مقالات قانونية

الطبيعة القانونية للمسؤولية المدنية للطبيب الممارس في القطاع الخاص.

PIC-671-1302440756

مولاي محمد لمين .

ماجستير في العلوم القانونية و الإدارية – تخصص قانون و صحة – باحث في قسم الدكتوراه  جامعة سيدي بلعباس –

أستاذ مساعد متعاقد بمعهد الحقوق.

إتفق الفقه والقضاء على تعريف المسؤولية المدنية بصفة عامة على أنها الإلتزام بتعويض الضرر المترتب عن الإخلال بإلتزام أصلي سابق وهذا الإلتزام إما أن يكون مصدره خطأ يتمثل في الإخلال بإلتزام عقدي أو أن الإلتزام يجد سنده في نص من نصوص القانون فيكون الخطـأ متمثلا في الإخلال بإلتزام يفرضه القانون يتمثل في واجب الحيطة والتبصر وعدم الإضــرار بالغير ويرتب بالتالي المسؤولية التقصيرية عن الفعل الشخصي أو عن فعل الغير أو عن فعـــل الأشياء (1) ومما سبق فإن المسؤولية المدنية تنقسم إلى مسؤولية عقدية وإلى مسؤولية تقصيريـة ومما لا شك فيه أن المسؤولية المدنية للطبيب الممارس في القطاع الخاص لا يمكن أن تخـرج عن إطار المسؤولية العقدية أو المسؤولية التقصيرية .

ولقد ثار نقاش كبير بين رجال الفقه والقضاء في تكييف المسؤولية المدنية للطبيب بصفــة عامة والمسؤولية المدنية للطبيب الممارس في القطاع الخاص بصفة خاصة ولكل رأي أنصاره وحججه وهذا ما سنتطرق إليه من خلال هذه الدراسة ضمن ثلاثة مطالب سنتناول في المطلـب الأول المسؤولية العقدية ثم في المطلب الثاني المسؤولية التقصيرية ثم نتطرق في المطلب الثالث إلى الأحكام المتعلقة بالتمييز بين المسؤولية العقدية والتقصيرية .

 

المطلب الأول : المسؤولية العقدية للطبيب الممارس في القطاع الخاص .

لقد كانت المسؤولية المدنية للطبيب ولمدة طويلة تقوم على أساس المسؤولية التقصيرية ولـم يكن الفقه والقضاء يقتنع بوجود عقد بين الطبيب بصفة عامة ومريضه إلى غاية صدور حكــم محكمة النقض الفرنسية الشهير بتاريخ 20/05/1936 والذي كرس مفهوم العلاقة العقدية بيـن الطبيب والمريض والمعروف بحكم mercier  والذي جاء فيه ” ينعقد بين الطبيب وعميله عقد حقيقي …. وأن خرق هذا الإلتزام وإن كان غير إرادي يجازى بمسؤولية من الطبيعة ذاتها أي عقدية أيضا ”  (2) .

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الدكتور رايس محمد , المسؤولية المدنية للأطباء في ضوء القانون الجزائري , دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع طبعة 2007  , ص 351.

(2) المجموعة المتخصصة في المسؤلية القانونية للمهنيين , الجزء الأول المسؤولية الطبية , منشورات الحلبي الحقوقية  بيروت , لبنان , الطبعة الثانية 2004 , ص 126-127.

 

 

 

الفرع الأول : تعريف المسؤولية العقدية .

تعرف المسؤولية العقدية بصفة عامة على أنها ” الجزاء المترتب على الإخلال بإلتـزام عقدي مصدره إرادة الطرفين ” (1) فتقوم المسؤولية كجزاء على الإخلال بإلتزام عقدي يختلـف بإختلاف ما إشتمل عليه العقد من إلتزامات .

وعليه ومما سبق يمكن تعريف المسؤولية العقدية للطبيب الممارس في القطاع الخاص على أنها الجزاء المترتب على إخلال الطبيب بإلتزاماته المترتبة عليه بموجب العقد تجاه المريـض ويترتب عليه التعويض جبرا للضرر المادي والمعنوي اللاحق بالمريض .

فالمسؤولية العقدية للطبيب الممارس في القطاع الخاص تشتمل على عنصرين جوهريين هما وجود عقد صحيح ولو ضمني بين الطبيب الممارس في القطاع الخاص والمريـض وأن يترتب إخلال بإلتزامات هذا العقد من طرف الطبيب .

الفرع الثاني : الإتجاه القائل بالمسؤولية العقدية .

يرى الرأي السائد في الفقه المعاصر مؤيدا بأحكام القضاء أن مسؤولية الطبيب تكون عقدية كلما كان الطبيب قد بدأ في علاج المريض بناء على طلب هذا الأخير أو بناءا على طلب نائبـه حتى ولو كان النائب فضوليا وكان الضرر الذي أصاب المريض ناجما عن إخلال الطبيب بأحد الإلتزامات التي قبل الطبيب الإلتزام بها تجاه المريض (2) .

فالمسؤولية التعاقدية تقوم بين الطبيب وعميله مادام قد ارتبطا فيما بينهما في إطار عقـدي حتى ولو كان هذا العقد شفهيا أو ضمنيا فهذه العلاقة التي تنجم عن هذه الحالة ترتب مسؤوليـة طبية عقدية وذلك لأن الطبيب بمجرد فتحه لعيادته ووضعه للوحة الإشهارية مبينا فيها صفتــه الطبية وتخصصه فإن يضع نفسه في موضع الموجب أي من يتقدم بإيجاب للجمهور وعليه فإن أي مريض يقبل بهذا العرض الذي توجه به الطبيب من خلال فتح العيادة ووضع اللوحــــة الإشهارية عليها من أجل تلقي العلاج إنما يبرم عقدا مع الطبيب بصفة طبيعية وتامة (3)

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الدكتور محمد حسنين , الوجيز في نظرية الإلتزام , مصادر الإلتزامات وأحكامها في القانون الجزائري , المؤسسة الوطنية للكتاب ,طبعة 1983 ص 135.

(2) أحمد عباس الحياري , المسؤولية المدنية للطبيب في ضوء النظام القانوني الأردني والنظام القانوني الجزائري دار الثقافة للنشر والتوزيع , طبعة 2005, ص32.

(3) الدكتور رايس محمد , المسؤولية المدنية للأطباء في ضوء القانون الجزائري , المرجع السابق , ص 354 .

 

 

 

وقد كرس هذا الرأي في الفقه والذي نادى بالمسؤولية العقدية للطبيب صدور الإجتهاد القضائي في فرنسا بمناسبة حكم محكمة النقض الفرنسية الشهير بتاريخ 20/05/1936 والذي خلصت فيه المحكمة إلى” أن عقدا حقيقيا يكون بين الطبيب ومريضه لا يلتزم فيه الطبيب بشفاء المريض حتما إنما يلتزم بأن يبذل جهودا صادقة ومخلصة مصدرها الضمير ومؤداها اليقظة والإنتباه وهذه الجهود يقتضي أن تكون متطابقة في غير الأحوال الإستثنائية مع الأصول العلمية الثابتة وهي الأصول المتفق عليها بين الأطباء وأهل العلم والتي لا يجوز التسامح في تجاوزها أو إستبعادها وعدم الأخذ بها ممن ينتسب إلى هذه المهنة وهي مهنة الطب ” (1) .

وهكذا يتضح أن القضاء في فرنسا أصبح ينظر إلى الرابطة القائمة بين الطبيب والعميــل على أنها رابطة تعاقدية تقوم على أساس أن يبذل الطبيب العناية اللازمة في أدائه لإلتزامه تجاه العميل وأن أي إخلال في تشخيص المرض أو العلاج يكون خطأ تعاقديا ينتج عنه مسؤولية تعاقدية .

مع أنه يتعين القول بالنسبة للقضاء الجزائري فلا يوجد أي حكم أو قرار يتضح بشأنه موقف القضاء من العلاقة بين الطبيب الممارس في القطاع الخاص والمريض .

الفرع الثالث : حجج الإتجاه القائل بالمسؤولية العقدية .

إستند الرأي القائل بالمسؤولية العقدية للطبيب على الحجج والأسانيد التالية .

البند الأول : من حيث قيام الرابطة العقدية .

يذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن المسؤولية العقدية للطبيب تقوم حتى في حالات الإستعجال فالطبيب حسب رأيهم يعتبر في حالة إيجاب دائم موجه للجمهور وهذا ما يدل عليه إتخاده للافتة الإشهارية التي يبين فيها إسمه وصفته وإختصاصه الطبي .

البند الثاني : فيما يتعلق بطبيعة العمل الطبي .

فإن الرأي القائل بالمسؤولية العقدية للطبيب يرد على الإتجاه القائل بالمسؤولية التقصيرية فيما يتعلق بجهل المريض للكثير من المعطيات الطبية والإلتزامات التي يتعاقد عليها مع الطبيـب (2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الدكتور رايس محمد , المسؤولية المدنية للأطباء في ضوء القانون الجزائري , المرجع السابق , ص 355 .

(2) أحمد  حسن عباس الحياري , المسؤولية المدنية للطبيب في ضوء النظام القانوني الأردني والنظام القانوني الجزائري , المرجع السابق ص 35 .

 

 

 

 

فالمريض عند تعاقده مع الطبيب على العلاج فإنه يقع  على عاتق الطبيب بذل ما يلزم من العناية الطبية وفقا لما تمليه قواعد وأحكام المهنة ووفقا لما تمليه قواعد تخصصه من الناحية الفنية والعلمية . (1)

البند الثالث : فيما يتعلق بمحل التعاقد .

القول أن حياة الإنسان ليست محلا للتعاقد وأن مفهوم العقد لا يتفق مع حالة المريض الموجود تحت سيطرة طبيـب يتصرف بجسمه كيف شاء و بالتالي يكون تحت حماية قواعد النظام العام والأداب العامة والتي لا يجوز الإتفاق على مخالفتها إلا أن هذا لا يعني إتفاق الطبيب مع المريض على الإساءة إلى الأخير أو التصرف في جسمــه على نحو لا يبيحه القانون وهذا لا يحول دون إعتبار هذه الإلتزامات ذات طبيعة عقدية ولم تفرض أبدا تطبيق أحكام المسؤولية التقصيرية أو إستبعاد أحكام المسؤولية العقدية .

البند الرابع : فيما يتعلق بعدم قابلية خدمات الطبيب للتقدير المالي .

إن القول بأن خدمات الطبيب غير قابلة للتقدير المالي في العقد لا يجوز إعتباره الحد الفاصل لتحديد العلاقة القانونية بين الطبيب والمريض خاصة وأن الأطباء لا يترددون في المطالبـــة بأتعابهم فإلتزام الطبيب إلتزام بعمل يتفق وقواعد المهنة الطبية ومحل الإلتزام في العقد الطبي هو إلتزام مشروع وهو إلتزام الطبيب بالعلاج وإلتزام المريض بدفع المقابل المالي لأتعاب الطبيـب من شأنه تأكيد الطابع التعاقدي للمسؤولية المترتبة عن أخطاء الطبيب (2) .

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) Gérard Mémeteau , Cours de Droit médical , 3 eme édition , D.2006 , p299.

(2) أحمد  حسن عباس الحياري , المسؤولية المدنية للطبيب في ضوء النظام القانوني الأردني والنظام القانوني الجزائري , المرجع السابق ص 36 .

 

 

 

 

 

 

 

المطلب الثاني : المسؤولية التقصيرية .

القاعدة العامة أنه متى وجد عقد بين كل من المضرور والمتسبب في الضرر نتيجة إخلال أي من المتعاقدين بإلتزامه التعاقدي فإن المسؤولية يكون أساسها العقد وتكون عقدية وأما إذا لم توجد أي علاقة تعاقدية بين الطرفين المتضرر والمتسبب في الضرر فإن المسؤولية يكـــون أساسها التقصير .

الفرع الأول : تعريف المسؤولية التقصيرية .

إستقر الفقه على تعريف المسؤولية التقصيرية بأنها  ” الجزاء المترتب على الإخلال بإلتزام قانوني ” وعرفها البعض بأنها ” الجزاء المترتب على الإخلال بواجب الحيطة والتبصر وعــدم الإضرار بالغير ” كما عرفها البعض ” الجزاء المترتب على الإخلال الشخصي بالواجب العام الذي يفرضه القانون بعدم الإضرار بالغير “.

وعليه يمكن تعريف المسؤولية التقصيرية للطبيب الممارس في القطاع الخاص على أنها ” إخلال الطبيب بواجب الحيطة والحذر المفروض عليه بموجب القانون وأحكام مهنة الطب إخلالا لا يرتكبه طبيب من نفس مستواه وجد في ذات الظروف التي وجد فيها الطبيب المسؤول وأن يـؤدي هذا الإخلال إلى إلحاق ضرر بالمريض ”  .

ويتمثل الأساس القانوني للمسؤولية التقصيرية فيما نصت عليه المادة 124 من القانون المدني التي تنص ” كل فعل أيا كان يرتكبه الشخص بخطئه ويسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض ” .

الفرع الثاني : الإتجاه القائل بالمسؤولية التقصيرية .

لقد كان رأي السائد في فرنسا عموما وحتى عام 1936 على وجه الخصوص يعتبــــر  مسؤولية الطبيب مسؤولية تقصيرية و ليست عقدية فإلتزام الطبيب بالعلاج قانوني مصـــدره القانون والأحكام القانونية الخاصة بمهنة الطب وذلك لأن الطبيب لا يلزم بشفاء المريض وإنمـا يكمن إلتزامه في بذل العناية الواجبة التي تفرضها عليه أصول المهنة وأن يلتزم بالسعي ما أمكنه لعلاج المريض (1) .

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الدكتور رايس محمد , المسؤولية المدنية للأطباء في ضوء القانون الجزائري , المرجع السابق , ص 360 .

 

 

 

وعليه فإن المسؤولية المترتبة على عاتق الطبيب هي مسؤولية مترتبة عن مخالفة أحكــام القانون وليست هناك أية مخالفة لأحكام عقدية وبالتالي فالمسؤولية الناجمة عن ذلك هـي مسؤولية تقصيرية حتى ولو كان هناك إتفاق بين المريض والطبيب على مقابل العلاج أو أتعاب الطبيب ولا أثر لذلك فيما يجب على الطبيب أن يلتزم به تجاه المريــــض .

والحقيقة أن هذا الرأي القائل بالمسؤولية التقصيرية ذهب إلى القول أنه في غياب أي عقد بين الطبيب والمريض فإن مسؤولية الطبيب لا يمكن أن تكون إلا مسؤولية تقصيرية وكذلك فيمــا يتعلق بالضرر الواقع خارج النطاق العقدي مثل الضرر الذي يصيب شيئا يعود للمريض بمناسبة تقديم العلاج ككسر نظاراته أو ما لديه من أجهزة بديلة وكذلك الضرر الجسدي اللاحق بالمريض بعد إنتهاء التدخل العلاجي (1) .

كما أن بطلان العقد الطبي وعدم مشروعية محله وكذلك بطلان العقد بسبب إنعدام الرضـاء فيه فهنا لا يمكن أن تكون المسؤولية المترتبة عن ذلك مسؤولية عقدية وإنما تكون مسؤوليــة تقصيرية (2) .

كذلك في الدعوى المدنية المرفوعة أمام القضاء الجزائي فقد ذهبت المحاكم الفرنسية إلى أنـه إذا كان الأصل في المسؤولية الطبية أن تكون عقدية فإن الأمر يختلف عندما يتوافر فيما يرتكـبه الطبيب من مخالفة لإلتزاماته صفة عدم الإحتياط أو الإهمال الذي يشكل المخالفة المنصــوص والمعاقب عليها في المادة 319 من قانون العقوبات الفرنسي ففي هذه االحالة يتم تطبيق قانـون العقوبات فسبب المسؤولية ينتج بالضرورة من تأكد وقوع الجنحة التي ثبتت في مواجهة المتهم .

ويفهم من ذلك أن الدعوى المدنية لن تكون مقبولة أمام القضاء الجزائي إلا إذا كان الضرر ناتجا عن المخالفة الجزائية مباشرة وفيما يخص الضرر الجسدي الناتج عن العمل الطبي فلـن تكون الدعوى مقبولة إذا ترتب الضرر عن الإخلال بإلتزام عقدي وبالتالي يعد من الضـروري لقبولها أن يتنازل المريض عن دعواه على أساس المسؤولية العقدية ليقيمها على أساس المسؤولية التقصيرية (3)  .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المجموعة المتخصصة في المسؤولية القانونية للمهنيين , الجزء الأول , المسؤولية الطبية , المرجع السابق , ص 140.

(2) الدكتور محمد رايس , المسؤولية المدنية للأطباء في ضوء القانون الجزائري , المرجع السابق , ص 316.

(3) المجموعة المتخصصة في المسؤولية القانونية للمهنيين , نفس المرجع , ص 141-142 .

 

 

 

 

الفرع الثالث : حجج الإتجاه القائل بالمسؤولية التقصيرية .

إرتكز أنصار الأساس التقصيري لمسؤولية الطبيب على حجج ثلاث نلخصها فيما يلي :

البند الأول : الطابع الفني للعمل الطبي وإستحالة إحتواء العقد له .

إن القاعدة أن الطبيب في مباشرته العلاج يخضع لضميره المهني ويخضع للأصول العلمية الثابتة والمتفق عليها في الطب وهي أمور لا يمكن أن يحتويها العقد لخروجها عن دائرة التعاقـد بدليل أن دعوى مساءلة الطبيب عند طرحها على القضاء توجب الإستعانة بأهل الخبرة مـــن الأطباء دونما حاجة للبحث عن وجود العقد من عدمه فالطبيب الذي يسيء العلاج يخل بإلتـزام مهني لا بإلتزام تعاقدي (1) .

ولقد ذهب بعض الفقه في نفس السياق إلى القول بوجود عدم مساواة معنوية بين الطبيــب والمريض هذا الأخير الذي يكون في موقف الطرف الضعيف بسبب الألم والجهل بالمعطيــات الطبية بحيث لا يمكن معه القول بأن رضائه صادر بحرية وتبصر في مقابل الطبيب الذي يملك الإمكانيات العلمية والفنية والمعرفية فعدم المساواة المعنوية أو الفعلية تستوجب عدم مساواة قانونية فلا يمكن القول بوجود عقد قائم على الرضاء الحر .

وفي نفس الرأي يذهب الفقيهان ” أوبري” و” رو ” إلى أن  العمل الطبي مثله مثل سائــر الأعمال الفكرية لا يمكن أن يكون محلا للعقد لخروجه عن دائرة التعامل بإعتبار أنها لا تقــوم بمال فالعمل الطبي هو عمل إمتنان وشكر والمسؤولية عنه لا تخرج عن القواعد العامة التــي يخضع لها باقي الأفراد كما يذهب الفقيه ” بران ” إلى القول بأن الخطأ المهني لا يمكن أن يكون إلا خطأ جسيما فهو يشبه الخطأ العمدي المعروف والذي لا يرتب إلا المسؤولية التقصيرية ولو حصل ذلك تنفيذا لإلتزام تعاقدي (2) .

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حروزي عز الدين , المسؤولية المدنية للطبيب أخصائي الجراحة , دار هومة للطباعة والنشر, طبعة 2009 , ص 104.

(2) نفس المرجع , ص 105 .

 

 

 

 

 

 

البند الثاني : عدم قابلية حياة الإنسان للتعامل .

فلقد ذهب هذا الرأي  إلى القول بأن حياة الإنسان لا يمكن أن تكون محلا للتعامل فالقانون هو الذي يكفل الحماية لحياة الإنسان وجسده بإعتباره غاية التنظيم القانوني فجسم الإنســـان معصوم من إعتداء الآخرين والحماية تمتد فتشمل كيانه المادي أي الجسد وكذلك كيانه المعنوي وهكذا أخرج القانون الإنسان من دائرة التعامل فلم يعتبره مالا ولم يعامله معاملة الأشياء فكيـف يتصور وجود تعاقد والمريض تحت سيطرة الطبيب يتصرف في حياته كيف يشاء (1) .

ويلاحظ أن هذا الحجة قد أخلطت بين حياة الإنسان وكونها ليست محلا للتعامل من جهـة وبين مدى إلتزام الطبيب من جهة أخرى فالطبيب يلتزم ببذل عناية من أجل الوصول إلى شفـاء المريض ملتزما بمبادىء وأصول مهنة الطب وأن الطبيب لا يسأل عن وفاة المريض لأنــه لا يلتزم بضمان حياته أو شفائه فهو غير ملزم بتحقيق نتيجة كأصل عام فالإلتزامات التي تقع علـى عاتق الطبيب ينبغي النظر إليها خارج إطار العقد فهي إلتزامات تحدد وفق مبادىء العلوم الطبية وما نصت عليه القوانين الخاصة بتنظيم مهنة الطب كمدونة أخلاقيات الطب وقانون الصحة من جهة وما يمليه الضمير المهني على الطبيب .

كما أن العمل الطبي أو العلاجي يتعلق بالمساس بحياة الأشخاص وسلامة الأبدان والمصالح الأولى بالرعاية في المجتمع وهي صحة الأفراد وأن أي إعتداء على ذلك يعد إعتداء وتجاوزا لم تقضي به القواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام إلا إذا أذن القانون ورخص وأبـاح للطبيب بمباشرة تلك الأعمال وفق الشروط والقواعد المحددة وبالتالي فإن هذه الإعتبارات مـن شأنها أن تفرض علينا إعمال قواعد المسؤولية التقصيرية وليس قواعد المسؤولية العقدية إذ أن العقد لا يمكنه أن يبرر المساس بالنظام العام ولا يمكن للإرادة أن تتصرف بحرية دون التقيد بقواعد النظام العام أوأن تبيح تصرفا لم يجزه القانون (2) .

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الدكتور محمد رايس , المسؤولية المدنية للأطباء في ضوء القانون الجزائري , المرجع السابق , ص 362.

(2) نفس المرجع , ص 362.

 

 

 

 

البند الرابع : حالـة أداء واجب أوإلتزام قانوني.

أنه لا يمكن الكلام عن العلاقة التعاقدية بين الطبيب والمريض خاصة في حالة ما إذا كان هذا الأخير في حالة غيبوبة وفاقدا للوعي بفعل المرض الذي يعاني منه أو مصابا فـي قارعة الطريق على إثر حادث جسماني خطير أو كان شخصا عاجزا لا يعرفه الطبيب ولا يمكن لهذا الأخير الاتصال بمن يمثل المريض قانونا ففي مثل هذه الحالات يتدخل الطبيب بدون وجود أي إتفاق سابق بينه وبين المريض وبالتالي لا يمكن الحديث عن وجود علاقة تعاقدية تنشأ عنها مسؤولية تعاقدية بل الحديث ينصب على قيام المسؤولية التقصيرية مادام الطبيب يوجد في حالـة أداء واجب وإلتزام قانوني محظ تكفل النظام القانوني بتحديده ولا دخل لإرادة الطبيب أو المريض في إيجاده فيجب على الطبيب الإعتداد بما تمليه عليه إلتزاماته القانونية وأن خروجـه عنها ومخالفتها يرتب مسؤوليته التقصيرية (1) .

البند الخامس : كل عمل إجرامي تنتج عنه مسؤولية تقصيرية .

مضمون هذه الحجة هو القاعدة التي مفادها أن كل جريمة سببت ضررا تكون المسؤوليــة المدنية التابعة لها مسؤولية تقصيرية وهو ما يمكن القول به بالنسبة للأخطاء التي يرتكبها الطبيب وتتسبب إما في وفاة المريض أو المساس بجسمه كإحداث عاهة مستديمة فهذه الأفعال أو الأخطاء ترتب المسؤولية الجنائية على الطبيب فالفعل المجرم في هذه الحالة لا يمكن تصوره على أنــه عقدي وإنما يكون في الغالب خطأ تقصيري بمخالفة الطبيب واجب الحيطة والحذر أوأن يكـون خطئه نتيجة الإهمال أو الرعونة أو عدم إحترام الأنظمة والقوانين (2) .

البند السادس : أن الخطأ المهني الذي يترتب على مخالفة إلتزام من ذات النوع أي مخالفة قاعدة قانونية من القواعد المنظمة لمهنة الطب والتي تكون لها إتصال أو علاقة بمخالفة الأصول الفنية لمهنة الطب يجعل من الطبيب في هذه الحالة لا يسأل عن هذه الأخطاء الفنية كخطأ فــي التشخيص أوالعلاج إلا في حالتي الغش والخطأ الجسيم آو كما لوثبت أنه أظهر جهلا فادحــا بأصول العلم والفن الطبي لأن سلوك الطبيب يجب أن يتفق مع الأصول الفنية المستقرة فالمشرع يعامل الطبيب الذي غش مريضه معاملة تخضع للقانون حتى ولو وجد عقد مبرم بينهما فتطبـق قواعد المسؤولية التقصيرية وتستبعد قواعد المسؤولية العقدية (3) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) Catherine paley – vincent , Responsabilité du Medecin , Mode d’emploi , mami édition , Masson , Paris 2002 p25.

2) الدكتور رايس محمد , المسؤولية المدنية للأطباء في ضوء القانون الجزائري , المرجع السابق , ص 364 .

(3) حروزي عز الدين , المسؤولية المدنية للطبيب أخصائي الجراحة , المرجع السابق ,   ص 107

 

 

 

المطلب الثالث : التمييز بين المسؤولية العقدية والتقصيرية .

حتى أواخر القرن التاسع عشر لم يكن هناك جدال في قيام ازدواج في المسؤولية المدنيــة وأنها تنقسم إلى مسؤولية مدنية عقدية ومسؤولية مدنية تقصيرية وهذا لإختلافها من حيث الأساس والتنظيم والآثار وكان فريق من الفقهاء ينادي بضرورة أن تسمى المسؤولية العقدية بالضمــان منعا للبس ومنذ أواخر القرن التاسع عشر قام فريق من الفقهاء وشراح القانون ينادي بوحــدة المسؤولية المدنية غير أن هذا الرأي مبالغ فيه إذ أن هناك من الفروق الجوهرية بيــــــن المسؤوليتين ما يبرر إزدواج المسؤولية المدنية (1) وهذا يطبق كذلك على المسؤولية المدنيــة للطبيب بصفة عامة وعلى المسؤولية المدنية للطبيب الممارس في القطاع الخاص بصفة خاصة .

ومما تجدر الإشارة إليه أن الخطأ يعتبر أساسا لكلا المسؤوليتين سواء كان الخطأ يتمثل فـي عدم تنفيذ إلتزام عقدي أو قانوني إلا أن هناك فارقين هامين وهما :

         أولا : أن الإلتزام بالتعويض في المسؤولية العقدية يقع في المحل الثاني بالنسبة للإلتزام الأصلي الناشئ عن العقد .

         ثانيـا : نجد في المسؤولية العقدية إخلالا بإلتزام معين نظمته إرادة الطرفين بينهما بينما لا نجد في المسؤولية التقصيرية إخلالا بإلتزام معين وإنما يوجد إخلال بالواجب العام الذي فرضـه القانون على الكافة بمراعاة التبصر وعدم الإضرار بالغير وعلى هذا الأساس تقوم معظم الفوارق للتمييز بين المسؤوليتين كالأتي:

الفرع الأول : من حيث طبيعة الإلتزام والتضامن .

فمن حيث الإلتزام الذي يحصل الإخلال به في المسؤولية العقدية هو إلتزام عقدي ينشـأ بإرادة أطرافه وكذا مدى هذا الإلتزام أما في حالة المسؤولية التقصيرية فإن الإلتزام الـذي يحصل الإخلال به هو إلتزام قانوني ينشئه القانون ويحدد مداه وطبيعته دون مراعـــاة لإرادة الأطراف في ذلك مما يجعل الفرق بين المسؤولية العقدية والتقصيرية واضحا من حيث طبيعة كليهما (2) .

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الدكتور محمد حسنين , النظرية العامة للإلتزام , المرجع السابق , ص 138.

(2) الدكتور رايس محمد , المسؤولية المدنية للأطباء في ضوء القانون الجزائري , المرجع السابق , ص 377  .

 

 

 

 

أما من حيث التضامن بين المدينين المتعددين ففي المسؤولية التقصيرية التضامن مقـرر بنص عام في القانون في حالة تعدد المدينين وهذا طبقا لما نصت عليه المادة 126 من القانـون المدني بنصها ” إذا تعدد المسؤولون عن فعل ضار كانوا متضامنين في إلتزامهم بتعويـــض الضرر وتكون المسؤولية فيما بينهم بالتساوي إلا إذا عين القاضي نصيب كل منهم في إلتزامهم بالتعويض ” .  أما في المسؤولية العقدية فلا تضامن إلا بالإتفاق أو بنص خاص في القانون والسبب فـي قيام التضامن بنص عام في المسؤولية التقصيرية هو أنه إذا إرتكب الخطأ إثنان كان خطأ كــل منهما هو السبب في الضرر ومن ثم وجب عليه التعويض كاملا ” (1) .

الفرع الثاني : من حيث الإعذار والأهلية .

الإعذار هو مطالبة الدائن لمدينه بالوفاء وإظهار نيته في عدم التسامح معه في التأخير ويقــال أن الإعذار شرط لتحقق المسؤولية العقدية وليس شرطا لتحقق المسؤولية التقصيرية لأنه لا حاجة للإعذار في المسؤولية التقصيرية لأن الإلتزام فيها سلبي دائما وكذلك الشأن بالنسبة للإلتـزام العقدي إذا كان سلبيا وهو شرط لإستحقاق التعويض .

أما من حيث الأهلية فيذهب أنصار الإزدواج إلى القول بأن أهلية الرشد أو الأهلية الكاملة هي التي تشترط في المسؤولية العقدية أما في المسؤولية التقصيرية فيكفي لها توافر التمييز لدى المسؤول عن إحداث الضرر أي أن ناقص الأهلية  لا يلتزم بعقده ولكن يلتزم بعمله غير المشروع طبقا لما نصت عليه المادة 125 من القانون المدني بنصها ” لا يسأل المتسبب في الضرر الذي يحدثه بفعله أو إمتناعه أو بإهمال منه أو عدم حيطته إلا إذا كان مميزا ” ويذهـب أنصار وحدة المسؤولية إلى أن سبب المسؤولية العقدية هو نفسه سبب المسؤولية التقصيرية فلا فـرق بين المسؤوليتين من ناحية الأهلية غير أنه يرد وبحق على هذا الرأي بأن للمسؤولية العقديـة شرطين هما العقد الصحيح ومخالفة الإلتزام الناشيء عنه معا وصحة العقد تستلزم أهلية التعاقد أو الأهلية الكاملة (1) وكذلك نجد أن شرط المسؤولية التقصيرية هو توافر الخطا من جانب المسؤول وركنا الخطأ هما التعدي والإدراك أي التمييز إذن فالمسؤولية العقدية تستلزم توافر الأهلية الكاملة لدى المسؤول بينما المسؤولية التقصيرية تتطلب فقط توافر التمييز لديه (2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الدكتور محمد حسنين , الوجيز في نظرية الإلتزام  , المرجع السابق , ص 138.

(1) تنص المادة 40 من القانون المدني الجزائري ” كل شخص بلغ سن الرشد متمتعا بقواه العقلية ولم يحجر عليه يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية وسن الرشد تسعة عشر ( 19) سنة كاملة “

وتنص المادة 43″ كل من بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد وكل من بلغ سن الرشد وكان سفيها أو ذا غفلة يكون ناقص الأهلية وفقا لما يقرره القانون ” .

 

 

 

الفرع الثالث : من حيث التعويض والإعفاء من المسؤولية والتقادم .

لقد إستقر رأي الفقه والقضاء والتشريع على أن التعويض المستحق في كلتا المسؤوليتيــن سواء العقدية أو التقصيرية  يشمل الضرر المباشر وحده دون الضرر الغير مباشر لكونه أثـرا بعيدا للفعل الضار (1) أما من حيث مدى التعويض فيسأل المدين في المسؤولية التقصيرية عـن الضرر المتوقع والغير المتوقع .

أما في المسؤولية العقدية فلا يسأل إلا عن الضرر المتوقع أي الضرر الذي يدخل في قصد العاقدين وقت التعاقد إلا إذا وقع من العاقد المدين غش أو خطأ جسيم لأن حسن النية مفـترض أثناء تنفيذ العقد وهذا طبقا لما نصت عليه المادة 182 فقرة 02 من القانون المدني بقولها ” غير أنه إذا كان الإلتزام مصدره العقد فلا يلتزم المدين الذي لم يرتكب غشا أو خطأ جسيمـــــا إلا بتعويض الضرر الذي كان يمكن توقعه عادة وقت التعاقد ” وعليه فالطبيب الممارس فــي القطاع الخاص وبناء على قيام مسؤوليته العقدية لا يسأل إلا عن الضرر المتوقع .

أما من حيث الإعفاء من المسؤولية فإنه يجوز الإتفاق على الإعفاء من المسؤولية العقديــة ولا يجوز ذلك في المسؤولية التقصيرية وهذا طبقا لما نصت عليه المادة 178 فقرة 2-3 بقولها ” وكذلك يجوز الإتفاق على إعفاء المدين من أية مسؤولية تترتب على عدم تنفيذ إلتزامه التعاقدي إلا ما ينشأ عن غشه أو خطئه الجسيم غير أنه يجوز للمدين أن يشترط إعفائه من المسؤولية الناجمة عن الغش أو الخطأ الجسيم الذي يقع من أشخاص يستخدمهم في تنفيذ إلتزامه ويبطل كل شرط يقضي بالإعفاء من المسؤولية الناجمة عن العمل الإجرامي ”

كما ذهب بعض الفقهاء إلى أنه تبطل كل شروط الإعفاء من المسؤولية العقدية التـي يشترطها أصحاب المهن في العقود التي يبرمونها مع غير المهنيين .

كما أن الفقه يشترط أن يكون الضرر الذي يكون محل إعفاء من المسؤولية العقدية يتعلــق بالأموال فإذا تعلق بالنفس أو الجسد أو جسم  الإنسان كأن تكون الأضرار جسمانية تمس السلامة البدنية والنفسية والمعنوية للإنسان بطل هذا الشرط (2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الدكتور محمد حسنين , الوجيز في نظرية الإلتزام , المرجع السابق , ص 139 .

(2) الدكتور رايس محمد , المسؤولية المدنية للأطباء في ضوء القانون الجزائري , المرجع السابق , ص 382  .

(3) الدكتور أنور سلطان , الموجز في النظرية العامة للإلتزام , مصادر الإلتزام , دار المطبوعات الجامعية  الإسكندرية , مصر , طبعة 1998 , ص 312 .

 

أما فيما يتعلق بالتقادم تتقادم دعوى المسؤولية العقدية كقاعدة عامة بخمسة عشر سنة كاملة طبقـا لما نصت عليه المادة 308 من القانون المدني الجزائري بنصها ” بتقادم الإلتزام بإنقضاء خمسة عشر سنة فيما عدا الحالات التي ورد فيها نص خاص في القانون وفيما عدا الإستثنـــاءات الآتية:

ونص في القانون المدني على الحالات المستثناة من القاعدة العامة في المواد من  309إلـى 312 .

أما فيما يتعلق بتقادم دعوى المسؤولية التقصيرية فقد نصت المادة 133 من القانون المدني على ” تسقط دعوى التعويض بإنقضاء خمس عشرة (15) سنة من يوم وقوع الفعل الضار ” .

وقد نص على تقادم الدعوى المدنية المرتبطة بالدعوى العمومية في المادة 10 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري وأحال تقادم الدعوى المدنية إلى أحكام القانون المدني بقولــه ” تتقادم الدعوى المدنية وفق أحكام القانون المدني غير أنه لا يجوز رفع الدعوى أمام الجهــة القضائية الجزائية بعد إنقضاء أجل تقادم الدعوى العمومية ” .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى