مقدمــــــــــــة
تعتبر الجمارك ومقابلها في العامية المغربية “الديوانة”، مؤسسة إدارية تنهض بدور إقتصادي هام، من خلال مراقبة التجارة العابرة للحدود ومحاربة كافة أشكال الغش الضريبي المتعلق بتلك التجارة.
والجمرك هي مصلحة إدارية ذات طابع إقتصادي مكلفة بمراقبة المبادلات التجارية العابرة للحدود مع إستخلاص جبايات الضرائب على الوارد والصادر من تلك المبادلات، ولها دور هام في النشاط الإقتصادي المحلي (تساهم المداخيل الجمركية في المغرب بحوالي 44 ٪ من مداخيل الدولة) من خلال حماية المنتج الوطني والتصدي للتهريب في كافة المنافذ البرية والجوية والبحرية، وحماية البلاد والعباد من المواد الخطيرة والمسمومة والضارة والمحظورة، ولها دور آخر متمثل في مراقبة مرور السلع والأفراد على الحدود.
وتكمن أهمية إدارة الجمارك في منع دخول أو خروج الممنوعات والمحجور عليه من البضائع التي لا تجيزها القوانين والتشريعات الوطنية، مع وضع الخطط والسياسات التي تحد من عمليات التهريب وتطبيق أنظمة جمركية إقتصادية على البضائع في الحدود المسموح بها ومنع التحايل والتقليد والغش التجاري.
ولقد عرف النظام الجمركي بالمغرب ثلاث فترات زمنية مهمة من حيث النشأة والتطور:
كانت البداية قبل الحماية الفرنسية من خلال إتفاقية الجزيرة الخضراء لسنة 1906 حينها وضعت المبادئ العامة للعمل الجمركي المغربي.
الفترة الثانية، كانت مع دخول المغرب فترة الحماية الفرنسية، حينما صدر ظهير 05 غشت 1914 الخاص بتنظيم مهمة الأمين، ثم صدر بعدها ظهير 1918 ثم ظهير 20 أبريل 1921 ثم القرار الوزيري بتاريخ 1 يونيو 1922 وبعده صدر ظهير 11 أكتوبر 1925 ثم صدر ظهير 27 أبريل 1927 ليليه ظهير 05 يونيو 1936 الذي يعتبر أول قانون شبه كامل يؤسس للنظام الجمركي المغربي بخصوص المبادلات التجارية والتعشير.
الفترة الثالثة، تجلت ببزوغ فجر الإستقلال سنة 1956، حيث قد صدرت عدة ظهائر شريفة قصد تنظيم مختلف أوجه العمل الجمركي، بداية بظهير 24 ماي 1957 المؤسس للرسوم الجمركية الذي اللبنة الأولى لإدارة الجمارك، كما إنخرط المغرب في مجلس التعاون الجمركي سنة 1968 وصدر ظهير 13 أبريل 1973، وبعدها صدرت أول مدونة للجمارك والضرائب الغير مباشرة بمقتضى القانون رقم 1.77.339 الصادر بتاريخ 09 أكتوبر 1977 كما وقع تغييره بمقتضى القانون رقم 39.02 المصادق عليه بالظهير الشريف رقم 1.00.222 بتاريخ 5 يونيو 2000.
ومن خلال كل هاته التعديلات التي طالت القانون الجمركي، أصبح هذا الأخير قانونا مواكبا للمتطلبات الإقتصادية المتمثلة في المساهمة في تأهيل الإقتصاد الوطني وتشجيع الإستثمارات دون إغفاله لحماية المستهلك ومحاربة الغش والتهريب وتحقيق المنافسة المشروعة.
وبالرغم من كل الأهمية التي حازها القانون الجمركي على مر السنيين، فلا يزال هذا القانون من أبرز القوانين غموضا لدى العامة والخاصة بل وحتى المهتمين بالشأن القانوني، إذ لم يستوف القانون الجمركي بصفة عامة والجرائم الجمركية خاصة حظا وافرا من الدراسة والبحث على المستوى الوطني.
وترجع قلة البحث في مجال الجرائم الجمركية إلى نذرة المؤلفات والبحوث، إضافة إلى الطابع التقني والميداني لهذا النوع من الجرائم وما تتسم به من خصوصيات وتقلبات وتعديلات سريعة ومستمرة لمواكبة التحولات والتحديات على المستوى الدولي.
وهذا ما جعل بعض الفقه يعتبر القانون الجنائي الخاص شبيها بشواطئ البحر الأبيض المتوسط صيفا[1]، حيث توجد بعض الشواطئ مزدحمة بالمصطافين بينما توجد مناطق أخرى صخرية لا تجلب إلا هواة العزلة والمتاعب، وكذلك الحال في القانون الجنائي الخاص، فتوجد فيه بعض الجرائم إستنفذت بحثا كجرائم السرقة والمصب وخيانة الأمانة بينما توجد جرائم أخرى لم يتعرض لها إلا قلة من الباحثين، والجرائم الجمركية من هذه الطائفة الأخيرة، فالجرائم الجمركية تختلف في كثير من القواعد عن الجرائم الخاضعة للقانون الجنائي، سواء على المستوى الموضوعي أو الإجرائي، فالجرائم الجمركية تعتبر جرائم شاذة بل ومتمردة أحيانا على القواعد العامة.
ومن ثم فإلى أي حد تتوافق القواعد المنظمة للجرائم الجمركية مع القواعد العامة للقانون الجنائي؟ وما هي آليات المكافحة التي تتوافق مع خصوصية الجرائم الجمركية؟
للإجابة عن هذه الإشكالية سنعتمد منهج قانوني في التحليل من خلال تناولنا للنصوص القانونية وتحليلها تحليلا نقذيا، وذلك وفق التصميم التالي:
الفصل الأول: الجرائم الجمركية بين الخصوصية والجنوح
الفصل الثاني: آليات مكافحة الجرائم الجمركية الموافقة لخصوصياتها