الدخول السياسي : ” بعد افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية ” الباحث : مراد علوي
الدخول السياسي : ” بعد افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية “
من إعداد : مراد علوي ـ MOURAD ALLIOUI
طالب باحث في القانون الإداري و المالي ـ برحاب كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية أكدال – جامعة محمد الخامس بالرباط ، فاعل جمعوي و حقوقي .
يتميّز الدخول السياسي الحالي بتزامنه مع الذكرى الأولى لتشكيل الحكومة الحالية التي يقودها السيد عزيز أخنوش، وذلك بعد مرور سنة على انتخابات 8 سبتمبر ، وهي المدة الكافية من أجل التقييم للوقوف عند طبيعة الإنجازات التي تحققت والإكراهات التي من المفروض التصدي لها .
والواقع أن العديد من القضايا الساخنة والمستجدة تستوجب من الحكومة مقاربة جديدة وآليات عمل مبتكرة من أجل بلورة الحلول للمشاكل المطروحة في مقدمتها تلك المتعلقة بالموسم الدراسي الجديد في ظل مشروع إصلاح المنظومة التربوية، ومخرجات الحوار الاجتماعي مع النقابات، وظاهرة الجفاف والهشاشة المائية والتغيرات المناخية، ومشروع الحماية الاجتماعية وإصلاح المنظومة الصحية، وكيفية مواجهة البطالة والتضخم و غيرها ….
وسيتعين على الحكومة التعامل بشكل ملح وجدي مع ملفين ملتهبين، يتعلق الأمر بتدبير ندرة المياه، وارتفاع تكلفة الطاقة. وإذا كانت الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، بالنسبة للملف الأول، جعلت من الممكن حماية المدن الكبيرة والصغيرة من نقص مياه الشرب، فإن ذلك لن يكون كافيا بالنسبة لسكان العالم القروي، حيث تقتضي الضرورة إبداع حلول مبتكرة. أما بالنسبة للملف الثاني فيعتمد تدبيره، بشكل كبير ،على كيفة التحكم في المخاطر الدولية، مع ما يستلزم ذلك من توفير وسائل وآليات وطنية قادرة على مواكبة التحولات الدولية في هذا المجال، بما يمكن من تحقيق السيادة الطاقية، وكذلك السيادة الغذائية و الصحية ..
إن السياق الصعب الذي ولّدته أزمات ما بعد كوفيد، والحرب الروسية الأوكرانية، تستوجب اتخاذ تدابير ملموسة من أجل طمأنة المواطنين وتعزيز الثقة بين الحكام والمحكومين، وترجمة الوعود إلى سياسات عمومية يكون لها الوقع الإيجابي على المعيش اليومي للمغاربة بمختلف فئاتهم ومواقعهم في الحواضر والبوادي، وخاصة المناطق النائية التي يعاني أبناؤها من الجفاف ونقص مياه الشرب ومن تقهقر قدرتهم الشرائية بسبب تراجع الأنشطة المدرة للدخل، حيث يهدد الوضع الحالي بتشجيع موجات من الهجرة والنزوح من البوادي نحو الحواضر، والذي من شأنه التسبب من جديد في ظهور أحزمة الفقر والأحياء الصفيحية، وبالتالي بروز بعض الظواهر المجتمعية المقلقة في المناطق الحضرية ، مثل التجارة غير الرسمية، واحتلال الباعة المتجولين للشوارع والطرق والأزقة والفضاءات العامة وانتشار الجريمة و غيرها .
يبدو إذن، أن الدخول السياسي في بلادنا يئن تحت وطأة ضغط التحديات التي تفرضها الأولويات المسطرة من قبل الحكومة المرتبطة بالرغبة في إنجاح الأوراش التي تعتبر سنة 2023 بداية الشروع في تنفيذها، وهو الأمر الذي يفرض بذل مجهود استثناني من أجل التصدي للإكراهات والصعوبات الحقيقية التي تفرضها الظرفية الاقتصادية والاجتماعية في ظل الأزمات المستفحلة ارتباطا باستمرار تداعيات جائحة كورونا وانعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية ….
وفي إطار ذلك توقعت مختلف الدراسات عل الصعيدين الوطني والدولي أن يسجل الاقتصاد المغربي تباطؤًا حادًا في نموه خلال نهاية السنة الجارية، وهو التوجه الذي أكدته توقعات جديدة لصندوق النقد العربي. حيث أشارت هذه المنظمة الإقليمية العربية في تقريرها حول آفاق النمو الاقتصادي في الدول العربية، إلى أن المغرب سيسجل نموًا اقتصاديًا بنسبة 1٪ فقط في سنة 2022 مقابل متوسط إقليمي قدره 5.4٪ ، ومن خلال تحليل البيانات التي جمعها الصندوق، يظهر أن كل المعطيات تشير إلى أن المغرب سيسجل أضعف نمو في المنطقة في نهاية السنة الحالية
ويفيد صندوق النقد العربي ، في توقعاته الجديدة، أن نمو الاقتصاد المغربي من المفترض أن ينتعش من جديد بنسبة 4٪ خلال سنة 2023
والحقيقة أن توقعات صندوق النقد العربي الذي تتمثل مهمته في إرساء الأسس النقدية للتكامل الاقتصادي العربي وتسريع عملية التنمية الاقتصادية في جميع الدول العربية، تتماشى مع التوقعات التي تضمنتها تقارير مؤسسات أخرى دولية ووطنية، حيث سبق للبنك الدولي أن أعلن في تقريره «رصد الوضع الاقتصادي في المغرب…» أن الاقتصاد الوطني سيشهد تباطؤاً بنسبة 1.3٪ في عام 2022 ، تحت تأثير الجفاف وارتفاع أسعار السلع و البضائع …
ووفقًا لتقديرات المؤسسة الدولية ، فإن «الاقتصاد الوطني سيشهد تباطؤًا ملحوظًا في سنة 2022 ، بمعدل نمو متوقع لن يتجاوز 1.3٪ ، مقارنة بـنسبة 7.9٪ المسجلة في سنة . 2021
وفي السياق نفسه الذي يؤكد التوجه نحو التباطؤ في الاقتصاد الوطني، أفادت المندوبية السامية للتخطيط من جانبها أن النمو الاقتصادي سيسجل نسبة 1.3٪ في سنة 2022 مقابل 7.8٪ في سنة 2021 ، قبل أن ينتعش إلى 3.7 ٪ في سنة 2023 ، مع الأخذ في الاعتبار زيادة الضرائب والرسوم على المنتجات بنسبة 2.2٪ بعد خصم الدعم …
وكان بنك المغرب في ختام الاجتماع الفصلي الثاني لمجلسه أفد أنه بعد الانتعاش الملحوظ الذي سجله الاقتصاد الوطني بنسبة 7.9٪ في سنة 2021 ، من المتوقع أن يتباطأ معدل النمو إلى 1٪ برسم سنة 2022، ليصل إلى 4٪ في سنة 2023، ووفقًا لبنك المغرب، من المفترض أن يشهد اقتصاد البلاد تباطؤًا حادًا خلال سنة 2022، مصحوبًا بتفاقم الضغوط التضخمية …
ومن جهته أكد المركز المغربي للظرفية، في نشرته الشهرية رقم 348 ، أن معدل نمو الاقتصاد الوطني ، من المفترض أن يسجل نسبة 5.4٪ برسم سنة .2023
ففي تقرير خاص بعنوان «النمو الاقتصادي: القيود والقدرة على الصمود» ، حذر المركز من أن سنة 2023 ستكون تمرينًا صعبا، تحيط به مناطق رمادية قوية وحالات عدم يقين إلى درجة أن عددًا كبيرًا من الصعوبات ستواجه أداء الاقتصاد الكلي .
ولم تختلف الأرقام التي تقدمها الحكومة المغربية عن تلك التي جاءت في تقارير المؤسسات الوطنية والدولية، حيث توقعت بدورها أن يبلغ النمو الاقتصادي 4.5٪ في سنة 2023 مقابل 1.5٪ برسم سنة .2022
والسؤال الذي يطرح نفسه في ظل الأداء المتواضع للاقتصاد الوطني، كيف يمكن للحكومة أن تفي بالتزاماتها المصرح بها في البرنامج الحكومي ، وتنفيذ الأولويات التي حددتها في الرسالة التوجيهية لرئيس الحكومة المتعلقة بإعداد مشروع القانوني المالي لسنة 2023 ؟
في سنة 2023 تلتزم الحكومة بتنفيذ تعميم الدعم الموجه للأسر المغربية، باستخدام نهج قائم على المساعدة المباشرة عبر استهداف الفئات الهشة المؤهلة للحصول على هذا الدعم، وهو الأم الذي أكدت عليه الرسالة التوجيهية لرئيس الحكومة برسم مشروع قانون المالية لسنة 2023. توافقا مع التخطيط للعديد من الإجراءات الاجتماعية في إطار البرنامج الحكومي وكذلك في إطار النموذج التنموي الجديد. ويتعلق أحد الإجراءات الكبرى،الشروع، في تعميم الإعانات العائلية، مع نهاية سنة 2023 ، وفقً جدول زمني مضبوط ..
ويظهر من المعطيات الرسمية أن هذا المشروع الوطني الاجتماعي التضامني سيستفيد منه حوالي سبعة ملايين طفل، لا سيما أولئك الذين ينتمون إلى أسر فقيرة أو محفوفة بالمخاطر وثلاثة ملايين أسرة ليس لديها أطفال في سن التمدرس. وتحقيقا لهذه الغاية ، من المفروض العمل من اجل التفعيل الجاد للسجل الاجتماعي الموحد باعتباره الآلية الرئيسية لمنح الدعم الفعال ، في إطار تنفيذ خارطة الطريق التي رسمها جلالة الملك …
وعليه ، وتطبيقاً للتوجيهات الملكية السامية الواردة في خطاب العرش ، من المفترض أن تعمل السلطة التنفيذية على تعميم هذه الإعانات وفق الجدول الزمني المحدد، على الفئات المستهدفة حسب ما تضمنته الرسالة التوجيهية التي وجهها رئيس الحكومة إلى القطاعات الوزارية المختلفة. وبهذا المعنى، فإن الحكومة، تعمل على تسريع إنشاء السجل الاجتماعي الموحد ، الذي يُقصد به أن يكون الآلية الرئيسية لتوجيه المساعدات وضمان فعاليتها، بالإضافة إلى ذلك، العمل على إصلاح نظام الدعم العمومي، وهذا يعني أن توجه الحكومة سيعرف تغييرًا في اتجاهها الاستراتيجي في هذا المجال. ونظرًا لأهمية ذلك باعتباره جانبًا من جوانب توفير شروط الحياة الكريمة للمواطنين، يتطلب من الحكومة أن تولي اهتمامًا خاصًا بتسهيل الحصول على سكن لائق .
لذلك تقرر تغيير طريقةالمساعدة التي تهدف إلى استبدال النفقات الضريبية (الإعفاءات) التي لا يزال من الصعب قياس أثرها الاجتماعي والاقتصادي، إلى دعم مباشر للوصول إلى الملكية ، حيث يتم اعتماد هذا النهج بالتشاور مع جميع الفاعلين و أصحاب المصلحة. إلى جانب ذلك تبحث الحكومة عن السبل الكفيلة بمراجعة شبكة ضريبة الدخل. وهو الأمر الذي سبق أن كشف عنه الوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، خلال يوم دراسي نظمه النواب والمستشارون البرلمانيون أن الإصلاح المذكور يأتي تطبيقا لتوصيات المناظرة الثالثة للضرائب والمادة الرابعة من قانون الإطار الخاص بالضرائب التي تنص على مراجعة الضريبة على الدخل المفروضة على الأشخاص الطبيعيين.
وفي السياق نفسه يستجيب المشروع المذكور لإحدى المرتكزات التي شدد عليها النموذج التنموي الجديد الذي يشجع العدالة الضريبية من خلال مراجعة شبكات ضريبة الدخل وكذلك طرق الحساب المعمول بها في هذا المجال .
والمعروف أن الرسالة التوجيهية لرئيس الحكومة، المتعلقة بمشروع قانون المالية لسنة 2023، تحدد أربع أولويات رئيسية ، مع الأخذ في الاعتبار التوجيهات الملكية السامية الواردة في خطاب العرش والتي تترجم التزامات البرنامج الحكومي، وتتعلق هذه الأولويات بتعزيز أسس الدولة الاجتماعية، وإنعاش الاقتصاد الوطني من خلال دعم الاستثمار، وترسيخ العدالة المجالية، واستعادة الهوامش المالية لضمان استدامة الإصلاحات …
ولا شك أن الاقتصاد الوطني عانى من ضغط الإكراهات الخارجية ، حيث شهد العالم أزمات متتالية منذ عام 2020، مع ظهور جائحة كوفيد -19 وانعكاساته الصحية والاقتصادية والاجتماعية العالمية، ولكن المغرب بفضل القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس نجح في التغلب على هذه الأزمات والحد من آثارها من خلال سياسة استباقية فعالة، من المفروض أن تواصل الحكومة هذا لنهج لاسيما بالنسبة للقطاعات الاجتماعية التي تشكو من إكراهات بنيوية كما الأمر بالنسبة لقطاعي الصحة والتعليم، إذ أن تطوير قطاع الصحة يبقى مسألة حياة أو موت، والبداية تكون بتنفيذ مشروع القانون الإطاري المتعلق بالنظام الصحي الوطني، الذي وافق عليه المجلس الوزاري في 13 يوليوز، والذي تشير إليه الرسالة التوجيهية المتعلقة بمشروع قانون المالية 2023. حيث يستوجب الأمر رفع مستوى عرض الرعاية الصحية من خلال الاستمرار في إعادة تأهيل مؤسسات الرعاية الصحية الأولية، ورفع مستوى الخدمات بالمستشفيات، وإضفاء الطابع المؤسسي على الالتزام باحترام دائرة الرعاية، ورقمنة النظام الصحي ، بالإضافة إلى تعزيز الحكامة بالنظام الصحي من خلال إنشاء مجموعات صحية إقليمية ، وهيئة عليا للصحة، ووكالة خاصة بالأدوية والمنتجات الصحية ووكالة الدم مشتقات …..
إلى جانب القطاع الصحي ، هناك قطاع التعليم حيث تتزامن الدخول المدرسي الحالي مع السنة الأولى لتنفيذ خارطة الطريق المتعلقة بإصلاح المنظومة التربوية الوطنية برسم الفترة الممتدة من 2022 إلى 2026، حيث سبق للحكومة أن عبرت عن التزامها بالانكباب على تنزيل هذا الورش،الاستراتيجي الذي يحظى بالأولوية على الصعيد الوطني ،حيث يمتد هذا الإصلاح إلى التعليم والتكوين بمختلف درجاته والبحث العلمي والابتكار بهدف توفير تعليم جيد ومنتج لجميع مكونات المجتمع المغربي في إطار، المساواة وتكافؤ الفرص …..
بالإضافة إلى ذلك ، سيتعين على البرلمان بالمصادقة على قوانين إطارية ذات أهمية قصوى في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، مثل تلك المتعلقة بالنظام الوطني للصحة وميثاق الاستثمار ومشروع الإنتاج الذاتي للطاقة الكهربائية وقانون المناطق الصناعية وغيرها من التشريعات التي تتطلب تضافر جهود مختلف فرق المؤسسة البرلمانية والحكومة على حد سواء .
والله والي التوفيق .