مستجدات القـانون البنكـي المـغربـي وتـعديلاتـه
اعتمد المشرع المغربي سواء في قانون 1967 أو قانون 1993 أو قانون 2006 ، على نوعية العمليات التي يمكن للبنك ممارستها، كأساس لتحديد مفهوم البنك، فاعتبره بأنه ”كل مؤسسة تحترف على وجه الاعتياد مهنة تلقي الأموال من الجمهور، شريطة استعمال الأموال إما لحسابها الخاص أو لحساب من يعنيهم هؤلاء في عمليات مالية تخص القرض أو البرصة أو الصرف، وبصرف النظر عن موقع مقرها الاجتماعي أو جنسية المشاركين في رأس مالها أو مخصصاتها أو جنسية مسيرتها ”
والنشاط البنكي يعد نشاطا أساسا في الحياة الاقتصادية والمالية لأي دولة . وقد دفعت خاصياته التي يتمتع بها، بالمشرعين إلى تنظيمه تنظيما دقيقا، سواء في جانبه المؤسساتي أو العملي أو الرقابي، بغية ضمان الاستقرار والاستمرارية للدورة المالية والاقتصادية، وليتمكن القطاع البنكي من القيام بدورة في تعبئة المدخرات وتوزيع الإتمانات في أحسن الظروف، وبالشكل الذي يحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدولة، حسب سياسات هذه الأخيرة ومخططاتها.
وبناء عليه، فإن المغرب عرف طفرة تشريعية في المجال المالي والتجاري والإتماني، تبعا لمرحلة التقويم الهيكلي، التي شرع فيها منذ أواسط العقد الثامن من القرن 20 ، ومنها صدور مجموعة من القوانين التي تنظم عمل المؤسسات البنكية، سواء في علاقتها بالبنك المركزي أو بالزبناء أو فيما بينها.
إلا أن هذه القوانين منذ 1967 إلى 2006 مرورا بسنة 1993 ، اتسمت بكون المهنة البنكية والنشاط البنكي، كانا يمارسان في مناخ تنظيمي وهيكلي غير متجانس، الشيء الذي دفع بالحكومة سنة 2004 إلى تقديم مشروع قانون بنكي جديد، الذي دفع اعتبر أثناء صدوره سنة 2006 ، بمثابة نقطة تحول جديد في النظام المالي والبنكي في المغرب، وذلك من خلال مجموعة من الأهداف المتوخاة من إصداره. وحتى نقف على كل هدف على حدى، يلزمنا التعريج أولا على تعريف القانون البنكي وعلاقته بالنشاط الاقتصادي (المبحث الأول)، ثم نأتي على الأسباب التي دفعت المشرع لإصداره والأهداف التي سطرت له( المبحث الثاني).
المبحث الأول : محددات القانون البنكي.
المطلب الأول : مفهوم القانون البنكي.
يتحدد مفهوم القانون البنكي من خلال محتواه والغرض منه، فهو ينظم القطاع البنكي بمؤسساته ومسيرته وعملياته وعلاقاته بالمتعاملين وبالسلطات المختصة.
وإذا كان القانون البنكي لا يتمتع باستقلالية تامة، لأنه تأسس على أرضية القانون المدني والقانون التجار، فإنه اكتسب تدريجيا مزايا خاصة، راجعة إلى القواعد التي يتضمنها والعمليات التي يتناولها والأدوات والتقنيات التي يستخدمها والغنية بالأعراف المهنية المتجددة بتجدد الحاجيات الاقتصادية والتقدم التقني.
وبالتالي، فالقانون البنكي هو قانون مهني لأنه ينظم مهنة معينة بكل علاقاتها وما ينتج عنها، وهو قانون ذو طابع دولي. فتقنياته في أغلبها مستوردة ولها علاقات وطيدة بالتجارة الدولية، مما يفرض تماثلها لتسيير العمل في هذا المجال.
المطلب الثاني : علاقة القانون البنكي بالنشاط الاقتصادي.
القانون البنكي يلعب دورهم في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، من خلال تنظيمه للمهنة البنكية أولا، وكذا تحكمه في حركة النقود والرساميل داخل السوق الوطني، وذلك من خلال مقتضيات قانونية تساهم في تخليق الحياة الاقتصادية للدولة.
من هنا أتت العلاقة ما بين القانون البنكي والنشاط الاقتصادي، باعتبار أن هذا الأخير يدور حول النقود والإتما، ولا تتخفى أهميتها في اقتصاد الدولة. وأيضا إلى أهمية العمليات التي تنجز في إطاره وعلى رأسها توزيع القروض وخلق النقوذ الناتة عنه.
فدور البنوك في هذه العمليات من بدايتها إلى نهايتها من جهة، وضرورة حماية المودعين من جهة أخرى، جعلا الدولة تنهج نظاما بنكيا متحكما في ضبط النشاط الإقتصادي للدولة، وذلك من خلال عناصره الأساسية وهي:
1 – طابع النظام العام المتمثل في تنظيم القروض وحماية المودعين والمقترضين، والمقترن بعقوبات جنائية في الغالب.
2 – طابع الخروج عن التصنيفات القانونية التقليدية المتعارف عليها، لأن المشرع في القانون البنكي يضع قواعد قانونية خاصة ومتميزة، دون مبالاة بالتصنيفات القانونية الموجودة، لأن غرضه الأساسي هو محاولة التحكم في الواقع الاقتصادي ومعطياته، والتي لا تتطابق بالضرورة والتصنيفات القانونية المعروفة.
3 – طابع التغيير السريع،لأن قواعد القانون البنكي لابد أن تساير التغير السريع الذي تعرفه الحياة الاقتصادية مما يفترض تدخل المشرع دائما لتغييرها يجعلها ملائمة للظرفية الاقتصادية.
المبحث الثاني : تداعيات تعديل القانون البنكي المغربي الجديد
المطلب الأول : الأسباب المؤدية إلى تعديل القانون البنكي.
إن الفترة الممتدة من 1967 إلى 2006 ، اتسمت في بدايتها بكون المهنة البنكية والنشاط البنكي، كانا يمارسان في مناخ تنظيمي وهيكلي غير متجانس، تمثل في تفوق الوساطة البنكية على وساطة بقية المؤسسات المالية في تمويل الاقتصاد وفي ضعف التمويل الذاتي للمؤسسات بمختلف أنواعها، وضعف المنافسة داخل الجهاز البنكي. فهذه المعطيات إذا أضفنا لها التحولات الاقتصادية والمالية على المستوى العالمي، نجدها دفعت كلها بالسلطات العمومية إلى الدخول في معركة الإصلاحات الاقتصادية وفي ضمنها القطاع البنكي والمالي.
الشيء الذي أدى إلى صدور قانون 6 يوليوز 1993 ، الذي يعتبر بمثابة قانون يتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان ومراقبتها. والذي جاء بتوجيهات جديدة كتوحيد الإطار القانوني وتمديده ليشمل أغلب المؤسسات العاملة في هذا القطاع….
لكن الملاحظ أنه بمجرد دخول هذا القانون حيز التنفيذ، بدأت نواقصه تظهر، وأهمها أنه جاء غير قادر على تحقيق التنافسية المطلوبة بين البنوك، وأن هناك هيأت لم يشملها بنفوذه، وأن تدابير حماية الزبناء فيه غير كافية. ونفس الشيء بالنسبة لاستقلالية البنك المركزي. كما تبين أن بعض العمليات لم ينظمها بشكل كامل لاسيما التعامل في الفاتورات وعمليات الائتمان الايجاري.
كما ظهرت ضرورة ملحة لتوفيق القانون المذكور أعلاه مع القوانين المنظمة لسوق رأس المال وشركات المساهمة ومدونة تحصيل الديون العمومية، فضلا عن ضرورة تكييف القوانين والتنظيمات الداخلية مع متطلبات التغييرات الاقتصادية والمالية المستمرة سواء على المستوى الداخلي أو الدولي، بسبب الانفتاح المتزايد على العالم الخارجي ودخول ابتكارات مالية وتقنية دولية جديدة في هذا المجال.
كل هذه الأسباب دفعت السلطات المختصة للدخول في مرحلة جديدة من مراحل مسلسل الإصلاح، بدأت فيها بتغيير قانون مؤسسات الائتمان لسنة 1993 . وفصله صدر قانون مؤسسات الائتمان بتاريخ 14 فبراير 2006 كمرحلة جديدة لتأطير العمل البنكي.
المطلب الثاني: الأهداف المتوخاة من تعديل القانون البنكي.
يعتبر صدور قانون مؤسسات الإئتمان لسنة 2006 بداية مرحلة جديدة في الحياة البنكية خاصة والإتمانية عامة في لمغرب، ذلك أن واضعي هذا القانون أرادوا من خلاله محاولة إصلاح السلبيات التي عرفتها المرحلة السابقة، بتضمينه أدوات عمل لتحقيق الأهداف المتوخاة منه، والتي يمكن حصر أهمها كما يلي:
أولا : تعزيز استقلالية البنك المركزي.
ثانيا: تديد القانون البنكي لمؤسسات مالية أخرى.
ثالثا: حق شركات التمويل في تلقي الأموال من الجمهور.
أولا : تعزيز استقلالية البنك المركزي.
يطمح البنك المركزي من خلال القانون البنكي الجديد إلى تعزيز استقلاليته اتجاه السلطة الوهمية التقليدية على القطاع، وهي وزارة المالية.
ويمكن حصر محاور الاستقلالية في النسق الآتي:
1 – انفراده بالنظر في طلبات الترخيص لممارسة النشاط الإتماني. وفي كل التغييرات التي قد تطرأ على جنسية أو رقابة مؤسسة ائتمان ما أو اندامجه أو ضمها إلى مؤسسات أخرى أو فتح الوكالات أو الفروع أو الشبابيك.
2 – اختصاصه بمراقبة مؤسسات القطاع مراقبة كاملة، على رأسها احترامها للتدابير التشريعية والتنظيمية والمحاسبية والاحتزازية، طبقا للشروط المحددة من طرفه.
3 – اختصاصه بتنظيم وضبط العمل في السوق النقدي والرقابة عليه. وتبعا لذلك، فقد تم إلغاء إمكانية لجوء الخزينة لتمويلاته، بمعنى أنه لن يقدم تسبيقات للدولة أو للمؤسسات العمومية باستثناء تسهيلات الصندوق، والتي يجب أن تكون استثنائية وضمن شروط مشددة. وبالتالي فإن على الخزينة أن تتوجه للبنوك من أجل تمويل عجزها كأي شخص عادي.
4 – اختصاصه في مجال غسيل الأموال وتمويل افرهاب في إطار الحملة العالمية المعروفة.
2 – ثانيا: تمديد القانون البنكي لمؤسسات مالية أخرى.
ينمي القانون البنكي الجديد في المادة 13 منه، على أنه سيسري على هيآت أخرى من الهيآت التي تقدم خدمات مالية في المغرب. وبذلك ستكون هذه أول مرة يتسع فيها نطاق القانون البنكي ليشمل مؤسسسات كانت دائما مستثناة في سريانه عليها. ويرجع سبب هذا المقتضى إلى ضرورة توحيد نفوذ سلطة الرقابة والإشراف التي لا يمكن أن تبقى موزعة بحسب نوعية الهيأ، نظرا للتداخل والترابط المتزايد لأنشطة هذه المؤسسات. وبناء عليه، فإن صندوق التوفير الوطني وصندوق الإيداع والتدبير، و الصندوق المركزي للضمان، وبنوك“آوف شور“ وجمعيات السلفات الصفرى ستخضع كلها لمقتضيات هذا القانون.
ثالثا: حق شركات التمويل في تلقي الأموال من الجمهور.
سبق لقانون مؤسسات الائتمان الصادر في 6 يوليوز1993، عندما مدد نطاق تطبيقه إلى شركات التمويل باعتبارها مؤسسات ائتمان، إلى جانب البنوك. إلا أنه أجاز للبنوك وحدها بتلقي الأموال من الجمهور لحسابها عند الطلب أو لأجل يساوي سنتين أو يقل عنهما. وبالتالي، منع وبصريح العبارة، شركات التمويل في هذا النوع من الودائع. إلا أن القانون البنكي الجديد، إن كان قد احتفظ للبنوك بامتيازها، فإنه سمح لشركات التمويل نفسها، بتلقي الأموال في الجمهور لأجل يفوق سنة، شرط حصولها على ترخيص بذلك، وطبقا للشكليات والشروط الواردة في المادة 27 من القانون المذكور.
وختاما يمكن القول، بأن القانون البنكي يلعب دور مهم في ضبط النشاط الاقتصادي وكذا الدورة الاقتصادية، الشيئ الذي فطن له المشرع المغربي من خلال دخوله في حركة من إصلاحات مقتضياته القانونية، التي اختتمت بإصدار قانون بنكي جديد سنة 2006 قادر على النهوض بالإقتصاد الوطني وبالتخفيف ولو نسبيا من حدة الأزمات العالمية.