الحماية الأمنية للشاهد بين التشريع المغربي والمقارن – الباحثة : لمياء منصف
الحماية الأمنية للشاهد بين التشريع المغربي والمقارن
Security protection for the witnessbetweenMoroccan and comparative legislation
الباحثة : لمياء منصف
دكتوراه في القانون الخاص
بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاسذ
لتحميل الاصدار كاملا
مجلة القانون والأعمال الدولية : الاصدار رقم 49 لشهري دجنبر 2023 / يناير 2024
ملخص:
يتمحور هذا المقال حول القيمة القانونية والدولية التي يحظى بها الشاهد على مستوى التشريعات الوطنية والدولية، باعتبار الشهادة من أهم وسائل الإثبات في القضايا الجنائية،ومن شأن حمايته وضمان أمنه وسلامته مما قد يلحق به من ضرر أو أذى بمناسبة أدائه للشهادة في قضية معينة، وخصوصا في الجرائم ذات الطابع الدولي والخطير والتي من شأن الشهادة فيها أن تهدد أمن الشاهد. وهذا ما جعل جل التشريعات تعتمد على آليات قانونية وتشريعية، بالإضافة إلى برامج حماية الشهود، وأفراد أسرتهم وأقاربهم.
Abstract :
This article focuses on the legal and international value that the witnessenjoys at the level of national and international legislation, as testimonyis one of the most important means of proof in criminal cases, and itwouldprotecthim and ensurehissecurity and safetyfromanyharm or harmcaused to him on the occasion of histestimony in a particular case, especially in crimes of an international and serious nature in whichtestimonywouldthreaten the security of the witness.
This Is whymostlegislation relies on legal and legislativemechanisms, and to programmes for the protection of witnesses, familymembers and relatives.
مقدمة
إن ازدياد ظاهرة العنف في كافة المجتمعات، واستغلال الأفراد أو الجماعات للتطور التكنولوجي في تنفيذ خططهم الإجرامية، أدى إلى ظهور أنماط جديدة للسلوك الإجرامي والتي لم يتسم فقط بالدقة في الإعداد والتنفيذ، وإنما امتد اهتمامه أيضا للإفلات من قبضة العدالة،وذلك من خلال القضاء على كافة الأدلة التي يمكن أن يستعان بها للتوصل إلى الجناة؛ وبذلك أصبح إثبات الجرائم أكثر تعقيدا من ذي قبل.
إن هذا ما دفع الكثير من التشريعات، -سواء الوطنية أو الدولية- وكذلك المواثيق الدولية إلى الاهتمام بمجال حماية ومساعدة الشاهد وتوفير الضمانات الكافية له من أجل الإدلاء بشهادته بالشكل الصحيح، خصوصا أن أغلب الدعاوى الجنائية بمختلف أنواعها ودرجاتها تتطلب الاستعانة بشهادة الشهود، وقد تكون الشهادة في كثير من الأحيان الدليل الوحيد القائم في الدعوى الجنائية، بل إن الشهادة هي طريق الإثبات العادي في المسائل للجرائم.
يعد الاستدلال بشهادة الشهود لا غنى عنه؛ لأن الأفعال والحوادث التي تصبح يوما من الأيام أساسا للدعاوى لا سبيل إلى إثباتها كلها وإثبات جزئياتها دون الرجوع إلى الأشخاص الذين شهدوا وقوعها؛ ليكونوا شهودا على الحادث، والشهادة هي نتاج النفس البشرية، ولهذا فهي تخضع لما تخضع له هذه النفس من مؤثرات لا حصر لها.
ونظرا لهذه الأهمية التي يحتلها الشاهد في الإثبات الجنائي ودوره المهم، بدأت التشريعات الوطنية والدولية في التفكير في سبل لتعزيز مكانته وتغطية ما تعترض شهادته من تحديات ونقائص. ولهذا قام المجتمع الدولي بإبرام الاتفاقيات الدولية التي تناولت بين نصوصها جانب حماية الشهود، وتبنتها كذلك الأنظمة التشريعية الجنائية على اختلافها، حيث إن هذه الأخيرة عملت على سن آليات وإجراءات ومقتضيات تشريعية من أجل ضمان حماية سلامة الشاهد في بعض الجرائم التي قد تعرض حياته للخطر أو التهديد باعتبار هذه الإجراءات إحدى الضمانات القوية التي تشجع الشاهد على أداء شهادته بكل صدق وسلامة. لكن وبالرغم من ذلك فإنه لا يوجد تدابير وآليات تهدف لحماية الشهود إلا في عدد قليل من الأنظمة القانونية، وغالبا في حالات محددة في الأنظمة الأنكلوسكسونية، وخاصة منها الأنظمة الأمريكية والبريطانية. ورغم تنصيص المشرع المغربي على بعض إجراءات حماية الشهود من خلال القانون المتعلق بحماية الشهود والخبراء والمبلغين، إلا أن هذا الأخير قد ضيق من مجال هذه الحماية، وهذا ما سنراه من خلال هذا المقال.
-
أهمية الموضوع :
يستمد موضوع حماية الشهود أهميته من كون الاهتمام بتوفير هذه الحماية من شأنه أن يعزز القيمة، والحجية القانونية للشهادة خصوصا في إثبات الجرائم، فإحاطة الشاهد بضمانات قوية، وإعداد آليات وبرامج لحمايته من أي خطر قد يتعرض له جراء تقديم شهادته، من شأنه أن يضمن مصداقية تلك الشهادة المدلى بها، عكس إذا ما أحس بالتهديد وعدم الأمان والخوف سواء على نفسه أو على أحد أفراد أسرته. وهذا ما دفع للتفكير في خلق سبل و آليات لهذه الحماية نظرا لدور الشهادة كوسيلة إثبات لا تزال معتمدة في جل الأنظمة التشريعية والدولية.
-
إشكالية الموضوع:
يعالج موضوع حماية الشهود في التشريعات الوطنية والدولية، إشكالية محورية مفادها:
-
إلى أي حد استطاعت التشريعات الدولية والوطنية سن قوانين كفيلة بضمان الحماية المثلى للشاهد، وتنزيلها عن طريق الآليات الكفيلة بذلك ؟
وتتفرع هذه الإشكالية بدورها إلى عدة تساؤلات :
-
هل استطاع المشرع المغربي إعطاء الحيز القانوني والتأطير التشريعي الكافي فيما يتعلق بحماية الشهود الكفيل بضمان أمن الشاهد وحمايته من أي خطر؟
-
إلى أي حد استطاع المشرع المغربي تنزيل المقتضيات التشريعية المتعلقة بمجال حماية الشهود بالمغرب مقارنة بآليات التنزيل على المستوى الدولي ؟
-
المنهج المعتمد :
من خلال الإشكالية المعتمدة سيتم العمل من خلال هذا المقال على اعتماد كل من المنهجين التحليلي والمقارن وذلك بهدف تحليل النصوص القانونية ذات الصلة بحماية الشهود ورصد جوانب القصور والتحديات التي تواجه جل الأنظمة القانونية على مستوى التفعيل الإيجابي للنص القانوني وخلق الآليات والسبل لذلك.
-
التصميم المعتمد :
وبالتالي فارتباطا بالإشكالية أعلاه سيتم تناول الموضوع من خلال مبحثين على الشكل التالي:
-
المبحث الأول : الإطار القانوني لحماية الشهود بين التشريع المغربي والمقارن
-
المبحث الثاني : إشكاليات تفعيل آليات حماية الشهود بالمغرب
المبحث الأول: الإطار القانوني لحماية الشهود بين التشريع المغربي والمقارن
إن ازدياد الاهتمام بالشهادة على المستوى الدولي والوطني كدليل للإثبات في القضايا الجنائية الدولية والوطنية جاء نتيجة العدد الكبير من الضحايا التي سقطت نتيجة لارتكاب هذه الجرائم،حتى أصبحت شهادة الضحايا الناجين منها في سياق إجراءات التحقيق مهمة جدا لكشف تلك الجرائم والتوصل إلى مرتكبيها؛ لأن هذه الشهادات تنصب على وقائع مادية حصلت أمامهم بشكل مباشر وغير متوقع، وباتت تعد دليل الإثبات الرئيسي في كشف حقيقة هذه الجرائم في معظم القضايا التي جرى التحقيق فيها.
وهذا ما نتج عنه عن اتخاذ إجراءات وتدابير لحماية الشاهد على مستوى المحاكم سواء الوطنية منها أو الدولية، وذلك نتيجة لعدة عوامل نذكر من بينها تعرض العديد من الشهود والضحايا الشهود لانتهاكات خطيرة هددت سلامتهم الجسدية والنفسية نتيجة قيامهم بأداء الشهادة،مما أصبح معه الإدلاء بالشهادة في الجرائم الخطيرة والمهددة للمجتمع أمرا صعبا يجب التفكير فيه من طرف الشاهد الذي قد يؤدي إلى عزوفه عن تلك الشهادة خوفا على حياته أو سلامته أو سلامة أقربائه.
المطلب الأول :الإجراءات العادية لحماية الشهود
إن من بين أهم الإجراءات التي اعتمدها المشرع الإجرائي من أجل حماية الشاهد، هو إخفاء المعلومات المتعلقة بهذا الأخير في الحالات العادية حتى وإن اقتضى الأمر في بعض الجرائم الخطيرة إخفاء هويته أو منحه هوية جديدة لضمان أمنه. ولم يكتف بذلك فقط، بل نظم كذلك إجراءات خاصة بالشاهد المهدد.
حيث إن كل من التشريع الفرنسي أو الإيطالي عادة ما يستعمل مصطلح “هو” أو “هي”، وذلك دون الإفصاح عن تعمد إخفاء هوية الشاهد المهدد، ودون تحديد هويته بوضوح.
إلا أن البعض قد اعتبر أن الشهادات المجهولة، وشهادات العملاء السريين الذين لا يتم الكشف عن أسمائهم في الجلسة قد تضعف حجية الشهادة ، وقد تعتبر على أنها عدم ثقة في الأجهزة القضائية التي تبني قناعتها على الأدلة المعروضة أمامها.
وتناول قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي تحديد الشروط التي يجب توفرها،حتى يتمتع الشاهد بحماية استثنائية تتمثل في إخفاء شخصيته تماما في ملف الإجراءات على نحو يوفر له وللمقربين منه قدرا كبيرا من الأمان يمكنه في النهاية من الإدلاء بشهادته أو تقديم ما لديه من مستندات لجهات التحقيق، بدون أن يشعر بأي خوف من احتمال تعرضه أو تعرض المقربين إليه للضرر. وقد وفر المشرع الفرنسي هذه الحماية الاستثنائية للشاهد بناء على عدة شروط وجب أن تتوفر،إذ يجب أن تقتصر إجراءات منح الحماية للشاهد المهدد على إدلائه بالشهادة في جناية أو جنحة يعاقب عليها بالحبس لمدة ثلاث سنوات على الأقل،أما في حال عدم توفر هذا الشرط فقد نص قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي على حظر عدم الإفصاح عن شخصية الشاهد لكنه ربط هذا الحظر بالظروف المحيطة بالجريمة، إن مسألة حظر الإفصاح أثارت نقاشا فقهيا حيث علق بعض الفقه على أنه لا يتبين على نحو دقيق من النص المذكور متى يحظر عدم الإفصاح عن شخصية الشاهد بالنظر لظروف ارتكاب الجريمة، حيث تساءل بعض الفقه عن ماهية تلك الظروف التي تحظر بالفعل عدم الإفصاح عن شخصية الشاهد، حيث لا يمكن التعويل إلا على عناصر الركن المادي للجريمة وبيان مدى خطورة تلك الظروف التي أحاطت بهذه العناصر، وهو ما يتعلق بالعقوبة المقررة لتلك الجريمة، والتي يزيد مقدارها عن ثلاث سنوات على حسب ما يتطلبه المشرع الفرنسي في قانونه الإجرائي.
إذًا، يبدو واضحا أنه يلزم أن تمثل الوقائع محل التحقيق جناية أو جنحة يعاقب عليها بالحبس لمدة ثلاث سنوات على الأقل،وهكذا نص المشرع الفرنسي على اقتصار إجراء إخفاء شخصية الشاهد فقط على الجرائم التي تتسم بقدر من الجسامة،وهي الجنايات كلها، وكذلك الجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة ثلاث سنوات على الأقل. وهذا ما يعتبر تأكيدا على خطورة هذا الإجراء المتعلق بشخصية الشاهد.
ويلاحظ أن المشرع الفرنسي قد ركز توجهه على الحماية الشهود، ولا أدل على ذلك من أنه وسع من نطاق هذه الحماية من خلال تقييده لشروطها، حيث أصدر في بداية الأمر مقتضى قانونيا يقرر حماية الشهود بشأن الجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة خمس سنوات على الأقل.إلا أنه سرعان ما أجرى تعديلا على هذا المقتضى بالقانون رقم 2002-1138 الصادر في 9 سبتمبر 2002 ووسع بموجبه من نطاق حماية الشهود من خلال توسيع نطاق الجنح التي يجدر بشأنها إضفاء الحماية للشاهد،وذلك عندما خفض عقوبة الجنح التي يجوز بشأنها إضفاء الحماية عن خمس سنوات إلى ثلاث سنوات. لكن مجلس نقابة المحامين قد اعترضوا على هذا التعديل.
أما بالنسبة للمشرع المغربي،فقد نص على أنه: “يحق للشاهد أو الخبير في أي قضية، وإذا ما كانت هناك أسباب جدية من شأنها أن تعرض حياته وسلامته الجسدية أو مصالحه الأساسية أو حياة أفراد أسرته أو أقاربه أو سلامتهم الجسدية أو مصالحهم الأساسية للخطر، أو لضرر مادي أو معنوي، وأدى شهادته أو إفادته أن يطلب من وكيل الملك أو الوكيل العام للملك أو قاضي التحقيق –حسب الأصول- تطبيق الإجراءات المنصوص عليها المنصوص عليها في البنود 6 و7و8 من المادة 82-7 بعده، وذلك بعد بيان الأسباب المذكورة.”
وباستقرائنا لهذه المادة،يلاحظ أن المشرع قد ربط توفير الحماية للشاهد وإخفاء شخصيته، المشرع المغربي بشرط الأسباب الجدية، لكن هذه الأسباب قد وردت بعمومها في قانون المسطرة الجنائية المغربي، حيث لم يحدد المشرع تلك الأسباب وصفها بالجدية؛ وبالتالي فقد قلص المشرع المغربي من نطاق حماية شخصية الشاهد،وهذا ما يجب تداركه بتحديد مفهوم الأسباب الجدية بشكل دقيق على والتي تستوجب طلب الحماية من طرف الشاهد.
بالإضافة إلى إخفاء هوية الشاهد يقضي قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي بأن الأشخاص الذين لا يوجد سبب يبرر الاشتباه في ارتكابهم لجريمة أو الشروع فيها، وتتوافر لديهم عناصر إثبات مهمة، يكون عنوانهم هو عنوان قسم الشرطة أو مدير الأمن وذلك بعد الحصول على موافقة النائب العام أو قاضي التحقيق،بحيث يتم قيد عنوان هؤلاء الأشخاص بسجل مرقوم يوقع عليه بالأحرف الأولى،يكون مخصصا لهذا الغرض.
وهكذا، فالمشرع الفرنسي أفصح عن الشروط التي يجب توافرها لإخفاء عنوان الشاهد، وذلك دون أن يمتد إلى عدم الإفصاح عن شخصيته. وأوجب المشرع الفرنسي بخصوص إخفاء محل إقامة الشاهد ثلاثة شروط:
– ضرورة استبعاد شبهة ارتكاب الشاهد لجريمة أو الشروع فيها.
– قدرة الشاهد على تقديم أدلة إثبات مفيدة للإجراءات.
– ضرورة الحصول على موافقة النائب العام أو قاضي التحقيق.
أما المشرع المغربي، فقد نص على إمكانية إخفاء محل إقامة الشاهد، وذلك إذا تعلق الأمر بجريمة الرشوة أو استغلال النفوذ أو الاختلاس أو التبديد أو الغدر، أو إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة 108 من ق.م.ج
لكن التساؤل الذي يطرح بشأن المشرع المغربي هو سبب اعتماده على إجراءات الحماية وتفعيلها فقط في الجرائم المالية دون سواها من الجرائم الأخرى التي تعتبر بدورها خطيرة. وبهذا يكون المشرع المغربي قد ضيق من نطاق حماية الشهود والخبراء من حيث نوع الجرائم المرتكبة. وتضييق النطاق هنا ليس له أي داع أو مبرر،مما يقتضي مساءلة المشرع المغربي عن سبب تضييقه لهذا النطاق وتفعيل حماية الشهود حصريا على الجرائم المالية، بل وإخفاء محل إقامة الشاهد وهويته فقط في هذا النوع من الجرائم،رغم أن هناك الكثير من الجرائم التي لا تقل خطورة عن تلك الجرائم المشمولة بالحماية.
المطلب الثاني: إجراءات حماية الشهود المهددين
إن مقدرة أي شاهد على الإدلاء بشهادته في محضر ومجلس القضاء، أو على التعاون مع سلطات إنفاذ القانون في التحقيقات من دون خوف من جراء الترهيب أو الانتقام عامل أساسي في صون حكم القانون. إن هذا ما يلفت الانتباه هنا كون التشريع الدولي قد وسع من نطاق حماية الشاهد، وعملا على محاولة الإحاطة الدقيقة بكل الأخطار على اختلاف أنواعها،ولهذا ارتأينا أن نتطرق إلى إجراءات الحماية العادية للشاهد المهدد ثم إجراءات الحماية الخاصة أو الاستثنائية.
أما بالنسبة للشهود المهددين فإن المشرع الفرنسي لم يفصل إجراءات حماية الشهود المهددين إلا بالقدر الذي ورد في مادتين فقطبشأن عدم الإفصاح عن محل إقامة الشاهد وشخصيته، وذلك دون أن يتطرق إلى بيان الإجراءات التنفيذية اللازمة لتحقيق هذين الفرضيتين بالقدر الكافي، ومع ذلك حاول المشرع الفرنسي من خلال ما نص عليه في المادة 63-706 من قانون العقوبات التي أجازت لمجلس الدولة أن يصدر مرسوما يحدد فيه الشروط اللازمة لتطبيق أحكام حماية الشهود المهددين.
لكن المشرع البلجيكي قد تناول قواعد حماية الشهود المهددين من خلال ثلاثة موضوعات رئيسية تميز بها عن المشرع الفرنسي، وتتعلق بتحديد الشهود المهددين من جانب أول واستخدم المشرع البلجيكي مصطلح الإجراءات العادية لحماية الشهود المهددين قصد توضيح أن تلك الإجراءات تكفي كقاعدة عامة لتوفير الحماية المعقولة للشهود المهددين،وذلك على خلاف ما تستلزمه بعض الحالات الخاصة من ضرورة توفير إجراءات خاصة أشد صرامة من تلك الإجراءات العادية،وقد عدد المشرع البلجيكي الإجراءات المعتادة لحماية الشهود المهددين والتي تتمثل أهمها فيما يلي:
– حماية كافة المعلومات المتعلقة بالشاهد المهدد حتى وإن تعلق الأمر بتلك المعلومات المحفوظة لدى الجهات المعنية بالتعداد السكاني والأحوال المدنية،إذ لابد من اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية الشاهد المهدد، وعدم الكشف عن شخصيته ومحل إقامته من خلال بعض الجهات التي تحتفظ بتلك البيانات بحكم اختصاصها، والتي قد تسهل لبعض الأشخاص الدخول إلى ما لديها من معلومات الاطلاع على كافة المعلومات المتعلقة بالشاهد؛ مما قد يعرضه لخطر الاعتداء عليه أو على أفراد أسرته أو المقربين إليه،
– تخصيص فريق أمني لحمايته؛ وبالتالي التدخل للدفاع عنه،أو اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية التي تضمن له عدم التعرض لأي اعتداء نتيجة إقدامه على الشهادة،
– تعيين موظف اتصال بين الشاهد المهدد الذي تقررت حمايته ولجنة الحماية من أجل سهولة الاتصال بتلك اللجنة والتدخل إن اقتضى الأمر في الأوقات الحرجة،على أن يسمح بتعديل تلك الإجراءات من إجراءات عادية إلى إجراءات خاصة أكثر صرامة،وتوفر قدرا أكبر من الحماية للشاهد المهدد؛ وبالتالي يعد الموظف المختص في هذه الحالة حلقة الاتصال الهامة بين الشاهد المهدد ولجنة حماية الشهود،
– اتخاذ ما يلزم للدعم المعنوي للشاهد، وهو ما يقتضي اتخاذ بعض الإجراءات اللازمة لتهيئة الشاهد المهدد لتلك الإجراءات الجديدة،والتي تقتضي انتقاله من محل إقامته وخضوعه لإجراءات مقيدة لحياته الطبيعية هو وأفراد أسرته والمقربين له؛ مما قد يقتضي الأمر التدخل لاتخاذ ما يلزم من إجراءات كفيلة بدعم الشاهد معنويا،وإقناعه بتقبل تلك الإجراءات ومثابرته على تحملها،
– تخصيص دوريات الشرطة لحماية الشاهد،
-توفير حماية بنكية لحسابه البنكي لمنع الاطلاع على حساباته،
– تخصيص رقم هاتفي خاص له برقم سري يسهل الاتصال به،
– توفير نظام استدعاء في حالة الطوارئ،
-توفير الحماية الإلكترونية، وذلك لكافة ما يستخدمه الشاهد المهدد من أجهزة إلكترونية.
ولم يكتفي المشرع البلجيكي بما سبق بل نص في قانون التحقيق الجنائيعلى الإجراءات الخاصة والاستثنائية المتعلقة بالحماية في حالة عدم كفاية الإجراءات العادية لحماية الشاهد، حيث أجاز القانون البلجيكي من خلال المادة المتعلقة بهذه الإجراءات الخاصة لحماية الشهود استنادا لكل من مبدأ التناسب والاحتياط من عدم كفاية الإجراءات العادية للحماية، فقد أجازت اللجوء إلى إجراءات أخرى أشد صرامة ويتوسع بها نطاق الحماية المقررة للشهود المهددين،وذلك في حالة إذا كانت الجريمة المزمع الشهادة بشأنها تعد من الجرائم المنظمة المنصوص عليها في قانون العقوبات، أو من الجرائم المنصوص عليها في القانون الصادر في 16 يونيو 1993 بشأن مواجهة الاعتداءات الخطيرة للمصالح المحمية بواسطة القانون الدولي الإنساني .
وتتمثل هذه الإجراءات فيما يلي:
– تأمين محل إقامة للشاهد المهدد لمدة تزيد عن خمسة وأربعين يوما، حيث إنه إذا كانت الإجراءات المعتادة تؤمن للشاهد المهدد إقامة لمدة لا تزيد عن هذه المدة،لكن الإجراءات الخاصة تسمح للجنة حماية الشهود أن تؤمن تلك الإقامة لمدة أطول.
– تغيير شخصية الشاهد المهدد، فقد يتطلب الأمر– وخاصة بشأن تلك الاعتداءات الخطيرة التي تتعلق بالجرائم المنظمة،أو انتهاكات حقوق الإنسان على المستوى الدولي- توفير قدر أكبر من الحماية للشاهد المهدد،وخاصة إذا استلزم الأمر انتقاله عبر الحدود الدولية للإدلاء بشهادته أمام المحاكم الجنائية؛ وبالتالي قد يقتضي الأمر تغيير شخصيته.
– توفير إجراءات مساعدة مالية يمكن أن تشمل ما يلي:
– حوالات شهرية لتأمين احتياجات الشاهد المهدد وأفراد أسرته وكافة الأشخاص المقيمين معه.
– تحويل -لمرة واحدة- مبلغ مالي؛ لكي يتمكن الشاهد المهدد من ممارسة أي نشاط مستقل يذر عليه دخلا يساعده على سد احتياجاته. ولا شك أن هذا الأمر يتقرر في كافة الفروض التي تقتضي معها تنفيذ الإجراءات الخاصة بتغيير شخصية الشاهد؛ وبالتالي انتقاله إلى مكان إقامة آخر؛ مما يترتب عليه توقفه عن ممارسة نشاطه الوظيفي أو المهني أو التجاري؛مما يسبب في توقف دخله،وهذا ما يوجب ضرورة توفير نشاط آخر يؤمن له دخلا دوريا مستمرا.
– هذا بالإضافة إلى ما توفره لجنة حماية الشهود للشاهد المهدد من دعم معنوي يتمثل في مساعدته في الحصول على وظيفة مناسبة له.
كما يتضمن القانون البلجيكي إجراءات خاصة بشأن تغيير شخصية الشاهد المهدد:
– يجوز لوزير العدل تغيير اللقب أو الاسم للشاهد المهدد بناء على اقتراح لجنة حماية الشهود، ويتم تنظيم أمر الشخصية الجديدة بالتنسيق بين إدارة حماية الشهود والشخص المعني، أو من يمثله،حيث ترسل نسخة من قرار وزير العدل بتغيير لقب واسم الشاهد المهدد إلى إدارة حماية الشهود في خلال عشرة أيام من تاريخ إصدار هذا القرار،وتتخذ هذه الإدارة الإجراءات اللازمة لتسجيل الحالة المدنية للشاهد المهدد، ولا يجوز في أية حالة من الأحوال الحصول على نسخة أو بدل من الحالة المدنية الجديدة للشاهد المهدد إلا بناء على طلب من النيابة العامة مدعما برأي إدارة حماية الشهود .
واتصالا بما سبق سواء بشأن إجراءات الحماية الخاصة، أو تلك العادية، يتبين لنا اهتمام المشرع البلجيكي بحماية الشهود المهددين اهتماما كبيرا من خلال الكم الهائل والنطاق الواسع للإجراءات المفروضة لحماية الشاهد المهدد ومن خلال إحداثه كذلك للجنة خاصة تعنى بتنظيم إجراءات حماية الشاهد المهدد، وذلك مقارنة بالتشريع المغربي الذي تعد إجراءاته جد محتشمة في هذا الصدد،فلا نجد العديد من الإجراءات الهامة والمفيدة لحماية أمن الشاهد وأفراد عائلته وأسرته والمقربين منه بالرغم من أن التنصيص على مثل هذه الإجراءات يعد تعزيزا لمكانة الشاهد، وللشهادة كدليل إثبات في القضايا الجنائية بالإضافة إلى أن هذه الإجراءات ستكون ضمانة للشهادة أن تكون ضمانة وستساعد الشاهد-لا محلة-على تحقيق مهمته المتمثلة في مساعدة العدالة والكشف عن المجرم وعدم إفلاته من العقاب.
المبحث الثاني : إشكاليات تفعيل آليات حماية الشهود بالمغرب
رغم اعتماد المشرع المغربي كذلك على إجراءات حماية الشهود، من خلال قانون المسطرة الجنائية، بصدور القانون المتعلق بحماية الشهود والخبراء والمبلغين، إلا أنه لازالت العديد من الإشكالات سواء العملية أو القانونية تعترض، التفعيل الإيجابي لإجراءات حماية الشهود وتحقيقها للغاية المرجوة، فبالإضافة إلى تضييق نطاق الحماية المقررة وربطها فقط ببعض الجرائم، هناك أيضا قصور على مستوى اعتماد برامج حماية الشهود بالمغرب والتي أثبتت فعاليتها في عدة أنظمة دولية، وكذلك إشكالية الأجهزة المعنية بتفعيل الحماية.
المطلب الأول : على مستوى الجهات المعنية بتوفير الحماية
ينص المشرع المغربي في قانون المسطرة الجنائية على أنه: ” يحق للشاهد أو الخبير في أي قضية، إذا ما كانت هناك أسباب جدية من شأنها أن تعرض حياته، أو سلامته الجسدية، أو مصالحه الأساسية، أو حياة أفراد أسرته، أو أقاربه، أو سلامتهم الجسدية، أو مصالحهم الأساسية للخطر، لضرر مادي أو معنوي إذا ما أدلى بشهادته أو إفادته، أن يطلب من وكيل الملك أو الوكيل العام للملك أو قاضي التحقيق – حسب الأحوال- تطبيق أحد الإجراءات المنصوص عليها في البنود 6 و7 و8 من المادة 82-7 بعده، وذلك بعد بيان الأسباب المذكورة.
من خلال النص السالف الذكر يتضح لنا أن الجهة المسؤولة التي تتولى مسؤولية حماية الشاهد المهدد، أو الذي تكون له أسباب جدية من شأنها أن تعرض حياته للخطر، هي النيابة العامة، وذلك عن طريق طلب من الشاهد يوجه لوكيل الملك أو الوكيل العام للملك أو قضاء التحقيق لتطبيق إجراءات حماية الشهود.
فقد عمد المشرع المغربي بدوره إلى إناطة النيابة العامة بمهمة حماية الشهود وتطبيق البنود التي تتضمن إجراءات حماية الشهود تنقسم بين جهتين: تتعلق الأولى بالنيابة العامة، والثانية بقضاء التحقيق، وهذا ما اعتمدته عدة تشريعات، كالمشرع العراقي –مثلا- والذي نص على أنه من بين المهام الموكل لقاضي التحقيق القيام بها،هو أن يتولى قضاة التحقيق في المحكمة عدة مهام متعلقة بالشهود مثل :
– مراجعة ما يتعلق بالشهادة من بيانات، وتكليف المشتبه بهم بالحضور واستجوابهم وكذلك استجواب الضحايا والشهود، وتسجيل إفاداتهم، وجمع الأدلة، وإجراء التحقيقات الميدانية.
– اتخاذ جميع التدابير التي تعد لازمة للتحقيق، بما في ذلك التدابير الخاصة بتأمين سلامة شهود الخفاء والمصادر الخفية.
كما نص نفس المشرع على اتخاذ التدابير لضمان عدم هروب المشتبه فيه أو المتهم أو دون إيذاء وترهيب الضحية أو الشاهد، أو ضياع الأدلة ومن الجدير بالذكر أن المشرع في قواعد الإجراءات وجمع الأدلة الخاصة بالمحكمة لم يكن دقيقا؛ إذ إنه جعل الاستجواب يشمل الضحايا والشهود؛ وكان الأجدر به أن يقصر الاستجواب على المتهم فقط؛ لأن لفظ الاستجواب ينصرف إلى المتهم فقط. وقد عالجه المشرع العراقي في قانون أصول المحاكمات الجزائية في الفصل الخامس تحت عنوان “سماع الشهود”وعلى الرغم من ذلك، فقد أشار القانون العراقي كذلك إلى الحماية اللازم اتخاذها في مرحلة التحقيق، بما في ذلك التدابير الخاصة بتأمين الشهود والمخبرين السريين، ومن هنا يتضح لنا أن المشرع العراقي قد أوكل تطبيق إجراءات حماية الشهود -في حالة تعرضهم للخطر- إلى قاضي التحقيق في مرحلة التحقيقات، والذي له صلاحية تطبيق هذه الحماية والإشراف عليها.
أما بالنسبة لهيئة الادعاء العام، فإنه على هذا الأخير أن يكشف لمحامي الدفاع جميع إفادات الشهود والأدلة قبل 45 يوما من المحاكمة، وعليه، سار المشرع العراقي في قانون المحكمة الجنائية العراقة العليا بما سارت عليه القواعد الدولية الجنائية، وذلك عن طريق إلزام المدعي العام بضرورة الكشف عن الأدلة التي هي في حوزة المتهم.
أما بالرجوع إلى المشرع المغربي، فإن ما يلاحظ -من خلال النصوص المتعلقة بحماية الشهود- أنه لم يفرق بين الحالات التي يجب على الشاهد توجيه الطلب للنيابة العامة، والحالات التي يجب تقديم الطلب فيها إلى قاضي التحقيق،لكنه وسع من نطاق الصلاحيات الموكلة للجهتين، سواء قاضي التحقيق أو النيابة العامة، حيث نص على أنه يمكن لوكيل الملك أو الوكيل العام للملك أو قاضي التحقيق كل فيما يخصه، تغيير تدابير الحماية المتخذة لفائدة الضحايا أو الشهود أو الخبراء أو المبلغين، أو إضافة تدبير آخر أو أكثر إليها، أو إلغاؤها تلقائيا، أو بناء على طلب.
وبذلك يمكننا القول إنه كان من الأجدر بالمشرع المغربي أن يفرق -فيما يخص مسألة حماية الشهود- بين تلك الحماية حسب مراحل المحاكمة وتوزيع الاختصاصات على هذا الأساس، وذلك عن طريق إسناد مسؤولية تطبيق تدابير حماية الشهود حسب مراحل المحكمة، بالتمييز بين حماية الشهود في مرحلة ما قبل المحاكمة،عن مرحلة المحاكمة، ثم في المرحلة التالية: أي ما بعد المحاكمة،حيث إن الخطر الذي يمكن أن يتعرض له الشاهد يمكن أن يمتد إلى ما بعد النطق بالحكم، وبذلك يجب أن يكون هناك نوع من المواكبة للشاهد حتى بعد النطق بالحكم إلى حين التأكد من أمنه وسلامته.
ومن بين ما يعيق تفعيل هذه الإجراءات المتعلقة بحماية الشهود بالنسبة للمشرع المغربي، هو كون الجهات الموكل لها تنفيذ هذه المهمة هي من الأجهزة ذات المهام المتعددة والمهمة، فلا يعقل أن يتم إضافة هذه المهمة أيضا إلى قضاة التحقيق والنيابة العامة مما سيزيد من الأعباء الملقاة على عاتقهم، وبالتالي عدم التطبيق والتفعيل لهذه المقتضيات المتعلقة بحماية الشهود، فكان من الأجدر بالمشرع المغربي في هذا الصدد خلق أجهزة خاصة بهذه المهام على مستوى المحاكم، يناط بها مهمة تفعيل هذه الحماية ومواكبة الشاهد القبلية والبعدية، أي ضمان هذه الحماية ومواكبتها حتى بعد المحاكمة بضمان أمنه وسلامته، وهو ما يشق على قضاة التحقيق أو النيابة العامة نظرا للمهام الكثيرة التي تتكلف بها هذه الأجهزة.
المطلب الثاني : على مستوى اعتماد برامج حماية الشهود
عرف مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة برنامج حماية الشهود بأنه:” برنامج سري منشأ رسميا يخضع لمعايير قبول صارمة، يوفر ما يلزم لتغيير أماكن الإقامة بنقل الأشخاص إلى أماكن إقامة جديدة، وكذلك تغيير هويتهم فيما يخص الشهود المعرضة حياتهم للخطر من جراء تهديدهم من قبل جماعة إجرامية بسبب تعاونهم مع السلطات لتنفيذ القوانين”.
ولقد تميز المشرع الأمريكي بكونه أول التشريعات التي صاغت قانونا لحماية أمن الشاهد، حيث ترجع نشأة هذا القانون إلى برنامج الحماية الذي تضمنه الفصل الخامس من قانون مكافحة الجريمة المنظمة سنة 1970م، والمعدل بقانون 1984م، وهذا الظهور لم يكن وليد الصدفة أو الحظ، بل ارتبط ظهور برنامج حماية الشهود الأمريكي بما يسمى “بالمافيا” أو العصابات،وتعهدهم لبعضهم بكتمان الأسرار، وإلا تعرضوا للقتل إن تم إفشاء الأسرار منهم كشهود على جريمة من جرائم العصابات.
وقد ركز برنامج حماية الشهود الأمريكي على توفير حماية آمنة للشهود عن طريق المراقبة على مدى الأربع وعشرين ساعة،أو النقل لمكان آمن،فضلا عن منح الشهود وأسرهم هويات جديدة وبطائق ائتمان، ومنحهم مساعدات مالية وتوفير وظائف لهم،وقد خص القانون الأمريكي في قانون مكافحة الجريمة المنظمة للمدعي العام سلطة اتخاذ القرارات التي تكفل أمن وحماية الشهود،حيث خول القانون للمدعي العام استئجار وشراء وبناء منازل واتخاذ ما يلزم لتوفير الرعاية الصحية والأمنية للشهود وأسرهم المستحقين للحماية ممن تعتزم الحكومة طلبهم للإدلاء بشهادتهم في الدعاوى المقامة ضد أشخاص متهمين بالاشتراك في أنشطة تتعلق بالجريمة المنظمة، حيث يتم تحرير مذكرة تفاهم يوقع عليها كل من المدعي العام بصفته، والشخص المستفيد من الحماية لشخصه،لتحديد حقوقه ومسؤولياته .
وبالإضافة إلى المشرع الأمريكي انضمت إليه العديد من التشريعات الأوروبية التي تبنت أيضا تجربة إنشاء برامج حماية الشهود:
-
البرنامج الألماني
عرفت ألمانيا نظاما لحماية الشهود من خلال إقرارها لقانون التنسيق لحماية الشهود المعرضين للخطر ZSHG الصادر عام 1998متتمثل أبرز ملامح هذا البرنامج في فصل مكاتب حماية الشهود عن مكاتب التحقيقات الجنائية، وهو ما أسفر عن إنشاء “مكاتب التنسيق لحماية الشهود” في جميع مكاتب الشرطة الجنائية بالدولة، وفي مكتب تحقيقات الجمارك، وفي مكتب الشرطة الجنائية الفدرالية
-
البرنامج السويسري
ويقتصر البرنامج السويسري لحماية الشهود الذي أطلقته الشرطة السويسرية على الحالات المرتبطة بالاتجار بالبشر، والإرهاب والجريمة المنظمة، وتنتهي الحماية إذا لم يعد هناك أي تهديد ملحوظ، أوفي حالة انتهاك للشخص المحمي وفق شروط الاتفاق بشكل متكرر. في حين أن التشريع أو النظام السويسري لم يكن يعرف هذا النوع من البرامج، أو كانت مدرجة في نظامه، إلا أن الوعي بأهميتها هو ما دفع النظام السويسري إلى أخذ غمار التجربة واعتمادها لحماية أمن الشهود،وتشمل التغييرات التشريعية في هذا البرنامج إمكانية بقاء الشهود الأجانب في مقاطعة أخرى غير تلك التي يقيمون بها بشكل قانوني، كما تسمح للشهود من برنامج حماية شهود أجانب البحث عن ملجأ في سويسرا.
وهناك العديد من التشريعات المقارنة أيضا التي عرفت برامج حماية الشهود خارج أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، ومن أبرز هذه التشريعات القانون الكندي والأسترالي والبرازيلي،حيث عرفت كندا نظام برامج حماية الشهود من خلال القانون الذي قدم في مجلس الشيوخ الكندي، والمتضمن البرنامج الكندي لحماية الشهود في 20 يونيو 1996م،ووفقا لهذا القانون يتم إنشاء برنامج لتسهيل حماية الشهود، ويطلق عليه “برنامج حماية الشهود.”
إنه، وباطلاعنا على بعض الدول التي اعتمدت في أنظمتها برامج حماية الشهود، يتضح لنا مدى النقص الذي يعتري المشرع المغربي في هذا الجانب، بحيث إننا نلحظ الغياب الكلي لبرامج حماية الشهود في التشريع المغربي،ولهذا فمن الجدير التأكيد على ضرورة اعتماد هذه البرامج نظرا لدورها المهم والتوصية بحماية الشهود في إطار هذه البرامج، حيث إنه من الضروري توفر برامج لمساعدة ضحايا الجريمة وإساءة استعمال السلطة وبرامج حماية الشهود، ووجود أماكن داخل المحكمة مخصصة للضحايا أو الشهود، حيث قد يتسبب غياب ذلك في تخويف الشهود وتهديدهم من طرف الجناة، ومحاولة التأثير عليهم.
خاتمة:
وأخيرا ومن خلال ما تم التطرق له في هذا المقال تم استنتاج ما يلي :
-
اعتمد المشرع المغربي شأنه شأن باقي التشريعات المقارنة على حماية الشهود في بعض الجرائم المحددة بنص خاص،
-
يلاحظ قصور التشريع المغربي في مجال حماية الشهود والتضييق من نطاق هذه الحماية،
-
عدم كفاية الإجراءات المتعلقة بحماية الشهود، الموجودة في التشريع المغربي مقارنة بما هو الحال عليه في بعض التشريعات الرائدة في مجال الحماية،
وبالتالي فيمكن اقتراح :
-
إعادة النطر في القانون المتعلق بحماية الشهود والخبراء والمبلغين، ومحاولة تعديل النصوص القانونية المتعلقة بحماية الشهود والتوسيع من نطاق الحماية المقررة،
-
التفكير الجاد في التنصيص على إجراءات إضافية تتعلق بحماية الشهود المهددين وتبني التجارب المقارنة الرائدة في مجال حماية الشهود،
-
ملاءمة التشريع المغربي مع الاتفاقيات الدولية بشأن حماية الشهود بالمغرب،
-
العمل على خلق أجهزة خاصة على مستوى المحاكم توكل لها مهمة تتبع إجراءات الحماية سواء قبل أو بعد المحاكمة،
-
ضرورة اعتماد برامج حماية الشهود في التشريع المغربي نظرا لما تحققه من نتائج إيجابية في هذا الشأن.
-
قائمة المراجع :
-
المراجع باللغة العربية:
-
عبد الوهاب عشماوي،إ”جراءات الإثبات في المواد التجارية والمدنية”،دار الجيل القاهرة، ط1، س 1985
-
نوزاد أحمد ياسين الشواني، حماية الشهود في القانون الجنائي الدولي والوطني – دراسة تحليلية مقارنة-، المركز القومي للإصدارات القانونية، ط.1، سنة 2014،
-
أمين مصطفى محمد،”حماية الشهود في قانون الإجراءات الجنائية دراسة مقارنة”، دار المطبوعات الجامعية ،س 2010
-
مغني دليلة، “تدابير قانون حماية الشهود والخبراء والضحايا (دراسة مقارنة)”، مجلة الحقيقة، العدد 41، س2017
-
أحمد يوسف السولية،”الحماية الجنائية والأمنية للشاهد”، دار الفكر الجامعي، ط1، س 2007
-
رامي متولي القاضي، “الحماية القضائية للأشخاص المتعاونين مع أجهزة العدالة (الشهود والخبراء والمبلغين) في إطار الجريمة المنظمة في المواثيق الدولية والقانون المصري”، مجلة الحقوق، العدد 3، س 2016م
-
بطرس بطرس غالي، “خريطة العدالة الانتقالية في مصر منذ ثورة 25 يناير 2011م (المسار-التحديات-السياسات)”، نسخة غير مخصصة للبيع، س 2011م
-
أحمد فتحي سرور، “الحماية الدستورية للحقوق والحريات”، دار الشروق للنشر، ط2،س 2000
-
النصوص القانونية :
-
قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي.
-
قانون التحقيق الجنائي البلجيكي.
-
قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا
-
الظهير الشريف رقم 1.01.127 صادر في 29 من ربيع الأول 1422(22 يونيو 2001) بتنفيذ القانون رقم 50.00 المتعلق بالتراجمة المقبولين لدى المحاكم
-
المراجع باللغة الفرنسية :
-
Sonet Saint-Louis, « L’ÉLABORATION DES RÈGLES DE PREUVE ET DE PROCÉDURE AU NIVEAU DES TRIBUNEAUX PÉNAUX INTERNATIONAUX DANS LE CONTEXTE DE LA DIVERSITÉ DES SYSTÈMES JURIDQUES NATIONAUX: LE CAS DU OUI-DIRE”, Mémoireprésentécomme exigence partielle de la maîtriseen droit international, Université du Québec à Montréal (UQAM) AnnéeUniversitaire 2005/2006
-
David Aubert, « Quelle Place Pour L’anonymat Dans Le Témoignage –une étude comparéeFrance/Italie”, Thèse pour l’obtention du titre de Docteurent droit privé et sciences criminelles, Université Paris I – Panthéon Sorbonne École Doctorale de la Sorbonne, annéeuniversitaire 2020/2021
-
Céline Michta, “L’administration de la preuve en droit pénalfrançais- Exemple et pratique judiciaire De la gendarmerie nationale”, Thèse pour obtenir le grade de Docteur, Université de STRASBOURG, année universitaire 2017
-
JACQUES LE CALVEZ, « les dangers du « X » en procédure pénale : opinion contre le témoin », DALLOZ.2002, N40 Doct