الاجتهاد القضائي

التعليق على قرار ( الدولة مسؤولة عن أخطاء السلطة القضائية )

images

التعليق على قرار ( الدولة مسؤولة عن أخطاء السلطة القضائية ) 

 

بناء على المقال الافتتاحي للدعوى الذي تقدم به المدعي إلى كتابة ضبط هذه المحكمة بتاريخ 2006/1/20 والذي يعرض فيه بواسطة محامية أنه ذهب ضحية خطأ قضائي فادح حينما صدر عليه قرار غرفة الجنايات لدى محكمة الاستئناف بالجديدة بالسجن المؤبد عن جريمة قتل وتم إيداعه بالسجن الذي قضى به قرابة عشر سنوات من تاريخ 1993/9/21 إلى تاريخ 2001/11/23 وأن القرار الذي أدانه خطأ في الملف 93/57 بتاريخ 1993/9/4 رقم القرار 93/175 تم إلغاؤه بعلة أنه ظهر الجاني الحقيقي الذي أدين بمقتضى قرار مبرم بالإعدام، وذلك بواسطة مسطرة المراجعة التي آلت إلى صدور القرار 1/935 بتاريخ 2005/7/9 عن المجلس الأعلى في الملف الجنائي 2005/5962 وأن الخطأ القضائي المتمثل في إدانته وإصدار الحكم عليه بالسجن المؤبد واعتقاله كان عبارة عن كارثة دمرت حياته وحياة زوجته وأولاده، إذ أنه فضلا عن الضرر المادي الذي أصابه من جراء تعريض عائلته للمجاعة والتشريد والتذمر النفسي والمعنوي، بحكم ظهوره أمامهم وأمام كافة الناس كمجرم مرتكب لجناية قتل، بالإضافة إلى حرمانه من حريته خلال فترة الشباب وخروجه شيخا محطما يشكل ضررا يستوجب التعويض، ونظرا لوجود السند الرسمي والنص القانوني الصريح المتمثل في مقتضيات الفصل 573 من قانون المسطرة الجنائية، لذلك يلتمس الحكم لفائدته بتعويض عن مختلف الأضرار اللاحقة به لا يقل عن 8.000.000.00 درهم مع النفاذ المعجل والصائر. وبناء على مقال إدخال الغير في الدعوى المدلى به من طرف المدعي والذي يلتمس فيه بواسطة محاميه الإشهاد له بإدخال كل من الخازن العام والسيد رئيس كتابة الضبط في الدعوى والتنصيص في منطوق الحكم على أن التعويضات المحكوم بها تؤدي عملا بمقتضيات الفصل 573 من قانون المسطرة الجنائية والفصل 34 وما يليه وخاصة الفصل 41 من قانون المصاريف القضائية في الميدان الجنائي من طرف الخازن العام أو المحصل التابع له أو كتابة الضبط بالمحكمة المختصة وشمول الحكم بالنفاذ المعجل وجعل الصائر على خاسر الدعوى. وبناء على المقال الإصلاحي المدلى به من طرف المدعي والذي أوضح فيه أنه تسرب خطأ مطبعي إلى مقاله الافتتاحي بخصوص اسمه، إذ ورد فيه اسمه هو «المولى عبد الواحد بن أحمد » في حين أن اسمه الصحيح هو المولى عبد الواحد بن امحمد لذلك يلتمس التصريح بقبول المقال الإصلاحي شكلا واعتباره موضوعا والتصريح باعتبار اسمه الصحيح بصفته مدعيا هو المولى عبد الواحد بن امحمد مع ما يترتب على ذلك قانونا. وبناء على جواب رئيس كتابة الضبط الذي جاء فيه أن العارض ليست له الصفة والمصلحة لإدخاله في دعوى التعويض المقدمة من طرف المدعي، ملتمسا في نهاية مذكرته إخراجه من الدعوى. وبناء على توصل باقي المدعى عليهم وعدم إدلائهم بأي جواب رغم التنبيه الموجه إليهم. وبناء على مستنتجات السيد المفوض الملكي الرامية إلى الحكم وفق الطلب. وبناء على اعتبار القضية جاهزة بجلسة 06/5/29 وحجزها للمداولة. التعليل وبعد المداولة طبقا للقانون من حيث الشكل : حيث إن الطلب الأصلي ومقال الإدخال قدما على الصفة والشكل المتطلبين قانونا ويتعين التصريح بقبولهما شكلا. من حيث الموضوع : حيث إن مؤدى الطلب هو التصريح بمسؤولية الدولة عن الأضرار التي لحقت بالمدعي بسبب إدانته خطأ بالسجن المؤبد من أجل جريمة القتل، وقضائه بالسجن مدة عشر سنوات تقريبا والحكم عليها تبعا لذلك بأدائها لفائدته مبلغ 8.000.000.00 درهم كتعويض مع النفاذ المعجل وتحميلها الصائر. وحيث إنه كان مبدأ عدم مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية هو المبدأ المعمول به في جل التشريعات ومن بينها التشريع المغربي، وذلك احتراما لمبدأ حجية وقوة الشيء المقضي به، إذ تصبح الأحكام الحائزة لهذه الحجية عنوان الحقيقة على ماجاء فيها فإن هذا المبدأ يظل مع ذلك خاضعا لبعض الاستثناءات بحيث يتدخل المشرع ويقرر المسؤولية استثناء في حالات معينة، كما فعل المشرع الفرنسي عندما أحدث قانون 8 يونيو 1895 في أعقاب قضية »Dreyfus« المشهورة التي هزت الرأي العام في فرنسا وهذا القانون خاص بالتماس إعادة النظر في بعض الأحكام الجنائية النهائية الصادرة في مواد الجنايات والجنح أيا كانت الجهة القضائية التي صدر عنها الحكم، ويقابل هذا التشريع في المغرب المادة 566 من قانون المسطرة الجنائية التي تحدد الحالات التي تعطي الحق في طلب مراجعة الأحكام النهائية الصادرة بالعقوبة في جناية أو جنحة لتدارك خطأ واقعي تضرر منه شخص حكم عليه من أجل جناية أو جنحة، ويترتب على الحكم ببراءة المحكوم عليه في الحالات المنصوص عليها في الفصل المذكور أحقية هذا الأخير في الحصول على تعويض من الدولة.وحيث يستفاد مما ذكر أن مساءلة الدولة بالتعويض تتحقق كلما ثبت وقوع خطأ قضائي تسبب في ضرر للمحكوم عليه، وهو كما عرفته الحقوقية المتخصصة في الخطأ القضائي الأستاذة Sylvie Noachovitch بأنه «إدانة شخص بريء وتبرئة شخص جان» وإلى هذا الاتجاه ذهب القضاء الإداري الفرنسي في العديد من قراراته من بينها الصادر في قضية jean Dehays الذي أدين سنة 1949 بالسجن لمدة 20 سنة مع الأشغال الشاقة لاتهماه بقتل زوجته وقد أبرئ سنة 1955 لظهور الجاني الحقيقي، وقد توصل بتعويض عن المدة التي قضاها في السجن قدره 12.335.00 فرنك، وكذلك القرار الصادر في قضية jean Marie Deveaux الذي أدين سنة 1963 بالسجن لمدة 20 سنة لاتهاه بقتل ابنة مشغله وقد أبرئ سنة 1969 لشهور الجاني الحقيقي وتم تعويضه عن المدة التي قضاها بالسجن بمبلغ 125.000.00 فرنك وكذلك القرار الصادر في قضية Roland Agret الذي أدين سنة 1973 بالسجن لمدة 15 سنة من أجل جريمة القتل وأبرئ سنة 1985 وقد تم تعويضه عن المدة التي قضاها بالسجن وهي 12 سنة بمبلغ 250.000.00 فرنك وحيث إنه إذا كان كذلك من المبادئ المستقر عليها فقها وقضاء لقيام مسؤولية الإدارة وبالتالي ترتيب الحق في التعويض ضرورة خطأ من جانب المرفق العمومي كشرط ضروري لتقرير هذه المسؤولية وحصول ضرر للطرف الذي يطالب بالتعويض ووجود علاقة سببية بينهما حسبما أكده الاجتهاد القضائي الإداري في العديد من القرارات الصادرة عنه، ومن ضمنها قرار مجلس الدولة الفرنسية في قضية Aubery الصادر في 22 يوليوز 1949 وقراره الصادر في قضية Henriot بتاريخ 27 يوليوز 1949 وفي قضية Dame pitiolt بتاريخ 29 ماي 1950، فإن الأمر يختلف بالنسبة لمسؤولية الدولة عن أعمال القضاء، إذ أن أساس التعويض ليس الخطأ بل المخاطر، ومعنى ذلك أن المسؤولية في هذه الحالة تقوم على ركنين فقط هما الضرر وعلاقة السببية بين نشاط الإدارة ذاته وبين الضرر الحاصل، بحيث لا يلزم طالب التعويض بإثبات أن صدور الحكم الملغى يرجع إلى خطأ القضاء (انظر في هذا الشأن مؤلف الدكور سليمان الطماوي قواعد المسؤولية والتعويض ص49). وحيث إن الثابت من وثائق الملف أن المدعي كان قد أدين بالسجن المؤبد من أجل جريمة القتل بمقتضى القرار الصادر عن غرفة الجنايات بتاريخ 1993/9/4 ملف عدد 93/57 وأن هذا القرار القاضي بالإدانة تم إلغاؤه بموجب قرار المراجعة الصادر بتاريخ 2005/7/6 تحت عدد 1/935 وذلك بعلة ظهور الجاني الحقيقي، الأمر الذي نتج عن قرار اعتقال المدعي كان بدون سند صحيح من القانون. وحيث إنه استنادا إلى ماذكر واعتبارا للمقتضيات القانونية المنصوص عليها في الفصل 573 من قانون المسطرة الجنائية التي تقضي بأنه يمكن استنادا إلى المقرر الجديد المترتبة عنه براءة المحكوم عليه وبناء على طلبه الحكم بتعويض عن الضرر الذي لحقه بسبب الإدانة يكون المدعي محقا في المطالبة بالتعويض عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقته بسبب إدانته وبقائه رهن الاعتقال طيلة المدة المتراوحة من 1993/9/21 إلى 2001/11/23 وحيث إن المحكمة واعتبارا منها لجسامة الأضرار المادية اللاحقة بالمدعي والمتمثلة على الخصوص في فقده بدون سب مشروع لحريته وهي من الحقوق الطبيعية التي حرصت الدساتير المتعاقبة على صيانتها وعدم المساس بها، وفي حرمانه كذلك من كسب عيشه ورعاية مستقبله، ومستقبل أسرته وكذا الأضرار المعنوية المتمثلة في الألم النفسي الناتج عن اعتقاله طيلة المدة المذكورة، ولما للمحكمة في سلطة تقديرية في هذا المجال تحدد التعويض المستحق للمدعى في مبلغ 1.500.000.00 درهم. وحيث إن طلب النفاذ المعجل ليس له ما يبرره لعدم توفر موجباته. وحيث يتعين تحميل الخزينة العامة الصائر المنطوق وتطبيقا لمقتضيات القانون 41/90 المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية والفصل 573 من ق.م.ج لهذه الأسباب تصرح المحكمة الإدارية وهي تقضي علينا ابتدائيا وغيابي. في الشكل : بقبول الطلبات في الموضوع: بأداء المدعى عليها الدولة المغربية لفائدة المدعي مبلغ 1.500.000.00 (مليون وخمسمائة ألف درهم) كتعويض، وتحميل الخزينة العامة الصائر ورفض باقي الطلبات.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى