المسؤولية الطبية وكيفية تدبير النزاعات بين الطبيب والمريض عن طريق آلية الوساطة – نادية بالمعطي
المسؤولية الطبية وكيفية تدبير النزاعات بين الطبيب والمريض
عن طريق آلية الوساطة
من إعداد نادية بالمعطي
باحثة بسلك الدكتوراه في القانون الخاص بكلية الحقوق-السويسي
تعتبر مهنة الطب من المهن الإنسانية والأخلاية قبل أن تكون مهنة علمية، إذ أن إنسانية المهنة وأخلاقيتها تأتي في مرتبة متقدمة على الصفة العلمية لها وهذا ما جاء في القانون 94-10 المتعلق بمزاولة مهنة الطب الذي ينص على أن “الطب مهنة إنسانية”، كما أن هذه المهنة لها قدسيتها وشرفها، بحيث تفترض في ممارستها أن يكون الطبيب قدوة في سلوكه ومعاملته للناس رحيما بهم باذلا أقصى ما عنده من أجل خدمتهم ورفع المعاناة عنهم.
غير أن الطب تقدم كثيرا في أيامنا الحاضرة، واتسعت أمامه آفاق المعرفة كثيرا، وهو لا يزال يأتينا كل يوم بجديد، بحيث قضت الجهود العلمية على أوبئة وأمراض عديدة كانت تفتك بالبشر فتكا ذريعا كالسل والأمراض الزهرية والجدري، ووصل الفن الجراحي إلى أعماق القلب، وثنايا الدماغ، مما لم يكن تصوره ممكنا منذ سنوات خلت وأصبح اليوم حقيقة، فقد تقدم الطب في ثلاثين سنة أكثر مما تقدم في ثلاثين قرنا[1].
وعلى إثر ما يعيشه العالم اليوم من ظهور لوباء جديد منذ أواخر دجنبر سنة 2019 إلى غاية الساعة والذي صنفته منظمة الأمم المتحدة بكونه جائحة عالمية ألا وهو فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، فإن الأبحاث العلمية الطبية لاتزال مستمرة في البحث عن علاج ودواء مضاد لينقد البشرية من هذه الجائحة التي ضربت كل من الحياة الإنسانية والإقتصادية والإجتماعية وشتى المجالات في سائر دول العالم.
وعليه فكما أن العالم معرض لأوبئة وأمراض لم تكن في العصور السالفة وتستلزم أبحاث علمية طبية من أجل إيجاد علاج لها، فإن كل إنسان معرض لأن يمرض سواء عن طريق العدوى بالأوبئة أو بأمراض أخرى..، وعندما يكون بحاجة إلى علاج فالطبيب هو أول من يفكر به كي يلجأ إليه ليعالجه، وهو مخير في أن يتعالج مجانا في المستشفيات العامة أو لدى الطبيب الذي يعمل في المنشأة أو المؤسسة التي يعمل فيها المريض أو أن يتعالج على نفقته في مستشفى خاص أو في العيادة الخاصة للطبيب وذلك بموجب عقد العلاج الطبي[2]، حيث تثبت له عدة حقوق في جميع مراحل العقد، فكل مريض له الحق في اختيار الطبيب الذي يريد أن يتعالج عنده، كما له الحق في أن تحترم إرادته وإنسانيته وكرامته وأن يتلقى العناية اللازمة في جميع مراحل العلاج. كما له الحق في أن يتم تبصيره بحالته الصحية والعلاج المقترح له وأن يؤخذ رضاه عن أي علاج يجرى له قبل البدء به، وله الحق في إنهاء العقد بإرادته المنفردة، وأن تحفظ أسراره حتى بعد انتهاء العقد[3].
وإذا كان للنزاع مفهوم واحد عام وشامل فإن النزاعات في المجال الطبي تطبعها بعض الخصوصيات من حيث تفرد هذا المجال لكونه يمتاز بتقنيات عالية وتطورات وتعقيدات شديدة، أيضا إزدواجية العنصر المكون لهذا المجال بين العنصر البشري والتقني ..، الشيء الذي يصعب عمل القضاء حين يعرض عليه نزاع في المجال الطبي ولو أن للقضاء دور مهم يلعبه في تحديد التوجه السليم لمجموعة من المسائل القانونية التي تطرح عدة إشكاليات إلا أنه تنظاف (إلى الصعوبات والإكراهات التي يعاني منها الجهاز القضائي على المستوى اللوجيستيكي أو طول مسطرة التقاضي وغلبة الجانب الشكلي والذي يحول دون تحقيق النجاعة الذي يروم لها)، عدة عراقيل ناتجة عن الطبيعة التقنية للمجال الطبي الذي يستدعى معه وجود الخبرة وما إلى ذلك من عناصر تطرحها خصوصية هذا المجال الطبي.
ولعل هذه الأزمة التي يعيشها القضاء فتحت المجال لرجوع آليات أخرى للصدارة، لتكون مساعدة للقضاء وتساهم في تدبير مختلف النزاعات، ورغم أن هذه الآليات البديلة عرفت قبل نشوء القضاء كالصلح[4] والوساطة[5] والتحكيم[6] إلا أنها حاليا أصبحت منظمة ومقننة بحيث نجد أن جل التشريعات جعلت لها تنظيما خاصا بها ولم يكن المشرع المغربي بمنأى عنها، إذ نجد القانون [7]08.05 المتعلق بالتحكيم والوساطة الإتفاقية وهو صلب قانون المسطرة المدنية ينظم هذه الآليات، والتي وإن تم تفعيلها والعمل بها وبالأحرى والأخص بالوساطة كآلية لتسوية المنازعات القائمة بين الطبيب والمريض فستحقق نجاحا وافرا وبالتالي سوف تساهم في الحد من الإضطرابات بين طرفي هذه العلاقة الإنسانية، كما أن مصالح الطرفين لن تتضرر بشكل أو بآخر، بحيث أن الطبيب تمس سمعته وتهز ثقة الزبناء فيه حين ولوج النزاع القائم بينه وبين المريض للقضاء، كما أن هذا الأخير أي المريض ستعترضه صعوبات إثباث الخطأ الطبي وكذا طول الإجراءات، لهذا فإن سلوك آلية الوساطة سيؤدي إلى حفظ الثقة والوئام بين أطراف العلاقة الطبية.
وعليه تطرح الإشاكالية التالية:
- أي مسؤولية للطبيب اتجاه المريض في حالة وقوع خطأ طبي أو المساس بحق من حقوق المريض، وما دور الوساطة كآلية بديلة لتسوية النزاعات القائمة بين الطبيب والمريض؟
وللإجابة على الإشكالية أعلاه والخوض في غمار الموضوع تم وضع التصميم الآتي:
أولا: المسؤولية الطبية ومحدودية تدخل القضاء
ثانيا: الوساطة الطبية بين التفعيل العملي وضرورة المأسسة في التشريع المغربي
أولا: المسؤولية الطبية ومحدودية تدخل القضاء
إن معرفة التزامات الطبيب والإحاطة بها هي منطلق تحديد المسؤولية la responsabilité إذ أن التزامات الأطباء ليس سببها ذلك الواجب القانوني العام بعدم الإضرار بالغير، ومناطها ما اتجهت إليه إرادة المريض وقت أن تعاقد مع الطبيب، بل المرجع فيها إلى القواعد المهنية التي تحددها وتبين مداها، ذلك أنه وبسبب الثقة التي توضع فيهم فإنه يجب عليهم تجنب مواطن الخلل في سلوكهم لأن المفروض أنهم يعملون بوحي من ضمائرهم[8].
ونجد أن المشرع المغربي أخضع المسؤولية الطبية للقواعد العامة للمسؤولية المدنية في إطار الفصلين 77 و 78 من قانون الإلتزامات والعقود، وهي القواعد التي تطبق تطبيقا عاما على مختلف الأفعال الصادرة عن كل شخص ألحق ضررا بالغير دون تمييز على أساس وضعيته أو مهنته.
وهو توجه ينسجم مع القاعدة القانونية التي تعتبر حسب تعريفها مجردة وعامة، ونفسه الذي كرسته المادة 77 من ق.ل.ع حيث نصت على أن ” كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار ومن غير أن يسمح له به القانون فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير التزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر، إذ تبين أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر. وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر.”، وكذلك المادة 78 من نفس القانون التي تنص على أن ” كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه لا بفعله فقط ولكن بخطئه أيضا، وذلك عندما يثبت أن هذا الخطأ هو السبب المباشر في ذلك الضرر، والخطأ هو ترك ما كان يجب فعله أو فعل ما كان يجب الإمساك عنه وذلك من غير قصد لإحداث الضرر.
ومنه فإن أساس مسؤولية الطبيب مبنية على الخطأ، وهذا الأخير تتضح معالمه وتجلياته بعد مقارنته بأفعال الطبيب العادي الذي يتسم بكثير من الحذر ومتوسط التكوين وجيد في أداء الواجب، بمعنى أن كل جرح أو إيذاء أو قتل نتج عن فعل يعد إهمالا أو تجاوزا.. خارجا عن مقاييس أفعال الطبيب العادي يعد خطأ طبيا يستوجب مساءلة مرتكبه مسؤولية جنائية وأخرى مدنية تابعة، الأمر الذي يتعين معه القول بأن مسؤولية الطبيب تقوم واقعا وقانونا كلما ارتكب ممارس مهنة الطب ما يخل بواجبات وقواعد المهنة نتج عن ذلك ضرر في جانب مستهلك الخدمة الطبية وهذا ما يعرف بالخطأ الإيجابي في الطب، أما إذا ترك الطبيب ما كان يجب فعله أو ما يقتضيه دوره الفعال وطبيعة مهنته الدقيقة، فتنسب إليه المسؤولية على أساس أنه ارتكب خطأ سلبيا نتج عنه ضرر في جانب المرتفق أو مستهلك الخدمة الطبية، فقيام الطبيب بتشخيص المريض وعلاجه دون اتخاذ ما يلزم من احتياطات ضرورية بمفهوم أصول مهنة الطب، وأيضا عدم مراعاة قواعد يتعين الإحاطة بها أثناء مزاولة المهام تعد أخطاء مخالفة تستوجب مسؤوليته أمام المريض.
كما أنه لترتيب المسؤولية الطبية يجب على المتضرر أن يثبت حدوث الخطأ، وكذا إثبات الصلة السببية بين الخطأ المنسوب للطبيب وبين الضرر الحاصل له، كما أن للمحكمة هامش من السلطة لإستنتاج تلك الصلة التي تستمد من تقرير الوقائع وتفسير الأدلة التي تخضع لسلطة محكمة الموضوع[9].
ويعد القضاء كأحد القطاعات الحيوية والذي يقوم بأحد أهم الأدوار الريادية على مستوى الدولة ولا يمكن تغييب أهميته ومدى مساهمته في تحقيق الأمن القضائي، إلا أننا نجد أن طبيعة هذا الجهاز القائم على القواعد الشكلية الصارمة وكثرة القضايا مع قلة الموارد البشرية واللوجستيكية، تؤثر بشكل ملحوظ على مردوديته، زيادة على خصوصية المنازعات الطبية التي يطغى عليها الجانب التقني، مما يخلق مجموعة من الإكراهات الواقعية والقانونية التي تحد من فعالية هذا الجهاز في حل المنازعات في المجال الطبي.
ومن أبرز العراقيل التي تواجه المنازعات الطبية والتي تؤدي إلى بطء البث فيها، ترجع في الأساس إلى ضرورة إجراء الخبرة في هذه الملفات كونها تشمل مسائل ذات طبيعة فنية تطلب للحكم فيها معارف فنية خارج إختصاص القاضي، ومن الأسباب التي تؤثر على نجاعة الخبرة الطبية إمتناع بعض الأطباء من إجرائها الشيء الذي يرغم القاضي على تعيين خبير آخر للقيام بالخبرة بالإضافة إلى كون حق الضحية في ممارسة حق الطعن في الخبرة والمطالبة بخبرة مضادة من الأسباب التي تعرقل مسار البث في الملفات بشكل سريع وداخل آجال معقولة[10]، إلى غيرها من الإشكالات و العراقيل التي تحد و تأثر على مردودية العمل القضائي.
وعليه فإن طبيعة العمل الطبي تعد قائمة على المبادئ الإنسانية، وإن كانت تتقاطعها مجموعة من الإخلالات، إلا أن هذه الأخيرة تظل سمة تطبع العمل البشري. ولعل أن الأمر الذي يساهم في تفاقم الوضع ليس بالضرورة الحدث المنشيء للنزاع، بل ما تؤول إليه النزاعات بين الأطباء والمرضى أو ذويهم إزاء اللجوء إلى القضاء وما يعرفه هذا الأخير من إكراهات تحد من فعاليته والتي من الممكن لو أنه تم حلها بشكل ودي لحققت نتيجة أفضل لطرفي النزاع، لكون أن الحل السلمي يتميز بتمكين الأطراف المتنازعة من الإتفاق على إيجاد حل ودي وفعال وسريع نابع من ارادتهم عبر الإستعانة بتقنيات تدبير النزاعات وإدارة التوافقات بهدف الوصول إلى حلول واتفاقات تضمن نتيجة رابح/رابح وإستمرار العلاقات الودية .
ولعل من أبرز هذه التقنيات البديلة نجد الوساطة والتي تعتبر التقنية الأكثر ملائمة لتنزيلها في المجال الطبي لما لها من خصائص ومميزات تطرحها للمريض والطبيب على حد سواء، وهذا ما سيتم الحديث عنه في النقطة المواية.
ثانيا: الوساطة الطبية بين التفعيل العملي وضرورة المأسسة في التشريع المغربي
إن الأهمية التي حظيت بها الوساطة كوسيلة من الوسائل السلمية لتسوية النزاعات الطبية تجلت في مجموعة من المبادرات الداعية إلى تكريسها، فنجد على المستوى الأوروبي التوجيه البرلماني الأوروبي لسنة 2008[11]، الذي يدعو إلى تفعيل الوساطة على مختلف المجالات المدنية والتجارية ولعل أن النموذج الفرنسي في إعمال الوساطة الطبية يعتبر من أبرز النماذج، فقد عرف هذا الأخير تدرجا من حيث الفعالية، إذ واجهت هذه الآلية مجموعة من الإشكالات إبان ظهورها للوجود إنطلاقا من الإختلاف في تعريف المصطلح إلى غاية وضع القواعد المؤطرة لعملية الوساطة و تكريسها كمؤسسة قائمة الذات[12]، ورغم أن المغرب لم يعرف جدلية الحديث عن الوساطة في المجال الطبي لما يعرفه من حاجة ملحة لتغيير الوضع الكائن في هذا المجال، إلا أنه هناك بعض البوادر الفردية على أرض الواقع يقوم بها بعض الفاعلين في المجال الطبي تعتبر مؤشرا جيدا على قابلية وجود آلية الوساطة كحل بديل عن الفضاء في المنازعات القائمة بين الطبيب والمريض .
كما أن الوسائل البديلة بصفة عامة تجد مشروعيتها على المستوى التشريعي والواقعي المغربي انطلاقا من توصيات جلالته في عدة مناسبات على ضرورة تطوير الطرق القضائية البديلة كالوساطة و التحكيم والصلح والتفاوض، أضف إلى ذلك التوصيات التي خلص إليها ميثاق إصلاح منظومة العدالة بخصوص تشجيع اللجوء إلى الوساطة والتحكيم والصلح لحل عدة نزاعات في مجالات مختلفة، كما نجد أن الوساطة الإتفاقية تنظم بموجب فانون 08.05 ويعد هذا القانون بمثابة التنظيم العام الذي ينبغي اعتماده حين اللجوء لهذه الآلية في أي مجال من المجالات التي تقبل إجراء الصلح فيها، إذ أنه كل ما يجوز فيه الصلح تجوز فيه الوساطة[13].
وفي إطار دراسة مدى تقبل الميدان الصحي لآلية الوساطة لحل المنازعات الناشئة في المجال الطبي على مستوى الواقع العملي، وجدنا أن هذا الأخير بحاجة ماسة لمثل هذه الآلية، وهو ما تم استنتاجه من خلال مقابلتنا للدكتورة الشريف العالمي لبنا (طبيبة أسنان) خلال أحد الدورات التكوينية بكلية الحقوق المحمدية، إذ أنها أطلعتنا على الواقع الذي يعيشه ميدان الصحة من تغيرات على مختلف الأصعدة، سواء كان يتعلق الأمر بالجانب القانوني لمهنة الطب أو في طريقة ممارسة المهنة في حد ذاتها، وكونها مهتمة بكل ما هو متعلق بالقانون الطبي بالإضافة إلى ممارستها لمهمة “الخبير”، الأمر الذي أتاح لها فرصة الإحتكاك بمجموعة من النزاعات ومعاينة مجموعة من الحالات التي يكون فيها النزاع قائما بين الطبيب والمريض كما أنها مارست مهمة الوسيط(ة) من أجل حل بعض النزاعات بين الطبيب والمريض..[14] .
إن خلو مجال الصحة من أي آلية لتدبير السلمي أمر يدعو لتساؤل..، بحيث أن هناك حاجة ملحة لبلورة آلية الوساطة لخلق وتشجيع نوع من التواصل ذي بعد أخلاقي يحترم ويضمن حقوق المرضى، إذ أن التشريع الطبي المغربي لا يتضمن أي مقتضى يهم تدبير ودي لحل النزاعات الناشئة في هذا المجال، اللهم إمكانية تقديم شكاية للمجلس الجهوي لهيئة الأطباء، إلا أن هذا الأخير لا ينتج عنه حل النزاع بحيث أن كل الصلاحيات الموكولة لهذا المجلس تقتصر على الإجراءات التأديبية في حق الأطباء، وبالتالي فإن آلية التدبير كالوساطة الطبية المقننة في التشريع الفرنسي التي تم الإشارة إليها أعلاه، لا وجود لها في التشريع المغربي، إلا أنه ومع وجود النظام العام للوساطة الإتفاقية المذكور سابقا فإنه أمر يسهل خلق الوساطة الطبية التي ستكون نموذجا تطبيقيا للوساطة الإتفاقية، بحيث سيتم المزج بين المقتضيات العامة المضمنة في الوساطة الإتفاقية وقواعد خاصة تراعي خصوصيات المجال الصحي كما يمكن تحديد طبيعة النزاعات الممكن عرضها على الوساطة الطبية، وذلك بجعل القضايا البسيطة من اختصاص الوساطة لما من شأنه أن يخفف العبئ على الجهاز القضائي الذي يواجه كم هائل من القضايا بهذا الخصوص.
ونجد أن الإصلاح التشريعي المطلوب لإدماج الوساطة الطبية ضمن المنظومة المغربية لا ينجح إلا إذا واكبه تفعيل عملي لهذه المقتضيات القانونية وإنزالها على أرض الواقع، وأيضا الإحاطة بالأدوار المهمة التي تلعبها مجموعة من المؤسسات ومدى تأثيرها في تفعيل هذه الآلية وعلى رأسها المؤسسات التعليمية الجامعية إذ أن لها بيئة مواتية لخلق أرضية مناسبة لتأصيل وتكريس أي فكرة جديدة.
وكبداية لتقنين هذه الآلية يمكن للتشريع الطبي المغربي انطلاقا من قانون ممارسة مهنة الطب 131.13 ومدونة أخلاقيات المهنة أن يكون المكان المناسب لتنصيص على آلية الوساطة الطبية كحل سلمي للنزاع الطبي، ولما لا على المدى القريب أو المتوسط أن تخصص مدونة مستقلة للوساطة الطبية.
[1] . Jean Bernard, Grandeur et tentations de la médecine, Paris, éditions, Buchet-Chastel,1973
[2] . يعد عقد العلاج الطبي أو العقد الطبي من العقود التبادلية، ينشئ التزامات متقابلة في ذمة طرفيه، فالطبيب مدين بأداء العمل الطبي المتفق عليه والزبون ملزم بأداء الأجر أو الأتعاب، ولا يثير تحديد مضمون التزام هذا الأخير أي إشكال عكس مضمون التزام الطبيب الذي يثير عدة مشاكل قانونية وعملية.. .
[3] . د.غادة فؤاد مجيد المختار ” حقوق المريض في عقد العلاج الطبي في القانون المدني-دراسة مقارنة” منشورات حلب الحقوقية الطبعة الأولى سنة 2011 ص9.
[4]. ينص الفصل 1098 من قانون الالتزامات و العقود على أن : الصلح عقد، بمقتضاه يحسم الطرفان نزاعا قائما أو يتوقيان قيامه، وذلك بتنازل كل منهما للآخر عن جزء مما يدعيه لنفسه، أو بإعطائه مالا معينا أو حقا.
[5]. تُعرف الوساطة بأنها العقد الذي يتفق الأطراف بموجبه على تعيين وسيط يكلف بتسهيل إبرام الصلح من أجل إنهاء النزاع، الذي قد ينشأ فيما بعد، ويكون الهدف من الوساطة هو الوصول إلى الصلح بواسطة شخص ثالث وهو الوسيط.
[6] . التحكيم هو نزول أطراف النزاع عن اللجوء إلى قضاء الدولة وإلتزامهم بطرح النزاع على شخص أو أكثر لحسم النزاع بحكم مُلزم، ويقوم على فكرة أساسية هي إعطاء الحق للأطراف في نزاع ما بالإتفاق فيما بينهم على استبعاد القضاء في حل منازعاتهم، وإخضاعها لقضاة يختارونهم بأنفسهم.
[7]. القانون 08.05 المتعلق بالتحكيم و الوساطة الاتفاقية القاضي بنسخ و تعويض الباب الثامن بالقسم الخامس من ق.م.م، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5584-25، بتاريخ: ذو القعدة 1428 الموافق ل 6 ديسمبر 2007.
[8] . سمير عبد السميع الأورن- مسؤولية الطبيب الجراح وطبيب التخدير ومساعديهم – مدنيا وجنائيا وإداريا منشأة المعارف الإسكندرية 2004-ص5 ومابعدها.
[9] . أسماء أحيد: ” أساس المسؤولية المدنية للطبيب الجراح” أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس- كلية الحقوق أكدال- الرباط السنة الجامعية 2010/2009 ص 327.
[10]. محمد بركو: مقال منشور على الموقع التالي: https ://www.maghress.com/almassae/128474 تاريخ الإطلاع : 15/12/2020 على الساعة العاشرة صباحا.
[11]. Le directive 2008/52/ce . du parlement européen et du conseil du 21 mai 2008 sur certains aspects de la médiation en matière civile et commercial.
[12] . تم تنظيم الوساطة الطبية في التشريع الفرنسي في صلب قانون الصحة العامة بحيث تم التطرق من خلاله لشروط تعيين الوسطاء وشروط ممارسة الوساطة الطبية ، والتنصيص على أنه يجب على الوسيط بحكم مؤهلاته وخبراته تقديم ضمانات للكفاءة والإستقلالية..أنظر في هذا الشأن: code de la santé publique, article 1112-82 et article 1142-23.
[13]. الفقرة الثانية من الفصل 327-56 من القانون 08.05 قد نصت على أنه ” لا يجوز أن يشمل إتفاق الوساطة مع التقيد بمقتضيات الفصل 26 من الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331(12 أغسطس 1913) بمثابة قانون الإلتزامات و العقود المسائل المستثناة من نطاق تطبيق الصلح ولا يجوز إبرامه إلا مع مراعاة التحفظات أو الشروط أو الحدود المقررة لصحة الصلح بموجب الفصول من 1099 إلى 1104 من نفس الظهير الشريف المذكور”. ومنه جاءت القاعدة المعروفة : ” تجوز الوساطة فيما يجوز فيه الصلح “.
[14]. للإطلاع على تفاصيل أكثر بخصوص كيفية ممارسة الطبيبة لبنا الشريف العالمي لمهمة الوساطة الطبية أحيلكم على رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص تحت عنوان ” الوساطة كآلية بديلة لحل المنازعات الطبية (العلاقة بين الطبيب والمريض نموذجا) ” لطالبة مريم بلحوس- كلية الحقوق-المحمدية السنة الجامعية 2019/2018 ص 84 وما بعدها .