منظومة التكفل؛ إلى جانب الخلايا الموجودة بالمصالح المركزية واللاممركزة للقطاعات المكلفة بالعدل والصحة وبالشباب وبالمرأة وكذا بالمديرية العامة للأمن الوطني والقيادة العليا للدرك الملكي.

         وبالرغم من كل هذه الجهود، ظلت المرأة المغربية تعاني من مظاهر التمييز، الذي يعتبر العنف من أبرز تجلياته، خاصة العنف الزوجي بصفته  أحد أخطر أنواع العنف، بحيث أنه دائما ما يتصدر الإحصائيات الرسمية المتعلقة برصد ظاهرة العنف ضد النساء.

         في هذ الصدد، وإيمانا من جميع مكونات الفعاليات المدنية بأن التصدي للعنف المسلط على النساء، والارتقاء الفعلي بالتكفل بهن؛ يحتاج إلى مقاربة قانونية، فقد تم إصدار قانون جديد رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء[1]،الذي يعتبر أول التفاتة تشريعية تهتم بمحاربة العنف ضد النساء بأبعادها الوقائية والزجرية والحمائية، ثم التكفلية.

         ويأخذ البعد التكفلي حيزا مهما من القانون أعلاه، إذ تم وضع خلايا التكفل في إطارها القانوني والمؤسساتي، فضلا عن إحداثه لأول مرة لجنة وطنية للتكفل كآلية للتنسيق، ليعقبه المرسوم التطبيقي الصادر بتاريخ 10 أبريل 2019[2]، الذي حدد بدقة تأليف جميع الخلايا وحدد كيفيات عمل اللجنة الوطنية.

أهمية الموضوع

         يكتسي إذن موضوع التكفل بالنساء ضحايا العنف عامة والزوجات المعنفات على وجه الخصوص أهميته البالغة، من خلال جميع جوانبه الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، فبالنظر لما يشكله العنف المسلط على المرأة من آثار وانعكاسات سلبية على سلامتها، وتسليط العنف على الزوجة وما يترتب عنه من زعزعة للتماسك الأسري،  فإن الضرورة تفرض التكفل بهذه الفئة الهشة.

         كما أن هذا الوضع الخطير يؤدي أيضا إلى تكلفة اقتصادية، تؤثر بلا شك على وضعية النساء ضحايا العنف، وتتحمل الدولة القسط الأوفر منها، كلما تنامت هذه الظاهرة وتميز التكفل  بالقصور.

         بيد أن المقاربة القانونية للموضوع، تسمح لنا بالخوض في جميع مراحل مسار التكفل القضائي بالنساء ضحايا العنف، بما تحمله من إجراءات ومساطر وتدابير، كانت إلى قريب غير مقننة بمقتضى قانون، بدءاً من استقبال المعنفة والاستماع إليها وأجرأة شكايتها داخل الخلية، مرورا بمرحلة المحاكمة وانتهاءً بالنتفيذ. دون أن نغفل ما يمكن أن تقوم به آليات التنسيق من خلال اللجان المحلية والجهوية والوطنية، من تعزيز للمنظومة التكفلية والارتقاء بها. كل ذلك بجب أن يتحقق في تلازم تام مع توفير شروط الدعم النفسي والإرشاد القانوني للضحايا.

         وتظهر أهميته القانونية أيضا، من زاوية أن مكافحة العنف ضد النساء يتصدر أولويات السياسة الجنائية لبلادنا، وأن الدراسة ستنصب على تحليل القانون الجديد في شقه المفاهيمي والقانوني والتكفلي، ثم دراسة نماذج من تنزيله عبر الأحكام الصادرة بشأنه، فضلا عن مناقشة مخرجات اجتماعات لجان التكفل المحلية بميسور والجهوية باستئنافية فاس، ثم اللجنة الوطنية التي تم تنصيب أعضائها يوم 5 شتنبر 2019.

  أسباب اختيار التدريب لمقاربة الموضوع

إن الرغبة في القيام بهذه الدراسة، يحركها اقتناعنا القوي بأهمية التكفل القضائي،  وما يمكن أن يشكله من حماية للنساء ضحايا العنف، بما يضمن صيانة كرامتهن، ويكرس للمبدأ الكوني المتمثل في عدم إفلات الجناة من العقاب.

         واختياري القيام بتدريب لمدة تزيد عن شهرين بالمحكمة الابتدائية لبولمان بميسور من أجل مقاربة هذا الموضوع، يعكس رغبة موضوعية  وأخرى ذاتية. أما الموضوعية تتمثل في كونه ذي طبيعة عملية،  بحيث سيسمح لنا  بدراسة  تبسط توجه المحكمة الابتدائية لبولمان بميسور من خلال عمل أجهزة العدالة الجنائية، خاصة خلية التكفل القضائي بالنساء والأطفال، بجميع مكوناتها.

         أما دواعي الاختيار الذاتية اتجهت نحو الرغبة في الاحتكاك اليومي بعمل الخلية، وبجميع المتدخلين في عملية التكفل، مما يسمح لنا ببناء تصور حقيقي وميداني عن كل الإشكالات التي يمكن أن تعترض نجاعة التكفل بالنساء ضحايا العنف الزوجي على وجه الخصوص؛ بحكم اختصاص وحدة تكويننا المتعلقة بالقضاء الأسري. دون أن نغفل ما قد  يمنحه التدريب لنا من خبرة مهنية قد تفيدنا في مسارنا العلمي والمهني لاحقا.

إشكالية الموضوع

        بناء على كل ما سبق تتضح  إشكالية مركزية تتعلق أساسا بمدى نجاعة التكفل القضائي بالنساء ضحايا العنف الزوجي، كمنظومة متكاملة، وذلك من خلال التعريج على جميع مراحله، وتقييم مخرجات اللجان المحلية والجهوية والوطنية؛ في سياق يتسم بدخول قانون جديد ومرسوم تطبيقي حيز التنفيذ.

         وارتباطا بموضوع الدراسة، فإن بسط هذه الإشكالية، يستلزم طرج بعض التساؤلات الفرعية:

  • كيف تقدم الإحصائيات الصادرة وطنيا العنف ضد النساء عامة والعنف الزوجي خاصة كظاهرة اجتماعية واقتصادية وقانونية وثقافية؟ ؛
  • ما هو الجديد الذي حمله كل من قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء والمرسوم التطبيقي الصادر بشأنه؛ في علاقة بتجويد منظومة التكفل قبل وبعد المحاكمة؟ ؛
  • مدى نجاعة النيابة العامة والقضاء الزجري والأجهزة الأخرى في التعاطي مع التكفل بالنساء ضحايا العنف الزوجي؟ ؛
  • ما هي حدود قدرة ترافع كل من اللجنة المحلية لبولمان بميسور واللجنة الجهوية لاستئنافية فاس على تجاوز الإشكالات التي تعترض التكفل القضائي بالنساء ضحايا العنف؟.

المناهج المعتمدة وخطة البحث

إن الإجابة عن هذه التساؤلات تقتضي الاستعانة بمجموعة من المناهج، التي يمكن أن تخدم بتنوعها هذا البحث، إذ أن تقديم ظاهرة انتشار العنف وتقييم عمل الخلايا، يتطلب اعتماد منهج إحصائي، ثم اعتماد المنهج الاستقرائي؛ من خلال استقراء مختلف المقتضيات الجديدة التي أتى بها قانون 103.13 والمرسوم المتعلق به، فضلا عن ضرورة اعتماد المنهج التحليلي، من خلال تحليل مختلف مراحل التكفل بما فيها نماذج من العمل القضائي. ولابد أن نشير في هذا الصدد إلى أنني اعتمدت على التقسيم الأنجلوساكسوني خدمةً لطبيعة موضوع بحث نهاية التدريب.

وعليه ارتأيت تقسيم الدراسة وفق التصميم الآتي:

  • الفصل الأول: الإطار النظري والواقعي للتكفل القضائي بالنساء ضحايا العنف الزوجي؛
  • الفصل الثاني: إجراءات التكفل القضائي بالنساء ضحايا العنف الزوجي؛
  • الفصل الثالث: لجان التنسيق كآليات لتعزيز منظومة التكفل القضائي بالنساء ضحايا العنف.

[1]  القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.18.19 صادر في 5 جمادى الآخرة 1439 (22 فبراير 2018).

[2]  مرسوم رقم 2.18.856 صادر في 4 شعبان 1440 (10 أبريل 2019) بتطبيق القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى