في الواجهةمقالات قانونية

المسؤولية الجنائية للموثق دراسة تحليلية على ضوء مستجدات القانون 32-09 المنظم لمهنة التوثيق و مقتضيات القانون الجنائي

من إنجاز: المهدي بوي                         

 طالب باحث بسلك الدكتوراه بكلية الحقوق طنجة

تترتب المسؤولية الجنائية بوجه عام عن كل فعل أو إمتناع جرمه القانون الجنائي و عاقب عليه بنص خاص ، على اعتبار أن إتيان الأفعال المجرمة قانونا أو الإمساك عنها يشكل اعتداء على المجتمع يستوجب توقيع العقوبة على مرتكبيها .

و لما كان الهدف من إثارة المسؤولية المدنية للموثق هو تعويض المتضرر و من المسؤولية التأديبية إنذاره أو توبيخه أو حتى إيقافه فإن المسؤولية الجنائية تهدف بالإضافة إلى ذلك معاقبة المسؤول حماية للمجتمع.

فالموثق العصري بحكم مهنته قد يكون عرضة للمسائلة الجنائية الناشئة عن فعله الشخصي نتيجة إتيانه لأفعال إجرامية سواء أثناء ممارسة مهامه التوثيقية أو خارج نطاق مهنته ، و بالتالي يعاقب على أفعاله بصفة فردا في المجتمع أو بصفته موثقا يمارس مهنة حرة لحسابه الخاص .

و للإحاطة أكثر بموضوع المسؤولية الجنائية للموثق سنخصص ( المطلب الأول ) ، للأساس القانوني للمسؤولية الجنائية للموثق ، على أن نناقش في ( المطلب الثاني ) صفة الموثق أمام القانون الجنائي و الأفعال الموجبة لمسائلته جنائيا.

المطلب الأول – الأساس القانوني للمسؤولية الجنائية للموثق :

إن دراسة المسؤولية الجنائية للموثق ، تكتسي أهمية بالغة ، نظرا للدور الكبير الذي يقوم به الموثق في استقرار المعاملات ، ووعيا من المشرع  المغربي بأهمية المحررات الرسمية باعتبارها ركنا أساسيا لانعقاد العقود خاصة منها المعاملات العقارية [1] و لكونها تشكل ضمانة قوية لما لها من حجية قاطعة لا يمكن الطعن فيها إلا بسلوك دعوى الزور ، فقد أحاطها بعدة ضمانات ، و لعل أهمها الضمان الجنائي و الذي من شأنه الضرب على أيدي كل من تسول له نفسه الإعتداء على الثقة و شرف المهنة .

و بالرجوع إلى الفصل 1 من القانون الجنائي نجده ينص على أنه : ” يحدد التشريع الجنائي أفعال الإنسان التي يعدها جرائم بسبب ما تحدثه من اضطراب اجتماعي و يوجب زجر مرتكبيها بعقوبات أو بتدابير وقائية ” ، و الفصل 3 من نفس القانون الذي يقضي بأنه : ” لا يسوغ  مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون و لا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون “، يتضح بأن الأصل في التصرفات هو الإباحة المطلقة للأفعال التي لا تخالف القانون و النظام العام ، و أن التجريم على مجموعة من الأفعال هو الاستثناء مادام من شأن ذلك المساس بمصالح الأفراد و الأموال و الممتلكات أو المجتمع بشكل كلي ، و على هذا الأساس فإن القاضي الجنائي لا يملك تجريم ما لم يرخص بتجريمه أو توقيع عقوبة لم يرد بها نص و لا يجوز له القياس في دائرة التجريم و العقاب ، ثم إنه لا يملك الحق في التوسع في محتوى النص الجنائي .

و حتى تتحقق المسؤولية الجنائية للموثق لا بد من حدوث واقعة توجبها ، و شرط الواقعة الموجبة للمسؤولية الجنائية أن يكون الفعل المرتكب يدخل في دائرة التجريم ، و كذا حتى تتحقق المسؤولية لا بد من وجود جاني و يلزم فيه شرطان أن يكون أهلا لتحمل المسؤولية الجنائية و الثاني أن يكون هو مرتكب الجريمة [2]، وهو ما أكده الفصل 132 من القانون الجنائي [3].

و يتجلى الأساس القانوني الذي تقوم عليه المسؤولية الجنائية للموثق ، في نوعية الخطأ التوثيقي الذي يرتكبه أثناء ممارسة مهامه مما يجعله عرضة للوقوع في أخطاء عدة ، و يختلف الجزاء المترتب عنها باختلاف طبيعتها ، فإذا كان خطأ تأديبيا فهو يرتب مسؤولية تأديبية، ، و إذا كان خطأ مدنيا تترتب عنه مسؤولية مدنية ، أما إذا كان خطأ جنائيا فإنه يرتب مسؤولية جنائية.

و عليه فإن الخطأ الجنائي التوثيقي هو كل خرق أو إخلال من قبل الموثق للقواعد القانونية الآمرة المترتب عنها عقوبة جنائية ، بمعنى آخر فالخطأ الجنائي للموثق غالبا ما يكون مصدره إخلال هذا الأخير بأحد التزاماته المهنية المنصوص عليها القانون 32.09 المنظم لمهنة التوثيق.

و مما تجدر الإشارة إليه في نفس الإطار أن ظهير 4 ماي 1925 لم يكن ينص على عقوبات جنائية ، بل كل ما كان ينص عليه هو عقوبات تأديبية أو مالية [4]، و هكذا كانت المخالفات التي تهم الجانب الجنائي موكولة إلى قواعد القانون الجنائي و ما يحدده لبعض الأفعال من عقوبات كالنصب و خيانة الأمانة ، الأمر الذي يفيد أن المشرع المغربي من خلال القانون 32.09 سار على النهج المعمول به في جميع القوانين التي تنظم المهن الحرة و ذلك بالنص على عقوبات جنائية تطبق على الموثقين حالة ارتكابهم مخالفات ذات طابع مهني خطير كاستعمال السمسرة أو ما يدخل في حكمها [5] ( المادة 90 من القانون 32.09) ،  اللجوء إلى عمليات الإشهار ( المادة 91) ، امتناع الموثق المعزول أو الموقوف عن تسليم المستندات (المادة 87).

الفقرة الأولى – أركان الجريمة المرتكبة من قبل الموثق العصري:

كما سبقت الإشارة فإن المسؤولية الجنائية للموثق تستوجب لقيامها حدوث جريمة ، و هذه الأخيرة تتطلب لتحققها توفر ثلاثة أركان أساسية ،  و تتمثل في الأركان العامة لمختلف أنواع الجرائم من ركن قانوني و ركن مادي و ركن معنوي .

 أولاً ـ الركن القانوني :

مؤدى هذا الركن أن أي تصرف  للفرد و لو أضر بالآخرين لا يعتبر جريمة إلا إذا نص القانون على تجريمه ، و حدد له عقابا يطبق عليه ، و هذا ما يعبر عنه بمبدأ شرعية التجريم و العقاب [6]، بمعنى أن يكون الفعل أو الامتناع الذي أقدم عليه الموثق يدخل في دائرة  الأفعال الإجرامية المنصوص عليها في القانون الجنائي و المعاقب عليها بمقتضاه .

فالجريمة لا تقوم إلا بفعل غير مشروع يقرر له القانون عقوبة أو تدابير وقائية ، و يوصف الفعل بأنه غير مشروع إذا تضمن القانون نصا خاصا يجرمه و لم يكن في الظروف  التي ارتكب فيها خاضعا لسبب من أسباب الإباحة التي تمنع و تحول دون قيام المسؤولية الجنائية [7] .

 ثانيا – الركن المادي :

عرف الفقهاء الركن المادي بأنه فعل ظاهري يبرز الجريمة إلى حيز الوجود و يعطيها وجودها و كيانها في الخارج ، أي أنه النشاط أو السلوك الإيجابي أو السلبي الذي تبرز به الجريمة إلى العالم الخارجي ، فتكون بذلك اعتداء على الحقوق أو المصالح أو القيم التي يحرص الشارع على صيانتها أو حمايتها [8].

و يقوم الركن المادي على ثلاثة عناصر أساسية و تتمثل في النشاط الإجرامي أي إتيان الموثق لفعل أو امتناع مخالف للقانون و معاقب عليه بمقتضاه ، ثم نتيجة إجرامية و هي الأثر المترتب عن النشاط الإجرامي الذي اقترفه الموثق ، و علاقة سببية بين النشاط الإجرامي و النتيجة الإجرامية ، فإذا تحققت هذه العناصر مجتمعة إكتمل الركن المادي و عدت الجريمة تامة .

   ثالثا  – الركن المعنوي :

يتمثل الركن المعنوي للجريمة في القصد الجنائي أو “النية الإجرامية” و يتحقق باتجاه إرادة الموثق إلى ارتكاب الجريمة مع العلم بأركانها بقصد تحقيق النتيجة الإجرامية ، و يشترط أن يكون الموثق عالما علما يقينا بأن فعله سيؤدي إلى حدوث عمل إجرامي يعاقب عليه القانون ، و يجب أيضا لكي يكتمل الركن المعنوي أن يتمتع الموثق بإرادة حرة توجهه إلى ارتكاب  الفعل المجرم أو الامتناع عن القيام بعمل أمر به القانون ، و كان له أيضا إدراك يميز به ما يصدر عنه من التصرفات ، لذلك يجب عند تحديد مسؤولية الموثق عن الفعل المرتكب من طرفه مراعاة العناصر السالفة الذكر ، فقد يكون غير مدرك لما أقدم عليه كحالة إصابته بالجنون و عندئذ يغدو غير أهل للمسؤولية الجنائية ، و قد يقع للموثق ما يجعل إرادته غير حرة كالإكراه، كما هو الشأن بالنسبة للموثق الذي يقوم بالتوقيع على عقد بياناته مزورة تحت التهديد و الإكراه فتنتفي الجريمة بحقه لانتفاء القصد الجنائي ، إذ لولا الإكراه لما أقدم على ارتكاب ذلك الفعل و يستوي هنا أن يكون الإكراه الذي تعرض له الموثق ماديا أو معنويا ، و في مقابل ذلك إذا ثبت وجود إرادة حرة و مدركة للموثق أي إرادة معتبرة قانونا[9] اكتملت عناصر الركن المعنوي و اعتبرت الجريمة قائمة.

الفقرة الثانية – شروط المسؤولية الجنائية للموثق:

حتى تتحقق المسؤولية الجنائية بوجه عام لابد من حدوث واقعة توجب المسؤولية الجنائية ، و شروط الواقعة الموجبة للمسؤولية الجنائية أن تكون هناك جريمة و كذا وجود شخص يتحملها وهو الموثق ، غير أنه يلزم في الموثق شرطان: أولهما أن يكون أهلا لتحمل المسؤولية الجنائية و الثاني أن يكون هو مرتكب الجريمة ، و لا تكتمل الأهلية الجنائية إلا باجتماع عنصرين هما [10] التمييز و حرية الاختيار.

   أولاً – الإدراك و التمييز :

و هي مجموعة من الصفات الشخصية التي يجب توفرها في الموثق حتى يمكن أن تنسب إليه الواقعة الإجرامية التي اقترفها عن إدراك و إرادة ، فهي تقييم لحالة الفرد النفسية و العقلية بحيث تكون لديه القدرة و الاستطاعة على تحمل نتائج عمله ، و لا تتحقق إلا إذا توفر العقل و الرشد الكافي ، فلا يعتبر الفرد أهلا للمسؤولية إلا بعد أن تتضح ملكاته النفسية و الذهنية و يصبح قادرا على التمييز ، و الصحة العقلية هي بلوغ الفرد لسن معين يجعله عاقلا مميزا [11]، وهو الأمر الذي يصعب تصوره بالنسبة للموثقين و إلا لما أمكنه ممارسة مهنته التي تتطلب قدرا كبيرا من الوعي و الإدراك ، و هذا ما يتأكد بوضوح من خلال الشروط التي تتطلبها هذه المهنة الصعبة ، غير أنه مادام الموثق إنسانا ، فإنه إذا ثبت أنه كان وقت ارتكابه الفعل المجرم في وضعية يستحيل عليه معها الإدراك نتيجة خلل في قواه العقلية فتنعدم مسؤوليته الجنائية ، كما أن مسؤوليته تكون ناقصة إذا كان وقت إتيانه للفعل المجرم مصابا بضعف في قواه العقلية من شأنه أن ينقص من إدراكه و يؤدي إلى تنقيص  مسؤوليته جزئيا .

    ثانيا – حرية الاختيار :

بالنسبة لحرية الاختيار التي يمكن الاعتداد بها هي حرية الاختيار الواقعية التي تمكن الفرد من التحكم بإرادته و توجيهها التوجيه السليم المتفق مع القانون ، فالموثق لن يسأل بصفته فاعلا أو مساهما أو مشاركا ، إلا إذا كان لنشاطه دخل في الأعمال التي نص القانون على تجريمها سواء كان بالقيام بفعل أو بالامتناع الذي يجرمه القانون.

  ثالثا الأهلية  لتحمل العقوبة:                                                                   

وتمثل مجموعة من الصفات الشخصية من عوامل ذهنية ونفسية يلزم توافرها في شخص الموثق حتى يمكن أن ننسب إليه الواقعة الإجرامية التي اقترفها عن إدراك وإرادة، وعليه فهي تقييم أو تقدير لحالة الفرد النفسية والعقلية بحيث تكون لديه القدرة على تحمل تبعات عمله.                                  

المطلب الثاني- صفة الموثق أمام القانون الجنائي و الأفعال الموجبة لمسائلته جنائيا :

بداية تنبغي الإشارة إلى أن المشرع المغربي في القانون 32.09 لم يعد يعترف بصفة الموظف العمومي للموثق كما كان عليه الوضع في ظل القانون القديم 4 ماي 1925 و إنما ارتقى بالمهنة إلى  مصاف المهن الحرة ، الشيء الذي يطرح عدة إشكالات حالة ارتكابه لجريمة تستوجب المتابعة الجنائية و هو ما سنحاول تسليط الضوء عليه في إطار ( الفقرة الأولى ) ، و بعد الحديث عن ذلك سنقف عند الأفعال الموجبة لمسائلة الموثق جنائيا ( الفقرة الثانية) .

الفقرة الأولى – صفة الموثق أمام القانون الجنائي:

إن أهم ما يميز القانون الجديد المنظم لمهنة التوثيق العصري مقارنة مع القانون القديم هو ما جاء في مادته الأولى ، حيث عرفت التوثيق بكونه مهنة حرة تمارس وفق الشروط و حسب الاختصاصات المقررة في القانون المنظم لها ، و بهذا التعريف يكون المشرع المغربي قد أسقط عن الموثق صفة الموظف العمومي التي نص عليها ظهير 4 ماي 1925 ، هذا القانون لم يتحدث أيضا عن الموثق ” كضابط عمومي” يمارس مهامه بصفة حرة و تحت رقابة القضاء كما تعرفه به أغلب القوانين .

و بناء عليه ، فإن الموثق لا يمكن تعداده ضمن الموظفين ، فإدراجه ضمنهم أمر لا يستقيم من الناحية الإدارية ، على اعتبار أن الفصل الثاني من النظام الأساسي للوظيفة العمومية يعطي تعريفا دقيقا و ضيقا لا يتناسب كليا و مهنة التوثيق إذ يعتبر موظفا عموميا ” كل شخص يعين في وظيفة قارة و يرسم في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة “.

أما في إطار القانون الجنائي فإن المشرع لم يأخذ بالتعريف الضيق الوارد في النظام الأساسي للوظيفة العمومية ، بل أقر تعريفا موسعا للموظف العمومي ، و هكذا نص الفصل 224 منه على أنه ” يعد موظفا عموميا ، في تطبيق أحكام التشريع الجنائي ، كل شخص كيفما كانت صفته ، يعهد إليه ، في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهنة و لو مؤقتة بأجر أو بدون أجر و يساهم بذلك في خدمة الدولة ، أو المصالح العمومية أو الهيئات العمومية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام .

و تراعى صفة الموظف في وقت ارتكاب الجريمة، و مع ذلك فإن هذه الصفة تعتبر باقية له بعد انتهاء خدمته، إذا كانت هي التي سهلت له ارتكاب الجريمة أو مكنته من تنفيذها”.

و تبعا لذلك فإن كل من يعتبر موظفا عموميا في القانون الإداري هو كذلك في القانون الجنائي ، غير أن بعض الأشخاص و إن كانوا لا يعتبرون موظفين عموميين من منظور القانون الإداري ، إلا أنه يمكن اعتبارهم كذلك من وجهة القانون الجنائي .

و بهذا التعريف الموسع الوارد في القانون الجنائي يستطيع القاضي الزجري أن يلبس صفة موظف عمومي للموثق في حالة ارتكابه لجريمة تستوجب المتابعة الجنائية.

و من خلال استقرائنا لمقتضيات القانون 32.09 نجد المادة 92 منه تنص على أن الموثق يتمتع أثناء مزاولته لمهامه أو بسبب قيامه بها بالحماية التي تنص عليها مقتضيات الفصلين 263[12] و 267 [13] من القانون الجنائي ، و بالرجوع إلى مقتضيات  الفصلين يتضح بأنهما واردين في الفرع الأول من الباب الرابع الخاص بالجنايات و الجنح التي ارتكبت من قبل الأفراد ضد الموظفين العموميين [14] و بالتالي فهذا المعطى يؤكد على صفة الموثق أمام القانون الجنائي .

و الذي يتحصل من كل ما مر بنا أن تمتع الموثق بالحماية سواء بموجب قانونه أو بموجب القانون الجنائي ، هو في حقيقته ظرف تشديد [15] عندما يقارف التزوير في المحررات التي أسند له المشرع صلاحية تلقيها و إضفاء الرسمية عليها ، و ما وصف من التشديد في حق الموثق إنما هو مسلك محمود من المشرع ، غايته حماية المتعاقدين و بث الطمأنينة في سريرتهم تجاه من استؤمن على أسرارهم و تصرفاتهم [16].

الفقرة الثانية – الأفعال الموجبة لمسائلة الموثق جنائيا إستنادا إلى مقتضيات القانون الجنائي و القانون 32.09 :

بعد استقراء المقتضيات القانونية الواردة في القانون 32.09 و تلك المقررة في القانون الجنائي يتضح أن هناك أنواع من الجرائم تتحقق من ورائها المسؤولية الجنائية للموثق العصري و عليه سنقوم بدراسة الجرائم المتعلقة بالموثق الواردة في القانون الجنائي ( أولا ) على أن ننتقل بعد ذلك للحديث عن الجرائم المنصوص عليها في القانون 32.09 المنظم لمهنة التوثيق العصري ( ثانيا).

أولاً – الأفعال الموجبة لمسائلة الموثق جنائيا إستنادا إلى القانون الجنائي :

أضفى المشرع على الوثائق أو المحررات التي يحررها الموثق العصري الصبغة الرسمية و جعلها بمثابة حجة قاطعة لا يمكن الطعن فيها إلا بالزور ، و الصفة الرسمية هاته يكتسبها الموثقون من الثقة الموضوعة فيهم من قبل الدولة من جهة ، و من جهة أخرى من زبنائهم ، و حتى يستطيع الموثق العصري الحفاظ عليها بالشكل الذي يجعله يحرر عقودا تستحق فعلا تلك الصفة ، فقد جعله المشرع مقيدا بين مؤسسة المراقبة و مؤسسة المسؤولية [17].

و نظرا للأهمية التي تكتسيها المحافظة على سلامة المحررات و العقود فقد جعلت المادة 27 من قانون 32.09 الموثق مسؤولا عن كل ما يضمنه في العقود و المحررات من تصريحات و بيانات يعلم مخالفتها للحقيقة أو كان بإمكانه معرفتها أو العلم بها ، الأمر الذي يفيد بأن إخلال الموثق بالالتزامات الملقاة على عاتقه بمقتضى المادة أعلاه يجعله عرضة للمتابعة الجنائية تحت طائلة الفصول 353,352,351 المتعلقة بجريمة تزوير المحررات الرسمية .

1 – جريمة التزوير :

يعرف الفصل 351 جريمة التزوير بأنها كل تغيير للحقيقة يرتكب بسوء نية و يسبب ضررا للغير، و يكون بإحدى الوسائل المنصوص عليها في القانون و لتتكون جريمة التزوير لابد لها من ثلاثة أركان[18].

ـ الركن الخاص : وهو صفة الفاعل ، فلكي تطبق فصول القانون الجنائي على الجريمة الواردة في الفصلين 352 و 353 يجب أن يكون الفاعل موظفا عموميا أو قاضيا أو من العدول و ذلك أثناء قيامه بوظيفته .

و الملاحظ أن المشرع المغربي ذكر الموثق بصورة صريحة بخصوص هذه الجريمة.

ـ الركن المادي : يتمثل في تغيير الحقيقة في ورقة بإحدى الطرق المنصوص عليها في القانون ، و يجب أن يتم هذا التزوير في الأوراق الرسمية .                                                  

ـ الركن المعنوي : التزوير من الجرائم العمدية و لذلك يتعين توافر القصد الجنائي فيها ، و قد نص المشرع صراحة على ذلك في الفصل 351 عندما اعتبر التزوير بمثابة تغيير للحقيقة بسوء نية وعليه فلكي تكتمل هذه الجريمة لابد أن يتوفر كل من القصد الجنائي العام و الخاص .

باستعراضنا لمختلف المقتضيات المتعلقة بهذه الجريمة يمكن القول بأنها تتحقق بمجرد قيام الموثق بفعل التزوير بإحدى الطرق المنصوص عليها قانونا و لو لم يحدث ضررا مباشرا  للغير ، ذلك أن تعبير المشرع واضح ” من شأنه إحداث ضررا ” ، مما يعني أن متابعة الموثق تتم بمجرد اكتشاف التزوير ، لأن مجرد القيام به يعتبر في حد ذاته جريمة.

2 – جريمة إفشاء السر المهني :

يتلقى الموثق بحكم طبيعة مهامه مجموعة من المعلومات عن زبنائه و التي تشكل أسرارا لهم ، ألزمه المشرع بكتمانها و عدم إطلاع الغير عليها ، فالفصل 24 من القانون 32.09 يلزم كلا من الموثق و المتمرنين لديه وأجرائه بالمحافظة على السر المهني .

و كل إخلال بهذا الالتزام من شأنه أن يفضي إلى المتابعة الجنائية وفق ما ينص عليه القانون الجنائي ، و بالرجوع إلى مقتضياته نجد أن المشرع ينص في الفصل 446 على أن : ” الأطباء و الجراحون و ملاحظو الصحة و كذلك الصيادلة و المولدات و كل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار ، بحكم مهنته أو وظيفته  الدائمة أو المؤقتة ، إذا أفشى سرا أودع لديه ، و ذلك في غير الأحوال التي يجيز له فيها القانون أو يوجب عليه فيها التبليغ عنه ، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر و غرامة من 1200 إلى 20000 درهم .”

و من خلال هذه المقتضيات يلاحظ أنه بالرغم من أن صفة الموثق غير مذكورة بصفة صريحة كما هو الشأن بالنسبة للأطباء و الجراحين ، إلا أنه يمكن اعتبار الموثق ضمن طائفة الأمناء على الأسرار بحكم مهنتهم .

و من هذا المنطلق فإن إفشاء الأسرار التي تصل إليه بدون وجه حق سيعرضه لنفس العقوبة الواردة في الفصل المذكور .

ـ الركن الخاص : يتمثل في صفة الجاني الذي يجب أن يكون من بين الأمناء على الأسرار ، و أن تكون معرفته لهذا السر أثناء ممارسة مهنته .

ـ الركن المادي : يتمثل في قيام الجاني بفعل الإفشاء أي نقل الواقعة من السرية إلى العلنية بحيث يطلع عليها الغير بعد أن كانت محصورة بين الملتزم و المعني بالأمر .

ـ الركن المعنوي: أن يقوم الجاني بإفشاء السر عن بينة و اختيار و دون إكراه ،و الركن المعنوي هنا يحتاج إلى القصد الجنائي العام دون الخاص ، بحيث لم يشترط المشرع فيه نية الإضرار بالغير .

و تجدر الإشارة إلى أن الالتزام بإفشاء السر المهني ترد عليه استثناءات سواء بمقتضى الفصل 24 من القانون 32.09 أو الفصل 446 من القانون الجنائي حيث يجوز للملتزم بالسر المهني إفشائه في حالات محددة قانونا .

3 – جريمة النصب :

تتحقق جريمة النصب من قبل الموثق إذا أساء استعمال صفته الحقيقية كما نصت على ذلك المادة 85 من القانون 32.09 على أنه يمنع على الموثق في حالة ما إذا تم عزله أو إيقافه الاستمرار في استعماله لصفة موثق ، كما يمكن أن تتحقق أثناء مزاولته لمهامه إذا ما استغل الثقة التي يضعها فيه الأطراف و قام بوسائل احتيالية لدفع أحد الأطراف إلى أن يسلمه أموالا خارج نطاق القانون .

و قياسا على ذلك ينص الفصل 540 من القانون الجنائي على أنه : ” يعد مرتكبا لجريمة النصب ، و يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات و غرامة من 500 إلى 5000 درهم ، من استعمل الاحتيال ليوقع شخصا في الغلط بتأكيدات خادعة أو إخفاء وقائع صحيحة أو استغلال ماكر لخطأ وقع فيه غيره و يدفعه بذلك إلى أعمال تمس مصالحه أو مصالح الغير المالية بقصد الحصول على منفعة مالية له أو لشخص آخر….”.

من خلال مقتضيات هذا الفصل نستشف أن الأركان الأساسية لجريمة النصب تتلخص فيما يلي :

ـ الركن المادي :                                                                       

وقوع فعل مادي يتمثل في الاحتيال بالطرق التي حددها الفصل 540 من القانون الجنائي من خلال تضليل المجني عليه و دفعه إلى تسلم أموال بكل حرية و اختيار بناء على تأكيدات خادعة و إخفاء وقائع صحيحة و استغلال ماكر لخطأ وقع فيه الغير إلى جانب قيام علاقة السببية بين الفعل المادي و استلام الأموال أو المنقولات.

ـ الركن المعنوي: يتطلب توافر القصد الجنائي العام أي العلم و الإرادة و القصد الجنائي الخاص و يتمثل في نية تملك المال[19].

4 – جريمة خيانة الأمانة :

لعل من أهم وظائف الموثق اعتباره بمثابة مودع مالي للأطراف ، و بهذه الصفة يتسلم الأموال لمدة معينة و بشروط محددة في القانون إلى حين تسليمها إلى الطرف أو إلى   الأطراف المعنية [20]، و قد عرف المشرع المغربي خيانة الأمانة في الفصل 547 من القانون الجنائي بقوله ” من اختلس أو بدد بسوء نية ، إضرارا بالمالك أو واضع اليد أو الحائز ، أمتعة أو نقود أو  بضائع أو سندات أو وصولات أو أوراق من أي نوع تتضمن أو تنشئ التزاما أو إبراء كانت سلمت إليه على أن يردها ، أو سلمت إليه لاستعمالها أو استخدامها لغرض معين ، يعد خائنا للأمانة و يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات و غرامة من 200 إلى 2000 درهم.

و إذا كان الضرر الناتج عن الجريمة قليل القيمة ، كانت عقوبة الحبس من شهر إلى سنتين و الغرامة من 200 إلى 250 درهما مع عدم الإخلال بتطبيق الظروف المشددة المقررة في الفصلين 549 و 550 “.

انطلاقا من هذا الفصل يتضح بأن أركان جريمة النصب تتمثل في :

ـ الركن المادي:

هو النشاط المادي المتجسد في تسلم الأموال أو المستندات أو غيرها من قبل الموثق ثم القيام باختلاسها أو تبديدها .

ـ الركن المعنوي :

و يتمثل في القصد الجنائي العام و القصد الجنائي الخاص المتجسد في نية التملك ، و بهذا الخصوص هناك جدل فقهي حول ضرورة توفر  نية التملك من عدمها ، فإذا كان أغلب الفقهاء يشددون على ضرورة توفر هذا الشرط ، فإن بعضهم يقول بعدم ضرورته [21] على اعتبار أن نية التملك يصعب إثباتها في بعض حالات خيانة الأمانة كما في حالة إتلاف المنقول أو استهلاكه .

كما تجدر الإشارة أنه يلاحظ بخصوص هذه الجريمة أن المشرع لم يذكر صفة الموثق أثناء تعداده للصفات التي جعلها المشرع المغربي ظرفا مشددا للعقوبة يغير من الوصف القانوني للجريمة من جنحة إلى جناية.

و في هذا الصدد يذهب بعض الفقه [22]إلى أنه مجرد سهو من المشرع يجب تداركه على اعتبار أن هناك تشابها بين وظيفة هؤلاء و العمل الذي يقوم به الموثق ، فهذا الأخير يدخل في اختصاصه تسلم الأموال من قبل الأطراف و تبقى في عهدته إلى حين تسلميها لمن له الحق فيها .

5 – جريمة الاختلاس:

نص المشرع المغربي على جريمة الاختلاس في المادة 241 من القانون الجنائي و التي جاء فيها مايلي : ” يعاقب بالسجن من 5 سنوات إلى 20 سنة و بغرامة من 5000 إلى 100000 درهم كل قاض أو موظف عمومي بدد أو اختلس أو احتجز بدون حق أو أخفى أموالا عامة أو خاصة أو سندات تقوم مقامها أو حُجَجاً أو عقوداً أو منقولات موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته أو بسببها .

فإذا كانت الأشياء المبددة أو المختلسة أو المحتجزة أو المُخفاة تقل قيمتها عن 100.000 درهم ،  فإن الجاني يعاقب من سنتين إلى خمس سنوات  و بغرامة  من 2000 إلى 50.000 درهم”.

و طبقا لنص الفصل أعلاه يتضح بأن المشرع المغربي لم يضع تعريف لهذه الجريمة و إنما عمد فقط إلى ذكر صور الاختلاس و طبيعة الأشخاص المرتكبين له، و عليه يمكن القول بأن أركان  جريمة الاختلاس هي :

ـ الركن الخاص :

و يتعلق بصفة الفاعل ، فالجاني لابد أن يكون موظفا عموميا أو قاضيا أو ضابطا عموميا .

ـ الركن المادي :

و يتمثل في النشاط المادي للجاني و الذي قد يكون إما اختلاسا أو تبديدا أو احتجازا أو إخفاء لمال عام أو خاص بدون وجه حق .                                                                 –  الركن المعنوي: و يستوجب توفر القصد الجنائي العام و الخاص ، و تبعا لذلك فإن الموظف أو من في حكمه كالموثق ، عليه أن يعلم بأن الأشياء المختلسة هي في ملك الغير و أنها انتقلت إليه بسبب وظيفته ، و أن تتجه إرادته إلى الإستيلاء على المال و التصرف فيه تصرف المالك إما بحيازته لنفسه أو بنقل حيازته للغير .

    6 – جريمة الغدر :

ينص الفصل 243 من القانون الجنائي على أنه : ” يعد مرتكب للغدر ، و يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات و بغرامة من 5000 إلى 100000 درهم ، كل قاض أو موظف عمومي طلب أو تلقى أو فرض أوامر بتحصيل ما يعلم أنه غير مستحق أو أنه يتجاوز المستحق ، سواء للإدارة العامة أو الأفراد الذين يحصل لحسابهم أو لنفسه خاصة .

تضاعف العقوبة إذا كان المبلغ يفوق 100000 درهم “.

و بالنظر إلى أن من مهام الموثق القيام بتحصيل الرسوم المستحقة لفائدة الدولة ، فإن هذه الجريمة تعتبر قائمة عندما يقوم الموثق بالمطالبة برسوم أكثر من تلك التي يفرضها القانون أو بأتعاب تفوق تلك التي يقررها القانون [23]. (المادة 16 من القانون 32.09 ).

و لقيام جريمة الغدر يشترط توفر الأركان التالية :

الركن الخاص :

و يمثل صفة الجاني إذ يقتضي في هذه الجريمة أن يكون الجاني موظفا عموميا أو قاضيا أو ضابطا عموميا و أن يكون له دور في تحصيل الرسوم وفقا لأحكام القانون .

الركن المادي:

و يتحقق عند قيام الفاعل بنشاط مادي يتمثل في طلب أو تلقي أو فرض الأمر بتحصيل رسوم أو من في حكمها بطريقة غير مشروعة ، كما في حالة أن يطلب الموثق مبلغا من المال على أساس أنه من مستحقات التسجيل و الحال أن ذلك المبلغ يفوق ما هو مستحق قانونا.

الركن المعنوي :

يستوجب توافر القصد الجنائي العام ، على اعتبار أن جريمة الغدر من الجرائم العمدية ، أي تحقق العلم و الإرادة ، و ذلك بأن يكون الجاني عالما بأن المبلغ الذي يطلبه أو يتلقاه غير مستحق أو يتجاوز ما هو مستحق .

ثانيا – الأفعال الموجبة لمسائلة الموثق جنائيا استنادا إلى مقتضيات القانون 32.09 :

على غرار جميع القوانين التي تنظم المهن الحرة، أورد المشرع المغربي في القانون 32.09 بعض النصوص الزجرية ذات طابع مهني خطير كامتناع الموثق الموقوف أو المعزول عن تسليم الوثائق و استعمال السمسرة و ما يدخل في حكمها كاللجوء إلى الإشهار .

1- جنحة امتناع الموثق الموقوف أو المعزول عن تسليم الوثائق :

تنص المادة 87 من القانون 32.09 على أنه : ” يجب على الموثق الذي صدرت في حقه عقوبة العزل أو الإيقاف ، أن يسلم للموثق المعين في محله داخل أجل 15 يوما من تاريخ تبليغه بالمقرر ، أصول العقود و سجلات المحاسبة و كافة المحفوظات وفق الكيفية المنصوص عليها في المادة 23 من هذا القانون .

يعاقب الموثق الذي امتنع عن تسليم الوثائق طبقا لمقتضيات الفقرة السابقة بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة و غرامة من 20.000 إلى 40.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط”.

باستقرائنا لمقتضيات المادة أعلاه يتضح أن هذه الجريمة تعتبر قائمة بمجرد حصول فعل الامتناع عن تسليم الوثائق و أصول العقود و سجلات المحاسبة و كافة المحفوظات إلى الموثق المعين في محله ، بالإضافة إلى ذلك فإن هذه الجريمة لا تتطلب في ركنها المعنوي سوى القصد الجنائي العام دون الخاص .

و هكذا يتبين أن الغاية من إقرار المشرع لعقوبات زجرية في مقتضيات هذه المادة هو حماية مصالح زبناء الموثق المعنيين بالوثائق التي في حوزته أو التي في حوزته بحكم مهنته ، و الذين يجب أن يؤمن لهم المشرع استمرارية خدمات مكتب التوثيق ، على اعتبار أن هذا الأخير يعد مرفقا مصلحيا يجب أن تتواصل خدماته لفائدة المتعاملين معه

2- مخالفة قيام الموثق بعمليات الإشهار:

تعرض المشرع لهذه المخالفة في المادة 91 من القانون 32.09 و التي جاء فيها :

” يمنع على الموثق القيام بعمليات الإشهار شخصيا أو بواسطة الغير ، غير أنه يحق للموثق أن يتوفر على موقع في وسائل الاتصال الإلكترونية يشير فيه باقتضاب إلى نبذة عن حياته و مساره الدراسي و المهني ، و ميادين اهتماماته القانونية و أبحاثه ، شريطة الحصول على إذن مسبق من رئيس المجلس الجهوي للموثقين بمضمون ذلك .

لا يجوز للموثق أن يضمن في اللوحة البيانية الموضوعة خارج البناية التي بها مكتبه أو بداخلها سوى اسمه الكامل و صفته كموثق و كذا لقب دكتور في الحقوق عند الاقتضاء ، و يحدد شكل اللوحة بقرار لوزير العدل .

يعاقب على الأحكام المتعلقة باللوحة بغرامة من 1200 إلى 5000 درهم ، و يعاقب على مخالفة الأحكام المتعلقة بإحداث الموقع الإلكتروني بغرامة من 2000 إلى  10000 درهم”.

يهدف المشرع من خلال هذه المادة إلى جعل الموثق يمارس المهام المنوطة في إطار مهنته بكل طمأنينة بما يجعل حدا لكل المزايدات التي تحدث بين أصحاب المهنة الواحدة و التي يمكن أن تؤثر على الجو العام للعمل ، و عليه أصبح الموثق مقيدا في عمليات الإشهار بإنشاء موقع إلكتروني وفق شروط محددة بالإضافة إلى تحديد الشروط  المتعلقة بمضمون اللوحة التي يجب على الموثق وضعها خارج مكتبه.

3 – جنحة سمسرة الزبناء :

جاء في المادة 90 من القانون 32.09 على أنه  :

” يمنع على الموثق القيام مباشرة أو بواسطة الغير بأي إشهار أو اللجوء على إلى أي عمل يدخل في نطاق سمسرة الزبناء أو جلبهم.

يعاقب على مخالفة مقتضيات الفقرة السابقة بالحبس من سنتين إلى أربع سنوات و بالغرامة من 20000 إلى 40000 درهم مع مراعاة العقوبات التأديبية التي قد تطبق على الموثق سواء كان فاعلا أصليا أو مساهما أو مشاركا”.

و تندرج هذه الجنحة ضمن المقتضيات الزجرية التي تطرق لها المشرع في نطاق الحرص على كرامة و شرف المهنة ، و الحفاظ على المنافسة الشريفة باعتبار أن ظاهرة السمسرة تؤثر على حرية الأفراد في اختيار من يتلقى عقودهم و تصرفاتهم فضلا عن الانعكاسات السلبية لذلك على العلاقات بين الموثقين [24].

و قد تم إدراج هذه الجريمة ضمن الجنح دون الإخلال بالمقتضيات المتعلقة بالعقوبات التأديبية التي يتعرض لها الموثق المرتكب لهذه الجريمة [25].

وختاما خلصنا إلى فكرة مفادها أن المشرع المغربي كرس في القانون 32.09 الحماية القانونية اللازمة للزبون حالة تعرضه لخطأ توثيقي، سواء تعلق الأمر من حيث ضمان تعويضه عند تحقق شروط ذلك، وكذا مسؤولية الموثق عن أخطائه وأخطاء من هم في عهدته من أجراء ومتمرنين لديه، كما نص المشرع المغربي من خلال نفس القانون على مقتضيات زجرية تهم بعض الأفعال المجرمة والخاصة التي يمكن أن ترتكب من قبل الموثق وعاقب عليها بعقوبات جنائية بهدف بعث الثقة في نفوس المتعاملين مع مرفق التوثيق وتحقيقا للأمن التعاقدي وهي بادرة حسنة كرسها القانون 32.09 أسوة بالتشريعات المقارنة المنظمة للمهن الحرة.

إلا أنه بالمقابل سجلنا بعض النقائص التي نتمنى أن يتم تداركها في القريب العاجل، ومنها:

تدخل المشرع في إطار القانون الجنائي، وذلك لإضافة صفة الموثق في بعض الفصول التي تخص بعض الجرائم التي لم تذكر فيها صفته هاته وذلك لرفع أي لبس قد يقع أثناء تكييف الجرائم التي ترتكب من قبل الموثقين.

توسيع مجال تدخل الموثق خاصة مع تعميم الرسمية في العقار، نظرا لما يوفره العقد الرسمي من ضمانات قانونية على اعتبار أن اللجوء إلى الموثق لإبرام العقود في كل المجالات هو الكفيل للحد من النزاعات، مما يؤدي إلى استقرار المعاملات ووضوح العلاقات بين أفراد المجتمع.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1] – تنص المادة 4 من مدونة الحقوق العينية : ” يجب أن تحرر تحت طائلة البطلان ، جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها بموجب محرر رسمي ….”.

[2] – عمر أوتيل ” التوثيق و دوره في استقرار المعاملات العقارية على ضوء مدونة الحقوق العينية ، رسالة لنيل شهادة الماستر في قانون العقود و العقار ، جامعة محمد الأول  كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية ، وجدة ، الموسم الجامعي 2012/2013 ، ص186  .

[3] – ينص الفصل 132 من القانون الجنائي : ” كل شخص سليم العقل قادر على التمييز يكون مسؤولا شخصيا عن :

-الجرائم التي يرتكبها

-الجنايات أو الجنح التي يكون مشاركا في ارتكابها

– محاولات الجنايات

– محاولات بعض الجنح ضمن الشروط المقررة في القانون للعقاب عليها

و لا يستثنى من هذا المبدأ إلا الحالات التي ينص فيها القانون صراحة على خلاف ذلك.”

[4] – أنظر الفصل 29 من ظهير 4 ماي 1925 الملغى .

[5] – محمد مصطفى الريسوني ، مقال منشور بمنشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية ، العدد 69 ، الطبعة الأولى 2010 ،ص 55.54.

[6] – أحمد الخمليشي : ” شرح القانون الجنائي ، القسم العام ” ، مكتبة المعارف الرباط ، الطبعة الأولى ، 1985 ،ص 225 .

[7] – أنظر الفصول من 134 إلى 137 من القانون الجنائي .

[8] – الخطيب عدنان : ” موجز في القانون الجنائي ، المبادئ العامة في قانون العقوبات ” ، الكتاب الأول ، الطبعة 1963 ، دمشق، ص 192 .

 

[9] – سيدي محمد كمال مشيشي،” الالتزامات المهنية للموثق العصري و المسؤؤليات الناتجة في حالة الإخلال بها ” رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، نوقشت بكلية الحقوق مراكش سنة 2011ـ 2012، ص  122.

[10] – إبراهيم الشابي ، الوجيز في شرح قانون العقوبات الجزائري ، دار العلوم ، الجزائر ، طبعة 2003 ص 153 .

[11] – وسيلة وزاني ، وظيفة التوثيق في النظام القانون الجزائري ، تاريخ و مكان الطبعة غير مذكور ، ص 241 و ما بعدها .

[12] – ينص الفصل 263 من القانون الجنائي : ” يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة و غرامة من 250 إلى 5000 درهم ، من أهان أحدا من رجال القضاء أو الموظفين العموميين …..أثناء قيامهم بوظائفهم أو بسبب قيامهم بها …..”

[13] – ينص الفصل 267 من نفس القانون : ” يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين من ارتكب عنفا أو إيذاء ضد أحد من رجال القضاء أو الموظفين العموميين ……أثناء قيامهم بوظائفهم أو سبب قيامهم بها ….”

[14] – محمد الأمين  ، ” المسؤولية الجنائية للموثق ”  ، مقال منشور بمجلة القبس  ، العدد الخامس ،  2013  ، ص 34.

[15] – هشام سيبوس ، “التوثيق العصري بالمغرب و معيقات تعريبه” ، تاريخ و مكان الطبعة غير مذكور ، ص 49.

[16] – عبد المجيد بوكير،” التوثيق العصري المغربي ، دراسة في ضوء القانون 18.00 و القانون 44.00 و القانون 81.00 و ظهير 4 ماي 1925 و مشروع القانون 32.09 و باقي القوانين ذات الصلة ”، طبع و نشر و توزيع مكتبة دار السلام الرباط ، الطبعة الثانية ، 2010 ، ص 47.

[17] – عمر أوتيل ، مرجع سابق ،ص 189.

[18] –  محمد الأمين ، مرجع سابق ، ص 45 .

[19] – عبد الله سليمان ، “دروس في شرح قانون العقوبات الجزائري” ، القسم الخاص ،الطبعة الرابعة  ،1996 ، ص 43.

[20] – انظر الفصل 33 من القانون 32.09.

[21] – أحمد الخمليشي ، ” القانون الجنائي الخاص ” ، الجزء الأول،  مكتبة المعارف،  الرباط ، 1981 ،   ص 439.

[22] – محمد الأمين ، مرجع سابق ، ص 44.

[23] – محمد الأمين ، مرجع سابق ، ص 38 .

[24] – محمد ليديدي ، ” مهنة التوثيق قراءة في القانون رقم 32.09 المنظم لمهنة التوثيق “، منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية و القضائية ، ديسمبر  2012 ،ص 132 .

[25] – محمد الأمين ، مرجع سابق، ص  47.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى