في الواجهةمقالات قانونية

فاطمة الزهراء جمجمة :    وباء كرونا المستجد و داء ارتفاع اسعار المنتجات, أية مقاربة قانونية

 

 

فاطمة الزهراء جمجمة

حاصلة على شهادة الماستر تخصص قانون الاعمال

   وباء كرونا المستجد و داء ارتفاع اسعار المنتجات, أية مقاربة قانونية

نظرا للظرفية الوبائية التي يشهدها العالم في هاته الأيام جراء تفشي فيروس كورونا المستجد, فإن الوضع الاقتصادي و الإجتماعي للمغرب شأنه شأن باقي دول العالم تراجع بشكل مهول حيث تعطلت مجموعة من الاستحقاقات و المعاملات الافتصادية الدولية و الوطنية, كما أنه أثر بشكل مباشر على حرية التنقل و التجوال وطنيا و ودوليا بسبب فرض حالة الطوارئ الصحية التي سلكتها مختلف دول العالم التي انتشر بخا الوباء من أجل تطويق المرض و الحد من سرعة انتشاره بعد إعلان منظمة الصحة العالمية أن وباء كورونا بات وباء عالمي, داعية بذلك مختلف الدول اتخاذ التداببر الإحترازية و الوقائية للحد من تفاقمه حماية للأفراد و المجتمع برمته.

وعلاقة بما سبق ذكره,فإن مجلس الحكومة صادق يوم 22 مارس 2020 على مشروع مرسوم بقانون رقم 292-20-2 يتعلق بأحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية و إجراءات الإعلان عنها بسائر التراب الوطني من يوم 20 مارس 2020 إلى 20أبريل 2020 مع العلم أن حالة الطوارئ هذه يمكن تمديد مدة سريان مفعولها باقتراح مشترك للسلطتين الحكومتين المكلفتين بقطاعي الداخلية و الصحة.

و أمام كل هذه التدابير الإحترازية و الوقائية المتخذة, و المجهودات المبذولة من طرف الدولة حماية لمواطنيها الذين بسبب خوفهم قاموا باحتكار بعض المنتجات الضرورية المعيشية لحياتهم اليومية مما دفع بتجارها باستغلال هذه الوضعية العصيبة لصالحهم و ذلك من خلال الزيادة في ثمن المنتجات أو السلع المنظمة أسعارها, مما لا يتلائم مع القوانين الجاري بها العمل خاصة قانون حرية الأسعار و المنافسة الذي أقر جزاءات زجرية على التجار الذين يفتعلون ثمن السلعة غير ذلك الشعور من المنظم سعرها قانونا.

اضافة إلى القانون المتعلق بتدابير حماية المستهلك الذي أقر جزاءات مدنية لحماية مستهلك هذه السلعة

فإلى أي حد استطاع المشرع المغربي وضع قواعد قانونية صارمة تتصدى لظاهرة الزيادة في أسعار سواء من خلال قانون حرية الاسعار و المنافسة أو قانون حماية المستهلك ؟

للاجابة عن هذه الإشكالية سنقسم الموضوع إلى :

المطلب الأول : دور قانون حرية الأسعار و المنافسة في مواجهة الزيادة في الأسعار

المطلب الثاني : دور قانون حماية المستهلك في مواجهة الزيادة في الأسعار.

المطلب الأول : دور قانون حرية الأسعار و المنافسة في مواجهة الزيادة في الأسعار

تعتبر المنافسة قيمة حقوقية مرادفة لحرية المبادرة الخاصة التي يضمن الدستور المغربي الحق في ممارستها طبقا لمقتضيات الفصل 15 منه,  وذلك على أساس أن حق الخواص في مزاولة أنشطتهم كفاعلين اقتصاديين لا تقوم له قائمة على أرض الواقع,  إلا إذا كانت شروط المنافسة من أجل ولوج أسواق المعاملات التجارية مؤطرة بضمانات قانونية نافذة وحماية قضائية ناجعة.

ولأجل ذلك قام المشرع المغربي بإنشاء نظام قانوني يستجيب لمقتضيات الدستور وهو القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة رقم 104.12 الصادر سنة 2014 وكذلك القانون رقم 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة حيث حاول المشرع قدر الإمكان استحضار المعايير الدولية المعمول بها في قانون المنافسة,  خصوصا ما يتعلق بالاتفاقات المنافية للمنافسة التي تعتبر سرطان الإقتصاد لما لها من تأثير خطير على المنافسة.

ولقد نظم المشرع المغربي الإتفاقات المنافية للمنافسة في المادة السادسة من القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة , ولما كان حظر هذه الإتفاقات يهدف بالأساس إلى وضع حد للتجاوزات التي من شأنها التأثير على. السرق,  فإنه يمكن في ظروف خاصة التصريح بشرعيتها إذا انضبطت لشروط المادة التاسعة من القانون السالف الذكر و يمكن القول على أن الإتفاقيات المنافية للمنافسة هي ممارسة محظورة بموجب المادة السادسة فهي اتفاقية أو فعل مدبر يكون الغرض منها عرقلة أو الحد منها في سوق المنتجات و الخدمات المعنية.

وبرجوعنا كذلك إلى المادة 6 و 7 و9 نجد أن المشرع المغربي يحطر الإتفاق اأو المبني على رضى أطرافه و المعتبر بمثابة قانون ينظم موضوع المعاملة التي حصل بشأنها الإتفاق, أما المادة العاشرة من القانون رقم 104.12 المتعلقة بالبطلان,  يظهر لنا أن المشرع المغربي يسعى من خلال هذا القانون إلى حماية السوق و ضمان حسن سير المنافسة داخله,  وهو ما يجعل هذا البطلان يرتبط بالنظام العام التوجيهي.

هذا من جهة, أما فيما يتعلق بالجانب الزجري فنظرا للأفعال التي قام بها بعض الباعة بالزيادة في سعر المنتوجات والسلع مستغلين فرصة الوباء,  فآن المشرع المغربي قد عاقب على مثل هذه السلوكيات بعقوبات جنائية في الباب الثاني من القسم الثامن المتعلق بالأبحاث و العقوبات و ذلك في المواد 175 و 76 و 77.

بحيث تنص المادة 75 على أنه يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنة و بغرامة من 10000 إلى 500000 درهم أو باحدى هاتين العقوبتين فقط,  كل شخص ذاتي شارك على سبيل التدليس أو عن علم مشاركة شخصية و حاسمة في تخطيط الممارسات المشار إليها في المادتين 6 و 7 من هذا القانون أو تنظيمها أو تنفيذها أو مراقبتها.

و يجوز للمحكمة أن تأمر بنشر قرارها كليا أو في مستخرجات في الجرائد التي تحددها على نفقة المحكوم عليه.

بينما المادة 76 نصت على أنه يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين و بغرامة من 10000 إلى 500000 درهم أو باحدى هاتين العقوبتين فقط,  كل من افتعل أو حاول افتعال رفع أو تخفيض سعر سلع أو خدمات أو سندات عامة أو خاصة  باستعمال أية وسيلة كانت لنشر معلومات كاذبة أو افتراءات أو بتقديم عروض في السوق قصد الإخلال بسير الأسعار أو عروض مزايدة على الأسعار التي طلبها الباعة أو باستخدام أية وسيلة أخرى من وسائل التدليس.

عندما يتعلق رفع أو تخفيض الأسعار المفتعل بالمواد الغذائية أو الحبوب أو الدقيق أو المواد الطحينية أو المشروبات أو العقاقير الطبية أو الوقود أو السماد التجاري,  يعاقب بالحبس من سنة إلى. 3 سنوات و بغرامة لا يزيد مبلغها عن 800000 درهم.

ويمكن أن ترفع مدة الحبس الى 5 سنوات و الغرامة الى مليون درهم إذا تعلقت المضاربة بمواد غذائية أو بضائع لا تدخل في الممارسة الإعتيادية لمهنة المخالف.

مع إمكانية معاقبة مرتكب المخالفة بالحرمان من واحد أو أكقر من الحقوق المنصوص عليها في الفصل 40 من مجموعة القانون الجنائي.

المطلب الثاني : دور قانون حماية المستهلك في مواجهة الزيادة في الأسعار

نظرا للتطورات التي عرفها ميدان الإستهلاك و ما أصبح يطرحه من نزاعات فقد أضحى المستهلك عموما ما يحتاج من أي وقت مضى إلى قانون لحمايته من شتى العواقب التي قد تسفر عنها معاملاته بهذا الخصوص الأمر الذي حدا بالمشرع إلى إصدار القانون رقم 31.08 الصادر سنة 2011 القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك الذي يضم ترسانة مهمة من الأحكام ترمي إلى حماية حقوقهم.

حيث جاء هذا القانون بمفاهيم واضحة إذ يعتبر مستهلكا كل شخص يقتني سلع أو خدمات سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا شريطة استعمالها لغرض شخصي هذا الأخير الذي يكون طرفا ضعيفا في عقد الإستهلاك أمام طرف قوي مهني محترف يفترض فيه الكفاءة و التفوق التقني هاته العناصر التي يستغلها من أجل فرض شروط تعسفية تخل بالتوازن العقدي بين أطراف العلاقة التعاقدية,  لكن المشرع لم يقف مكتوف الأيدي بحيث قيده بمجموعة من الضوابط سواء في مجال الأسعار الجودة أو فيما يتعلق بسلامة رضا المستهلك.

وعلاقة بالموضوع الذي نحن بصدد دراسته فإن المادة 29 من القانون رقم 31.08 تؤكد على أن أي استغلال من طرف البائع إزاء المستهلك بخصوص التسعيرة التي زاد فيها,  نظرا لجهل المستهلك بالثمن الحقيقي أو استغلال ضعفه بالنظر إلى الظرفية التي يمر منها,  فإن هذا الإلتزام يقع باطلا و بقوة القانون إضافة إلى استرجاع المبالغ المؤداة و تعويضه عن الضرر ااذي أصابه من جراء هذه المعاملة.

 

و ختاما, يمكن القول إن المشرع المغربي حاول إلى حد ما وضع إطار قانوني يحد من الممارسات المنافية التي تمس بحقوق المستهلك, وبالتالي فإنه يلزم على اللجان المختصة بمراقبة الأسعار أن تقوم بالتدخل من أجل ضبط الأسعار و عقلنتها و الحد من احتكارها خاصة في الظرفية الوبائية الحالية,  دون أن ننسى الدور المنوط بجمعيات حماية المستهلك في توعية هذا الاخير .

 

 

 

الهوامش:

  • دستور المملكة المغربية فاتح يوليوز 2011.-
  • القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة الصادر سنة 2014.-
  • القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك الصادر سنة 2011.-
  • أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص الأستاذ منير المهدي ” المظاهر القانونية لحماية المستهلك”.
  • الرحالي نور الدين ” المعايير القانونية للجودة البيع الاستهلاكي نموذجا ” مقال منشور بمجلة القانون المدني العدد الاول سنة 2014.
  • يونس مليح ” مجلس المنافسة ما بعد دستور 2011: قراءة في المستجدات و التحديات ” مقال منشور بمجلة مغرب القانون.
  • لحسن بوصبار ” مبدأ تحرير الأسعار و قانون 06.99 ” مقال منشور بموقع العلوم القانونية.
  • ” الاتفاقات المنافية للمنافسة على ضوء قانون المنافسة المغربي رقم 104.12 ” من إعداد طلبة ماستر منازعات الأعمال مقال منشور بمجلة القانون و القضاء المغربي.-

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى