الحماية القضائية لبيع عقار القاصر.
إنجاز
جمال المدني
باحث في صف الدكتوراه
جامعة محمد الخامس الرباط أكدال
توطئة
لقد أولى المشرع المغربي لبيع عقار القاصر حماية قصوى نظرا لوضعية القاصر في المنظومة القانونية والاولوية التي يحظى بها، لكن فالقانون مهما سما وارتقى فقد تعتريه بعض النقائص أو الثغرات التي قد يستفيد منها البعض بغير وجه حق، وهنا يظهر ويبرز دور القضاء في إتمام وتكملة القاعدة القانونية أو تفسيرها تفسيرا يتناغم ومنطق العدالة والحق، ويعتبر موضوع بيع أو تفويت بصفة عامة للممتلكات العقارية للقاصر، موضوعا ذي أهمية على اعتبار أن القاصر قد لا يعرف مصلحته وقد يتكلف وليه أو وصيه بالقيام بتفويت عقاراته بدون وجه حق، وهنا يبرز دور القضاء في مراقبة هاته العملية وذلك من خلال مجموعة من الإجراءات الشكلية الواجب إتباعها، حماية لمصالحه المالية. وتتجلى أولى هذه الإجراءات في إذن القاضي المكلف بشؤون القاصرين بعد ثبوت مصلحة القاصر في هذا البيع.
وعند الحصول على الموافقة على البيع والإذن به، يتم بطريقة معينة حددها المشرع المغربي، مما يبرز بجلاء الدور القضائي أثناء عملية البيع.
وهكذا سنتناول رقابة القضاء لبيع عقار القاصر في المطلب الأول ثم إجراءات البيع القضائي لعقار القاصر في المطلب الثاني
المطلب الأول: رقابة القضاء لبيع عقار القاصر.
لا يجوز التصرف في عقار القاصر بالبيع إلا تحت رقابة القضاء، والتي تكون قبل القيام بعملية البيع، فتكون بذلك رقابة قبلية.
ولا يختلف الفقهاء في وضع القيود على تصرفات الوصي أو المقدم بخصوص بيع عقار القاصر، وإن اختلفوا في صياغة هذه القيود.
بذلك لا يجوز لكل من الوصي أو المقدم أن يبيع عقار القاصر إلا في حالة الضرورة التي تثبت بأحد الأسباب الشرعية ( أولا)، وبعد إستئذان القاضي في إجراء هذا البيع ( ثانيا).
أولا: استجلاء موجبات بيع العقار.
الأصل أن الأب محمول على النظر والسداد، لوفور الشفقة على أبنائه القاصرين، فإذا توفرت فيه شروط الولاية على المال، وانتفت موانعها، فله التصرف المطلق في أموال من تحت ولايته، بدليل قول الشيخ خليل: ” وله البيع المطلق وإن لم يذكر سببه”، أي أن الأب له أن يبيع على يد ولده المحجور العقار وغيره لأحد الأسباب الموجبة للبيع[1] .
وقد علق الخرشي على قول الشيخ خليل : ” وإن لم يذكر سبب بقوله: مقتضاه أنه لا بد لبيعه من سبب لكن لا يحتاج لذكره، وليس كذلك إذ له البيع وإن لم يكن هناك سبب”[2] . وعقب بناني على تعليق الخرشي قائلا: ” الانتقاد المبني على أن مراده بالسبب هنا أحد الأسباب الآتية في قوله ( وإنما يباع عقاره )…إلخ، فحينئذ يتوجه الاعتراض بأن يقال لا يشترط في جواز بيع الأب وجود سبب من الأسباب فضلا عن ذكره، وأما إذا قلنا مراده مطلق السبب فلا إشكال في اشتراط وجوب سبب، أي سبب كان، إذ لا يحل للأب فيما بينه وبين الله عز وجل أن يبيع بدون سبب أصلا، وعلى هذا فانتقاد على المصنف”[3].
يتبين من خلال ما أورده الفقهاء أن تصرفات الأب في عقار القاصر محمولة على النظر والسداد حتى يثبت خلاف ذلك. معنى ذلك أن الأب يمارس ولايته على أموال أولاده دون قيد، إلا أن تصرفاته في أموالهم لا تحقق مصلحة، أما بالنسبة للوصي أو المقدم فقد اعتبر الفقهاء، أن تصرفاتهما في عقار القاصر محمول على غير السداد، لقلة وفور شفقتهما، لذلك يتعين إثبات السبب الداعي إلى التصرف.
فلا يجوز لهما بيع العقار المملوك للمحجور إلا بعد إثبات أن الضرورة تفرض بيع ذلك العقار، ويتحتم إشهاد عدلين على هذه الضرورة، بالإشارة إلى أن المبرر الداعي للبيع : ” بمعنى أن بيع الوصي مال محجوره من المحظور الممنوع إلا أن يكون ذلك لمقتضى أي لموجب فيجوز بيعه حينئذ ولم يذكر موجبات البيع إتكالا على شهرتها عند الفقهاء، وإليها أشار الشيخ خليل بقوله إنما يباع عقاره لحاجة أي لمأكل أو ملبس أو غبطة أي كثرة في الثمن أو لكونه موظفا…أو لكونه حصة…أو لقلة غلته…أو لكونه بين ذميين أو جيران سوء أو لإرادة شريكه…أو لخشية انتقال العمارة أو لخوف الخراب ولا مال له، أو له والبيع أولى. وهذه الأسباب إنما هي شرط في عقار اليتيم كما يصرح به ابن الحاجب والشيخ خليل وغيرهما لا في كل مبيع كما قد يظهر من إطلاق الناظم وما ذكره من افتقار بيع الوصي عقار المحجور لذلك السبب هو احد القولين المشهورين والقول الآخر أنه لا يحتاج إلى ذلك الأب، وهما مبنيان على أن فعل الوصي محمول على غير السداد حتى يثبت السداد أو فعله محمول على السداد حتى يثبت خلافه [4] .
وعليه، فالقاعدة العامة في تصرفات الوصي أو المقدم بالبيع في أموال القاصر، أنه لا يجربها إلا لأسباب تمم حصرها. على خلاف تصرفات الولي فإنه لا يحتاج إلى ذكر هذه الأسباب.
على نفس النهج سار المشرع المغربي مشترطا لتمام بيع عقار القاصر من طرف وصيه أو مقدمه، الحصول على إذن قضائي وإجراء البيع وفق مسطرة قانونية محددة.
ثانيا: سلطة القاضي في منح الإذن بيع عقار القاصر.
الملاحظ أن موقف المشرع بشأن مسالة الإذن للأب في بيع مال إبنه القاصر يشوبه غموض ناتج عن ضرورة استئذان الأب للقاضي عند التصرف بمال ابنه القاصر، إذ جاء في هذا الفصل [5] ” الأب الذي يدير أموال ابنه القاصر أو ناقص الأهلية، والوصي والمقدم وبوجه عام كل من يعينه القانون لإدارة أموال غيره، لا يجوز لهم إجراء أي عمل من أعمال التصرف على الأموال التي يتولون إدارتها، إلا بعد الحصول على إذن خاص بذلك من القاضي المختص، ولا يمنح هذا الإذن إلا في حالة الضرورة أو في حالة النفع البين لناقص الأهلية.
ويعتبر من أعمال التصرف في معنى هذا الفصل البيع والمعاوضة والكراء لمدة تزيد على ثلاث سنوات والشركة والقسمة وإبرام الرهن وغير ذلك من الأعمال التي يحددها القانون صراحة”.
بينما عددت المادة 271 من مدونة الأسرة التصرفات التي لا يحق لكل من الوصي والمقدم القيام بها دون استئذان القاضي المكلف بشؤون القاصرين.
وقد حاول المجلس الأعلى ( محكمة النقض حاليا) تبديد الغموض الناتج عن مقارنة هذه النصوص فيما بينها وذلك بتطبيقه النص الخاص يقدم على النص العام عند التعارض، إذ جاء ضمن قرار صدر عن هذا المجلس بتاريخ 25-11-2006، وذلك بصيغة قاعدة النص الخاص يقدم على النص العام ويطبق بالأولوية عنه، جاء فيه أنه: ” لا مجال للإستدلال بمقتضيات الفصل 11 من ق.ل.ع ما دامت الولاية والأهلية للفرد تخضع لقانون أحواله الشخصية الصادر في ظله القرار المطعون فيه، الذي نص في فصله 149 و 158 على أن للأب الولاية على شخص القاصر وعلى أمواله معا حتى تكتمل أهليته وهو ملزم بالقيام بها”[6].
وفي نفس الإتجاه ورد ضمن قرار آخر صدر سابقا عن المجلس الأعلى (محكمة النقض) بتاريخ 6 يونيو 1990: جاء فيه ” لكن حيث إن المحكمة ركزت قضاءها على علتين:
الأولى حضور الأب البيع الصادر من ولديه للمطلوب في النقض وهذا الحضور مع السكوت يعتبر إجازة للبيع وإمضاء له ولا حاجة معه إلى المساهمة في التوقيع على العقدين لأن التوقيع لو كان لاعتبر إجازة فعلية.
في حين أن الأمر في النازلة يتعلق بالإجازة الضمنية الناتجة عن الحضور والسكوت وعدم الرد وقد ورد نص شراح التحفة لدى قولها:
وفعله بعوض لا يرتضى لأمر وإن أجازه وصيه مضى
على أن القاصر إذا تصرف بحضور وصيه وسكت ولم يرد فعله، فإن ذلك يعتبر منه إجازة التصرف. وهو ما جرى عليه عمل القضاة والموثقين، وإذا كان هذا في الوصي فإنه من حق الأب من باب أولى وأحرى لأن ولاية الأب تتميز بصلاحيات وخصوصيات لم تخول للوصي والمقدم. قال في المختصر: ” والولي الأب له البيع مطلقا وإن لم يذكر سببه”، قال جمهور أهل العلم. وتصرفه وإجازته محمولان على السداد والمصلحة حتى يتثبت فعلا خلاف ذلك، وقول هذا الفقه لا ينتفى مع مضمون الفصول 04-12-318 من ق.ل.ع المستدل به.
والعلة الثانية أن دعوى الإبطال طالها التقادم لأن القاصر … لم يتقدم بدعوى الإبطال داخل سنة من تاريخ بلوغه سن الرشد طبقا لمقتضى الفصلين 311 و 312 من ق.ل.ع … فكان ما استدلت به متصلا بوقائع الدعوى ومنطبقا عليها [7]…”
نميل إلى القول بتطبيق ما استدل به الإجتهاد القضائي في هذا الإطار، من حيث أن الذي يحتاج للإذن هو الوصي و المقدم.
من ثم يتوقف في نظرنا تمام عقد بيع مال عائد للقاصر من طرف أبيه على إخبار القاضي المكلف بشؤون القاصرين، بهذا التصرف المزمع القيام به حتى يعمل على التأكد من مدى صلاحه و سداده.
أما الوصي والمقدم استوجب المشرع الحصول على إذن قضائي بصدد بيع عقار القاصر، وترتيب حق عيني عليه[8]، مما يتبين معه أن موافقة القاضي لازمة لأغلب التصرفات التي يقوم بها الوصي أو المقدم في أموال المحجور، تبعا لذلك لا يكون تاما عقد بيع الوصي أو المقدم لعقارات القاصر، إلا بعد الحصول على إذن يمنحه القاضي المكلف بشؤون القاصرين في صورة أمر قضائي ولائي مبني على طلب الحاجر[9] .
وتجدر الإشارة إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين لا يمنح الإذن المذكور إلا بعد ثبوت ضرورة ذلك التصرف، إذ جاء في الفصل 11 من ق.ل.ع : ” ولا يمنح هذا الإذن إلا في حالة الضرورة أو في حالة النفع البين لناقض الأهلية”.
كما أن الفصل 159 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة كان ينص على أنه:
” بأن القاضي في بيع العقار بعد أن يثبت لديه بحجة شرعية:
- أن الضرورة تدعو لبيع العقار.
- وأن هذا العقار هو الأولى بالبيع من غيره.
- وبيعه بالمزاد العلني.
- عدم وجود زائد على الثمن الذي أعطي فيه.
- وكون الثمن نقدا وحالا”.
ولتحديد مفهوم الضرورة المشار إليها في هذا النص، يتعين الرجوع وفقا لما نصت عليه المادة 400 من مدونة الأسرة إلى الفقه المالكي، حيث نجد أنه إذا كان الأساس هو تبيين المصلحة في بيع مال المحجور عامة فغن بيع عقاره مقيد بتوافر أسباب محصورة على الحاجر أن يقوم بإثبات أحدها[10].
والملاحظ أن هذه الأسباب تثبت بالحجة الشرعية التي تكون كما يقول الأستاذ عبد السلام المنصوري : ” إما شهادة خبرة أو شهادة عدلية أو لفيفية مستفسرة حسب نوعية السبب”[11]
وإذا كان إلزام الوصي أو المقدم بالحصول على إذن القاضي المكلف بشؤون القاصرين، قبل بيع عقار القاصرين ليس بالمر الجديد، إلا أنه يمكن رصد مستجداته من خلال الفصل 158 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، فإن كان الوصي أو المقدم في إطار هذا الفصل ملزم في جميع الأحوال بتقديم طلب الحصول على إذن بغية بيع عقار القاصر، فإنه في إطار مدونة الأسرة لا يتوجب عليه طلب الإذن إلا إذا تعدت قيمة العقار 10.000 درهم.
ويلاحظ أن المادة 271 من المدونة تتحدث عن وجوب الحصول على إذن البيع فقط بالنسبة للعقار الذي تتعدى قيمته 10.000 درهم، ولم يشمل هذا الإجراء شراء العقارات المماثلة، بخلاف الفصل 160 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة الذي كان يتضمن ضرورة الحصول على الإذن بشراء العقار متى كان ذلك في مصلحة القاصر.
وعلى أي حال فإن بيع عقار القاصر خاضع للإجراءات المنصوص عليها في الفصول من 207 إلى 211 من قانون المسطرة المدنية، لذلك يتعين على الوصي أو المقدم الــذي يرغب في الحصول على إذن بيع عقار القاصر أن يرفع إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين مقالا مرفقا بالوثائق و الحجج التي تتضمن بيانات تكفي لتعيين ذلك العقار من حيث موقعه وحدوده ومساحته والأوصاف التي تميزه ورقم اسمه العقاري إذا كان محفظا ورقم المطلب إذا كان في طور التحفيظ، وما قد يكون عليه من الارتفاقات وحقوق الكراء أو الرهن أو غيرهما التي تثبت للغير عليه، وكذلك ما يثبت المبرر الذي يفرض بيعه و ما يبرهن على أنه أحق بالبيع من غيره من عقارات القاصر.
وبمجرد تقديم هذا المقال يقوم كاتب الضبط بفتح محضر يشير فيه إلى هذه البيانات و المستندات، ثم يقدمه إلى القاضي الذي يصدر قرارا إما بالموافقة على المقال والإذن بالتالي يبيع العقار أو رفض الطلب من أساسه[12].
ويسجل كاتب الضبط أسفل المحضر القرار الذي أصدره القاضي بالإذن أو الرفض، وقد أجمل المشرع كل ذلك في الفصل 208 من قانون المسطرة المدنية.
ومن المعلوم أن القاضي لا يصدر الإذن ببيع عقار القاصر إلا بعد أن يثبت له عن طريق الحجج والوثائق التي قدمها الوصي أو المقدم أن الضرورة تفرض بيع ذلك العقار المطلوب بيعه، هذا ما أشار إليه الفصل 207 من قانون المسطرة المدنية الذي جاء فيه:
” يأذن القاضي في بيع عقار معين للمحجور بعد إثبات ضرورة بيعه وأنه أولى بالبيع من غيره” إما إذا ثبت له أن الحالة لا تفرض هذا البيع وأن الحجج التي يرتكز عليها طلب البيع غير كافية، فإنه يقرر عدم قبول ذلك الطلب. ويلزم حينئذ بتبليغ هذا القرار إلى الوصي أو المقدم عن طريق التبليغ العادي الذي تجريه كتابة الضبط[13].
و يمكن حينئذ لهذا النائب الشرعي أن يستأنفه أمام محكمة الإستئناف داخل أجل عشر أيام من يوم التبليغ المذكور، وهذا ما ذكره المشرع في الفقرة الثالثة من الفصل 208 من قانون المسطرة المدنية و التي جاء فيها:
” يبلغ الأمر في حالة الرفض تلقائيا للحاجر وفقا للطرق العادية، ويمكن له أن يستأنفه خلال عشرة أيام”.
بعد ذلك تطرح القضية من جديد أمام محكمة الإستئناف لتبت فيها حسب ما يبدو لها أنه الأفضل للقاصر – فهي ملزمة بمراعاة مصلحة القاصر- وقرارها بالقبول ينفذ حالا.
يبقى التساؤل في هذا الصدد هل يحق للحاجر إذا رفضت محكمة الإستئناف طلب البيع أن يعيد من جديد تقديم طلب بيع العقار أم أن هذا الأمر يكتسي قوة الشيء المقضي به ؟.
بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 148 من ق.م.م فإن الأوامر القضائية الصادرة في هذا الإطار لا تكتسي حجية الشيء المقضي به، متى تغيرت الحالة و الظروف التي كانت تحيط بها وقت صدورها، ومن ثم فإن هذه الأوامر لا تفقد صفتها هذه، ولو بتت فيها محكمة الإستئناف، وهذا لا يعني أنه من حق النائب الشرعي إعادة الطلب مرة أخرى وإضافة أسباب أخرى التي قد تظهر بعد صدور الأمر الأول[14].
المطلب الثاني: إجراء البيع القضائي لعقار القاصر.
في حالة صدور الإذن ببيع عقار القاصر، يعمل النائب الشرعي على بيع ذلك العقار، وفق الإجراءات المنصوص عليها في الفصول 207 إلى 2011 من ق.م.م (أولا) لكن قد يدعي شخص يكون العقار المراد بيعه باسم القاصر ليس في ملكيته وإنما هو في ملكه، ومن ثم تفتح مسطرة التعرض التي تخضع بدورها الإجراءات محددة ( ثانيا).
عند الحصول على الإذن ببيع العقار، فإن البيع يخضع إلى طريقتين:
إما أن يتم البيع عن طريق المراضاة في حالة ما إذا كانت قيمة العقار لا تتعدى بتقدير الخبير عند الاقتضاء ألفي درهم.
وإذا تجاوزت قيمة العقار ألفي درهم أو لم يستطع بيعه بالمراضاة وقع البيع بالمزاد العلني بواسطة عون من كتاب ضبط قاضي شؤون القاصرين الذي فتحت النيابة بدائرته أو الذي يوجد العقار بدائرة نفوذه بطلب من القاضي.
ويخضع البيع بالمزاد العلني لمجموعة من الإجراءات الشكلية وهي:
- قيام خبير معين من طرف القاضي المكلف بشؤون القاصرين بتقدير الثمن الأساسي لعقار القاصر المراد بيعه و الذي سينطلق به المزاد العلني، مع الحفظ بعدم رسو المزاد على المزايد الأخير إلا إذا كان ما قدمه من ثمن يزيد عن ثمن التقويم الذي حدده الخبير[15].
- الإشهار القانوني يتم القيام به من طرف عون كتابة الضبط التابعة لقاضي شؤون القاصرين، بعد أن يقوم القاضي المذكور بتحديد شروط هذا الإشهار باعتبار قيمة العقار وموقعه و حدوده ومساحته ومشتملاته ورقم رسمه العقاري إن كان محفظا أو رقم مطلب التحفيظ إن كان في طور التحفيظ، شريطة أن يستمر هذا الإشهار مدة شهرين مع بيان تاريخ ومكان إفتتاح المزاد العلني الذي يكون إما بالمحكمة الإبتدائية التابع لها قاضي شؤون القاصرين أو التي يوجد العقار المراد بيعه في دائرتها. ويعلق هذا الإعلان في باب العقار بالأسواق المجاورة وباللوحة المخصصة للإعلانات بالمحكمة الإبتدائية التي يوجد العقار بدائرتها وبمكاتب السلطة الإدارية المحلية، بل يمكن إشهاره في جريدة أو أكثر وبالجريدة الرسمية إذا كانت قيمة العقار كبيرة.
- قيام عون كتابة الضبظ بإعلام الوصي أو المقدم بإجراءات الإشهار التي تم القيام بها ويخطره بضرورة الحضور في اليوم و المكان المحدد لإجراء البيع، وقد أجمل المشرع هذه الإجراءات في المادة 209 من قانون المسطرة المدنية.
- عند حلول الموعد المحدد للمزايدة يقوم عون كتابة الضبط بافتتاح المزايدة ويدعو الراغبين إلى التقدم بعروضهم ويتم الإعلان على الأعلى فالأعلى من هذه العروض، وعندما يتقدم شخص بأعلى عرض بحيث لا ينافسه غيره في تقديم عرض أعلى منه يعلن العون عن رسو البيع على هذا الذي تقدم بأعلى عرض[16].
بحيث يجيب على هذا الأخير أن يؤدي الثمن خلال ثلاثة أيام من رسو المزاد العلني عليه وإلا لم يسلم له العقار، كما يجب عليه زيادة على ذلك أن يؤدي صوائر إجراء المزايدة.
- إذا تخلف المشتري عن أداء ما هو مطلوب بتنفيذه من الثمن والمصاريف وجه له إنذار قانوني، فإن لم يستجيب لهذا الإنذار داخل أجل ثمانية أيام كان في حل من أي التزام ناتج عن المزايدة، ويخضع العقار لمسطرة بيع جديدة داخل أجل شهرين من إشهار يتضمن البيانات المنصوص عليها في الفصل 209 من قانون المسطرة المدنية. بالإضافة إلى بيان الثمن الذي رست عليه المزايدة الأولى، وتاريخ المزايدة الجديدة ومكانها.
- المشتري المتخلف الذي رسا ثمن العقار عليه بالمزاد العلني، يكون ملزما بأداء الفارق بين الثمن الذي رسا به على المزاد و ثمن البيع النهائي لعدم الوفاء بالتزامه، ولحوق الضرر بمصلحة القاصر. لكن إذا رست المزايدة بثمن أعلى من الثمن الذي رست به المزايدة الأولى برئت ذمة المشتري ولا يحق له استرجاع ما يمكن أن يكون قد دفعه في المزايدة الأولى من عربون أو تسبيق وذلك طبقا للفصل 210 من قانون المسطرة المدنية، كما أنه غير محق في المطالبة بما زاد من الثمن في البيع الثاني عن الثمن الذي رسا عليه المزاد في البيع الأول، أي أن المشتري المختلف يتحمل الفرق بين الثمن الذي رسا به المزاد عليه و الثمن الذي انتهت إليه المزايدة الجديدة، إذا كان هذا الثمن أقل من الثمن الأول، أما إذا كان أكثر فلا حق له في الفرق بينهما.
- عندما يتم بيع عقار القاصر بالطرق القانونية في قانون المسطرة المدنية يحوز كاتب الضبط الثمن والصوائر ويحدد وثيقة تتضمن نقل ملكية المبيع إلى المشتري بالكيفية القانونية من إشهاد عدلي وأداء الرسوم العدلية وتسجيل لدى المحافظة العقارية إذا كان الأمر يتعلق بعقار محفظ ولدى مديرية الضرائب[17].
وتكون لوثيقة البيع الحجية المطلقة على ما شملته من بيانات تهم انتقال ملكية ذلك العقار إلى المشتري و بالثمن الذي رست به المزايدة وتاريخها، ولا يمكن الطعن فيها إلا عن طريق الزور مثلها مثل سائر الأوراق الرسمية التي يحررها الموظفون العموميون.
وهذا ما نص عليه الفصل 211 من قانون المسطرة المدنية، وهو ما درج عليه القضاء المغربي، إذ جاء في أحد قرارات محكمة الاستئناف بالرباط أن: ” عون التنفيذ الذي يحرر محضر البيع العقاري بالمزاد العلني تبعا لمسطرة الحجز يتصرف سواء بمقتضى نوع من الإنابة القانونية الصادرة من المحاكم أو بمقتضى موظف عمومي “[18].
قد يدعى شخص ما أن العقار المراد بيعه باسم القاصر ليس في ملكيته وإنما هو مملوك له، كأن يكون الهالك رب حرفة كالخياطة مثلا وتم إحصاء الأثواب والملابس الجاهزة الموجودة في دكانه من طرف الوصي أو المقدم وتقدم للبيع فيتعرض على ذلك أصحابها أمام قاضي شؤون القاصرين.
والملاحظ أن قانون المسطرة المدنية لم يتطرق لإجراءات المسطرية الواجب إتباعها في حالة إدعاء شخص آخر أنه مالك للعقار و المزمع بيعه باسم القاصر، وفي هذا الصدد يرى الأستاذ محمد ابن معجوز أنه يمكن الركون إلى الفصلين 482 و 483 من قانون المسطرة المدنية[19]. بحيث على هذا الشخص أن يقدم بمجرد اطلاعه على الرغبة في بيع ذلك العقار، طلبا إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين من أجل إيقاف مسطرة البيع، ويرفق طلبه بكل الحجج و المستندات الكافية لإثبات ما يدعيه.
فإذا تبين للقاضي أن تلك الحجج كافية أمر بإيقاف مسطرة البيع ويكون على المعترض في هذه الحالة رفع دعوى استحقاق ذلك العقار أمام المحكمة الإبتدائية التي يقع في دائرتها العقار المتنازع حوله، وإذا صدر حكم نهائي بإلغاء تلك الدعوى أعيدت مسطرة بيع ذلك العقار باسم القاصر وكان المحكمة مشمولا بالنفاذ المعجل[20].
وخلاصة القول، أن المشرع المغربي عمل على حماية مصلحة الطفل القاصر في حالة بيع أحد عقاراته، وذلك من خلال إخضاع كل التصرفات التي يقوم بها النائب الشرعي بما في ذلك مسطرة بيع عقار القاصر لمراقبة السلطة القضائية.
[1] – الحطاب، في شرحه لمختصر خليل، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء، 1992، الطبعة الثالثة. ص: 69.
[2] – الخرشي، “شرح مختصر خليل”، الجزء الخامس. مطابع الأميرية الكبرى بمصر، 1317هـ
[3] – محمد بناني، “حاشية البناني مع شرح الزرقاني، على مختصر خليل”، الجزء الخامس، ط.2002، ص: 297.
[4] – ميارة الفاسي، “شرح ميارة الفاسي على تحفة الحكام”، الجزء الثاني، دار الفكر بدون تاريخ،ص: 15-16
[5]– الفصل 11 من قانون الإلتزامات والعقود.
[6]– قرار المجلس الأعلى ( محكمة النقض) عدد: 290 المؤرخ في: 25/11/2006، الملف المدني عدد: 230/11/2003، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد 67 يناير 2007. ص: 42.
[7] – قرار المجلس الأعلى ( محكمة النقض) بتاريخ 6 يونيو 1990، منشور بمجلة القضاء و القانون، العدد 143، نونبر
1991 ص 106-107.
[8] – المادة 271 من مدونة الأسرة والفصل 11 من قانون الالتزامات و العقود.
[9] – عبد الحق صافي، عقد البيع، مرجع سابق، ص 233.
[10] – لم تتضمن المادة 271 أي شرط بل أخضعت مسألة منع الإذن للسلطة التقديرية للقاضي المكلف بشؤون القاصرين.
[11] – عبد السلام المنصوري، دروس تطبيقية حول شؤون القاصرين – النيابة القانونية، سلسلة دروس المعهد العالي للدراسات القضائية سنة 1983.
[12] – حسن الفكهاني، التعليق على قانون المسطرة المدنية المغربية في ضوء الفقه والقضاء، الجزء الثاني إصدار الدار العربية للموسوعات القاهرة، الطبعة الثالثة 1995-1996، ص 41.
[13] – تجدر الملاحظة هنا إلى أن التبليغ العادي للأحكام يتم بالطريقة المنصوص عليها في الفصول 36-37-38-39-50 من قانون المسطرة المدنية.
[14] – عبد العزيز توفيق، شرح قانون المسطرة المدنية و التنظيم القضائي، الجزء الأول، مطبعة النجاح الجديدة. 1995، ص 387.
[15] – عبد العزيز حضري، القانون القضائي الخاص، مطبعة الجسور، الطبعة الأولى، 1999، ص 231.
[16] – عبد الحق صافي، عقد البيع، مرجع سابق، ص 244.
[17] – محمد الحياني، عقد البيع وقانون التحفيظ العقاري، مطبعة ووراقة الكتاب، يناير 1994، الطبعة الأولى، ص 175.
[18] – قرار صادر عن محكمة الإستئناف بالرباط، عدد: 4281، بتاريخ: 2 يناير 1951، منشور بمجموعة قرارات محكمة الإستئناف ( ترجمة الأستاذ العربي المحبوذ).
[19] – ينص الفصل 482 من ق.م.م : ” إذا ادعى الغير أن الحجز انصب على عقارات يملكها أمكنة لإبطال الحجز، رفع دعوى الاستحقاق.
يمكن رفع هذه الدعوى إلى حين إرساء المزايدة النهائية، ويترتب عليها وقف مسطرة التنفيذ بالنسبة إلى الأموال المدعي فيها بالاستحقاق إذا كانت مصحوبة بوثائق يظهر أنها مبنية على أساس صحيح “.
وينص الفصل 483 من ق.م.م على أنه: ” يجب على طالب الاستحقاق لوقف الإجراءات أن يقدم دعواه أمام المحكمة المختصة ويودع دون تأخير وثائقه، و يستدعي المحجوز عليه والدائن الحاجز إلى أقرب جلسة ممكنة لإبداء اعتراضهما، وإذا اعتبرت المحكمة أنه لا موجب لوقف إجراءات الحجز العقاري كان حكمها مشمولا بالتنفيذ المعجل رغم كل تعرض أو استئناف”.
[20] – ” محمد ابن معجوز، مرجع سابق ص 302.