في الواجهةمقالات قانونية

عبد الإله شني : الأمراض المهنية والمرض المترتب عن فيروس كورونا أية علاقة ممكنة؟

 

  • صاحب المقالة: عبد الإله شني.
  • باحث في سلك الدكتوراه.
  • التخصص: القانون الخاص، قانون الأعمال.
  • الموضوع: الأمراض المهنية والمرض المترتب عن فيروس كورونا أية علاقة ممكنة؟

 

 

 

تقديم.

تعد جائحة فيروس “كورونا- كوفيد19” كارثة خطيرة تواجه دول العالم، وذلك بسبب سرعة انتشارها، وما تخلفه من آثار وخيمة بشريا واقتصاديا، وإذا كانت قرارات معظم دول المعمورة تنصب على لزوم المنازل “الحجر الصحي”، وحفاظا على الاقتصاد الوطني، وتنافسية المقاولة واستمرارية عقود الشغل، فإن بعض الأجراء في حل من هذه الإجراءات، وحماية لهؤلاء فإن المشرع المغربي قد أولى اهتماما كبيرا لموضوع إلزام المشغل لحفظ صحة تابعيه “الأجراء” وسلامتهم عند تأديتهم للعمل. ومهما كانت الاحتياطات المتخذة، فإن الأجير يبقى مهددا بالإصابة بسبب نقل الفيروس المذكور سواء عبر أدوات العمل، أو بسبب المشغل أو أحد تابعيه.

ولئن كان المشرع المغربي قد سن تقنينا يضمن للأجراء حق الاستفادة من التعويضات عن الأمراض المهنية، وذلك بصريح المادة 11 الناصة على أن أحكام القانون 18.12 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل تطبق على الأجراء والمستخدمين المصابين بأمراض مهنية طبقا للشروط المحددة في النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالأمراض المهنية، فإن موضوع هذه المقالة يثير إشكالية تتعلق بمدى اعتبار فيروس كورونا كوفيد 19 مرضا مهنيا، يقتضي تفعيل أحكام القانون المشار إليه، أم يعد مرضا عاديا يستوجب تطبيق مقتضيات نصوص حمائية أخرى.

لمعالجة الإشكالية ارتأينا تقسيم الموضوع إلى مبحثين، سنتناول في المبحث الأول تحديد المفهوم القانوني للمرض المهني، ثم نتطرق بعد ذلك إلى الأساس القانوني للتعويض عن الإصابة بفيروس “كورونا” سواء بالنسبة للأجير أو ذوي حقوقه بعد وفاته، وذلك من خلال المبحث الثاني.

المبحث الأول: المفهوم القانوني للمرض المهني.

لتناول هذا المبحث، سنبحث أولا تحديد مفهوم المرض المهني، وتمييزه عن المرض العادي (المطلب الأول)، ثم نتطرق لأصنافه، وشروطه، للإجابة عن التساؤل المتعلق بعلاقة كورونا كوفيد 19 بالمرض المهني (المطلب الثاني).

المطلب الأول: مفهوم المرض المهني، وتمييزه عن المرض العادي.

سنتولى تسليط الضوء على مفهوم المرض المهني من خلال الفقرة الأولى، ثم نميزه عن المرض العادي وفق فقرة ثانية.

الفقرة الأولى: مفهوم المرض المهني.

يجمع الفقه على أنه من الصعوبة وضع تعريف دقيق، جامع ومانع لمفهوم المرض المهني، ذلك أنه من الناحية الطبية ليس من السهل وضع حدود فاصلة بين المرض المهني والمرض العادي، وذلك لصعوبة إثبات علاقة المرض بطبيعة العمل المنجز من قبل الأجير، نظرا لاختلاف فترة التعرض لمخاطر المهنة ومدى مزاولتها، فضلا عن اختلاف الأجراء أنفسهم من ناحية الاستعداد لتقبل المرض إيجابا أو سلبا، لاختلاف الحالة البيولوجية من شخص لآخر[1].

وإذا كان المشرع المغربي لم يعرف، ولم يتعرض في القانون 18.12 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل للمقتضيات المطبقة على الأمراض المهنية، وإنما اكتفى في المادة 11 بالنص على تطبيق أحكام القانون المذكور على الأجراء، والمستخدمين المصابين بأمراض مهنية، طبقا للشروط المحددة في النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالأمراض المهنية، فإنه وأمام غياب تشريعي، اكتفى المشرع المغربي في الفصل 2 من ظهير 31 ماي [2]1943 بإبراز أنواع الأمراض المعتبرة مهنية حيث ورد فيه أنه:” تعتبر كأمراض مهنية حسب معنى ظهيرنا الشريف هذا كل العلل المؤلمة والأمراض المتسببة عن الجراثيم التعفنية وكذلك الأمراض المبينة في قرار وزير الشغل والشؤون الاجتماعية المتخذ بعد استشارة وزير الصحة العمومية والعائلة، ويشمل هذا القرار جداول يبين فيها بدقة ووضوح مايلي:

أولا: مظاهر أمراض التسميم الحادة أو المزمنة التي تتجلى في العملة المعرضين عادة لعوامل مواد سامة بسبب إنجاز أشغال تتطلب ممارسة أو استخدام عناصر سامة وقد أشير في القرار على سبيل الإرشاد إلى أهم تلك العناصر.

ثانيا: الأمراض المتسببة عن الجراثيم التعفنية والتي تداهم من يشتغل عادة بالأعمال المبينة في الجداول المشار إليها أعلاه.

ثالثا: الأمراض الناتجة عن الوسط الذي يوجد فيه العامل أو عن الوضعيات التي يلزمه اتخاذها لإنجاز شغل من الأشغال المبينة بنفس الجداول المذكورة”.

تأسيسا على ما سبق، نقول على أن المرض المهني كل مرض يحل بالأجير بسبب مزاولته للشغل أو بمناسبته، وكل تسمم يلحقه بسبب نوعية المواد المستعملة.

الفقرة الثانية: تمييز المرض المهني عن المرض العادي.

يتميز المرض المهني عن المرض العادي في أن الأول يكون نتيجة مزاولة الأجير لنشاطه المهني في ظل ظروف أو بيئة، أو أوضاع غير صحية، أو نتيجة الاحتكاك بمواد ذات عناصر سامة مضرة بصحة الإنسان، أو نتيجة الإصابة داخل المؤسسة المشغلة بالتهابات ميكروبية، في حين أن المرض العادي لا تكون له أية علاقة بالنشاط المهني للأجير، وإنما هو مجرد اعتلال يطرأ على صحة أي إنسان[3].

وتتجلى فائدة التمييز بين المرضين المشار إليهما في كون الإصابة بمرض مهني تخول للأجير المضرور الاستفادة من التعويض على أساس مقتضيات القانون 18.12 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل، بخلاف المرض العادي، الذي يعوض عنه في إطار التعويضات اليومية عن المرض الممنوحة من طرف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي[4].

المطلب الثاني: تصنيف الأمراض المهنية، وشروطها.

مما لا شك فيه أن المرض المهني لا يمكن التعرف عليه انطلاقا من قاعدة علمية، أو معيار قانوني، وإنما يمكن استخراجه من ضمن التعداد الوارد في القوائم التي حصر بواسطتها المشرع أنواع الأمراض المهنية وصنفها (الفقرة الأولى)، وبناء عليه فلا يعتبر أي مرض يلحق الأجير إلا بتوافر شروط محددة قانونا (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تصنيف الأمراض المهنية.

تولى المشرع المغربي تقسيم الأمراض المهنية إلى ثلاثة أصناف[5]  نوردها على النحو أدناه:

أولا: أمراض التسمم المزمنة أو الحادة، وهي الأمراض التي تصيب الأجراء الذين يشتغلون باحتكاك دائم مع مواد سامة، ويلاحظ أن هذا التصنيف ينقسم إلى لائحتين: لائحة بأسماء الأمراض  واردة على سبيل الحصر لا الإرشاد، ولائحة بأسماء الأشغال التي قد تتسبب فيها، واردة على سبيل المثال لا الحصر.

ثانيا: الالتهابات الميكروبية، وهي أمراض تداهم الأجراء الذين يشتغلون بانتظام في أنواع الأشغال التي تسببها، وقد أوردها المشرع على سبيل الحصر، ونذكر منها: أمراض الجمرة الخبيثة ( مرض الشاربون) والكزاز المهني…

ثالثا: الأمراض الناجمة عن المحيط أو الوسط الذي يوجد فيه الأجير، وهي أمراض مرتبطة بمحيط وبيئة الشغل وظروفه كما في حالة الاشتغال بمكان شديد البرودة، أو الاشتغال في أماكن ضعف الإضاءة…ويقدم هذا التصنيف على  سبيل الحصر لا المثال.

الفقرة الثانية: شروط  اعتبار المرض مهنيا.

من أجل أن يتمكن الأجير من المطالبة بالتعويضات المنصوص عليها في القانون 18.12 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل، فلا يكفيه أن يكون مصابا بأي مرض بل لابد من أن تتوفر في هذا الأخير  الشروط المنصوص عليها قانونا، وبالرجوع إلى ظهير 31 ماي 1943 كما وقع تغييره أو تتميمه يتضح أن على الأجير المصاب بالمرض:

أولا: أن يثبت بواسطة الشهادة الطبية المضافة إلى التصريح عن المرض، أنه مصاب بإحدى الأمراض المهنية الوارد تعدادها في اللوائح الملحقة بظهير 31 ماي 1943 المشار إليه.

ثانيا: أن يثبت أنه عمل بانتظام في الشغل أو الاشتغال التي حددها المشرع كأسباب لهذا المرض أو في الأعمال التي يمكن أن تؤدي إلى ظهوره.

ثالثا: أن يرفع الأجير المصاب للدعوى خلال مدة قيام مسؤولية المشغل، فلا يكفي الأجير المصاب بمرض أن يثبت أن هذا المرض مرض مهني بنص القانون وأنه اشتغل طيلة الفترة اللازمة بمحيط ينتج عنه الإصابة بمثل هذا المرض للحصول على تعويض، بل لا بد له من إقامة دعوى في مواجهة المشغل أو مؤمنه خلال الآجال التي يبقى فيها المشغل مسؤولا عن تلك الأمراض.

مما سبق نلاحظ على أنه لكي يعد المرض مرضا مهنيا، يخول الأجير المصاب به أو ذوي حقوقه في حالة وفاته الحق في التعويض أو الإيراد حسب الحالة، يتعين أن تنطبق عليه الشروط التي حددناه أعلاه، لكن السؤال المطروح يتعلق بمدى اعتبار الإصابة بفيروس “كورونا كوفيد 19” مرضا مهنيا، يخول الأجير المصاب به أو لذوي حقوقه في حالة وفاته الاستفادة من مقتضيات القانون 18.12 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل.

عطفا على التصنيف المحدد سلفا، وبناء على الشروط المبينة أعلاه، وبالرجوع إلى قرار وزير التشغيل[6] المحددة للأمراض المهنية من خلال الجداول المضمنة فيه نستنتج على أن فيروس كورونا كوفيد 19، الذي يصيب الجهاز التنفسي[7] لا يعد مرضا مهنيا، اللهم فيما يتعلق بالأعمال المنجزة من قبل الأعوان الطبيين أو مماثليهم في المختبر أو مصلحة الصيانة أو المصالح الاجتماعية، والتي يترتب عنها إصابة هؤلاء بالفيروس المذكور[8].

وترتيبا عليه فإنه وباستثناء أجراء الأوساط الاستشفائية الذين يمكنهم الاستفادة من مقتضيات القانون 18.12 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل في حالة إصابتهم بالفيروس المشار إليه، وعند توافر الشروط المبينة أعلاه، فإن المصابين بكوفيد 19 من أجراء القطاعات الأخرى لا يستفيدون من أحكام القانون 18.12 المذكور، باعتباره مرضا عاديا يخول المصاب مادام ناتجا عن الشغل، الرجوع على المشغل وفق القواعد العامة للمسؤولية، وإذا أخفق فإن حقوقه لا تتضرر كثيرا مادام بإمكانه الحصول على تعويضات الضمان الاجتماعي، المقدمة عن العجز الناتج عن مرض غير المرض المهني. وهذا ما سنفصل  فيه من خلال المبحث الثاني.

المبحث الثاني: الأساس القانوني للتعويض عن الإصابة بفيروس كورونا كوفيد19.   

إذا كانت مقتضيات القانون المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية لا تسعف الأجير المصاب بفيروس كورونا كوفيد 19، باعتبار هذا الأخير مرضا عاديا، فإن العدالة تقتضي تمكين المصاب في هذه الحالات من رفع دعوى التعويض على مشغله وفق القواعد العامة للمسؤولية (المطلب الأول)، وإلا فيمكنه اللجوء إلى أحكام الضمان الاجتماعي لاقتضاء حقه (المطلب الثاني).

المطلب الأول: التعويض وفق القواعد العامة للمسؤولية.

سنقسم هذا المطلب إلى فقرتين نتناول في الفقرة الأولى المسؤولية التقصيرية للمشغل عن أخطائه المتسببة في نقل فيروس كورونا كوفيد 19، ثم نتطرق في الفقرة الثانية إلى مسؤولية المشغل باعتباره مسؤولا عن أخطاء من هم في عهدته، وحارسا للشيء.

الفقرة الأولى: مسؤولية المشغل التقصيرية عن أخطائه، المتسببة في نقل فيروس كورونا كوفيد 19.

إن الأجير الذي لا يكيف مرضه أو وفاته الناجم عن الإصابة بفيروس كورونا كوفيد 19، بالمرض المهني رغم اتصاله بشغله الذي يوجد في حلقة مفرغة ناتجة عن تحديد الأمراض المهنية على سبيل الحصر، يمكنه الرجوع على مشغله، وقد أصيب جراء الشغل، وفق قواعد المسؤولية التقصيرية، وخصوصا مقتضيات الفصلين 77 و78 من ظهير الالتزامات والعقود، وبالتالي فإن الأجير المصاب أو ذويه من بعده، لا يستطيع الحصول على التعويض إلا إذا أثبت خطأ في جانب مشغله، ونشوء ضرر عن هذا الخطأ وقيام علاقة سببية بين الخطأ والضرر.

وإذا كان من السهل إقامة الدليل على الشرطين الأخيرين (الضرر والعلاقة السببية)، فإن كل الصعوبات تكمن بالنسبة للأجير المصاب في إثبات خطأ مشغله، إذ غالبا ما يستحيل عليه الوصول إلى هذا الإثبات لعدم وجود شهود عاينوا الفعل الضار، الذي يعزى إلى المشغل، أو لقلة الأدلة الدامغة أو انعدامها[9].

إذا كان المشغل قد يتعرض لعقوبة مالية تتراوح مابين 2000 و 5000 درهم، عند عدم اتخاذه التدابير اللازمة لحماية سلامة الأجراء وصحتهم[10]، وعدم السهر على نظافة أماكن الشغل، وعدم الحرص على توفير شروط الوقاية الصحية[11]. وإذا كان المشرع قد أقر عقوبة مالية تتراوح مابين 10000 و 20000 درهم[12]، في حالة إذا لم يعرض المشغل الأجراء على الفحص الطبي، عملا بأحكام المادة 290 من مدونة الشغل.

ولئن كان للمحكمة في حالة خرق المقتضيات التشريعية أو التنظيمية المتعلقة بمراعاة شروط السلامة وحفظ الصحة، أن تصدر حكما بالإدانة، مقرونا بقرار الإغلاق المؤقت للمؤسسة طيلة مدة لا يمكن أن تقل عن 10 أيام، ولا تتجاوز 6 أشهر، سواء كانت مسطرة الإنذار سارية أم لا، ويستوجب الإغلاق مراعاة المنع المشار إليه في الفقرة الثانية من المادة 90 من القانون الجنائي. وفي حالة عدم احترام هذه المقتضيات، تطبق العقوبات المنصوص عليها في الفصل 324 من القانون الجنائي. كما يمكن للمحكمة في حالة العود، أن تصدر حكمها بالإغلاق النهائي للمؤسسة وفقا للفصلين 90 و 324 من القانون الجنائي[13].

وإذا كان المشرع قد أصبغ صفة النظام العام[14] الحفاظ على صحة وسلامة الأجراء وحمايتهم من الإصابات الناجمة عن العمل وتجنيبهم مخاطر العمل في أماكن غير مألوفة، هي من الالتزامات الرئيسة الملقاة على عاتق المشغل.

فإن هذه المحددات المشار إليها تعد قرينة على وجود خطأ شخصي اقترفه المشغل، يثير المسؤولية التقصيرية في مواجهته، كما يمكن أن تنتفي هذه المسؤولية طالما كان الضرر قد نشأ عن خطأ المضرور نفسه أو حادث فجائي أو قوة قاهرة، وإذا توافرت شروط المسؤولية التقصيرية عن العمل الشخصي، ترتب على ذلك أن يلتزم المسؤول (المشغل) بتعويض المضرور للحصول على التعويض[15].

الفقرة الثانية: مسؤولية المشغل عن أخطاء تابعيه، وعن الأشياء باعتباره حارسا لها، في نقل فيروس كورونا كوفيد 19.

إذا كان المتسبب في نقل فيروس كورونا كوفيد 19 أجيرا آخر تابعا لنفس المشغل، وكان من مصلحة الأجير المصاب أو ذوي حقوقه بعد وفاته، الرجوع على مشغله الذي هو في نفس الوقت مشغلا للمتسبب في نقل الفيروس المذكور، طبقا للفصل 85 من ظهير الالتزامات والعقود باعتباره متبوعا مسؤولا عن عمل تابعيه، وباعتبار ذمته عامرة كذلك خلافا للتابع الذي قد يكون معسرا، فإن من حق المشغل المتبوع دفع المسؤولية عنه بإثبات ضرر الأجير لا يد للتابع فيه، أو أنه ناشئ عن خطأ المضرور  مثلا.

أما إذا قام المضرور أو ذوي حقوقه من بعده بمطالبة المشغل بالتعويض عن الضرر الذي لحقه من جراء اشتغاله في الأشياء التي يكون المشغل حارسا لها طبقا للفصل 88 من ظهير الالتزامات والعقود ( مثلا كعدم تعقيم أسطح الأشياء المستخدمة)، وكان هذا الأجير يعفى من إثبات خطأ في جانب مشغله لأن مسؤولية حارس الشيء قائمة على أساس قرينة قاطعة، فإن بإمكان مشغله أن يدفع عنه المسؤولية إذا أثبت أنه فعل ما كان ضروريا لمنع نقل الفيروس المذكور وأن الإصابة ترجع إلى خطأ المضرور كنقله للعدوى من مكان غير مكان الشغل.

ترتيبا على ما سبق نقول على أن الأجير المتضرر أو ذوي حقوقه من بعده إذا لم يتمكن من التعويض وفق القواعد العامة، فإن مصالحه لا تتضرر، وبالتالي يحق له اللجوء إلى حل يتمثل في الضمان الاجتماعي.

المطلب الثاني: إمكانية التعويض عن الإصابة بفيروس كورونا كوفيد 19 باعتباره مرضا غير مهني، وفق نظام الضمان لاجتماعي.

تجدر الإشارة في البداية إلى أن صندوق الضمان الاجتماعي لا يقدم سوى تعويضات عن الأمراض غير المهنية، أي تلك التي لا يسري عليها قانون 18.12 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل، وعليه سنقسم هذا المطلب إلى فقرتين نتناول في الفقرة الأولى التعويضات اليومية عن الإصابة بفيروس كورونا كوفيد 19، ثم نتطرق في الفقرة الثانية إلى إعانة الوفاة.

الفقرة الأولى: التعويضات اليومية عن المرض الناجم عن الإصابة بفيروس كورونا كوفيد19.

بالرجوع إلى الفصلين 32 و33 من ظهير 1972 يتبين لنا أن المشرع المغربي يتطلب بعض الشروط لمنح التعويض اليومي عن المرض غير المهني، وهذه الشروط القانونية التي يجب أن يتوفر عليها العامل المؤمن عليه هي:

  • يجب أن يؤدي المرض إلى إصابة العامل بعجز صحي يمنعه من استئناف العمل.
  • ويجب بالإضافة إلى ذلك أن يكون العامل المريض قد أدى واجب الاشتراك وذلك عن مدة 54 يوما خلال 6 أشهر المدنية السابقة على العجز.
  • وبالإضافة إلى ذلك يتطلب المشرع إشعار الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من قبل العامل وذلك داخل 15 يوما الموالية لتوقفه عن العمل[16].

وبخصوص مبلغ التعويض اليومي الذي يستحقه العامل المصاب بعجز صحي نجم عن الإصابة بفيروس كورونا كوفيد 19، يساوي ثلثي الأجر اليومي المتوسط، ولا يمكن أن يقل عن ثلثي الحد الأدنى القانوني للأجر[17].

الفقرة الثانية: إعانة الوفاة.

بالرجوع إلى الفصل 43 من ظهير 1972 المتعلق بالضمان الاجتماعي فإننا نقف على الشروط الرئيسة التي يتطلبها المشرع للاستفادة من إعانة الوفاة، وقد ورد في الفصل المذكور على أنه:” تمنح إعانة الوفاة في حالة وفاة مؤمن له كان يستفيد عند وفاته من تعويضات يومية أو كانت تتوفر فيه الشروط المطلوبة لاكتساب الحق فيها …”

وتجدر الإشارة إلى أن إعانة الوفاة لا تمنح لأي شخص ينسب إلى أسرة الأجير، وإنما يجب أن يكون هذا الشخص من الأفراد الذين ذكرهم المشرع في الفصل 45 من ظهير 1972 المتعلق بالضمان الاجتماعي الذي جاء فيه:” إن إعانة الوفاة تؤدى حسب الترتيب الآتي للأشخاص الذين كان المؤمن له يتكفل بهم فعليا عند وفاته وهؤلاء الأشخاص[18] هم:

  • الزوج المتوفى عنه أو الزوجات.
  • الفروع عند عدم وجود الزوج.
  • الأصول عند عدم الفروع.

أما بخصوص مبلغ إعانة الوفاة، فقد أشار إليه الفصل 44 من ظهير 1972 المشار إليه، إلى أن إعانة الوفاة تقدر بستين مرة معدل الأجرة اليومية الذي تحتسب على أساسه التعويضات اليومية التي استفاد منها أو كان في إمكانه أن يستفيد منها وقت وفاته.

خاتمة:

توقفنا بداية هذا البحث المتواضع، والذي نرجو أن يشكل أرضية للنقاش، إلى تقريب مفهوم المرض المهني، باعتباره كل مرض يحل بالأجير بسبب مزاولته للشغل أو بمناسبته، وذكرنا الشروط الأساس كمعيار لاعتبار المرض مرضا مهنيا، وتتجلى في إثبات الأجير بواسطة الشهادة الطبية أنه مصاب بإحدى الأمراض، الواردة على سبيل الحصر، وعليه إثبات اشتغاله بصفة منتظمة، كما يتعين عليه رفع الدعوى خلال مدة قيام مسؤولية المشغل.

وفي ضوء هذه الشروط استنتجنا على أن الإصابة بفيروس كورونا  كوفيد19 ليس مرضا مهنيا، اللهم فيما يتعلق بالأعمال المنجزة من قبل الأعوان الطبيين أو مماثليهم في المختبر أو مصلحة الصيانة أو المصالح الاجتماعية. وبالتالي فإن الأجير المصاب أو ذوي حقوقه بعد وفاته يحق له الاستناد إلى قواعد المسؤولية التقصيرية، وإذا لم يسعفه ذلك يلتجئ إلى مقتضيات الضمان الاجتماعي.

ترتيبا على ما سبق، وإغناء للبحث المتواضع نقترح التوصيات الآتية:

  • إعادة النظر في مبدأ حصرية الأمراض المهنية، واعتبارها واردة على سبيل الإرشاد، لمواكبة الأمراض المستجدة.
  • التشديد في الغرامات المالية الواردة في مدونة الشغل، حماية لصحة وسلامة الأجراء.
  • تعزيز دور مفتشية الشغل في الرقابة على تطبيق المقتضيات المتعلقة بحفظ الصحة داخل المؤسسات الشغلية.
  • تعزيز العمل بالتناوب تفاديا لانتشار العدوى.

 

المراجع المعتمدة.

  • عبد اللطيف خالفي:” حوادث الشغل والأمراض المهنية”، المطبعة والوراقة الوطنية- الوداديات، مراكش، الطبعة الأولى 2003.
  • آمال جلال:” مسؤولية المؤاجر عن حوادث الشغل والأمراض المهنية في التشريع المغربي”، مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء، 1977.
  • بلال العشري:” حوادث الشغل والأمراض المهنية دراسة نظرية وتطبيقية”، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الطبعة الثانية 2011.
  • مأمون الكزبري، ” نظرية الالتزام في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي، الجزء الأول، مصادر الالتزام، بيروت 1974.
  • الحاج الكوري: “قانون الضمان الاجتماعي دراسة تحليلية ومقارنة”، مكتبة دار السلام، الرباط، الطبعة الأولى 2001.
  • آمال جلال:” الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، دبلوم الدراسات في القاون الخاص”، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، اكدال الرباط، 1972.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1]  عبد اللطيف خالفي:” حوادث الشغل والأمراض المهنية”، المطبعة والوراقة الوطنية- الوداديات، مراكش، الطبعة الأولى 2003، الصفحة 113.

[2]  ظهير شرف في تغيير وتتميم الظهير الشريف الصادر يوم 31 ماي 1943 والممتدة بمقتضاه إلى الأمراض الناشئة عن الخدمة المهنية مقتضيات الظهير الشريف الصادر في é( يونيو 1927 بشأن المسؤولية الناتجة عن النوازل الطارئة التي تصيب العملة أثناء الخدمة والعمل، الجريدة الرسمية عدد 2088 بتاريخ 31 أكتوبر 1952، الصفحة 6480.

[3]  عبد اللطيف خالفي:” حوادث الشغل والأمراض المهنية”، المرجع السابق، الصفحة 120.

[4]  الفصل الأول من ظهير 27 يوليوز 1972، المعدل بظهير 9 أبريل 1993، الخاص بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعية.

[5]  انظر في تفصيل ذلك :

  • آمال جلال:” مسؤولية المؤاجر عن حوادث الشغل والأمراض المهنية في التشريع المغربي”، مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء، 1977.
  • بلال العشري:” حوادث الشغل والأمراض المهنية دراسة نظرية وتطبيقية”، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الطبعة الثانية 2011.

[6]  قرار لوزير التنمية الاجتماعية والتضامن والتشغيل والتكوين المهني رقم 919.99 صادر في 23 دجنبر 1999 بتغيير وتتميم قرار وزير التشغيل والتنمية الاجتماعية رقم 100.68 بتاريخ 20 ماي 1967 بتطبيق الظهير الشريف الصادر في 31 ماي 1943 بتمديد مقتضيات التشريع المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل إلى الأمراض المهنية، الجريدة الرسمية عدد 4788 بتاريخ 20 أبريل 2000، الصفحة 905.

[7]  موقع منظمة الصحة العالمية https://www.who.int/ar

[8]  يحدد الجدول رقم 52 الذي أورده قرار وزير التنمية الاجتماعية والتضامن والتشغيل والتكوين المهني رقم 919.99 المشار إليه في الهامش. الأمراض المعدية التي يمكن التعرض لها في الأوساط الاستشفائية، والمسببة لالتهاب الرئة.

  • [9] للمزيد من التوضيح يرجى مراجعة : آمال جلال:” مسؤولية المؤاجر عن حوادث الشغل والأمراض المهنية في التشريع المغربي”، مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء، 1977.

 

[10]  المادتان 24 و 25 من مدونة الشغل.

[11]  المادتان 281 و 296 من مدونة الشغل.

[12]  المادة 297 من مدونة الشغل.

[13]  المادة 300 من مدونة الشغل.

[14]  قرار عدد 1203 الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 14 ماي 2015 في الملف الاجتماعي عدد 661/5/2014، السلسلة رقم 4 العدد 19، مطبعة ومكتبة الأمنية 2015، الصفحة 46.

 [15] للتفصيل في موضوع التعويض عن المسؤولية التقصيرية، يرجى مراجعة: مأمون الكزبري، ” نظرية الالتزام في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي، الجزء الأول، مصادر الالتزام، بيروت 1974، الصفحة 419 وما بعدها.

[16]  للمزيد من الإيضاح يرجى مراجعة:

  • الحاج الكوري: “قانون الضمان الاجتماعي دراسة تحليلية ومقارنة”، مكتبة دار السلام، الرباط، الطبعة الأولى 2001.
  • آمال جلال:” الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، دبلوم الدراسات في القاون الخاص”، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، اكدال الرباط، 1972.

[17]  الفصل 35 من ظهير 1972 ، (الخاص بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعية )المعدل بواسطة ظهير نوفمبر 1992.

[18]  للتفصيل أكثر  يرجى مراجعة: : الحاج الكوري: “قانون الضمان الاجتماعي دراسة تحليلية ومقارنة” المرجع السابق، الصفحة 181 وما بعدها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى