الدكتور المتولي الشاعر – جريمة الإتجار بالبشر الواقعة من جانب الشخص المعنوي (الإعتباري) في التشريع العماني والمصري والاماراتي
بحث منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية الاصدار رقم 35 لشهر غشت 2021
جريمة الإتجار بالبشر الواقعة من جانب الشخص المعنوي (الإعتباري) في التشريع العماني والمصري والاماراتي
The crime of human trafficking committed by a legal person in the Omani, Egyptian and Emirati legislations
? الدكتور المتولي الشاعر
أستاذ القانون الجنائي المشارك بكلية البريمي الجامعية
سلطنة عمان
الملخص
جريمة الإتجار بالبشر جريمة خطيرة والأضرار المترتبة عليها بالغة الجسامة في كل صورها، إلا أنها عندما ترتكب من قبل الشخص المعنوي تعتبر جريمة أخطر على المجتمع ذلك أن المرتكب لهذه الجريمة في هذه الحالة يستتر وراء هذه الشخصية المعنوية مرتكباً جريمة الإتجار بالبشر وهي تكون أشد خطراً على المجتمع.
ولأهمية هذا الموضوع، قمنا بدراسة هذه الجريمة من كل جوانبها من حيث تعريفها ومن حيث شروط قيامها وأركانها في القانون العماني والقانون المصري والقانون الإماراتي.
كما ناقشنا جميع فرضيات هذه الجريمة في حالة وقوعها سواء على الشخص العادي في الظروف العادية أو على الطفل.
بالإضافة الى القاء الضوء على تعريف جريمة الإتجار بالبشر بشكل عام في الفقه والقانون، وكذلك تبیان خصائصها وطبيعتها وأسبابها وما يترتب عليها من آثار.
A summary:
The crime of human trafficking is a serious crime and the damages resulting from it are very serious in all its forms. However, when it is committed by a legal person, it is considered a more serious crime on society, because the perpetrator of this crime in this case hides behind this legal personality, committing the crime of human trafficking and is more dangerous to the society.
Because of the importance of this topic, we have studied this crime in all its aspects in terms of its definition and in terms of its conditions for its establishment and its pillars in Omani law, Egyptian law and Emirati law.
We also discussed all the hypotheses of this crime in the event that it occurs, whether on the person in normal circumstances or on the child.
In addition to shedding light on the definition of the crime of human trafficking in general in jurisprudence and law, as well as clarifying its characteristics, nature, causes and consequences thereof. The second subject:
Criminal law protects the Materiality and morality of parents.
المقدمة
- ملخص عن موضوع البحث:
إن جريمة الإتجار بالبشر تعتبر أحد الظواهر العالمية التي انتشرت في دول العالم في السنوات السابقة وحتى اليوم، وعادة ما يكون من الأسباب التي تساعد على انتشارها بشكل ملحوظ هو النزاعات المسلحة سواء داخلية أو خارجية أو الكوارث الطبيعية في بعض الاحيان أو الظروف الاجتماعية والاقتصادية لبعض البلدان أو المناطق داخل تلك البلدان، لكل هذه الأسباب وغيرها، يؤدي في النهاية إلى وقوع أعداد كبيرة من البشر تحت طائلة الاستغلال من قبل بعض البشر أيضاً وهم قد يكونوا أفراد أو مجموعة من الأفراد أو عصابات سواء تعمل داخل الدولة الواحدة أو عبر مجموعة من الدول.
إلا أن هذه الجريمة أيضاً قد ترتكب من قبل الشخص المعنوي (أي من قبل شركة أو مؤسسة ما) يعمل تحت مسمى شرعي وقانوني في عمل ما مشروع شكلاً لكنه يخفي تحت هذا العمل المشروع عمل خفي وهو الإتجار بالبشر.
وهذه الظاهرة في الحقيقة أصبحت موجودة بالفعل في بلدان كثيرة تعمل تحت مسمى مشروع وعمل ظاهري مشروع إلا أنها تعمل في الإتجار بالبشر، ومن أمثلة هؤلاء سماسرة الزواج أو مكتب العمل في الخارج أو مكاتب الهجرة إلى الخارج وشركات العمالة إلى الخارج، وغير ذلك الكثير.
لهذا كان هذا البحث لإلقاء الضوء على ماهية جريمة الإتجار بالبشر من حيث تعريفها وطبيعتها وخصائصها وأسبابها وأركانها القانونية. ثم نلقي الضوء على شروط قيام الجريمة عندما ترتكب من جانب الشخص المعنوي وبنائها القانوني، وأخيراً نلقي الضوء على العقوبة المقررة لها، وهذه الدراسة تشمل القانون العماني والقانون المصري والقانون الإماراتي.
- أهمية الموضوع:
تأتي أهمية دراسة هذا الموضوع في وقت تأزمت فيه أوضاع بعض الدول وبالأخص الفقيرة وكذلك التي تعاني من حروب داخلية أو خارجية، في مختلف مناطق العالم، والتي شهدنا هجرة مواطنيها إلى دول أخرى. وهذا يستوجب التحرك السريع لوضع حد لما تعانيه هذه الفئات من ممارسات تعسفية وسيئة تحرمهم من حقوقهم الأساسية للحياة الطبيعية التي يعيشها أقرانهم في مناطق أخرى أكثر أماناً واستقراراً.
وموضوع الإتجار بالبشر ومكافحة من موضوعات الساعة في العالم أجمع، خاصة وأن جريمة الإتجار بالبشر -في الغالب- تقع من قبل عصابات منظمة، والتي لابد من الوقوف عليها ومعرفة أسباب انتشارها وطبيعتها ونموذجها القانوني في كل من التشريع العماني والمصري والإماراتي خاصة عندما ترتكب من قبل الشخص المعنوي.
- أسباب اختيار الموضوع:
من أهم أسباب اختيار هذا الموضوع هو معرفة كنه هذه الجريمة عندما تقع من جانب الشخص المعنوي (الاعتباري) وما هو البناء القانوني لهذه الجريمة في هذه الحالة، ومن هو المسؤول عن ذلك والعقوبة المقررة في التشريعات محل الدراسة.
- اشكاليات وتساؤلات البحث:
إن موضوع هذه الدراسة يثير بعض الإشكاليات والتساؤلات والتي يعمل هذا البحث للإجابة عليها، منها:
- معرفة جريمة الإتجار بالبشر من حيث وضع تعريف دقيق لهذه الجريمة خلاف ما هو متعارف عليه لدى البعض.
- معرفة طبيعة وخصائص وأسباب هذه الجريمة ومعرفة أركانها العامة.
- تحديد النموذج القانوني لجريمة الإتجار بالبشر عندما يكون مرتكبها الشخص المعنوي.
- تحديد المسؤول عن هذه الجريمة وتحديد العقوبة المقررة عليه خاصة عندما ترتكب من جانب الشخص المعنوي وذلك في التشريع العماني والمصري والإماراتي.
- أهداف الدراسة:
تهدف هذه الدراسة إلى معرفة ما يلي:
- هل هناك اختلاف في البناء القانوني لجريمة الإتجار بالبشر عندما ترتكب من جانب الفرد العادي أو من جانب عصابات إجرامية عنها عندما ترتكب من جانب الشخص المعنوي أو الاعتباري.
- معرفة المجني عليه في هذه الجريمة أي عندما ترتكب من جانب الشخص المعنوي وهل هو ذات المجني عليه ونوعيته عندما ترتكب من غيره.
- معرفة المسؤولية الجنائية وعلى من تقع -في حالة ارتكاب الجريمة من قبل الشخص المعنوي- وتحديد العقوبة المقررة في التشريعات المختلفة محل الدراسة.
- معرفة العقوبة وهل هي رادعة أم لا في حالة كون مرتكب الجريمة شخص معنوي مقارنة بارتكابها من قبل غيره.
- منهجية البحث:
نتبع في دراسة هذا الموضوع المنهج الوصفي والتحليلي وكذلك المنهج المقارن، كون ذلك مناسباً لموضوع هذه الدراسة، حيث أن هذه الدراسة قائمة على وصف وتحليل هذه الظاهرة الاجرامية وكذلك تحليل النموذج القانوني للجريمة مقارناً بالتشريعات محل الدراسة.
- خطة البحث:
المبحث الأول: ماهية جريمة الإتجار بالبشر.
المطلب الأول: تعريف جريمة الإتجار بالبشر.
الفرع الأول: التعريف الفقهي.
الفرع الثاني: التعريف القانوني.
المطلب الثاني: طبيعة جريمة الإتجار بالبشر.
المطلب الثالث: خصائص جريمة الإتجار بالبشر.
المطلب الرابع: أسباب انتشار جريمة الإتجار بالبشر.
المطلب الخامس: البنيان القانوني لجريمة الإتجار بالبشر. (الأركان العامة لجريمة الإتجار بالبشر).
المبحث الثاني: جريمة الإتجار بالبشر إذا وقعت من جانب الشخص المعنوي في التشريع العماني والمصري والإماراتي.
المطلب الأول: جريمة الإتجار بالبشر إذا وقعت من جانب الشخص المعنوي في التشريع العماني.
الفرع الأول: شروط قيام الجريمة في حق الشخص المعنوي.
الفرع الثاني: تحديد المسؤول عن الجريمة.
الفرع الثالث: العقوبة المقررة للجريمة.
المطلب الثاني: جريمة الإتجار بالبشر إذا وقعت من جانب الشخص المعنوي في التشريع المصري.
الفرع الأول: شروط قيام الجريمة في حق الشخص المعنوي.
الفرع الثاني: تحديد المسؤول جنائياً.
الفرع الثالث: العقوبة المقررة للجريمة.
المطلب الثالث: جريمة الإتجار بالبشر إذا وقعت من جانب الشخص المعنوي في التشريع الإماراتي.
الفرع الأول: شروط قيام الجريمة في حق الشخص المعنوي.
الفرع الثاني: تحديد المسؤول جنائياً.
الفرع الثالث: العقوبة المقررة للجريمة.
- الخاتمة.
- المصادر والمراجع.
المبحث الأول
ماهية جريمة الإتجار بالبشر
تعد جريمة الإتجار بالبشر من أبشع الجرائم وأخطرها خاصة عندما ترتكب ضد فئة النساء والأطفال لغرض الدعارة والعمل القسري أو تجارة الأعضاء وغير ذلك من أغراض أخرى والتي من أجلها قامت هذه الجماعات الإجرامية المنظمة.
وتحتل جريمة الإتجار بالبشر المرتبة الثالثة -كما ذكرنا سلفاً([1])– على مستوى العالم من حيث العوائد المالية، وذلك بعد تجارة السلاح وتجارة المخدرات.
ناهيك عن طبيعة الإتجار بالبشر التي تتطلب الحركة والتنقل من دولة إلى أخرى. فالجناة يحركون الضحايا من مجتمعاتهم المحلية إلى مناطق بعيدة أخرى وغالباً خارج الحدود الوطنية للدولة، بحيث لا يستطيعون المقاومة، وكذلك لا يتحدثون اللغة في تلك البلاد، بالإضافة إلى الثقافة الدخيلة عليهم، مما يؤدي ذلك لفقدهم الدعم المادي والمعنوي لمقاومة إستغلالهم بجانب مخاطر العنف والإدمان والمشاكل الصحية المرتبطة بإستغلالهم جنسياً أو بدنياً.
وعلى ذلك، سوف نتطرق في دراسة هذا المبحث إلى؛ تعريف جريمة الإتجار بالبشر، وطبيعة جريمة الإتجار بالبشر وأسباب جريمة الإتجار بالبشر وأخيراً البنيان القانوني لجريمة الإتجار بالبشر.
المطلب الأول
تعريف جريمة الإتجار بالبشر
لا يوجد تعريف علمي متفق عليه لمفهوم جريمة الإتجار بالبشر، إلا أنه هناك تعريفات فقهية متعددة لهذه الجريمة، بالإضافة إلى التعريفات القانونية التي وردت في بعض التشريعات الداخلية لبعض الدول وأيضاً بعض التعريفات التي وردت على مستوى المنظمات الإقليمية أو الأممية.
الفرع الأول
التعريف الفقهي
تناول الفقه هذه الجريمة بالتعريف والتحليل، ومن التعريفات التي رصدت في هذا الباب أن الإتجار بالبشر هو:
- عملية تطويع الأشخاص ونقلهم من خلال استعمال العنف أو التهديد بإستخدامه أو استغلال سلطة منصب أو بإستغلال الظروف الخاصة بالضحايا أو الخديعة أو بعمليات الإكراه الأخرى وذلك لإستغلال هؤلاء البشر جنسياً أو اقتصادياً أو الإجبار على الخدمة أو الإسترقاق أو الإستعباد أو سرقة الأعضاء لمصلحة أشخاص أخرين كالقوادين والوسطاء وملاك بيوت الدعارة ومنظمات الجريمة، ولكل من لديه القدرة ويريد شراء الأشخاص أو أعضائهم([2]).
- إستدراج الأشخاص من خلال التهديد أو استخدام القوة أو استغلال النفوذ أو الغش أو الخداع لأغراض الاستغلال في ممارسة الدعارة وأعمال السخرة أو الرق. فجريمة الإتجار بالبشر تتعلق بالتجارة -في الغالب الأعم- بسلع مادية بحيث يمكن بيعها وشرائها نظير مقابل مادي محدد، وهذه السلع يمكن مصادرتها في أحوال معينة، فالتداول يتم في السوق وفقاً للتعبير الاقتصادي، أما عند الحديث عن تجارة البشر فيكون الإنسان نفسه محل هذه التجارة فهو السلعة التي تباع وتشترى([3]).
- الوسيلة الأسرع والأخذة بالتزايد والتي تتم من خلال إجبار الأفراد على العبودية وتتضمن نقل الأشخاص بواسطة العنف والخداع أو الإكراه بغرض العمل القسري أو الممارسات التي تشبه العبودية، ويضيف التعريف حالة الإتجار بالأطفال والتي لا يحتاج الأمر فيها إلى ممارسة أي عنف أو إكراه ضدهم أو خديعة، بل أن نقلهم إلى أي عمل إستغلالي يشكل نوعاً من الإتجار ويعد ذلك من العبودية والسبب في ذلك أن المتاجرين بهم يستعملون العنف ومختلف أشكال الإكراه الأخرى لإجبار هؤلاء الضحايا على العمل ضد إرادتهم، ويشمل ذلك التحكم في حريتهم في الحركة، مكان وموعد العمل وحتى الأجر الذين سيحصلون عليه([4]).
- كل عملية تتم لغرض بيع أو شراء أو تهريب أو خطف الأشخاص واستغلالهم لأغراض العمل القسري أو الخدمات الجنسية أو غيرها من المنتجات مثل المواد الإعلانية الإباحية والزواج حسب الطلب أو أي عمل آخر مرتبط بالجنس([5]).
- التصرفات المشروعة التي تحول الإنسان لمجرد سلعة أو ضحية يتم التصرف فيها بواسطة وسطاء محترفين عبر الحدود الوطنية، قصد استغلاله في أعمال ذات أجر متدن أو في أعمال جنسية أو ما شابه ذلك، وسواء تم هذا التصرف بإرادة الضحية أو قسراً عنها أو بأي صورة أخرى من صور العبودية([6]).
- تجنيد أشخاص أو نقلهم بالقوة او الإكراه أو الخداع لأغراض الإستغلال بشتى صوره ومن ذلك: الاستغلال الجنسي، العمل الجبري، الخدمة القسرية، التسول، الاسترقاق، تجارة الأعضاء، وغير ذلك([7]).
- تسخير و توفير المواصلات و توفير المكان أو استقبال الأشخاص بواسطة التهجير أو استغلال العنف لدى الطفل أو المرأة أو تسليم أموال أو فوائد للحصول على موافقة سيطرة شخص على آخر لغرض الاستغلال([8]).
- نقل الأشخاص بواسطة العنف أو الخداع أو الإكراه لغرض العمل القسري أو العبودية أو الممارسات التي تشبه العبودية.
- كل فعل أو تصرف قانوني أو غير قانوني يرد على الإنسان فيجعله مجرد سلعة تباع وتشترى بغرض إستغلاله في كامل أعضائه الجسدية أو جزء منها، سواء تم ذلك بموافقة الضحية أو قسراً عنه، وأياً كان وجه الاستغلال أو وسيلته سواء داخل حدود الدول أو خارجها([9]).
- بالإستخدام والنقل والإخفاء والتسليم للأشخاص من خلال التهديد أو الإختطاف وإستخدام القوة والتحايل أو الإجبار أو من خلال إعطاء أو أخذ دفعات غير شرعية أو فوائد لإكتساب موافقة وقبول شخص يقوم بالسيطرة على شخص آخر بهدف الإستغلال([10]).
- ويعتبر إتجاراً بالبشر بالمفهوم الشامل كما يرى الدكتور محمد مختار القاضي: أي فعل أو تعامل يتم بمقتضاه نقل أي شخص أو مجموعة من الأشخاص سواء كان طفلاً أو رجلاً أو امرأة إلى أشخاص آخرين نظير مقابل، وذلك لإستغلالهم جنسياً في الأنشطة الجنسية أو إستغلالهم في البحوث العلمية، وفي الحروب كمرتزقة واستغلالهم تجارياً في بيع أعضائهم وإستغلالهم في الأعمال القسرية في الصناعة أو الزراعة على نحو يعرض حياتهم للخطر أو استغلالهم في الهجرة غير الشرعية والتسفير الوهمي، سواء تمت هذه الأفعال بمقابل أو دون مقابل وسواء تمت بإرادتهم الحرة أو رغماً عنهم([11]).
- ونرى أن التعريف السابق، وكذلك كثير من التعريفات السابقة -في تقديرنا- أغفلت الإتجار بالبشر الذي يتم داخل الدول، فالعديد من الباحثين يقتصر لديهم الإتجار بالبشر في كونه يتم عبر الدول أي دول مصدرة وآخرى مستوردة، من دول فقيرة إلى دول غنية كبرى، لكن الإتجار بمفهومه الواسع قد يتم داخل الدولة أو خارجها.
ويمكن تعريف جريمة الإتجار بالبشر بشكل عام – في مفهومنا – بأنها أي عمل من شأنه التعامل في الشخص بهدف إستغلاله جنسياً أو في العمل القسري أو استئصال أعضائه أو جزء منها بالتهديد أو بإستغلال عوزه وفقره أو بالإحتيال عليه في أي عمل مشروع أو غير مشروع سواء تم ذلك داخل الدولة أو متعدياً حدود الدولة([12]).
ونعرف جريمة الإتجار بالبشر بشكل دقيق -من وجهة نظرنا- بأنها: كل فعل أو عمل يقع على الإنسان ويكون الغرض منه إستغلاله في أي صورة من صور الإستغلال غير المشروع([13]).
الفرع الثاني
التعريف القانوني
بداية نتعرض لتعريف الإتجار بالبشر في القانون الدولي، ثم بعد ذلك إلى تعريف القانون العماني له، ثم في القانون المصري والإماراتي، وأخيراً في بعض التشريعات العربية الأخرى، وذلك فيما يلي:
أولاً: تعريف الإتجار بالبشر في القانون الدولي:
جاء تعريف الإتجار بالبشر في المادة الثالثة من بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال حيث عرفت المادة 3 من بروتوكول الأمم المتحدة المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة ضد الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية لعام 2000 والخاص لمنع الإتجار بالأشخاص على النحو التالي:
(تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة او إستعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الإحتيال أو الخداع او إساءة إستعمال السلطة أو إساءة إستغلال حالة استضعاف أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض إستغلاله. ويشمل الاستغلال كحد أدنى إستغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الإستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسراً أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الإستعباد أو نزع الأعضاء).
ويعتبر هذا التعريف هو التعريف النموذجي الذي اتخذته الكثير من التشريعات المتعلقة بشأن مكافحة الإتجار بالبشر كنموذج لها، مع بعض الاختلافات، بالإضافة، كالتشريع المصري والإماراتي والأردني والأمريكي والعماني والسوري والكثير من التشريعات الأجنبية([14]).
ثانياً: تعريف الإتجار بالبشر في القانون العماني:
(ورد تعريف الإتجار بالبشر في القانون العماني في مادتين هما المادة الأولى التي تم تخصيصها لتعريف المصطلحات الواردة بالقانون، والمادة الثانية من القانون (126/2008) بشأن مكافحة الإتجار بالبشر).
فجاء في المادة الأولى الإشارة إلى أن المقصود بجريمة الإتجار بالبشر: القيام بأي فعل من الأفعال الواردة في المادة 2 من هذا القانون.
وجاء نص المادة الثانية على النحو التالي:
يعد مرتكباً جريمة الإتجار بالبشر كل شخص يقوم عمداً وبغرض الإستغلال:
أ- استخدام شخص أو نقله أو ايوائه أو استقباله عن طريق الإكراه أو التهديد أو الحيلة أو استغلال الوظيفة أو النفوذ او باستغلال حالة إستضعاف أو بإستعمال سلطة ما على ذلك الشخص أو بأية وسيلة أخرى غير مشروعة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة.
ب- استخدام حدث أو نقله أو ايوائه أو استقباله ولو لم تستخدم الوسائل المنصوص عليها في البند السابق.
ثالثا: تعريف الإتجار بالبشر في القانون المصري 64 لسنة 2010 بشأن مكافحة الإتجار بالبشر:
ورد تعريف الإتجار بالبشر في المادة الثانية من القانون والتي نصت على: (يعد مرتكباً لجريمة الإتجار بالبشر كل من يتعامل بأي صورة في شخص طبيعي بما في ذلك البيع أو العرض للبيع أو الشراء أو الوعد بهما أو الإستخدام أو النقل أو التسليم أو الإيواء أو الإستقبال أو التسليم سواء في داخل البلاد أو عبر حدودها الوطنية، إذا تم ذلك بواسطة إستعمال القوة أو العنف أو التهديد بهما، أو بواسطة الاختطاف أو الإحتيال أو الخداع او استغلال السلطة أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة أو الوعد بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية، أو مزايا مقابل الحصول على موافقة شخص على الإتجار بشخص آخر له سيطرة عليه -وذلك كله- إذا كان التعامل بقصد الاستغلال أياً كانت صوره بما في ذلك الإستغلال في أعمال الدعارة وسائر أشكال الاستغلال الجنسي، واستغلال الأطفال في ذلك وفي المواد الإباحية أو السخرة أو الخدمة قسراً أو الإسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الإستعباد أو التسول أو استئصال الأعضاء أو الأنسجة البشرية أو جزء منها).
- ومن خلال التعريف الوارد في نص القانون المصري نرصد مايلي:
- أشار التعريف إلى عناصر جريمة الإتجار بالبشر وهي:
الاستغلال و الوسائل والمظاهر المحددة بالنص.
- ورد به كافة مظاهر الإتجار بالبشر، وأدخل صوراً كثيرة للإتجار بالبشر، بالمقارنة للصور الواردة بنص المادة 3 من بروتوكول الأمم المتحدة المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة ضد الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية لعام 2000 والخاص بمنع الاتجار بالبشر.
رابعاً: تعريف الإتجار بالبشر في القانون الإماراتي رقم 51 لسنة 2006 في شأن مكافحة جرائم الإتجار بالبشر المعدل بالقانون الإتحادي رقم 1 لسنة 2015:
جاء التعريف الإتجار بالبشر في المادة الأولى مكرر([15]):
حيث نصت على ما يلي:
- يعد مرتكباً جريمة الإتجار بالبشر كل من :
أ- باع أشخاصاً أو عرضهم للبيع أو الشراء أو الوعد بهما.
ب- إستقطب أشخاصاً أو استخدمهم أو جندهم أو نقلهم أو رحلهم أو أواهم أو استقبلهم أو سلمهم أو استلمهم سواء داخل البلاد أم عبر حدودها الوطنية بواسطة التهديد بالقوة أو باستعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الإحتيال أو الخداع أو إساءة إستعمال السلطة أو استغلال النفوذ أو إساءة إستغلال حالة الضعف وذلك بغرض الإستغلال.
جـ- أعطى أو تلقى مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض استغلال الأخير.
- يعتبر إتجاراً بالبشر ولو لم ينطو على استعمال أي من الوسائل المبينة في الفقرة السابقة ما يلي:
أ- استخدام طفل أو نقله أو ترحيله أو ايواءه أو استقباله بغرض الإستغلال.
ب- بيع طفل أو عرضه للبيع أو الشراء.
- يشمل الاستغلال في حكم هذه المادة جميع أشكال الإستغلال الجنسي أو استغلال دعارة الغير أو السخرة أو نزع الأعضاء أو الخدمة قسراً أو الإسترقاق أو التسول أو الممارسات الشبيهة بالرق والإستعباد.
خامساً: القانون العربي الإسترشادي لمواجهة جرائم الإتجار بالأشخاص بجامعة الدول العربية:
عرف القانون العربي الاسترشادي بجامعة الدول العربية والذي اعتمده وزراء العدل العرب في دورته 21، ووزراء الداخلية العرب في دورته 23 على النحو التالي:
>>الإتجار بالأشخاص: تجنيد أشخاص أو نقلهم أو ايواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة إستعمال السلطة أو إساءة إستغلال إستضعاف أو بإعطاء أو تلقى مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الإستغلال.
ويشمل الإستغلال كحد أدنى، إستغلالهم في الدعارة أو سائر أشكال الإستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسراً أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الإستعباد أو نزع الأعضاء<<.
سادساً: القانون الأردني ( قانون منع الإتجار بالبشر رقم 9 لسنة 2009):
جاء تعريف الإتجار بالبشر في المادة الثالثة والتي تنص على ما يلي:
(أ) لمقاصد هذا القانون تعني عبارة ( جرائم الاتجار بالبشر):
- استقطاب أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بغرض إستغلالهم عن طريق التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الإحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة ضعف أو بإعطاء أو تلقى مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على هولاء الأشخاص.
- إستقطاب أو نقل أو إيواء أو استقبال من هم دون الثامنة عشرة متى كان ذلك بغرض إستغلالهم ولو لم يقترن هذا الإستغلال بالتهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من الطرق الواردة في البند(1) من هذه الفقرة.
(ب) لغايات الفقرة (أ) من هذه المادة تعنى كلمة ( الإستغلال) إستغلال الأشخاص في العمل بالسخرة أو العمل قسراً أو الإسترقاق أو الإستعباد أو نزع الأعضاء أو في الدعارة أو أي شكل من أشكال الإستغلال الجنسي.
(جـ) تعتبر الجريمة ذات طابع ( عبر وطني) في أي من الحالات التالية:
- إذا ارتكبت في أكثر من دولة.
- إذا ارتكبت في دولة وتم التحضير أو الإعداد أو التخطيط أو الإشراف عليها في دولة أخرى.
- إذا ارتكبت في أي دولة عن طريق جماعة إجرامية منظمة تمارس أنشطة اجرامية في أكثر من دولة.
- إذا ارتكبت في دولة وامتدت أثارها إلى دولة أخرى.
سابعاً: القانون البحريني ( القانون رقم (1) السنة 2008 -قانون مكافحة الاتجار بالأشخاص):
نصت المادة الأولى على:
أ- في تطبيق أحكام هذا القانون يقصد بالإتجار بالأشخاص؛ تجنيد شخص أو نقله أو تنقيله أو إيوائه أو استقباله بغرض إساءه الإستغلال، وذلك عن طريق الإكراه أو التهديد أو الحيلة أو بإستعمال سلطة ما على ذلك الشخص أو بأية وسيلة أخرى غير مشروعة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة وتشمل إساءة الإستغلال أو الإعتداء الجنسي أو العمل أو الخدمة قسراً أو الإسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الإستعباد أو نزع الأعضاء.
ب- يعتبر إتجاراً بالأشخاص تجنيد أو نقل أو تنقيل أو إيواء أو استقبال من هم دون الثامنة عشرة أو من هم في حالة ظرفية أو شخصية لا يمكن معها الإعتداد برضاهم أو حرية إختيارهم، متى كان ذلك بغرض إساءة استغلالهم ولو لم يقترن الفعل بأي من الوسائل المنصوص عليها في الفقرة السابقة.
جـ- يفترض علم الجاني بالسن الحقيقية للمجني الذي لم يبلغ من العمر ثماني عشرة سنة.
ثامناً: نظام مكافحة الإتجار بالأشخاص طبقاً للقانون السعودي (مرسوم ملكي رقم م/ 40) 1430هـ:
جاء تعريف الإتجار بالأشخاص في نظام مكافحة الإتجار بالأشخاص السعودي في المادة الاولى والمادة الثانية.
فقد نصت المادة الأولى المخصصة للتعريفات على:
(الإتجار بالأشخاص: إستخدام شخص أو الحاقه أو نقله أو إيواؤه أو استقباله من أجل إساءة الإستغلال).
ثم نصت المادة الثانية على:( يحظر الإتجار بأي شخص بأي شكل من الأشكال بما في ذلك إكراهه أو تهديده أو اساءه إستعمال سلطة ما عليه أو إستغلال ضعفه أو إعطاء مبالغ مالية أو مزايا أو تلقيها لنيل موافقة شخص له سيطرة على آخر من أجل الإعتداء الجنسي أو العمل أو الخدمة قسراً أو التسول أو الإسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الإستعباد أو نزع الأعضاء أو إجراء تجارب طبية عليه).
المطلب الثاني
خصائص جريمة الإتجار بالبشر
توجد عدة خصائص تميز جريمة الإتجار بالبشر- عن غيرها من الجرائم- أهمها:
أولاً: جريمة الإتجار بالبشر جريمة منظمة في أغلب صورها:
جريمة الإتجار بالبشر جريمة منظمة في معظم صور إرتكابها، إذ أنها تمارس من طرف عصابات إجرامية إحترفت الجريمة، وجعلت من الإجرام محوراً ومجالاً لنشاطها ومصدراً لدخلها.
ولا تقع جريمة الإتجار بالبشر بشكل فردي أي من جانب فرد إلا في صورة نادرة منها عندما يخطف أحدهم طفلاً صغيراً ليسخره في التسول أو غير ذلك.
وما يميز السلوك الإجرامي المنظم أنه يقوم على عدة عناصر هي:
- عنصر التنظيم:
حيث أن إطار هذه الجريمة يعود إلى وجود نظام متناسق من خلال بيان آلية العمل وتقسيم الأدوار بين الأعضاء وتحديد علاقتهم بينهم وبين المنظمة الإجرامية ككل مما ينفي إرتكاب الجريمة بصورة منفردة أو بشكل عشوائي، ولا يوجد معيار لابد من توافره في المنظمة الإجرامية لمعرفة درجة هذا التنظيم وعليه يمكن إيجاد منظمة معقدة وعلى درجة عالية من التنظيم، كما قد يكون هناك منظمة بسيطة([16]).
- نفاذ النشاط الإجرامي عبر حدود الدول أو داخلها:
كان من نتيجة التقدم التكنولوجي والتقدم العلمي، أنه بات من السهل الإتصال بين الدول بشكل هائل السرعة من خلال الانترنت وأنظمة الاتصالات الحديثة.
مما أدى إلى عولمة الإجرام المنظم وذلك من خلال توظيف عصر المعلوماتية في الأنشطة الإجرامية العابرة للحدود، خاصة وأن الرسائل الالكترونية يتم إرسالها وتلقيها دون أدنى إمكانية لتعقبها والحيلولة دون وصولها إلى المرسل إليه.
مع هذا، فقد أشار أحد الفقهاء([17]) إلى نفي خاصية التنظيم والطابع الغير الوطني عن جريمة الإتجار بالبشر، وذلك مرده إلى أن جريمة الإتجار بالبشر بالرغم من إرتكابها عادة من طرق جماعات منظمة، نظراً لما يتطلبه تنفيذ هذا المشروع الإجرامي من إمكانيات بشرية ومالية، اعتماداً على وسائل خاصة، إلا أنه من الممكن أن يرتكب الجريمة فرد واحد أو فردين دون أن يصل الأمر إلى الحد الذي تتطلبه شروط وأركان الجريمة المنظمة؛ ومثال ذلك أن يقوم أحد الأفراد بإيواء طفل من أبناء الشوارع كرهاً لإستغلاله في التسول.
وبالإضافه إلى ذلك، أن جريمة الإتجار بالبشر ليست دوماً عبر وطنية فقد لا تتعدى إقليم الدولة.
ثم إن بعض التشريعات الداخلية جعلت من إرتكاب هذه الجريمة بواسطة جماعة إجرامية منظمة ومن الطابع عبر الوطني الذي يلحق بها ظرفاً مشدداً للعقوبة([18]).
وعلى ما تقدم، فقد جانب هذا الرأي الصواب، ذلك أن التسليم بالطابع المنظم عبر الوطني على إطلاقه يضيق من نطاق هذه الجريمة ويجعل العديد من المجرمين المتاجرين بأرواح الناس وكرامتهم وشرفهم يفلتون من العقاب، إذا ما حصرنا هذه الجريمة في مجال الجريمة المنظمة عبر الوطنية وهو أمر مرفوض ذلك أنه يزيد من حدة هذا الإجرام في أبشع صوره ويضيع حقوق الضحايا من باب أولى.
- إستخدام وسائل الفساد والعنف لتحقيق أغراضها:
ذلك يتحقق من خلال رشوة الموظفين العموميين أحياناً، بغية مضاعفة فرص إنجاح هذه العمليات الإجراميه والتقليل من نسبة مخاطر انكشافها لدى السلطات المختصة، وصور العنف عديدة منها:
الخطف، السطو المسلح، القتل، الإغتصاب، هتك العرض بالقوة أو التهديد باستعمال العنف، وهذا ليس ممارساً بشكل عشوائي بل إن المنظمات الإجرامية تلجأ إليه وفق مخطط مدروس، وقد يوجه ضد أفراد لا صلة لهم بالمنظمة لكنهم من يعرقلون أنشطتها، كما قد يوجه إلى أعضاء منها ممن لم يمتثلوا لمخططاتها ونظم عملها.
- تحقيق الربح المادي:
تسعى الجماعات والمنظمات الإجرامية من وراء تنفيذ مخططاتها الإجرامية إلى الحصول على أرباح مالية وذلك من خلال ممارستها لنشاطات في شكل أعمال تجارية قد تتعلق بتقديم سلع أو خدمات غير مشروعة في هذا النطاق يكمن محلها في شرف الأفراد وكرامتهم وسلب حريتهم والتي فاقت كل أنواع التجارة غير المشروعة في هذا المجال.
ودعماً لذلك لابد من وجود عنصر آخر وهو عنصر الإستمرارية والذي يميز هو الآخر السلوك الإجرامي ويحقق نفاذه، ذلك أن طبيعة النشاط تجعل منه يمتد لفترة غير محددة من الزمن، ثم إن صفة الإستمرار لا تتوقف إلا بحل المنظمة، ذلك أن التنظيم الإجرامي لا ينتهي بموت القائد أو الرئيس بل يظل قائماً، فالعبرة ببقاء التنظيم.
ثانياً: جريمة الإتجار بالبشر من الجرائم الواقعة على الشخص الطبيعي:
محل هذه الجريمة هو الشخص الطبيعي، فمن يقع عليه الإعتداء هو الإنسان سواء في شرفه كاستغلاله جنسياً أو في كرامته وحريته كاستعباده وسلب حريته أو في سلامة جسده، كنزع أحد أعضائه. وهو ما توضحه نصوص التشريعات الوطنية والمواثيق الدولية والإقليمية ذات الصلة بهذا الموضوع([19]).
ثالثاً: جريمة الإتجار بالبشر سلوك غير مشروع:
الإتجار بالبشر سلوك غير مشروع بطبيعة الحال، نظراً لكونه جريمة وتكمن عدم مشروعيته أساساً في كون هذا الفعل يهدد المصالح الأساسية والجوهرية للمجتمع والأفراد، ذلك أن درجة جسامة هذا السلوك يصل إلى حد الإعتداء على مصالح تبلغ من الأهمية مما دفع بالمعاقبة على المساس بها فهي تقع على حقوق الإنسان وحريته وإهانة لكرامته.
رابعاً: إختلافها عن التجارة بمفهومها العام:
التجارة تتعلق عادة بسلع مادية، يمكن التعامل فيها بالبيع والشراء بمقابل مالي. أما الحديث عن هذا النوع من التجارة المتعلق بالبشر فهو يثير العديد من التحفظات طالما أن محل هذا النوع الفريد من التجارة هو الإنسان([20])، كذلك باتت تشكل أبشع صور النشاط التجاري غير المشروع.
خامساً: جريمة الإتجار بالبشر جريمة من الجرائم العمدية:
تنقسم الجرائم بالنظر إلى ركنها المعنوي إلى جرائم عمدية وأخرى غير عمدية (خطئية).
وبالنسبة للنوعية الأولى يشترط فيها القصد الجنائي (القصد الجرمي) لدى الفاعل، بينما يكفي في الثانية توافر الإهمال أو الخطأ في سلوك الجاني.
والواضح بشأن جريمة الإتجار بالبشر، أنها تنطبق على النوع الأول من الجرائم، ذلك أنه يصعب تصور إرتكاب هذه الجريمة من قبل شخص ما، عن طريق الخطأ أو الإهمال، خاصة إذا ما تم الأخذ بعين الإعتبار، أن أفعال النقل أو التجنيد أو الإيواء أو الإستقبال تتم بواسطة القوة أو التهديد بإستخدامها أو الخداع أو الاختطاف.
وأن جميع هذه الوسائل يتوافر فيها القصد الجنائي، خاصة وأن أفعال الخطف أو استخدام القوة أو التهديد باستخدامها أو الإحتيال تشكل في حد ذاتها جريمة مستقلة تنطوي تحت طائفة الجرائم العمدية([21]).
الأمر الذي يؤكد ويرجح القول أن جريمة الإتجار بالبشر جريمة عمدية، أي أن طبيعة الأفعال المحققة للجريمة والوسائل المستخدمة فيها لا يمكن أن تطبق إلا بصورة عمدية ولا يمكن أن تقع عن طريق الخطأ.
سادساً: تشابك عوامل ظهورها وانتشارها:
إن الظروف التي يمر بها العالم اليوم من حروب ونزاعات مسلحة، بل إن الفقر وعدم الاستقرار السياسي والإقتصادي يعد من أهم العوامل المساعدة على إعداد وسط مثالي لهذه الجرائم([22])، ذلك أنها تشكل أهم العوامل لتوجه المواطنين نحو الهجرة من دولهم، بحثاً عن الكسب السريع والخروج من أزماتهم مما يؤدي إلى استغلالهم في تلك التجارة غير المشروعة من خلال استغلالهم من طرف عصابات الإجرام، مما يوضح أن هذه الجريمة ترتبط إرتباطاً وثيقاً بالعوامل الإقتصادية والاجتماعية والسياسية بالإضافة إلى ارتباطها بمستوى تحقيق التنمية على جميع المستويات، الوطني والإقليمي والدولي.
سابعاً: ارتفاع عوائدها المادية:
هذه الجريمة تعتبر من أكبر الأنشطة التجارية غير المشروعة في العالم من حيث العائدات المالية، إلى جانب تجارة المخدرات والسلاح([23]).
وتعتبر من أسرع هذه الأنشطة نمواً، كما ذكرت منظمة العمل الدولية.
حيث أن حوالي 2 مليون شخص يتم المتاجرة بهم سنوياً عبر الحدود و أغلبهم من فئة النساء والأطفال والتي تصل عائداتهم من الأموال إلى حوالي 36 مليار دولار.
كما أصدرت ذات المنظمة تقريراً يوضح أن الأموال غير المشروعة الناتجة عن الإتجار بالعمالة قسرياً قد تجاوز 32 مليار دولار سنويًا من بينها 27 مليار دولار ناتجة عن الإتجار بالبشر([24]).
المطلب الثالث
طبيعة جريمة الإتجار بالبشر
أولاً: هذه الجريمة تنفرد بخصوصيتها من ناحية تشكيلها من عدة عناصر:
- السلعة (أو الضحية): وهو الشخص الذي وقع عليه الإعتداء.
- التاجر: وهو الوسيط في هذه العملية.
- السوق: وهو الدولة المستوردة أو ما يسمى بدول الطلب.
وهذا ما يجعل العملية مركبة ومعقدة، وأما بما يتعلق بكونها جريمة مركبة؛ فهي مركبة من جانب عناصر التجريم حيث تتطلب لوقوعها – من هذا الجانب- عناصر هي ( أفعال سلوك- وسائل سلوك -غرض الاستغلال).
ومركبة من جانب آخر؛ كونها كل فعل من الأفعال يشكل جريمة في ذاته، والجميع يشكل جريمة الإتجار بالبشر كذلك.
ذلك أن النشاط الإجرامي المكون لركنها المادي يتكون من أكثر من فعل، أو كما يعرفها البعض بتلك الجريمة التي تقع من عدة أفعال مادية ذات طبيعة مختلفة يصلح كل منها لقيام جريمة منفردة عموماً تشكل التهديد أو الإحتيال أو الخطف إذا لم يقترن بفعل آخر مشكلاً جريمة بحد ذاته ويعاقب عليها بموجب قانون العقوبات.
ثانياً: أيضاً من طبيعة هذه الجريمة أنها جريمة مستمرة:
فمن المعلوم أن الجريمة المستمرة هي تلك الجريمة التي من شأنها أن يكون تنفيذها قابلاً بطبيعة الامتداد في الزمن كلما أراد فاعلها ذلك أو هي الجريمة التي يمتد استمرار النشاط الإجرامي المكون لها سواء كان فعلاً أو امتناعاً عن فعل لفترة زمنية تطول أو تقصر([25]).
والمعيار الفاصل بين الجريمة المستمرة والجريمة الوقتية هو عنصر الزمن الذي يستغرقة تحقيق عناصر الجريمة، فإذا ما إمتد خلال وقت زمني طويل نسبيًا كانت الجريمة مستمرة، أما إذا لم يستغرق غير برهة يسيرة كانت وقتية([26]).
وعلى ما سبق، إذا ما أردنا تصنيف جريمة الإتجار بالبشر، نجدها من الجرائم المستمرة، ذلك أن العناصر المكونة لها، تستغرق وقتاً زمنياً معتبراً لتحقيقها، فهي لا تتحقق دفعة واحدة كجريمة القتل مثلاً، كما لو أطلق شخص الرصاص على شخص آخر فقتله هنا، فعل إطلاق الرصاص لا يستغرق وقتاً طويلاً بخلاف جريمة الإتجار بالبشر حيث يقوم الجاني بنقل المجني عليه أو إيوائه أو استقباله أو تجنيده لغرض استغلاله في الدعارة أو العمل القسري أو الإسترقاق… إلخ. فإنه يحتاج لإتمام فعله الإجرامي إلى وقت معتبر، مما يجعل من الزمن عنصراً جوهرياً لإرتكاب جريمة الإتجار بالبشر([27]).
وعنصر الإستمرار أو الوقت متوافر في أفعال السلوك الإجرامي وكذلك وسائل السلوك.
فمثلاً أفعال السلوك هي (استخدام- نقل- إيواء- استقبال… الخ) وكلها تحتاج إلى عنصر الوقت.
وكذلك في وسيلة السلوك مثل (التهديد- العنف- الإكراه- التعذيب… الخ) كلها تحتاج إلى عنصر الوقت في تحققها.
المطلب الرابع
أسباب جريمة الإتجار بالبشر
هناك العديد من الأسباب والدوافع التي تؤدي إلى عمليات الإتجار بالبشر، وهي أسباب ودوافع في مجملها معقدة وفي حالات كثيرة تعزز بعضها البعض.
وبناء على ما تقدم، نناقش وبإيجاز في التقسيم التالي أسباب هذه الجريمة:
الفرع الأول: العوامل الاقتصادية والاجتماعية.
الفرع الثاني: العوامل السياسية والثقافية.
الفرع الأول
العوامل الإقتصادية والإجتماعية
مما لا شك فيه، أن الأوضاع الاقتصادية البسيطة تلعب دوراً بارزاً في ظهور وتفاقم جريمة الإتجار بالبشر، وعلى رأسها الفقر والبطالة وقلة فرص العمل والعنف ضد النساء والأطفال، وزيادة الطلب وغير ذلك.
أولاً: الفقر:
يعد الفقر عاملاً رئيسياً في عمليات تجارة البشر، لكنه ليس العامل الوحيد في ذلك إذ تنشط إلى جانبه عوامل أخرى كالسعي وراء تحقيق سريع للثراء، وكذلك ضعف النازع الديني بالإضافة إلى الإضطرابات السياسية وغيرها من العوامل.
فمعظم حالات بيع الأطفال غالباً ما يكون سببها الظروف المعيشية الصعبة، مما يدفع ببعض العائلات إلى تسليم أطفالها لتجار الرقيق والزج بهم في الأعمال الوضيعة وذلك بغية الحصول على دخل من ورائهم([28]).
وتزدهر عمليات الإتجار بالبشر من خلال إنتقال السماسرة بين القرى الفقيرة بحثاً عن الأسر الأشد فقراً وعوزاً للمال، ومن خلال مبالغ بسيطة تعرض على الأولياء في شكل قروض لتحسين حياتهم مقابل حصولهم على طفلهم، ليبقى هذا الأخير يعمل لصالح هذا السمسار حتى ينقضي دين أسرهم.
والواقع أثبت أن هذا الطفل إنما يخضع للعبودية حتى يسدد دين الأسرة، بل وتبقى العائلة خاضعة تحت وطأة الاستغلال بسبب عجزها عن سداد الدين والإشكالية أنه في حال وفاة أحد الأبوين، قد ينقل الطفل ويستمر الإتجار به.
وهناك من الصور الإنسانية للوالدين أو لأحدهما قد تلعب دوراً مهماً حينما يدفع الجشع والطمع أيهما أو كلاهما إلى التخلي عن أطفالهم للحصول على المال وهي الصورة الغالبة في العائلات التي يكثر عدد أطفالها.
ثانياً: البطالة وقلة فرص العمل:
هذا العامل يساهم بشكل كبير في دعم عمليات الإتجار بالبشر، ذلك أن البنية الاقتصادية الضعيفة وانتشار البطالة، إنما تعد بيئة جاذبة للحصول على عمل، ومن ثم مستوى معيشة أفضل في بلد آخر([29]).
فغالباً ما يغرر بالضحايا بعقود عمل مزيفة وبخاصة فئة النساء ليجدن أنفسهن أسيرات الاستغلال الجنسي من خلال تشغيلهن في الدعارة والأعمال غير المشروعة.
ثالثاً: تحقيق الثراء السريع:
هذه التجارة البشعة والتي تعتدي على الإنسانية، تدر ارباحاً طائلة، إذ يعد هذا النشاط من أكثر المجالات تحقيقاً للثراء الفاحش والسريع بعد تجارة السلاح والمخدرات -كما ذكرنا سلفاً- إذا أخذت شبكات الإجرام وجهه لها من الدول الفقيرة في آسيا وأفريقيا لإستغلال أوضاع تلك الأسر والحصول عليهم عبر وسائل متعددة ثم بيعهم في سوق العبيد([30]).
رابعاً: زيادة الطلب:
هناك دراسة اهتمت بدراسة الأسباب والدوافع المؤدية لإرتكاب جرائم البغاء والخدمة بالمنازل كإحدى أنواع جرائم الإتجار بالبشر- في أوربا وآسيا وواشنطن- أعدها بعض الباحثين البريطانيين([31])، أوضحت أن زيادة الطلب هو العامل الأساسي وأحد الأسباب العامة للاتجار بالبشر، وكذلك وفرة العرض من هولاء الذين يحترفون البغاء والخدمة في المنازل مع غياب التنظيم في هذا النطاق، ويعد من العوامل الداعمة لإستغلال المهاجرين.
وعليه يمكن القول أن تعدد أسباب الإتجار بالبشر وتنوعها إنما يكون حسب الطلب والذي يعتبر العامل الأساسي المحرك للإتجار بالبشر، بل وأحد أهم الأسباب التي تؤدي إلى تفاقم هذه الجريمة البشعة.
حيث تشجع عدة عناصر على الطلب بما في ذلك الفقر وجاذبية الحصول على مستوى معيشي أفضل في مكان آخر، وقلة فرص العمل والبيئة الاقتصادية والإجتماعية الضعيفة والمتردية([32]).
خامساً: العنف ضد النساء والأطفال:
العنف المسلط على فئة الأطفال وفئة النساء يسهم بشكل كبير في دعم رواج هذه التجارة، لما تعنيه هاتين الفئتين من الأضطهاد في الكثير من الأسر، لاسيما تلك التي يغلب عليها طابع التوتر وعدم الإستقرار بين أفرادها، أما نتيجة عدم تفاهم الأبوين أو تلك التي تعاني التفكك وغياب أحدهما بسبب الطلاق أو إعادة الزواج من أخرى أو الوفاة، مما يدفع بالطفل أو المرأة إلى ترك المنزل واللجوء إلى الشارع وهو ما يشكل ملاذاً لعصابات الإجرام، حيث يعتبر أطفال الشوارع من أهم موارد الإتجار بالبشر([33]).
فالأسرة تمثل الوحدة الجماعية الطبيعية الأساسية للمجتمعات([34])، حسبما ورد في اتفاقية حقوق الطفل حيث جاء في مقدمتها: ( إن الأسرة تشكل البيئة الطبيعية لنمو جميع إفرادها وبخاصة الأطفال مما يشكل اعترافاً بما يتوجب على الأسرة بذله من توفير للحماية للأطفال والوفاء بمتطلبات سلامتهم الجسدية والعاطفية، ذلك أن العنف المتكرر في المنازل وهو عادة ما يحدث أثناء المشاجرات بين الوالدين أو بين الأم وشريك حياتها له بالغ الأثر على النمو الشخصي للأطفال وتعاملهم الإجتماعي في مرحلة الطفولة وفي سن الرشد)([35]).
ولا يقتصر الخطر على نطاق الأسرة فحسب بل أضحى يتعداها لبيئات أخرى أصبح الطفل يقضى فيها قدراً كبيراً من وقته وهي المدارس والأوساط التعليمية، إذ يتعرض أطفال كثيرون إلى العنف ويمثل ذلك صورة العقاب البدني وأشكال أخرى من العقوبة النفسية القاسية والمهينة، كما يتخذ شكل مشاجرات في الساحات وما يسمى بعنف الأقران والذي غالباً ما يرتبط بممارسة التمييز بين الطلاب بسبب إنتمائهم إلى أسر فقيرة أو مجموعات عرقية مهمشة أو أولئك الذين يعانون من مشكلة في المظهر بسبب بعض الإعاقات أو غيرها، وهو ما يغذي نشاط عصابات الإجرام من خلال تأثر المدارس بالأحداث التي تقع في المجتمع من خلال إرتفاع معدلات ممارسة سلوك العصابات والأنشطة الإجرامية المتصلة بالإنحراف لاسيما ما يتعلق منها بالمخدرات.
الفرع الثاني
العوامل السياسية والثقافية
مما لا شك فيه، إن الصراعات الداخلية والحروب والكورارث الطبيعية التي تمر ببلد ما، وكذلك العادات والتقاليد البيئية السيئة تلعب دوراً مهماً في إنعاش هذه التجارة غير المشروعة. وتفصيل ذلك فيما يلي:
- الإضطرابات السياسية:
ما من شك -والواقع يشهد على ذلك- أن من أسباب تفاقم هذه الظاهرة وهذه الجريمة ( الإتجار بالبشر) يزداد بشكل ملحوظ وبخاصة في زمن الحروب والصراعات الداخلية، وما ينجم عنها من كوارث بشرية وإقتصادية، مما يدفع اللاجئين الوافدين من هذه المناطق إلى البحث عن تحقيق الرفاهية بأبسط المعايير من خلال أعمال توفر لقمة العيش ولو بأبخس الأثمان هروباً من دوامة الأوضاع المزرية والموت في بلدانهم ليجدوا أنفسهم قد دخلوا عالم تجارة الجنس والرقيق، لا سيما في ظل إزدهار السياحة الجنسية المحلية والعالمية وزيادة الطلب وإنشاء القواعد العسكرية المحلية والأجنبية وأماكن الترفيه على الجنود في تلك المعسكرات([36]).
- ضعف الرقابة على أصحاب الأعمال:
من الأسباب الداعمة لظاهرة الإتجار بالبشر، مشكلة ضعف أو غياب الرقابة على أصحاب الأعمال وأنشتطهم.
حيث إن غياب هذا الدور الفعال لأجهزة الحكومة على إختلاف أنواعها في دول كثيرة من العالم، أدى إلى إدراج تجارة البشر ضمن قائمة أنشطة الكثير من رجال الأعمال حول العالم وذلك من خلال التواري وراء عقود عمل وهمية ترصد في مختلف المجالات ومقابل أجور خيالية، وهو ما يجر الملايين من الضحايا الباحثين عن فرص عمل ملائمة ليصطدموا بواقع أليم مرده معيشة مهنية لأوضاعهم المزرية في بلدانهم أفضل منها، خاصة عندما ينكشف طابع هذه الأعمال التي لا يحمل سوى الإستغلال في الدعارة والأعمال الجنسية الإباحية والإسترقاق ومختلف ألوان العبودية والإضطهاد، هذا إن سلموا من الإجبار على بيع أعضائهم بالغصب أو الإنتهاء بهم بالموت الأكيد.
- التقاليد والعادات السيئة:
هناك بعض المجتمعات يمارس فيها بعض العادات الغريبة على غرار عادة الرعاية، أين يرسل الطفل الثالث أو الرابع عادة؟ إلى العمل والعيش مع أسرة أخرى وذلك مقابل الوعد بالتعليم والتعريف بأسس التجارة، وهو ما يفتح الباب أمام عصابات الإجرام من تجار البشر والذين تتاح لهم فرصة إستغلال هذه العادة من خلال عرض أنفسهم كوكلاء توظيف، حيث يقنعون الأهل بإبعاد اطفالهم عن عنف الأسرة ليجدوا أنفسهم بعد تسفيرهم ضحايا لهذا النوع من الإجرام المقنع أي ضحايا إستغلال.
- قوانين الهجرة ذات الضوابط المقيدة:
إن قوانين الهجرة التي تضعها الدول الطالبة مهاجرين إليها، تضع قواعد وضوابط شديدة الصعوبة، يصعب على المهاجر استيفائها، ومن ثم يلجأ المهاجر إلى طرق غير شرعية وغير قانونية، ومن ثم يكون صيداً جيداً سهلاً للعصابات الإجرامية المتاجرة بالبشر.
المطلب الخامس
البنيان القانوني لجريمة الإتجار بالبشر
أولاً: البنيان القانوني لجريمة الإتجار بالبشر: يذهب البعض إلى أن أركان هذه الجريمة تدخل ضمن البناء القانوني للجريمة مع عناصر أخرى رئيسية خاصة بهده الجريمة كالضحايا أو المجني عليهم والجناة ومرتكبي هذه الجرائم، والركن المادي لجريمة الإتجار بالبشر إنما يمثل إطاراً بات محسوساً لهذه الجريمة وهو بهذا المعنى يتضمن كل ما يحتويه كيان هذه الجريمة في ماديات محسوسة فهو فعل غير مشروع له طبيعة محسوسة ملموسة تدركه الحواس([37]).
بينما نرى -من وجهة نظرنا-([38]) أن الجريمة بصفة عامة تتكون من ثلاثة أركان هي؛ الركن الوصفي الإفتراضي وهو الذي يبين ويصف كيفية وقوع الجريمة في كل نموذج قانوني للجريمة.
ومصطلح وصفي يعني أن المشرع هو الذي إفترض هذا النموذج لكيفية وقوع الجريمة، وبالتالي لا تقع هذه الجريمة إلا بهذه الكيفية ولا تكون قائمة في حق مرتكبيها إلا بهذه الكيفية، وهو يتكون لدينا من كل ما يشترطه المشرع -من خلال النموذج القانوني- لوقوع الجريمة خارج إطار الركن المادي والمعنوي للجريمة من خلال نموذجها القانوني في النص، وبناء على ذلك كل ما يشترطه ويتطلبه المشرع لوقوع الجريمة خارج إطار الركن المادي والركن المعنوي، ويتمثل ذلك في شرط أو صفة في الجاني أو المجني عليه أو في محل الجريمة أو مكانها أو زمانها أو أي شيئ متطلب لوقوع الجريمة خارج الركن المادي (أي السلوك الإجرامي والركن المعنوي).
أما الركن المادي، فهو يتمثل لدينا فقط في السلوك الإجرامي ( أي النشاط الإجرامي) وهو يتمثل في الأفعال المؤثمة إيجاباً أو سلباً فقط ولا يدخل ضمن الركن المادي محل الجريمة -كما يذهب البعض بأنه يشمل كل الماديات الملموسة([39])– ويتضمن كذلك النتيجة المترتبة على السلوك وعلاقة السببية بينهما، وفي هذا يكون الركن المادي مكتمل في عناصره مع ملاحظة أنه قد تقع الجريمة في حالة القيام بالسلوك فقط دون نتيجة تحدث ويعتبرها المشرع جريمة مكتملة في ركنها المادي وكذلك الركن المعنوي كما في جرائم الخطر (أي سلوك فقط) أو الشروع في الجرائم.
أما الركن المعنوي والذي قوامه العلم والإرادة فهو ينصرف إلى القصد الجنائي لأن مرتكب الجريمة لديه علم وإرادة السلوك الذي سيقترفه وبأنه مخالف للقانون ويعلم ماهية ما يفعل من سلوك ومدركاً به.
وعلى ما تقدم، تتكون هذه الجريمة من الأركان التالية:
الفرع الأول: الركن الوصفي الافتراضي.
الفرع الثاني: الركن المادي.
الفرع الثالث: الركن المعنوي.
وفي عجالة نلقى الضوء على هذه الأركان فيما يلي:
الفرع الأول
الركن الوصفي الإفتراضي
يتمثل الركن الوصفي الإفتراضي([40]) في جريمة الإتجار بالبشر في كونها جريمة لا تقع إلا على بشر أي أن محل الجريمة أو المجني عليه فيها لابد أن يكون إنساناً أي شخصاً طبيعياً، أي مخلوقاً يسمى إنساناً، وهذا يتطلبه النموذج القانوني لجريمة الإتجار بالبشر في كل التشريعات.
- محل جريمة الإتجار بالبشر:
جريمة الإتجار بالبشر لا تقع إلا على إنسان، ومن ثم فإن المجني عليه في هذه الجريمة هو الانسان، والإنسان المقصود هنا، هو الإنسان في كل مراحل حياته، بداية من كونه رضيعاً وطفلاً ثم شاباً وشيخاً، وهذا يشمل الذكر والانثى على حد سواء، وعلى ذلك فإن جريمة الإتجار بالبشر لا تقع إلا على كائن له صفة الإنسان، وهو فقط الذي يتصف بهذه الصفة من بين المخلوقات جميعاً.
- وقوع الإتجار بالبشر على إنسان ميت:
التساؤل الذي يطرح نفسه هنا، هل تقع جريمة الإتجار بالبشر وتقوم ويكون محلها الإنسان الميت وذلك بإعتباره بشراً.
للإجابة على هذا التساؤل يجب أن نفرق بين ثلاث فرضيات في رأينا:
الفرضية الأولى: إذا كان الإنسان ميتاً حديثاً ولم يدفن بعد.
الفرضية الثانية: إذا كان الإنسان ميتاً منذ فترة طويلة ولم يدفن بعد،
الفرضية الثالثة: إذا كان الإنسان ميتاً وتم دفنه فعلاً.
ففي الفرضية الأولى؛ وهي كون إذا كان (الإنسان ميتاً حديثاً ولم يدفن بعد) هذه الحالة تصلح محلاً لجريمة الإتجار بالبشر، وتقع وتقوم الجريمة على هذا المحل، وذلك أن المتوفي حديثاً يصلح جسده لنزع الأعضاء ونقلها وبيعها، ومن ثم من الناحية الطبية يستفاد بأعضائه، ومن ثم فهو يصلح لأن يكون محلاً لوقوع هذه الجريمة وقيامها في حق مقترفيها.
أما في الفرضية الثانية وهي كون( الإنسان ميتاً منذ فترة زمنية طويلة ولم يدفن بعد) هذه الحالة لا تصلح محلاً للإتجار بالبشر وتتحقق هذه الحالة عندما يكون هناك متوفي مجهول الهوية ومتروك في ثلاجات المستشفى لفترة طويلة ومازال الجسد متماسكاً بفعل التبريد، وتتحقق كذلك عندما يموت الإنسان سواء موته طبيعية أو بفعل إنسان ولم يكشف موته لفترة طويلة.
ففي كل هذه الحالات لا يصلح هذا الجسد لأن يكوم محلاً لجريمة الإتجار بالبشر، لأنه من الناحية الطبية لا يمكن الإستفادة من الأعضاء البشرية في هذه الحالة، حتى ولو تم انتزاعها للإتجار بها، وإنما يمكن أن تقوم جرائم أخرى في حق مقترف هذه الأفعال؛ كإنتهاك حرمة الموتى أو إتلاف جثث الموتى والعبث بها.
الفرضية الثالثة: وهي (كون الإنسان ميتاً وتم دفنه فعلاً) في هذه الحالة لا تقوم جريمة الإتجار بالبشر في حق مقترفيها إذا وقعت على ميت دفن بالفعل، وذلك أن محل الجريمة غير قائم حتى وإن قام مقترف الجريمة بذلك بغرض الإتجار بالأعضاء البشرية، خاصة إذا كانت الوفاة حدثت منذ فترة، وإنما تقوم في حقه جرائم أخرى، منها إنتهاك حرمة القبور وإنتهاك حرمة الموتى وإتلاف جثث الموتى… وإلخ.
الفرع الثاني
الركن المادي
يقصد بالركن المادي في جرائم الإتجار بالبشر، كل ما يتضمنه كيان هذه الجريمة من ماديات يتعلق بالنشاط والنتيجة. والركن المادي هو ركن جوهري في جريمة الإتجار بالبشر وهو يقوم على ثلاثة عناصر تتمثل: أساساً في النشاط أو السلوك الإجرامي، والنتيجة التي قد يؤدي إليها هذا السلوك، وأخيراً علاقة السببية وهي الرابط بين السلوك المكون للجريمة والنتيجة التي حدثت من وقوع هذا السلوك وهو ما سنوضحه فيما يلي:
(أ) السلوك الإجرامي (النشاط الإجرامي) لكي تقوم هذه الجريمة من الناحية القانونية لابد من سلك طريق الفعل المادي، بمعنى أن السلوك الإجرامي في هذا النوع من الجرائم هو الذي يمثل مادية الجريمة، أي أنه الأداة التي تعبر عن مخالفة أوامر ونواهي المشرع والتي أوردتها القاعدة الجنائية، وعلى ذلك يوصف السلوك بعدم المشروعية، وينقسم السلوك الإجرامي في جرائم الإتجار بالبشر إلى قسمين هما: أولاً-السلوك، ثانياً-وسائل السلوك.
أي الفعل ووسائل الفعل أو الفعل وأدوات الفعل.
وسنوضح فيما يلي أفعال السلوك ثم وسائل السلوك:
أولاً: أنماط السلوك في جريمة الإتجار بالبشر:حددت التشريعات المختلفة أنماط السلوك الإجرامي الذي إذا ما أتاه الشخص أصبح مرتكباً لجريمة الإتجار بالبشر. وقد سارت على ذات النهج غالبية القوانين الوطنية حول العالم، فقد جرم المشرع الفرنسي أفعال؛ التجنيد، العمل، الإيواء أو الاستقبال مقابل أجراً أو فائدة أخرى أو الوعد بهما([41]).
في حين نص المشرع الأمريكي على أفعال؛ التجنيد، الإيواء، النقل، الحصول على الشخص بأي وسيلة([42]).
أما المشرع المصري فلم يخرج هو الآخر عن هذا النهج حيث أنه وبعد تبيان ماهية بعض المصطلحات في المادة الأولى، جرم سلوك الإتجار بالبشر وإن كان أكثر إتساعاً من سابقيه حيث ذكر (يعد مرتكباً لجريمة الإتجار بالبشر كل من يتعامل بأية صورة في شخص طبيعي بما في ذلك البيع أو العرض للبيع أو الشراء أو الوعد بهما أو الاستخدام أو النقل أو التسليم أو الايواء أو الاستقبال أو التسلم سواء داخل البلاد أو عبر حدودها الوطنية)([43]).
وفيما يتعلق بالقانون العماني([44])، فقد عدد أنواع السلوك التي إعتبرها من سلوك جرائم الإتجار بالبشر حيث نص على (يعد مرتكباً جريمة الإتجار بالبشر كل شخص يقوم عمداً وبغرض الإستغلال:
أ- استخدام شخص أو نقله أو إيوائه أو إستقباله…
ب- إستخدام حدث أو نقله أو إيوائه أو إستقباله…
أما بالنسبة للمشرع الإماراتي؛ فقد حدد أنواع السلوك الإجرامي في جريمة الإتجار بالبشر في المادة الثانية من القانون رقم 51 لسنة 2006 المعدل بالقانون الإتحادي رقم 1 لسنة 2015 في شأن مكافحة الإتجار بالبشر حيث ذكر: يعد مرتكباً جريمة الاتجار بالبشر كل من :
1- أ- باع أشخاصاً أو عرضهم للبيع أو الشراء أو الوعد بهما.
ب- استقطب أشخاصاً أو استخدمهم أو جندهم أو نقلهم أو رحلهم أو أواهم أو استقبلهم أو سلمهم أو استلمهم سواء داخل البلاد أو عبر حدودها الوطنية.
جـ- أعطى أو تلقى مبالغ أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر.
2- أ- استخدام طفل أو نقله أو ترحيله أو إيواءه أو استقباله…
ب- بيع طفل أو عرضه للبيع أو الشراء.
ويتبين لنا من خلال أنماط السلوك أو الأفعال التي يقوم بها السلوك الإجرامي لهذه الجريمة، أن جميع الأفعال أو السلوكيات التي يقوم بها الشخص الذي يرتكب جرائم الإتجار بالبشر في القوانين السابقة تتفق مع بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال المكمل لإتفاقية الأمم المتحدة، ورغم تعدد الصور السابقة إلا أنه يكفي توافر إحداها حتى تقع الجريمة مع توافر العناصر الأخرى للجريمة.
ثانياً: وسائل السلوك:
جريمة الإتجار بالبشر تحتاج إلى وسائل لإرتكاب السلوك (أي أفعال السلوك) وقد حددنا فيما سبق أفعال السلوك في القوانين المختلفة وعلينا أن نوضح هنا وسائل السلوك حتى يقوم هذا العنصر من عناصر الركن المادي ويتوافر في حق مرتكب جريمة الإتجار بالبشر .
في الواقع أن كافة القوانين التي تناولت جرائم الإتجار بالبشر، حددت وسائل ارتكاب السلوك الإجرامي لهذه الجريمة وذلك كما يلي: فعلى سبيل المثال:
- فقد حدد القانون العماني([45])، وسائل إرتكاب السلوك الإجرامي في جريمة الإتجار بالبشر في: الإكراه- التهديد- الحيلة- استغلال الوظيفة أو النفوذ -أو باستغلال حالة إستضعاف- أو بإستعمال سلطة ما على الشخص- أو بأية وسيلة أخرى غير مشروعة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة أما بالنسبة للسلوك الإجرامي الواقع على الحدث في هذه الجريمة سواء كان ذلك إستخدام أو نقل أو إيواء أو استقبال فلم يشترط القانون العماني استخدام الوسائل السابقة فالجريمة قائمة ولو لم تستخدم أي من الوسائل السابقة([46]).
ويلاحظ على وسائل السلوك الإجرامي في القانون العماني، أن القانون قد عدد صور من وسائل السلوك الإجرامي ثم جاء في نهاية هذا التعداد وذكر أن السلوك الإجرامي يقع بأية وسيلة أخرى غير مشروعة، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة.
وهذا يعني أن جريمة الإتجار بالبشر لديه، تقع بأي وسيلة، وعلى هذا، فإن التعداد الوارد بالنص ليس على سبيل الحصر، وحسناً فعل المشرع -في رأينا- لأن قصر إرتكاب الجريمة وإرتكاب نشاطها الإجرامي على وسائل محددة حصراً قد يؤدي إلى الافلات من التجريم ومن ثم عدم العقاب لبعض الجناة في وسائل قد تكون غير مجرمة قد ترتكب بها هذه الجريمة.
- كما حدد القانون الإماراتي:
وسائل السلوك الإجرامي في جريمة الإتجار بالبشر بالآتي:
التهديد بالقوة أو باستعمالها- أو غير ذلك من أشكال القسر- أو الإختطاف- أو الإحتيال- أو الخداع- أو إساءة استعمال السلطة- أو إستغلال النفوذ- أو إساءة استغلال حالة الضعف وذلك بغرض الإستغلال أما بالنسبة للسلوك الإجرامي الذي يقع على الطفل سواء كان ذلك (استخدامه- أو نقله- أو ترحيله- أو ايواءه -أو إستقبال- أو بيع- أو عرضه للبيع أو الشراء).
فلم يشترط المشرع الإماراتي إستعمال أي من الوسائل السابقة في إرتكاب السلوك الإجرامي، فالجريمة واقعة ولو لم يستعمل الجاني أي من الوسائل السابقة.
ونرى -من وجهة نظرنا- إن التعداد للوسائل المستعملة في جريمة الإتجار بالبشر الذي أورده القانون الإماراتي هو على سبيل المثال في بعض الوسائل وعلى سبيل الحصر في البعض الآخر. حيث أنه بعد أن عدد تقريباً كل ما هو متصور من وسائل لإرتكاب السلوك، ذكر في متن تلك الوسائل التي عددها مصطلح أو غير ذلك من أشكال القسر.
وهذا التعبير كان -في رأينا- للقول بأن الوسائل المستعملة في إرتكاب جريمة الإتجار بالبشر جاءت على سبيل المثال والحصر.
وبالنسبة للقانون المصري([47])، فقد حدد هو الآخر الوسائل المستعملة في إرتكاب السلوك الإجرامي (وهي أفعال السلوك السابق ذكرها).
وذلك بما يلي حسب النص: إذا تم ذلك بواسطة إستعمال القوة أو العنف أو التهديد بهما أو بواسطة الإختطاف أو الإحتيال أو الخداع أو إستغلال السلطة أو إستغلال حالة الضعف أو الحاجة أو الوعد بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا مقابل الحصول على موافقة شخص على الإتجار بشخص آخر له سيطرة عليه.
ويلاحظ أنه لا يشترط لتحقيق الإتجار بالطفل أو عديمي الأهلية إستعمال أية وسيلة من الوسائل السابقة(المادة 3/ فقرة 2 من قانون مكافحة الإتجار بالبشر لسنة 2010) وفي رأينا، فإن التعداد الوارد بشأن الوسائل المستعملة لإرتكاب جريمة الإتجار بالبشر، جاء على سبيل الحصر، حيث أن التعبيرات المستخدمة من جانب المشرع لا تعطى مجالاً في أي منها إلى القول أنها جاءت على سبيل المثال، ونرى -في تقديرنا- كذلك أن الوسائل المستعملة في السلوك الإجرامي تغطى وتشمل ما يمكن وما يتصور أن تقع به هذه الجريمة، وعلى ذلك، فإن التعداد لوسائل السلوك لم يكن قاصراً على كل حال، لأنه شمل كل أنواع وصور وسائل إرتكاب السلوك في هذه الجريمة.
(ب) النتيجة
النتيجة هي الأثر المترتب على السلوك (النشاط) الإجرامي، والنتيجة قد تكون مادية ملموسة على أرض الواقع، تظهر في شكل ماديات محسوسة ترى رؤية العين، بعد أقتراف السلوك الإجرامي، والغالب من الجرائم متطلب فيه ذلك، حتى يمكن القول أن الجريمة قد وقعت تامة وذلك بوقوع نتيجتها.
وهناك من الجرائم لا يتطلب المشرع أو النموذج القانوني للجريمة حدوث ماديات ملموسة على أرض الواقع من جراء القيام بالسلوك، بمعنى أنه لا يتطلب نتيجة محسوسة، يمكن مشاهدتها بعد إقتراف النشاط الإجرامي، ورغم ذلك تكون الجريمة قد وقعت تامة كذلك، بمجرد القيام بالنشاط الإجرامي.
- تقسيم الجرائم من حيث النتيجة (جرائم الضرر-جرائم الخطر):
تنقسم الجرائم من حيث النتيجة إلى نوعين:
النوع الأول: هو ما يطلق عليه جرائم الضرر، وهذا النوع من الجرائم يتطلب القانون فيه حدوث نتيجة مادية ملموسة نترتب على السلوك الإجرامي، حتى يمكن القول أن الجريمة قد وقعت تامة، أي القانون يتطلب حدوث ضرر من جراء السلوك (النشاط)، وإلا لا تكون الجريمة قد وقعت تامة، ومن أمثلة هذه الجرائم، جرائم القتل، السرقة، الضرب، الإختلاس للمال العام، الإستيلاء للمال العام… الخ.
النوع الثاني: هو ما يطلق عليه جرائم الخطر، وهذا النوع من الجرائم لا يتطلب وقوع نتيجة معينة، أو بمعنى آخر نتيجة مادية ملموسة على الأرض، ترى رؤية العين، بل أن القانون أو النموذج القانوني لتلك الجرائم يفترض أن الجريمة قد وقعت تامة مكتملة في ركنها المادي، بمجرد القيام بالسلوك الإجرامي (أي النشاط الإجرامي).
ومن أمثلة هذه الجرائم (الرشوة، التزوير في المحرارات بقصد الإستعمال، حيازة السلاح بدون ترخيص، حيازة المخدرات… الخ).
وهذا النوع من الجرائم (أي جرائم الخطر) هي جرائم سلوك فقط، وهي تشكل النسبة الأقل من مجموع الجرائم في كافة التشريعات الجنائية، وترجع العلة في إقرار هذا النوع من الجرائم الى حماية مصلحة أولى بالرعاية في كل نموذج قانوني لكل جريمة من هذه الجرائم.
- جريمة الإتجار بالبشر والنتيجة:
من خلال قراءة النصوص الواردة بشأن جرائم الإتجار بالبشر في كل التشريعات المقارنة نجد أن النموذج القانوني لتلك الجرائم لا يتطلب نتيجة معينة تتحقق، وإنما الجريمة تقوم بمجرد القيام بالسلوك الإجرامي ويكتمل ركنها المادي في كافة التشريعات المقارنة، على أنه لا يمنع أن تقع نتيجة مادية على الأرض في بعض صور هذه الجريمة.
ثم بعد ذلك الركن المعنوي يتوافر بتوافر القصد، وبالتالي تكون الجريمة مكتملة الأركان.
وعلى ذلك، فإن جريمة الإتجار بالبشر هي من جرائم السلوك فقط (أي الخطر) وليست من جرائم النتيجة([48]).
وتفصيل ذلك من خلال القوانين المقارنة فيما يلي:
– بالنسبة للقانون العماني: (يعد مرتكباً جريمة الإتجار بالبشر كل شخص يقوم عمداً وبغرض الإستغلال.
أ- استخدام شخص أو نقله أو أيوائه أو أستقباله…
ب- استخدام حدث أو نقله أو أيوائه أو استقباله…).
ويتضح مما سبق: أن كل شخص يقوم عمداً وبغرض الإستغلال بالإستخدام أو النقل أو الإيواء أو الإستقبال لشخص سواء كان بالغاً أو حدثاً قامت الجريمة، بالإضافة إلى توافر الوسائل المستعملة في القيام بالسلوك التي حددها القانون في حق البالغ([49]).
ومن ثم فإن جريمة الإتجار بالبشر تقوم بمجرد إرتكاب أحد صور السلوك والمتمثلة في الإستخدام أو النقل أو الإيواء أو الاستقبال لشخص عمداً وبغرض الاستغلال، ومن ثم، فإن الجريمة تقوم وتكتمل أركانها بمجرد القيام بالسلوك الإجرامي، ولا يتطلب المشرع قيام نتيجة معينة، المهم فقط أن تقوم علاقة سببية بين فعل السلوك ووسيلة السلوك التي حددها القانون.
– وبالنسبة للقانون المصري:
يعد مرتكباً لجريمة الإتجار بالبشر كل من يتعامل بأية صورة في شخص طبيعي بما في ذلك البيع أو العرض للبيع أو الشراء أو الوعد بهما أو الاستخدام أو النقل أو التسليم أو الإيواء أو الإستقبال أو التسليم سواء داخل البلاد أو عبر حدودها الوطنية([50]).
ويتضح مما سبق، أن الجريمة تقع بمجرد التعامل في شخص طبيعي سواء بالبيع أو العرض للبيع أو الشراء أو الوعد بهما أو الاستخدام أو النقل أو التسليم أو الإيواء أو الاستقبال أو التسليم، ومن ثم إرتكاب أي صورة من هذه الصور بقصد الاستغلال أياً كانت قامت الجريمة في حق مرتكبيها.
وعلى ذلك، لا يتطلب المشرع تحقق نتيجة معينة، فمجرد القيام بالسلوك قامت الجريمة، ولذلك فإن جريمة الإتجار بالبشر في هذا التشريع هي من جرائم السلوك، ولكن لابد من أن يكون هناك علاقة بين فعل السلوك الذي حدده المشرع ووسيلة السلوك التي حددها المشرع حصراً، ومن ثم تكون الجريمة قد قامت في ركنها المادي بمجرد توافر ذلك.
- وأخيراً بالنسبة للقانون الإماراتي:
يعد مرتكباً جريمة الإتجار بالبشر كل من([51]):
1- أ- باع أشخاصاً أو عرضهم للبيع أو الشراء أو الوعد بهما.
ب- استقطب أشخاصاً أو استخدمهم أو جندهم أو نقلهم أورحلهم أو أواهم أو استقبلهم أو سلمهم أو استلمهم سواء داخل البلاد أو عبر حدودها الوطنية…. وذلك بغرض الاستغلال.
ج- أعطى أو تلقى مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال.
2- يعتبر إتجاراً بالبشر:
أ- إستخدام طفل أو نقله أو ترحيله أو إيوائه أو استقباله بغرض الاستغلال.
ب- بيع طفل أو عرضه للبيع أو الشراء.
ويتضح مما سبق أن القيام بأي صورة من صور السلوك الإجرامي، والمتمثلة في بيع أشخاص أو استخدامهم أو تجنيدهم أو نقلهم أو ترحيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم أو تسليمهم او استلامهم سواء داخل البلاد أو خارج البلاد أو إعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض استغلال الأخير، أو استخدام طفل أو نقله أو ترحيله أو إيواءه أو استقباله بغرض الاستغلال أو بيع طفل أو عرضه للبيع أو الشراء.
ومن ثم يتضح أن المشرع لا يتطلب تحقق نتيجة معينة، وإنما مجرد القيام بأي صورة من صور السلوك الإجرامي قامت الجريمة مع تطلب -بطبيعة الحال- قصد الإستغلال، وبناء عليه، تعتبر جريمة الإتجار بالبشر جريمة من جرائم السلوك -في تقديرنا- في القانون الإماراتي كذلك يشرط أن يكون أحد أفعال السلوك التي حددها المشرع متوافر بالإضافة إلى توافر أحد صور وسائل السلوك التي حددها المشرع، ففي هذا الحال يكون الركن المادي للجريمة قد توافر في حق مقترف هذه الجريمة، ثم بعد ذلك يتم بحث الركن المعنوي.
وفي ختام القول بخصوص النتيجة في جرائم الإتجار بالبشر ينبغي التفريق بين نتيجتين في تقديرنا.
- الجريمة التامة القانونية في جرائم الإتجار بالبشر.
- الجريمة التامة المادية في جرائم الإتجار بالبشر.
وتفصيل ذلك فيما يلي:
- الجريمة التامة القانونية في جرائم الإتجار بالبشر.
يقصد بها تلك التي وقعت من حيث السلوك الإجرامي فقط، فهي كذلك تعتبر وقعت تامة في نظر القانون ويستحق مرتكبيها العقوبة كاملة. ولابد أن يتحقق في هذا الشأن، السلوك كاملاً، بمعنى وقوع أفعال السلوك الإجرامي التي حددها المشرع (أي صورة منها) بالإضافة إلى أدوات السلوك (أي وسائل السلوك لأي صورة من هذه الوسائل) كما حددها المشرع، وأن تتوافر علاقة السببية بين فعل السلوك ووسيلة السلوك كما حددها القانون، مع فرض توافر القصد الجنائي الذي يتطلبه المشرع([52]).
- الجريمة التامة المادية في جرائم الإتجار بالبشر:
يقصد بها تلك الجريمة من جرائم الإتجار بالبشر التي وقعت مكتملة في ركنها المادي على الأرض، بمعنى وقوع السلوك كاملاً، أي: فعل من أفعال السلوك المحددة من جانب المشرع، وإرتكاب أي وسيلة من وسائل السلوك التي حددها المشرع في سبيل إرتكاب فعل السلوك أي توافر علاقة السببية بين فعل السلوك والوسيلة المستعملة في وقوعه، ووقوع النتيجة المادية القصوى، وأن تكون هناك علاقة سببية قائمة بين السلوك الإجرامي والنتيجة القصوى. وأن كانت هذه النتيجة غير متطلبة سواء لقيام الجريمة أو حتى إستحقاق العقاب لأن الجريمة قد وقعت تامة بمجرد القيام بالسلوك الإجرامي، ويعني توافر عناصر من فعل السلوك ووسيلة السلوك وعلاقة سببية مع توافر القصد (كما بينا فيما سبق).
لكن التصور هنا هو وقوع جريمة الإتجار بالبشر في صورتها القصوى المادية كما افترضها المشرع في تلك الصورة القصوى للنتيجة.
وهذه تتحقق عندما يرتكب الشخص أي فعل من أفعال سلوك الإتجار المحددة وفقاً للقانون (كالإستخدام أو النقل أو الإيواء أو الاستقبال… الخ) على أي شخص ثم يكون ذلك بإحدى وسائل هذا السلوك المحدد قانوناً (كالتهديد أو استعمال القوة أو العنف أو الإحتيال أو الخداع أو الاختطاف أو استغلال السلطة… الخ).
وقوع النتيجة بناء على ذلك الإستغلال في صورة من صور الاستغلال المحددة قانوناً كالإستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسراً أو التسول أو الاسترقاق أو إستئصال الأعضاء أو الأنسجة البشرية… الخ.
(جـ) علاقة السببية
علاقة السببية هي العنصر الثالث من عناصر الركن المادي للجريمة، وهو عنصر هام، لابد من توافره في جرائم الضرر (جرائم النتيجة) حتى يمكن إسناد النتيجة إلى القائم بالسلوك، فإذا لم تتوافر علاقة السببية بين السلوك والنتيجة، فلا يمكن إسناد النتيجة إلى القائم بالسلوك وإنما يمكن إسنادها إلى سلوك آخر قد يكون آدى إليها.
تعريف علاقة السببية:
يقصد بعلاقة السببية أن النشاط هو الذي تسبب في حدوث النتيجة، وعلاقة السببية عنصر في الركن المادي للجريمة، ومن الواضح أن المقصود بالنتيجة هنا التي ترتبط بالنشاط وهي النتيجة المادية، فإذا زهقت روح المجني عليه، فإن الفاعل لا يسأل عنها إلا إذا كان هو الذي تسبب في حدوثها([53]).
وعلى الرغم من عدم وجود نص صريح في القانون المصري بخصوص معيار علاقة السببية، فإن أحكام النقض المصري تميل بشكل واضح إلى تبني نظرية السببية، ويبين ذلك من تعريف محكمة النقض لعلاقة السببية بأنها (علاقة مادية تبدأ بالفعل المتسبب وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا أتاه عمداً أو خروجه فيما يرتكبه بخطئه عن دائرة التبصر بالعواقب المادية لسلوكه والتصون من أن يلحق عمله ضرراً بالغير)([54]).
أما قانون الجزاء العماني النافذ 7 لسنة 2018 فقد ورد به نص بخصوص علاقة السببية وهو نص المادة 28 حيث قررت أنه << لا يسأل شخص عن الجريمة ما لم تكن نتيجة لسلوكه الإجرامي، ويسأل عنها ولو كان قد أسهم مع سلوكه الإجرامي في إحداثها سبب آخر سابق أو معاصر أو لاحق متى كان هذا السبب متوقعاً أو محتملاً وفقاً للسير العادي للأمور، أما إذا كان ذلك السبب وحده كافياً لإحداث نتيجة الجريمة، فلا يسأل الفاعل في هذه الحالة إلا عن الفعل الذي ارتكبه<<.
علاقة السببية في جرائم الإتجار بالبشر لها طبيعة خاصة:
بالنظر إلى جريمة الإتجار بالبشر وفق نصوصها في كل التشريعات المقارنة -كما بينا- نجد أن هناك اختلاف في طبيعة وتركيبة هذه الجريمة من حيث ركنها المادي أولاً، وكذلك من حيث الركن المعنوي([55]).
فالركن المادي في هذه الجريمة له تركيبة معقدة تختلف عن تركيبة الركن المادي في أي جريمة أخرى.
فإذا كان الركن المادي في أغلب الجرائم يتكون من ثلاثة عناصر هي النشاط أو السلوك الإجرامي والنتيجة وعلاقة السببية بين السلوك والنتيجة وذلك في جرائم الضرر.
وفي جرائم السلوك فقط أو جرائم الخطر، فإن الركن المادي يتكون من السلوك الإجرامي أو النشاط فقط سواء تمثل في فعل أو إمتناع عن فعل.
فإن الوضع في جريمة الإتجار بالبشر وهي كما بينا -فيما سبق- من جرائم السلوك، لا تتطلب تحقيق نتيجة مادية على الأرض، بل تقوم الجريمة و تتحقق ويستحق مقترفيها العقاب كاملاً بوقوع السلوك الإجرامي، بعناصره المتطلبة قانوناً مع فرض توافر القصد الجنائي المتطلب.
السلوك الإجرامي وعناصره في جريمة الإتجار بالبشر:
جريمة الإتجار بالبشر جريمة سلوك -كما قدمنا- لكن السلوك لا يكون قائماً في هذه الجريمة إلا بشرطين وهما (عناصر السلوك في هذه الجريمة):
أولاً: القيام بأفعال السلوك أو بفعل منها.
ثانياً: إستعمال وسائل السلوك أو وسيلة منها.
وهي التي نص عليها المشرع في النص القانوني -وفقاً لكل تشريع- حتى يرتكب السلوك وترتكب الجريمة بالإضافة إلى توافر قصد الإستغلال وهو الركن المعنوي في الجريمة.
ويعني ذلك أن علاقة السببية المتطلبة -هنا- لوقوع هذه الجريمة -لأنها من جرائم السلوك- هي علاقة بين أفعال السلوك المجرمة ووسائل السلوك المحددة من قبل المشرع، فإذا توافرت هذه العلاقة توافر الركن المادي لهذه الجريمة، بالإضافة إلى الركن المعنوي أصبحت الجريمة مكتملة الأركان.
وعلى ذلك فإن السببية المتطلبة هي سببية بين عناصر السلوك الإجرامي لهذه الجريمة تتمثل في علاقة سببية بين فعل من أفعال السلوك المحددة وبين وسائل السلوك المحددة من جانب المشرع، فإذا تحقق ذلك قام الركن المادي وتوافر في حق مرتكب السلوك الإجرامي، وإذا توافر القصد قامت الجريمة مكتملة الأركان في حق صاحبها.
وتفصيل ذلك كما يلي:
في القانون العماني:
وفق نص المادة 2 (من قانون مكافحة الإتجار بالبشر 126 لسنة 2008) فإن كل شخص يقوم بأي فعل من أفعال السلوك والمتمثلة في (استخدام شخص أو نقله أو إيوائه أو استقباله) وذلك عن طريق وسيلة من وسائل السلوك وهي (الإكراه أو التهديد أو الحيلة أو باستغلال الوظيفة أو النفوذ أو استغلال حالة استضعاف أو بإستعمال سلطة ما على الشخص أو بأي وسيلة أخرى غير مشروعة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة)، توافر الركن المادي وتحقق، وعندما يكون ذلك عمداً وبغرض الإستغلال وقعت الجريمة مكتملة الأركان وأستحق مرتكبيها الجزاء الجنائي المقررة لها:
أما إذا كان استخدام الشخص أو إيواءه… الخ.
لم يكن بإستعمال وسيلة من الوسائل المحددة قانوناً كالتهديد أو الحيلة أو غير ذلك، فلا تتوافر علاقة السببية، ومن ثم لا يقوم السلوك الإجرامي ولا الركن المادي.
وفي القانون المصري:
وفق المادة 2 (من القانون رقم 64 لسنة 2010 بشأن مكافحة الإتجار بالبشر) فإن كل من يقوم بأي فعل من أفعال السلوك الإجرامي والمتمثلة في (التعامل في شخص طبيعي سواء بالبيع أو العرض للبيع أو الشراء أو الوعد بهما أو الاستخدام أو النقل أو التسليم أو الإيواء أو الإستقبال أو التسليم) وذلك عن طريق أي بإستعمال وسيلة من الوسائل وهي (استعمال القوة أو العنف أو التهديد بهما أو بواسطة الاختطاف أو الإحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة… الخ) توافر الركن المادي وتحقق، وعندما يكون ذلك بقصد الإستغلال أياً كانت صورة، وقعت الجريمة مكتملة الأركان واستحق مرتكبيها الجزاء الجنائي المقرر لها.
أما إذا كان الاستخدام أو الإيواء أو النقل أو التسليم… الخ، دون استعمال وسيلة من وسائل السلوك المذكورة آنفاً كاستعمال القوة أو العنف أو التهديد بهما أو الإختطاف أو الإحتيال أو الخداع… الخ، فإن علاقة السببية لا تتوافر بين السلوك ووسيلته، ومن ثم، لا يقوم الركن المادي في حق مقترفه لإنتفاء علاقة السببية بين عناصر الفعل وعنصر الوسيلة المتطلب لقيام السلوك الإجرامي، ومن ثم، الركن المادي للجريمة، وبناء على ذلك لا تكون هناك جريمة إتجار بالبشر.
خاتمة القول هنا؛ جريمة الإتجار بالبشر جريمة مختلفة في تكوينها وفي عناصرها فالركن المادي فيها يتكون من سلوك إجرامي فقط وهو كاف لوقوع الجريمة مع فرض توافر القصد الجنائي المتطلب لوقوعها.
والسلوك الإجرامي هو الآخر مختلف في تكوينه فهو لا يتكون كباقي الجرائم من فعل أو إمتناع عن فعل مثلاً، بل إن السلوك الإجرامي يتكون من فعل وهو العنصر الأول، ويتكون كذلك من وسائل الفعل وهو العنصر الثاني.
وعلى ذلك، فإن علاقة السببية المتطلبة هي بين فعل السلوك المحدد من جانب المشرع، وإحدى وسائل السلوك المتطلب كذلك من جانب المشرع، وإلا لا يكون الركن المادي قائماً ولا الجريمة قائمة في حق مرتكبيها.
الفرع الثالث
الركن المعنوي
المقصود بالركن المعنوي:
يقصد بالركن المعنوي للجريمة؛ هو مدى إتجاه إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة. ولكي يتحدد ذلك، يلزم التعرف على مدى علمه بعناصر الجريمة المختلفة.
وبهذا، فإن الركن المعنوي يعبر عن موقف الجاني من الناحية النفسية إزاء الجريمة، فلا يكفي أن يصدر الفعل عن الجاني، بل يلزم تحديد شكل الركن المعنوي لها([56]).
صور الركن المعنوي:
الجريمة إما أن تكون عمدية، أو تكون غير عمدية. وفي النوع الأول من الجرائم يتخذ القصد الجنائي شكل الركن المعنوي، أما في النوع الثاني من تلك الجرائم، فإن الخطأ غير العمدي يشكل الركن المعنوي، وأكدت ذلك المادة 33 من قانون الجزاء العماني الجديد والنافذ بقولها: الركن المعنوي للجريمة هو العمد في الجرائم المقصودة، والخطأ في الجرائم غير المقصودة، ويتوافر العمد بإتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب فعل أو الامتناع عن فعل متى كان هذا الإرتكاب أو الامتناع مجرماً قانوناً، وذلك بقصد إحداث نتيجة مباشرة أو أي نتيجة أخرى مجرمة قانوناً يكون الجاني قد توقعها وقبل المخاطرة بها.
وتكون الجريمة عمدية كذلك إذا وقعت على غير الشخص المقصود بها، و يتوافر الخطأ إذا وقعت النتيجة الإجرامية بسبب خطأ الفاعل أو عدم مراعاة القوانين أو الأنظمة.
وعلى الرغم من ضرورة توافر الركن المعنوي في كل جريمة، سواء أكان ذلك في شكل قصد جنائي أو خطأ غير عمدي، فإن البعض يرى أن هناك من الجرائم ما لا يلزم لتوافره وجود ركن معنوي من قصد جنائي أو خطأ غير عمدي، كما هو الحال في المخالفات وغيرها مما أطلق عليه جرائم مادية، كالجرائم الإقتصادية([57])، ومع ذلك، فإن الأمر يتعلق بإفتراض الخطأ أي بعدم التزام سلطة الإدعاء بإثبات الركن (القصد أو الخطأ غير العمدي)([58]).
الأصل في التجريم العمد:
إذا لم يحدد المشرع شكل الركن المعنوي في نص معين، فإن التساؤل يثار حول ما إذا كان من الواجب تفسير هذا النص بإعتبار أن الأصل في التجريم هو العمد أو القول بأنه يستوى أن يقع الفعل في هذه الحالة عمداً أو بخطأ غير عمدي بإعتبار أن عمومية النص وعدم تحديده بأنه عمدي يفيد تلك التسوية.
يتجه الرأي الراجح في الفقه إلى أن الأصل في التجريم هو العمد، وأن تجريم الخطأ غير العمدي يشكل خروجاً على هذا الأصل، ومن ثم، يتعين أن يرد به النص صراحة حتى يعاقب عليه، ومن ثم، فإن النص الذي يحدد شكل الركن المعنوي يتم تفسيره بإعتبار أنه يستلزم العمد([59]).
القصد الجنائي:
القصد الجنائي هو إتجاه إرادة الجاني عن علم إلى القيام بالنشاط والنتيجة، فالعلم والإرادة هما قوام القصد الجنائي، العلم بالنشاط والنتيجة وإتجاه إرادة الجاني إلى تحقيق النشاط والنتيجة.
ويتوافر العمد بإتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب فعل أو الإمتناع عن فعل، متى كان هذا الإرتكاب للفعل، أو الإمتناع مجرماً قانوناً، وذلك بقصد إحداث نتيجة مباشرة أو أية نتيجة أخرى مجرمة قانوناً ويكون الجاني قد توقعها.
ويلاحظ أن القصد الجنائي ركن أساسي في الجرائم العمدية سواء أكانت من الجنايات أو الجنح أو المخالفات([60])، وسواء أكانت من الجرائم التقليدية أو من الجرائم الاقتصادية.
جريمة الإتجار بالبشر والركن المعنوي:
إن جريمة الإتجار بالبشر كغيرها من الجرائم، لا يتطلب القانون لقيامها أن يأتي الجاني صور السلوك المادي في صورة الركن المادي للجريمة فحسب. بل لابد من أن يتوافر إضافة إلى ذلك ركنها المعنوي، والذي يعبر عن الحالة النفسية للجاني صاحب هذا السلوك، ذلك أن هذا السلوك ينطوى على حركة جسدية سواء تمثل في قول أو فعل، وكذلك إرادة تشكل العنصر النفسي لصاحب السلوك الإجرامي، إذ لابد أن تكون لماديات الجريمة إنعكاس في نفسية الجاني([61])، ويتمثل الركن المعنوي في الجرائم العمدية في القصد الجنائي([62])، والذي يعني إنصراف إرادة الجاني إلى إثبات السلوك وإحاطة علمه بعناصر الجريمة أو قبولها، حيث لابد أن تنصب الإرادة على السلوك والنتيجة المعاقب عليها، إذ يتمثل القصد الجنائي لجريمة الإتجار بالبشر بإعتبارها إحدى الجرائم العمدية في قيام الجاني بتجنيد المجني عليه أو نقله أو تنقيله أو استقباله أو ايوائه بمحض إرادته، وهو عالم بذلك مدرك لنشاطه، وإعتبار القصد الجنائي يتكون من عنصرين هما العلم والإرادة ويبقى الركن المعنوي في هذه الجريمة ينصرف إلى العلاقة النفسية بين مرتكب الجريمة والواقعة الإجرامية والمحظورة قانوناً. إذ في حال إتيان الفعل بصفة عمدية تكون الإرادة للفاعل واضحة، فالجاني الذي يقوم بإستغلال شخص في العبودية أو الرق أو الممارسات الشبيهة بذلك هو عالم بعناصر الجريمة، بينما ينصرف معنى الإرادة النفسية للفاعل والتي من خلالها يسيطر على فعله من خلال توجيهه على نحو مخالف للقانون إلى عنصر الإرادة والمتعلقة بالنتيجة الإجرامية([63]).
ومع هذا، لابد من إمعان النظر هنا بشأن عنصر العلم بخطورة الفعل الإجرامي على النحو السابق ذكره، ففي الجريمة ألا يشكل مجرد النقل أو التنقيل أو الإيواء أو التجنيد أو الإستقبال عن طريق الإكراه أو الإختطاف خطورة على المجني عليه بغض النظر عن إستغلاله وما يشكل هذا الفعل من خطر.
إذن لابد من توافر القصد الجنائي العام لكي تقوم الجريمة والمكون من العلم والإرادة من الجاني بالنسبة للسلوك المكون لركنها المادي.
إلى جانب توافر القصد الجنائي العام يتطلب المشرع في كل القوانين المقارنة، توافر القصد الجنائي الخاص بمعنى أن تتوافر لدى الجاني نية خاصة وهي نية الإضرار بالغير.
وقد عبر المشرع عن القصد الجنائي الخاص في جرائم الإتجار بالبشر بقوله ( بقصد الإستغلال بصور مختلفة لهذا الاستغلال كالإستغلال الجنسي أو في التسول أو في السخرة أو الخدمة كرهاً أو الاسترقاق أو الإستعباد أو نزع الأعضاء أو الانسجة أو جزء منها) وبالرغم من إتفاق المشرعين على وحدة جرائم الإتجار بالبشر بخصوص محل الإعتداء وهو (إنسان حي) إلا أن السلوك الإجرامي والنتيجة الإجرامية للإستغلال المرتكب من الجاني تفصح عن تعدد أشكال الإستغلال غير المشروع المؤدية إلى أضرار معنوية يصعب أصلاحها فيما بعد.
وبناء على ذلك، فإننا نرى رؤية أخرى للقصد الجنائي المتطلب في جريمة الإتجار بالبشر، ونوضح ذلك فيما يلي:
القصود الجنائية في جريمة الإتجار بالبشر:
نظراً لطبيعة تركيبة وتكوين جريمة الإتجار بالبشر المختلفة عن باقي الجرائم، وذلك في كل القوانين المقارنة كما بينا([64]).
- القصد الجنائي العام:
إذا كان القصد الجنائي العام هو إتجاه الإرادة إلى إرتكاب الوقائع المجرمة مع العلم بماهيتها من حيث الوقائع المادية وليس من حيث التجريم والعقاب بمعنى أن الفعل مجرم أم لا في قانون العقوبات، لأنه لا يعذر أحد بالجهل بالقانون.
ففي جريمة الإتجار بالبشر كجريمة عمدية ككل الجرائم لا بد فيها من توافر القصد الجنائي العام بعنصرية العلم والإرادة، وهو أن يعلم الجاني أنه يقوم بإستخدام أو إيواء أو استقبال أو النقل للشخص…الخ([65]).
بإستخدام التهديد أو العنف أو إستعمال القوة أو الإحتيال أو الخداع أو إستغلال السلطة… الخ([66])، وأن تتجه إرادته بالفعل إلى تحقيق ذلك، فإن القصد الجنائي العام يكون متحققاً في هذه الصورة، وهذا هو القصد الجنائي الأول الذي لا بد من توافره لقيام جريمة الإتجار بالبشر.
- القصد الجنائي الخاص:
يقصد بالقصد الجنائي الخاص، إتجاه نية الجاني إلى تحقيق غاية معينة من وراء إرتكاب الجريمة، هذا النوع من القصد إن هو في حقيقته إلا باعث معين يتوافر لدى الجاني.
والأصل أنه لا يعتد بالباعث على وقوع الجريمة، غير أنه في بعض الجرائم يستلزم المشرع وجود هذا النوع من القصد لوقوعها.
من ذلك، جريمة حيازة المخدرات بقصد الإتجار، فيلزم أن تنصرف نية الجاني من وراء الحيازة إلى الإتجار بالمخدرات.
وفي جريمة تزوير المحرارت يلزم أن تتجه نية الجاني إلى إستعمال المحرر فيما زور من أجله.
وإذا استلزم القانون قصداً جنائياً خاصاً في إحدى الجرائم، فإن ذلك يأتي لكي يضاف إلى القصد الجنائي العام، فهو إذن لا يغني عنه لأنه ليس بديلاً عنه، لذلك فإن الجرائم التي يلزم فيها قصد جنائي خاص هي من نوع الجرائم العمدية، فلا يتصور هذا النوع من القصد في الجرائم غير العمدية، وما يميز القصد الجنائي الخاص عن القصد الجنائي العام هو أن نية الجاني في القصد الخاص تتجه إلى غاية أخرى لا تدخل في أركان الجريمة، أما في القصد الجنائي العام، فإن نية الجاني تنصرف إلى أركان الجريمة من نشاط ونتيجة([67]).
وبتطبيق مفهوم القصد الجنائي على جريمة الإتجار بالبشر:
نجد أن كل التشريعات في جريمة الإتجار بالبشر تتطلب غاية أو باعث أو غرض معين من وراء القيام بالسلوك الإجرامي لدى الجاني يتمثل في (الإستغلال) للمجني عليه -بصفة عامة([68])– أي بأي صورة منه أو بالإستغلال المصنف أي الذي له صور معينة ومحددة من جانب المشرع([69]).
وعلى ذلك، فإن قصد الإستغلال هو قصد جنائي خاص في جريمة الإتجار بالبشر يلزم توافره لقيام هذه الجريمة في كل التشريعات المقارنة التي جرمت الإتجار بالبشر مع العلم أن الجريمة تكون وقعت مكتملة في أركانها من الناحية القانونية ولو لم يحدث إستغلال بعد، فالمطلوب فقط هو القيام بالسلوك الإجرامي وفق عناصره المتطلبة -كما بينا في موضعه- وأن يتوافر لدى الجاني غرض الإستغلال للمجني عليه بأي صورة، وبهذا يتوافر القصد الجنائي الخاص في قيام الجريمة.
ومثال ذلك -وفق أحكام القانون العماني- أن يقوم الجاني بإستخدام شخص أو نقله أو إيوائه أو استقباله (وهذا يمثل أفعال السلوك الإجرامي) وذلك بإستعمال الإكراه أو التهديد أو الحيلة أو بإستغلال الوظيفة أو النفوذ أو بإستغلال حالة إستضعاف أو بإستعمال سلطة ما على ذلك الشخص أو بأية وسيلة أخرى… (وهذا يمثل وسائل السلوك) وأن تكون علاقة السببية قائمة ومتوافرة بين فعل السلوك ووسيلته، ثم أن يكون ذلك عمداً وبغرض الاستغلال.
في هذا الحال تكون جريمة الإتجار بالبشر قد وقعت في حق فاعلها مكتملة الأركان حتى وإن لم يحدث إستغلال فعلى بعد، للمجني عليه.
وبهذا يكون القصد الجنائي الخاص قد تحقق في جريمة الإتجار بالبشر وهو القصد الثاني.
- القصد الجنائي النوعي الخاص:
جريمة الإتجار بالبشر -كما ذكرنا- لها طبيعة خاصة وتكوين وتركيب خاص بها يختلف عن كل الجرائم، وهذه الطبيعة والتكوين والتركيبة الخاصة في كل القوانين المقارنة.
وقد بينا ذلك -فيما سبق- في الركن المادي لها حيث تبين لنا أنها من جرائم السلوك وليست من جرائم النتيجة، حيث وجدنا أن الجريمة تقوم بمجرد القيام بالسلوك الإجرامي فقط.
وتبين لنا كذلك أن السلوك الإجرامي في هذه الجريمة له طبيعة وتكوين وتركيب خاص، حيث أن السلوك يتكون في هذه الجريمة من عنصرين هما؛ عنصر الفعل، وهو العنصر الأول، و عنصر وسيلة الفعل، وهو العنصر الثاني. ولا بد من توافر علاقة السببية بينهما حتى يقع السلوك الإجرامي.
وعلى ذلك؛ فلابد من وقوع شرط أول وهو وقوع إحدى صور السلوك المحددة من جانب المشرع، والشرط الثاني أن يقع الفعل أو صورة السلوك بإحدى الوسائل المحددة من جانب المشرع وأن تتوافر علاقة السببية بين الفعل والوسيلة المستخدمة في إيقاعه، وبهذا الوضع فقط -كما بينا- توافر القصد الجنائي العام، وإذا كان ذلك السلوك المرتكب بعناصره السابقة بغرض الإستغلال وفقط، توافر القصد الجنائي الخاص وقامت جريمة الإتجار بالبشر وفق ما أراد المشرع، لأنها تتطلب لوقوعها القصد الجنائي الخاص([70]).
ولكن قد يتطلب المشرع غرض نوعي خاص من وراء الغرض الخاص الأول، وهو ما نطلق عليه القصد الجنائي النوعي الخاص وهو القصد الثالث المتطلب أحياناً في بعض القوانين كالقانون المصري والإماراتي.
ولكن يلاحظ أن هذا القصد إذا لم يتوافر فالجريمة قائمة في حق الجاني بتوافر القصد الجنائي الخاص فقط، لأن قصد الإستغلال بأي صورة يجعل الجريمة قائمة ولو لم يتحقق أو يتبين لدى المحكمة القصد الجنائي النوعي الخاص.
تطبيق على القانون المصري:
بالنظر إلى جريمة الإتجار بالبشر في القانون المصري نجد أن المادة الثانية، بعد أن حددت كيفية وقوع الجريمة في ركنها المادي، أوضحت القصد المتطلب فيها، وتفصيل ذلك فيما يلي: يعد مرتكباً لجريمة الإتجار بالبشر -وفق المشرع المصري- كل من يتعامل بأية صورة في شخص طبيعي بما في ذلك البيع أو العرض للبيع أو الشراء أو الوعد بهما أو الاستخدام أو النقل أو التسليم أو الإيواء أو الإستقبال أو التسليم…. إذا تم ذلك بواسطة إستعمال القوة أو العنف أو التهديد بهما، أو بواسطة الإختطاف أو الإحتيال او الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة أو الوعد بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا مقابل الحصول على موافقة شخص على الإتجار بشخص آخر له سيطرة عليه -وذلك كله- بقصد الإستغلال أياً كانت صورة بما في ذلك الإستغلال في أعمال الدعارة وسائر أشكال الإستغلال الجنسي وإستغلال الأطفال في ذلك وفي المواد الإباحية أو السخرة أو الخدمة قسراً أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الإستعباد أو التسول أو استئصال الأعضاء أو الأنسجة البشرية أو جزء منها.
ويتبين لنا: أن المشرع تطلب القصد الجنائي الخاص لوقوع جريمة الإتجار بالبشر بصفة عامة وذلك بقوله (إذا كان التعامل بقصد الإستغلال أياً كانت صوره) ثم بعد ذلك ذكر صور للإستغلال، وهذا يعني أن الجريمة إذا وقعت أو إذا توافر لدى الجاني أياً من الصور المذكورة في صور الإستغلال يكون الجاني قد تحقق في شأنه و توافر القصد الجنائي النوعي الخاص وهو القصد الثالث وتكون الجريمة قد توافر فيها القصد الجنائي النوعي الخاص (القصد الثالث) بالإضافة إلى القصد الجنائي الخاص، وقبلها القصد الجنائي العام، أي أن الجريمة في هذه الحالة توافر فيها القصود الجنائية الثلاثة.
ويتحقق القصد الجنائي النوعي الخاص كذلك إذا قام الجاني مثلاً بإيواء شخص (وهو المجني عليه) عن طريق التهديد أو القوة أو باستعمال الإحتيال و بغرض نزع أعضائه مثلاً أو استغلاله جنسياً أو في الخدمة قسراً وبغرض تحقق ذلك مادياً على أرض الواقع، أو بتحققه فعلاً، فإن القصد الجنائي النوعي الخاص (القصد الجنائي الثالث) قد تحقق في هذه الجريمة([71]).
المبحث الثاني
جريمة الإتجار بالبشر الواقعة من جانب الشخص المعنوي في
التشريع العماني والمصري والإماراتي
بداية ننوه أن كل التشريعات نصت على حالة إرتكاب جريمة الإتجار بالبشر من جانب الشخص المعنوي (الشخص الإعتباري)، فقد ورد النص على ذلك من جانب المشرع العماني في المادة 10 من قانون مكافحة الإتجار بالبشر العماني -محل الدراسة- ونص قانون مكافحة الإتجار بالبشر الإماراتي -محل الدراسة- على ذلك في المادة السابعة منه، ونص القانون المصري الخاص بمكافحة الإتجار بالبشر على ذلك في المادة 11 منه.
ونرى أنه يجب علينا قبل أن نبدأ في عرض ومعالجة جريمة الإتجار بالبشر عندما تقع من جانب الشخص المعنوي (الإعتباري)، يجب وضع مفهوم للشخص الاعتباري (المعنوي) ويمكن تعريف الشخص الإعتباري (المعنوي) بأنه: (كل كيان قانوني سواء كان شركة أو جمعية أو مؤسسة أو غير ذلك من مسميات سواء كان عاماً أو خاصاً ويقر له القانون بذلك).
ونعالج ونتاقش جريمة الإتجار بالبشر في حال إرتكابها من جانب الشخص المعنوي (الإعتباري) وذلك من خلال ثلاثة محاور رئيسية وهي:
- شروط إرتكاب الجريمة من قبل الشخص المعنوي (الإعتباري).
- تحديد المسؤول جنائياً.
- العقوبة المقررة للشخص المعنوي (الإعتباري).
وسوف نناقش المحاور الثلاثة في كل من القانون العماني والقانون المصري والقانون الإماراتي كلاٍ في مطلب مع تقسيم كل مطلب إلى ثلاثة فروع لمعالجة المحاور الثلاثة في كل قانون.
المطلب الأول
في القانون العماني
نناقش جريمة الإتجار بالبشر في القانون العماني -كما بينا سابقاً- وفق خطة الدراسة المبينة أعلاه من خلال ثلاثة محاور رئيسية هي:
المحور الأول: شروط وقوع جريمة الإتجار بالبشر من قبل الشخص الإعتباري.
المحور الثاني: تحديد المسؤول جنائياً عن الشخص الإعتباري.
المحور الثالث: العقوبة المقررة للشخص الإعتباري في حالة إقتراف الجريمة.
ونعالج كل محور في فرع مستقل.
الفرع الأول
الشروط الخاصة لإرتكاب الجريمة من قبل الشخص الإعتباري
الشرط المفترض:
تتطلب هذه الجريمة لوقوعها – من جانب الشخص الإعتباري- شرطاً مفترضاً هو أن يكون الجاني في هذه الحالة شخصاً اعتبارياً وفق القانون.
وهذا الشرط من الشروط الخاصة التي لا تقوم الجريمة إلا به في حق الشخص الإعتباري، وإذا لم تكن به هذه الصفة، فستقع الجريمة بشروط أخرى ويكون الجاني فيها له صفة أخرى، فقد يكون منظمة إجرامية أو قد يكون الجاني موظفاً عاماً إستغل وظيفته لإرتكاب الجريمة.
وعلى ما تقدم، فإنه إذا توافر في حق الجاني كونه شخصاً إعتبارياً تحقق الشرط المفترض لقيام هذه الجريمة.
من جانب آخر، علينا أن نلقي نظرة على المجني عليه في هذه الجريمة، فإذا كان الشخص الإعتباري ارتكب جريمة الإتجار بالبشر ضد الشخص البالغ أو العادي، فلابد من توافر شروط إرتكاب الجريمة في حق الشخص البالغ أو العادي والتي تحدثنا عنها في المبحث السابق([72]).
وعلى ذلك فإنه يشترط لقيام الجريمة في حق الشخص الإعتباري في القانون العماني ما يلي:
أولاً: توافر الشرط المفترض وهو كون الجاني شخصاً إعتبارياً وفق ما بيناه سابقاً.
ثانياً: توافر الشروط الخاصة بجريمة الإتجار بالبشر والتي يلزم تحققها لقيام الجريمة في حق الجاني حسب المجني عليه فيها ويوجد لها فرضيتان؛
الفرضية الأولى- إذا كان المجني عليه في الجريمة شخصاً بالغاً:
هنا لابد من توافر الشروط الخاصة التي بيناها فيما سبق، عندما تقع الجريمة في هذه الحالة، وهذه الشروط سنذكرها هنا دون شرح، مكتفين بما تم شرحه في موضعه منعاً للتكرار([73])، وهذه الشروط تتمثل في:
- وقوع أحد الأفعال المادية الواردة على سبيل الحصر في القانون.
- أن يكون إرتكاب الأفعال السابقة بوسائل محددة لإرتكاب السلوك الإجرامي من جانب المشرع أو بأية وسيلة أخرى غير مشروعة.
- أن تتوافر علاقة السببية بين أفعال السلوك الإجرامي ووسائله.
- أن يرتكب الجاني أفعال السلوك الإجرامي عمداً.
- أن يرتكب الجاني هذه الأفعال بغرض الاستغلال.
الفرضية الثانية- في هذه الحالة لابد من توافر الشروط الخاصة بجريمة الإتجار بالبشر إذا كان المجني عليه فيها حدثاً، وهذه الشروط تتمثل في الآتي:
- إقتراف أحد الأفعال المادية الواردة على سبيل الحصر في القانون.
- أن يرتكب الجاني هذه الأفعال عمداً.
- أن يرتكب الجاني هذه الأفعال بغرض الإستغلال.
وبهذا نكون قد بيننا الشروط الخاصة لإرتكاب جريمة الإتجار بالبشر إذا وقعت من قبل الشخص الإعتباري.
الفرع الثاني
تحديد المسؤول جنائياً
بين القانون العماني المسؤول جنائياً في حالة إقتراف جريمة الإتجار بالبشر من قبل الشخص الإعتباري، والمسؤول جنائياً وفق ما تقضي به المادة (10) العاشرة من قانون مكافحة الإتجار بالبشر -محل الدراسة- هو الشخص المسؤول عن إدارة الشخص الإعتباري.
ولكن يشترط لقيام المسؤولية في حقه ثبوت علمه بالجريمة، والعلم بالجريمة يعني أن المسؤول عن الإدارة يعلم أن الشخص الإعتباري المسؤول هو عن إدارته يرتكب السلوك الإجرامي لجريمة الإتجار بالبشر -وفق ما بيناه في حينه([74])– فإذا توافر هذا العلم، قامت الجريمة في حقه، حتى وإن لم يقترف هو -أي المسؤول عن الإدارة- أي فعل من الأفعال المكونة للسلوك الإجرامي لهذه الجريمة.
ونرى أنه حسناً فعل المشرع العماني ذلك، وحدد شخصاً بعينه ليتحمل عبء المسؤولية الجنائية في حالة إرتكاب الجريمة من قبل الشخص الإعتباري، حتى يكون ذلك رادعاً في حالة إرتكاب هذه الجريمة من قبل الأشخاص الإعتبارية التي تحتمي في العادة في كونها شخص إعتباري، حيث كان الاعتقاد أنهم لا يطبق عليهم العقوبات السالبة للحرية، لأنه كانت العقوبات في الغالب عندما يرتكب الشخص الإعتباري جريمة جنائية تتمثل في الغرامة أو الحل أو الغلق أو سحب الترخيص أو غير ذلك من تدابير.
وفي هذا يتضح أن المشرع العماني في مكافحة الإتجار بالبشر خرج عن القاعدة العامة التي نص عليها قانون الجزاء العماني الجديد في المادة 21 منه عندما نص على أنه <<لا يحكم على الشخص الإعتباري إلا بالغرامة وما يتناسب من العقوبات الفرعية المقررة قانوناً<<.
حيث يجري نص المادة 21 بما يلي: << تعد الأشخاص الإعتبارية الخاضعة وفقاً لأحكام هذا القانون مسؤولة جزئياً عن الجرائم التي يرتكبها ممثلوها ومديروها أو وكلاؤها لحسابها أو بأسمها، ولا يجوز الحكم بغير الغرامة وما يتناسب من العقوبات الفرعية المقررة قانوناً([75])<<.
الفرع الثالث
العقوبة المقررة للشخص الإعتباري في حالة إرتكاب الجريمة
تقضي المادة العاشرة من قانون مكافحة الإتجار بالبشر -موضوع الدراسة- بأنه <<إذا ارتكب جريمة الإتجار بالبشر بواسطة شخص إعتباري فيعاقب بالعقوبة المقررة للجريمة الشخص المسؤول عن إدارة الشخص الإعتباري إذا ثبت علمه بالجريمة<<.
وبناء على هذا النص، فإن العقوبة المقررة للشخص الإعتباري هي ذات العقوبة المقررة للجريمة في حالة إرتكابها من أي شخص طبيعي.
إلا أن الأمر يختلف وفق ما بيناه في حينه.
بالنسبة للعقوبة المقررة لهذه الجريمة، فوفقاً لما تقضي به كلاٍ من المادة الثامنة والمادة التاسعة من قانون مكافحة الإتجار بالبشر العماني، فإن هناك حالة إرتكاب الجريمة في الأحوال العادية وحالة إرتكاب الجريمة في أحوال معينة حددها المشرع.
وعلى ذلك يكون عقاب الشخص الإعتباري وفقاً لما يلي:
الحالة الأولى- حالة إرتكاب الجريمة من قبل الشخص الإعتباري في الأحوال العادية:
يعاقب وفق ما تقضي به المادة الثامنة، وتتمثل العقوبة في السجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على سبع سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف ريال ولا تزيد على مائة ألف ريال.
الحالة الثانية- حالة إرتكاب الجريمة من قبل الشخص الإعتباري في أحوال معينة وهي:
- إذا كان المجني عليه حدثاً أو من ذوي الاحتياجات الخاصة.
- إذا كان الجاني يحمل سلاحاً.
- إذا ارتكبت الجريمة من أكثر من شخص.
- إذا كان الجاني زوجاً للمجني عليه أو أحد أصوله أو فروعه أو وليه أو كانت له سلطة عليه.
- إذا ارتكبت الجريمة جماعة إجرامية منظمة أو كان الجاني أحد أعضائها.
- إذا كان الجاني موظفاً عاماً أو مكلفاً بخدمة عامة استغل وظيفته لإرتكاب الجريمة.
- إذا كانت الجريمة عبر وطنية.
- إذا أصيب المجني عليه بسبب إستغلاله في جريمة الإتجار بالبشر بالجنون أو بمرض نقص المناعة أو بأي مرض نفسي أو عضوي لا يرجى برؤه.
فإذا توافرت إحدى هذه الحالات في حق الشخص الإعتباري ووفق ما يتفق مع طبيعته، فتكون العقوبة وفق ما تقضي به المادة التاسعة من قانون مكافحة الإتجار بالبشر العماني وهي:
السجن مدة لا تقل عن سبع سنوات ولا تزيد على خمس عشرة سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف ريال ولا تزيد على مائة ألف ريال.
ويعاقب بذات العقوبة كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار جماعة إجرامية منظمة أو تولى قيادة فيها أو دعى للإنضمام إليها يكون هدفها أو من بين أهدافها إرتكاب جريمة الإتجار بالبشر (الفقرة الأخيرة من المادة التاسعة).
المطلب الثاني
في القانون المصري
نناقش جريمة الإتجار بالبشر المرتكبة من جانب الشخص الإعتباري في القانون المصري وذلك من خلال ثلاثة محاور رئيسية وهي:
- شروط إرتكاب الجريمة من قبل الشخص الإعتباري.
- تحديد المسؤول جنائياً.
- العقوبة المقررة للشخص الإعتباري.
ونفصل المحاور السابقة كلاٍ في فرع مستقل فيما يلي:
الفرع الأول
الشروط الخاصة لوقوع الجريمة
من قبل الشخص الإعتباري
الشرط المفترض:
تتطلب هذه الجريمة لوقوعها من جانب الشخص الإعتباري -كما بينا في موضوع سابق([76])– شرطاً مفترضاً هو أن يكون مقترف الجريمة في هذه الحالة شخصاً إعتبارياً وفق القانون، وهذا الشرط من الشروط الخاصة في هذه الحالة ولا تقوم الجريمة إلا به.
وكما أوضحنا -في موضع سابق- إذا لم تكن هذه الصفة قائمة وقت إقتراف السلوك الإجرامي فلا تقوم الجريمة في حق الجاني وفق هذه الصفة، ووفق الشروط الخاصة بوقوع الجريمة في حق الشخص الإعتباري، وإنما قد تقوم الجريمة بشروط أخرى وفق صفة الجاني مقترف الجريمة.
وعلى ذلك، فإنه إذا توافر في حق مرتكب الجريمة صفة الشخص الإعتباري تحقق الشرط المفترض لقيام هذه الجريمة، هذا من ناحية.
من ناحية أخرى، لابد أن ننظر إلى المجني عليه في هذه الجريمة، فإذا كان الشخص الإعتباري إرتكب جريمة الإتجار بالبشر ضد الشخص البالغ (العادي) فلابد من توافر شروط إرتكاب الجريمة في حق المجني عليه البالغ (العادي).
وإذا كانت الجريمة تم إرتكابها من قبل الشخص الإعتباري ضد طفل أو عديمي الأهلية، فيجب توافر الشروط الخاصة التي لابد من توافرها لقيام جريمة الإتجار بالبشر إذا كان المجني عليه فيها طفلاً أو عديمي الأهلية.
وبناء على ما تقدم، فإنه يشترط لقيام جريمة الإتجار بالبشر في حق الشخص الإعتباري في القانون المصري ما يلي:
أولاً: توافر الشرط المفترض وهو كون الجاني شخصاً إعتبارياً وقت إرتكاب الجريمة وفق ما سبق.
ثانيا: توافر الشروط الخاصة بجريمة الإتجار بالبشر والتي يلزم تحققها لقيام الجريمة في حق الجاني وهي تختلف حسب المجني عليه فيها، ويوجد لها فرضتيان:
الفرضية الأولى: إذا كان المجني عليه في الجريمة شخصاً بالغاً:
في هذه الحالة لابد من توافر الشروط الخاصة التي أوضحناها فيما سبق، في موضعه، ولن نعاود شرحها هنا مرة أخرى منعاً للتكرار ونكتفي بعرض الشروط فقط وهي تتمثل فيما يلي:
- وقوع أحد الأفعال المادية الواردة في القانون أو ما يشابهها.
- أن يكون إرتكاب الأفعال المادية السابقة بوسائل محددة حسب ما نص عليه المشرع.
- أن تتوافر علاقة السببية بين أفعال السلوك الإجرامي ووسائلة.
- أن يرتكب الجاني أفعال السلوك الإجرامي عمداً.
- أن يرتكب الجاني هذه الأفعال بغرض الإستغلال أو بأي غرض نوعي آخر مما نص عليه المشرع.
الفرضية الثانية: إذا كانت الجريمة واقعة على الطفل أو عديمي الأهلية:
في هذه الحالة لابد من توافر الشروط الخاصة في جريمة الإتجار بالبشر إذا كان المجني عليه فيها طفلاً أو عديمي الأهلية، وهذه الشروط تتمثل فيما يلي:
- إرتكاب أحد الأفعال المجرمة المنصوص عليها من جانب المشرع أو ما يشابهها.
- أن يرتكب الجاني هذه الأفعال عمداً.
- أن يرتكب الجاني هذه الأفعال بغرض الإستغلال أو بأي غرض إستغلال نوعي آخر مما نص عليه المشرع.
وبهذا نكون قد بينا الشروط الخاصة لإرتكاب جريمة الإتجار بالبشر إذا وقعت من قبل الشخص الإعتباري، محيلين في شرح هذه الشروط إلى ما قدمناه في موضعه في محل سابق منعاً للتكرار([77]).
الفرع الثاني
تحديد المسؤول جنائياً
أوضح القانون المصري، المسؤول جنائياً في حالة إقتراف الجريمة -جريمة الإتجار بالبشر- من قبل الشخص الإعتباري.
والمسؤول جنائياً وفق ما تقضي به المادة الحادية عشر من قانون مكافحة الإتجار بالبشر المصري -محل الدراسة- هو المسؤول عن الإدارة الفعلية للشخص الإعتباري إذا كانت الجريمة إرتكبت بواسطة أحد العاملين في الشخص الإعتباري بإسمه ولصالحة.
والمقصود بإسمه ولصالحه هنا، هو بإسم ولصالح الشخص الإعتباري وليس المقصود بإسم ولصالح المسؤول عن الإدارة.
وعلى ذلك يتبين أن القانون المصري -كالقانون العماني فيما سبق- حدد شخصاً بعينه يسأل جنائياً في حالة إقتراف جريمة الإتجار بالبشر من جانب الشخص الإعتباري.
والمسؤول عن الإدارة الفعلية للشخص الإعتباري قد يختلف عن المسؤول عن الإدارة بشكل رسمي، أي وفقاً للأوراق لدى مجلس الإدارة -في رأينا- فقد يكون هذا شخص وذاك شخصا آخر، إلا أن الذي يسأل جنائياً عن جريمة الإتجار بالبشر بالذات -وفق تحديد القانون- هو المسؤول عن الإدارة الفعلية أي ذلك الشخص الذي يُسير فعلياً أمور الشخص الإعتباري على أرض الواقع بصرف النظر عن المسؤول عن الإدارة الرسمية في تقديرنا.
إلا أنه يلاحظ أن القانون المصري قد افترض فرضيتين لقيام الجريمة في حق المسؤول عن الإدارة الفعلية وهما:
الأولى: ثبوت علمه بالجريمة.
الثانية: إذا كانت الجريمة قد وقعت بسبب إخلاله بواجبات وظيفته.
فإذا توافر أياً منهما قامت الجريمة في حق المسؤول عن الإدارة الفعلية للشخص الإعتباري، وتفصيل ذلك فيما يلي:
الفرضية الأولى: ثبوت علم المسؤول عن الإدارة الفعلية بالجريمة:
يقصد بثبوت العلم بالجريمة، أي أن يعلم المسؤول عن الإدارة الفعلية بأي طريق أن أحد العاملين في الشخص الإعتباري يرتكب الجريمة بإسم ولصالح الشخص الإعتباري، سواء كانت الجريمة في مرحلة الشروع أو ما قبل ذلك أي مرحلة التحضير ووقعت بالفعل.
إلا أنه -في تقديرنا- إذا علم بالجريمة بعد وقوعها فلا يسأل جنائياً ويصبح غير مسؤول لكون العلم توافر بعد وقوع الجريمة، وهو الأساس في قيام القصد الجنائي لديه، وبالتالي ينعدم القصد الجنائي في حقه، ومن ثم لا تقوم الجريمة في حق القائم بالإدارة الفعلية.
الفرضية الثانية: إذا كانت قد وقعت بسبب إخلاله بواجبات وظيفته:
والمقصود هنا هو الشخص المسؤول عن الإدارة الفعلية للشخص الإعتباري.
والإخلال بالوظيفة وواجباتها، مصطلح واسع الدلالة ويعني ذلك إسناد المسؤولية الجنائية إلى القائم بالإدارة الفعلية في كل حالة يكون فيها تقصير أو عدم إشراف أو عدم مراعاة القوانين واللوائح أو عدم متابعة وتبصر لسير العمل داخل الشخص الإعتباري أو خارجه.
فكل هذه الصور تعتبر -في تقديرنا- إخلالاً بواجبات الوظيفة من جانب المسؤول عن الإدارة الفعلية، ومن ثم في هذه الحالة تسند إليه المسؤولية الجنائية ويصبح مسؤولاً عن إقتراف الجريمة.
ويلاحظ أن الفرضية الثانية هي باب واسع في الإسناد الجنائي للمسؤولية الجنائية، ويمكن تحتها إسناد الجريمة للمسؤول عن الإدارة الفعلية تحت صور متعددة من الإخلال بواجبات الوظيفة، بعكس الفرضية الأولى التي يكون فيها باب الإسناد الجنائي ضيقاً، ولا يقوم إلا بعنصر العلم بالجريمة.
الفرع الثالث
العقوبة المقررة للشخص الإعتباري في حالة إرتكاب الجريمة
تنص المادة (11) من قانون مكافحة الإتجار بالبشر المصري بأنه <<يعاقب المسؤول عن الإدارة الفعلية للشخص الإعتباري إذا ارتكبت آية جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون بواسطة أحد العاملين في الشخص الإعتباري بإسمه ولصالحه، بذات العقوبات المقررة عن الجريمة المرتكبة إذا ثبت علمه بها أو إذا كانت الجريمة قد وقعت بسبب إخلاله بواجبات وظيفته<<.
وبناء على هذا النص، فإن العقوبة المقررة لهذه الجريمة، فوفقاً لما تقضي به المادة الخامسة من قانون مكافحة الإتجار بالبشر المصري، هناك عقوبة للجريمة في أحوالها العادية، وهي عقوبة أخف، بينما هناك عقوبة أشد في أحوال محددة وفقاً لما تقضي به المادة السادسة -من ذات القانون- وبناء على ذلك يكون عقاب الشخص المسؤول عن الإدارة الفعلية للشخص الإعتباري وفقاً لحالتي العقاب، كما يلي:
الحالة الأولى: حالة إرتكاب الجريمة من قبل الشخص الإعتباري في الأحوال العادية:
والحالة الأولى من العقاب هي ما نصت عليه المادة 5 من قانون مكافحة الإتجار بالبشر حيث قضت بأنه <<يعاقب كل من ارتكب جريمة الإتجار بالبشر بالسجن المشدد وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائتي ألف جنيه أو بغرامة مساوية لقيمة ما عاد عليه من نفع أيهما أكبر<<.
الحالة الثانية: حالة إرتكاب الجريمة من قبل الشخص الإعتباري في أحوال معينة:
هذه الحالة هي الحالة المشددة في العقاب على جريمة الإتجار بالبشر بصرف النظر عن من هو مرتكب الجريمة سواء كان شخصاً طبيعياً أو إعتبارياً، فلم يفرق بينهما فيما يتعلق بالعقوبة الأصلية المحكوم بها.
وفي ذلك تقضي المادة (6) من قانون مكافحة الإتجار بالبشر المصري على أنه <<يعاقب كل من إرتكب جريمة الإتجار بالبشر بالسجن المؤبد والغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه في أي من الحالات الآتية:
- إذا كان الجاني قد أسس أو نظم أو أدار جماعة إجرامية منظمة لأغراض الإتجار بالبشر، أو تولى قيادة منها أو كان أحد أعضائها أو منضماً إليها، أو كانت الجريمة ذات طابع عبر وطني.
- إذا ارتكب الفعل بطريق التهديد بالقتل أو بالأذى الجسيم أو التعذيب البدني أو النفسي أو إرتكب الفعل شخص يحمل سلاحاً.
- إذا كان الجاني زوجاً للمجني عليه أو أحد أصوله أو فروعه أو ممن له الولاية أو الوصاية عليه أو كان مسؤولاً عن ملاحظته أو تربيته أو ممن له سلطة عليه.
- إذا كان الجاني موظفاً عاماً أو مكلفاً بخدمة عامة وارتكب جريمته بإستغلال الوظيفة أو الخدمة العامة.
- إذا نتج عن الجريمة وفاة المجني عليه، أو إصابته بعاهة مستديمة أو بمرض لا يرجى الشفاء منه.
- إذا كان المجني عليه طفلاً أو من عديمي الأهلية أو من ذوي الإعاقة.
- إذا ارتكبت الجريمة بواسطة جماعة إجرامية منظمة>> .
إذاً في هذه الحالات السابقة فقط تكون العقوبة مشددة -وهي كما هي موضحة أعلاه- وعلى ذلك إذا ارتكب الشخص الإعتباري جريمة الإتجار بالبشر وكان المجني عليه فيها هو طفل أو عديمي الأهلية أو من ذوي الإعاقة، فالعقوبة تكون هي المقررة في الحالة الثانية لجريمة الإتجار بالبشر وهي السجن المؤبد والغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه.
المطلب الثالث
في القانون الإماراتي
نعالج جريمة الإتجار بالبشر المرتكبة من جانب الشخص الإعتباري في القانون الإماراتي، وذلك -وفقاً لخطتنا في هذا الشأن- من خلال ثلاثة محاور رئيسية هي:
- شروط إرتكاب الجريمة من قبل الشخص الإعتباري.
- تحديد المسؤول جنائياً.
- العقوبة المقررة للشخص الإعتباري.
ونفصل ونحلل المحاور السابقة كلاٍ في فرع مستقل فيما يلي:
الفرع الأول
الشروط الخاصة لوقوع الجريمة من قبل الشخص الإعتباري
ضرورة توافر صفة الشخص الإعتباري وقت إرتكاب الجريمة:
تتطلب هذه الجريمة صفة عالقة بالجاني وقت إرتكاب الجريمة وهي تمثل الشرط المفترض في هذه الجريمة.
وتتمثل هذه الصفة أو هذا الشرط المفترض في كون مرتكب الجريمة وقت إرتكابها شخصاً إعتبارياً حين إقترافه الجريمة.
وإذا لم تكن هذه الصفة قائمة وقت إرتكاب السلوك الإجرامي، فلا تقوم الجريمة في حق الشخص الإعتباري، وإنما قد تقوم الجريمة بشروط أخرى وفق صفة الجاني مقترف الجريمة([78]).
وعلى ذلك، فإنه إذا توافر في حق مرتكب الجريمة صفة الشخص الإعتباري تحقق الشرط المفترض لقيام هذه الجريمة، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، لابد أن ننظر إلى المجني عليه في هذه الجريمة، فإذا كان الشخص الإعتباري إرتكب الجريمة في حق الشخص البالغ -والمقصود هنا جريمة الإتجار بالبشر- فلا بد من توافر شروط إرتكاب هذه الجريمة في حق المجني عليه البالغ أو في الأحوال العادية.
وإذا كانت الجريمة تم إرتكابها من قبل الشخص الإعتباري ضد الطفل، فيجب توافر الشروط الخاصة والتي لابد من توافرها لقيام جريمة الإتجار بالبشر إذا كان المجني عليه فيها طفلاً وفقاً ما بيناه في موضعه([79]).
وبناء على ما تقدم، فإنه يشترط لقيام جريمة الإتجار بالبشر في حق الشخص الإعتباري، في القانون الإماراتي مايلي:
أولاً: توافر الشرط المفترض وهو كون الجاني شخصاً إعتبارياً وقت إرتكاب الجريمة، وفق ما بيناه في موضعه فيما سبق.
ثانياً: توافر الشروط الشروط الخاصة بجريمة الإتجار بالبشر والتي يلزم تحققها لقيام الجريمة في حق الجاني وهي تختلف بحسب المجني عليه فيها.
ويوجد لها حالتان:
الحالة الأولى: إذا كان المجني عليه في الجريمة شخصاً بالغاً:
في هذه الحالة لابد من توافر الشروط الخاصة بهذه الجريمة والتي سبق عرضها في موضوع سابق ولن نعاود هنا منعاً للتكرار.
ونكتفي بعرض الشروط فقط -أي شروط الجريمة- في تلك الحالة.
وهي تتمثل فيما يلي:
- إقتراف الجاني أحد الأفعال المادية المجرمة الواردة في القانون على سبيل الحصر.
- أن يكون إرتكاب الأفعال السابقة بوسائل محددة حسب ما نص عليه المشرع.
- أن تتوافر علاقة السببية بين أفعال السلوك الإجرامي ووسائله.
- أن يرتكب الجاني أفعال السلوك الإجرامي عمداً.
- أن يرتكب الجاني هذه الأفعال بغرض الإستغلال النوعي المنصوص عليه في جانب المشرع.
الحالة الثانية: إذا كانت الجريمة واقعه على الطفل:
في هذه الحالة لابد من توافر الشروط الخاصة بجريمة الإتجار بالبشر إذا كان المجني عليه فيها طفلاً.
وهذه الشروط تتمثل فيما يلي:
- إرتكاب أحد الأفعال المجرمة المنصوص عليها حصراً من جانب المشرع.
- أن يرتكب الجاني هذه الأفعال عمداً.
- أن يرتكب الجاني هذه الأفعال بغرض الإستغلال أو بأي غرض استغلال نوعي مما نص عليه المشرع.
بهذا نكون قد أوضحنا الشروط الخاصة لجريمة الإتجار بالبشر إذا وقعت من قبل الشخص الإعتباري سواء كان المجني عليه فيها بالغاً أو طفلاً، محليين في شرح هذه الشروط إلى ما قدمنا في موضعه -في موضع سابق([80])– منعاً للتكرار.
الفرع الثاني
تحديد المسؤول جنائياً
أوضح القانون الإماراتي، المسؤول جنائياً في حالة إقتراف جريمة الإتجار بالبشر من قبل الشخص الإعتباري.
والمسؤول جنائياً وفق ما تقضي به المادة السابعة من قانون مكافحة الإتجار بالبشر الإماراتي -محل الدراسة- هم من أوضحتهم هذه المادة، وهي تختلف بعض الشيء خاصة فيما يتعلق بالعقوبة والمسؤولية المقررة للشخص الإعتباري حيث أنها قررت أكثر من عقوبة عن ما تم عرضه بالنسبة للقانون العماني والقانون المصري، وكذلك فيما يتعلق بتحديد المسؤولية.
وهذا يتبين من نص هذه المادة والذي يقضي بما يلي << يعاقب الشخص الإعتباري بالغرامة التي لا تقل عن مائة ألف درهم ولا تتجاوز المليون درهم إذا إرتكب ممثلوه أو مديروه أو وكلاؤه لحسابه أو بإسمه إحدى جرائم الإتجار بالبشر وذلك دون إخلال بمسؤولية الشخص الطبيعي التابع له.
ويجوز للمحكمة فضلاً عن ذلك، الحكم بحله أو بغلقه نهائياً أو مؤقتاً أو بغلق أحد فروعه >>.
هذا فضلاً عن العقوبات المقررة وفق المادة الثانية لجريمة الإتجار بالبشر بشكل عام.
ويتضح أن المسؤول عن جريمة الإتجار بالبشر إذا إرتكبها الشخص الإعتباري تتمثل -في تقديرنا- فيما يلي:
- ممثلو أو مديرو أو وكلاء الشخص الإعتباري إذا ارتكبوا جريمة الإتجار بالبشر لحسابه بإسمه.
والعقوبة المقررة في هذه الحالة هي الغرامة التي لا تقل عن مائة ألف درهم ولا تتجاوز مليون درهم.
ويجوز للمحكمة فضلاً، عن ذلك، الحكم بحل أو غلق الشخص الإعتباري غلقاً مؤقتاً أو نهائيًا أو بغلق أحد فروعه.
- الشخص الطبيعي التابع للشخص الإعتباري ويقصد به -في رأينا- الشخص الطبيعي للشخص الإعتباري الذي يرتكب الجريمة على الأرض.
هذا يتضح من خلال ما نص عليه القانون الإماراتي في نهاية الفقرة الأولى من المادة السابقة حيث قرر (دون إخلال بمسؤولية الشخص الطبيعي التابع له).
الفرع الثالث
العقوبة المقررة للشخص الإعتباري في حالة إرتكاب الجريمة
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يكتفي فقط بالعقوبة الواردة في المادة السابعة -من قانون مكافحة الإتجار بالبشر الإماراتي- والتي وردت صريحة في شأن الشخص الإعتباري في حالة إرتكابه جريمة الإتجار بالبشر أم أنه يخضع أيضاً للعقوبات الواردة في المادة الثانية (المعدلة) والتي وردت بشأن العقاب على جرائم الإتجار بالبشر بصفة عامة.
والإجابة لدينا على هذا التساؤل هي إنه إذا كانت القاعدة القانونية هي أن النص الخاص يقيد النص العام، وفي هذه الحالة النص الذي ورد بشأن عقاب الشخص الإعتباري في حالة إرتكابه جريمة الإتجار بالبشر وهو نص المادة السابعة -سابقة التبيان- المفروض أنه هو الذي ينطبق فقط دون نص العقاب الوارد في المادة الثانية.
إلا أن الأمر -في تقديرنا- ليس بهذه النظرة السابقة الموجودة في القاعدة العامة.
وإنما يخضع الشخص الإعتباري المرتكب جريمة الإتجار بالبشر -في رأينا- وفق القانون الإماراتي، لكلا النصين، نص المادة السابعة والعقوبات الواردة بها، وكذلك نص المادة الثانية والعقوبات الواردة بها.
والدليل على صحة هذه الرؤية هو أن المشرع في نص المادة السابعة ذكر في نهاية الفقرة الأولى منها من أنه (…. وذلك دون إخلال بمسؤولية الشخص الطبيعي التابع له…).
وعلى ذلك، فإن الشخص الطبيعي التابع للشخص الإعتباري يحاكم وفق ما تقضي به المادة الثانية (المعدلة) من عقوبات ووفق فقرتيها.
أما بالنسبة للعقوبات المقررة للشخص الإعتباري -بإعتباره شخصاً إعتبارياً- إذا ارتكب جريمة الإتجار بالبشر هي ما ورد بنص المادة السابعة سابقة التبيان.
وعلى ما تقدم وسبق تبيانه، فإن عقوبة الشخص الإعتباري وفق أحكام قانون الإتجار بالبشر الإماراتي تكون وفق ما يلي:
أولاً: العقوبة المقررة وفقاً لأحكام المادة السابعة وتتمثل فيما يلي:
هي العقوبة المقررة في حالة إرتكاب ممثلو أو مديرو أو وكلاء الشخص الإعتباري جريمة الإتجار بالبشر لحسابه أو بإسمه. وهي تتمثل في عقوبة الغرامة التي لا تقل عن مائة ألف درهم ولا تتجاوز مليون درهم.
ويجوز للمحكمة فضلاً عن ذلك الحكم بالحل أو الغلق النهائي أو المؤقت أو غلق أحد فروعه.
ويلاحظ أن هذه العقوبات الموقعة وفقاً لهذه المادة هي عقوبات توقع على الشخص الإعتباري بإعتباره شخصاً إعتبارياً وليس بكونه شخصاً طبيعياً، ولذلك فالعقوبات ليس فيها عقوبات سالبة للحرية، وإنما هي عقوبات تتفق وشخصية الشخص الإعتباري، ولذلك فهي تتمثل في الغرامة كعقوبة أصلية وعقوبات أخرى تكميلية جوازية وهي الحل أو الغلق المؤقت أو النهائي أو غلق أحد الفروع نهائيًا.
ثانياً: العقوبة المقررة وفقاً لأحكام المادة الثانية (المعدلة)([81]):
هذه العقوبات المقررة في هذه المادة توقع على الشخص الطبيعي التابع للشخص الإعتباري حيث ذكر المشرع في نهاية الفقرة الأولى من المادة السابقة (…. وذلك دون إخلال بمسؤولية الشخص الطبيعي التابع له).
وعلى ذلك، فإن العقوبات الواردة في المادة الثانية تنطبق أيضاً وفق حالتيها على الشخص الإعتباري أو بتعبير أدق على الشخص الطبيعي التابع للشخص الإعتباري وهو الشخص المرتكب للجريمة على الأرض.
ووفق ما قضت به المادة الثانية من عقوبات فإنه يجب التفريق بين حالتين للعقاب:
- الحالة الأولى: هي العقوبات المقررة لجريمة الإتجار بالبشر في الأحوال العادية.
- الحالة الثانية: هي العقوبات المقررة لجريمة الإتجار بالبشر في أحوال وظروف معينة وهي عقوبة أشد.
وتفصيل ذلك فيما يلي:
الحالة الأولى: هي حالة إرتكاب الجريمة في الأحوال العادية:
قد بينت ذلك الفقرة الأولى من المادة الثانية بقولها (يعاقب كل من إرتكب أياً من جرائم الإتجار بالبشر المنصوص عليها في المادة (1) مكرر 1 من هذا القانون بالسجن المؤقت الذي لا تقل مدته عن خمس سنوات و بالغرامة التي لا تقل عن مائة ألف درهم).
الحالة الثانية: هي حالة إرتكاب الجريمة في أحوال معينة:
هذه الحالات هي ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة الثانية وتتمثل هذه الأحوال فيما يلي:
- إذا كان الضحية طفلاً أو معاقاً.
- إذا إرتكب الفعل بطريقة التهديد بالقتل أو بالأذى الجسيم أو أعمال تعذيب بدنية أو نفسية أو كان الجاني يحمل سلاحاً.
- إذا كان مرتكب الجريمة قد أسس أو أدار جماعة إجرامية منظمة أو كان أحد أعضائها أو شارك في أفعالها مع علمه بأغراضها.
- إذا كان مرتكب الجريمة زوجاً للضحية أو أحد أصوله أو فروعه أو كانت له سلطة عليه.
- إذا كان موظفاً عاماً أو مكلفاً بخدمة عامة إستغل وظيفته أو ما كلف به في إرتكاب الجريمة.
- إذا كانت الجريمة ذات طابع عبر وطني.
- إذا أصيب الضحية بسبب الجريمة بمرض لا يرجى الشفاء منه أو إعاقة دائمة.
والعقوبة المقررة على أياً من الحالات السابقة هي السجن المؤبد.
وعلى ما تقدم، فإنه إذا ارتكب الشخص الإعتباري جريمة الإتجار بالبشر مع توافر أية حالة من الأحوال السابقة يخضع الشخص الطبيعي التابع له لعقوبة السجن المؤبد.
الخاتمة
تناولنا من خلال هذه الدراسة موضوع بالغ الأهمية -من وجهة نظرنا- وهو جريمة الإتجار بالبشر إذا وقعت وتم إقترافها من جانب الشخص المعنوي (الإعتباري)، وهذه الدراسة في القانون العماني مقارناً بالقانون المصري والقانون الإماراتي.
وذلك بإعتبار أن هذه الجريمة -جريمة الإتجار بالبشر بصفة عامة- من موضوعات الساعة، ولما كانت هذه الجريمة ترتكب في أحيان بصفة فردية، وفي أحيان كثيرة ترتكب من قبل عصابات منظمة وترتكب من قبل أشخاص معنوية (اعتبارية) في أحيان أخرى وذلك بإعتبارها جريمة ترتكب عبر الحدود الوطنية لأي دولة، وهي جريمة عابرة للحدود والأوطان، كان لابد من القاء الضوء على هذه الجريمة خاصة عندما ترتكب من جانب الشخص المعنوي (الإعتباري) وذلك من أجل تحديد ماهية الجريمة من حيث تعريفها وطبيعتها وخصائصها وأسبابها ومعرفة الأركان العامة للجريمة، ثم تبيان النموذج القانوني لجريمة الإتجار بالبشر عندما ترتكب من قبل الشخص الإعتباري خاصة، محددين كذلك المسؤولية الجنائية ضد من تكون في هذه الحالة، وأيضاً العقوبة المقررة في القانون، وهذه الدراسة -كما بينا- في القانون العماني والمصري والإماراتي، موضحين كذلك الفرق بين القوانين الثلاثة في هذا الموضوع.
ومن خلال هذه الدراسة خرجنا ببعض النتائج والتوصيات نسوق بعضها فيما يلي:
أولاً: النتائج:
- أن جريمة الإتجار بالبشر -بصفة عامة- هي من الجرائم التي ترتكب (عبر وطني) وهو مصطلح للتعبير عن هذه الجريمة عندما ترتكب عبر الدول المختلفة في كل التشريعات المقارنة.
- إن جريمة الإتجار بالبشر في معظم الأحيان ترتكب بواسطة مجموعات إجرامية منظمة، لذا فهي لها الصفة الدولية في غالب الأحيان.
- إن جريمة الإتجار بالبشر قد ترتكب من جانب الشخص المعنوي (الإعتباري) وهذا قد يحدث في أحيان كثيرة، لهذا فإن كل التشريعات المقارنة نصت على هذه الجريمة عندما ترتكب من جانب الشخص المعنوي.
- إن جريمة الإتجار بالبشر تختلف شروط قيامها في حق مرتكبيها بحسب المجني عليه فيها، فإذا كان بالغاً أو شخصاً عادياً هناك شروط خاصة لقيام الجريمة في حق الجاني، وكذلك إذا كان المجني عليه حدثاً (طفلاً) تختلف شروط قيام الجريمة في حق الجاني.
وأخيراً إذا كان الجاني شخصاً معنوياً (اعتبارياً) تختلف شروط قيام الجريمة في حقه بكونة أولاً شخصاً معنوياً (اعتبارياً) وبكون الجريمة أيضاً المجني عليه فيها بالغاً (أو شخصاً عادياً) أم طفلاً (حدثًا) فكل حالة لها شروط محددة لقيام الجريمة في هذه الحالة في جانب الشخص المعنوي.
- حددت التشريعات المختلفة شخصاً معيناً يتحمل المسؤولية الجنائية في حالة إقتراف الجريمة من قبل الشخص المعنوي فمنها ما حدد المسؤول جنائياً بأنه هو المسؤول عن الإدارة، وبعضها حدد المسؤول عن الإدارة الفعلية للشخص المعنوي -وذلك كما بينا في صلب البحث سابقا.
- إختلفت العقوبة المقررة في بعض التشريعات بالنسبة لحالة اقتراف الجريمة من قبل الشخص المعنوي (الإعتباري) فمنهم من حددها بالغرامة والغلق للنشاط أو غير ذلك تدابير، وبعض التشريعات الأخرى حددت عقوبات سالبة للحرية صريحة وكذلك جزاءات أخرى كالغلق للكيان المعنوي نفسه بالإضافة إلى عقوبة الغرامة.
ثانياً: التوصيات:
- ضرورة تفعيل المساعدة القانونية والقضائية والمتمثلة في التحقيقات والإجراءات القضائية المختلفة كشهادة الشهود والخبرة الفنية فيما بين الدول.
- ضرورة تبادل المعلومات بين الدول فيما يتعلق بجرائم الإتجار بالبشر، بغية كشف هذه الجرائم والعمل على الحد من تلك التنظيمات التي تعمل في الإتجار بالبشر.
- ضمان ملاحقة الأشخاص المسؤولين عن اقتراف جرائم الإتجار بالبشر بشتى الطرق والنص في المعاهدات والقوانين الداخلية للدول على عدم سقوط هذه النوعية من الجرائم بالتقادم.
- فرض عقوبات شديدة وأكثر قسوة مما هو قائم ضد مؤسسات التوظيف وأرباب العمل وشركات جلب العمالة الذين ينتهكون حقوق العمال بإعتبار ذلك يمثل إتجاراً بالبشر.
- ضرورة توحيد العقوبات على مستوى الاتفاقيات الدولية والمعاهدات بالنسبة للأشخاص الإعتبارية المرتكبة جريمة الإتجار بالبشر، وضرورة أن تكون العقوبة سالبة للحرية -وليست الغرامة والغلق- وأن تكون موجه ضد مسؤول بعينة ممن يتولون قيادة الشخص المعنوي وليكن الشخص المسؤول عن الإدارة الفعلية كما فعلت بعض التشريعات.
وذلك بإعتبار أن العقوبة السالبة للحرية هي العقوبة الوحيدة الرادعة في حالة إرتكاب الجريمة من قبل الشخص المعنوي (الإعتباري)، ذلك أن عقوبة الغرامة والغلق لا تؤديان إلى الحد من هذه الظاهرة على مستوى إرتكابها من جانب الشخص المعنوي.
المراجع والمصادر
أ- الكتب:
- د. أكرم عبدالرازاق المشهداني، جرائم الإتجار بالبشر، المنظمة العربية للتنمية الإدارية، القاهرة، 2013.
- د. إيناس محمد البهيجي، جرائم الإتجار بالبشر، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، الطبعة الأولى،2013.
- د. المتولي الشاعر، تعريف الجريمة وأركانها من وجهة نظر مستحدثة، دار الكتب القانونية، 2004.
- د. حامد سيد محمد حامد، الإتجار في البشر كجريمة منظمة عابرة الحدود، القومي للإصدارات القانونية، الطبعة الأولى، القاهرة،2010م.
- د. رءوف عبيد السببية الجنائية بين الفقه والقضاء، دراسة تحليلية مقارنة، دار الفكر العربي، 1984.
- د. سوزي عدلي ناشد، الإتجار بالبشر بين الإقتصاد الخفي والإقتصاد الرسمي، مكافحة مصر لظاهرة الإتجار بالبشر، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 2011.
- د. عبدالحافظ عبدالهادي عبدالحميد، الآثار الاقتصادية والاجتماعية لظاهرة الإتجار بالأشخاص، بحث ضمن كتاب مكافحة الإتجار بالاشخاص والأعضاء البشرية، جامعة نايف للعلوم الأمنية، مركز الدراسات والبحوث، الرياض، 2005.
- د. عبدالرؤوف مهدي، المسؤولية الجنائية في الجرائم إلاقتصادية، مطبعة المدني، 1976.
- د. عبدالرؤوف مهدي، شرح القواعد العامة لقانون العقوبات، بدون ناشر وبدون تاريخ.
- د. عبدالعظيم الوزير، إفتراض الخطأ كأساس للمسؤولية الجنائية، دار النهضة العربية، 1988.
- د. عمر السعيد رمضان، الركن المعنوي في المخالفات،1959.
- د. علي عبدالقادر القهوجي، شرح قانون العقوبات، القسم العام.
- د. غنام محمد غنام وتامر محمد صالح، قانون الجزاء، القسم العام، نظرية الجريمة، 2015.
- د. فتحية محمد قواراري، المواجهة الجنائية لجرائم الإتجار بالبشر، دراسة في القانون الإماراتي المقارن، مجلة الشريعة والقانون، كلية القانون، جامعة الإمارات العربية، 2009.
- د. محمد علي العريان، عمليات الإتجار بالبشر وآليات مكافحتها، دراسة مقارنة، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2001.
- د. محمود نجيب حسني، النظرية العامة للقصد الجنائي، دراسة تأصيلية مقارنة للركن المعنوي في الجرائم العمدية، دار النهضة العربية.
- د. محمود السيد داود، التدابير الدولية لمكافحة الإتجار بالنساء، دار الكتب القانونية، القاهرة، 2006.
- د. ناهد رمزي وآخرون، استغلال الأطفال في العمل في إطار الإتجار بالبشر، مشروع بحوث الإتجار بالبشر في المجتمع المصري، المركز القومي للبحوث الإجتماعية والجنائية، القاهرة 2010م.
- د. نجوى خليل، التصدي لإستغلال الأطفال في أسوأ أشكال الأعمال، مشروع بحوث الإتجار بالبشر في المجتمع المصري، المركز القومي للبحوث الإجتماعية والجنائية، القاهرة، 2010م.
- د. هاني السبكي، عمليات الإتجار بالبشر في ضوء الشريعة الإسلامية والقانون الدولي وبعض التشريعات العربية والأجنبية، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، 2010.
ب- القوانين والبروتوكولات:
- قانون مساءلة الأحداث العماني الصادر في 1 ربيع الأول 1429 هـ الموافق 9 مارس 2008 ورقمة 30/2008.
- قانون الطفل العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 22 لسنة 2014.
- قانون مكافحة الإتجار بالبشر العماني الصادر في 24 ذي القعدة 1429هـ الموافق 23 نوفمبر 2008، رقمه 126 لسنة 2008.
- قانون مكافحة الإتجار بالبشر بجمهورية مصر العربية رقم 64 لسنة 2010 الصادر في 9 مايو 2010.
- قانون مكافحة الإتجار بالبشر الإماراتي 51 لسنة 2006 والمعدل بالقانون رقم 1 لسنة 2015.
- بروتوكول الأمم المتحدة للإتجار بالأشخاص المكمل لإتفاقية الأمم المتحدة ضد الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية لعام 2000.
القانون العربي الاسترشادي لمكافحة جرائم الإتجار بالبشر، الإمانة العامة، إدارة الشؤون القانونية، الامانة الغنية لمجلس وزراء العدل العرب.
([2]) أميرة محمد بكر البحيري، الإتجار بالبشر وخاصة الأطفال من وجهة النظر العلمية والنفسية والاجتماعية والقانونية، دار النهضة العربية، القاهرة، 2001، ص 31.
([3]) سعيد علي قاسم، شرح قانون الإتجار بالبشر العماني، دراسة مقارنة بين التشريعات العربية والأجنبية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2011، ص 30.
([4]) إيناس محمد البهيجي، جرائم الإتجار بالبشر، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، الطبعة الأولى، 2013، ص 61.
([5]) عبد الحافظ عبد الهادي عبد الحميد، الآثار الاقتصادية والاجتماعية لظاهرة الإتجار بالأشخاص، بحث ضمن كتاب مكافحة الإتجار بالأشخاص والأعضاء البشرية، جامعة نايف للعلوم الأمنية، مركز الدراسات والبحوث، الرياض، 2005، ص 399.
([6]) سوزي عدلي ناشد، الإتجار بالبشر بين الاقتصاد الخفي والاقتصاد الرسمي، مكافحة مصر لظاهرة الإتجار بالبشر وفقاً للقانون رقم 64 لسنة 2010، دار المطبوعات الجامعية، الأسكندرية، 2011، ص 16.
([7]) فتحية محمد قواراي، المواجهة الجنائية لجرائم الإتجار بالبشر، دراسة في القانون الإماراتي المقارن، مجلة الشريعة والقانون، كلية القانون، جامعة الإمارات العربية، عدد 40، سنة 2009، ص 175.
([8]) محمود السيد داوود، التدابير الدولية لمكافحة الإتجار بالنساء في القانون الدولي العام والفقه الإسلامي، دراسة مقارنة، دار الكتب القانونية، دار شتات للنشر والبرمجيات، مصر، 2010، ص 20. وأيضاً: مهدي محمد الشمري، الجهود الدولية لمكافحة الإتجار بالبشر، ورقة مقدمة لمؤتمر مكافحة الإتجار بالبشر، وزارة الداخلية، أبوظبي، بتاريخ 24-25 مايو 2004 ص 7.
([9]) محمد علي العريان، عملية الإتجار بالبشر وآليات مكافحاتها، دراسة مقارنة، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2011، ص 30.
([10]) محمد مختار القاضي، الإتجار بالبشر، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2011، ص 61.
([11]) محمد مختار القاضي، المرجع السابق، ص 62.
([12]) يعرف القانون رقم 5 لسنة 2010 المصري بشأن تنظيم زرع الأعضاء البشرية جريمة الإتجار بالبشر بأنها أي عمل من شأنه التعامل في الشخص بالبيع أو عرضه للبيع أو شرائه بهدف استغلاله جنسياً أو للعمل القسري أو استئصال أعضائه بالتهديد أو باستغلال عوزه وفقره أو بالإحتيال عليه.
([13]) المتولي الشاعر، مكافحة الإتجار بالبشر في التشريع العماني، دراسة تحليلية مقارنة، 2018، الناشر دار الكتاب الجامعي دولة الامارات العربية المتحدة 2021، ص 39.
([14]) فايز محمد حسين، قانون مكافحة الإتجار بالبشر في مصر وحماية حقوق الإنسان، مجلة الحقوق للبحوث القانونية، كلية الحقوق جامعة الإسكندرية، العدد الثاني، 2010، ص 371.
([15]) تم إضافة هذه المادة بموجب القانون الإتحادي رقم 1 لسنة 2015 بتعديل بعض أحكام القانون الإتحادي رقم 51 لسنة 2006.
([16]) عبدالفتاح الصيفي، مصطفى عبدالحميد كاره، أحمد محمد الكحلاوي، الجريمة المنظمة (التعريف والأنماط والإتجاهات) جامعة نايف للعلوم الأمنية، مركز الدراسة والبحوث، الرياض، 1999،ص5.
([17]) دهام اكرم عمر، جريمة الاتجار بالبشر، دراسة مقارنة، دار الكتب القانونية، مصر، 2011 ص53.
([18]) مثل القانون الإماراتي والبحريني.
([19]) طالب خيره، جرائم الإتجار بالأشخاص والأعضاء البشرية في التشريع الجزائري والاتفاقيات الدولية، رسالة دكتوراه، جامعة أبي بكر با قايد، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم الحقوق، 2017-2018، ص 50.
([20]) حامد سيد محمد حامد، الإتجار بالبشر كجريمة منظمة عابرة للحدود الوطنية بين الأسباب والتدعيات والرؤى الاستراتيجية، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، 2001، ص 19.
([21]) دهام اكرم عمر، المرجع السابق، ص73.
([22]) محمد مختار القاضي، الإتجار بالبشر، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2011، ص 71.
([23]) انظر ما قلناه سلفاً في مقدمة هذه الدراسة.
([24]) محمد مختار القاضي، مرجع سابق، ص 70.
([25]) سليمان عبد المنعم، النظرية العامة لقانون العقوبات، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2000، ص 295.
([26]) عوض محمد عوض، قانون العقوبات، القسم العام، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1988، ص 38.
([27]) دهام أكرم عمر، المرجع السابق، ص 71.
([28]) خاصة في دول شرق آسيا وأفريقيا، إنظر حامد سيد محمد حامد، المرجع السابق، ص 26.
([29]) سعيد أحمد علي قاسم، شرح قانون الإتجار بالبشر العماني، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2011، ص 30.
([30]) حامد سيد حامد، المرجع السابق، ص27.
([31])هاني السبكي، عمليات الاتجار بالبشر في ضوء والشريعة الاسلامية والقانون الدولي وبعض التشريعات العربية والأجنبية، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، 2010،ص119.
([32]) ايناس محمد البهيجي، جرائم الإتجار بالبشر، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، الطبقة الأولى،2013،ص95.
([33]) حامد سيد محمد حامد، الإتجار في البشر كجريمة منظمة عابرة للحدود الوطنية بين الأسباب التداعيات والرؤى الاستراتيجية، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة،ط2001،ص27.
([34]) احمد محمد حامد، المرجع السابق،ص161.
([35]) أثبتت عدة دراسات أجريت في كل من جنوب افريقيا وكولومبيا، مصر، المكسيك، إلى وجود علاقة وثيقة بين العنف ضد المرأة والعنف ضد الطفل: انظر
KRug .world.Reporton violence and health world organization, Geneve 2020.p59.
([36]) محمد علي العريان، عمليات الإتجار بالبشر وآليات مكافحتها، دراسة مقارنة، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية،2001،ص41. وانظر كذلك، حامد سيد حامد، مرجع سابق،ص29.
([37]) طالب خيرة، جرائم الإتجار بالأشخاص والأعضاء البشرية في التشريع الجزائري والاتفاقيات الدولية، مرجع سابق،ص65.
([38]) د. المتولي الشاعر، تعريف الجريمة وأركانها من وجهة نظر مستحدثة، دار الكتب القانونية، 2004،ص56.
([39]) طالب خيرة، المرجع السابق، ذات الموضع.
([40]) د. المتولي الشاعر، تعريف الجريمة وأركانها من وجهة نظر مستحدثة، مرجع سابق، ذات الموضع.
([41]) المادة 225 فقرة 1و4 من قانون العقوبات الفرنسي، المضافة بالقانون رقم 239 لسنة 2003.
([42]) المادة 18/77-1090 من قانون حماية ضحايا الإتجار والعنف لعام 2000 المعدل لسنة 2008.
([43]) انظر المادة 2 من القانون المصري رقم 64 لسنة 2010 بشأن مكافحة الإتجار بالبشر، المادة 1 و2 منه.
([44]) القانون رقم 126 لسنة 2008، المادة 2 منه.
([45]) انظر المادة الثانية من المرسوم السلطاني رقم 126 لسنة 2008 بإصدار قانون مكافحة الإتجار بالبشر.
([46]) انظر الفقرة الثانية من المادة الثانية -من القانون رقم 126 لسنة 2008 بشأن مكافحة الإتجار بالبشر.
([47]) القانون رقم 64 لسنة 2010 شأن مكافحة الإتجار بالبشر.
([48]) انظر المادة 2 من القانون 126 لسنة 2008 بشأن مكافحة الإتجار بالبشر.
([49]) سيأتي عرض لهذه الوسائل المستعملة في إرتكاب السلوك الإجرامي عند تحدثنا عن علاقة السببية، حيث أن علاقة السببية في هذه الجريمة لها طبيعة خاصة.
([50]) المادة الثانية من القانون 64 لسنة 2010 بشأن مكافحة الإتجار بالبشر.
([51]) المادة 1 مكرر (1) من القانون الاتحادي رقم 51 لسنة 2006 في شأن مكافحة الإتجار بالبشر المعدل بالقانون رقم 1 لسنة 2015.
([52]) سيأتي شرح القصد المتطلب في هذه الجريمة لاحقاً.
([53]) د. رؤوف عبيد، السببية الجنائية بين الفقه والقضاء، دراسة تحليلية مقارنة، دار الفكر العربي، 1984.
([54]) نقض 27 يناير سنة 1959، مجموعة أحكام النقض، س10 رقم 23 ص 91.
([55]) د. غنام محمد غنام وتامر محمد صالح، قانون الجزاء، القسم العام، نظرية الجريمة، ص 168.
([56]) د. غنام محمد غنام، د. تامر محمد صالح، المرجع السابق، ص 169.
([57]) د. عبدالرؤوف مهدي، المسؤولية الجنائية في الجرائم الاقتصادية، مطبعة المدني، 1976،ص111.
([58]) عبدالعظيم مرسي وزير، افتراض الخطأ كأساس للمسؤولية الجنائية، دار النهضة العربية، 1988، ص77.
([59]) د. عبدالرؤوف مهدي، شرح القواعد العامة لقانون العقوبات بدون ناشر أو تاريخ ص 200.
([60]) انظر عكس ذلك؛ د. عمر السعيد رمضان، الركن المعنوي في المخالفات، 1959 ص12.
([61]) د. علي عبدالقادر القهوجي، شرح قانون العقوبات القسم العام،ص39.
([62]) د. محمود نجيب حسني، النظرية العامة للقصد الجنائي، دراسة تأصيلية مقارنة للركن المعنوي في الجرائم العمدية، دار النهضة العربية،ص50.
([63]) د. سعيد أحمد علي قاسم، المرجع السابق،ص77.
([64]) انظر ما سبق في شرح الركن المادي لهذه الجريمة.
([65]) انظر ما سبق في شرح الركن المادي لهذه الجريمة.
([66]) إنظر السلوك الإجرامي من حيث الأفعال والوسائل في جريمة الإتجار بالبشر في القوانين المقارنة، فيما سبق.
([67]) د. محمود نجيب حسني، المرجع السابق، 628.
([68]) وذلك كالمشرع العماني: انظر المادة 2 من قانون مكافحة الإتجار بالبشر، سابق الإشارة إليها.
([69]) وذلك كالمشرع المصري: انظر المادة 2 من قانون مكافحة الإتجار بالبشر، سابق الإشارة إليها.
([70]) وذلك وفق أحكام القانون العماني، انظر المادة 2 من قانون مكافحة الإتجار بالبشر رقم 126/2008.
([71]) وهي ما تسمى لدينا بالجريمة التامة المادية كصورة من جرائم الإتجار بالبشر -انظر المطلب السابق.
([72]) انظر المبحث السابق، المطلب الخامس.
([73]) انظر المبحث الأول، المطلب الخامس منه.
([74]) انظر المبحث الأول، المطلب الخامس (الأركان العامة لجريمة الإتجار بالبشر).
([75]) المادة 21 من قانون الجزاء العماني الجديد، الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 7 لسنة 2018.
([76]) انظر المطلب السابق مباشرة.
([77]) انظر المبحث السابق (المبحث الأول) المطلب الخامس (البنيان القانوني لجريمة الإتجار بالبشر).
([78]) انظر الفقرة الثانية من المادة الثانية المعدلة من قانون مكافحة الإتجار بالبشر الإماراتي محل الدراسة، وسيأتي عرض لهذه المادة لاحقاً فيما يتعلق بالعقوبة المقررة للشخص الإعتباري.
([79]) شروط جريمة الإتجار بالبشر إذا وقعت ضد الشخص البالغ أو العادي.
([80]) انظر المطلب الخامس من المبحث الأول، فيما سبق.
([81]) تم تعديل هذه المادة بموجب القانون الاتحادي رقم 1 لسنة 2015 بتعديل بعض أحكام القانون الاتحادي رقم 51 لسنة 2006 في شأن مكافحة جرائم الإتجار بالبشر.
اضغط هنا