المسؤولية عن العمل الشخصي
يقصد بالمسؤولية عن العمل الشخصي ذلك الفعل الذي يصدر عمن أحدث الضرر متضمنا تدخله مباشرة في إحداثه، دون وساطة شخص آخر، ومن تم لا يدرأ المسؤول هذه المسؤولية عن نفسه، إلا إذا نفى العلاقة السببية بين الفعل والضرر المنسوب إليه بإثبات السبب الأجنبي وهو يشمل الحادث الفجائي والقوة القاهرة وخطأ المضرور وخطأ الغير.
ولمعالجة هذا الموضوع يجب أن نبحث في شروط المسؤولية عن العمل الشخصي ثم في الآثار التي تترتب على هذه المسؤولية.
وعليه سنقسم هذا الموضوع إلى مطلبين:
المطلب الأول: شروط المسؤولية عن العمل الشخصي
المطلب الثاني: آثار المسؤولية عن العمل الشخصي
المطلب الأول: شروط المسؤولية عن الفعل الشخصي
يتضح من خلال الفصل 77 من ق ل ع انه يلزم لقيام المسؤولية أن يكون هناك خطأ، وأن يحدث للغير ضرر، وأن يكون هذا الضرر نتيجة للخطأ، أي أنه يجعل شروط المسؤولية ثلاثة هي:
1ـ الخطأ، 2ـ الضرر، 3ـ علاقة سببية بين الضرر والخطأ
1ـ الخطأ:
يقصد بالخطأ في المسؤولية التقصيرية إخلال الشخص بالتزام قانوني مع إدراكه لهذا الإخلال، والخطأ يقوم على ركنين، ركن مادي" التعدي" وركن معنوي "الإدراك".
أـ الركن المادي في الخطأ " التعدي": إن التعدي هو الإخلال بالتزام قانوني، ويمكن أن يتخذ هذا الإخلال إحدى صور ثلاث:
ـ الصورة الأولى: مخالفة نص قانوني:
إذا كان القانون قد نص على التزام محدد، فالإخلال بهذا الالتزام يعتبر تعديا يوجب المسؤولية، فهكذا مثلا يحرم القانون السرقة والضرب وأخذ مال الغير بدون سبب مشروع فالإخلال بما نهى عنه القانون أو بما أمر به يعتبر من قبيل التعدي ويكون مدارا للمسؤولية.
وقد خص المشرع المغربي بالذكر في الفصلين 83 , 84 ق ل ع بعض الالتزامات التي اعتبر الإخلال بها خطأ يوجب المسؤولية.
ـ الصورة الثانية: مخالفة التزامات قانونية غير محددة في نصوص:
لا يقتصر الخطأ على الإخلال بالتزامات ورد عليها النص في القانون، فهناك التزامات قانونية كثيرة لم يحددها المشرع في نصوص وإنما هي من قبيل الواجبات العامة التي تفرض على الإنسان احترام حقوق الغير والامتناع عن إيذائه، والتي لا سبيل إلى حصرها في نصوص لذلك لم يكن هناك بد من تحديد معيار للسلوك الذي يجب أن يسلكه الشخص بحيث يعتبر انحرافه عن هذا السلوك تعديا، ولكن ما ضابط هذا المعيار؟
أخذ بعض الفقهاء بمعيار شخصي ذلك أن استحقاق المضرور للتعويض أو عدم استحقاقه يتوقف على طبيعة شخص من وقع منه الضرر فيجب أن نعرف حقيقة هذا الشخص لنقف على درجة يقظته أو إهماله حتى يتبين ما إذا كان هناك انحراف في سلوكه أم لا، في حين أخذ فريق أخر بمعيار موضوعي ينظر فيه إلى سلوك شخص مجرد هو سلوك الشخص العادي الذي يمثل جمهور الناس وهو سلوك يقوم على درجة وسطى من الفطنة والتبصر، ومن فضائل هذا المعيار أنه ىيغنينا عن البحث في أمور خفية تتعلق بشخص المعتدي ويصبح تابثا بالنسبة إلى الكافة ولا يتغير من شخص إلى آخر وبهذا تنضبط الروابط القانونية وتستقر الأوضاع.
ـ الصورة الثالثة: ممارسة الحق ممارسة تعسفية:
إذا مارس شخص حقه وحصل أن أدت ممارسة حقه إلى الإضرار بالغير، فهل يسأل عن هذا الضرر؟
الأصل لا، لأن المسؤولية التقصيرية تتطلب أن يكون الضرر نجم عن خطأ، والخطأ لا يتوفر في الحالة التي يستعمل فيها الإنسان حقا له دون أن يجاوز الحدود المرسومة لهذا الحق، الفقرة الأولى من الفصل 94 ق ل ع، ولكن على سبيل الاستثناء يمكن أن يقع استعمال الحق على نحو يكون فيه الشخص مخطئا، وهذا ما يسمى بالتعسف في استعمال الحق.
ويعتبر الشخص متعسفا في استعمال حقه في الحالات التالية:
أولا: إذا كان يقصد من وراء استعمال حقه سوى الإضرار بالغير
ثانيا: إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها صاحب الحق قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها الفقرة الثانية من الفصل 94 ق ل ع
ثالثا: إذا كان صاحب الحق قد تجاوز في ممارسته حقه الحدود المألوف الفصل 96 ق ل ع.
ب ـ الركن المعنوي في الخطأ" الإدراك":
ـ يجب لقيام الخطأ أن يكون من ارتكب التعدي مدركا لهذا التعدي أي قادرا على التمييز بين الخير والشر والنفع والضرر فيدرك أن تعديه يلحق ضررا بالغير، وهذا ما نصت عليه الفصول 93ـ96ـ97 من ق ل ع على النحو الآتي:
1/ ففيما يتعلق بصغر السن لا يسأل الصبي غير المميز مسؤولية تقصيرية، أما من كان مميزا أي بالغ اثني عشر سنة من عمره، فإنه يسأل مسؤولية تقصيرية كاملة.
2/ المجنون لا يسأل عن العمل الشخصي مالم يثبت أن العمل الضار قد ارتكب وهو في حالة و إفاقة .
3/ الصم والبكم وغيرهما من ذوي العاهات يسألون مبدئيا عن الأضرار الناجمة عن أخطائهم لتوافر الإدراك عندهم ما لم يقم الدليل على أنهم لا يتمتعون بالدرجة اللازمة من التمييز لتقدير نتائج أعمالهم الفصل 97 ق ل ع.
4/ ينعدم التمييز لغير الصغر والجنون كما في حالة مرض النوم والإصابة بالصرع والإدمان على السكر على أنه في مثل هذه الحالات يشترط لانتفاء مسؤولية الشخص ألا يكون فقدان التمييز راجعا إلى خطأ منه الفصل 93 ق ل ع.
ج ـ الحالات التي لا يكون فيها الخطأ سببا للمسؤولية:
توجد حالات يتوفر فيها الخطأ ومع ذلك لا يترتب على هذا الخطأ أي مسؤوليته ويتحقق ذلك في ثلاث حالات:
ـ الحالة الأولى: إعطاء بيانات غير صحيحة عن حسن نية ودون علم بعدم صحتها
ـ الحالة الثانية: مجرد النصيحة والتوصية في غير الحالات المنصوص عليها في الفصل 83 ق.ل.ع
ـ الحالة الثالثة: الدفاع الشرعي
2ـ الضرر:
لا يكفي لقيام المسؤولية التقصيرية وقوع الخطأ بل لابد أن يترتب على هذا الخطأ ضرر، فالضرر يعتبر الركن الثاني للمسؤولية التقصيرية بل يمكن القول بأن الضرر قوام المسؤولية المدنية لأنه محل الالتزام بالتعويض الذي ينشأ عن الانحراف في السلوك، لذا علق المشرع في الفصلين 77ـ78 تحقق مسؤولية مرتكب العمل الضار على وقوع ضرر للغير، وعليه إذا ما انتفى الضرر انتفت المسؤولية ولو كان الخطأ مؤكدا.
والمضرور هو الذي يتحمل عبء إثبات الضرر و له في سبيل ذالك استعمال جميع طرق الإثبات لأننا بصدد إقامة الدليل على واقعة مادية، وهو أمر يستقل بتقديره قاضي الموضوع ولا يدخل تحت رقابة محكمة النقض.
والضرر نوعان ضرر مادي وضرر معنوي:
ـ الضرر المادي: هو الذي يصيب الإنسان ما في ذمته المالية كأن يتلف شخص متاعا أو مزروعات لآخر ويلحق عيبا بمنقول أو عقارا لغيره، وإما في جسمه كجروح ورضوض يسببها سائق لأحد المارة.
ـ الضرر المعنوي أو الأدبي: هو الذي يصيب الإنسان في مصلحة غير مالية أو هو الألم الذي يصيب الشخص سواء كان ألما جسمانيا أو ألما نفسيا ترتب على المساس بعاطفته أو كرامته أو سمعته.
ويشترط في الضرر حتى يكون محلا للتعويض شرطان:
ـ الشرط الأول" أن يكون محققا": الضرر يعتبر محققا إذا كان حالا أي وقع فعلا كأن يكون المضرور قد مات أو أصابه جرح في جسمه أو لحقه تلف في ماله وكذلك يعتبر الضرر محقا إذا كان من قبيل الضرر المستقبل أي الضرر الذي وإن كان لم يقع بعد إلا أنه محقق الوقوع في المستقبل كأن يصاب شخص بإصابة تعطله عن العمل في الحال ويكون من المؤكد أنها ستؤثر على قدرته على العمل في المستقبل.
فالتعويض في هذه الحالة يجب أن يشمل الضرر الحال والضرر الذي سيقع في المستقبل وقد يستطيع القاضي أن يقدر الضرر جميعه الحال والمستقبل فعندها يحكم بالتعويض الواجب كله دفعة واحدة.
وقد لا يكون من المستطاع تقدير الضرر المستقبل في الحال لأنه يتوقف على أمر لم يتبين حقيقته بعد، حيث يجوز للقاضي إما أن يحكم بالتعويض عن الضرر الحال، ويحفظ للمضرور الحق في أن يطالب بالتعويض عن الضرر المستقبل، وإما أن يؤجل الحكم بالتعويض حتى يتبين مدى الضرر كله الحال والمستقبل.
ـ الشرط الثاني: يشترط في الضرر أن يتضمن المساس بمصلحة مشروعة للمدعي:
لا شك أن المساس بحق مهما كان يتوافر به ركن الضرر، فإصابة شخص في جسمه أو إتلاف ماله ، أو الإساءة إلى سمعته ضرر بغير شك .
ولكن قد يحدث الاعتداء ،لا على حق ، وإنما على مصلحة مشروعة يحميها القانون فهنا يجب أيضا التعويض عن الإخلال بهذه المصلحة .
3 ـ علاقة سببية بين الخطأ والضرر:
لا يكفي لقيام المسؤولية التقصيرية أن يكون هناك خطأ من جهة وضرر من جهة أخرى، بل لا بد من قيام الرابطة السببية بين الخطأ الذي ارتكبه المسؤول وبين الضرر الذي أصاب المضرور.
ويترتب على وجوب قيام الرابطة السببية النتائج الهامة التالية:
أولا: الضرر المباشر وحده هو الذي يجب التعويض عنه؛
ثانيا: تنتفي المسؤولية التقصيرية إذا كان الضرر قد نشأ عن خطأ المضرور نفسه أو عن حادث فجائي أو قوة قاهرة.
_ الضرر المباشر: قد يرتكب شخص فعلا يفضي إلى سلسلة من الأضرار يعقب بعضها بعض، لنفترض أن شخصا ترك بقرة له ترعى في أرض جاره حيث كانت أبقار الجار ترعى هي الأخرى، وكانت هذه البقرة موبوءة فانتقلت العدوى إلى أبقار الجار، فماتت جميعها، فلم يستطع صاحب هذه الأبقار من زراعة أرضه، فاحتاج إلى المال فاستقرض ولم يتمكن من سداد الذين في الاستحقاق فحجز الدائن أرضه وباعها بثمن بخس.
_ خطأ المضرور: قد يكون الضرر الذي لحق بالمضرور نتيجة خطأ المضرور وحده، ويكون هذا الضرر نشأ عن خطأ الطرفين المضرور من جهة والمدعى عليه من جهة ثانية، فعلينا إذن أن نبحث في هاتين الفرضيتين:
ـ فرضية خطأ المضرور وحده: قد يحصل أن يثبت المدعى عليه، أن الضرر الذي يدعى به هو من فعل المضرور نفسه كما لو حاول شخص أن يركب القطار أثناء سيره فتزل قدمه فيسقط ويصاب بجروح ورضوض، ففي مثل هذه الحالة لا مكان للمسؤولية التقصيرية إذ المضرور هو الذي ألحق الضرر بنفسه.
ـ فرضية الخطأ المشترك: قد ينشأ الضرر عن خطأ المدعى عليه ففي مثل الحالة فان اشتراك المضرور بفعله في إحداث الضرر الذي أصابه لا يترتب عليه عدم مساءلة المدعى عليه الذي ثبت خطؤه.
وإنما توزع المسؤولية بين الطرفين بحسب جسامة الخطأ الذي صدر من كل منهما.
_ القوة القاهرة أو الحادث الفجائي:
القوة القاهرة أو الحادث الفجائي بمعنى واحد عند جمهور الفقهاء، ولتوافر القوة القاهرة أو الحادث الفجائي يجب توافر الشروط الثلاث التالية:
الشرط 1: يجب أن يكون الحادث أمر لا يمكن توقعه كالزلزال والفيضان
الشرط 2: يجب أن يكون الحادث مما يجعل تفادي الضرر أمرا مستحيلا لا يستطاع دفعه، والمقصود هنا الاستحالة المطلقة، فإذا كانت استحالة الدفع نسبية قاصرة على المدين فلا يعفى من المسؤولية.
الشرط 3: يجب أن لا يكون هناك خطأ من جانب المسؤول أدى إلى وقوع الحادث إذ أن هذا الخطأ يفقد الحادث وصف القوة القاهرة أو الحادث الفجائي، إذا كانت القوة القاهرة أو الحادث الفجائي السبب الوحيد في وقوع الضرر فان العلاقة السببية بين الخطأ والضرر تكون مفقودة وبالتالي لا تتحقق المسؤولية، أما إذا اشتركت القوة القاهرة أو الحادث الفجائي مع الخطأ من المدعى عليه في إحداث الضرر كان المدعى عليه مسؤولا مسؤولية كاملة لان خطأه هو الذي يعتبر السبب في وقوع الضرر.
المطلب الثاني: آثار المسؤولية عن العمل الشخصي
إذا توافرت المسؤولية التقصيرية عن العمل الشخصي وهي الخطأ والضرر والعلاقة السببية ترتب على ذلك أن يلتزم المسؤول بتعويض المضرور عما أصابه من ضرر فالتعويض إذن هو الحكم الذي يترتب على تحقق المسؤولية وهو جزاؤها، مالم يقم المسؤول بدفع هذا التعويض رضاءا فسبيل المضرور للحصول عليه هو إقامة دعوى المسؤولية.
وسنعرض لآثار المسؤولية عن العمل الشخصي كالتالي:
1ـ دعوى المسؤولية:
سنتطرق في دعوى المسؤولية إلى أربع مسائل وهي:
_ الاختصاص: من حيث الاختصاص النوعي تقام الدعوى أمام المحكمة الابتدائية ، ومن حيث الاختصاص المكاني للمضرور الخيار بين أن يرفع دعواه أمام المحكمة التي يوجد في دائرتها موطن المسؤول أو أن يرفعها أمام المحكمة التي وقع بدائرتها العمل المسبب للضرر.
_ الأطراف في الدعوى: إن المدعى عليه في دعوى المسؤولية التقصيرية هو الشخص المسؤول عن الضرر اللاحق بالمضرور وإذا توفي هذا الشخص المسؤول فالالتزام بالتعويض ينتقل إلى تركته الفصل 105 ق ل ع.
أما المدعي في دعوى المسؤولية فهو الشخص الذي أصابه الضرر، وقد يحصل أن يكون الضرر أصاب عدة أشخاص، فلكل من هؤلاء حق مستقل بالمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحق به.
وإذا كان المضرور فاقد الأهلية أو ناقصها فالدعوى تقام من قبل نائبه الشرعي أي من قبل الولي أو الوصي أو المقدم بحسب الأحوال.
في حالة وفاة المضرور ينتقل حقه بالتعويض إلى ورثته عندما يرفع المضرور الدعوى قبل وفاته.
_ الإثبات: المسؤولية عن العمل الشخصي تتطلب أن يرتكب شخص خطأ وينشأ عن هذا الخطأ ضرر لشخص أخر وتقوم علاقة سببية بين الضرر الذي لحق بالمضرور والخطأ الذي ارتكبه المسؤول فعلى من يرفع دعوى المسؤولية التقصيرية أن يثبت هذه الأمور جميعا، وبالتالي أن يقيم الدليل على وجود الخطأ، ثم وجود الضرر ثم قيام رابطة سببية بين الخطأ والضرر، وبوسعه أن يقيم هذا الدليل بجميع الطر ق التبوثية ولاسيما بالشهادة والقرائن.
_ تقادم دعوى المسؤولية: إن دعوى التعويض من جراء جرم أو شبه جرم تتقادم بمضي خمس سنوات تبتدئ من الوقت الذي بلغ فيه إلى علم الفريق المتضرر ومن هو المسؤول عنه وتتقادم في جميع الأحوال بمضي عشرين سنة تبتدئ من وقت حدوث الضرر.
2ـ التعويض:
إذا وقع عمل غير مشروع كان للمضرور حق في التعويض عما لحق به هذا العمل من ضرر، وقد أيد المشرع حق المضرور في التعويض في الفصلين 77 و 78 وقرر في الفصول 98، 99، 100 بعض الأحكام الواجبة التطبيق في حقل التعويض، وتتلخص هذه الأحكام بالقواعد التالية:
القاعدة الأولى: يجب أن يكون التعويض عن الضرر تعويضا كاملا بحيث يشمل الخسارة التي لحقت المدعي والمصروفات الضرورية التي اضطر أو سيضطر إلى إنفاقها لإصلاح نتائج الفعل الذي ارتكب إضرارا به، وكذلك الكسب الذي فاته الفقرة الأولى من الفصل 98 ق ل ع.
القاعدة الثانية: يجب على المحكمة، عند تقديرها للأضرار أن تدخل في اعتبارها جسامة الخطأ الصادر عن المسؤول، وتراعي ما إذا كان الضرر الذي أصاب المضرور قد نجم نتيجة خطأ عادي أم نتيجة تدليس من المسؤول الفقرة الثانية من الفصل 98 ق ل ع.
القاعدة الثالثة: إذا وقع الضرر من أشخاص متعددين يعملون متوافقين كان كل من منهم مسؤولا بالتضامن عن النتائج لا فرق بين من كان منهم محرضا أو شريكا أو فاعلا أصليا الفصل 99 ق ل ع.
القاعدة الرابعة: إذا تعدد المسؤولون عن الضرر وتعذر تحديد فاعله الأصلي من بينهم أو تعذر تحديد النسبة التي أسهموا بها في الضرر فانه يحكم عليهم جميعا على وجه التضامن بالتعويض عن الضرر الفصل 100 ق ل ع.
3ـ الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية التقصيرية:
قد تبرم اتفاقات بغية تعديل الآثار المترتبة على المسؤولية التقصيرية فما هو حكم هذه الاتفاقات:
ـ يجب التمييز بين الاتفاقات التي تبرم بعد تحقق المسؤولية وبين الاتفاقات التي تبرم مسبقا:
_ الاتفاقات التي تبرم بعد تحقق المسؤولية هي اتفاقات صحيحة وتنتج أثارها سواء كان من شأن هذه الاتفاقات الإعفاء أو التخفيف أو التشديد فهكذا يصبح للمضرور أن يتنازل عن حقه في التعويض كما يصح أن يقبل بتعويض اقل، وكذلك يصح أن يلزم المسؤول نفسه بتعويض أبهظ إذ ليس في كل ذلك ما يخالف النظام العام.
_ أما الاتفاقات التي تبرم قبل تحقق المسؤولية فهي ممنوعة قانونا وتعتبر عديمة الأثر سواء أكانت هذه الاتفاقات تتعلق بالمسؤولية الناجمة عن جرم وذلك على ماورد عليه النص صراحة في الفصلين 77، 78 ق ل ع.
المسؤولية عن فعل الغير
إذا كان الأصل أن الإنسان لا يسأل إلا عن الضرر الذي تسبب في حدوثه فإنه يمكن ان يسأل عن الأضرار التي تسبب فيها غيره، وقد اقر المشرع المغربي المسؤولية عن فعل الغير ونظمها في الفصلين 85 و85 مكرر من ق ل ع.
والأشخاص المسؤولون عن فعل الغير حددهم ق ل ع ق على سبيل الحصر في الفصلين 85 و85 مكررين وسنتطرق إلى بيانهم بتفصيل في معرض التحليل، ثم إن مسؤولية هذه الفئات من الأشخاص ليست على نمط واحد لذلك ارتأينا جعل هذا المعيار أساس لتقسيم المنهجي للموضوع إلى مطلبين:
المطلب الأول: المسؤولية عن فعل الغير القائمة على خطأ واجب الإثبات
ـ مسؤولية المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة.
المطلب الثاني: المسؤولية عن فعل الغير قائمة على خطأ مفترض يقبل إثبات العكس أولا يقبل إثبات العكس
الفقرة الأولى: المسؤولية عن فعل الغير قائمة على خطأ مفترض يقبل إثبات العكس
أـ مسؤولية الأب والأم عن الضرر الذي يحدثه أبناؤهما القاصرين الساكنين معهم
ب ـ مسؤولية أرباب الحرف عن الضرر الحاصل من متعلميهم
ج ـ مسؤولية الأشخاص المكلفين برقابة المجانين ومختلي العقل
الفقرة الثانية: المسؤولية عن فعل الغير القائمة على خطأ لا يقبل إثبات العكس
ـ مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع
مسؤولية المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة
عرض المشرع المغربي لمسؤولية المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة في الفصل 85 مكرر، ويمكن تلخيص الأحكام الواردة في هذا النص كما يلي:
1ـ تفترض مسؤولية المعلمين وموظفو الشبيبة والرياضة قيام التزام على عاتقهم بالرقابة على طفل أو شاب خلال الوقت الذي يوجد فيها تحت رقابتهم، فإذا انتهت هذه الرقابة زالت المسؤولية وعاد الطفل أو الشاب إلى من تجب عليه الرقابة قانونا.
2ـ تقوم مسؤولية المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة على أساس خطأ واجب الإثبات ف 2 من ف 85 مكرر ق ل ع.
3ـ تحل الدولة محل المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة نتيجة ارتكاب فعل ضار من الأطفال أو الشبان الذين عهد بهم إليهم بسبب وظائفهم.
4ـ ترفع الدعوى على الدولة باعتبارها حالة محل المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة أمام المحكمة التي وقع بدائرتها العمل الضار.
5ـ يجوز للدولة أن تباشر دعوى الاسترداد، إما على المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة وإما على الغير وفقا للقواعد العامة.
6ـ لا يسوغ في الدعوى الأصلية أن تسمع شهادة الموظفين الذين يمكن أن تباشر الدولة ضدهم عوى الاسترداد.
7ـ تتقادم دوى المسؤولية على المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة بثلاث سنوات تبتدئ من ارتكاب الفعل الضار .
مسؤولية الأب وألام عن الضرر الذي يحدثه أبناؤهما القاصرون الساكنون معهم
حصر المشرع في الفصل 85 من ق ل ع المسؤولية المترتبة عن الأفعال الضارة التي يرتكبها القصر بالأب فالأم بعد وفاته، أما الوصي وغيره من الأصول والأقارب كالأعمام والعمات والخالات فلا يسألون عن الضرر الذي يحدثه القاصر ولو كان مقيما معهم،
تقوم مسؤولية الرقابة على أساس قرينة الخطأ، إذ يفترض القانون انه أهمل في رقابة الخاضع للرقابة مما هيأ له صدور العمل الغير المشروع، فإذا ارتكب الخاضع للرقابة فعلا ضارا فيفترض أن الأب والأم بعد موته قد أساء ترتيبه لكن قرينة الخطأ التي تقوم عليها مسؤوليتهم هي قرينة بسيطة يمكن دحضها إذا اثبتا أنهما لم يقصروا في تربية ابنهما أو ابنتهما تربية حسنة.
وحسب الفقرة 2 من الفصل85 ق ل ع فان المسؤولية تقع مبدئيا على الأب باعتباره متعهد لأبنائه القصر فإذا مات انتقلت المسؤولية إلى الأم لانتقال التعهد إليها،
وعليه فإننا سنقسم موضوعنا هذا إلى فقرتين كالتالي:
الفقرة الأولى: شروط المسؤولية
الفقرة الثانية: آثار المسؤولية
الفقرة الأولى: شروط المسؤولية
يشترط لمساءلة الأب فالأم عن أفعال القاصر توافر شرطين:
الشرط الأول: أن يكون الولد قاصرا
تزول مسؤولية الأب والأم ببلوغ ابنهما سن الرشد، إذ عندها يستقل الابن بنفسه وإذا ما ارتكب عملا غير مشروع فيتحمل هو مسؤولية هذا العمل ولا يمكن مساءلة الأب والأم إلا إذا اثبت المضرور ارتكابهما خطأ معين يبرر هذه المسؤولية، لان قرينة الخطأ المقررة بحق الآباء والأمهات تطوى ببلوغ الأبناء سن الرشد
الشرط الثاني: أن يكون ساكنا مع أبويه
لا تترتب مسؤولية الأب والأم على ابنهما القاصر إلا إذا كان يعيش معهما ويوجد تحت رقابتهما، وهذا ما أراده المشرع عندما حصر في الفصل 85 ق ل ع مسؤولية الوالدين في الضرر الذي يحدثه القاصر المقيم معهما، فليس المقصود هنا بالإقامة مع الوالدين السكنى معهما، فالأب والأم يسألان عن الضرر الذي يحدثه ابنهما حتى لو كانا طرداه من المسكن أو لو كان الابن قد فر منه، بل إن قصد المشرع هو أن يكون القاصر في كنفهما وتحت رقابتهما لا تحت رقابة شخص أخر كالمعلم أو رب الحرفة.
الفقرة الثانية: أثار المسؤولية
إذا اثبت المتضرر توافر الشروط الثلاثة السابقة حق له أن يطالب بالتعويض عن الضرر اللاحق به من الأب أو الأم مباشرة، وذلك من دون حاجة إلى اثبات أنهما ارتكبا خطأ في المراقبة أو التربية، لان هذا الخطأ مفترض في حقهما مبدئيا.
لكن الأب والأم يمكنهما أن ينفيا الخطأ عنهما بإثبات انهما قد اتخذا جميع الاحتياطات اللازمة وانه استحال عليهما منع الولد القاصر من القيام بالعمل الخاطئ.
وكما يستطيع المكلف بالرقابة بدفع المسؤولية عن نفسه بأن ينفي العلاقة السببية، بأن يقيم الدليل على أن الضرر كان لابد واقعا ولو كان قد قام هو بواجبه في الرقابة بما ينبغي من عناية.
والقاضي عند تقديره للمسؤولية في هذه الحالة يأخذ في الاعتبار الظروف والملابسات المحيطة بالقضية فينظر إلى سن الولد ووضعه العائلي وظروف أسرته الاجتماعية والفكرية والمادية.
مسؤولية أرباب الحرف عن الضرر الحاصل من متعلميهم
إن أرباب الحرف يسألون عن الضرر الذي يحدثه المتعلمين الذين يكونون تحت رقابتهم الفقرة 4 من ف 85 ق ل ع، فالمتعلم يعتبر أثناء عمله تحت رقابة رب الحرفة بصفته متمرنا، لذا فكل ضرر يحدثه المتعلم للغير وهو تحت هذه الرقابة يسأل عنه رب الحرفة، سواء كان المتمرن راشدا أم قاصرا مميز أم غير مميز، ورب الحرفة هو الشخص الذي يزاول حرفة أو مهنة معينة ويستخدم لمساعدته أطفالا ( متعلمين) في مقابل التكوين المهني الذي يحصلون عليه لمهنة أو حرفة ما كالحدادة أو النجارة.
ومسؤولية رب الحرفة قائمة على خطأ مفترض قوامه انه لم يقم بمراقبة المتعلم كما يجب ولم يوجهه التوجيه السليم، وبذلك يكون قد هيأ له سبيل العمل الغير المشروع، إلا أن هذه القرينة بسيطة تقبل إثبات العكس، فيمكنه أن يتخلص من المسؤولية بإثبات انه قام فعلا برقابة كافية على متعلميه.
ومنه فإننا ارتأينا أن نقسم موضوعنا هذا إلى فقرتين على الشكل التالي:
الفقرة الاولى: شروط المسؤولية
يشترط لمسألة رب الحرفة عن الأضرار الحاصلة من متعلميه توافر شرطين:
1ـ أن يكون المتعلم تحت رقابة رب الحرفة
2ـ أن يرتكب المتعلم فعلا ضارا
الشرط الأول" أن يكون المتعلم تحت رقابة رب لحرفة":
لا تترتب مسؤولية رب الحرفة إلا إذا كان الضرر وقع أثناء وجود المتعلم تحت رقابته، أما إذا انتهت فترة لتمرين، وغادر المتعلم محل عمله، فتطوى رقابة رب الحرفة، وتعود الرقابة إلى الأب أو الأم فيصبحان مسؤولين وحدهما عما يمكن أن يحدثه المتعلم من ضرر.
الشرط الثاني" أن يرتكب المتعلم فعلا ضارا":
إن الضرر الذي نحن بصدده والذي يسأل عنه رب الحرفة هو الضرر الذي يلحقه المتعلم بالغير أما الضرر الذي يصيب المتعلم نفسه أثناء العمل فأثاره تخضع للقانون المتعلق بحوادث الشغل.
الفقرة الثانية:آثار المسؤولية
يحق للمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر اللاحق به من رب الحرفة مباشرة دون حاجة للإثبات خطأ في جانبه، وليتخلص رب الحرفة من المسؤولية عليه أن يثبت انه لم يرتكب خطأ، بإثبات انه قام فعلا برقابة كافية على متعلميه، ولا يكون عليه أن يثبت انه قام بواجب التربية لان هذا ليس من مسؤوليته.
مسؤولية الأشخاص المكلفين برقابة المجانين ومختلي العقل
أشار الفصل 85 ق ل ع إلى واجب الرقابة قانونا أو اتفاقا قد يكون بسب حالة الجنون أو اختلال العقل لشخص، حتى ولو تجاوز سن الرشد فيكون الأب والأم وغيرهما من الأقارب أو الأزواج مسؤولين عن الأضرار التي يحدثها المجانين ومختلي العقل، وإذا اتفق المسؤول مع شخص على رعايته، كمستشفى أو ممرض كان هذا الأخير مسؤولا عن أعماله الضارة.
وهذه المسؤولية تقوم على خطأ مفترض قوامه تقصير في الرقابة ولبيان هذه المسؤولية سنعرض أولا لشروطها ثم لآثارها.
الفقرة الأولى: شروط المسؤولية
لتحقق المسؤولية يجب توافر الشروط التالية:
1ـ يجب أن يكون هناك شخص تجعله حالته العقلية في حاجة إلى رعاية تحول دون صدور عمل يضر بالغير كأن يكون مصابا بالجنون أوعته أو إختلال في ملكته العقلية فالرقابة هنا تقوم إذن لسبب غير سبب السن، لذلك كان المكلف بالرقابة مسؤولا في هذه الحالة عمن هو تحت رقابته حتى لو كان بالغا سن الرشد.
2ـ لا تترتب مسؤولية المكلفين بالرقابة قانونا أي الأب أو الأم أو غبرهما من الأقارب، إلا إذا كان المجنون أو مختل العقل تحت رقابتهم، أي مقيم معهم لا في كنف شخص أخر كمدير المستشفى أو الطبيب أو الممرض.
الفقرة الثانية: آثار المسؤولية
إذا تحققت الشروط المذكورة حق للمتضرر من فعل صادر عن المجنون أو مختل العقل أن يطلب التعويض من الشخص المسؤول عن رقابة هذا المجنون دون حاجة إلى إثبات خطأ المسؤول.
ولا يستطيع المكلف برقابة أن يتلخص من المسؤولية إلا إذا اثبت انه لم يرتكب خطأ، أو انه كان يجهل خطورة المرض أو كان الضرر يرجح لسبب أجنبي.
مسؤولية المتبوع عن عمل التابع
خصص لها المشرع الفقرة 3 من الفصل 85 ق ل ع، والتي اقر فيها مسؤولية المتبوع عن عمل التابع، وبرزت إلى الساعة اجتهادات وأراء فقهية مختلفة تحاول أن تلتمس أساس لهذه المسؤولية، كنظرية الخطأ المفترض ونظرية تحمل التبعية ونظرية الضمان.
على كل حال وكيفما كان الأساس الذي تقوم عليه مسؤولية المتبوع عن الضرر الذي يحدثه فإن هذه المسؤولية تقوم على فعل الغير وتجد مصدرها في القانون، ولا يستطيع المتبوع التخلص منها ولو اثبت انه كان يستحيل عليه منع العمل الضار.
وعليه سنقسم موضوعنا هذا إلى فقرتين على الشكل التالي:
الفقرة الأولى: شروط المسؤولية
الفقرة الثانية: آثار المسؤولية
الفقرة الأولى: شروط المسؤولية
يشترط لكي تتحقق مسؤولية المتبوع الشروط التالية:
الشرط الأول" قيام علاقة تبعية تجمع بين التابع والمتبوع":
تقوم علاقة تبعية عندما يعمل شخص لحساب غيره، بحيث يوجد تحت سلطة فعلية لهذا الغير في توجيه ومراقبة العمل الذي يقوم به، وعلى ذلك فانه لقيام العلاقة التبعية لابد أن يقوم التابع بعمل لحساب المتبوع وأن تكون للمتبوع سلطة فعلية في إصدار الأوامر وتوجيه التعليمات للتابع بشأن طريقة أداء العمل ومراقبة تنفيذه سواء كان مصدر هذه السلطة الفعلية القانون أو الاتفاق كما في عقد الشغل فالأجير تابع لمشغله.
الشرط الثاني" ارتكاب التابع لخطأ أثناء عمله أو بسببه":
لقيام مسؤولية المتبوع يجب أن يرتكب التابع خطأ من شأنه أن يسأل عنه شخصيا وبعبارة أخرى لا بد حتى تتحقق مسؤولية المتبوع أن تتحقق أولا مسؤولية التابع ، فإذا تحقق الضرر أمكن متابعة المتبوع مباشرة دون حاجة لمقاضاة التابع عن ذلك.
والمتبوع لا يسأل عن كل خطأ يصدر من التابع، وإنما يسال عن الخطأ لذي يرتكبه التابع أثناء قيامه بالعمل كما يتضح من قراءة الفقرة 3 من الفصل 85 ق ل ع، ومثاله أن يصدم سائق سيارة، وهو يقود صاحبها إلى مقر عمله، شخصا في الطريق بسبب تقصيره وإهماله، حيث يعتبر التابع مخطئا والمتبوع مسؤولا.
على أن الاجتهاد القضائي في المغرب اعتبر المتبوع مسؤولا أيضا عن الخطأ الذي يرتكبه التابع بسبب الوظيفة، رغم اقتصار النص القانوني على الخطأ المرتكب أثناء أداء الوظيفة.
ويعتبر الخطأ قد ارتكب بسبب الوظيفة إذا كانت بينهما علاقة سببية وثيقة، بحيث لولا الوظيفة لما استطاع التابع ارتكاب الخطأ، كأن يقدم سائق سيارة وهو في خدمة صاحبها على استعمالها لمنفعته الشخصية بذهابه لنزهة أو لغرض خاص، حيث يسال صاحب السيارة عن الخطأ الذي يرتكبه السائق في هذه الحالة.
الفقرة الثانية: آثار المسؤولية
فإذا توافرت الشروط المذكورة تحققت مسؤولية المتبوع مباشرة ومن دون حاجة إلى إثبات وقوع خطأ شخصي من جانبه، لان هذا الخطأ مفترض بل إن المتبوع لا يستطيع التخلص من المسؤولية بإثبات انه لم يرتكب خطأ، فهو لا يستطيع نفي المسؤولية عنه إلا إذا نفي مسؤولية التابع.
المسؤولية الناشئة عن الحيوان والأشياء
خص المشرع المغربي للمسؤولية الناشئة عن الأشياء والحيوان الفصول من 86 إلى
90 ق ل ع.
حيث عرض لمسؤولية حارس الحيوان، ثم لمسؤولية حارس الأشياء، ثم لمسؤولية مالك البناء عن الضرر الذي يمكن أن يلحقه الحيوان أو الشيء أو البناء بالغير.
وسوف نتبع هذا الترتيب ونخص لكل مسؤولية مطلب مستقلا كمايلي:
المطلب الأول: مسؤولية حارس الحيوان
المطلب الثاني: مسؤولية حارس الأشياء
المطلب الثالث: مسؤولية مالك البناء
المطلب الأول: مسؤولية حارس الحيوان
نظم المشرع المغربي مسؤولية حارس الحيوان عن الأضرار التي يسببها للغير في فصلين 86ـ87 ق ل ع ومبنى مسؤولية حارس الحيوان هو خطأ مفترض وهو الإخلال بواجب الرقابة وعدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع الحيوان من الإضرار بالغير، والخطأ المفترض في جانب حارس الحيوان هو خطأ يقبل إثبات العكس، وعلى ذلك فيمكن الحارس أن يتحلل من المسؤولية بإثبات انه لم يخطئ وانه اتخذ جميع الاحتياطات الضرورية لمنع وقوع الضرر، وان الضرر ناتج عن قوة قاهرة أو خطأ المتضرر، الفصل 86 ق ل ع.
ومن تم فإننا سنقسم موضوعنا هذا إلى فقرتين على الشكل التالي:
الفقرة الأولى: شروط المسؤولية
الفقرة الثانية:آثار المسؤولية
الفقرة الأولى: شروط المسؤولية
لكي تتحقق مسؤولية حارس الحيوان لابد من توافر الشرطين التاليين:
الشرط الأول" أن يتولى شخص حراسة حيوان ":
للإحاطة بهذا الشرط تقتضي الإحاطة بمفهوم كل من الحراسة والحيوان:
1ـ الحراسة: هي السلطة الفعلية على الحيوان في رقابته وتوجيهه، وهذا ما يستتبع القول على أن الحراسة هي غير الملكية، حيث انه لو كان الأصل أن مالك الحيوان هو صاحب السيطرة الفعلية عليه فيمكنه التحلل من المسؤولية بإثباته أن السلطة الفعلية انتقلت إلى شخص آخر وقت حصول الضرر ولا يخلو الأمر من فرضيتين:
الفرضية الأولى: انتقال السلطة الفعلية على الحيوان بعقد ككرائه أو إعارته أو استئمانه عند شخص أخر، فيعتبرالشخص هو الحارس.
الفرضية الثانية: انتقال السلطة الفعلية على الحيوان إلى الغير بدون رضاء من مالكه، وذلك مثل سارق الحيوان فيعتبر هو الحارس والمسؤول عن أضرار الحيوان.
2ـ الحيوان: وقد يكون طليق أو غير طليق
أـ حالة الحيوان الغير الطليق: المملوك لأحد الأشخاص سواء كان حيوانا أليفا أو كان حيوانا متوحشا وقع صيده، فيكون الحارس مسؤولا عن فعله الضار سواء ظل تحت رقابته أو ظل أو تشرد.
ب ـ حالة الحيوان الطليق: الذي لم يصر مملوكا لأحد سواء كان متوحشا أو غير متوحش، وذلك على شرط أن يكون الحارس قد عمل على جلب الحيوان إلى الأرض، أو الاحتفاظ به فيها، وان يكون قد خصص حظيرة أو غابة أو حديقة بقصد التجارة أو الصيد أو الاستعمال المنزلي أو أن تكون الأرض مخصصة للصيد كما يستفاد من ف 87 ق ل ع .
الشرط الثاني" أن يحدث الحيوان بفعله ضررا للغير":
أـ فعل الحيوان:
_ فعل الحيوان الذي يرتب مسؤولية حارسه هو الفعل الايجابي أما إذا كان دور الحيوان سلبيا فان الضرر لا يعتبر من فعله، كان يسقط شخص أثناء محاولة ركوب الحصان وتكسر ساقه.
والفعل الايجابي لا يفترض وجود اتصال مادي بين الحيوان والمضرور وإنما يكفي أن يكون هو السبب الايجابي في حدوث الضرر كما لو هاج الحيوان وافلت من زمام يد حارسه فسبب الذعر لأحد المارة فسقط وجرح دون أن يمسه الحيوان.
_ وأما إذا كان الحيوان في قيادة شخص عند حدوث الضرر كما لو وقع الحادث عندما كان يمتطي شخص جواد فافتراض الخطأ في الرقابة والتوجيه في مثل هذه الحالة يجد ما يبرره وتبقى للمحكمة تحديد المسؤولية هل هي عن فعل الحيوان أم عن فعل الشخص وتكون في ذلك خاضعة لرقابة محكمة النقض.
ب ـ ضرر الغير:
والغير هنا هو كل شخص غير الحارس فقد يكون أجنبيا عن الحارس كعابر سبيل وقد يكون تابعه وقد يكون هو المالك نفسه، إذا كان الحيوان في عهدة حارس.
أما الضرر الذي يصيب الحارس أو الذي يلحقه الحيوان بنفسه عندما يكون الحارس غير المالك فيخضع للقواعد العامة بشأن المسؤولية عن العمل الشخصي.
الفقرة الثانية. آثار المسؤولية
إذا توافر الشرطان السابقي الذكر حق للمتضرر المطالبة بالتعويض من المسؤول المفترض أن الخطأ صدر عنه أي الحارس، ولا يتحلل الحارس من المسؤولية إلا في حالتين:
1ـ إذا اثبت انه لم يخطئ ببرهنته على انه اتخذ جميع الاحتياطات اللازمة لحراسة الحيوان ومنعه من الإضرار بالغير.
2ـ إذا اثبت أن الضرر الذي لحق المتضرر يرجع لقوة قاهرة أو حادث فجائي أو خطأ المتضرر.
فإذا صاحب خطأ المتضرر خطأ للحارس، وزعت المسؤولية بينهما كما في الحالة التي يهمل فيها الحارس ربط الكلب فيلحق بمستفزه ويعضه.
المطلب الثاني: مسؤولية حارس الشيء
خص المشرع لمسؤولية حارس الشيء الفصل 88 ق ل ع، وقد أراد بهذا النص الأخذ بيد المضرور بغية تخفيف عبء الإثبات عنه، عندما يطالب بالتعويض عن الأضرار التي تسببها له الآلات الميكانيكية والأدوات الخطيرة التي خلفها التطور الصناعي، فهذا النص يعفي المضرور من إثبات خطأ حارس الشيء الذي احدث الضرر باعتبار أن مسؤولية الحارس تقوم على خطأ مفترض من جانبه في رقابة الشيء الأمر الذي يبرز خاصة في حوادث السير حيث كان يصعب على المضرور إثبات خطأ السائق وبالتالي ضياع حقوقه وقرينة الخطأ المفترض التي بنيت عليها مسؤولية حارس الشيء، قرينة تقبل البينة المعاكسة ومنه فإننا سنقسم موضوعنا هذا إلى فقرتين:
الفقرة الأولى: شروط المسؤولية
الفقرة الثانية: آثار المسؤولية
الفقرة الأولى : شروط المسؤولية
حتى تتحقق مسؤولية حارس الأشياء يجب توافر الشرطين التالين:
الشرط الأول" يجب أن يتولى شخص حراسة شيء مادي غير حي":
وللإحاطة بهذا الشرط يتطلب بيان مفهوم الحراسة ثم مدلول الشيء.
أـ مفهوم الحراسة: يقصد بالحراسة هنا السلطة الفعلية الاستعمال والرقابة والتصرف والأصل أن الحراسة تكون للمالك فإذا رفع المضرور الدعوى ضد المالك فليس عليه أن يثبت ان المالك هو الحارس فالحراسة مفترضة لديه، وان المالك هو الذي يتحمل عبء إثبات فقدان الحراسة (1) أو نقلها للغير (2) .
1ـ فرضية نقل الحراسة إلى الغير: ويتم ذلك بنقل سلطة الاستعمال والرقابة والتصرف على الشيء من المالك بمقتضى اتفاق إلى الغير كالمكتري أو المكلف بإصلاحه، أو المنتفع بالشيء كما تبين الفقرة 2 من الفصل 88 ق ل ع فيعتبر هذا الأخير هو حارس الشيء.
2ـ فرضية فقدان المالك للحراسة: وذلك حينما تزول سلطة استعمال الشيء ورقابته والتصرف فيه عن مالكه من دون رضاه، كما في حالة سرقة الشيء فيعتبر السارق هو حارس الشيء.
والحراسة هي غير الحيازة فالتابع كسائق السيارة يحوز الشيء، حيازة مادية ولكن المالك يحتفظ بالسلطة الفعلية في التوجيه والتصرف بأمر السيارة، ماعدا استعمال التابع الشيء لمنفعته الشخصية فتنتقل الحراسة إليه، ثم إن مسؤولية حارس الشيء تبقى قائمة حتى ولو زالت حيازته المادية فصاحب السيارة الذي يغادر سيارته ليدخل منزله مثلا يبقى مسؤولا عن الأضرار التي يمكن أن تحدثها السيارة.
ب ـ الشيء:
المقصود بالشيء غير حي فيما عدا البناء الذي يتهدم، و إذن فيخرج من نطاق الشيء هنا، الشيء الحي،فالحيوان قد خصص له يحدثه من ضرر الفصلان 86 و87 والبناء الذي يتهدم، أو الأشخاص و العقارات بالتخصيص فيما يتعلق بالأضرار التي تنجم عن تهدمها، خصص له 89 و90.
و إذن ففيما عدا هذين الشيئين يصدق اصطلاح الشيء هنا على كل شيء منقولا كان أو عقارا، بل و يصدق على التيار الكهربائي و تيار الغاز، و على السيارات أو القاطرات ….
الشرط الثاني" أن يحدث ضررا للغير":
نبحث على التوالي في فعل الشيء ثم في ضرر الغير:
1ـ فعل الشيء:
يعتبر الضرر ناشئا بفعل الشيء إذا كان الشيء قد تدخل تدخلا إيجابا تسبب في إحداث الضرر، والتدخل الايجابي يقتضي أن يكون الشيء في وضع يسمح له عادة بان يحدث الضرر فان كان الشيء متحركا كسيارة عابرة للطريق التي تصيب الغير بضرر فان الحركة في حد ذاتها تعتبر تدخلا ايجابيا تقيم مسؤولية الحارس إذا كانت الأضرار الناتجة عنها غير متعمدة وإلا فان المسؤولية تكون مسؤولية محرك الشيء بصفته الشخصية، وكذلك إذا كان الشيء ساكنا عند حدوث الضرر لكنه كان في وضع معيب شاذ فيعتبر فعله ايجابيا كحالة السيارة الواقفة ليلا من دون إضاءة في مكان غير مخصص لوقوف السيارات وقت تسبها في الضرر.
والفعل الايجابي للشيء لا يتطلب وجود اتصال مادي بين الشيء والمضرور وإنما يتطلب أن يكون الشيء ذا اثر في حدوث الضرر، أما إذا كان دور الشيء سلبيا كأن يرتطم شخص بسيارة واقفة في المكان المخصص لها، فان الضرر في هذه الحالة لا يعتبر من فعل الشيء ولا يرتب مسؤولية على حارسه.
2ـ ضرر الغير:
يسأل الحارس عن أي ضرر يصيب الغير بفعل الشيء وهو تحت حراسته والغير المقصود هنا هو كل من سوى الحارس، فقد يكون الغير أجنبيا عن الحارس وقد يكون تابع للحارس،وقد يكون مالك الشيء إذا كان الشيء في حراسة شخص آخر، على أن شرطا أساسيا يجب أن يتوفر في الغير حتى يستطيع مساءلة حارس الشيء على أساس قرينة الخطأ المنصوص عليها في الفصل 88 ق ل ع، هو أن يكون الضرر قد لحق به بدون أن يكون اشتراك في استعمال هذا الشيء أما أولئك الذين يساهمون في استعمال الشيء فإنهم يعتبرون راضين بتحمل المخاطر التي يمكن أن يكونوا عرضة لها ولا يستطيعون مطالبة حارس الشيء بالتعويض عن الأضرار التي يمكن أن تلحق بهم.
الفقرة الثانية: آثار المسؤولية
إذا توفر الشرطان تحققت مسؤولية الحارس وحق للمتضرر أن يطالبه بالتعويض وذلك سواء كان هذا المتضرر أجنبيا عن الحارس أم تابعا له من الذين عهد إليهم بحفظ الشيء أو استخدامه، مادام عملهم لحسابه. ولا يمكن للحارس التحلل من المسؤولية إلا إذا اثبت أمرين اثنين:
1ـ انه فعل ما كان ضروريا لتفادي الضرر
2ـ أن الضرر نشأ عن قوة قاهرة أو خطأ المتضرر
فإذا اثبت الحارس احد الأمرين فقط فانه لا يتحلل من المسؤولية.
المطلب الثالث: مسؤولية مالك البناء
خص المشرع لمسؤولية البناء عن الأضرار الناجمة عن إنهيار البناء أو تهدمه الجزئي الفصلين 89 و90 من ق ل ع.
وينص الفصل 89 في فقرة الأولى على أنه:" يسأل مالك البناء عن الضرر الذي يحدثه انهياره أو تهدمه الجزئي، إذا وقع هذا أو ذاك، بسبب القدم أو عدم الصيانة أو عيب في البناء. ويطبق نفس الحكم في حالة السقوط أو التهدم الجزئي لما يعتبر جزءا من العقار، كالأشجار و الآلات المندمجة في البناء والتوابع الأخرى المعتبرة عقارات بالتخصيص. وتلزم المسؤولية صاحب حق السطحية، إذا كانت ملكية هذا الحق منفصلة عن ملكية الأرض".
أولا ـ أساس المسؤولية
المسؤولية عن انهيار البناء أو تهدمه الجزئي تقوم على خطأ مفترض في الرعاية و الصيانة إذا كان الانهيار أو التهدم وقع بسبب القدم أو عدم الصيانة و تقوم على أساس الضمان إذا كان الانهيار أو التهدم بسبب غيب في البناء.
ثانيا ـ دفع المسؤولية
ولا يستطيع المدعي عليه دفع المسؤولية عنه على أساس نفيه للخطأ لأن المسؤولية تقوم على خطأ مفترض غير قابل لإثبات العكس، و من تم فإن المدعى عليه لا يمكنه التحلل من المسؤولية إلا بإثباته أن الضرر ناتج عن سبب أجنبي كالقوة القاهرة أو خطأ المتضرر و من دون أن يكون قد ارتكب خطأ في الصيانة أو االرعاية لأن من شأن ذلك وحده أن يقطع علاقة السببية بين الضرر و التهدم مما يبعد المسؤولية.
ثالثا ـ الأشخاص المسؤولون
أ ـ جعل الفصل 89 المالك مسؤولا بالأصل لأنه هو الملزم برعاية البناء.
ب ـ إذا كانت ملكية البناء منفصلة عن ملكية الأرض كما في حق السطحية فتلتزم المسؤولية صاحب حق الطعن.
ج ـ إذا التزم شخص غير المالك برعاية البناء بمقتضى عقد انتقلت المسؤولية إلى هذا الشخص أثناء وجود البناء في عهدته.
د ـ في حالة قيام نزاع على الملكية بين عدة أشخاص فالمسؤولية تلزم من يتوق في العقار وقت حدوث الضرر.
رابعا ـ شروط المسؤولية
لكي تقوم المسؤولية عن انهيار أو تهدم البناء يجب توافر شرطين:
*الشرط الأول: أن يكون الضرر ناشئا عن انهيار البناء أو تهدمه الجزئي و يشمل البناء كل المنشات التي يقيمها الإنسان متصلة بالأرض و كذا الملحقات الأخرى المعتبرة عقارات بالتخصص.
أما المقصود بالتهدم فهو تفكك البناء أو الأشياء المعتبرة جزءا منه أو اقتلاع الأشجار أو انكسارها.
*الشرط الثاني: أن يكون الانهيار أو التهدم نتيجة القدم أو عدم الصيانة أو عيب في البناء أما إذا وقع التهدم لغير ذلك من الأسباب كأن يكون حصل نتيجة حريق اجتاح البناء أو نتيجة هدم صاحبه طواعية فإن الأضرار التي يمكن أن تلحق مثل هذا القهر بالغير تقع تحت طائلة الفصل 88 المتعلق بمسؤولية حارس الأشياء.
وقد نص المشرع في ف 90 على حكم وقائي أراد به أن يواجه حالة لا يكون فيها البناء قد تهدم فعلا و إنما هو مهدد بالانهيار لما أجاز لمن يتهدده الضرر أن يطالب المسؤول عن البناء وفقا للمادة 89 أن يتخذ الإجراءات اللازمة لمنع وقوع الانهيار.