في الواجهةمقالات قانونية

خصوصية السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في تفريد الجزاء في ميدان الشركات

تقديم:

 

أدى ازدياد الشركات والهيئات والجمعيات التي يعترف لها المشرع بالشخصية القانونية، واتساع دائرة نشاطها وتعدد المجالات التي تعمل فيها، إلى ازدياد حالات الخروج عن الأحكام الجزائية سواء الواردة في القوانين الزجرية أو القوانين الخاصة، إذ أصبح مسيروها يخالفون القوانين عن طريق ارتكاب جرائم اقتصادية ومالية بل وحتى الجرائم الماسة بالسلامة الجسدية للأشخاص معرضين بذلك حياتهم للخطر، بغرض تحقيق أكبر قدر من الأرباح ولو على حساب مصلحة الأفراد واستقرار المجتمع.

وأمام كل هذه المخاطر، اضطر المشرع المغربي سيرا على نهج باقي التشريعات خاصة الفرنسية منها، إلى وضع آليات تكون كفيلة لتحقيق الحماية الكافية للمصالح الحيوية للدولة ضد الأشكال الحديثة من الإجرام المرتكبة من قبل الشركات التجارية، بعدما تبين له أن تحميلها المسؤولية المدنية لم يعد كافيا لجبر الأضرار التي تتسبب فيها، وأن الاقتصار على مسائلة الأشخاص الطبيعيين لم يعد مجديا، الأمر الذي تطلب معه ضرورة تمديد هذه المسؤولية إلى الشخص المعنوي.

وهو ما نلمسه من خلال نصوص التجريم والعقاب، والتي حدد فيها المشرع العقوبة على نحو عام ومجرد، على اعتبار أن تفريد العقوبات في العملية التشريعية يقتصر على مجرد التفريق بين عقوبة البالغين والأحداث، أو التمييز في العقاب بين المجرمين العائدين والمبتدئين، لذلك اكتفى المشرع بوضع الحد الأقصى للعقوبة؛ وهو أقصى ما يقدره وفقا لجسامة الفعل المجرم، والحد الأدنى؛ وهو أدنى ما يتصوره من عقاب للجريمة، وفوض للقاضي مهمة وزن العقوبة المناسبة لكل جرم على حدا، وهو ما يمثل السلطة التقديرية للقاضي، الذي يتطلب منه في ضوء الحدود التشريعية تطبيق القانون، فيحدد طبيعة العقوبة، وما إذا كانت عازلة أو تقويمية على أساس طبيعة الشخصية الإجرامية للمجرم طبقا لما تكشف عنها دراسة ظروف كل واقعة، حيث يؤخذ في الاعتبار كافة العوامل الداخلية والخارجية المسببة لإجرامه من ناحية، وقابلية المجرم أو عدم قابليته للإصلاح والتقويم من ناحية أخرى، مستخدما من جهته كافة الوسائل القانونية التي مكنه منها المشرع، مستعملا بذلك سلطته التقديرية في تحديد مدى اقتران الفعل المرتكب بظرف من ظروف التخفيف أو التشديد، بل إن القانون أعطى للقاضي امتيازات هامة لتفريد العقوبة وترشيد العدالة الجنائية تصل إلى درجة أن سمح له بالنزول عن الحد الأدنى القانوني في حالة الظروف المخففة، كما سمح له ضمن شروط معينة أن يأمر بإيقاف تنفيذ العقوبة التي حكم بها على المجرم[1].

وبالتالي فالتفريد لا ينفصل عن المفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية، ويتصل بالتطبيق المباشر لعقوبة فرضها المشرع بصورة مجرده، شأنها في ذلك شأن القواعد القانونية جميعها، وأن إنزالها "بنصها" على الواقعة الإجرامية محل التداعي، ينافي ملاءمتها لكل أحوالها وملابساتها، بما مؤداه أن سلطة تفريد العقوبة هي التي تخرجها من قوالبها الصماء وتردها إلى جزاء يعايش الجريمة.

لم تقف السلطة التقديرية التي مكن المشرع رجل تطبيق القانون منها، عند هذا الحد، بل تعدته إلى ما دون ذلك، إذ أن القاضي تسند إليه مهمة تكييف العمل المخالف للقانون بحسب ما إذا كان مضادا لمصلحة الشركة أو موافقا لها، ذلك بأن الصياغة الفضفاضة لنص المادة 384 من قانون شركة المساهمة أبانت عن كثير من الإشكاليات، ومنها أن المشرع المغربي استخدم عبارة "بسوء نية مع العلم" وعبارة "ضد مصلحة الشركة" ما يفرز إشكالية الحدود التي يمكن الوقوف عندها لتحديد العمل الموافق لمصلحة الشركة، وما المقصود بالمصلحة المضادة للشركة.

 علاوة على ما سبق فإن التساؤل ذاته ينطبق حول مفهوم المصلحة الشخصية ونطاقها، والذي يحتوي بشكل عام على جميع ما يمكن أن يقوم به أعضاء أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير ويتنافى مع مصلحة الشركة، على اعتبار أن كل ما لا يدخل ضمن غرض أو مصلحة الشركة يجب اعتباره من أجل مصلحة شخصية[2]، هذا الغموض أو الثوب المرن والفضفاض لنصوص التجريم سمح للقضاة بتبني سياسة عقابية رادعة مرنة تمكنهم من الوصول إلى الإدانة عن هذه الجريمة[3].

وعليه إن البحث في هذا الموضوع يقودنا إلى طرح الإشكالية التالية: أين تتجلى خصوصية السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في تفريد الجزاء في ميدان الشركات التجارية؟ 

هذه الاشكالية الرئيسية تتفرع عنها مجموعة من التساؤلات حول مفهوم التفريد القضائي للجزاء، وتطبيقاته في ميدان الشركات؟ وحدود السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في تقدير مصلحة الشركة، بين العمل المضاد والموافق لهاته المصلحة؟ وما المقصود بمصلحة الشركة ومضمونها؟.

للإجابة عن هذه التساؤلات سنعمل إلى تقسيم الموضوع إلى مبحثين، سنخصص المبحث الأول للحديث عن التفريد القضائي للجزاء في ميدان الشركات التجارية، فيما سنتناول في المبحث الثاني السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في تقدير مصلحة الشركة.

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول : التفريد القضائي للجزاء في ميدان الشركات التجارية

 

يعتبر التفريد بصفة عامة من المبادئ الحديثة في الميدان الجنائي والعقابي، ومفاده بأن العقوبة ليست ثابتة وقارة أو محددة بصفة قطعية، وإنما تتراوح بين حد أقصى وحد أدنى بحسب ظروف مرتكب الجريمة وملابسات اقتراف الفعل الجرمي وخطورة الجاني على المجتمع، بحيث لم يعد للجريمة الواحدة عقوبة ثابتة ومتساوية بالنسبة لجميع الجناة، بالنظر إلى أن نظام تفريد العقوبة الذي ينبني على التدرج في النوع والمقدار، أضحى أكثر مرونة في اعتماد الملاءمة العقابية، وهذا التفريد قد يكون تشريعيا أو قضائيا أو إداريا[4]. وما يهمنا في هذا الإطار هو نظام التفريد القضائي للعقاب الذي نظم المشرع أحكامه في الفصول من 141 إلى 162 من القانون الجنائي.

 ولعلنا سنحاول من خلال هذا المبحث الوقوف عند التفريد القضائي للجزاء في ميدان الشركات التجارية اعتمادا على السلطة التقديرية للقاضي الجنائي، من خلال تحديد مفهوم التفريد القضائي للجزاء في المطلب الأول، ثم تطبيقات التفريد القضائي للجزاء في ميدان الشركات التجارية في المطلب الثاني.

 

المطلب الأول: مفهوم التفريد القضائي للجزاء

 

يعني التفريد القضائي للجزاء، اختيار القاضي العقوبة المناسبة للمجرم على أساس الخطورة الإجرامية للشخص وجسامة الفعل المرتكب[5]، أو هو الذي يمنح للقاضي الجنائي  مسطرة تقديرية لتقدير نوع العقوبة التي يمكن تطبيقها على الجريمة المعروضة عليه أخذا بعين الاعتبار جسامة الفعل الجرمي المرتكب وظروف وقوع الجريمة وخطورة المجرم نفسه[6]. فرغم جسامة الجريمة الواحدة أيا كان سبب وقوعها، إلا أن المشرع بعد أن يقدر جسامتها في صورة حد أدنى وحد أقصى، يترك للقاضي سلطة الاختيار بين هذين الحدين أو أن ينزل بالعقوبة حتى دون الحد الأدنى حسب جسامة الجريمة وخطورة المجرم. من هذا المنطلق فإن القاضي يلعب دورا هاما في تفريد العقوبة بموجب سلطته التقديرية الواسعة والآليات التي منحها له المشرع.

وتقوم فكرة التفريد القضائي على أساس أن المرحلة الحقيقية لتحقيق التفريد هي مرحلة النطق بالحكم لا مرحلة وضع النص التشريعي الخاص بالجريمة، ويجد هذا التفريد إطاره القانوني من خلال الفصل 141[7] من القانون الجنائي المغربي الذي ينص على أنه: "للقاضي سلطة تقديرية في تحديد العقوبة وتفريدها، في نطاق الحدين الأدنى والأقصى المقررين في القانون المعاقب على الجريمة، مراعيا في ذلك خطورة الجريمة المرتكبة من ناحية، وشخصية المجرم من ناحية أخرى".

المطلب الثاني: تطبيقات التفريد القضائي للجزاء في ميدان الشركات التجارية

 

يتولى القاضي التفريد القضائي للجزاء في ميدان الشركات، وذلك عن طريق اختيار العقوبة المناسبة للفعل المجرم وتطبيقها عليه، في حدود السلطات أو الصلاحيات التي يعترف له بها المشرع في هذا المجال، ومن صور التفريد القضائي أن يترك المشرع للقاضي سلطة اختيار القدر الملائم من العقوبة بين حديها الأدنى والأقصى(الفقرة الأولى)، أو إمكانية النزول بالعقاب درجة أو درجتين وفقا لما تقتضيه ظروف الجريمة، أو تخفيفها أو تشديدها عن طريق استعمال الظروف المخففة أو المشددة، وصورة ذلك أيضاً الحكم بالعقوبة مع إيقاف تنفيذها(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: التفريد القضائي للجزاء في ميدان الشركات بين الحد الأدنى والأقصى للعقوبة

للقاضي سلطات تقديرية عند تفريد العقوبة التي يوقعها على الشركة، إذ يراعي قبل النطق بحكم الإدانة تطبيق ظروف التخفيف على الشركة إذا ما توافرت (أولا)، إلا أنه منع عنه تطبيق ظروف التخفيف في بعض الحالات[8]، والظروف المخففة لم يتم تحديدها من طرف المشرع على خلاف الأعذار القانونية[9] التي تعفي من العقاب أو تخففه والتي جاءت على سبيل الحصر من خلال القانون الجنائي، في حين لم يتعرض لها المشرع بخصوص الشخص المعنوي، كما أجاز له تشديد العقوبة عليها في حالة العود[10] (ثانيا) وله السلطة التقديرية في ذلك.

أولا: بالنسبة للظروف القضائية المخففة

لقد تبنى المشرع المغربي نظام الظروف القضائية المخففة أو ظروف التخفيف التي هي كل الملابسات العينية أو الشخصية، المقترنة بارتكاب الجريمة والتي ترى المحكمة معها ضرورة تخفيض العقوبة عن الحد الأدنى المقرر في القانون[11]، وتسمى ظروف التخفيف أو الظروف القضائية المخففة لأن القاضي[12] هو الذي يقررها إن وجدت في إطار تشخيصه للعقوبة اعتمادا على السلطة التقديرية الممنوحة له، ليجعل الجزاء الجنائي متلائما مع ظروف الجريمة وشخصية المجرم[13]، فينزل بالعقوبة إلى الحد الأدنى أو إلى ما دونه بهدف تحقيق سياسة جنائية عادلة[14]، مما يعني أن المشرع لم يغفل وجود حالات أخرى استثنائية ترتكب معها الجريمة في ظروف خاصة، أو يكون المجرم نفسه محاطا بظروف شخصية ينبغي مع تقديرها، رفع العقوبة عن ذلك الحد الأقصى، أو خفضها عن ذلك الحد الأدنى[15].

وتجد هذه الظروف مستندها القانوني من خلال الفصل 146 [16]من القانون الجنائي المغربي، الذي ينص على أنه: "إذا تبين للمحكمة الزجرية، بعد انتهاء المرافعة في القضية المطروحة عليها، أن الجزاء المقرر للجريمة في القانون قاس بالنسبة لخطورة الأفعال المرتكبة، أو بالنسبة لدرجة إجرام المتهم، فإنها تستطيع أن تمنحه التمتع بظروف التخفيف، إلا إذا وجد نص قانوني يمنع ذلك، ومنح الظروف المخففة موكول إلى تقدير القاضي، مع التزامه بتعليل قراره في هذا الصدد بوجه خاص. وآثار الظروف المخففة شخصية بحتة فلا تخفف العقوبة إلا فيما يخص المحكوم عليه الذي منح التمتع بها، ومنح الظروف المخففة ينتج عنه تخفيف العقوبات المطبقة".

وبالتالي فالقاضي الجنائي يملك سلطة تقديرية واسعة بهذا الصدد، بحيث يمكنه شريطة التعليل، منح ظروف التخفيف في كافة أنواع الجرائم، بحسب ما يرى ملاءمتها و الملابسات العينية والشخصية المقترنة بارتكاب الجريمة، ما لم يوجد نص قانوني خاص يمنع منح هذه الظروف.

هذا فيما يخص القسم العام، أما فيما يخص القسم الخاص المتعلق بالشركات التجارية، نجد المادة 377 من قانون 17.95 تطابق المادة 103 من قانون 5.96، حيث يصرحان بما يلي: " خلافا لمقتضيات الفصول 55 و 149[17] و 150 من القانون الجنائي، لا يمكن النزول عن الحد الأدنى للغرامات المقررة في هذا القانون ولا يمكن الأمر بإيقاف التنفيذ إلا فيما يخص العقوبات الحبسية"[18].

مما يعني بالتالي أن المشرع قد أجاز بإفادة الشخص المعنوي بالظروف المخففة بالنسبة لجرائم الشركات، كما هو الحال بالنسبة لباقي الجرائم، وبالتالي فهو منح سلطة تقديرية للقاضي حتى في هذا المجال، إلا أنه جعل من هذه السلطة التقديرية مقيدة بنص المادتين 377 من قانون 17.95 و 103 من قانون 5.96، بحيث جاءتا بمقتضيات خاصة بجرائم الشركات، حيادا على نصوص القانون الجنائي، إذ لا يمكن النزول عن الحد الأدنى للغرامات، كما لا يمكن تصور صدور أمر بإيقاف تنفيذ العقوبة إلا فيما يخص العقوبات الحبسية.

وبالرجوع إلى الفصل 55 من القانون الجنائي، نجده يصرح أنه: "في حالة الحكم بعقوبة الحبس أو الغرامة في غير مواد المخالفات إذا لم يكن قد سبق الحكم على المتهم بالحبس من أجل جناية أو جنحة، يجوز للمحكمة أن تأمر بإيقاف تنفيذ تلك العقوبة على أن تعلل ذلك".

وهذا الفصل تم استبعاده من التطبيق بموجب المواد أعلاه، على اعتبار أنه يجيز للمحكمة أن تأمر بإيقاف تنفيذ العقوبة سواء كانت حبسا أو غرامة، في حين أن المادتين 377 و 103 من القانون الجنائي للشركات التجارية، لا تجيزان الأمر بإيقاف التنفيذ إلا فيما يخص العقوبة الحبسية، أما الغرامة فلا يمكن للمحكمة أن تأمر بإيقاف تنفيذها.

أيضا لا يمكن تصور تطبيق الفصل 149 على قانون الشركات على اعتبار أنه إذا كان بالإمكان تصور الحكم بالغرامة مقرونة بالحبس أو الحكم بالغرامة منفردة، فإن قانون الشركات لا يضم أي مقتضى يحكم القاضي بموجبه بالعقوبة الحبسية منفردة. كما أن الحد الأدنى المقرر للغرامة في قوانين الشركات هو 1000 درهم وبالتالي لا يمكن النزول عنه إلى ما دون ذلك.

لكن يلاحظ أن واضع مسودة مشروع القانون الجنائي (صيغة 31 مارس 2015) حاول تجاوز هذا الأمر فيما يخص الحد الأدنى للغرامة بحيث جعله محددا في 1000 درهم ليتساوى بذلك الحد الأدنى المقرر للغرامة في القسم العام والخاص، غير أنه وبالرغم من هذا التعديل إلا أن هذا الفصل لا يمكن تطبيقه في مجال الشركات، على اعتبار أنه حافظ على نفس المقتضى الذي يخير القاضي بين الحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين[19].

أما الفصل 150[20] من القانون الجنائي فإنه يصرح بـأنه: "في الجنح الضبطية، بما في ذلك حالة العود، يستطيع القاضي في غير الأحوال التي ينص فيها القانون على خلاف ذلك، إذا ثبت لديه توفر الظروف المخففة، وكانت العقوبة المقررة هي الحبس أو الغرامة، أو إحدى هاتين العقوبتين فقط، أن ينزل بالعقوبة عن الحد الأدنى المقرر في القانون دون أن ينقص الحبس عن 6 أيام والغرامة عن 12 درهما.

ويجوز له أيضا أن يحكم بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كما يجوز له أن يحكم بالغرامة عوضا عن الحبس على أن لا تقل الغرامة في أي حال عن الحد الأدنى المقرر في المخالفات، وفي حالة الحكم بالغرامة عوضا عن الحبس إذا كانت العقوبة المقررة في القانون هي الحبس وحده فإن الحد الأقصى لهذه الغرامة يمكن أن يصل إلى 5000 درهم".

هذا الفصل أيضا لا مجال لتطبيقه في قانون الشركات بموجب النص الصريح للمادتين 377 و 103، ذلك لأنه:

  1. سمح بالنزول بالعقوبة عن الحد الأدنى المقرر قانونا بشرط أن لا ينقص عن 12 درهما فيما يخص الغرامة، في حين لا يمكن النزول في إطار قانون الشركات عن الحد الأدنى للغرامات المقررة في قانوني 17.95 و 5.96 حسب الحالة وهو 1000[21] درهم، ويبقى صالحا في ظله القول بإمكانية النزول بالعقوبة الحبسية عن الحد الأدنى المقرر قانونا في حدود سقف 6 أيام الواردة في الفصل 150 من القانون الجنائي لغياب المقتضى المخالف[22].
  2. كما أن حالة اختيار القاضي الحكم بالغرامة عوض الحبس في سقف الحد الأدنى المقرر في المخالفات، لا يستقيم والقانون الجنائي للشركات التجارية، إذ لا يمكن النزول في إطاره عن الحد الأدنى للغرامات المقررة ضمنه[23].
  3. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن تطبيق هذه المادة على قانون الشركات، لأن هذا الأخير لا يضم عقوبات حبسية[24] منفردة غير مقترنة بالغرامات[25]، فبتصفح المقتضيات الزجرية لقانون شركات المساهمة، نلاحظ أن المخالفات المنظمة في هذا القانون يعاقب عنها المشرع إما بعقوبات سالبة للحرية إلى جانب الغرامة أو إحداهما، وإما بعقوبة الغرامة فقط[26].

بقي فقط أن نشير إلى أن واضع مسودة مشروع القانون الجنائي قام بإضافة المادة  151-1 إلى هذا القانون، والتي تنص على أنه : "يمكن تمتيع الشخص الاعتباري، الذي لم يسبق أن ارتكب جريمة، بالظروف القضائية المخففة، وعندئذ تخفض عقوبة الغرامة المطبقة عليه، دون أن تنزل عن نصف الحد الأدنى المقرر قانونا".

وبالتالي سمحت هذه المادة بمنح الظروف القضائية المخففة للشخص المعنوي، وذلك بتخفيض عقوبة الغرامة المطبقة عليه، شريطة أن لا يكون قد سبق وارتكب جريمة، لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن في هذا الإطار هو في حالة خروج هذا القانون إلى حيز الوجود، هل يمكن تصور تطبيقه على الشركات التجارية، على اعتبار أن منطوقه يتعارض وأحكام المواد 377 و 103 من قوانين الشركات، وعلى الخصوص في شقه المتعلق بالنزول عن نصف الحد الأدنى للغرامة، في حين تنص المادتان السالفتين على عدم إمكانية النزول عن الحد الأدنى للغرامة.

هكذا يتبين من خلال النظام العقابي المتمثل في إقرار حدين للعقوبة الحبسية أو الغرامة، حد أدنى وحد أقصى أو الحكم بأحد العقوبتين أي إما بالحبس أو الغرامة، مع عدم إمكانية النزول عن الحد الأدنى للغرامات المقررة في قوانين الشركات ومنع الأمر بإيقاف التنفيذ إلا فيما يخص العقوبات الحبسية، كما أن آثار الظروف المخففة تبقى شخصية بحتة لا يستفيد منها إلا المحكوم عليه الذي منح التمتع بها، فهذا النظام بحد ذاته، يعتبر بمثابة التخفيف من الطابع الزجري، بحيث يترك للقضاء الزجري السلطة التقديرية بين الحدين، أو الحكم بإحدى العقوبتين، بينما التشريع الفرنسي لم يترك هذه الإمكانية، وأقر العقوبة في حد واحد، سواء كانت حبسية أو غرامة، بل وأكثر من ذلك عمل على الجمع بين الحبس والغرامة في الجريمة الواحدة[27].

 

ثانيا: بالنسبة للأسباب المشددة للعقوبة

في مقابل هذا التخفيف، هناك شروط وحالات أخرى إذا توافرت تكون سببا في تشديد العقوبات ورفعها، وهي جملة من الأسباب المستمدة من محيط الجريمة من حيث خطورتها، وأسباب ارتكابها وشخصية المجرم. فهذه الأسباب المشددة تندرج في إنتاج آثارها حسب طبيعتها القانونية التي تنذر بتصاعد الضرر الناتج عن الجريمة، الأمر الذي يؤثر سلبا ويؤدي إلى زعزعة أمن واستقرار المجتمع، وتتمثل في أسباب حددها المشرع على سبيل الحصر، وتتعلق بظروف معينة متى وجد نوعا منها شددت العقوبات وازدادت عن الحد الأقصى المحدد قانونا، هذه الظروف تكون أثناء ارتكاب الجريمة أي متزامنة معها ومنتجة لآثارها[28]، ولا يمكن للمحكمة أن تعتبر أي ظرف عيني أو شخصي ظرفا مشددا إذا لم يعتبره القانون كذلك وينص عليه[29]، وقد نص عليه الفصل 152 من القانون الجنائي الذي جاء فيه: "تشديد العقوبة المقررة في القانون، بالنسبة لبعض الجرائم، ينتج عنه ظروف متعلقة بارتكاب الجريمة أو بإجرام المتهم"، وكذلك الفصل 153 من القانون الجنائي الذي جاء فيه: "يحدد القانون ظروف التشديد المتعلقة بجنايات أو جنح معينة".

وتجدر الإشارة إلى أن الأصل في تنفيذ العقوبة في ميدان الشركات كان هو التشديد، بحيث يتم تطبيق العقوبة الأشد في حالة توافر عقوبتين لنفس الفعل الجرمي منصوص على إحداها في قانون الشركات في حين توجد الأخرى في القانون الجنائي، وهذا ما كانت تنص عليه المادة 376 من قانون 17.95 التي جاء فيها: " لا تطبق الأحكام الجنائية المنصوص عليها في هذا القانون إلا إذا كانت الأفعال المعاقبة بمقتضاه لا تقبل تكييفا جنائيا أشد، حسب أحكام القانون الجنائي".

وهذا يعني أن الأولوية كانت تعطى للنص العام الذي يعتبر هو الأصل، في حين قوانين الشركات كانت تعد بمثابة استثناء على القاعدة، بحيث لا تطبق إلا إذا لم يوجد نص عام على الاطلاق، أو وجد ولكنه لا يعطي تكييفا أشد، وقد استجاب مشرع قانون 20.05 إلى الضغط المتواصل الذي كانت تمارسة فئات رجال الأعمال، بحيث قام سنة 2008 بإلغاء هذا الفصل ونسخه، بموجب المادة الرابعة[30].

وهناك سببين لتشديد العقوبة، يتجسد الأول في الظروف القضائية المشددة، في حين يتمثل الثاني في ظرف العود.

  1. الظروف القضائية المشددة:

تنقسم هذه الظروف إلى نوعين هناك ظروف التشديد العينية أو المادية،والظروف الشخصية.

 

 

  • ظروف التشديد العينية أو المادية:

تتمثل هذه الظروف في الملابسات المحيطة بالجريمة، كواقعة من حيث كيفية ارتكابها، وزمن ومكان اقترافها، وبالتالي فإنها تنصب على خطورة الأفعال الإجرامية المرتكبة بحسب الأحوال والظروف، وينصرف أثرها ليس إلى الفاعل الأصلي فقط، بل تطال أيضا المساهمين والمشاركين معه في الجريمة حتى وإن لم يكونوا على علم بتوفر هذه الظروف[31].

وبالعودة إلى القانون الجنائي للشركات نجد على سبيل المثال المادة 378[32] من قانون 17.95 المتمم والمغير بموجب القانون رقم 20.05 تصرح بأنه: "يمكن فضلا عن الغرامة، الحكم بعقوبة الحبس لمدة تتراوح بين شهر وستة أشهر إذا تعلق الأمر بشركة مساهمة تدعو الجمهور إلى الاكتتاب"

مما يعني أن ارتكاب الجريمة في ظل شركات مساهمة تدعو الجمهور إلى الاكتتاب يعتبر ظرفا عينيا مشددا، الأمر الذي يتيح للقاضي في هذا الصدد وإعمالا لسلطته التقديرية أن ينطق بالعقوبة المتلائمة مع اقتران الفعل بظرف من ظروف التشديد.

  • ظروف التشديد المتعلقة بشخصية المجرم:

وتسمى كذلك بظروف التشديد الشخصية التي تعود إلى أسباب راجعة إلى شخصية المجرم، وهناك أمثلة كثيرة في القانون الجنائي تبين حالات تشديد العقوبة كلما اقترنت بظرف نابع من شخصية الفاعل[33].

ولابد من الإشارة إلى أن المشرع المغربي تعامل مع ظروف التشديد الشخصية بشيء من الحرص بالنظر إلى الآثار التي ترتبها، كما يتضح من المؤشرات التالية:

  • لا تنتج الظروف المشددة الشخصية أثرها إلا لمن توفرت فيه شخصيا دون غيره من المساهمين والمشاركين (الفصل 130 من القانون الجنائي).
  • تنظيم الظروف المشددة بمقتضى القانون الذي يبقى له وحده الحق في تحديدها وتقريرها (الفصل 153 من القانون الجنائي).
  • إذا كان القانون هو المحدد والمشترط لظروف التشديد، فإن ذلك يعني عدم القياس عليها وتوسيعها لتشمل حالات أخرى غير منصوص على تشديد عقوبتها[34].

ومن أمثلة ظروف التشديد الشخصية ما ورد في المادتين 397[35] و 418 من قانون 17.95 بحيث تنص المادة 418 على أنه: "عند ارتكاب أحد المخالفات المنصوص عليها في البند الأول والثاني من المادة[36] 413 والمواد 415 إلى 417 مع استعمال الغش قصد حرمان حاملي سندات القرض أو بعض منهم من حصة من الحقوق المرتبطة بسندات دينهم، يمكن أن ترفع الغرامة إلى 120.000 درهم، كما يمكن بالاضافة إلى ذلك، الحكم بالحبس لمدة تتراوح بين ستة أشهر وسنتين".

فالظرف المشدد هنا يرتبط بتوافر قصد جنائي يتمثل في اتجاه إرادة الجاني إلى تحقيق الفعل الجرمي وهو عالما ومدركا لعناصره وهو الذي يبرز في عبارة "مع استعمال الغش" ، بالإضافة إلى قصد خاص يتمثل في "الرغبة في حرمان حاملي سندات القرض أو بعضا منهم من حصة من الحقوق المرتبطة بسندات دينهم"

وبالتالي، فمتى توفر هذا القصد الذي يعتبر ظرف تشديد، أمكن للقاضي أن يرفع الغرامة إلى 120.000 درهم، كما يمكن له بالاضافة إلى ذلك الحكم بالحبس لمدة تتراوح بين ستة أشهر وسنتين.

  1. ظرف العود

يقصد بالعود حسب الفصل 154 من القانون الجنائي معاودة المجرم ارتكاب الجريمة وإتيانها بعد صدور حكم نهائي ضده في جريمة سابقة[37]، ويعتبر العود ظرف تشديد تضاعف معه العقوبات المنصوص عليها في قانون الشركات حسب ما جاءت به المادة 375 من قانون 17.95 التي تطابق المادة 101 من قانون 05.96.

وتكمن فلسفة العود في تشديد العقوبة برفع قدرها في حق المجرم المرتكب للجرائم في حالة عود، حيث أن هذا الأخير لم يتم زجره عن طريق الإيلام الذي لحقه جراء العقوبة المقررة في حقه سواء نفذت في حقه أو كانت موقوفة التنفيذ، أو لم تنفذ مما اتضح معه خطورته الإجرامية وتتصاعد حدتها، مما يتطلب الزيادة في جرعات العقاب للوصول إلى غاية المشرع بتحقيق الردع ليكف الجاني عن معاودة اقترافه الأفعال الإجرامية المنحرفة[38].

وحالة العود من ناحية التكييف القانوني، لا تعدوا أن تكون أحد ظروف التشديد الشخصية، لكن القانون الجنائي تعرض لها بصورة مستقلة في الفصول من 154 إلى 160 وخصها ببعض الأحكام التي لا تطبق على ظروف التشديد[39].

هذا فيما يخص القسم العام المتعلق بالقانون الجنائي، لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن في هذا الإطار هو هل يمكن تصور تطبيق الفصول 156[40] و 157[41] من القانون الجنائي على الجرائم المتعلقة بالشركات؟ أم أن ما هو وارد في قوانين الشركات يتضمن تكييفا مغايرا يختلف وما جاءت به فصول القانون الجنائي؟

ما يمكن ملاحظته في هذا الإطار وما يمكن استنتاجه من المقارنة بين المادة 375 من قانون 17.95 المطابقة للمادة 101 من القانون 5.96 بعد التغيير والتتميم الذي أدخل عليها بموجب قانون رقم 20.05 وكذا بين نفس المواد قبل ذلك[42]، أن تحديد مفهوم العود كان غير متسق وتحديده في القسم العام.

إذ أن هذه المواد كانت متشددة فيما يخص حالة العود المتعلق بجرائم الشركات، بحيث كان يتخذ شكل العود العام[43]، والعود المؤبد[44]، لكن بعد التغيير الذي طرأ على المادة 375 بموجب القانون رقم 20.05 القاضي بتتميم وتغيير القانون رقم 17.95، والمادة 101 من قانون 5.96 بعد تغييرها بموجب القانون رقم 21.05 أصبحت تنص على ما يلي: "يعتبر في حالة عود في مفهوم هذا القانون من يرتكب جريمة بعد أن يكون قد حكم عليه بالحبس من أجل جريمة مماثلة قبل مضي خمس سنوات من تمام تنفيذ العقوبة أو تقادمها، وذلك خلافا للفصلين 156 و 157 من القانون الجنائي"

ليتحول بذلك شكل العود من عود عام إلى عود خاص من خلال تغيير مصطلح "جريمة سابقة" ب "جريمة مماثلة"[45]، ومن عود دائم إلى عود مؤقت من خلال تحديد المدة الفاصلة بين ارتكاب الفعلين المجرمين والمحددة في خمس سنوات، بما يتسق ومقتضيات القانون الجنائي العام، ويكرس مبدأ التراجع عن الزجر في مجال شركات المساهمة على اعتبار أن حالة العود تفضي إلى ضعف العقوبة.

  • شروط تحقق العود في مجال الشركات:

بالاضافة إلى ما تقدم، نشير هنا إلى أن شروط تحقق العود في ظل قوانين الشركات التجارية، هي ما يبرز بشكل كبير خصوصية مفهوم العود في ظل هذه القوانين، ووجوه حياده عن الفصلين 156 و 157 من القانون الجنائي، وتتمثل هذه الشروط حسب المادتين 375 من قانون 17.95 و المادة 101 من قانون 5.956 في:

  1. صدور حكم حائز لقوة الشيء المقضي به من أجل جريمة سابقة: مما يعني أنه لكي يكيف الفعل على أساس أنه يتعلق بحالة عود يشترط، أن يرتكب الفاعل الجريمة بعد أن يكون قد حكم عليه بحكم حائز لقوة الشيء المقضي به من أجل جريمة سابقة، وذلك خلافا للفصلين 156 و 157 من القانون الجنائي، هذين الفصلين من القانون الجنائي حتى مع استلزامهما لأن يكون الحكم الصادر حائزا  لقوة الشيء المقضي به[46]، إلا أن الفصل 156 عبر بلفظ جناية، وعبر الفصل 157 بلفظ جنحة في حين جاء الفصلين 377 و 101 مطلقين فعبرا عن الجريمة السابقة بلفظ الجريمة.
  2. أم يكون هذا الحكم السابق قاضيا بعقوبة:

وبالتالي، فالتدابير الوقائية أو أي شكل آخر من الجزاءات المدنية لا يسمح بالقول بتحقق الجريمة السابقة، هذا وقد اشترط الفصلين 156[47] و 157 في العقوبة أن تكون حبسية(وقد حاول واضع مشروع مسودة القانون الجنائي تدارك هذا الأمر باشتراطه في المادة 157 أن تكون العقوبة هي إما الحبس والغرامة أو بإحداهما)، في حين أن المادتين 375 من قانون 17.95 و 101 من قانون 5.96 جعلتا العود قائما حتى ولو كانت العقوبة حبسا أو غرامة أو هما معا.

  1. أن ترتكب جريمة جديدة مماثلة قبل مضي خمس سنوات من تمام تنفيذ عقوبة الجريمة الأولى أو تقادمها:

هذه الجريمة الأولى في ظل الفصل 156، يجب أن تتخذ وصف الجناية، وأن تكون معاقبة بالحبس، ولم يشترط المشرع من خلال هذا الفصل أن تكون الجريمة الثانية مماثلة للجريمة الأولى، بل يكفي أن تتخذ شكل جناية أو جنحة معاقب عليها بعقوبة حبسية، ويلاحظ من خلال الاطلاع على مسودة مشروع القانون الجنائي، أن هذه المادة حافظت على نفس وصف الجريمة الأولى أي جناية معاقب عليها بعقوبة جنحية سالبة للحرية، في حين اقتصرت بالنسبة للجريمة الثانية على وصف الجنحة المعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية.

أما الفصل 157 فقد اشترط سواء في الجريمة الأولى أو الثانية أن تتخذ شكل جنحة، لكن أن تماثل اللاحقة الجريمة السابقة، وقد أضاف واضع مشروع مسودة القانون الجنائي في الجريمة الثانية شرط أن تتخذ وصف نفس الجنحة أو جنحة مماثلة.

هكذا وانطلاقا من التحليل الذي قمنا به إبان دراسة حالة العود في مجال الشركات التجارية، تبين لنا بأن العقوبة المقررة في حالة تحقق العود، هي مضاعفة العقوبة، وذلك لنص المادتين 375 و 101 والذي جاء صريحا، وحيادا عن الفصول 156 و 157 من القانون الجنائي اللذان يقرران لحالة العود إما الحكم بالحد الأقصى للعقوبة المقررة، أو مضاعفتها (ف 156 ق.ج) أو الحكم بعقوبة الحبس الذي لا يتجاوز ضعف الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانونا للجنحة الثانية (ف 157 ق.ج).

غير أنه وبالاطلاع على بعض المقتضيات الزجرية الواردة في نصوص خاصة متعلقة هي الأخرى بمجال الأعمال، نجد وجود اختلاف في العقوبة التي يقررها المشرع لحالة العود، سنتطرق من أجل توضيح ذلك إلى مجال الملكية الصناعية كمثال على هذا الاختلاف في تفريد العقوبة.

  •  عقوبات حالة العود في مجال الملكية الصناعية:

تجد جرائم الشركات مستندا لها بشكل واضح في مجال الملكية الصناعية من خلال حقوق براءة الاختراع التي تعتبر حقا يقرره المشرع المغربي للمخترع على اختراعه، يخول له احتكار استثماره نظرا لما بدله من جهد ومال للوصول إليه، وقد تكتسب الشركة براءة الاختراع في إحدى الحالتين: – إما أن تكون الشركة مالكة للبراءة إذا قدمها أحد الشركاء كحصة في الشركة[48]، أو قد تكون ملكا بعد اختراع من طرف الشركة[49].

ولقد قرر المشرع المغربي حماية جنائية لبراءة الاختراع من خلال قانون حماية الملكية الصناعية رقم 17.97، ووضع مقتضيات زجرية تتماشى والمقتضيات الواردة في قوانين الشركات، وفيما يخص حالة العود التي نحن بصدد دراستها، نجد مجموعة من المواد تقرر ضعف العقوبة، نذكر على سبيل المثال المادة 213[50]،  وكذلك المادة 221 من نفس القانون[51].

مما يعني أن المشرع حافظ على نفس العقوبة المنصوص عليها في قوانين الشركات بالنسبة لنفس ظرف التشديد، مع توافر نفس الشروط للقول بقيام حالة العود.

لكن أحيانا أخرى نجد أن المشرع غاير من العقوبة المنصوص عليها في قوانين الشركات بالنسبة لحالة العود، ويتعلق الأمر ب المادة 216 من قانون 17.97 المتعلق بالملكية الصناعية كما تم تعديله وتتميمه بموجب القانون رقم 23.13، والتي تنص على أنه "يعاقب بغرامة من 50.000 إلى 500.000درهم دون إخلال بالعقوبات المنصوص عليها في القوانين الخاصة، كل من قدم إما بخطب أو محاضرات في الأماكن والاجتماعات العامة، وإما بمحررات أو مطبوعات مبيعة وموزعة أو معروضة للبيع، أو معروضة في الأماكن والاجتماعات العامة وإما في لوحات إعلانية أو ملصقات معروضة للجمهور، أية معلومات أو بيانات أو أوصاف ما تتعلق ببراءة اختراع أو تصاميم تشكل الدوائر المندمجة تم إيداع طلبها من لدنهم أو من لدن الغير ولكنها لم تسلم بعد، وفي حالة العود يحكم زيادة على الغرامة بالحبس من 3 أشهر إلى سنتين".

وبالتالي فالمشرع هنا لم ينص على ضعف العقوبة بل حافظ على نفس قيمة الغرامة مع إضافة الحبس في حالة العود.

 

 

الفقرة الثانية: إيقاف تنفيذ العقوبة في ميدان الشركات

وقف تنفيذ العقوبة هو نظام يجوز للقاضي بمقتضاه إصدار الحكم بإدانة المتهم مع الأمر في هذا الحكم بإيقاف تنفيذ العقوبة لمدة محددة قانونا، فإذا سلك المحكوم عليه سلوكا قويما ولم يصدر ضده خلال تلك المدة حكم آخر بعقوبة من نوع معين عن جريمة أخرى، سقط الحكم واعتبر كأن لم يكن، وإلا فإن الحكم المشمول بالإيقاف يلغى وتنفذ العقوبة فضلا عن ما يحكم به من عقوبات أخرى جزاء للجريمة الجديدة[52]، ووقف التنفيذ يعتبر أحد الدعائم الأساسية للنظام الجزائي الحالي، وعلامة كبرى على مدى ما يتمتع به القاضي من صلاحيات في تفريد العقاب، وإيقاف التنفيذ من اختصاص القاضي إذا توافرات شروط معينة[53].

ويستند المشرع في تقرير نظام وقف العقوبة إلى مبررات عديدة يجمع بينها على اختلافها، تحقيق مصلحة للمجتمع تتجاوز قيمتها توقيع العقاب على الجاني، ومن هذه المبررات بالنسبة للشخص المعنوي، أن وقف تنفيذ العقوبة قد يكون مؤداه حمايته من الشلل التام أو العجز عن مباشرة أنشطته في بعض الحالات، ذلك أن تنفيذ بعض العقوبات مثل الغرامة الجسيمة والإغلاق المؤقت والدائم وحضر مزاولة النشاط وغيرها، قد يضعفه اقتصاديا أو يخفض أو يعدم حجم قدرته على النشاط، مما يحرم المجتمع من الأنشطة أو السلع والخدمات التي كان يقدمها للجمهور، فيكون وقف التنفيذ مانعا من ذلك ومحققا مصلحة كبرى للمجتمع[54].

ولقد نص المشرع المغربي على إمكانية وقف العقوبة المحكوم بها في الفصل 55[55] من القانون الجنائي بقوله: "في حالة الحكم بعقوبة الحبس أو الغرامة في غير مواد المخالفات إذا لم يكن قد سبق الحكم على المتهم بالحبس من أجل جناية أو جنحة، يجوز للمحكمة أن تأمر بإيقاف تنفيذ تلك العقوبة على أن تعلل ذلك".

وما يلاحظ من خلال الاطلاع على مسودة مشروع القانون الجنائي، أن واضع المسودة ومن أجل الاستفادة من وقف العقوبة قد أضاف شرط عدم سبق الحكم على المتهم من أجل جناية أو جنحة خلال السنوات الخمس السابقة لارتكاب الجريمة المتابع من أجلها.

غير أن هذا الفصل لا يستقيم ومجال جرائم الشركات على اعتبار أن هذه الأخيرة محكومة بما ورد في المادة 377 من قانون 17.95 التي تطابق المادة 103 من قانون 5.96، حيث يصرحان بما يلي:       " خلافا لمقتضيات الفصول 55 و 149 و 150 من القانون الجنائي، لا يمكن النزول عن الحد الأدنى للغرامات المقررة في هذا القانون ولا يمكن الأمر بإيقاف التنفيذ إلا فيما يخص العقوبات الحبسية".

وبالتالي فإن وقف التنفيذ لا يمكن أن يتصور إلا في العقوبات الحبسية دون الأنواع الأخرى من العقوبات، وبهذا يكون المشرع قد قيد من السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في ميدان الشركات، بحيث لم يسمح له بإيقاف التنفيذ في عقوبة الغرامة كما هو الحال بالنسبة لباقي الجرائم، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن هذا يدل على مدى التخفيف من الطابع الزجري، ذلك أنه لو تمت محاكمة المسيرين على الجرائم التي اقترفوها، فإن المشرع أعطى إمكانية للقاضي بإيقاف التنفيذ إذا كانت العقوبة المتخذة ضدهم عقوبة حبسية[56].

هذا ويلاحظ أن المشرع الفرنسي قد توسع في نطاق وقف تنفيذ العقوبة من حيث نوعية الجرائم، حيث أجاز وقف التنفيذ بالنسبة للجنايات والجنح والمخالفات[57].

أولاشروط وقف التنفيذ في ميدان الشركات:

  • وقف التنفيذ على خلاف ما هو وارد في الفصل 55 من القانون الجنائي، الذي يجيز للمحكمة أن تأمر بإيقاف تنفيذ العقوبة سواء كانت حبسا أو غرامة، لا يطبق في ميدان الشركات إلا على العقوبة الحبسية[58]، حسب المادتين 377 و 103 من القانون الجنائي للشركات التجارية.

نشير في هذا الإطار إلى أن مسودة مشروع القانون الجنائي قد جاءت بمقتضى جديد خاص بالأشخاص الاعتبارية، ويتعلق الأمر هنا بالمادة 55-1 التي جاء فيها: "في حالة الحكم على الشخص الاعتباري بغرامة، إذا لم يكن قد سبق الحكم عليه من أجل جناية أو جنحة، يجوز للمحكمة أن تأمر بإيقاف تنفيذ تلك العقوبة، دون أن تنزل عن نصف الغرامة المحكوم بها، على أن تعلل ذلك". غير أنه من الواضح أن هذا الفصل هو الآخر سيتم استبعاده من التطبيق في مجال الشركات، بحيث يجيز وقف تنفيذ الغرامة خلافا لمقتضيات المواد أعلاه.

  • وقف التنفيذ لا يكون ممكنا إلا بالنسبة للمجرمين الذين لم تسبق لهم الإدانة بالحبس من أجل جناية أو جنحة عادية، فإن كان قد حكم عليه من أجل جناية أو جنحة عسكرية، فإن هذا لا يضع عرقلة في سبيل منح وقف التنفيذ، ومجرم الصدفة أو المبتدئ هو الذي أريد تمييزه بهذا النظام لأنه يعتقد بأن الضغط النفسي عن طريق التهديد بالعقاب سوف يمنعه من السقوط في الإجرام ثانية، وهذا زيادة على أن مرور خمس سنوات بدون ارتكاب جريمة يظهر بأن الحالة الخطرة لهذا الشخص قد اختفت وتكون علامة على الثقة بقدرته على تقويم نفسه[59].

ومن ثم فإنه جدير بالذكر أن توافر الشروط السابقة لا يجعل القاضي ملزما بالقضاء بوقف تنفيذ العقوبة، فذلك الإيقاف قد تقرر بصورة جوازية وليست وجوبية، فالمحكمة تتمتع من ثم بسلطة تقديرية بشأن القضاء به من عدمه، وعلى ذلك يجوز للقاضي دون تثريب عليه، عدم الحكم به رغم توافر شروطه[60].

ثانيامدة إيقاف التنفيذ وآثاره:

  1. مدة إيقاف التنفيذ:

حدد المشرع الفرنسي مدة معينة تعرف بمدة التجربة أو مدة الإيقاف، وينبغي على الشخص المعنوي خلال تلك المدة أن يلتزم السلوك القويم وعدم مخالفة القانون، تلك المدة هي خمس سنوات بالنسبة للأحكام الموقوف تنفيذها، الصادرة في الجنايات والجنح، ومدة سنتين بالنسبة للأحكام الصادرة في المخالفات، ويبدأ احتسابها من تاريخ صيرورة الحكم نهائيا، فإذا انقضت تلك المدة دون ارتكاب الشخص المعنوي خلالها جرائم معينة، ترتب عن الإيقاف الأثر القانوني من اعتبار الحكم الموقوف تنفيذه كأن لم يكن، إذ يزول الحكم وتنقضي معه آثاره الجنائية[61].

كما حددها المشرع المغربي مثل نظيره الفرنسي في خمس سنوات[62] طبقا للفصل 56 من القانون الجنائي، وهذا الوقف يقضي على الجريمة ويعتبرها كأن لم تكن إذا لم يرتكب المحكوم عليه جريمة أخرى خلال هذه المدة، والهدف من هذا النظام هو الحيلولة بين المجرمين والسجن، كما أنه لا يطبق إلا في عقوبة الحبس، والإعفاء من تنفيذ العقوبة لا يكون نافذا بمجرد النطق به في الحكم وإنما يكون مرتبطا بحسن سيرة المحكوم عليه خلال المدة السابقة، الأمر الذي من شأنه أن يرجع المجرم إلى الحياة العادية، وإلى المحافظة على مصالح المجتمع[63].

  1. آثار وقف التنفيذ:

تعرض لهذه الآثار الفصل 56 من القانون الجنائي بقوله: "يصبح الحكم بإيقاف التنفيذ كأن لم يكن بعد مضي 5 سنوات من اليوم الذي سار فيه الحكم حائزا لقوة الشيء المحكوم به، وإذا لم يرتكب المحكوم عليه خلال تلك الفترة جناية أو جنحة عادية، حكم عليه من أجلها بالحبس أو بعقوبة أشد، وبعكس ذلك إذا ارتكب جناية أو جنحة خلال 5 سنوات المنصوص عليها في الفقرة السابقة، فإن الحكم بالحبس أو بعقوبة أشد بسبب تلك الجناية أو الجنحة، ولو صدر الحكم بعد انصرام الأجل المذكور يترتب عنه بقوة القانون عندما يصير نهائيا إلغاء تنفيذ الحكم، وتنفذ العقوبة الأولى قبل الثانية دون إدماج"

من خلال هذا الفصل يفهم على أن وقف التنفيذ يكون مشروطا بأن لا يتعرض المحكوم عليه إلى إدانة جديدة داخل 5 سنوات من أجل جناية أو جنحة عادية[64]، وفي حالة عدم احترام هذه الشروط فإن وقف التنفيذ يصبح لاغيا، ويؤكد الإدانة السابقة أو الموقوفة، ويجب على المحكوم عليه إذ ذاك أن ينفذ العقوبة السابقة، فإذا تعلقت بالحبس وجب تنفيذها قبل تنفيذ عقوبة جديدة، وذلك بدون إدماج هذه العقوبات، أما إذا انقضت فترة التجريب دون ارتكاب جريمة أخرى، فإن الإعفاء يكون نهائيا فتصبح الإدانة كأن لم تكن، ويترتب عن هذا الإعفاء أو المحو عدم التسجيل في السجل العدلي، ومحو الآثار الجزائية الأخرى، كانعدام الأهلية والعقوبة الإضافية، وعلى العكس من هذا وحسب الفصل 93 من القانون الجنائي، فإن وقف التنفيذ لا أثر له على التدابير الوقائية[65].

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثاني: السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في تقدير مصلحة الشركة

 

لم يعرف المشرع لا المغربي ولا الفرنسي[66] مصلحة الشركة[67]، ونظرا للأهمية التي تحظى بها المصلحة الاجتماعية في شركة المساهمة من خلال تعلق مصير هذه الأخيرة بها، وللارتباط الحاصل بين هذه الشركات وبين مجموعة من المراكز القانونية الفاعلة من داخلها، وسدا للفراغ التشريعي[68] الذي يعانيه هذا المصطلح، فإن تحديد مفهومها بات مسألة ملحة للوقوف على قيمتها العملية في شركات المساهمة من جهة، وبغية تحديد الآثار القانونية المباشرة المترتبة عن مخالفته  من جهة ثانية[69].

 ومصلحة الشركة برزت شيئا فشيئا من خلال مقاربات فقهية وقضائية لتصبح أداة تقنية تمكن من مراقبة صحة مداولات أجهزة الشركة[70]، ورغم أن المشرع المغربي لم يعرف مصلحة الشركة إلا أنه اكتفى بالإشارة إليها في بعض النصوص القانونية، بحيث جاءت أولى بوادر النص على هاته المصلحة من خلال الفصل 1007 من ق.ل.ع الذي عبر عنها ب "الصالح المشترك"، في حين جاء ظهير 11 غشت 1922 الذي نص على تطبيق القانون الفرنسي 24 يوليوز 1867 بالمغرب، خاليا من الإشارة إلى مصلحة الشركة، وقد تجاوز القانون رقم 17.95 هذا النقص، حيث استعمل في بعض مواده مصطلحات تفيد مصلحة الشركة[71]، أو المصلحة الاقتصادية للشركة[72]، كما تضمنت المادة 7 من القانون رقم 5.96 الإشارة إلى مصطلح الشركة.

وأمام هذا الوضع فإن الأمر يقتضي تحديد مضمون مصلحة الشركة (المطلب الأول)، في علاقتها بتداخل المصالح أو تعارضها وتأثير ذلك في التضحية بمصلحة أو مصالح على حساب مصالح أخرى، ثم في تحديد المصلحة الأولى بالحماية ومعيار تقدير العمل المضاد أو الموافق لمصلحة الشركة في حالة تحقق أي تعارض[73]، إعمالا للسلطة التقديرية للقاضي الجنائي (المطلب الثاني).

 

 

المطلب الأول: مضمون مصلحة الشركة

 

أمام غياب التعريف التشريعي لمصلحة الشركة، يتردد بين الأخذ بنظريتين في هذا النطاق، النظرية التعاقدية والنظرية النظامية، على اعتبار أن لكل من المصلحتين نطاقها وإطارها الخاص[74].

فالنظرية التعاقدية تأخذ بالمفهوم الضيق للمصلحة وتستند إلى المادة 1384 من القانون المدني الفرنسي والمادة 1007 من ق.ل.ع كما تستند إلى مفهوم حوكمة الشركات باعتبارها الأساس الجديد لإعادة توزيع السلطات داخل الشركة قصد تحقيق توازن بين القوى المتداخلة، حيث ترى هذه النظرية أن مصلحة الشركة هي مصلحة المساهمين فقط. أما أنصار النظرية النظامية فيأخذون بالمفهوم الواسع لمصلحة الشركة، ويعرف هذا الاتجاه مصلحة الشركة، بأنها المصلحة العليا للشخص المعنوي ذاته، مما يعني ضرورة الأخذ بالحسبان ليس مصلحة الشركة فقط، وإنما أيضا مصلحة الأجراء والموردين والزبناء فضلا عن مصلحة الدولة نفسها[75].

فبالنظر إلى أن الشركة تعد إطارا ملائما لتجميع الأموال واستثمارها وتنميتها، لذلك اتجه فكر بعضهم نحو ربط فكرة المصلحة الاجتماعية ببعديها الاقتصادي والاجتماعي لتعتبر مجرد مصلحة الشركة، من منطلق توفر هذه الأخيرة على الشخصية المعنوية، وفي مقابل ذلك، إن أنصار نظرية مصلحة المساهمين يستندون إلى فكرة العقد بالأساس، ويجدون أن حضور العقد في شركات المساهمة، حتى وإن تم داخل إطار صلب وجامد يفترض أن طابعه الأساسي نظامي، وأنه تحكمه قواعد آمرة لا ينبغي للأفراد أن يحيدوا عنها تحت أي اعتبار، فإنهم على الرغم من ذلك يعتبرون أن لا المشرع ولا القضاء يمنعان محرري النظام الأساسي من التمتع بقدر من الحرية ماداموا لا يمسون النظام العام[76].

انطلاقا من هذه المفاهيم والأسس سيتم البحث في كل نظرية على حدة، نظرية الشخص المعنوي(الفقرة الأول)، ونظرية مصلحة المساهمين(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مصلحة الشركة كتعبير عن مصلحة الشخص المعنوي

مصلحة الشركة هي أحد المفاهيم المهمة والرئيسية التي امتطاها القضاء ليبرر بها تدخله، وتعتبر عاملا أساسيا في تدخل المحاكم في تسيير الشركات، حيث كشفت التجربة أن مسيري الشركة غالبا ما لا يستشعرون التفرقة بين أموالهم الشخصية وأموال الشركة ذاتها، وتكشف طول قائمة الفضائح المالية التي شهدتها فرنسا والمغرب في السنوات العشر الأخيرة عن الخطر الفادح الذي يحيق بالشخص المعنوي عندما يدار من قبل هذا النمط من المسيرين. ولقد استندت فكرة الطبيعة النظامية إلى فكرة الشخصية القانونية التي تتمتع بها الشركات التجارية بشكل عام، وشركات المساهمة بشكل خاص، جعلتها ضابطا يميز هذه الشركات، ليس فقط على الأغيار بل كذلك عن مكونيها وهم مساهموها بالأساس، وهو ما أفضى إلى وصفها بمؤسسة ذات نظام خاص.

هناك ﻣﻦ ﯾﺤﻠّﻞ[77] ﻣﻔﮭﻮم ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﺸﺮﻛﺔ ﺑﺎﻟﺘﻤﯿﯿﺰ ﺑﯿﻦ ﻣﺎ إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻤﻠﯿات ﻣﺤﻞ اﻟﻨﺰاع ﺗﺪﺧﻞ أوﻻ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻮع اﻟﺸﺮﻛﺔ اﻟﻤﻌﻨﯿﺔ واﻟﺬي ﯾﻜﻮن ﻣﺤددا ﻣﺴﺒﻘﺎ في قانونها الأساسي، ﻓﮭﺬا اﻟﻔﺮﯾﻖ ﯾﻌﺘﺒﺮ أن اﻷﻓﻌﺎل اﻷﺟﻨﺒﯿﺔ ﻋﻦ اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ اﻷﺳﺎﺳﯿﺔ ھﻲ ﻣﺸﻜﻮك ﻓﯿﮭﺎ ﺑﺎﻟﻄﺒﯿﻌﺔ، وأن اﻟﻤﺴﯿﺮﯾﻦ ﻗﺪ ﺗﻢ ﺗﻌﯿﯿﻨﮭﻢ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﺤﻘﯿﻖ ﻣﻮﺿﻮع اﻟﺸﺮﻛﺔ، وأﻧﮭﻢ ﻣﻘﯿﺪين ﺑﺎﻟﺤﺪود اﻟﻤﻔﺮوﺿﺔ فيه وعليه ﻓﺎﻟﺘﺼﺮف اﻟﺬي ﯾﻘﻮم به اﻟﻤﺴﯿﺮ ﺧﺎرج ﻣﮭﺎمه ﻣﺘﺠﺎوزا بذلك ﻣﻮﺿﻮع اﻟﺸﺮﻛﺔ ﯾﻘﯿﻢ ﻣﺴﺆوليته تجاه هذه الأخيرة، بحيث ﯾﻜﻮن اﻟﻔﻌﻞ اﻟﻤﺮﺗﻜﺐ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﯿﺮ أﺟﻨﺒﯿﺎ عن ﻣﻮﺿﻮع اﻟﺸﺮﻛﺔ وﻣكوﻧﺎ ﻟﺠﺮﯾمة إساءة استعمال أموال واعتمادات الشركة ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ذاته، واﻟﻤﺜﺎل اﻟﺸﺎﺋﻊ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ھﻮ ﺗﺴﺪﯾﺪ اﻟﻤﺴﯿﺮ ﻟﺪﯾﻮنه اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب اﻟﺸﺮﻛﺔ، أو ﺟﻌﻞ هذه اﻷﺧﯿﺮة ﺗﻀﻤﻦ دﯾﻨﺎ ﻣﻦ دﯾﻮنه اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ.

إلا أنه ﯾﺒﺪو ﻣﻦ اﻟﻈﺎهر أن اﺳﺘﻌﻤﺎل أﻣﻮال اﻟﺸﺮﻛﺔ ﻻ ﯾﻜﻮن مخالفا لمصلحتها ﻟﻜﻮنه ﺟﺎء أجنبيا عن ﻣﻮﺿﻮعها اﻟﻤﺤﺪد ﻓﻲ ﻗﺎﻧﻮﻧﮭﺎ الأساسي، وإﻧﻤﺎ ﻣﺎ ﯾﺠﻌﻞ هذا اﻻﺳﺘﻌﻤﺎل مخالفا ھو اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺎدت اﻟﻤﺴﯿﺮ إﻟﻰ ﻣﺜﻞ ھﺬا اﻟﻔﻌﻞ .

ومن بين أهم مظاهر استقلالية الشركة كشخص معنوي عن المساهمين، نخص بالذكر:

  1. اعتبار الشركة شخص معنوي قانوني هو الذي يؤدي إلى هذه الاستقلالية ويعتبر سببا مباشرا يجعل منه كيانا مستقلا عضويا أو مصلحيا عن باقي المكونات التي ترتبط به، فالقيمة القانونية التي منحتها الشخصية المعنوية للشركة ميزت الشركة ليس فقط عن باقي التجمعات، بل كذلك عن شخصية المساهمين، وهو ما يبرر وجود مصالح مستقلة تخص كل شخص على حدة، الشركة من جانب والمساهمين من جانب آخر.

أيضا، إن مضمون فكرة النظام في طبيعة القواعد التي تحكم شركات المساهمة بالخصوص، يجعل دور الأفراد فيها مقتصرا على مجرد الإفصاح عن رغبتهم في الانضمام أو لا إلى الشركة، وهي مسألة تضعف دور العقد لحساب القواعد التي يرسمها نظام الشركة والأحكام التشريعية الآمرة التي تتميز بهيمنة مفهوم الشخصية المعنوية، وما يفترض أن يتولد عنه من استقلال عضوي ومصلحي، ومالي للشركة.

وما يمكن ملاحظته في هذا الإطار هو أن تدخل المساهمين لا يقتصر على مجرد تأسيس الشركة، بل يتجاوزه من حيث اعتبارهم أعضاء فاعلين في الشركة سواء على مستوى أجهزة الادارة أو التسيير، أو على مستوى ممارسة الرقابة على هذه الأجهزة، مما يعني أن ربط المصلحة الاجتماعية بالشخصية المعنوية، سينفي عن أي تجمع لا يتمتع بهذه الشخصية صفة المصلحة الاجتماعية، حتى ولو تعلق الأمر بالشركة في طور التأسيس.

  1. ومن منطلق تمييز الشركة نفسها عن الأعضاء المكونين لها، تمكنها من ولوج باب القضاء مدعية أو مدعى عليها، ليس فقط في مواجهة الأغيار بل كذلك مساهميها[78].
  2. كما أن الذمة المالية للشركة تمنحها طابعا مستقلا[79]، بحيث يقتضي الاعتراف بوجود شخصية معنوية مستقلة للشركة، أن تكون لها حقوق والتزامات مالية تصب في وعاء مستقل خاص بها، يطلق عليه اسم الذمة المالية، وتشكل الصورة القانونية للشركة.

وقد قرر المشرع مصلحة الشركة في عدد من المواد، وهذا ما يلاحظ بالرجوع إلى القواعد المحاسبية المالية للشركات بحسب المادة 10 من قانون القواعد المحاسبية رقم 88-09 فإن رأسمال شركة المساهمة هو مجرد قيمة سلبية وليست مالا قابلا للحجز، وأن تدخل القضاء لحماية الذمة المالية للشركة، يأتي لأجل مصلحة الشركة، لا لأجل مصلحة المساهمين فيها.

كما يتبين من خلال الاطلاع على قانون 17.95 أن المشرع المغربي قد تبنى هذا الاتجاه، كما تأثر به القضاء في عديد من قراراته، فبخصوص اعتبار مصلحة الشركة فإنه يبرز بدأ من قواعد التأسيس، كما أن قيام الشخصية المعنوية لا يتم بمجرد العقد، بل بالقيد في السجل التجاري أيضا على يد القضاء،  كما أن التدخلات أثناء سير الشركة أصبحت واسعة وأضحى القضاء مطالبا بحماية حقوق الأقلية، وضمان مصلحة الشركة، وإعلام المساهمين، وتطبيق عقوبات القانون الجنائي للأعمال[80].

وهو نفس الاتجاه الذي سلكه القضاء الفرنسي في مجموعة من قراراته، حيث قضت محكمة النقض الفرنسية بأن موافقة المساهمين أو الشركاء على استعمال المسير لأموال الشركة قصد تحقيق مصالحه الخاصة، لا تنهض سببا لنزع الطابع الجرمي عن هذا الاستعمال، فمصلحة الشركة ليست رهن إشارة المساهمين أو الشركاء، وليست لهم أحقية التحكم فيها. كما اعتبرت نفس المحكمة أن المجني عليه الأول في جريمة إساءة استعمال أموال واعتمادات الشركة هي الشركة كشخص معنوي[81].

الفقرة الثانية: مصلحة الشركة كتعبير عن مجموع المصالح الفردية للمساهمين

تم الاعتقاد لزمن طويل أن مصلحة الشركة لا يمكن أن تكون إلا عبارة عن مجموع المصالح الفردية للمساهمين، ولا يمكن بالتالي فصلها عنها، فالمساهمون لهم نفس التطلعات داخل الشركة، وهو ما يعني أن مصلحة الشركة تتمثل في التمثيل الإجمالي لمجموع هذه التطلعات، فإذا كانت الشركة تتمتع بشخصية معنوية وبكيان قانوني، إلا أنه لا ينبغي نسيان أن المساهمون هم المستفيدون من نشاط الشركة، بل إن الشركة لم تتأسس إلا من أجل تحقيق تلك الاستفادة، وبالتالي فإن تسيير شركة المساهمة لا ينبغي أن يخضع إلا لإرادة الرأسمال الذي يكونها.

ويعتبر MAC COL  وهو من أنصار هذا التصور، أن مصلحة الشركة ليست إلا محصلة لمصالح المساهمين، وأن ادعاء التمييز بين مصلحة الشركة ومصلحة المساهمين، يعتبر من قبيل اللغو وتحريف الحقيقة، فشركة المساهمة هي عبارة عن مقاولة تجارية تم تنظيمها بغرض تحقيق الربح، بواسطة مجموعة من الأشخاص الذين يجب أن يكون بإمكانهم التصرف ككل مالك حسب مصالحهم الخاصة، والقول بغير ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تحديد حقيقي لحق الملكية، أما التسليم بسمو مصلحة الشركة على المصالح الفردية للمساهمين، فلم يتم إلا من أجل تسهيل تحقيق هدف الشركة المتمثل حسب التعريف الذي تعطيه المادة 1832 من القانون المدني الفرنسي في الحصول على أرباح، أو تحقيق التوفير أو الادخار، وبمعنى آخر فإن هدف الشركة يتمثل في منح أعضائها كسبا ماليا، سواء كان إيجابيا أو سلبيا[82].

من هنا ﻓﻤﺆﯾﺪو ھﺬا اﻟﺮأي ﯾﺸﺒّﮭﻮن ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﺸﺮﻛﺔ ﺑﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﺸﺮﻛﺎء أو اﻟﻤﺴﺎھﻤﯿﻦ، ﻣﻌﺘﻤﺪﯾﻦ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻈﺮﯾﺔ اﻟﻌﻘﺪﯾﺔ ﻟﻠﺸﺮﻛﺔ ، ﺣﯿﺚ ﯾَﻌﺘﺒﺮ أﻧﺼﺎر هذه  اﻟﻨﻈﺮﯾﺔ أن الشركة "ﻟﻢ ﺗﻨﺸﺄ ﻣﻦ أﺟﻞ إرﺿﺎء ﻣﺼﻠﺤﺔ أﺧﺮى ﻏﯿﺮ ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﺸﺮﻛﺎء اﻟﺬﯾﻦ ﻟﮭﻢ وﺣﺪهم أهلية اﻗﺘﺴﺎم أرﺑﺎح اﻟﺸﺮﻛﺔ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻨﮭﻢ"[83]

ويلاحظ أن القضاء المغربي تبنى هذا النهج في عديد من المناسبات بحيث اعتبر مصلحة المساهمين هي المصلحة العليا، التي يجب أن تحظى بالأولوية في التطبيق حتى وإن تطلب ذلك التضحية بمصالح أخرى، بحيث جاء في قرار لمحكمة الاستئناف التجارية بمراكش[84] أنه يتعين أن يستعمل حق الأقلية في التصويت لحماية المصلحة المشتركة لجميع المساهمين، ويكون هذا الحق قد استعمل خلافا لهذه المصلحة، ومشوبا بالتعسف الذي يبرر تدخل القضاء إذا ترتب عنه منع الشركة من تنفيذ برامج هادفة إلى تطويرها وتوسيع نشاطها.

 

المطلب الثاني: السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في تحديد العمل المضاد أو الموافق لمصلحة الشركة

يتجه الاجتهاد القضائي إلى إعطاء القاضي وحده، سلطة تقدير ما إذا كان العمل يمثل عملا متوافقا مع مصلحة الشركة أم لا باعتباره المدافع عن النظام الاجتماعي وممثل السلطة العامة، وهذا التدخل استلزمته مجموعة من المبررات، خاصة مع التزايد الكبير لإجرام ذوي الياقات البيضاء ورجال الأعمال، بحيث لا يجب ترك هذا دون رادع فعال، فالحرية التجارية والاقتصادية كما يرى أستاذنا يجب أن يقابلها قدر من المسؤولية، إذ لا يمكن القول بأن هذا القدر من المسؤولية قد تم الأخذ به إلا إذا كان مصحوبا بدعم من القضاء الجنائي.

ويرى أستاذنا الدكتور هشام بوحوص أن مصلحة الشركة تعد أداة تمكن القضاء من مراقبة  تصرفات مسيري الشركات والأغلبية من أجل حماية مصالح الأقلية والدائنين، وهذا المفهوم هو مسطرة للعدالة الملطفة، توضع تحت تصرف القاضي ليستخدمها من أجل حماية صيرورة وحياة الشركات، التي غالبا ما تعرضها أخطاء وأهواء المسيرين لأزمات عديدة، وهو الشيء الذي دفع المشرع المغربي إلى تبني خيار مساطر صعوبات المقاولة لما تضمنه من حماية لاستمرارية هذا المشروع الذي تتعايش داخله مصالح عديدة تبدأ من الشركاء أنفسهم إلى أن تصل إلى الاقتصاد الوطني.

ويمكن القول عموما، أن مصلحة الشركة[85] لا تعدو أن تكون تطبيقا من تطبيقات المفاهيم الإطارية التي تأبى كل تحديد دقيق بسبب تغير مضمونها، حسب الوقائع المعروضة، ما يجعل القاضي الجنائي مضطلعا بالدور المحوري في إبراز مدى تعارض الفعل المنسوب إلى المسير أو المدير مع مصلحة الشركة[86].

ويبدو من الأحكام الصادرة عن المحاكم الفرنسية أن القضاة قد انتزعوا بالفعل سلطة تقدير العمل المضاد مستفيدين من غموض النصوص في هذا الشأن وعدم وجود تعريف واضح لفكرة العمل المضاد لمصلحة الشركة[87]، وبالتالي فالقضاء الفرنسي قد خلق لنفسه سياسة برجماتية في ميدان الأعمال لا تتقيد بحرفية النصوص، رغم ما قد يستتبع ذلك من خروج عن مبدأ الشرعية الجنائية، راغبا في تطهير حياة الأعمال مما قد يصيبها من انحراف، وعلى العكس من ذلك، يلاحظ أن القضاء المغربي خاصة الجنائي منه،  نادرا[88] ما يصدر قرارات تصب في اتجاه اعتبار مصلحة الشركة.

ومما ينتج عن السلطة التقديرية للقاضي في تقدير العمل الموافق أو المضاد لمصلحة الشركة، لجوء قاضي الموضوع في المحاكم الفرنسية، إلى الموازنة بين المخاطر وبين الفوائد المترتبة عن اتخاذ القرار لحظة صدوره عن المسير، فإذا كانت الغلبة للمخاطر التي عرض المسير الشركة لها عند اتخاذ القرار،  ولم يقم الدليل على وجود مقابل لها، كنا أمام جريمة إساءة استعمال أموال واعتمادات الشركة، وإذا حصل العكس، وكانت الغلبة للفوائد، يتعين على جهة الادعاء أن تثبت أن المخاطر التي عرض المسير الشركة لها لا تتناسب مع إمكاناتها.

 وقد سار القضاء الفرنسي إبان تبنيه الأخذ بالخطر الشاذ[89] كمعيار لتقدير مصلحة الشركة في اتجاه إعمال هذه القاعدة، وهو ما يتجلى في مجموعة من أحكامه، بحيث جاء في أحدها، بأنه: "أيا ما كانت المصلحة المحققة للشركة، أو التي يمكن أن تجنيها في المدى القصير، فإن استعمال أموال الشركة لهدف واحد هو ارتكاب جريمة كالرشوة مثلا، يعد عملا مخالفا لمصلحة الشركة، حيث يعرض هذا الأمر الشخص المعنوي إلى خطر شاد، وهو الجزءات الجنائية والضريبية ضده، وضد القائمين على إدارته، ويمس بائتمانه وسمعته". كما أن هذا الضرر أو الخطر الشاذ ليس بالضرورة أن يكون محققا، بل يكفي أن يكون محتملا في نظر القضاء الفرنسي[90].

وفي نفس السياق، اعتبرت محكمة النقض الفرنسية أن ما ينفق من أموال بشكل خفي دون أن يعلم وجه الإنفاق، يفترض أنه استخدم في غرض شخصي مضاد لمصلحة الشركة، ما لم يقم المدير بإثبات عكس ذلك، مما يعني أن محكمة النقض قد فتحت الباب للمدير بأن يثبت أن الأموال التي أنفقت ولو على أمر غير مشروع كانت لتحقيق مصلحة الشركة، مما ينفي جريمة إساءة استعمال أموال واعتمادات الشركة[91].

ويرى أستاذنا في هذا الإطار أن القاضي إذا قدر أن الفعل غير مشروع يجب أن يكيفه تكييفا إضافيا متمثلا في إساءة استعمال أموال واعتمادات الشركة، لكونه يجلب على الشركة مخاطر شاذة لا تتناسب مع ما سوف يحصل عليه من مزايا ناشئة عن هذا العمل، ولعل أشد هذه المخاطر هي إسناد المسؤولية الجنائية للشركة باعتبارها شخصا معنويا.

وتجدر الإشارة إلى أن بعض الاجتهادات القضائية تتجه إلى اعتبار العمل مضادا لمصلحة الشركة متى كان لا يقابله عوض حقيقي للشركة، بل يمثل إهدارا للذمة المالية لها دون مقابل، إعمالا لمعيار غياب العوض أو المقابل[92]، غير أن هذا المعيار لا يستقيم في نظر أستاذنا لأن واقع الحياة التجارية يشير أحيانا إلى أن عملا ما لا يمثل ميزة للشركة ولكنه ضروري، دون أن يضر بمصلحة الشركة ذاتها، وهذا ما حذا بالبعض إلى القول بأنه لا يتعين اعتبار كل عمل مضاد لمصلحة الشركة كل عمل أبيض، ولكن فقط العمل الذي يعرض مصلحة الشركة لخطر الخسارة[93].

وبالنسبة للضوابط التي يأخذ بها القضاء لتقدير العمل المضاد لمصلحة الشركة فهي تتجسد في فحص العمل الصادر من المسير من حيث تعارضه أو عدم تعارضه مع مصلحة الشركة، اعتمادا على الفترة الزمنية[94] التي صدر فيها العمل، أو إبرام الصفقة المطعون فيها، بالإضافة إلى مراعاة السياق الاقتصادي والتجاري للصفقة[95].

وﻓﻲ ھﺬا اﻹﻃﺎر ﻗﺪ أداﻧﺖ ﻣﺤﻜﻤﺔ اﻻﺳﺘﺌﻨﺎف اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ، اﻟﻤﺴﯿﺮ اﻟﺬي اﺳﺘﻌﻤﻞ ﻣﯿﺰاﻧﯿﺔ اﻟﺸﺮﻛﺔ ﻟﺘﺴﺪﯾﺪ ﻧﻔﻘﺎت ذات ﻃﺎﺑﻊ ﺷﺨﺼﻲ زﯾﺎدة ﻋﻠﻰ ﺷﺮائه ﻟﻤﻨﺰل ﺗﺎﺑﻊ ﻟﻠﺸﺮﻛﺔ ﺑﺜﻤﻦ أﻗﻞ من ﻧﺼﻒ قيمته، ﻓﻲ ﺣﯿﻦ أن ﻧﻔﻘﺎت إﺻﻼحه ﻻ ﺗﺒﺮر ھﺬا اﻹﻧﻘﺎص ﻓﻲ اﻟﺘﻘﺪﯾﺮ ﻟﻠﻤﻨﺰل، فمحكمة اﻻﺳﺘﺌﻨﺎف أﺧﺬت ﺑﺠﺮﯾﻤﺔ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﺘﻌﺴﻔﻲ ﻷﻣﻮال اﻟﺸﺮﻛﺔ ﻣﺴﺒﺒﺔ ذﻟﻚ ﺑﺄن ﻣﺤﻀﺮ مجلس اﻹدارة اﻟﻤﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻨﺎزل ﻟﯿﺲ له أية ﻗﯿﻤﺔ ﻣﻘﻨﻌﺔ[96].

 

 

 

 

 

 

 

 

خاتمــــــــــــــــــة:

 

هكذا وبعد دراستنا من خلال هذا العرض والذي نتمنى أن يلقى استحسان أستاذنا، لموضوع خصوصية السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في تفريد الجزاء في ميدان الشركات التجارية ولو بشكل مقتضب وموجز خلصنا إلى مجموعة من الاستنتاجات نجملها في الآتي:

  1. أن التفريد القضائي يمثل أهم أنواع التفريد وأعمقها أثرا، بحيث يصادف آخر مراحل الدعوى التي تعتبر النقطة الفيصل في الحسم في القضية المعروضة على رجل القانون الذي يتطلب منه إعمال سلطته التقديرية من أجل تحقيق العدالة.
  2. أن ما خلص إليه علم الإجرام في مجال تفريد العقاب، والذي ضمنه المشرع في النصوص الزجرية المتعلقة بالقانون الجنائي، يصلح مستندا قياسيا في جرائم الشركات، مع تحفظ على بعض المقتضيات التي استثنتها قوانين الشركات بصفة صريحة.
  3. أن حالة العود تعتبر ظرفا مشددا يمكن للقاضي معه الحكم بضعف العقوبة المقررة قانونا من حيث المبدأ، مع وجود استثناءات في قوانين خاصة، تقضي بعقوبة مغايرة.
  4. أن القانون الجنائي الأعمال  يخول هو الآخر للقاضي النطق بإيقاف تنفيذ العقوبة، غير أن الإيقاف لا يجب أن يشمل إلا العقوبات الحبسية.
  5. أن مهمة تحديد العمل الموافق أو المخالف لمصلحة الشركة توكل للقاضي، ويلاحظ من خلال اجتهادات القضاء الفرنسي، أن القضاء غالبا ما يميل إلى نصرة مصلحة الشركة باعتبارها المصلحة العليا التي تحوي في مضمونها مجموعة من المصالح المشتركة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قائمة المراجع المعتمدة

 

  • أستاذنا الدكتور هشام بوحوص "محاضرات في مادة جرائم الشركات" السنة الجامعية 2016.
  • أستاذنا الدكتور هشام بوحوص "محاضرات في مادة جرائم الشركات"، ألقيت على طلبة ماستر المدني والأعمال، السداسي الأول، بتاريخ 19/01/2017، (غير منشورة).
  • أستاذنا الدكتور هشام بوحوص " محاضرات في علم الإجرام" ألقيت على طلبة السداسي الخامس شعبة القانون الخاص، بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة بصدد السنة الجامعية 2014/2015 (غير منشورة).
  • أستاذنا الدكتور هشام بوحوص "خطر الأشخاص المعنوية على الحقوق الخاصة، الشركات التجارية نموذجا" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة، السنة الجامعية 2006/2007.

 

  • أستاذنا الدكتور هشام بوحوص "دور الاجتهاد القضائي في تحديد نطاق المسؤولية الجنائية في القانون الجنائي للأعمال" أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص.
  • د/ زهير بونعامية "الاعتبار الشخصي في شركات المساهمة" دار القلم، الرباط 2011.
  • أبرغ محمد "الحماية الجنائية للشركة التجارية في القانون المغربي" ماستر: المقاولة والقانون كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكادير، تاريخ الولوج 12/01/2017.
  • د/عبد السلام بنحدو "الوجيز في القانون الجنائي المغربي، المقدمة والنظرية العامة الجريمة، المجرم، العقوبة والتدبير الوقائي" المطبعة والوراقة الوطنية بمركش، الطبعة الخامسة 2004.
  • د/أحمد قيلش و دة/ سعاد حميدي و دة/ مجيدي السعدية و د/ محمد زنون "الوجيز في شرح القانون الجنائي العام" مطبعة الأمنية الرباط 2016.
  • د/الخمليشي أحمد "شرح القانون الجنائي، القسم العام"، الطبعة الثانية، دار النشر  المعرفة- الرباط، مطبعة المعارف الجديدة –الرباط 1989.
  • د/فلاح خدوج "المسؤولية الجنائية لمسير شركات المساهمة ومدى التراجع عن الطابع الزجري" مقال منشور بمجلة المقال، مجلة قانونية فصلية، العدد الثالث/الرابع 2011.
  • زكري ويس ماية الوهاب "جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة" بحث مقدم لنيل شهادة الماجستير في القانون، جامعة الإخوة منتوري –قسنطينة- كلية الحقوق، السنة الجامعية 2004/2005.
  • مجلة المحاكم التجارية، العدد الثاني، الطبعة الثانية، مارس 2007، دار القلم – 12 شارع النور، الرباط.
  • مجلة القضاء التجاري، العدد الرابع السنة الثانية 2004.
  • د/ مصطفى بوزمان "مفهوم المصلحة الاجتماعية في الشركات التجارية، دراسة مقارنة"، مقال منشور بمجلة القضاء التجاري، العدد الخامس، السنة الثالثة 2015.
  • الدكتور عبد الواحد حمداوي "تعسف الأغلبية في شركة المساهمة، دراسة مقارنة" مطبعة الأمنية الرباط 2013.
  • د/ حسام عبد المجيد يوسف جادو "المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية، دراسة مقارنة" دار الفكر الجامعي، شارع سوتير الاسكندرية، الطبعة الأولى 2012.

 

 

 

 

 

 

 

 

الفهرس

 

تقديم:                                                                                                                                              1

المبحث الأول : التفريد القضائي للجزاء في ميدان الشركات التجارية                                                       3

المطلب الأول: مفهوم التفريد القضائي للجزاء 3

المطلب الثاني: تطبيقات التفريد القضائي للجزاء في ميدان الشركات  4

الفقرة الأولى: التفريد القضائي للجزاء في ميدان الشركات بين الحد الأدنى والأقصى للعقوبة  4

أولا: بالنسبة للظروف القضائية المخففة  4

ثانيا: بالنسبة للأسباب المشددة للعقوبة  9

1الظروف القضائية المشددة:                 9

2-ظرف العود                                      11

الفقرة الثانية: إيقاف تنفيذ العقوبة في ميدان الشركات   16

أولا- شروط وقف التنفيذ في ميدان الشركات: 17

ثانيا- مدة إيقاف التنفيذ وآثاره: 18

1- مدة إيقاف التنفيذ:                                                                                   18

2-آثار وقف التنفيذ:                           18                                                                 

المبحث الثاني: السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في تقدير مصلحة الشركة                                          20

المطلب الأول: مضمون مصلحة الشركة 21

الفقرة الأولى: مصلحة الشركة كتعبير عن مصلحة الشخص المعنوي   21

الفقرة الثانية: مصلحة الشركة كتعبير عن مجموع المصالح الفردية للمساهمين  23

المطلب الثاني: السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في تحديد العمل المضاد أو الموافق لمصلحة الشركة 24

خاتمة:                                                                                                                                            28

قائمة المراجع المعتمدة                                                                                                                   29

الفهرس                                                                                                                                          31

 

 


[1] – د/عبد السلام بنحدو "الوجيز في القانون الجنائي المغربي، المقدمة والنظرية العامة –الجريمة، المجرم، العقوبة والتدبير الوقائي" المطبعة والوراقة الوطنية بمركش، الطبعة الخامسة 2004، ص291.

[2] – مأخوذ عن الموقع الإلكتروني www.marocdroit.com  من إعداد الطالب أبرغ محمد "الحماية الجنائية للشركة التجارية في القانون المغربي" ماستر: المقاولة والقانون كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكادير، تاريخ الولوج 12/01/2017

[3] – مقتبس عن مؤلف أستاذنا الدكتور هشام بوحوص "محاضرات في مادة جرائم الشركات" السنة الجامعية 2016، ص8.

[4] – د/أحمد قيلش و دة/ سعاد حميدي و دة/ مجيدي السعدية و د/ محمد زنون "الوجيز في شرح القانون الجنائي العام" مطبعة الأمنية الرباط 2016 ص 117.

[5] – د/ هشام بوحوص " محاضرات في علم الإجرام" ألقيت على طلبة السداسي الخامس شعبة القانون الخاص، بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة بصدد السنة الجامعية 2014/2015 (غير منشورة)

[6] – د/أحمد قيلش و دة/ سعاد حميدي و دة/ مجيدي السعدية و د/ محمد زنون "الوجيز في شرح القانون الجنائي العام" المرجع السابق، ص 117.

[7] – من المرتقب من خلال مسودة مشروع القانون الجنائي صيغة (31 مارس 2015) أن يطرأ تغيير على هذا الفصل بحيث تم استبدال مصطلح القاضي بالمحكمة مما يعكس رغبة المشرع في توسيع نطاق تطبيق هذا الفصل، كما سيتم اعتماد بالاضافة إلى خطورة الجريمة المرتكبة وشخصية المدان، الأضرار اللاحقة بالضحية كمعيار يستند إليه القاضي عند تفريده للعقوبة.

[8] – تنص المادة 377 من قانون 17.95 المتعلق بشركة المساهمة على أنه: "خلافا لمقتضيات الفصول 55 و 149 و 150 من القانون الجنائي، لا يمكن النزول عن الحد الأدنى للغرامات المقررة في هذا القانون، ولا يمكن الأمر بإيقاف التنفيذ إلا فيما يخص العقوبات الحبسية"

[9] – الأعذار القانونية هي حالات محددة في القانون على سبيل الحصر، من أمثلتها: عذر صغر السن، عذر الاستفزاز، عذر الطاعة.يترتب عليها، مع ثبوت الجريمة وقيام المسؤولية، أن يتمتع المجرم إما بعدم العقاب، إذا كانت أعذار معفية، وإما بتخفيض العقوبة، إذا كانت أعذارا مخفضة، والأعذار القانونية هي مخصصة لا تنطبق إلا على جريمة او جرائم معينة، ويترتب عن الأعذار المعفية منح المؤاخذ الإعفاء المانع من العقاب، غير أن القاضي يبقى له الحق في أن يحكم على المعفى بتدابير الوقاية الشخصية أو العينية ما عدا الإقصاء.

للمزيد من التوسع راجع الفصول من 143 إلى 145 والكتاب الثالث المتعلق بمختلف الجرائم من القانون الجنائي.

[10] – بحيث جاءت المادة 375 من قانون شركة المساهمة بأنه: " تضاعف العقوبات المقررة في هذا القسم في حالة العود".

[11] – الخمليشي أحمد "شرح القانون الجنائي، القسم العام"، الطبعة الثانية، دار النشر المعرفة- الرباط، مطبعة المعارف الجديدة –الرباط 1989، ص274.

[12] – تمثل الظروف المخففة أعلى درجات السلطة التقديرية للقاضي في إطار مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات.

[13] – يلاحظ في هذا الاطار بأن مسودة مشروع القانون الجنائي أضافت عنصرا ثالثا سيتم الاستناد عليه لتفريد العقوبة وهو الأضرار اللاحقة بالضحية.

[14] – عبد السلام بنحدو "الوجيز في القانون الجنائي المغربي" م.س، ص294.

[15] – الخمليشي أحمد"شرح القانون الجنائي، القسم العام"، مرجع سابق ص 274.

[16] – يلاحظ بالاطلاع على مسودة القانون الجنائي أن المشرع قام بحذف مصطلح الزجرية، وحدد أنواع الجرائم المعنية بهذه الظروف والتي هي إما جنايات أو جنح.

[17] – ينص الفصل 149 من القانون الجنائي على أنه: "في الجنح التأديبية بما في ذلك حالة العود، يستطيع القاضي في غير الأحوال التي ينص فيها القانون على خلاف ذلك، إذا كانت العقوبة المقررة هي الحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين فقط، وثبت لديه توفر الظروف المخففة، أن ينزل بالعقوبة عن الحد الأدنى المقرر في القانون دون أن ينقص الحبس عن شهر واحد والغرامة عن 120 درهم".

[18] – يلاحظ أن هاته المواد لم يطرأ عليها أي تغيير لا بموجب القانون رقم 21.05 المعدل والمتمم للقانون 5.96، ولا بالقانون رقم 20.05 القاضي بتتميم وتغير القانون رقم 17.95، مما يعكس ثبوت المشرع على تقييد السلطة التقديرية للقاضي في هذا المجال.

[19] – تنص الفقرة الأولى من الفصل 149 من مسودة القانون الجنائي صيغة (31 مارس 2015) على أنه: "في الجنح، بما في ذلك حالة العود في غير الحالات التي ينص فيها القانون على خلاف ذلك، إذا ثبت للمحكمة توفر الظروف المخففة يجوز لها: 1- إذا كانت العقوبة المقررة قانونا، هي الحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين، أن تنزل بالعقوبة عن الحد الأدنى المقرر قانونا دون أن ينقص الحبس عن شهر واحد والغرامة عن 1000 درهم".

[20] – يرتقب حدوث تغيير على هذا الفصل بموجب مسودة مشروع القانون الجنائي السالف الذكر، بحيث جاء في المادة 150 منه :"إذا كانت العقوبة المقررة قانونا للجنحة، هي الغرامة فقط، بما في ذلك حالة العود، في غير الحالات التي ينص فيها القانون على خلاف ذلك، وثبت للمحكمة توفر الظروف المخففة، يجوز لها أن تنزل بالغرامة عن الحد الأدنى دون أن تقل عن نصف الحد الأدنى المقرر قانونا". وأكدت على ذلك المادة 151 بنصها على أنه: "في المخالفات بما في ذلك حالة العود، إذا ثبت للمحكمة، توفر الظروف المخففة، جاز لها أن تنزل بعقوبة الغرامة إلى نصف الحد الأدنى المقرر لها قانونا".

ورغم أن هذا التغيير يتلاءم نوعا ما وقوانين الشركات، إلا أن ما تضمنه لا يرقى إلى مستوى إلغاء إقصاء تطبيقه على قوانين الشركات، على اعتبار أنه نص على إمكانية النزول بالغرامة عن الحد الأدنى دون أن تقل عن نصف الحد الأدنى المقرر قانونا، وهذا الحد الأدنى المقرر سواء في قوانين الشركات أو في مسودة مشروع القانون الجنائي هو 1000 درهم، ولا يمكن النزول عن هذا الحد الأدنى في قوانين الشركات للنص الصريح الذي جاءت به المادتين 377 و 103.

[21] – تحديد مقدار الغرامة ليس له مقياس حسابي، بل إن التحديد الوارد في قوانين الشركات هو رهين بإرادة وتقديرات المشرع، ويلاحظ بعد التعديلات التي جاء بها قانون 20.05 والتي انصبت بالأساس على العقوبات الزجرية، حدوث تزايد في عدد التجريمات المعاقب عليها بالغرامة بحيث أصبحت 19 بعدما كانت 18، وقد كانت مقرونة بعقوبات حبسية، في حين تم إلغاء العقوبة الحبسية في عدد من التجريمات، لنجد حاليا 8 منها غير مقترنة بعقوبة حبسية، مما يدل على رغبة المشرع الواضحة في التراجع عن التجريم في مجال الشركات، غير أن هذا الإلغاء استعاض عنه المشرع أعلاه إما بالاحتفاظ بالغرامة التي كانت مقررة وإما بالرفع منها.

  1. بالنسبة لحالة إلغاء العقوبة الحبسية والرفع من الغرامة:

 ويتعلق الأمر هنا بكل من المادة 378 والمادة 420 من قانون شركة المساهمة، ففيما يخص المادة 378 من قانون شركة المساهمة تنظم مخالفة إصدار أسهم دون أن يتم تحرير أسهم نقذية عند الاكتتاب بمقدار الربع على الأقل أو دون أن يتم تحرير أسهم الحصص تحريرا كاملا قبل تقييد الشركة بالسجل التجاري، ومخالفة عدم الابقاء على اسمية الأسهم إلى حين تحريرها كاملة، وقد كانت المادة تعاقب على هذه المخالفات بعقوبة الحبس من شهر إلى ستة أشهر فضلا عن الغرامة، لكن تدخل مشرع قانون 20.05 وألغى العقوبة الحبسية واستعاض عنها بمضاعفة الغرامة التي أصبحت من 8000 إلى 40.000 درهم، ويعتبر هذا الإلغاء للعقوبة الحبسية من وأبرز مظاهر التراجع عن الطابع الزجري لقانون شركة المساهمة. والمخالفات المنظمة في المادة أعلاه تقابلها المادة L1-242  من القانون التجاري الفرنسي الذي لازال يعاقب عنها بسنة حبسا و 9000€ كغرامة على الرغم من التعديلات الكثيرة التي عرفها هذا القانون، والتي تكرس مبدأ التراجع عن التجريم في مجال شركات المساهمة.

أما فيما يخص المادة 420 من قانون شركة المساهمة والمنظمة للمخالفات الإجرائية أو الشكلية الناتجة عن الإهمال أو الإغفال كعدم القيام داخل الآجال القانونية بإيداع أو إيداعات الوثائق أو العقود لدى كتابة الضبط أو عدم القيام بإجراء أو إجراءات الشهر المنصوص عليها في قانون 17.95، فقد عاقب المشرع على هذه المخالفات بالحبس من شهر إلى 3 أشهر وغرامة من 8000 إلى 40.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكن تدخل قانون 20.05 وقام بإلغاء العقوبة الحبسية بموازاة الرفع من الغرامة التي أصبحت من 10.000 إلى 50.000 درهم .

أما المشرع الفرنسي فقد ألغى هذا النوع من الجرائم المتعلقة بالشهر، واستعاض عنها بمسطرة مدنية تحت طائلة غرامة تهديدية طبق نص المادة 1123-5-1  من القانون التجاري.

  1. حالة إلغاء العقوبة الحبسية والاقتصار على الغرامة:

تبنى المشرع المغربي تقنية إلغاء العقوبة الحبسية والاقتصار على الغرامة في مجموعة من المخالفات أهمها تلك المنضمة في كل من المواد 395 و 400 و 403 و 408 و 421 من قانون شركة المساهمة.

[22] – سيتم نسخ هذا المقتضى بموجب مسودة مشروع القانون الجنائي، والتي جعلت من الحد الأدنى للغرامة محددا في 1000 درهم، الأمر الذي يتوافق ومقتضيات قوانين الشركات.

[23] – بموجب التعديل الذي سيطرأ على القانون الجنائي فإن المادة موضوع الدراسة ستخصص للغرامة دون الحبس الشيء الذي يتماشى وقانون الشركات، والذي يتضمن نفس الحد الأدنى للغرامة الذي جاءت به المسودة.

[24] – ويلاحظ أنه ليست هناك علاقة تناسب حقيقية في قوانين الشركات بين مقدار الغرامة ومدة العقوبة الحبسية المقترنة بها، بحيث نجد أن العقوبة الحبسية هي نفسها في حين يوجد فارق في الغرامة، مثلا الحبس من شهر إلى سنة مقرون مرة بغرامة من 35.000 إلى 350.000 درهم (م 397 ق.ش.م) ومرة أخرى مقرون بغرامة من 12.000 إلى 120.000 درهم (م398ق ش.م).

[25] – في حين أن عقوبة الغرامة على خلاف العقوبة الحبسية، تأتي في أحيان كثيرة منفردة، على سبيل المثال: المواد 108و109و110 من قانون 5.96، والمواد 378 و 389 و 390 من قانون 17.95، وقد عرفت تخفيضات في قيمتها بموجب القانون رقم 20.05 يتعلق الأمر هنا بمجموعة من المواد 385/1 و 386 و 388 و 395/1 من قانون شركة المساهمة، ففيما يخص المادة 385/1 فإنها تنضم مخالفات عدم إثبات مداولات المجلس في محاضر، ويعاقب عنها بغرامة من 6000 إلى 30.000 درهم، وقد تراجع عنها مشرع قانون 20.05، وذلك بتخفيضها إلى النصف حيث أصبحت من 3000 إلى 15.000 درهم.

أما المادة 386 من قانون شركة المساهمة فتنضم في فقرتها الأولى جريمة عدم إعداد جرد القوائم التركيبية وتقرير التسيير برسم كل سنة مالية، وقد عاقب عليها المشرع بغرامة من 40.000 إلى 400.000 درهم، ولكن تراجع مشرع قانون 20.05 عن العقوبة المقررة وخفضها إلى النصف، وتقابل المادة أعلاه المادة L242-8  من القانون التجاري الفرنسي حيث يعاقب عنها ب9000€ كغرامة، ويلاحظ أن هذه الجريمة تعتبر من بين الجرائم التي لم يلحقها تعديل على الرغم من التعديلات الكثيرة التي قام بها المشرع الفرنسي مقارنة بنظيره المغربي الذي خفض الغرامة إلى النصف.

أما فيما يخص المادة 388 من قانون شركة المساهمة والتي تنظم جريمة عدم عقد الجمعية العمومية العادية داخل الآجال المقررة قانونا، وجريمة عدم إخضاع القوائم التركيبية وتقرير التسيير لموافقة الجمعية العمومية العادية، فقد عاقب على هذه الجرائم بغرامة من 60.000 إلى 600.000، وقد خفضها قانون 20.05 إلى النصف، أما المشرع الفرنسي فقد نظم الجريمة في المادة L242-10 من القانون التجاري وعاقب عليها ب6 أشهر حبسا و 9000 € غرامة، وهذا دليل على رغبة المشرع في التراجع عن تجريم مجال الأعمال عموما وشركات المساهمة خصوصا.

أما فيما يخص المادة 395 من قانون شركة المساهمة والتي تنظم جريمة إصدار أسهم بمناسبة الزيادة في الرأسمال بصورة غير قانونية، حيث عاقب عليها المشرع بغرامة من 8000 إلى 40.000 إلا أن مشرع قانون 20.05 قد خفضها إلى النصف. وتقابلها المادة L242-17  من القانون التجاري الفرنسي، الذي عاقب عليها ب 9000€ كغرامة.

للمزيد من التوسع راجع فلاح خدوج "المسؤولية الجنائية لمسير شركات المساهمة ومدى التراجع عن الطابع الزجري" مقال منشور بمجلة المقال، مجلة قانونية فصلية، العدد الثالث/الرابع 2011 ص29-30.

[26] – ولقد كان الجزاء من بين اهتمامات مشرع قانون 20.05 حيث عمل على تعديل هذه العقوبات إما بالتخفيض أو الإلغاء حسب الأحوال، وهذا التخفيض شمل العقوبات الحبسية، وكذلك الغرامات كما سبق ورأينا، فبالاضافة إلى ذلك هناك مظهر آخر لهذا التعديل، ويتعلق الأمر بحالة:

بتخفيض العقوبة الحبسية المقرونة بالغرامة إلى النصف مع الابقاء على نفس قيمة الغرامة: عمل المشرع على تخفيضها إلى النصف، وفي إطار سياسة التراجع عن الطابع الزجري التي أقرها قانون 20.05، ويتعلق الأمر هنا بالمادة 381 من قانون شركة المساهمة التي تعتبر النموذج الوحيد لهذا التراجع، والتي تنظم مجموعة من المخالفات المتعلقة بتداول الأسهم، والتي كان معاقب علبها بعقوبة الحبس من شهر إلى 6 أشهر، وبغرامة من 6000 إلى 30.000 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، فأصبحت من بين شهر و 3 أشهر، مع الحفاظ على نفس الغرامة. في حين يعاقب عليها المشرع الفرنسي بسنة حبسا و 9000 كغرامة، وهذه عقوبة قاسية مقارنة مع التشريع المغربي.

[27] – فلاح خدوج "المسؤولية الجنائية لمسير شركات المساهمة ومدى التراجع عن الطابع الزجري" م.س ص30.

[28] – د/أحمد قيلش و دة/ سعاد حميدي و دة/ مجيدي السعدية و د/ محمد زنون "الوجيز في شرح القانون الجنائي العام" المرجع السابق، ص 108.

[29] – الخمليشي أحمد"شرح القانون الجنائي، القسم العام"، مرجع سابق ص 285.

[30] – هذا الفصل لقي معارضة قوية من طرف رجال الأعمال بحيث كان يتبنى مبدأ تطبيق العقوبة الأشد، مما يعني أن النصوص العامة هي التي ستطبق في ميدان الشركات، على اعتبار أنها دائما تقبل التكييف الأشد، فهذا الفصل كان يشكل عائقا أمام تطبيق النصوص الخاصة بقوانين الشركات.

منقول عن أستاذنا الدكتور هشام بوحوص "محاضرات في مادة جرائم الشركات"، ألقيت على طلبة ماستر المدني والأعمال، السداسي الأول، بتاريخ 19/01/2017، (غير منشورة).

[31] – د/أحمد قيلش و دة/ سعاد حميدي و دة/ مجيدي السعدية و د/ محمد زنون "الوجيز في شرح القانون الجنائي العام" المرجع السابق، ص 240.

[32] – يلاحظ أن هاته المادة كانت تنص قبل التعديل الأخير على أنه: "يمكن أن تضاعف العقوبات المنصوص عليها في هذه المادة إذا تعلق الأمر بشركات مساهمة تدعو الجمهور إلى الاكتتاب" وهو نفس الظرف المشدد الوارد في الفقرة الرابعة من المادة 395 من قانون 17.95.

كما تتضمن هذه المادة ظرفا مشددا آخر عند نصها في الفقرة الثانية بأنه: "يمكن فضلا عن الغرامة، الحكم بعقوبة الحبس لمدة تتراوح بين شهر وستة أشهر، إذا تم إصدار الأسهم دون أن يتم إصدار الأسهم النقدية عند الاكتتاب بمقدار الربع على الأقل، أو دون أن يتم تحرير أسهم الحصص تحريرا كاملا قبل تقييد الشركة بالسجل التجاري" والحال أن أصل العقوبة في هذه المادة هو الغرامة من 4000 إلى 20.000 درهم لكل مؤسسي شركة المساهمة وأعضاء أجهزة الإدارة أو  التدبير أو التسيير لشركة مساهمة الذين أصدروا أسهما إما قبل تقييد تلك الشركة بالسجل التجاري أو في أي وقت آخر إذا تم تقييد الشركة عن طريق الغش أو دون التقيد بالنصوص القانونية في القيام بإجراءات تأسيس الشركة.

[33] – على سبيل المثال نجد جريمة خيانة الأمانة المنصوص عليها في الفصل 547 من القانون الجنائي والمعاقب عليها بمقتضاه بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات، وغرامة من 200 إلى 2000 درهم، وقد تشدد هذه العقوبة وتصبح مدتها من سنة إلى خمس سنوات في الحالات التالية:

– إذا ارتكبها عدل أو حارس قضائي أو قيم أو مشرف قضائي أثناء قيامه بوظيفته.

– إذا ارتكبها الناظر أو الحارس أو المستخدم في وقف، إضرارا بهذا الأخير.

– إذا ارتكبها أجير أو موكل، إضرار بمستخدمه أو موكله. (ف549)

[34] – د/أحمد قيلش و دة/ سعاد حميدي و دة/ مجيدي السعدية و د/ محمد زنون "الوجيز في شرح القانون الجنائي العام" المرجع السابق، ص 109.

[35] – تنص هذه المادة على أنه: "يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة من 35.000 إلى 350.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل من ارتكب المخالفات المنصوص عليها في المادة 396 قصد حرمان إما كل المساهمين أو بعض منهم أو حاملي سندات القرض القابلة للتحويل أو بعض منهم، من قسط من حقوقهم في الذمة المالية للشركة".

[36] – بالرجوع إلى هذه المواد يتبين بشكل جلي أن الأمر يتعلق بظروف شخصية تعود إلى أسباب راجعة إلى شخصية المجرم.

[37] – ولقيام ظرف العود لابد من توفر شروط معينة تتمثل فيما يلي:

  • صدور حكم نهائي سابق بالإدانة حائز لقوة الشيء المقضي به(ف155).
  • أن يكون المقرر الصادر بالإدانة، قد صدر عن محكمة عادية لا عن محكمة عسكرية(ف 160).
  •  أن يصدر الحكم النهائي عن محكمة وطنية مغربية لا عن محكمة أجنبية.
  • أن ترتكب الجريمة بعد صدور الحكم النهائي عن محكمة وطنية مغربية لا عن محكمة أجنبية.
  • أن ترتكب الجريمة بعد صدور الحكم النهائي سواء تم تنفيذ العقوبة أو قبل تنفيذها.

وقد جاءت نفس المادة من مسودة مشروع القانون الجنائي بشرط سبق الحكم بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به، أي أنه لكي يعتبر الشخص في حالة عود يشترط أن يكون قد سبق وصدر في حقه حكم نهائي، وفق الشروط السالفة الذكر.

[38] – د/أحمد قيلش و دة/ سعاد حميدي و دة/ مجيدي السعدية و د/ محمد زنون "الوجيز في شرح القانون الجنائي العام" المرجع السابق، ص 110.

[39] – وتتمثل هذه الأحكام في كون:

  • حالة العود لا تؤدي إلى تغير نوع الجريمة إذا حكم بعقوبة متعلقة بنوع آخر من أنواع الجرائم (الفصل 112 من القانون الجنائي)، في حين يتغير نوع الجريمة إذا نص القانون على عقوبة متعلقة بنوع آخر من أنواع الجرائم بسبب ظروف التشديد (ف 113)
  • حالة العود تتحقق في كافة أصناف الجرائم (جنايات (ف 156)، جنح (ف 157)، مخالفات (ف 159))، في حين تقتصر ظروف التشديد المحددة قانونا على الجنايات والجنح (ف 153).
  • تحديد كيفية رفع العقوبة أو تعويضها بعقوبة أشد، في قواعد عامة هي الواردة في المواد 155 و 156 و 157 و 159 والتي تطبق على جميع الجرائم التي تتحقق بها حالة العود، بينما رفع العقوبة أو تعويضها بسبب ظروف التشديد ليست خاضعة لقواعد عامة، وإنما تحددها في كل جريمة على انفراد النصوص التي تقرر ظرفا من تلك الظروف.
  • حالة العود كظرف مشدد شخصى، تبقى مرتبطة بالمجرم وحده وبالتالي فهي لا تسري على المساهمين أو المشاركين في الجريمة، إلا إذا تحققت فيهم شروطها، على خلاف ظروف التشديد العينية.

[40] – ينص الفصل 156 على: "من سبق الحكم عليه من أجل جناية بعقوبة تزيد عن الحبس لمدة سنة، بحكم حائز لقوة الشيء المحكوم فيه، ثم ارتكب، قبل مضي خمس سنوات من تمام تنفيذ تلك العقوبة أم تقادمها، جناية أو جنحة يعاقب عليها القانون بالحبس، يجب أن يحكم عليه بالحد الأقصى لتلك العقوبة، ويجوز أن تبلغ العقوبة إلى ضعفه". ويلاحظ من خلال مسودة مشروع القانون الجنائي، أن هذا الفصل هو الآخر سيعرف تعديلا بحيث سيختص فقط بالأشخاص الذين سبق لهم ارتكاب جنايات معاقب عليها بعقوبة جنحية سالبة للحرية والتي صدر في شأنها مقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به، ثم ارتكبوا قبل مضي خمس سنوات، جنحة يعاقب عليها بالحبس، يجب على القاضي أن يحكم بالحد الأقصى لتلك العقوبة أ وضعفها. وهذا الفصل سواء بالشكل الذي هو عليه الآن، أو فيما سيصير عليه، غير متسق وما هو وارد في قوانين الشركات، هذه الأخيرة جل الجرائم المنصوص عليها في إطارها هي عبارة عن مخالفات لا ترقى إلى مستوى الجنايات، ناهيك على أن المادة 375 من قانون 17.95 صرحت بمضاعفة العقوبة، مما يقيد القاضي عن الحكم بالحد الأقصى للعقوبة.

[41] – ينص هذا الفصل على أن: "من سبق الحكم عليه من أجل جنحة بعقوبة الحبس، بحكم حائز لقوة الشيء المحكوم فيه، ثم ارتكب جنحة مماثلة قبل مضي خمس سنوات من تمام تنفيذ تلك العقوبة أو تقادمها، يجب الحكم عليه بعقوبة الحبس الذي لا يتجاوز ضعف الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانونا للجنحة الثانية". هذا الفصل هو الآخر يرتقب أن يمسه تغيير من خلال مسودة مشروع القانون الجنائي بحيث تضمن الاقتراح الجنحة المعاقب عليها بعقوبة الحبس والغرامة أو إحداهما، والتي أعقبتها نفس الجنحة أو جنحة مماثلة، وأعطى واضع المسودة للقاضي الخيار في الحكم عليه بالعقوبة الملائمة شرط أن لا تتجاوز ضعف الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانونا للجنحة الثانية.

وهذا الفصل المقترح هو الآخر لا يمكن تصور تطبيقه على قوانين الشركات لأنه كما سبق وبينا ذلك، فقوانين الشركات وإن كانت تضم عقوبات حبسية بالاضافة إلى الغرامة إلا أنها لا تضم أي مقتضى ينص على العقوبة الحبسية منفردة، وأيضا لأن المادة 375 تنص على مضاعفة العقوبة وليس ضعف الحد الأقصى.

[42] – كانت هذه المواد تنص على أنه: "يعتبر في حالة عود في مفهوم هذا القانون من يرتكب جريمة بعد أن يكون قد حكم عليه بالحبس أو الغرامة أو هما معا، بحكم حائز لقوة الشيء المقضي به من أجل جريمة سابقة وذلك خلافا للفصلين 156 و 157 من القانون الجنائي"

[43] – العود العام: هو الذي تنتفي فيه المماثلة حيث يرتكب المجرم جرائم متنوعة، إذ يكفي أن تكون هناك إدانة سابقة دون الحاجة لأن تكون الجريمة الجديدة مماثلة للجريمة السابقة ومن نفس طبيعتها وهذا هو العود الخاص(الفصلين 155 و 156 من القانون الجنائي)

[44] – العود المؤبد: هو الذي لا يتوقف إعماله على مدة معينة (ف 155ق.ج)، عكس العود المؤقت الذي يلزم أن تمر مدة زمنية على الإدانة السابقة (الفصول 156 و 157 و 1544 من ق.ج).

[45]الجريمة المماثلة: رغم أن مشرع المادة 375 والمادة 101 لم يحدد نطاق الجريمة المماثلة، وما إذا كان مقتصرا على قوانين الشركات، أم تجاوزه إلى الجرائم المماثلة في القسم العام، إلا أنه واستنادا إلى مجموعة من المعايير، يمكن جسم القول إلا بأن الجريمة المماثلة التي قصدها المشرع هي الواردة في قوانين الشركات، وتتمثل هذه المعايير في:

  1.  أن الفقرة الأولى من المادة 375 و المادة 101 تصرحان بمضاعفة العقوبة المقررة في هذا القسم م 375 (هذا الباب م 101) في حالة العود، مما يعني أن الأمر يتعلق بالعقوبات الواردة في قوانين الشركات (قانون 17.95 وقانون 5.96)
  2. كما أنه بالرغم من أن بعض جرائم قوانين الشركات تجد تطبيقا لها في القسم العام المتعلق بالقانون الجنائي، إلا أنها لا تتضمن نفس العقوبات، ذلك بأن العقوبات الواردة في القانون الجنائي هي أشد قساوة من نظيرتها الواردة في قوانين الشركات، مما يتنافى وتحقق شرط المماثلة.
  3. بالاضافة إلى كل ذلك لا ينبغي أن نغفل المقتضى الذي جاء صريحا في المادتين 375 و 101 والذي حاذ بشكل صريح عن الفصول 156 و 157 من القانون الجنائي هذا الحياد فرضته بالأساس هيمنة العقوبات الماليىة في جرائم الشركات.
  4. فضلا عن كل ذلك فبالاطلاع على الفصل 158 من القانون الجنائي نجده قد حدد حالات الجنح المماثلة لتقرير العود على سبيل الحصر، بحيث لم تتضمن أي مقتضى يتعلق بقوانين الشركات، مما يعني بالتالي أن العقوبات المماثلة في القانون الجنائي تقتصر على الجرائم المنصوص عليها بمقتضاه، ولا تتجاوزه إلى قوانين الشركات.

[46] – يرتقب من خلال مسودة مشروع القانون الجنائي أن يعبر عنه بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به، وهو مفهوم أعم على اعتبار أنه يشمل في مضمونه كلا من الحكم والقرار، مما يعني التأكيد على الشرط الذي يقضي بأن يكون الحكم نهائيا.

[47] – يلاحظ أن مشروع مسودة القانون الجنائي استبدل شرط عقوبة تزيد عن الحبس لمدة سنة، بعقوبة جنحية سالبة للحرية.

[48] – قد يحصل أن تكون حصة الشريك في الشركة حصة عينية، فتكون عبارة عن براءة اختراع جصل عليها شريك محتمل من قبل فقدمها للشركة كجصته فيها.

[49] – قد يحصل أن تكون الشركة أثناء وجودها باستخدام أموالها ومجهوداتها وأعضائها وعمالها قصد الوصول إلى اختراع معين، وتحصل عليه بعد ذلك، مما يعني هنا أن براءة الاختراع هذه ملك للشركة وليست ملك للشركاء.

[50] – التي نصت على أن: " كل مساس عن عمد بحقوق مالك براءة كما هي محددة في المادتين 53و 54 أعلاه، يعتبر تزييفا ويعاقب عليه بالحبس من شهرين إلى ستة أشهر وبغرامة من 50.000درهم إلى 500.000 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، وفي حالة العود يمكن أن نرفع العقوبتان المذكورتان إلى الضعف، يعتبر الضنين في حالة عود وفقا لهذه المادة إذا صدر في حقه خلال الخمس سنوات السابقة حكم صار نهائيا من أجل ارتكاب أفعال مماثلة، يجوز للمحكمة كذلك أن تأمر بإتلاف الأشياء التي ثبت أنها مزيفة والتي هي ملك للمزيف وكذا بإتلاف الأجهزة أو الوسائل المعدة خصيصا لإنجاز التزييف".

[51] – التي تنص على أنه: "يعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين شهرين وستة أشهر، وبغرامة من 50.000 إلى 500.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين على كل مساس متعمد بحقوق مالك رسم أو نموذج صناعي.

يمكن مضاعفة العقوبة في حالة العود، يقصد بالعود في مدلول هذه المادة إذا أدين المحكوم عليه خلال السنوات السابقة بحكم نهائي بسبب أفعال مشابهة، تطبق كذلك العقوبات المنصوص عليها في الفقرة السابقة إذا كان الضنين في حالة عود كما لو صدر في حقه خلال الخمس سنوات السابقة حكم نهائي من أجل أفعال مماثلة.

يجوز للمحكمة كذلك أن تأمر بإتلاف الأشياء التي ثبت بأنها مزيفة والتي هي ملك للمزيف، وكذا بإتلاف الأجهزة أو الوسائل المعدة خصيصا لإنجاز التزييف".

 

[52] – حسام عبد المجيد يوسف جادو "المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية، دراسة مقارنة" دار الفكر الجامعي، شارع سوتير الاسكندرية، الطبعة الأولى 2012 ص 593.

[53] – عبد السلام بن حدو "الوجيز في القانون الجنائي المغربي" المرجع السابق، ص 299.

[54] – حسام عبد المجيد يوسف جادو "المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية، دراسة مقارنة" المرجع السابق، ص 593.

[55] – حسب مسودة القانون الجنائي فإن هاته المادة ستتعرض للتغيير بحيث ستصبح كالتالي: "في حالة الحكم بعقوبة جنحية، إذا لم يكن قد سبق الحكم على المتهم بالحبس من أجل جناية أو جنحة، خلال السنوات الخمس لارتكاب الجريمة المتابع من أجلها، يجوز للمحكمة أن تأمر بإيقاف تنفيذ تلك العقوبة كليا أو جزئيا، على أن تعلل ذلك".

[56] – فلاح خدوج "المسؤولية الجنائية لمسير شركات المساهمة ومدى التراجع عن الطابع الزجري" مرجع سابق، ص30.

[57] – حسام عبد المجيد يوسف جادو "المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية، دراسة مقارنة" مرجع سابق، ص 594.

فبالنسبة للجنايات والجنح: أجاز المشرع الفرنسي إيقاف التنفيذ إذا ثبت أنه لم يسبق الحكم على الشخص المعنوي في خلال الخمس سنوات السابقة على ارتكاب الجريمة، بغرامة تزيد على 40.0000€ في جناية أو جنحة (المادة 132/30)، ومن ثم فإن المشرع الفرنسي يكون قد اعتد بجزء زمني من الماضي الجنائي للشخص المعنوي، حدده بمدة الخمس سنوات السابقة على ارتكاب الجريمة موضوع المحاكمة، مقيدا إجازة إيقاف العقوبة في جريمة جديدة، بأن تكون العقوبة المقضى بها خلال المدة السابقة هي الغرامة، وأن لا يزيد حدها عن 40.000€ في جناية أو جنحة، ومن ثم لا يكون إيقاف العقوبة الجديدة جائزا إذا زادت الغرامة السابقة عن هذا الحد، أما بالنسبة للعقوبات التي يقضى بها في الجريمة الجديدة مع إجازة إيقاف تنفيذها، فهي في الجنايات والجنح الغرامة والحرمان من ممارسة النشاط والإبعاد من السوق العام والمنع من الدعوة العامة للادخار، والمنع من إصدار الشيكات أو استعمال بطاقات الوفاء.

أما بالنسبة للمخالفات: فقد أجاز المشرع الفرنسي وقف تنفيذ العقوبة الصادرة فيها إذا ثبت عدم عقاب الشخص المعنوي خلال الخمس سنوات السابقة على ارتكابه إياها بغرامة تزيد على 100.000€ وفي جناية أو جنحة ( المادة 132/33). ومن الملاحظ أن المشرع قد خفف من الحد الأقصى للغرامة المحكوم بها سلفا خلال الخمس سنوات السابقة على الجريمة الجديدة إلى الربع تقريبا، ومن ثم فإنه لا يجوز إيقاف تنفيذ عقوبة المخالفة إذا زادت عن هذا الحد، وإن كان يجوز إيقاف تنفيذ عقوبة الجناية أو الجنحة طالما لم تتجاوز تلك الزيادة مبلغ 400.000€ وتتمثل العقوبات التي يجوز إيقاف تنفيذها في المخالفات، في الغرامة بالنسبة لمخالفات الدرجة الخامسة والمنع من إصدار الشيكات (المادة 132/34)[57].

[58] – في حين أن وقف التنفيذ في الجرائم الأخرى يمكن للقاضي أن يقوم بتفريده متى تعلق الأمر بالعقوبة الضبطية الأصلية، الحبس أو الغرامة، فلا يطبق في العقوبة الجنائية والتأديبية والإضافية ولا يهم أن تكون الجريمة جناية مادام الحكم صادرا بالحبس بفعل سبب مخفض للعقوبة، كما أنه لا يطبق على عقوبة الغرامة غير الجنائية، كالغرامات المدنية والعقوبات المالية والتأديبية، والقاضي إذا حكم في آن واحد بالحبس والغرامة، أمكنه أن يمنح وقف التفيذ من أجلهما معا أو واحدة منهما فقط، وبصفة عامة لا يمنح وقف التنفيذ إلا للعقوبات الجنحية.

[59] – عبد السلام بن حدو "الوجيز في القانون الجنائي المغربي" المرجع السابق، ص 297.

[60] – حسام عبد المجيد يوسف جادو "المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية، دراسة مقارنة" مرجع سابق، ص 597.

[61] – حسام عبد المجيد يوسف جادو "المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية، دراسة مقارنة" دار الفكر الجامعي، شارع سوتير الاسكندرية، الطبعة الأولى 2012 ص 597.

[62] – يلاحظ حدوث تغيير في هذه المدة بموجب مسودة مشروع القانون الجنائي، بحيث فرق واضع المسودة بين المدة المخصصة للجنح والتي حددها في 3 سنوات، في حين قصر مدة 5 سنوات على الجنايات.

[63] – عبد السلام بن حدو "الوجيز في القانون الجنائي المغربي" المرجع السابق، ص 297.

[64] – أما الإدانة بالحبس أو غرامة من أجل جرائم عسكرية، فإنها لا تقضي على وقف التنفيذ، وقد حذف واضع المسودة هذا المقتضى بحيث أصبح الأمر يتعلق بكافة الجنايات والجنح دون تحديد.

[65] – عبد السلام بن حدو "الوجيز في القانون الجنائي المغربي" المرجع السابق، ص 299.

[66] – قبل قانون الشركات الفرنسي ل 24 يوليوز 1966 فإن نصا واحدا أشار إلى فكرة مصلحة الشركة، وهو مرسوم 8 غشت 1935 المتعلق بمعاقبة إساءة استعمال أموال الشركة، ورغم أن قانون الشركات الفرنسي ل 24 يوليوز 1966، حافظ على مقتضيات المرسوم المذكور، إلا أنه لم يحدد المقصود بمصلحة الشركة.

[67] – تعرف مصلحة الشركة لدى الفقه والقضاء الفرنسي تحت مسميات عديدة، نجد من بينها المصلحة الاجتماعية، والمصلحة الجماعية، والمصلحة العامة للشركة… والمصطلح المتداول هو مصطلح مصلحة الشركة.

[68] – هناك من يرجع أسباب هذا الإهمال إلى عوامل تاريخية، ذلك أن مفهوم، أو تصور مصلحة الشركة يفترض تحرر شركة المساهمة من التصور العقدي، حيث كان ينبغي انتظار تفوق مبدأ الأغلبية وانتشار القواعد القانونية للتسيير لتصبح شركة المساهمة مؤسسة تستجيب للشروط الموضوعية التي تسمح لمصلحة الشركة بالظهور. مأخوذ عن مؤلف ل J.Schapira أورده الدكتور عبد الواحد حمداوي "تعسف الأغلبية في شركة المساهمة، دراسة مقارنة" مطبعة الأمنية الرباط 2013، ص 117.

[69] – د/ مصطفى بوزمان "مفهوم المصلحة الاجتماعية في الشركات التجارية، دراسة مقارنة"، مقال منشور بمجلة القضاء التجاري، العدد الخامس، السنة الثالثة 2015، ص73

[70] – الدكتور عبد الواحد حمداوي "تعسف الأغلبية في شركة المساهمة، دراسة مقارنة" مرجع سابق، ص 117.

[71] – يتعلق الأمر بالمادة 144 من ق. 17.95 التي تنص على أنه: "تعد شركة مراقبة لشركة أخرى…حينما تملك وحدها أغلبية حقوق التصويت في تلك الشركة بمقتضى اتفاق مبرم مع شركاء أو مساهمين آخرين لا يتنافى مع مصلحة الشركة"

[72] – يتعلق الأمر هنا بالمادة 384 من قانون شركة المساهمة والتي اعتبرت أنه من بين شروط قيام جريمة إساءة استعمال أموال واعتمادات الشركة أن يتم الاستعمال عن علم وأن يتعارض مع المصالح الاقتصادية للشركة.

[73] – د/ مصطفى بوزمان "مفهوم المصلحة الاجتماعية في الشركات التجارية، دراسة مقارنة"، مرجع سابق، ص77.

[74] – أستاذنا هشام بوحوص "محاضرات في مادة جرائم الشركات" م.س ص 37.

[75] – أستاذنا الدكتور هشام بوحوص "خطر الأشخاص المعنوية على الحقوق الخاصة، الشركات التجارية نموذجا" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة، السنة الجامعية 2006/2007، ص19.

[76] – زهير بونعامية "الاعتبار الشخصي في شركات المساهمة" دار القلم، الرباط 2011 ص 32.

[77] – زكري ويس ماية الوهاب "جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة" بحث مقدم لنيل شهادة الماجستير في القانون، جامعة الإخوة منتوري –قسنطينة- كلية الحقوق، السنة الجامعية 2004/2005، ص61.

[78] – د/ مصطفى بوزمان "مفهوم المصلحة الاجتماعية في الشركات التجارية، دراسة مقارنة"، مرجع سابق، ص.76

[79] – وفي علاقة ذمة المساهمين بذمة الشركة، باعتبارها شخصية معنوية، فإنهم يقدمون حصصا نقذيه أو عينية تشكل رأسمالها مقابل حصولهم على مردود سنوي غير محدد أو غير معروف مسبقا، ينشأ بذلك تزاوج عجيب بين الشريك مقدم الحصة والمكتتب وبين الشركة، دون أن يهدم هذا التزاوج التفرقة بين ذمة الشركة وذمة المساهم، ومن مظاهر استقلالية الذمة المالية للشركة أن هذه الذمة تشكل ضمانة للوفاء بديون الشركة دون سواها من ديون المشاركين أو المساهمين فيها، في مقابل ذلك لا تجوز مطالبتهم بآداء ديون الشركة متى تعلق الأمر بشركات ذات مسؤولية محدودة، كما تخضع أرباح الشركة لضريبة مستقلة عن ضريبة أرباح هؤلاء الشركاء أو المساهمين، ردا على ذلك أنه لا تمتد إليهم بالضرورة مساطر معالجة الشركة

[80] – حيث لم تعد ثمة حاجة لجمعية تأسيسية بعد أن أصبحت مراقبة التأسيس مناطة بالقضاء، كما أن التدخلات أثناء سير الشركة أصبحت واسعة وأضحى القضاء مطالبا بحماية حقوق الأقلية، وضمان مصلحة الشركة، وإعلام المساهمين، وتطبيق عقوبات القانون الجنائي للأعمال.

مقتبس عن مؤلف أستاذنا الدكتور هشام بوحوص "محاضرات في مادة جرائم الشركات" المرجع السابق ص 38.

[81] – مقتبس عن مؤلف أستاذنا الدكتور هشام بوحوص "محاضرات في مادة جرائم الشركات" المرجع السابق ص 46.

[82] – الدكتور عبد الواحد حمداوي "تعسف الأغلبية في شركة المساهمة، دراسة مقارنة" مرجع سابق، ص 120.

[83] « la société n’est pas constituée en vue de satisfaire un autre intérêt que celui des associés, qui on seuls vocation à partager entre eux le bénéfice sociale ». Annie Medina : Abus de bien sociaux. Prévention-Détection-Poursuite. Dalloz. Référence Droit de l’entreprise éditions DALLOZ 2001.

أوردته زكري ويس ماية الوهاب "جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة" م.س، ص66.

[84] – قرار رقم 597 بتاريخ 02/07/2002 في الملف رقم 705/01 منشور بمجلة المحاكم التجارية، العدد الثاني، الطبعة الثانية، مارس 2007، دار القلم – 12 شارع النور، الرباط، ص200.

[85] – تنبغي الاشارة في هذا الصدد إلى حالة الشركات التي تنتمي إلى المجموعة الواحدة، وما إذا كان القاضي يستند لتكييف العمل على مصلحة كل شركة على حذا أم إلى مصلحة المجموعة ككل:

 لم ﺗﺒﯿﻦ اﻟﻨﺼﻮص اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﯿﺔ أﯾﺔ ﻃﺮﯾﻘﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﺘﻘﺪﯾﺮ ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﺸﺮﻛﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻜﻮن هذه اﻷﺧﯿﺮة ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺸﺮﻛﺎت أﺧﺮى ﻣﺘﻮاﺟﺪة ﺿﻤﻦ اﻟﻤﺠﻤﻮع .

ھﺬا وإنّ اﻟﻘﻀﺎء اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﯾﻌﺘﺒﺮ أن اﻟﺘﺒﻌﯿﺔ ﻟﻠﻤﺠﻤﻮع ﻻ ﺗﻜﻔﻲ وﺣﺪھﺎ ﻹزاﺣﺔ ﺗﻜﯿﯿﻒ ﺟﺮﯾﻤﺔ إساءة استعمال أموال واعتمادات اﻟﺸﺮﻛﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻤﺴﺎس ﺑﻤﺼﻠﺤﺘﮭﺎ إذا ﻣﺎ اﺳﺘﻌﻤﻠﺖ أﻣﻮال أو اعتمادات الشركة لمصلحة شركات أخرى،

وﻣﻦ أﻣﺜﻠﺔ اﻟﻘﻀﺎء اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻘﺒﯿﻞ اﺳﺘﺨﺪام أﻣﻮال ﺷﺮﻛﺔ دون ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻛﺎف ﻟﻔﺎﺋﺪة ﺷﺮﻛﺔ أﺧﺮى ﺗﻜﻮن ﻟﻠﻤﺪﯾﺮ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻓﯿﮭﺎ، وﻛﺬا ﻋﻤﺎل وﻋﺘﺎد اﻟﺸﺮﻛﺔ ﻓﻲ ورﺷﺎت شركة أﺧﺮى ﺧﺎﺻﺔ ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﻠﻤﺪﯾﺮ، ﻛﻤﺎ ﯾﻌﺘﺒﺮ اﻟﺒﯿﻊ ﻓﻲ ﺻﺎﻟﺢ ﻣﺪﯾﺮ اﻟﺸﺮﻛﺔ اﻟﻤﺘﻀﺮرة ﺷﺨﺼﯿﺎ ﻣﻘﯿﻤﺎ ﻟﻠﺠﺮﯾﻤﺔ ﻛﺄن ﺗﻘﻮم ﺷﺮﻛﺔ ﺑﺎﻟﺒﯿﻊ ﺑﺎﻟﺨﺴﺎرة ﻟﺸﺮﻛﺔ أﺧﺮى ﻟﻠﻤﺪﯾﺮ اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﻓﯿﮭﺎ، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ أنه ﯾﻜﻔﻲ ﻟﻘﯿﺎم ﺟﺮﯾﻤﺔ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﺘﻌﺴﻔﻲ ﻷﻣﻮال اﻟﺸﺮﻛﺔ اﻣﺘﻨﺎع ﻣﺪﯾﺮ ﺷﺮﻛﺔ ﻋﻦ ﻣﻄﺎﻟﺒﺔ شركة أﺧﺮى له ﻓﯿﮭﺎ ﻣﺼﺎﻟﺢ ﺑﺘﺴﺪﯾﺪ ﺛﻤﻦ ﺑﯿﻊ اﻟﺒﻀﺎﻋﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻠﻤﺘﮭﺎ هذه اﻟﺸﺮﻛﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﺮﻛﺔ التي ﯾﺪﯾﺮھﺎ، ﻋﻼوة ﻋﻦ أداء ﺧﺪﻣﺎت ﺑﺪون ﻣﻘﺎﺑﻞ أو ﺑﺴﻌﺮ ﻣﻨﺨﻔﺾ ﻟﺼﺎﻟﺢ ﺷﺮﻛﺔ أﺧﺮى وﻏﯿﺮها ﻣﻦ اﻷﻣﺜﻠﺔ اﻷﺧﺮى .

غير أنه ﻗَﺒِﻞ اﻟﻘﻀﺎء اﻷﺧﺬ ﺑﻌﯿﻦ اﻻﻋﺘﺒﺎر ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻮلا ﺑﻤﺼﻠﺤﺔ ﻣﺠﻤﻮع اﻟﺸﺮﻛﺎت وﯾﻜﻮن ذﻟﻚ ﺑﻌﺪ اﻟﺘﺤﻘﻖ ووزن اﻟﻤﺼﺎﻟﺢ اﻟﺬي ﯾﺘﻢ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎرﻧﺔ ﺑﯿﻦ ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﻤﺠﻤﻮعة اﻟﻤﺴﺘﻔيدة ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ وﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﺸﺮﻛﺔ اﻟﻤﺼﺎﺑﺔ ﻣﻦ هذه اﻷﺧﯿﺮة ﺷﺮط أن ﻻ ﺗﻜﻮن هذه اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ﻣﺠﺮﻣﺔ، ﻓﮭﻨﺎك اﺳﺘﺒﺪال ﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﺸﺮﻛﺔ اﻟﺘﻲ أﺻﯿﺒﺖ ﻣﻦ ﺟﺮاء اﻻﺳﺘﻌﻤال اﻟﻮاﻗﻊ ﻋﻠﻰ أﻣﻮاﻟﮭﺎ واﻋﺘﻤﺎدھﺎ ﺑﻤﺼﻠﺤﺔ ﻣﺠﻤﻮعة اﻟﺸﺮﻛﺎت .

وﻗﺪ ﺗــﻢ ﺗﺤﺪﯾــﺪ ﺷــﺮوط ھﺬا اﻻﺳﺘــﺒــﺪال ﻓـﯿــﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻣــﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﺤﻜـﻤـﺔ اﻟﻨﻘــﺾ اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ ﺑﻤﻮﺟﺐ ﻗﺮار ﺻﺎدر في 4 ﻓﯿﻔﺮي 1985 واﻟﻤﺘﻌـﻠــﻖ ﺑﻘﻀﯿﺔ « Rozenblum » ، واﻟﺬي اﻋﺘﺒﺮت فيه اﻟﺠﮭــﺎت اﻟﻘﻀﺎﺋﯿــﺔ اﻟﻌﻠـﯿــﺎ أن اﻹﻋﺎﻧــﺔ اﻟﻤﺎﻟــﯿــﺔ اﻟﻤﻘــﺪﻣــﺔ ﻣﻦ ﺷــﺮﻛــﺔ ﻷﺧــﺮى اﻟﻤﺘﻮاﺟــﺪة ﻓﻲ ﻧـﻔــﺲ اﻟﻤﺠﻤــﻮعة ﯾﺠــﺐ أن ﺗـﻜــﻮن ﻣﻤــﻼة ﺑﺎﻟﻤـﺼـﻠﺤــﺔ اﻻﻗــﺘــﺼــﺎدﯾــﺔ، اﻻﺟــﺘﻤﺎﻋــﯿــﺔ أو اﻟﻤـﺎﻟــﯿــﺔ اﻟﻤﺸـﺘــﺮﻛــﺔ واﻟـﻤـﻘــﺪرة ﺑﺎﻟﻨــﻈــﺮ إﻟــﻰ اﻟﺴــﯿﺎﺳــﺔ اﻟﻤــﻘــﺮرة ﻟﮭــﺬا اﻟﻤﺠـﻤــﻮعة، ﻛﻤــﺎ ﯾﺠــﺐ أن ﻻ ﺗﻜـــﻮن ﻋﺪﯾــﻤــﺔ اﻟﻤﻘــﺎﺑـــﻞ أو ﺗـﻘـﻄــﻊ اﻟﺘـــﻮازن ﺑﯿـــﻦ اﻻﻟــﺘـﺰاﻣــــﺎت اﻟﻤــﺘــﻌــﻠــﻘـة بمـﺨـﺘــﻠــﻒ اﻟﺸــﺮﻛﺎت اﻟﻤـﻌــﻨــﯿـﺔ، وأن ﻻ ﺗُــﺠــﺎوز اﻹﻣــﻜــﺎﻧــﯿــﺎت اﻟﻤــﺎﻟــﯿــﺔ ﻟﻠــﺸــﺮﻛـــﺔ اﻟــﺘــﻲ ﺗــﺘــﺤــﻤـــﻞ اﻟــﻌــﺐء " .

وھﻜﺬا ﻓﺈن اﻟﻔﻌﻞ اﻟﻤﺒ ﺮّر ﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﻤﺠﻤﻮعة ﻻ ﯾﺆﺧﺬ به إﻻ إذا اﺟﺘﻤﻌﺖ ﺛﻼﺛﺔ ﺷﺮوط ﻣﻌﺎ :

1 – أنه ﻣﻦ اﻟﻀﺮوري أن ﺗﺘﻮاﺟﺪ اﻟﺸﺮﻛﺔ ﺣﻘﺎ ﻓﻲ إﻃﺎر ﻣﺠﻤﻮع اﻟﺸﺮﻛﺎت ، وعليه ﻓﺎلفعل اﻟﻤﺒﺮر ﻻﺳﺘﺒﺪال ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﺸﺮﻛﺔ اﻟﻤﻌﻨﯿﺔ ﺑﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﻤﺠﻤﻮعة ﯾﻘﻮم ﻋﻠﻰ أﺳﺎس أﺧﺬ القاضي ﺑﻌﯿﻦ اﻻﻋﺘﺒﺎر ﻟﻠﺤﻘﯿﻘﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﻟﻮﺣﺪة اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻣﻦ ﺷﺮﻛﺎت اﻟﻤﺠﻤﻮعة .

2 – ﯾﺠﺐ أن ﻻ ﯾﻜﻮن اﺳﺘﻌﻤﺎل أﻣﻮال او ﻋﺘﻤﺎدات اﻟﺸﺮﻛﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﻤﻮعة وﻟﺼﺎﻟﺢ ﺷﺮﻛﺔ أﺧﺮى فيها

دون ﻣﻘﺎﺑﻞ، ﻓﻼ ﯾﺸﺘﺮط ھﻨﺎ أن ﯾﻜﻮن اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﻤﺸﺮوط ﻋﺎدة ﻋﻨﺪ القيام ﺑﻌﻤﻠﯿﺔ ﻣﻦ ﻧﻔﺲ اﻟﻨﻮع ﺑﯿﻦ ﺷﺮﻛﺎت أﺟﻨﺒﯿﺔ، ﻓﺎﻟﻘﺎﺿﻲ ﯾﺄﺧﺬ ﺑﻌﯿﻦ اﻻﻋﺘﺒﺎر اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﺠﻮھﺮي ﻟﻠﻤﻘﺎﺑﻞ .

3 – إن اﻟﺸﺮﻛﺔ اﻟﻤﻌﻨﯿﺔ ﯾﺠﺐ أن ﻻ ﺗﻜﻮن ﻣﻮﺿﻮع ﺗﻀﺤﯿﺔ ﻟﺤﺴﺎب ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﻤﺠﻤﻮعة، ﻓﺎﻟﻤﺠﮭﻮد اﻟﻤﻄﻠﻮب ﯾﺠﺐ أن ﻻ ﯾﺘﺠﺎوز إﻣﻜﺎﻧﯿﺎﺗﮭﺎ اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ وﻣﻦ اﻟﻈﺎھﺮ ھﻨﺎ أن اﻟﻤﺠﮭﻮد المتفق عليه يجب أن لا يهدد استمراسية استغلال المقاولة.

أوردته زكري ويس ماية الوهاب "جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة" م.س، ص68-70.

[86] – أستاذنا هشام بوحوص "محاضرات في مادة جرائم الشركات" م.س ص 47.

[87] – حيث قضت محكمة النقض الفرنسية بأن موافقة المساهمين أو الشركاء على استعمال المسير لأموال الشركة قصد تحقيق مصالحه الخاصة، لا تنهض سببا لنزع الطابع الجرمي عن هذا الاستعمال، فمصلحة الشركة ليست رهن إشارة المساهمين أو الشركاء، وليس لهم أحقية التجكم فيها.

كما اعتبرت نفس المحكمة، أن المجني عليه الأول في جريمة إساءة استعمال أموال واعتمادات الشركة هي الشركة كشخص معنوي، حيث قضت في حكم لها: "لم يكن النص على هذه الجريمة يستهدف حماية مصلحة الشركاء، ولكن حماية الذمة المالية للشركة ذاتها، وحماية الأغيار الذين يتعاملون معها"

للمزيد حول هذا الموضوع، راجع مؤلف أستاذنا "محاضرات في مادة جرائم الشركات"ص 46.

[88] – جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى، محكمة النقض حاليا ما مفاده أن: "لئن كانت مقتضيات المادة 1015 من ق.ل.ع تقضي بأن حق إدارة شؤون الشركة تكون لجميع الشركاء مجتمعين، وأنه لا يجوز لـأي واحد أن ينفد بمباشرة هذا الحق ما لم يأذن له الآخرون بذلك، فإن الفصل 1012 من نفس القانون يعطي للشريك في مثل هذه الشركة الحق في إجراء أعمال الإدارة دون موافقة شركائه، متى كان الأمر المراد إجراؤه مستعجلا بحيث أن تركه، يرتب للشركة ضررا، فالمطالبة بديون الشركة على الغير المهددة بالسقوط بالتقادم تعتبر من الإجراءات المستعجلة التي يترتب على تركها الإضرار بالشركة، وبالتالي فإن المطالبة بها من طرف أحد الشريكين ودون الحصول على موافقة المسير الآخر تعتبر سليمة من حيث الصفة استنادا إلى الفصل 1012 من ق.ل.ع".

القرار عدد 141 المؤرخ في 16/02/2005، الصادر في الملف التجاري عدد 88/03 من سنة 2000 منشور بمجلة القضاء التجاري، العدد الرابع السنة الثانية 2004،  ص 205

[89] – يعرف الخطر الشاذ أو ما يسمى أعمال الإدارة الشاذة بأنه العمل الذي يتم ارتكابه لتحقيق مصلحة أخرى مغايرة لمصلحة المشروع التجاري، أو يحقق لهذا الأخير مصلحة ضعيفة أقل مما كان ينبغي جنيه من العمل.

[90] – أستاذنا هشام بوحوص "محاضرات في مادة جرائم الشركات" م.س ص 65.

[91] – تنبغي الاشارة في هذا الصدد إلى أن القضاء الفرنسي قد قلب عبئ الإثبات بالنسبة لجريمة إساءة استعمال أموال واعتمادات الشركة، وأوقعه على عاتق المسير، في حين أن الأصل والمبدأ العام هو أن عبئ الاثبات يقع على النيابة العامة، وهذا تحول كبير نهجه القضاء الفرنسي.

للمزيد حول هذا الموضوع راجع أطروحة أستاذنا الدكتور هشام بوحوص "دور الاجتهاد القضائي في تحديد نطاق المسؤولية الجنائية في القانون الجنائي للأعمال".

[92] – حسب هذا المعيار، يعتبر العمل استعمالا تعسفيا لأموال واعتمادات الشركة كل تعاقد أو اتفاق يجري باسم الشركة، وفي مقابله لم تحصل الشركة على أية ميزة حالة وجادة.

[93] – فحسب هذا المعيار فإنه يعتبر عملا مضادا لمصلحة الشركة، العمل الذي تنشأ عنه خسارة للشركة، أو يخشى معه تحقيق هذه الخسارة دون وجود أية فرصة للربح.

[94] – فتقدير الأخطار أو اجتماع العناصر المكونة لجريمة  إساءة استعمال أموال واعتمادات الشركة، ﯾﺘﻢ ﺑﺎﻟﺮﺟﻮع إﻟﻰ وﻗﺖ ارﺗﻜﺎب اﻷﻓﻌﺎل، غير أنه وﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﺤﺪﯾﺪ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻔﻌﻞ ﻣﺤﻞ اﻟﻨﺰاع ﺗﻘوم اﻟﻤﺤﺎﻛﻢ ﺑﻌﻤﻞ ﺟﺒﺎر ﯾﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺪﯾﺮ وﻓﺤﺺ ﻛﻞ اﻟﺤﺎﻻت ﺣﺎﻟﺔ ﺑﺤﺎﻟﺔ واﻟﻨﻈﺮ إذا ما تم اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﺸﺮﻛﺔ أم ﻋﻠﻰ العكس من ذلك ﯾﻮﺟﺪ اﺣﺘﻤﺎل أن ﯾﻜﻮن اﻟﻔﻌﻞ اﻟﻤﺮﺗﻜﺐ ﻣﺨﺎلف ﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﺸﺮﻛﺔ.

[95] – نفس المرجع ص 74.

[96] – زكري ويس ماية الوهاب "جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة" م.س، ص73.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى