البرلمان والضريبة
ابراهيم المصلوحي ،باحث في سلك الدكتوراه تخصص المالية العامة ،جامعة ابن طفيل ،كلية العلوم القانونية والسياسية القنيطرة.
إن الصراعات التي نشأت بشأن التوافق على الضريبة وضوابطها بين الحكام والمحكومين، هي التي شكلت سببا مباشرا لظهور وإرساء دعائم الممارسة البرلمانية عبر العالم، مما يجعل اختصاص وضع القواعد الضريبية وتعديلها وإلغائها من الاختصاصات الأصيلة للمؤسسة التشريعية. من هذا المنطلق تعد الضريبية من الموارد الرئيسية لميزانية الدولة كما تنص على ذلك المادة 11من القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13 ،و بالرجوع إلى الوثيقة الدستورية لسنة 2011نجدها تنص في الفصل 39على أنه “على الجميع أن يتحمل كل على قدر استطاعته التكاليف العمومية التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها، وفق الإجراءات المنصوص عليها في الدستور” وفي هذا السياق يترجم الاختصاص التشريعي للبرلمان في كافة المجالات ومنها المجال الضريبي، كما ينص على ذلك الفصل 71من دستور 2011أحد المبادئ الأساسية لممارسة السيادة التشريعية.
بالعودة إلى واقع الممارسة البرلمانية بالمغرب نجد أن الحكومة هي من تأخد مبادرة إقتراح مشاريع قوانين المالية، و يقتصر دور المؤسسة التشريعية في المناقشة والتصويت على مشروع قانون المالية الذي يتضمن الإجراءات والتعديلات التي تهم الضرائب الجاري بها العمل، والذي يؤول لا محالة للأغلبية البرلمانية التي تتشكل منها الحكومة، مما يجعل الإدارة الضريبية من خلال عمل السلطة التنفيذية تتقاسم الاختصاص مع المؤسسة التشريعية، وتحتل موقعا متقدما في التشريع الضريبي.
إن تتبع مسار صناعة القرار الجبائي، يتضح أنه صناعة إدارية بامتياز، لكونه يتمتع بطبيعة تقنية مركبة وفنية معقدة تستدعي الإلمام بميكانيزمات خصوصية القانون الضريبي ،تجعله في غير متناول الجميع من حيث وضعه وصياغته، وفي هذا السياق نستحضر الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة في 12أكتوبر 2018،الذي لخص مشكل الأحزاب في نقص التحليل والابتكار والتفكير، وهي نقائص إن كانت تمس كل المجالات التشريعية الأخرى فهي أكثر في المجال الضريبي، ومن هنا دعا الخطاب الملكي إلى رفع الدعم العمومي للأحزاب السياسية. وقال الملك أمام أعضاء مجلسي البرلمان “إننا حريصون على مواكبة الهيآت السياسية، وتحفيزها على تجديد أساليب عملها، بما يساهم في الرفع من مستوى الأداء الحزبي ومن جودة التشريعات والسياسات العمومية، لذا ندعو للرفع من الدعم العمومي للأحزاب، مع تخصيص جزء منه لفائدة الكفاءات التي توظفها في مجالات التفكير والتحليل والابتكار”
عموما، فالحكومة عبر أجهزتها الإدارية ،سيما مديرية الضرائب هي التي تضطلع بصياغة وإعداد كافة التقارير المرافقة لمشروع قانون المالية وبالخصوص التقرير الخاص بالنفقات الجبائية، كما ينص على ذلك القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13 ،حيث تعد العلبة السوداء التي تتلقى المطالب الضريبية اللوبيات للتأثير في مركزية القرار الجبائي بما يخدم مصالحها، لأنها تكون على دراية مسبقا بأن هذه المرحلة التمهيدية هي التي تضع التوجهات العامة للتوجه الضريبي ،لهذا فإن البرلمان لايملك سلطة أكبر في التأثير في هذا التوجه وينحصر دوره في المناقشة والتصويت، لابد للإشارة في هذا الإطار نجد الغلو في توظيف الفصل 77من الدستور أثناء مناقشة مشروع قانون المالية ،والذي ينص في الفقرة الثانية منه على “للحكومة أن ترفض بعد بيان المقترحات والتعديلات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان، إذاكان قبولها يؤدي إلى تخفيض الموارد العمومية، أو إلى إحداث تكليف موجود” إن هذا الفصل يعتبر بمثابة “فيتو” تستعمله الحكومة في وجه ممثلي الأمة بمجرد الإعلان عن مقترح قد يزيد في تكاليف عمومية أويخفض موارد عمومية”
ومن بين التمظهرات الأخرى التي تعيق عمل المؤسسة التشريعية للتدخل في مناقشة مشروع قانون المالية ،نجد قيدالاجل المخصص للمناقشة والتصويت على مشروع قانون المالية والمتمثل في( 58يوما) مع العلم أنها كانت متمثلة في (70يوما) في دستور 1996،ومن هنا نتساءل هل مدة (58يوما) كافية لتمحيص والنظر في مقتضيات مشروع قانون المالية الذي يكون مرفوقا ب14وثيقة كماتنص على ذلك المادة 48من القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13 ؟
بالعودة إلى عرض الوزير المنتدب المكلف بالميزانية حول تعديل القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13 ،حيث لانجد أي مقتضى متعلق بالحيز الزمني المتعلق بالمناقشة والتصويت على مشروع قانون المالية، مع العلم أنه يتضمن مقترحات مهمة تتعلق بالإصلاح الميزانياتي.
*لائحة المراجع المعتمدة:
*محمد زنون :الأمن القانوني للملزم بأداء الضريبة، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة القاضي عياض ،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش، السنة الجامعية ،2018/2019.
*النصوص القانونية :
*ظهير شريف رقم 1.11.91صادر في 27من شعبان 1432(29يوليو2011)بتنفيذ نص الدستور، منشور بالجريدة الرسمية عدد5964مكرربتاريخ 28شعبان 1432(30يوليو2011)،ص3600.
*القانون التنظيمي رقم 130.13 الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.15.62بتاريخ 14شعبان 1436(2يونيو2015)الجريدة الرسمية عدد6370بتاريخ (18يونيو2015).
*الخطب الملكية:
*الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية العاشرة، 12أكتوبر 2018.