المحاماة في التاريخ (1)
المحامي في روما :
لم تكن المهمة محصورة في روما في عمل واحد بل مقسمة إلى شقين وفق طبيعة كل عمل، فهناك المشورة القانونية وهي للفقيه، وهناك المرافقة وهي للخطيب.
أ- الفقيه: هو الذي يدرس الدعوى ويعطي رأيه فيها على أحسن وجه ويعلم طالب المشورة الدفوع والطلبات القانونية، ويلقنها إلى الخطيب.
ب- الخطيب: هو الذي يرافق صاحب الدعوى ويقف معه أمام المحكمة دون أن يكون وكيلاً عنه، ويظهر حينئذ مهارته وبراعته في الدفاع أمام القاضي. ويرى شُرَاح القانون الروماني أن تسمية المحامي Ad Vocotus تمثل مصطلحاً عاماً يندرج تحته كل من الفقهاء والخطباء.
ومما تقدم يظهر أن للمحاماة وظيفة في العصر الروماني لم تكن دراسة القضية والدفاع عن المتهم بل كانت مهمة دراسة القضية لرجل عالم بالقانون ودقائقه، ومهمة الدفاع توكل إلى شخص آخر عليم باللغة وأساليبها، فالشخص الأول يعطي صاحب الدعوى رأيه القانوني على شكل دفوع وطلبات ويخدمه الثاني عن طريق أسلوبه البلاغي.
وهكذا فإن القانون الروماني قد عمل على إبراز فكرة المحاماة ووكيل الدعوة في ذلك الزمان ، فلم يحاربوا أساليب البلاغة وطرقها كما فعل اليونانيون، لذلك نشأ عندهم – رغم ما كانوا عليه من شدة التمسك بالإجراءات والقانون – خطباء من الطراز الأول ملكوا ناصية المشاعر وزمام القلوب، فكان خطباؤهم أمثال أنطوانوهورتنسيوس إذا أرادوا إظهار التأثر وهم يترافعون تصفر وجوههم ويتأوهون ويتعجبون ويذرفون الدمع السخين، وبلغ تأثير المحامين على السامعين أن الممثلين المشهورين كانوا يحضرون جلسات المرافعة ليتعلموا منهم كيف يكون إظهار العواطف. وكانت الخطابة في روما سبيل المناصب العليا.
أما المحامي في القانون الإنكليزي:
فيرى بعض الكتاب أن أصول المحاماة في المملكة المتحدة تعود إلى العصور الوسطى حيث كان النزال والتقاتل بالرماح على صهوة الجياد هما الوسيلة الوحيدة للحكم والقضاء لصالح الغالب دائماً والذي يعد بذلك بريئاً أما المغلوب فهو المذنب. وهكذا كانت العدالة في العصور الوسطى في إنجلترا وبدأت ممارسات الإنابة للنساء، أعضاء الكنيسة والمستضعفين في الأرض حيث ينوب عنهم فارس ينازل خصمه المدعي أو المدعى عليه بحسب الأحوال، وبذلك كانت إنابة الفرسان نظاماً يكاد يشبه فكرة المحاماة مع الفارق”.
فالفارس هنا يحامي ويدافع عن طالب النصرة، والمحامي يدافع ويحامي موكله، بيد أن هناك بعداً شاسعًا ما بين الاثنين، فالفارس يعتمد على قوته الجسدية لصرع خصمه ونصرة صاحبه.
أما المحامي فيعتمد على قدراته العقلية وبلاغته الكلامية، وثقافته القانونية .
واستمرت حال النزال هذه إلى أن حرمتها الكنسية على أساس أنها تخالف التعاليم المسيحية السمحة.
ونتيجة هذا التحريم اضطر طرفا الخصومة القضائية إلى الاستعانة بصديق له خبرة قضائية ودراية بأعمال القضاء وإجراءاته، لذلك كان هذا الصديق من يردد العبارات الشكلية الضرورية لإقامة الدعوى أو لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتقديم الدفاع.
وفي القرن الثالث عشر تعقدت الإجراءات القانونية، وبدأ القانون العام الإنكليزي في التكوين، الأمر الذي أوجب ضرورة الاستعانة بخبير في القانون وإجراءاته. واضطروا هنا إلى استبدال الصديق بوكيل محترف يعرف باسم Marrator والذي اختص بأداء الإجراءات الشكلية والشفوية، وتقديم الدفاع في مسائل القانون لصالح عميله.
وفيما سبق يظهر لنا التنوع الثقافي للمرافعة على مر العصور وسأذكر لاحقا المحاماة في بعض الدول .
المحامي/ د.عبدالكريم بن إبراهيم العريني