في الواجهةمقالات قانونية

الاغتصاب الزوجي…إشكالية بين الدين و القانون.(الجزء الأول)

 

الاغتصاب الزوجي…إشكالية بين الدين و القانون.(الجزء الأول)

أعطى الإسلام للزواج مكانة عظيمة وأهمية بالغة، حيث ورد في الكتاب والسنة المطهرة و من الشواهد ما يدل على مشروعيته وبيان أحكامه قوله تعالى ” وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً “[1]، و قوله تعالى أيضا ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً” [2].

فمن سنن الله سبحانه وتعالى في الكون أن جعل التكاثر في الأرض سنة لإعمارها، وعبادة الله وحده من خلال سبيل واحد هو الزواج الشرعي بالكيفية التي أمر الله بها في جميع الشرائع السماوية[3]،   فالزواج من أهم العلاقات الإنسانية، ويحظى بأهمية خاصة في الدين الإسلامي الحنيف، حيث رغب الإسلام في الزواج لما فيه من حفظ للأعراض[4]، وصون للنفس عن الوقوع المحرمات والفواحش، كما حدد الإسلام أسس العلاقة داخل بين الزوجية بين طرفيها.

    فالعلاقة الزوجية

في الشريعة الإسلامية جعلها الله عز وجل قائمة على المودة والعطف والسكينة والرحمة بين كلا الزوجين ليسكن كل منهما للآخر ولتتوطد أواصر المحبة والرحمة والعطف بينهما،وحث الرجل على أن يرفق بزوجته في المعاملة لما يعود ذلك من فوائد عظيمة على بيت الزوجية من خلال حسن معاملة الزوج لزوجته.

إلا أنه في الآونة الأخير ظهرت جريمة الاغتصاب الزوجي أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها وباء يدمر العلاقة الزوجية و يشتت أواصر المحبة و العطف بين الزوجين، و ما يجعل هذه الجريمة فتاكة هو أن المشرع المغربي لم ينظم ولم يضع أي عقوبة واضحة في النصوص القانونية لهذا النوع من الاغتصاب في القانون الجنائي الشئ الذي يجعلها تتكاثر شيئا فشيئا .

قسم قضاء الأسرة بوجدة بقر بالتعويض عن الضرر لفائدة الزوجة المتضررة من رسائل الزوج الالكترونية في مواضيع جنسية مع امرأة اخرى

بالإضافة إلى غياب  ثقافة الحوار و النقاش ما بين الزوجة و أهلها في أحيان كثيرة الشئ الذي يجعل هذه الجريمة من الجرائم المسكوت عنها،بالإضافة إلى أسباب أخرى كان لها نصيب في تكاثر هذه الجريمة[5].

فموضوع الاغتصاب الزوجي أصبح  يثير العديد من الإشكالات وأصبح يعرف تطورا يوم بعد يوم  الشئ الذي يفرض على المشرع التدخل السريع ليضع حدا لهذا النزيف الذي تسببه هذه الظاهرة، فمن بين الإشكالات التي يمكن طرحها في هذا الصدد، إلى أي حد سيبقى المشرع محتشم في وضع نص قانوني صريح يجرم هذه الظاهرة ؟ و ماهي الأسباب غير القانونية التي تساهم في إجثام هذه الجريمة ؟ و ما موقف الإسلام من الاغتصاب الزوجي ؟

للإجابة عن هذه الأسئلة المثارة ستكون البداية مع  موقف الإسلام من جريمة الاغتصاب الزوجي ، مرورا بالموقف القانوني للمشرع الجنائي المغربي (ثانيا)،و أخيرا بالأسباب الأخرى المساهمة في تطور هذه الظاهرة (ثالثا).

أولا : موقف الإسلام من الاغتصاب الزوجي.

حرص الإسلام على أن يكون البيت الإسلامي الذي رغب في تأسيسه حصنا منيعا يحمي الزوجين من الانحرافات الخلقية و المفاسد الأخلاقية ، و أن يكون بيتا تتوفر فيه كل ما تتطلبه الحياة الهادئة و الآمنة و السعيدة من الأجواء التي تمكن الرجل و المرأة من القيام بدورهما و أداء مسؤولياتهما.

وحق الزوج على زوجته عظيم، وهي مأمورة بطاعته في المعروف، وأعظم ما تجب فيه طاعتها له أمر الاستمتاع ما لم يكن لها عذر، تبيانا لماء في السنة النبوية فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح[6].

كما أن المسلم لا ينظر إلى المعاشرة على أنها مجرد شهوة بل هي وسيلة للتقارب والتآلف بين الزوجين كما هي بالإضافة إلى ذلك وسيلة لتكثير نسل الأمة وهو مقصد شرعي، فالمرأة  بتلبية رغبات      زوجها  وحاجاته تكون قد أرضت ربها بامتثال أمره وفي الحديث الصّحيح الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (وفي بضع أحدكم صدقة )، قالوا: يا رسول الله يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: ( أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر )[7].

   ومن لوازم الزوجية

اجتماع الزوجين لتحقيق مقتضى الزوجية وتحصيل المراد من الزواج، وذلك يحصل بعقد الزواج، الذي يجتمع بموجبه ذكر وأنثى، ويرتبطان ارتباطا وثيقا له ثمراته وآثاره، وقد رغب القُرآن الكريم في الزواج في آياتٍ شتى؛ فتارةً يردُ ذلك بصيغة الأمر كما في قوله تعالى: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾[8].

و تارة يجعل من الزوجة سكن لزوجها كما في قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾[9]، وذكر سبحانه أنه جعل بين الزوجين مودة ورحمة  كما في قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾[10].

ولهذا قيل: “لا ألفة بين رُوحَيْن أعظم ممَّا بين الزوجين” [11].

فالتعامل بالمعروف وبالحسنى هو الأساس لقوله تعالى (  وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[12]. وقوامة الزوج على زوجته تعنى مسؤوليته عنها ومراعاته لها وليس التحكم فيها وقهرها  أي إن تلك القوامة تدخل في إطار المعاشرة بالمعروف و احترام الزوجة و تقديرها .
والسنة النبوية و الآيات القرآنية  لا يوجد فيها ما يبرر أو يبيح مواقعة الزوج لزوجته جبرا و كرها،و الشاهد في ذلك ما سبق و أسلف ذكره من آيات بينات، بالإضافة إلى أن العلاقة الزوجية في الإسلام  تقوم على التراحم و المودة وأن استمتاع كل واحد من الآخر حق مكفول لكليهما بل يعد الاستمتاع الجنسي أحد ركائز عقد الزواج التي تقي الرجل و المرأة من الوقوع في فاحشة الزنا، لقول الرسول صلى الله عليه و سلم ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ منكُم الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ )[13] .

    ثانيا :موقف المشرع الجنائي المغربي من الاغتصاب الزوجي.

إن المتأمل للترسانة الجنائية سيجد بأن المشرع المغربي لم ينظم أو يجرم جريمة الاغتصاب الزوجي و إن كان جرم و عاقب على جريمة الاغتصاب طبقا لما جاء في الفصل 486 من القانون الجنائي على أنه “الاغتصاب هو مواقعة رجل لامرأة من دون رضاها[14]، ويعاقب عليه بالسجن من خمس إلى عشر سنوات”، الشئ الذي جعل البعض يتوهم و أقحم جريمة الاغتصاب الزوجي في هذا الصدد و هو توهم خاطئ و ما فند هذا القول هو التفسيرات الفقهية التي ذهبت عكس ذلك، و اعتبرت أن الاغتصاب الزوجي يخرج عن الاغتصاب المشار إليه من طرف المشرع في الفصل سالف الذكر،

و أنه لو تعرضت للمرأة الاغتصاب من طرف زوجها بدون رضاها، و أعتبر ذلك تعسفا منه في استعمال حقه المترتب عن عقد الزواج بحيث لا يحق لها إلا المطالبة بالتطليق للضرر الذي لحقها جراء التعسف الذي تعرضت له.

و في قانون آخر توسم فيه الجميع خيرا و يتعلق الأمر بقانون رقم 13-103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء الذي توسم فيه الجميع خيرا ولد عاقرا و لم يتضمن أي مادة تشير إلى الاغتصاب الزوجي الشئ الذي شكل خيبة أمل للعديد من الجمعيات الحقوقية التي كانت تنتظر خيرا نظرا للضجة التي أثارها من جهة، و إلى النساء ضحايا هذه الجريمة  من جهة ثانية، الشئ الذي جعل المشرع المغربي محتشم مقارنة مع تشريعات غربية أخرى كانت أكثر جرأة و تصدي لهذه الجريمة[15].

ثالثا : بالأسباب الأخرى المساهمة في تطور ظاهرة الاغتصاب الزوجي.

بالإضافة إلى سبب لا يقل أهمية عن غياب نص قانوني منظم لهذه الظاهرة هناك أسباب أخرى تساهم في إجثام جريمة الاغتصاب الزوجي، يمكن سرد هذه الأسباب في الشكل التالي :

1 غياب نص قانوني يجرم هذه الظاهرة.

2غياب الجانب التوعوي المرتبط بالمعاشرة الزوجية.

3هيمنة الفكر المجتمع الأبوي والهيمنة الذكورية في المجتمع العربي.

4تأثير بعض الأفكار الغربية على العقلية  العربية (الأفلام الجنسية المصحوبة بالعنف…).

5الإختلاف في التربية لكل من الرجل والمرأة.

6  الأمراض النفسية (الشخصية السادية).

 

ختاما لكل ما سبق يمكن القول بأن ظاهرة الاغتصاب الزوجي لها أسباب متعددة و متشعبة الشئ الذي يجعل منها ظاهرة مركبة،كما أن غياب نص قانوني يجرمها أو ينظمها له نصيب كبير من تزايد ضحايا هده الآفة،الشئ الذي يفرض على المشرع المغربي دق ناقوس الخطر و التدخل الفوري للتصدي لها هذا من جهة، و من جهة ثانية فالجانب الزجري وحده يبقى غير كفيل للحد من جريمة الاغتصاب الزوجي خاصة و أنها جريمة  متشعبة و مركبة مثلما سبق و أسلف الذكر.

 


[1]  سورة الروم، آية21

[2]  سورة النساء الاية 1

 https://mawdoo3.com [3]

[4]  https://www.sayidaty.net

[5]  http://www.saidaonline.com

[6]  رواه البخاري 7/390، ومسلم 1436، وأحمد 9634

[7]  مسلم 2376

[8]  النور: 32

[9]  الأعراف: 189

[10]  الروم: 21

[11]  http://www.ahl-alquran.com

[12]  النساء 19

[13]  https://islamqa.info

فرواه البخاري (5066) ومسلم (1400) 

[14]  https://www.youm7.com

4فرنسا أصدرت سنة 2010 قانونًا صريحًا يسمح لقاضي شؤون الأسرة بأن يصدر على وجه الاستعجال أمرا لحماية الزوجة بالإبعاد المكاني للزوج المعتدي على زوجته في ثلاث جنح من ضمنها الاغتصاب الزوجي. وكذلك في أمريكا في سنة 1993، سنّت 50 ولاية قوانين ضد الاغتصاب الزوجي تساويه بالاغتصاب من غير الزوج في بعض الولايات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى