في الواجهةمقالات قانونية

مظاهر الحماية القانونية للوقف بالمغرب – قراءة في بعض مقتضيات مدونة الأوقاف المغربية- إعداد: إسماعيل أزعو

 

مظاهر الحماية القانونية للوقف بالمغرب – قراءة في بعض مقتضيات مدونة الأوقاف المغربية- إعداد: إسماعيل أزعو

مقدمــــة

إن للوقف أدوار تنموية بالغة الأهمية في تأسيس وتقوية نسيج المجتمع الإسلامي، وحماية الوقف بالمغرب له مبررات دينية واجتماعية واقتصادية وثقافية، فهو ثروة وطنية وعنصرا فاعلا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

جاء في ديباجة الظهير الشريف رقم 1.09.236 الصادر بتاريخ 8 ربيع الأول 1431 الموافق لـ 23 فبراير 2010 المتعلق بمدونة الأوقاف ما يلي:

“وتأكيدا من جلالتنا على استقلالية الوقف المستمدة من طابعه الإسلامي الخالص، فقد آثرنا من خلال هذه المدونة المحافظة على خصوصيته وتزويده بوسائل قانونية حديثة تضمن له الحماية الناجعة، وبنظم تدبيرية تيسر حسن استغلاله والاستفادة منه وبطرق استثمارية تمكنه من المساهمة في مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعيد له دوره الريادي الذي نهض به عبر تاريخ بلادنا المجيد”

والوقف حسب المادة الأولى من مدونة الأوقاف هو “كل مال حبس أصله بصفة مؤبدة أو مؤقتة، وخصصت منفعته لفائدة جهة بر واحسان عامة أو خاصة، ويتم إنشاؤه بعقد أو بوصية أو بقوة القانون”، والوقف إما أن يكون وقفا عاما أو معقبا أو مشتركا.

ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه بحدة هو إلى أي حد توفقت مدونة الأوقاف في تكريس الحماية اللازمة للوقف بالمغرب، بشكل يستجيب لمتطلبات التنمية الاقتصادية والإجتنماعية؟

وللإجابة على الإشكال المطروح سنتبع الخطة التالية:

المحور الأول: الحماية الموضوعية للوقف بالمغرب

     المحور الثاني: الحماية الإجرائية للوقف بالمغرب

 

 

 

المحور الأول: الحماية الموضوعية للوقف بالمغرب

لقد خص المشرع المغربي الوقف بمجموعة من المقتضيات الحمائية وهي كالتالي:

  • لا يجوز للمكتري إحداث أي تغيير في العين المكتراة إلا بإذن مكتوب من إدارة الأوقاف، ويترتب عن إحداث أي تغيير دون الحصول على هذا الإذن، حق إدارة الأوقاف في فسخ عقد الكراء مع الإحتفاظ بالتغييرات المقامة دون تعويض أو إلزام المكتري برد الحالة إلى ما كانت عليه (المادة 85 من م أ).
  • يمنع على مكتري الوقف الكراء من الباطن مطلقا، وكل خلاف لهذا المنع يقع باطلا، ويترتب عنه فسخ الكراء الأصلي (المادة 86 من م الأوقاف).

لكن يطرح الإشكال بخصوص المحلات التي تكون مكتراة لممارسة نشاط تجاري ثم تؤول ملكيتها لإدارة الأوقاف، فبعدما كان المحل خاضعا لقانون 49.16 والذي يكفل العديد من الإمتيازات لفائدة المكتري، من قبيل الحق في الكراء وحق تفويته وهي حقوق مرتبطة بالنظام العام، على عكس مدونة الأوقاف التي لم تعطي للمكتري الحق في الكراء كما منعت عليه تأصيل الأصل التجاري على الملك الوقفي.

  • لا يحق للمكتري تخفيض السومة الكرائية، وكذا اكتتاب الحق في الكراء على المحلات الموقوفة والمخصصة للإستعمال التجاري أو الحرفي.
  • عدم جواز كسب المال الموقوف وقفا عاما بالحيازة:

إن الأملاك المحبسة لا يمكن أن تكتسب بالحيازة وهو الاستثناء المنصوص عليه في المادة 261 من مدونة الحقوق العينية، وأكدت عليه المادة 51 من مدونة الأوقاف.

  • عدم جواز حجز المال الموقوف والتصرف فيه.

 

 

  • تمتيع الديون المستحقة لفائدة الأوقاف العامة بحق امتياز:

الأصل أن أموال المدين ضمان عام لدائنيه، والإستثاء جعل بعض الديون تتمتع بحق امتياز، يجعلها ذات أولوية في استيفائها عن غيرها، عرفه المشرع المغربي (حق الامتياز) في الفصل 1243 من ظ ل ع بما يلي: ” الامتياز حق أولوية يمنحه القانون على أموال المدين نظرا لسبب في الدين”، وعرفته المادة 142 من م ح ع بما يلي: “الإمتياز حق عيني تبعي يخول للدائن حق الأولوية على باقي الدائنين ولو كانوا مرتهنين”.

ونظرا لخصوصية الأموال الموقوفة وقفا عاما وتحقيها للمنعة العامة أقر المشرع المغربي في المادة 55 من مدونة الأوقاف على ضمانة من شأنها أن تحول دون ضياع هذه الأموال وتحصينها وتأمين استخلاص الديون المستحقة لفائدتها، حيث نصت على ما يلي: “تعتبر الديون المستحقة لفائدة الاوقاف العامة ديونا ممتازة، لا تسقط بالتقادم، ويكون لاستيفائها حق الأولوية بعد أداء الديون الناشئة عن مهر الزوجة ومتعتها ونفقتها ونفقة الأولاد والابوين وغيرهم ممن تجب عليه نفقته طبقا لأحكام مدونة الأسرة”.

  • استثناء الأوقاف العامة من الخضوع للحجية المطلقة التي يكتسبها الرسم العقاري بمجرد تأسيسه:

استثنت مدونة الأوقاف الأوقاف العامة من المادة 62 من ظهير التحفيظ العقاري التي تقر بنهائية الرسم العقاري وعدم قبوله للطعن واعتباره نقطة الإنطلاق الوحيدة للحقوق العينية والتحملات العقارية المترتبة على العقار وقت تحفيظه دون ما عداها من الحقوق غير المقيدة، وبالتالي لم يعد من الممكن التمسك بقاعدة التطهير الناجمة عن التحفيظ العقاري في مواجهة الوقف العام.

 

 

المحور الثاني: الحماية الإجرائية للوقف بالمغرب

إلى جانب المقتضيات الحمائية أعلاه للوقف هناك قواعد نص عليها المشرع المغربي في مدونة الأوقاف تروم بدورها الى حماية الوقف؛ حيث شملت الحماية مرحلة المنازعات، وهو ما يعطي خصوصية للمنازعات المتعلقة بالأوقاف (خصوصية في الإثبات، في طرق الطعن …)، تجعل من إدارة هذه الأخيرة الطرف القوي في العلاقة، سواء قبل المنازعة أو أثناءها أو في مرحلة التنفيذ، ويتجلى هذا في التالي:

  • أحكام خاصة بكراء الأملاك الوقفية غير الفلاحية
  • تجديد الكراء مقرون بالزيادة في السومة الكرائية بنسبة لا تقل عن عشرة في المائة من هذه السومة عند كل تجديد.
  • تم حصر نسبة التعويض في حالة إنهاء إدارة الأوقاف لعقد كراء الأملاك الوقفية غير الفلاحية بسبب احتياجها إلى العين المكراة لإقامة مؤسسة ذات صبغة دينية أو علمية او اجتماعية أو إدارية، حيث أنه في هذه الحالة يحق للمكتري الحق في تعويض يوازي كراء ثلاثة أشهر الأخيرة.
  • أحكام خاصة بكراء الأملاك الوقفية الفلاحية
  • تحديد مدة كراء الأملاك الوقفية الفلاحية في مدة لا تزيد عن ست سنوات، ويمكن تجديدها لمرتين بطلب من المكتري قبل انتهائها قبل انتهائها بستة أشهر على الأقل، شريطة موافقة إدارة الأوقاف والزيادة في السومة الكرائية بنسبة لا تقل عن عشرين في المائة من هذه السومة عند كل تجديد.
  • لا يجوز للمكتري تغيير نوع الزراعة وكيفية الإستغلال المنصوص عليها في عقد الكراء، إلا بإذن كتابي من إدارة الأوقاف، تحت طائلة فسخ العقد والتعويض عن الضرر.
  • عدم قابلية الأحكام الصادرة لصالح الأوقاف العامة في الدعاوى المتعلقة بكراء الممتلكات الوقفية للطعن بالاستئناف.
  • تعليق نزع ملكية العقارات الموقوفة وقفا عاما على الموافقة الصريحة للسلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف؛ حيث نصت المادة 59 من مدونة الأوقاف على أنه: “لا يجوز نزع ملكية العقارات الموقوفة وقفا عاما من أجل المنفعة العامة إلا بموافقة صريحة من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف”.
  • وقف تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في الدعاوى المتعلقة بالأوقاف العامة والمقدم بشأنها الطعن بالنقض من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف؛ حيث أضافت المادة 57 من مدونة الأوقاف الدعاوى المتعلقة بالأوقاف العامة إلى الاستثناءات الثلاثة المذكورة في المادة 361 من قانون المسطرة المدنية التي يوقف الطعن فيها بالنقض تنفيذ الأحكام المطعون فيها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خاتمــــة

من خلال قراءتنا لمجموعة من مقتضيات مدونة الأوقاف وتحليلها تبين وبوضوح أن المدونة توفقت في تكريس الحماية اللازمة للوقف بالمغرب، حيث شملت أيضا مرحلة المنازعات وخصته بجملة من الإستثناءات من القواعد العامة، جعلت من إدارة الأوقاف الطرف القوي في العلاقة، وهذا راجع لخصوصية الوقف ودوره الريادي وأهميته الإقتصادية والإجتماعية ببلادنا، وباعتباره مجالا خاصا يجمع بين حقوق الله وحقوق العباد.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى