في الواجهةمقالات قانونية

العدوان الاقتصادي بين التجريم والإباحة

المطلب الأول: مفهوم العدوان

يكتسي العدوان أثوابا متعددة ووجوها مختلفة وما دور الفقه الدولي إلا استنباطها وكشفها وضمها إلى زمرة الجرائم الدولية وبالتالي معاقبة مرتكبيها وسأعرض لذكر مفهوم العدوان في فرعين أتناول في الأول منهما مفهوم العدوان المسلح، على أن اذكر مفهوم العدوان الاقتصادي كشكل من أشكال العدوان غير المسلح  في فرع ثاني.

الفرع الأول: مفهوم العدوان (المسلح)

لقد بذل المجتمع الدولي جهودا مضنية من أجل التوصل لتعريف محدد للعدوان من ذلك المشروع العربي الذي تقدم به مندوب سورية سنة 1957 وكذلك المشروع السوفيتي الذي قدم عام 1950 بمناسبة الحرب الكورية، كما أعقبته مشاريع أخرى قدم منها ثلاثة في سنة 1968 وثلاثة في سنة 1969

وقد توالت اجتماعات اللجنة القانونية المكلفة بوضع تعريف للعدوان إلى أن تم الاتفاق علي تعريف للعدوان في ابريل سنة 1974 وهو التعريف الإرشادي الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها الصادر بتاريخ 14/12/1974[7].

ويلاحظ أن هذا القرار يتضمن ديباجته ثم ثمان مواد تتضمن التعريف العام للعدوان، وقرينة البدء في استخدام القوة ثم صدور العدوان، والعلاقة بين العدوان والدفاع عن النفس من جهة، وبين حق تقرير المصير من جهة أخرى ، ثم سلطات مجلس الأمن في ظل التعريف[8].

وهكذا أوردت المادة الأولى من القرار تعريف العدوان مقررة أنه يتمثل في استخدام القوة المسلحة بواسطة دولة ضد السيادة أو السلامة الإقليمية، أو الاستقلال السياسي لدولة أخرى أو بأي شكل يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة ,وتشير المادة الثانية إلى أن المبادأة باستخدام القوة المسلحة بواسطة دولة خلافا لما يقتضي به الميثاق يشكل دليلا على وقوع العمل العدواني.

وإضافة إلى مساعي الجمعية العامة لتعريف العدوان فقد ظهرت للوجود عدة مساعي وجهود عليمة موازية تهدف لوضع حد لهذا الغموض  حيث رجحت الآراء المطالبه بضرورة وضع تعريف للعدوان.

وكان آخر نتاج تلك الجهود التعديل الذي حصل على ميثاق روما الأساسي بتاريخ 11/06/2010، حيث أدرج في المادة 80 مكرره والتي عرفت العدوان بأنه ))قيام شخص ما له وضع يمكنه فعلا من التحكم في العمل السياسي أو العسكري للدولة أو من توجيه هذا العمل بتخطيط أو إعداد أو بدء أو تنفيذ فعل عدواني يشكل بحكم طابعه وخطورته ونطاقه انتهاكا واضحا لميثاق الأمم المتحدة(([9]

ويلاحظ أن هذه المادة قد تبنت نفس تعريف الجمعية العامة للأمم المتحدة سابق الذكر.

الفرع الثاني: تحديد مفهوم العدوان الاقتصادي

يراد بالعدوان الاقتصادي التدابير الاقتصادية المتخذة من قبل دولة لأغراض سياسية موجهة ضد الاستغلال السياسي لدولة أخرى بهدف السيطرة عليها.

يتسع مفهوم العدوان الاقتصادي ليشمل مجمل التدابير المتخذة ضد دولة ما بهدف التأثير على اقتصادها الوطني عن طريق المقاطعة الاقتصادية وتجميد الودائع المالية والإضرار بمصادر الثروة الطبيعية فيها وغيرها من أنواع الحصار الاقتصادي[10].

وقد تم تعريف العدوان الاقتصادي أثناء عرض مشاريع تعريف العدوان بأكثر من صياغة، ففي يناير 1952 تقدمت بوليفيا إلى اللجنة السادسة للجمعية العامة بمشروع لتعريف العدوان شمل العدوان الاقتصادي بالتجريم.

وبعد ذلك جاء في المشروع الذي قدمه الاتحاد السوفيتي إلي اللجنة الخاصة بتعريف العدوان عام 1953 أنه <<يكون هناك عدوان اقتصادي، عندما تكون الدولة قد باشرت إحدى الأعمال التالية:

أ ـ تولي إجراءات ذات طابع اقتصادي تشكل خرقا لسيادة دولة أخري أو لاستقلالها الاقتصادي أو يهدد بالخطر أسس الحياة الاقتصادية لتلك الدولة.

ب ـ تولي إجراءات دولة أخرى تفضي إلى منعها من استثمار مواردها الطبيعية أو تأميمها لتلك الموارد.

ج ـ إخضاع دولة أخرى لحصار اقتصادي>>[11]

وأثناء مناقشات تعريف العدوان أشار آرواز (Araoz) من بوليفيا إلى أن العدوان الاقتصادي يخل جوهريا بثلاثة مبادئ أساسية للأمم المتحدة هي مبدأ الاستقلال السياسي للدول، ومبدأ المساواة في السيادة، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهو يؤكد بأن العدوان ليس فقط استخدام القوة المسلحة فغالبا ما يكون الضغط الاقتصادي كافيا للوصول إلى النتائج التي يؤدي إليها العدوان العسكري، ومثل هذا الضغط يعد مخالفة صريحة للمادتين 2/4، 55 من الميثاق.

ويضيف بأن خصائص العدوان المسلح هي خصائص العدوان الاقتصادي، فهذا الأخير لا يمكن تمييزه عن الأول إلا من ناحية استخدام القوة بصورة غير مباشرة أي مقنعة والعناصر المكونة للفكرتين واحدة فعناصر كل منهما تنحدر من نفس فكرة العدوان، والعدوان المسلح وإن كان يتميز باللجوء  إلى القوة بينما العدوان الاقتصادي يتميز باللجوء إلى الضغط ، إلا أن هذا الأخير قد يؤدي بالبلد لا إلى الحرب المادية وحدها  وضياع  استقلالها، وإنما يؤدي بها أيضا إلى المجاعة وإلى الشقاء والبؤس.

هذا وقد استخدم تعبير العدوان الاقتصادي لأول مرة عام 1916 وذلك بواسطة الوفد البريطاني إلى مؤتمر باريس[12] عندما تقدم  بمسودة قرار دعي فيه إلى اتخاذ عمل مشترك لغرض حماية المصالح الاقتصادية لدول الحلفاء في مواجهة العدوان الاقتصادي لألمانيا، ومن ثم تواترت الدول على استخدام هذا المصطلح وإدراجه في الاتهامات المتبادلة في ما بينها؛ ففي ظل عصبة الأمم أعلن المندوب الياباني  ly Tton بخصوص المقاطعة الصينية للمنتجات اليابانية  عام 1932  <<أن تلك المقاطعة التي تفرضها الصين ضد السلع الأجنبية تعتبر عملا عدوانيا  ضد الدول الأخرى؛  لأن الأعمال العدوانية  لا تتمثل بالضرورة  في الالتجاء  إلى القوة المسلحة,  وأن التدابير الاقتصادية  المضادة  للأجانب  من جانب الصين لا يمكن النظر إليها  إلا بوصفها  أعمالا  عدوانية بدون استخدام  للقوة المسلحة>>[13].

وفي إطار الأمم المتحدة تقدمت كوبا بشكوى  إلى مجلس الأمن بتاريخ 11 يوليو 1960 اتهمت فيها الولايات المتحدة الأمريكية  باتباع سياسة العدوان الاقتصادي  ضدها  وذلك عن طريق تخفيض الكمية المقرر شراؤها من السكر الكوبي ورفضها  تكرير الزيت الخام الكوبي، وبموجب تلك المذكرة احتفظت كوبا لنفسها  بحق ممارسة الدفاع  الشرعي, للدفاع عن نفسها في مواجهة ذلك العدوان، ومن قبل وفي عام 1953 تقدمت سوريا بشكوى ضد إسرائيل التي كانت قد بدأت العمل في تغيير مجرى  نهر الأردن  داخل الأراضي التي  تسيطر عليها وخلال مناقشات تلك الشكوى اعتبر الوفد اللبناني أن تسميم مجرى مائي ينبع من إقليم إحدى الدول ويجرى خلال إقليم دولة مجاورة أو حتى تغيير مجراه بما يسبب الجوع والعطش لسكان هذا الإقليم يشكل عدوانا، وإثر ذلك وافق مجلس الأمن الدولي بقراره الصادر بتاريخ 27 اكتوربر1953 على توصيات رئيس لجنة مراقبة الهدنة في فلسطين U .N.T.S.O بموجب وقف العمليات الإسرائيلية التي تستهدف تغيير مجرى  النهر.

المطلب الثاني: صور العدوان الاقتصادي

يتخذ العدوان الاقتصادي أشكالا متعددة لا يمكن حصرها في إطار معين وإن كانت تستهدف بمجملها إلى حرمان الدولة من مواردها الاقتصادية أو التأثير في مصالحها .

ولذلك فسأذكر الصور التقليدية للعدوان الاقتصادي في فرع أول، على أن اذكر الصورغير التقليدية له في فرع ثاني

الفرع الأول: الأشكال التقليدية للعدوان الاقتصادي

من أهم الصور والنماذج التطبيقية للعدوان الاقتصادي ظاهرة المقاطعة أو الحصار ويعني بها في الغالب عمل دورية على سواحل بلد العدو بالسفن الحربية أو الطائرات لمنع البلد من تلقي السلع التي يحتاج إليها لشن الحرب، ويمكن أن يكون الحصار بإحاطة مدينة أو دولة بهدف الاستلاء عليها أو إرغامها على الاستسلام والأمثلة على الحصار كنوع من أنواع العدوان الاقتصادي عديدة ومتنوعة  كالحصار الذي تفرضه السعودية والإمارات على دولة اليمن حيث تقدر خسائر الاقتصاد اليمني جراء ذلك الحصار(العدوان الاقتصادي) بمليارات الدولارات . ويمتاز العدوان الاقتصادي السعودي على اليمن بكونه يترافق مع صراع مسلح على خلاف العدوان الاقتصادي التي تمارسه السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر حيث يرتكز أساسا على الحصار والمقاطعة الاقتصادية. ومن أمثلة الحصار التقليدي للعدوان الاقتصادي وغير الاقتصادي أو العدوان المسلح أو غير المسلح هو ذلك العدوان الذي يمارسه الصهاينة في حق الشعب الفلسطيني منذ عشرات السنين.

وبالتالي فالعدوان الاقتصادي كشكل من أشكال العدوان غير المسلح قد يكون سببا في وقوع مجازر وسقوط دول كما هو الحال في سقوط النظام العراقي 2003 جراء الحصار الذي كان مفروضا عليه منذ سنوات، وبالتالي فمفهوم الحصار معروف في القانون الدولي بأنه اغلاق لمنطقة الموانئ  أو السواحل أو الأجواء  بواسطة القوات المسلحة لمنع دخول وخروج السفن سواء أكانت حربية أم تجارية كذلك دخول الطائرات  لمختلف الدول لمنع أي نوع من المساعدات أو أي تحرك من وإلى داخل الجزء الذي يحاصر ولمنع الاقتراب من السواحل المحاصرة.

ووفق ما جاء بقرار التعريف فإن حالة الحصار للموانئ والسواحل قد اعتبرت إحدى الحالات النموذجية  للعدوان، وعندما تكون الدولة – أية دولة – قد استعملت أولا قواتها المسلحة لغرض حصار على ميناء  أو سواحل دولة أخرى فإن عملها يشكل الدليل الأولى لفعل العدوان ( وفق المادة 2 و3 فقرة c).

لأن النظرة الحالية الثابتة هي أن الحصار باختلاف أنواعه يشكل فعل (العدوان) سواء أكان ذلك العمل موجها ضد الدولة المحاصرة أم ضد دولة ثالثة التي تم حجز سفنها أثناء محاولتها الوصول إلى ما يسمى بالموانئ  المحاصرة[14].

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى