الضــــمانات الشكليـــــة في القـــرار التأديبي
-
لعلام محمد مهدي.
-أستاذ متعاقد بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة تلمسان.
وباحث في صف الدكتوراه القانون العام.
مقدمة
الأصل أن الإدارة عند إصدارها للقرارات الإدارية لا تلتزم بشكل أو إجراء معين، بحيث تكون أمام وضع تقديري، وذلك كله حينما لا تحدد النصوص القانونية القواعد التي يجب توافرها في الشكل والإجراءات، أو تركها مجالا للتخيير بين تلك القواعد التي قد تحددها. وقد تكون الإدارة إزاءهما بصدد اختصاص مقيد، ذلك عندما تحدد النصوص القانونية شكلا معين أو إجراء يجب التقيد به قبل إصدار القرار، ومن تم لا تملك الإدارة حينها الخروج عن تلك القواعد. وبعبارة أخرى، فإن للإدارة سلطة تقديرية في اختيار أشكال وإجراءات معينة أو عدم إتباع أي منها حتى، ذلك إذا تخلى المشرع عن تحديدها. وعلى عكس ذلك، الإدارة تكون مقيدة بإتباع أشكال وإجراءات معينة متى حددها القانون على نحو لا يسمح بأي حرية في التقدير.
غير أن الوضع العام في النظام التأديبي، والطبيعة الخاصة للقرار التأديبي الذي يعتبر إجراء خطيرا يؤثر على الحياة الوظيفة والخاصة للموظف، فإن أغلب التشريعات قد وضعت السلطة التأديبية أمام اختصاص مقيد عندما يتعلق الأمر بشكل أو إجراءات اتخاذ القرارات التأديبية، بحيث أن هذا التقييد يعتبر ضمانة من الضمانات التأديبية.
لذلك فإن المشروعية الشكلية للقرار التأديبي، تستلزم من السلطة التأديبية احترام القواعد المنظمة للشكل الذي يظهر به القرار التأديبي إلى العلن، كإفراغ القرار التأديبي الذي تتخذه في قالب شكلي معين، وفق ما تمليه عليها القواعد القانونية الخاصة بالمجال التأديبي.
والقاضي الإداري يراقب مدى تقيد السلطة التأديبية بالقواعد الشكلية التي تنظمها النصوص القانونية، بحيث أن الشكل الخارجي للقرار التأديبي، تتجسد فيه إرادة الإدارة. وعليه، فإن المظهر الخارجي للقرار التأديبي أمر مهم بالنسبة للموظف (المطلب الأول)، كما أن التسبيب كضمانة شكلية مقررة لصالح للموظف تحت رقابة القاضي الإداري (المطلب الثاني).
المطلب الأول
المظهر الخارجي للقرار التأديبي
ينصب المظهر الخارجي للقرار التأديبي، على الصورة التي تفرغ فيها السلطة التأديبية إرادتها تجاه الموظف المخطأ محل المساءلة التأديبية، لذلك فإن المظهر الخارجي للقرار التأديبي يأخذ إحدى الصورتان، إما قرار تأديبي شفهي (الفرع الأول)، وإما كتابي(الفرع الثاني).
الفرع الأول: القرار التأديبي الشفهي
إن الأصل المستقر عليه قضائيا في صدد المظهر الخارجي للقرارات الإدارية، أنه لا يشترط أن تفرغ في قالب شكلي معين. غير أن هذه القاعدة لا تجد مستقرا لها في المجال التأديبي، بحيث أن القواعد القانونية قد قيدت السلطة التأديبية بإتباع مظهر معين في اتخاذ القرار التأديبي، والذي يأخذ طابع عقوبة شفهية أو كتابية.
وأبرز مظهر يمكن أن توجد فيه القرارات التأديبية الشفهية، هي تلك التي تنصب على عقوبات الدرجة الأولى. فعلى سبيل المثال عقوبة التنبيه التي أخذت اعترافا ضمنيا من المشرع، بحيث لم يلزم فيها شكلا معينا، وهي أول عقوبة من مجموعة الدرجة الأولى وأخف العقوبات، وتليها عقوبة الإنذار الكتابي
التي هي عقوبة ثانية من مجموعة الدرجة الأولى والتي هي أكثر جسامة منها وفق المادة 163 من الأمر 06-03 سالف الذكر.
بحيث تقابلها المادة 124 من المرسوم رقم 85-59 سابق الذكر، والتي كانت تميز بين الإنذار الكتابي والشفوي.
إن القرار التأديبي الشفهي والذي ينطوي غالبا تحت عقوبات الدرجة الأولى، له أهمية بالغة بالنسبة للموظف محل التأديب، بحيث أن تلك العقوبات التي تأتي في مظهر قرار تأديبي شفهي، لا يكون لها تأثيرا مباشرا على وضعيته الوظيفية والمالية، فضلا على أنها قد لا تسجل في ملفه الإداري. لأن عقوبة التنبيه التي ينصب عليها القرار التأديبي الشفهي، تكون غالبا في صورة نصح للموظف، أو تذكيره بواجباته الوظيفية أو تذكيره بالنظام التأديبي، ذلك نتيجتا لارتكابه أخطاء بسيطة.
كما أن الموظف الذي يتعرض لتلك العقوبات، يمكنه طلب رد اعتباره من السلطة التي لها صلاحية التعيين، بعد مرور سنة من تاريخ اتخاذ تلك العقوبة، كما يرد اعتباره بقوة القانون بعد مرور سنتين من تاريخ اتخاذ تلك العقوبة، شريطة عدم تعرضه لعقوبة جديدة.
الفرع الثاني: القرار التأديبي الكتابي
يدخل ضمن مشروعية المظهر الخارجي للقرار التأديبي، أيضا تلك العقوبات التي تفرغها السلطة التأديبية في قالب شكلي مكتوب، الذي يعتبر المظهر الغالب للقرارات الإدارية، ويتضمن الشكل المكتوب تحرير مجموعة من البيانات ككتابة القرار، الأسانيد التي يقوم عليها القرار، ومكان وتاريخ صدوره، وتوقيع السلطة التأديبية.
بما أن المظهر الغالب للقرار التأديبية، تأتي في صورة كتابية، فإنها تستحوذ على جميع العقوبات تقريبا، ذلك ما يستدرك من نص المادة 163 من الأمر 06-03 التي حددت جميع العقوبات التي يمكن توقيعها على الموظف والتي تكون كلها كتابية، باستثناء عقوبة التنبيه يمكن توقيعها شفهيا نظرا لعدم خطورتها على الوضعية المالية والوظيفية للموظف محل التأديب.
إن مصدر الالتزام بقواعد الشكل في القرار التأديبي يستفاد صراحة بموجب نص تشريعي أو تنظيمي. كما قد يستفاد ضمنا من نص تشريعي.
لذلك فإن هناك مصدر آخر ضمني يلزم السلطة التأديبية بأن تصدر القرارات التأديبية التي تتخذها في شكل كتابي بغض النظر عن نوع العقوبة بما فيها عقوبة التنبيه، وذلك من خلال إلزام المشرع تسبيب جميع القرارات التأديبية، بحيث لا ُيتصور التسبيب في القرار الشفهي، ويعتبر استبعاد فكرة القرار التأديبي الشفوي، من نتائج التسبيب المباشر (La motivation directe).
كما أن اشتراط تبليغ القرارات التأديبية والقرارات الإدارية بصفة عامة، بدوره يفيد ضمنا بأن القرار التأديبي يجب أن يكون كتابي، لأنه كذلك لا يتصور تبليغ القرار الشفهي رسميا.
إن الطبيعة التي تميز عقوبات الدرجة الأولى، تفرض بأن توقع شفاهة ” اللوم والتوبيخ”، غير أن المشرع الجزائري بإلزامه تسبيب جميع القرارات التأديبية، يكون قد ألزم ضمنا بكتابتها حتى يتسنى مراقبتها إداريا وقضائيا.
بما أن الشكل المكتوب للقرار التأديبي يتضمن مجموعة من البيانات، فإن إغفالها أو عدم كتابتها بالوجه الصحيح من قبل السلطة التأديبية تعرض القرار التأديبي للطعن بالإلغاء أمام القاضي الإداري. فالقاضي يراقب تلك البيانات التي هي كالتالي:
1/ ذكر تاريخ ومكان صدور القرار التأديبي
هذا البيان له أهمية بالغة لتحديد مدى احترام السلطة التأديبية لنطاق اختصاصها الزمني والمكاني، كما يسهل للموظف عملية حساب مواعيد الطعن ضد القرار التأديبي.
2/ أن يتضمن القرار التأديبي توقيع السلطة التأديبية
كذلك هذا البيان له أهمية بالغة بالنسبة للموظف والقاضي الذي يتأكد من مدى اختصاص السلطة التأديبية قانونا، أو وجود تفويض قانوني. وبذلك يسهل عملية الرقابة على عنصر الاختصاص في القرار التأديبي.
3/ لغة القرار التأديبي
الأصل أن يحرر القرار التأديبي باللغة الرسمية للدولة التي يحددها الدستور، وهي اللغة العربية التي نصت عنها المادة 03 من الدستور الجزائري.
4/ ذكر الأسانيد التي يقوم عليها القرار التأديبي
ويدخل في محتوى الأسانيد التي يقوم عليها القرار التأديبي، التأسيس القانوني الذي يعتبر السند القانوني للسلطة التأديبية في اتخاذ الإجراءات التأديبية، كأن تأتي عبارة استنادا إلى الصلاحيات الموكلة، أو بموجب المادة أو القانون.
ومشروعية شكل القرار التأديبي، لا تقف عند حد المظهر الخارجي الذي يظهر عليه أو الصورة التي تفرغ فيها السلطة التأديبية إرادتها، وإنما تتعداه إلى ذكر المبررات أو الأسباب التي دفعت بالإدارة إلى توقيع الجزاء التأديبي، مما يكون وجودها ضروري تحت رقابة القاضي الإداري.
المطلب الثاني
تسبيب القـــرار التأديبي
يعد التسبيب (La motivation) من أهم الضمانات الشكلية المعاصرة لاتخاذ القرارات الإدارية بصفة عامة، بحيث الإدارة وكقاعدة عامة تكون غير ملزمة بالتسبيب متى كانت بصدد اختصاص تقديري، غير أنه وعلى العكس تكون مجبرة على استيفائه في الحالات التي ينص القانون عليه كشرط شكلي لصحة القرار.
إلا أن هذا الوضع مختلف في مجال التأديب، بحيث أن الاتجاه الغالب في التشريعات يحذو نحو إلزام سلطة التأديب تسبيب قراراتها التأديبية لعدة اعتبارات منها تدعيم مبدأ الضمان. لذلك يجب معرفة مفهوم التسبيب كإجراء شكلي مهم (الفرع الأول)؛ ثم البحث عن أساسه القانوني في مجال التأديب (الفرع الأول).
الفرع الأول: مفهوم التسبيب في مجال الجزاءات التأديبية
إن المبدأ السائد في مجال التأديب هو إلزام تسبيب القرارات التأديبية، وهو يدخل ضمن نطاق التسبيب الوجوبي للقرارات الإدارية بصفة عامة، ويقصد بالتسبيب ذكر العناصر القانونية والواقعية التي استند إليها القرار الإداري سواء كان الإفصاح واجبا قانونيا مثلما هو الشأن في مجال التأديب، أو بناء على التزام قضائي كأمر بالإفصاح عن الأسباب، أو تلقائيا من الإدارة بصدد ممارستها لاختصاص تقديري بصدده.
ويعني هذا المبدأ كذلك بيان وإفصاح الإدارة عن الأسباب القانونية والواقعية التي تبرر القرار الإداري. ومن ثم فإن التسبيب هو التعبير الشكلي عن أسباب القرار التأديبي والذي يدخل في نطاق المشروعية الخارجية للقرار التأديبي. وللتسبيب اعتبارات واقعية بذكر الوقائع والأسباب، واعتبارات قانونية ببيان الأساس القانوني للقرار التأديبي، كتضمين القرار التأديبي القاعدة القانونية التي قام على أساسها.
وغالبا ما يتم الخلط بين السبب كركن في القرار الإداري، والتسبيب كإجراء شكلي، فثمة فرق جوهري بينهما رغم اتحادهما في الاشتقاق اللغوي. فإذا كان التسبيب يعني قيام الإدارة ببيان مبررات إصدار القرار التأديبي بذكر الدوافع والأسباب، فإن السبب يتعلق بالحالة الواقعية والقانونية التي دفعت بالسلطة التأديبية إلى التدخل من أجل توقيع الجزاء التأديبي، ومن ثم فإن التسبيب يأتي دائما كإجراء شكلي معاصر على اتخاذ القرار التأديبي، ولاحق على وقوع السبب.
كما أن السبب يعد ركنا من أركان القرار الإداري، في حين التسبيب هو مجرد إجراء شكلي يدخل ضمن ركن الشكل والإجراءات. كذلك عدم صحة السبب يجعل القرار منعدم، ولا يمكن تصحيح عنصر السبب وإصدار نفس القرار، لأن الأمر يتعلق بالصحة الموضوعية، في حين أنه يمكن تدارك عدم صحة التسبيب مستقبلا بتصحيحه وإعادة إصدار نفس القرار.
ويستوجب في التسبيب ذكر مجموعة من البيانات والتي تعتبر عناصرا له، كذكر الوقائع التي تستوجب التأديب التي هي بمثابة اعتبارات واقعية، بالإضافة إلى بيان الأساس القانوني للتجريم التي تعتبر اعتبارات قانونية، وأخرى إجرائية تتمثل في الرد على ما يبديه الموظف المتهم من أوجه دفاعه. كما للتسبيب شروط صحة، تتمثل في تضمينه بصلب القرار التأديبي وليس في وثائق لاحقة أو تابعة. ويستوجب أن يكون التسبيب واضحا لدرجة تمكن من الرقابة عليه.
وللتسبيب كإجراء شكلي، أهمية بالغة من عدة نواحي، إجمالا كالتالي:
1/ أهمية التسبيب بالنسبة للسلطة التأديبية
يقوم على تقييد السلطة التأديبية ببيان الأسباب التي على أساسها بنت قرارها، مما يدفعها إلى التثبت والتريث عند إصدار أي قرار، لأن علاوة على أن التسبيب كضمانة شكلية معاصرة لاتخاذ القرار التأديبي؛ فإنه كذلك أسلوب للتقييد الذاتي للإدارة، بحيث تصبح ملزمة بالبحث عن أسباب القرار وبذلك تبتعد عن التحكم. كما يصبح مصدر القرار رقيبا على نفسه، مما تتوفر الشفافية في أعمال السلطة التأديبية بإبعاد الشكوك التي قد تلحق بصحة قراراتها، ويزيل الشعور بأن القرار صدر في كهف بعيد عن الموظف المخاطب به، وبذلك تصرفاتها تكون ظاهرتا بحسن نية، ويِؤدي إلى تدعيم الثقة بين الإدارة والموظف، طالما أنه يدفع بالإدارة إلى الكشف عن الدوافع التي على أساسها قامت بإصدار قرارها.
ولما كان التسبيب أسلوب للتقييد الذاتي للإدارة فإن نتيجة مهمة تترتب على ذلك هي التقليل من احتمال صدور قرارات تأديبية خاطئة، لأنه يدعوا رجل الإدارة إلى التريث والتأني في دراسة وتقدير أسباب إصدار القرار التأديبي. مما يخفف من حالات اللجوء إلى القضاء.
2/ أهمية التسبيب بالنسبة للموظف المخاطب بالقرار التأديبي
التسبيب يعطي لصاحب الشأن إحاطة بأسباب القرار الذي صدر في حقه، مما تسهل له عملية إثبات عدم صحة تلك الأسباب عند الطعن في القرار التأديبي بإلغائه. كما يطمئن الموظف المتهم بأنه قد أدب نتيجة للأخطاء التي نسبت إليه وأبدى دفاعه بشأنها، بحيث لا تستطيع السلطة التأديبية تغيير الحقائق وتأديبه عن أخطاء لم يقترفها. و التسبيب يجيب على التساؤل الذي يتبادر في ذهن الموظف مناط التأديب، وهو لماذا صدر هذا القرار في حقه؟. وبذلك يحدد موقفه من القرار التأديبي إن كان قد بني على سبب حقيقي أم لا، ومن هنا يختار مسلك الرقابة عليه أو يقتنع بفحواه.
3/ أهميته بالنسبة للقاضي
فإذا كان السبب هو أساس القرار الذي يستند إليه وعنصر من عناصر الرقابة عليه، فإن التسبيب هو أساس الرقابة على القرار وعنصر في القرار. وبذلك تكمن أهميته بالنسبة للقاضي بحيث يستعمله كوسيلة لفحص مشروعية العمل المطعون فيه. بالتأكد من مدى صحة الأسباب التي أوردتها السلطة التأديبية سندا لقرارها التأديبي، كما أنه يسهل عملية الرقابة القضائية دون عناء في البحث عن الأسباب ودون الحاجة إلى إلزام الإدارة بالإفصاح عن الأسباب التي دفعتها إلى التدخل.
الفرع الثاني: الأساس القانوني للتسبيب
يجد التسبيب أساسه في مجال التأديب، أساسا في أن وظيفة توقيع العقاب تعود للقضاء كمبدأ عام، الذي هو مستقر على مبدأ وجوب تسبيب الأحكام القضائية. ولما كان للقرار التأديبي صبغة قضائية موكلا لجهة غير قضائية (السلطة التأديبية الإدارية)، التي تفصل في موضوع يختص به القضاء أصلا، فهي الأخرى يجب عليها مراعاة هذا المبدأ وإلا عد قرارها باطلا.
ويجد مبدأ التسبيب الوجوبي للقرارات الإدارية بوجه عام في فرنسا، مصدره في القانون رقم 79/587 المؤرخ بتاريخ 11 جويلية 1979 بشأن تسبيب القرارات الإدارية وتحسين العلاقة بين المواطن والإدارة، الذي أوضح شروط التسبيب الصحيح والاستثناءات الواردة عليه، كما أدخل ضمن حالات التسبيب الوجوبي، القرارات الإدارية المتضمنة جزاءات معينة.
وفيما يخص قوانين الوظيفة العامة الفرنسية المتعاقبة لسنة 1946 و1959 فقد عملت على اشتراط تسبيب القرار التأديبي، لكنها قصرت هذا الإجراء على بعض العقوبات البسيطة كالإنذار واللوم.
أما القانون الحالي فقد أكد على وجوب تسبيب جميع العقوبات التأديبية بدون استثناء، حيث تنص المادة 19 ف3 من القانون رقم 83/634 على أنه ” يجب تسبيب رأي هذه الهيأة والقرار المتضمن العقوبة التأديبية”.
ومجلس الدولة الفرنسي بدوره يؤكد على مبدأ التسبيب كضمانة جوهرية في كل عملية تأديبية، ويَعتبِرُ أَن القراءة الوحيدة من وراء تبليغ القرار التأديبي هي التعريف بالأسباب التي أدت إلى توقيع تلك العقوبة.
وقد كرس المشرع الجزائري ضمانة تسبيب القرار التأديبي من خلال جميع قوانين الوظيفة العامة المتعاقبة، بحيث تنص المادة 165ف1 و2 من الأمر 06-03 على ” تتخذ السلطة التي لها صلاحيات التعيين بقرار مبرر العقوبات التأديبية…”. ولم يقف المشرع الجزائري الوظيفي عند هذا الحد، حيث أن اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء المنعقدة كمجلس تأديبي، هي الأخرى ملزمة بتسبيب رأيها وفقا للمادة 170ف2 من نفس الأمر، عند ممارسة اختصاصها في توقيع عقوبات الدرجة الثالثة والرابعة، حيث تنص على أنه ” يجب أن تكون قرارات المجلس التأديبي مبررة “.
والتسبيب بصفة عامة يجد أساسه في الجزائر إضافة إلى المصادر السابقة، في المرسوم رقم 88- 131 المنظم لعلاقة الإدارة بالمواطن. وقد اعتبر مجلس الدولة الجزائري أن كل قرار تأديبي لا يتضمن احترام الشكلية المتعلقة بالتسبيب يقع باطلا.
وتجدر الإشارة في الأخير بأن التسبيب في المجال التأديبي، أصبح ضروري ووجوبي يتخذ مصدره من المبادئ القانونية العامة التي تلزم السلطة التأديبية باستفائه حتى في غياب أي نص قانوني يلزمها بذلك.
خاتمة:
يلعب الشكل إلى جانب الإجراءات دورا كبيرا في تكوين القرار الإداري، إذ لا يعقل أن تصدر السلطة الإدارية قرارا إداريا بدون إتباعها لشكليات واجراءات معينة.
وصحة الشكل في القرار الإداري تفرض بأن يكون موافقا لما ينص عليه القانون، بحيث يجب أن يبرر صدور هذا القرار وفقا لما تقتضيه القوانين حتى في ظل ممارسة الإدارة لسلطتها التقديرية.
والشكليات ليست مجرد وسيلة لخدمة غاية ما، إذ لا يؤدي تخلفها في جميع الحالات إلى إلغاء القرار الإداري؛
أو بتعبير آخر في حالة ما إذا تمت مخالفة الأشكال الثانوية في القرار التأديبي، فإنه لا يترتب على ذلك الحكم بالإلغاء، غير أنه إذا تمت مخالفة الأشكال الجوهرية، وهي كقاعدة عامة تلك المقررة لحماية مصالح الأفراد وليس مصلحة الإدارة؛ والمؤثرة على ضماناتهم تجاه الإدارة بحيث يكون لها تأثير على مضمون ومحتوى القرار التأديبي؛ أو إذا صرح القانون صراحة على أنها جوهرية؛ أو إذا رتب البطلان كجزاء لمخالفتها. على أن يبقى القاضي الإداري هو المختص بتقدير الشكل الجوهري من الثانوي.
ورغم أن مخالفة السلطة التأديبية لقواعد الشكل والإجراءات أو عيب يشوب قواعد الاختصاص التي يتطلبها القانون قد تؤدي إلى إلغاءه، إلا أنها لا تنال من صحة القرار التأديبي موضوعيا، كما لا تكون سببا للحكم بالتعويض إذا لم تؤثر على مضمون القرار التأديبي، لأنه ما دامت الوقائع وهي المخالفة التأديبية التي تبرر صدوره صحيحة، فيمكن للسلطة التأديبية إصدار نفس القرار التأديبي بعد تصحيحها للشكل وفقا للأوضاع المطلوبة قانونا.
وتعتبر ضمانة التسبيب في مجال الوظيفة العامة الوجه الثاني لقواعد الشكل كضمانة من بين الضمانات التأديبية الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها في المجال التأديبي نظرا لأهميتها البالغة سواء بالنسبة للموظف العام أو للقضاء الإداري، وهي بذلك من المبادئ التي لا يمكن الاستغناء عنها حتى في غياب نص قانوني في مجال القرارات الإدارية الماسة بحقوق الأفراد منها القرارات التأديبية.
كما أن القاضي الإداري عند رقابته للتسبيب لا يكتفي فقط بالتأكد من وجوده، بل يفحص مدى التزام السلطة التأديبية باحترام أحكام التسبيب الصحيح والا كان قرارها عرضة للإلغاء.