التصريح بالديون في المساطر الجماعية
مقدمة:
1 = إن فتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية في حق المقاولة، يقتضي بالضرورة معرفة وضعية ومقدار خصومها لتقدير درجة قابليتها للاستمرارية، واختيار الحل الملائم للصعوبات التي تعاني منها، وكذا لتحديد الحقوق الفردية للدائنين داخل المسطرة حسب طبيعة الحل المعتمد، ( مخطط الاستمرارية أو التفويت أو التصفية) . ومن الطبيعي أن يكون تقويم وضعية المقاولة أكثر صعوبة كلما كان جانب الخصوم مهما .
2= ويتم تحديد المبلغ الدقيق للخصوم عن طريق مسطرة التصريح بالديون وتحقيقها التي تمكن الدائنين من التعريف بحقوقهم ، وتسمح لأجهزة المسطرة بالتثبت من صحة تصريحات الدائنين، الشئ الذي يمكن في النهاية من معرفة الحجم الإجمالي للخصوم، واختيار الحل المناسب لوضعية المقاولة، بل والمساهمة في تمويلها عبر التخفيف من عبء الديون غير المصرح بها. هكذا نلاحظ أن حق الدائنية (le droit de créance) بما هو سلطة اقتضاء الدين من المدين يكون غير موجود في حد ذاته عندما تفتح في حق هذا الأخير مسطرة للمعالجة، ويصبح من اللازم أن يخضع للتكريس القضائي بأن يقبله القاضي المنتدب ضمن لائحة الخصوم ويتم أداءه في إطار المخطط أو بطريق التوزيع في إطار التصفية القضائية .
3= وتعكس مسطرة التصريح بالديون وتحقيقها بشكل واضح الطابع الجماعي (le caractère collectif) لمساطر معالجة صعوبات المقاولة(1)،وهي تشكل مسطرة واحدة تبدأ من نشر حكم فتح المسطرة، ويمكن أن تنتهي حسب الحالات عقب الحكم القاضي بحصر مخطط التسوية أو الحكم الذي يقرر تصفية المقاولة . وتتمثل المرحلة الأولى من هذه المسطرة في التصريح بالديون فيما يمثل تحقيق الديون مرحلتها الثانية.
4= وسأقتصر في هذه الدراسة على تناول نظام التصريح بالديون الذي كان يتسم في ظل المدونة التجارية القديمة (ظهير 12 غشت 1983) بالاختيارية ونبذ القساوة وإهدار حقوق الدائنين المهملين للتصريح في أجله (المادتان 243 و 555 من هذه المدونة ) (2 )، بالمقابل فإن النظام القانوني للتصريح بالديون كما هو مضمن في المواد من 686 إلى 690 من مدونة التجارة يتصف بالصرامة والشدة في الاعتراف بحقوق الدائنين ، بحيث يتوجب احترام الالتزام بالتصريح ( المبحث الأول) تحت طائلة التعرض لجزاء صارم هو سقوط الحق ( المبحث الثاني).
المبحث الأول: الالتزام بالتصريح بالديون
5= بغية الوصول لمعرفة دقيقة لخصوم المقاولة ، كان من اللازم توسيع نطاق تطبيق مسطرة التصريح بالديون، مما يفرض من الناحية العملية على مجمل الدائنين السابقين التعريف بديونهم تحت طائلة فقدان الحق في اقتضائها (أولا) .
وبغرض التخفيف من خصوم المقاولة ، ومن ثم إنجاز عملية التقويم القضائي ، وضع المشرع شكليات آمرة للتصريح ، مما يفرض على الدائن أن يقطع مسارا صعبا للوصول إلى حقه (ثانيا) .
أولا : نطاق الالتزام بالتصريح
6= يجب على الدائنين التصريح بكل ديونهم كيفما كانت طبيعتها أو أهميتها (أ) مادام أن نشأتها سابقة على الحكم القاضي بفتح المسطرة (ب)، غير أن عمومية الالتزام لا تمنع من وجود بعض الاستثناءات أو التلطيفات المقررة لبعض الدائنين أو التي اقتضتها طبيعة بعض الديون (ج).
أ. الديون الخاضعة للتصريح
7= تستمد القاعدة الأساسية في مجال التصريح بالديون من نص المادة 686 من م.ت التي تقضي بأن : « يوجه كل الدائنين الذين يعود دينهم إلى ما قبل صدور الحكم فتح المسطرة باستثناء المأجورين تصريحهم بديونهم إلى السنديك …… » ، و هذا التصريح ملازم لقاعدة وقف المـتابعـــــات
( la règle de l’arrêt des poursuites ) (3 ). فخلافا للدائنين الذين يساهمون في مواصلة الاستغلال خلال فترة إعداد الحل ويستفيدون من تطبيق المادة 575 من م. ت، فإن وضعية الدائنين السابقين تجمد حتى يصرحوا بديونهم، ثم تسوى بعد ذلك على قدم المساواة في إطار المسطرة الجماعية. ولقد اعتبر الاجتهاد القضائي قاعدة التصريح بالديون من النظام العام، بحيث تلزم السنديك الذي لا يجوز له أن يقيد دينا في قائمة الديون دون علم من الدائن،كما تلزم المحكمة التي يجب عليها إثارتها تلقائيا (4 )، ويمكن إثارتها ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف، حتى لو سبق للسنديك أن أثار دعوى في الجوهر أمام محكمة الدرجة الأولى · وبناء على ذلك تكون الدعوى المقامة قبل التصريح غير مقبولة،وفي حالة الدعوى الجارية لا يمكن للمحكمة إصدار مقررها قبل أن تتأكد من إنجاز التصريح (5)·
وتطبيقا لما سبق قضت محكمة النقض الفرنسية(6) بأن محكمة الاستئناف التي ترفع إليها دعوى أداء ضد الكفلاء غير ملزمة بالبحث تلقائيا عما إذا كان الدائن قد صرح بدينه في مسطرة التسوية القضائية الجارية ضد الكفيل · كما قضت محكمة الاستئناف التجارية بفاس (7) بأن فتح مسطرة التصفية القضائية يوقف المتابعات الفردية ويحيل الدائن على عمليات التصفية القضائية مع إلزامه بالتصريح بالدين للسنديك ·
8= ولاشك أن صياغة المادة 686 المذكورة دالة بحد ذاتها على عمومية الالتزام بالتصريح بالديون، وهي العمومية التي عمل الاجتهاد القضائي على تكريسها وتأكيدها · وهكذا فإن الالتزام بالتصريح يشمل الديون كيفما كانت طبيعتها ، سواء كانت مدنية أو تجارية (8)، ذلك أن مبدأ وحدة الذمة يفرض التصريح بالديون الشخصية للمدين عندما يكون مقاولا فرديا، حتى ما كان منها ناشئا قبل اكتسابه صفة تاجر· ونفس الشئ يصدق على الديون التجارية المتعلقة بمقاولة ثانية يستغلها مقاول فردي ، ما دام أن الشخص الطبيعي هو الذي فتحت في حقه مسطرة التسوية أو التصفية القضائية وليس المقاولة · وهذه النتيجة طبيعية في نظرنا و تساير مقتضيات المادة 563 من م· ت التي تقضي بأنه يمكن فتح المسطرة بمقال افتتاحي للدعوى لأحد الدائنين كيفما كانت طبيعة دينه (9)·
9= ويلــزم الدائنــون العاديـــون ( chirographaires créanciers ) بالتصريح بديونهم ، وهو ما يمثل فائدة كبيرة، لأن السنديك لا يكون عارفا بهم في جميع الأحوال · أما بالنسبة لوضعيـــة الدائنين أصحاب الضمـــــــانات (رهن رسمي- رهن) فإن الصياغة الملتبسة للمادة 686 من م· ت قد تثير بعض الغموض على اعتبار أنها لا تلزمهم صراحة بالتصريح بديونهم، بل تقضي بأنهم يشعرون شخصيا أو في موطنهم المختار بفتح المسطرة ،لكن الغموض ما يلبث أن يرتفع إذا علمنا أن المادة 688 من م· ت تنص على أن التصريح ينبغي أن يحدد طبيعة الامتياز أو الضمان الذي قد يكون الدين مقرونا به · لذلك لم يعد محل شك في العمل القضائي المغربي بأن الدائنين أصحاب الضمانات ملزمون بدورهم بالتصريح بديونهم، كيفما كانت طبيعة الضمانات التي يستفيدون منها ·