في الواجهةمقالات قانونية

اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية بين تضييق نطاق الشكايات و محدودية النفوذ – أسامة الصليح

 

اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية بين تضييق نطاق الشكايات و محدودية النفوذ

أسامة الصليح

طالب باحث في العلوم القانونية والاقتصادية

 

مقدمة :

تعتبر الصفقات العمومية من أبرز طرق تسيير و استغلال المال العام بهدف تنشيط و تفعيل عجلة الاقتصاد و بالتالي تنفيذ السياسة التنموية للبلاد. إنها الصيغة القانونية التي وضعها المشرع تحت تصرف السلطة العامة لتلبية حاجيات المواطنين والمواطنات. تعد الصفقات العمومية أهم قناة تتحرك فيها الأموال العامة و أحد أبرز المداخل التي تؤدي إلى المنازعات. لذا عمل المشرع على إحاطة الصفقات العمومية بمجموعة من الضمانات والقواعد لإعدادها، إبرامها و تنفيذها حماية للمال العام.

نص المرسوم الجديد للصفقات العمومية على طرق تسوية النزاعات وفق مسلكين، مسلك التسوية الودية عن طريق المسطرة الإدارية الداخلية[1]– داخل الإدارة بين طرفي العقد- أو خارجيا عبر اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية[2]. من خلال هذه المقالة سنركز على تسوية المنازعات من خلال اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية وفق المقاربة التالية :

المطلب الأول : تضييق نطاق الشكايات

المطلب الثاني : محدودية النفوذ

 

 

 

تعتبر اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية[3] هيئة من هيئات فض المنازعات غير القضائية للطبييات العمومية. ثم إحداث هذه اللجنة بغاية إرساء دينامية جديدة في تدبير الصفقات العمومية لبلوغ الحكامة الجيدة في إعداد و إبرام و تنفيذ الصفقات، تبسيط الإجراءات المتعلقة بها، ضمان المساواة بين المتنافسين و تشجيع المنافسة بما يتماشى مع أحكام الدستور.[4]  إنها هيئة إدارية تضم خبراء في مجال العقود الإدارية بصفة عامة والطلبيات العمومية بصفة خاصة.

المطلب الأول : تضييق نطاق الشكايات

خص المرسوم المنظم للجنة وطنية للطلبيات العمومية بابا خاصا للشكايات[5] التي يقدمها المتنافسون للجنة وهو مسلك مختصر و تفعيل للإجراءات الاحترازية و الاستباقية التي تقي الإدارة من المنازعات. وقد نصت المادة 30 على الحالات التي يمكن التشكي للجنة وهي كالتالي :

  • عندما يلاحظ أن إحدى قواعد مسطرة إبرام الطلبية العمومية واردة في النصوص التنظيمية الجاري بها العمل لم يتم احترامها
  • إذا تبين للمتنافس احتواء ملف الدعوة على بنود تمييزية أو شروط غير مناسبة بالنسبة لموضوع الطلبية العمومية
  • عندما ينازع المتنافس في أسباب إقصاء عرضه
  • عندما لا يقتنع بالجواب المقدم إليه من طرف الإدارة المعنية أو في حالة عدم الجواب على طلبه.

و بذلك فالمرسوم حصر الحالات التي يمكن اللجوء إلى اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية مغلقا الباب أمام حالات أخرى ترتبط بالتطبيقات العملية التي تظهر مع التطور القانوني والممارساتي لاسيما في مجال الطلبيات العمومية الذي يعد مجالا حيويا. وكاقتراح لتجاوز هذا النقص يمكن إحداث لجان قطاعية للتخفيف على اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية وضمان نوع من الفعالية بالنظر لتخصصها في قطاعات معينة إلى جانب ضمان الحقوق والمبادئ الناظمة للطلبيات العمومية على غرار ما هو معمول به في الجزائر.

ومن جهة أخرى فان المرسوم حدد الأطراف التي يحق لها اللجوء إلى اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية في كل من الإدارات العمومية والمتنافسين و أصحاب الطلبيات مغلقا الباب أمام المجتمع المدني الذي يعتبر شريك في تدبير الشأن العام المحلي والوطني وتفعيل دوره في حماية المال العام.

انطلاقا من المقتضيات القانونية و الحرص على استقلال السلطة القضائية  فإنه يفرض منع اللجنة من دراسة كل مسألة معروضة أمام القضاء أو سبق له أن أصدر في شأنها مقررا قضائيا.  إذ يتوجب على أجهزة اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية إيقاف كل شكاية من منافس أو طلب رأي متعلق بخلاف كان موضوعه حكم قضائي أو يجري التحقيق في شانه من طرف القضاء أو من طرف أية هيئة مراقبة أخرى[6].

حدد المرسوم المنظم لعمل اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية كيفيات تقديم شكايات المنافسين إما عن طريق البريد المضمون مع إشعار بالتوصل أو بطريقة الكترونية[7]. لكن بعد أزيد من ثماني سنوات من صدور المرسوم فان القرار المشار إليه لم ير النور بعد لتبقى المسطرة  الالكترونية لتقديم الشكايات وطلبات إبداء الرأي معطلة لليوم وبذلك فالمنافسين أو أصحاب المشاريع مدعوون إلى وضع شكاياتهم مباشرة بمكاتب اللجنة أو إرسالها إلى رئيس الوطنية عن طريق البريد المضمون مع إشعار بالتوصل.

إن من شأن تفعيل الشكايات وطلبات إبداء الرأي بطريقة الكترونية ستساهم في تقديم خدماتها بنوع من السرعة و الدقة اللازمة.

 

المطلب الثاني : محدودية النفوذ

عند وضع الشكاية و تجاوب اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية معها بالإيجاب يعمل رئيس اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية بإشعار الإدارة المعنية و يقترح على رئيس الحكومة إمكانية توقيف مسطرة إبرام الطلبية العمومية أو إرجاء المصادقة عليها إلى حين إصدار مقترح المقرر في شان المآل الواجب تخصيصه للشكاية.

لكن رغم هذا التوقيف أو التأجيل المقترح يمكن للإدارة متابعة مسطرة إبرام الطلبية العمومية أو المصادقة عليها إذا ارتأت أنها ضرورية لاعتبارات استعجالية تدخل في إطار الصالح العام. في هذه الحالة لابد أن توجه الإدارة إلى رئيس الحكومة و إلى رئيس اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية رسالة تتضمن الأسباب التي حملتها على اتخاذ هذا القرار.

وكاقتراح فإن النص القانوني يحتاج إلى إيراد الحالات التي يمكن فيها عدم التقيد بقرار رئيس الحكومة القاضي بتوقيف أو تأجيل الطلبية حتى تضيق مساحة التأويل ويتم التمييز بين الطلبيات التي يمكن تعليقها أو إرجاءها والتي لا يمكن أن يلحقها ذلك.

فبالرغم من تغيير مرسوم 1975 المتعلق بلجنة الصفقات إلا أنه ظلت اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية تابعة للأمانة العامة للحكومة وفق المادة الأولى من المرسوم رقم  2-14-867. لكن حرصا على الحياد وجب العمل على استقلالية اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية تفعيلا لتوصيات الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة. كما وجب منحها صلاحيات تقريرية تمكنها من توجيه للإدارات باعتبارها الجهاز الأعلى الذي يختص بالطلبيات العمومية بالدولة.

عمل المرسوم المنظم للجنة الوطنية للطلبيات العمومية على  تكريس الطابع الاستشاري للجنة الوطنية للطلبيات العمومية بحيث نصت المادة الرابعة و الخامسة من المرسوم المنظم لعمل اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية على مجموعة من المهام ذات الصيغة الاستشارية منها :

  • إبداء رأيها بطلب من الإدارات العمومية في كل مسالة ذات صبغة قانونية أو مسطرة تتعلق  بتحضير طلبية عمومية أو إبرامها أو تنفيذها أو تسديد ثمنها
  • إبداء رأيها القانوني فيما يتعلق بالنزاعات بين أصحاب الطلبيات العمومية و الإدارات العمومية بشأن تطبيق النصوص المنظمة للطلبيات المذكورة.

من هنا يظهر غياب أي رأي إلزامي أو دور تقريري فيما يتعلق بالنزاعات بين أصحاب الطلبيات أو المنافسين أو نائلي الطلبيات العمومية ولا تعدوا أن تكون مجرد توصيات تجعل الإدارات المعنية غير مجبرة على تنفيذها ومن هنا تطرح إشكالية فعالية نظام الطعون في ظل غياب الرأي الملزم للجنة والدور التقريري لها.

بالرغم من الاختصاصات التي منحت للجنة الوطنية للطلبيات العمومية إلا أنها تظل تحت وصاية رئيس الحكومة الذي له سلطة إعطائها صفة القرار الإداري بالتوقيع عليها. وفي حالات أخرى فان سلطة الوزراء تحول دون تنفيذ قرار رئيس الحكومة عندما يتعلق الأمر بتوقيف مسطرة الإبرام أو إرجاء المصادقة على الطلبية العمومية إذا ارتأت الإدارة دلك كما بينا سابقا.

 

خاتمة :

ختاما يمكن القول أن اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية رغم الأدوار المنوطة بها والاختصاصات الموكولة لها ورغم إعادة هيكلتها و انفتاحها على العالم الخارجي عبر ربط شراكات واتفاقيات تعاون و تبسيط مساطرها إلا أنها لازالت تواجه عدة انتقادات من قبيل أنها لا تتجاوب إلا جزئيا و إنها لا زالت تحت وصاية الأمانة العامة للحكومة و حبيسة قراراتها في غياب أي إلزام أو تقرير لأحكامها و قراراتها.

بعد صدور المرسوم الجديد للصفقات العمومية و الذي دخل حيز التنفيذ في فاتح شتنبر 2023 لابد من مراجعة المرسوم المنظم للجنة الوطنية للطلبيات العمومية ليتماشى مع مقتضيات المرسوم الجديد وأحكامه كما يجب تحديد بدقة بعض مواد المرسوم المنظم للجنة لتضييق التأويلات و تفادي  سوء الفهم كما فصلنا في المقالة مع توسيع مجال تدخل اللجنة و اختصاصاتها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المراجع

الكتب :

  • هناء العلمي-كوثر أمين، منازعات الصفقات العمومية على ضوء النص القانوني و وقائع الاجتهاد القضائي، تقديم رشيد السعيد، الطبعة الأولى، الرباط،  طوب بريس، 2010.
  • عبد العالي سمير، الصفقات العمومية والتنمية، الطبعة الأولى، الرباط، مطبعة المعارف الجديدة، 2010
  • عبد الله حداد، صفقات الأشغال و دورها في التنمية، الطبعة الثانية، منشورات عكاظ، 2000

المقالات والتقارير  :

  • تدبير الإدارات العمومية لمنازعاتها القضائية، المرصد المغربي للإدارات المغربية، العدد 22، يناير 2021
  • شفافية إبرام الصفقات العمومية بين مقتضيات النص التنظيمي و واقع الممارسة العملية، مجلة القضاء الإداري، العدد 4، ربيع 2014
  • دور الشفافية في مكافحة الفساد، الصفقات العمومية بالمغرب نموذجا، عبد الكريم حيضرة، مجلة الحقوق والحريات، العدد الثاني، مارس 2006

 النصوص القانونية :

 

المادة 163 من المرسوم رقم 2-22- 431صادر في 15 من شعبان 1444( 8 مارس 2023) يتعلق بالصفقات العمومية، ج.ر عدد 7176 بتاريخ 9/03/2023  [1]

  المادة 164 من المرسوم رقم 2-22- 431صادر في 15 من شعبان 1444( 8 مارس 2023) يتعلق بالصفقات العمومية، ج.ر عدد 7176 بتاريخ 9/03/2023[2]

 حلت محل لجنة الصفقات التي ثم احدثها سنة 1975[3]

 الفصل 35 و 36 من الدستور[4]

 وقد حدد المرسوم مدة تقديم الشكاية التي لا يجب أن تتجاوز اليوم السابع من تعليق نتائج الطلبية [5]

 المادة 39 من المرسوم رقم 2-14-867 صادر في 7 دي الحجة 1436 المتعلق باللجنة الوطنية للطلبيات العمومية  (ج. ر. بتاريخ 14 ذو الحجة 1436- 28 شتنبر 2015[6]

 المادة 31 من المرسوم رقم 2-14-867 صادر في 7 دي الحجة 1436 المتعلق باللجنة الوطنية للطلبيات العمومية  (ج. ر. بتاريخ 14 ذو الحجة 1436- 28 شتنبر 2015 [7]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى