أطروحات و رسائل

المظاهر القانونية لحماية المستهلك : أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص : اعداد الاستاذ مهدي منير

12122

 

مقدمة:

"القانون في جملته ليس إلا مجموعة من القواعد الملزمة، التي تنظم علاقات الأشخاص في المجتمع، وهو إذ ينظم هذه العلاقات، يرسم حدود نشاط كل شخص في علاقته بالآخر، ويرتب مصالحهم جميعا، ويبين ما يعتبر منها جدير بالرعاية، وما لا يعتبر كذلك"([1]) ومن بين أهداف القاعدة القانونية تحقيق التوازن والاستقرار في المجتمع، من خلال ضبط سلوك الفرد وتنظيم الحقوق والالتزامات.

ومن الثابت في الدراسات العلمية، أن القانون لا يمكنه أن يؤدي وظيفته إلا بتحقق شرطين أساسيين وهما:

أولا: ضرورة تحديد الحقوق بدقة وتعيين آثارها.

ثانيا: وضع الوسائل التي تخول للأفراد إمكانية التمتع بهذه الحقوق.

وعلى هذا الأساس قامت التشريعات الوضعية بإصدار القوانين التي تكفل للأفراد الحرية في إبرام الاتفاقات والعقود، لاكتساب الحقوق أو تفويتها أو التنازل عنها، وذلك لأن ازدهار الشعوب رهين بممارسة الحرية في التعاقد والتنافس، و"الحرية الفردية في البيع والشراء، والاختيار واتخاذ القرارات، هي التي تعطي للحياة معنى دقيقا. غير أنه لا حرية بدون ضوابط، وفي المقابل لا يمكن فرض احترام الإجراءات والقواعد إذا كانت غير معروفة…"([2]) ولهذا السبب ظهرت النصوص القانونية في شكل مدونات، لتنظيم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية ولتفادي المشاكل التي قد تنتج عن الممارسات أو التجاوزات، التي لا تراعي مبادئ العدل والمساواة. وهو الأمر الذي جعل هذه النصوص تتميز بخاصية الحماية، التي تفيد في معناها الاصطلاحي: "الدفاع عن الشيء"([3]). ومن هذا المنطلق تظهر لنا خصوصية العلاقة ما بين القانون، وباقي العلوم الإنسانية لاسيما علم الاقتصاد.

فالقانون لا يمكن اعتباره بمثابة نظام مستقل بذاته، وذلك لأن القاعدة القانونية تتركب من عدة عناصر([4])، يعود أصل تكوينها إلى مجموعة من المصادر التاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية أيضا([5]). والملاحظ أن القانون التعاقدي بشكل خاص، كان متأثرا بالاقتصاد، لذلك فإن البعض يرى بأن مدونة نابوليون لم تكن  تجهل مدى تأثير المظهر الاقتصادي على القوة الملزمة للعقود، ومن هذا المنطلق فإنه من الخطأ أن "…نتجاهل أهمية ما هو اقتصادي  في تحديد النظرية الواقعية للقانون المدني" حسب قول أحد الدارسين([6]).

ولقد كان العقد دائما هو الأداة المتميزة للمبادلات ولتقدير حجم الدخل القومي([7])، لذلك فإنه من المفترض أن يخضع تكوينه لمبدأ الحرية، وأن يتمتع أطرافه بالحماية اللازمة. ولكن عندما اتضح بأن العقد قد يصبح مصدرا لتكدس الأموال في يد فئة اجتماعية ضيقة، ومن شأنه أن يؤدي إلى استغلال باقي الفئات، وتسخيرها لخدمة طبقة الملاك والمحتكرين،

 

اتجهت الأنظار نحو آليات أخرى لفرض العدل في تقسيم وتوزيع الثروات، دون أن يتم تجريد العقد من مكانته  في العلاقات الاجتماعية حيث ظهرت تقنية مراقبة العقود قبل وبعد إبرامها، لإلزام الأطراف بتطبيق بنودها وفق التدابير والإجراءات القانونية التي يضعها المشرع، الذي منح للدولة السلطة المادية لمعاقبة الشخص الذي يتسبب في الإضرار بالطرف المتعاقد معه. وعلى هذا الأساس فإن الدولة هي المكلفة بتحقيق العدالة عن طريق المؤسسات والهيئات المختصة بمراقبة الأحداث، وتتبع القضايا والنزاعات المعروضة عليها، وإصدار الأحكام أو القرارات من أجل حماية حقوق الأفراد، وإلزامهم بضرورة احترام القواعد القانونية([8]). لذلك يصح القول بأن قانون المنافسة، الذي ظهر لتنظيم السوق الاقتصادية كان ثمرة هذا التطور. ومن هذا المنطلق أصدر المشرع المغربي القانون رقم 06.99([9])، وذلك لتحفيز المقاولات على تحقيق نتائج أكثر فعالية([10])، وتوظيف القانون لخدمة التنمية الاقتصادية.

إن صدور قانون حرية الأسعار والمنافسة([11]) أدى إلى توطيد العلاقة ما بين القاعدة القانونية والمعاملات الاقتصادية، التي عرفت تطورا ملحوظا في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي دول الاتحاد الأوروبي. وهو الأمر الذي أفرز ظاهرة قانونية جديدة، عرفت في الفقه المقارن  باسم القانون الاقتصادي Droit économique الذي يعتبره البعض بمثابة القانون المتخصص في تنظيم وتفعيل العلاقات الاقتصادية، "سواء صدر ذلك عن الدولة أو الإرادة الخاصة أو باتفاقهما"([12]) ويعرفه أحد الدارسين بقوله: "القانون الاقتصادي هو مجموعة من القواعد القانونية التي يتلخص موضوعها في منح السلطات العمومية إمكانية التصرف بكل فعالية في الاقتصاد"([13]) في حين يرى البعض الآخر بأن القانون الاقتصادي "يعيش بدون تعريف…"([14]) لأنه بكل بساطة هو القانون الذي يتولى تنظيم الاقتصاد([15]).

ومما سبق يتضح بأن القانون والاقتصاد يتصفان بالتكامل، لذلك نعتقد بأن الغاية من ارتباط قواعد المنافسة بالقانون الاقتصادي ليست هي تحقيق التكافؤ ما بين المقاولات، وإنما الهدف منه هو حماية فئة خاصة من المتعاقدين ولذلك فإن بعض الدارسين يصفون هذا الارتباط بالفعالية الاقتصادية، التي تعني: "التزام المنتجين بتحقيق رفاهية المستهلك، أخذا بعين الاعتبار ضعف موارده المالية…"([16]) والاهتمام بالمستهلك يجب أن يتم على أساس اعتباره شريكا اقتصاديا، وليس بالنظر إليه كمتعاقد يوجد في وضعية الطرف الضعيف أمام المهني، الذي يتمتع بقوة اقتصادية تساعده على فرض شروطه في العقد، رغم وجود النصوص القانونية التي تلزم الأطراف ببعض الواجبات، من أجل حماية إرادة المتعاقد المغلوب على أمره، وفرض التوازن في العلاقة التعاقدية، كما هو الشأن بالنسبة لقواعد قانون الالتزامات والعقود.

ولقد فرضت التحولات الاقتصادية نوعا خاصا من العقود([17])، لمواكبة التطور التقني والعصري الذي أصبحت تعرفه مقاولات الإنتاج والتسويق، ولكن هل يعتبر ذلك بمثابة مبرر لتجاوز البعد الاجتماعي للتنمية الاقتصادية؟ إن المشرع المغربي أصدر بعض القواعد لحماية المقاولة، وإنقاذها من الصعوبات التي تعرقل مسيرتها([18]). ولقد اعتبر الفقه([19]) هذه المسألة من "قبيل حماية عنصر الشغل الذي هو آلية المقاولة وفي ذات الوقت هاجس الدولة لتحقيق رغبات الفئات الاجتماعية وذلك على إثر التحولات التي عرفها العالم في هذا المجال، مما جعل المشرع يضع إجراءات مسطرية لتفادي التسيير العشوائي واللامسؤول من لدن جهاز يجب إقصاؤه وتجاوزه متى ثبت تورطه وتلاعبه في مصير المقاولة، وذلك على أساس أن هذه الأخيرة تشكل… أداة رئيسية لتحريك عمليات الإنتاج والتشغيل وإمكانية توفير مناصب جديدة للشغل وبالتالي تحقيق المنافسة المشروعة التي يستفيد منها غالبية أفراد المجتمع"، وعلى الأخص المستهلك الذي يعتبر عنصرا مهما لإنعاش المقاولة وتحفيزها لتحسين جودة  منتجاتها وخدماتها، وذلك لأن الهدف الأساسي لنشاطها هو إرضاء متطلبات ورغبات المستهلكين. ولكن هل يمكن تحقيق هذه المعادلة في ظل اختلال توازن العلاقة الاستهلاكية؟

إن الاستهلاك هو التزام يقع على الشخص لضمان حياته واستمراره في العيش([20]). وبالنظر إلى تعدد أنواع السلع واختلافها، نتيجة للتقدم التقني في وسائل الإنتاج، ظهرت بعض الممارسات والتصرفات من جانب المهني الذي لا يفكر إلا في تحقيق الربح، عن طريق إغراق الأسواق بكميات كبيرة من المواد والبضائع، من أجل اكتساب الهيمنة الاقتصادية، دون أن يأخذ بعين الاعتبار مصلحة المستهلك في الحصول على السلع التي تستجيب لرغباته، سواء من حيث الجودة أو الثمن الذي يجب أن يتوافق مع قدراته الشرائية. ودون مبالغة يمكن القول بأن هذه الوضعية من شأنها أن تؤدي إلى الإضرار بالمجتمع، بل وقد تهدد سلامة المستهلكين، خاصة وأن بعض المنتجين والمحتكرين لا يلتزمون بقواعد الصدق والأمانة في معاملاتهم وأنشطتهم الاقتصادية. فهل يمكن الحديث عن الوسائل أو التقنيات القانونية التي تكفل حماية المستهلك في ظل النظام القانوني الحالي؟ وما هي هذه الوسائل؟ وكيف يمكن توظيفها؟ وهل هي كافية لوحدها أم أنه يجب استخدامها إلى جانب القواعد القانونية الأخرى الجاري بها العمل؟ ومجمل القول أن إشكالية الموضوع الذي نحن بصدد دراسته، تتلخص في البحث عن الكيفية التي بموجبها يجب على المشرع أن يتدخل لضمان الحماية القانونية للمستهلك؟

إن الهدف من هذه الدراسة هو بيان التقنيات القانونية (المنع، الإصلاح، الوقاية) التي يقررها المشرع لحماية المستهلكين، سواء في المغرب أو في الدول التي تعد تشريعاتها بمثابة المصدر الحقيقي لمنظومتنا القانونية، وذلك لإظهار ما يجب الأخذ به لوقاية الطرف الضعيف في التعاقد من التعسف الذي قد يمارس عليه. لذلك فإنه لا يجب أن يفهم من الإشكالية المطروحة أنه لابد من ربط موضوع حماية  المستهلكين بذلك الصراع الذي تقوده فعاليات المجتمع المدني، ضد الأنظمة الاقتصادية الليبرالية، لاسيما تلك التي تطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية. فالقيم التي سنحاول التركيز عليها تتميز بخاصية الشمولية، لأنها تتعلق بكل أفراد المجتمع، وتقوم على أسس أخلاقية، لأنها تحارب الغش وتقاوم التعسف والاستغلال، وفي نفس الوقت تدافع عن خصوصيات المحافظة على سلامة وصحة المستهلك. ومن هذا المنطلق نعتقد بأنه لا مجال أمام السلطة التشريعية بالمغرب أن تتهرب من موجة الإصلاح والتغيير التي شملت كافة مجالات الحياة في المجتمعات المتقدمة، ولا توجد أسباب تبرر عدم التفكير في أهمية  الاستهلاك وحماية المستهلك التي تعتبر عنصرا ضروريا ومكملا للمنافسة، في الوقت التي تعرف فيه القطاعات الإنتاجية تحولات مهمة، من شأنها أن تفرز مجتمعا استهلاكيا بالمفهوم  الضيق. ولكن ماذا نقصد  بعبارة الحماية القانونية للمستهلك؟

إن الأبحاث التي تناولت بالدراسة والتحليل موضوع حماية المستهلك، تركز على إشكالية الكيفية التي بمقتضاها يتم إثارة الانتباه إلى أهمية المظاهر النوعية للأشياء أو السلع الاستهلاكية، التي يكون لها تأثير على سلوك الفرد في حياته العادية، وتوجيه الاهتمام ايضا إلى مصالحه الاقتصادية. وعلى هذا الأساس فإن مفهوم الحماية القانونية للمستهلك يقصد به من جهة أولى الحماية الطبيعية للفرد Protection physique، وهي تستلزم التسلح بالتقنيات والآليات التقليدية التي تستخدم للحفاظ على صحة وسلامة العموم، ومنها على سبيل المثال القواعد القانونية المتعلقة بمراقبة صلاحية السلع والمواد الغذائية للاستهلاك. ومن جهة ثانية حماية المصالح الاقتصادية، التي تتطلب مراقبة الطرق والوسائل المستعملة لتسويق المنتجات، بما في ذلك الإعلام والإشهار وتخفيض الأثمان…إلخ. ومن هذا المنطلق فإن دراستنا سوف تركز على التوجيهات العامة لسياسة الحماية، التي تجمع ما بين الحماية الطبيعية وحماية المصالح الاقتصادية. ولتحقيق ذلك نعتقد بأنه يجب الاعتماد على بعض القواعد القانونية التي تلزم السلطات العمومية بالتدخل لمنع كل ما من شأنه قد يؤدي إلى الإضرار بالمستهلك وهو الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل عن مدى قدرة المقاولات المحلية على تحقيق الاكتفاء الذاتي، بالنظر إلى السلع المهربة التي تكتسح الأسواق المغربية، من أجل المطالبة بالجودة؟ وإلى جانب ذلك هل يمكننا أن نلزم المنتج أو المستورد أوالموزع الذي يملك  التحكم في سلطة القرارلتسيير السوق الاقتصادية إلى جانب السلطة العمومية، بأن يسلم البضائع ويقدم الخدمات حسب الشروط والمعايير التي تستجيب لرغبات المستهلك؟ ومن ناحية أخرى هل يتمتع المستهلك المغربي بالقدرة على الدفاع عن مصالحه بنفسه أو حتى في إطار تنظيم جماعي؟ وبشكل مختصر هل يمكن الحديث عن حماية المستهلك في التشريع المغربي؟ أو كما يتساءل أحد الدارسين([21]) هل يوجد في المغرب قانون لتنظيم الاستهلاك؟.

إن أهم الأسباب التي دفعتنا إلى الاهتمام بهذا الموضوع تتلخص فيما يلي:

1)إن العديد من المنتجين والموزعين والمحتكرين في السوق المغربية، يشكلون إلى جانب السلطة العمومية مركزا لاتخاذ القرارات، وهذه الوضعية التي تعد رمزا لقوة الضغط الاقتصادي، هي مصدر التعسف الذي يتحمله المستهلك مكرها، رغم معاناته الاجتماعية بسبب الفقر والأمية، بل وأكثر من ذلك فهو ملزم بالدفاع عن نفسه لمقاومة مظاهر الاستغلال وانعدام التوازن في العلاقات التعاقدية، لذلك فإنه يجب إعادة النظر في القواعد القانونية التي وضعت لحماية إرادته.

2)رغم عدم كفاية السلع، وقلة جودتها فإن المغرب أصبح يتوفر على خصائص المجتمعات الاستهلاكية([22]) التي تتميز بكثرة التجاوزات والخروق القانونية وذلك لأن مسيريها يركزون اهتماماتهم على نشر ثقافة الاستهلاك، ويهملون الأولويات الأخرى المتعلقة بالصحة والسلامة والوقاية من الأضرار. فمثلا المواد الغذائية التي تعرض على الجمهور للاستهلاك يدخل في تركيبها عدة مواد مصنعة ومعقدة، يصعب على الشخص العادي إدراك نوعيتها أو

 

فهم معاييرها. وبما أن أنشطة الشركات لا تقتصر على الحدود الإقليمية لموطنها الذي يتم فيه الإنتاج، وإنما يتسع ليشمل باقي الدول أو الأسواق التي تعتمد في اقتصادها على الاستيراد، حيث تصدر المنتجات دون توضيح المعلومات أو البيانات التي تظهر على أغلفتها، لذلك فإنه يجب حماية المستهلك المغربي من السلع والبضائع المستوردة والمهربة أيضا، خاصة تلك التي يجهل مصدر صنعها أولا تعرف محتوياتها.

3)إن الدول النامية في حاجة إلى وضع الوسائل والآليات القانونية لخدمة مصالح المستهلكين، وذلك لأن تطور المجتمع الاستهلاكي لا يوازي النمو الاقتصادي أو الإنتاجي([23]) الذي يعرف تراجعا نسبيا بالنظر إلى الدول المتقدمة. والملاحظ أن المغرب أصبح يهتم بالمقاولة وإنعاش السوق الاستهلاكية، غير أنه أهمل في نفس الوقت الجانب الأساسي الذي تقوم عليه فكرة إصلاح البنية الاجتماعية لتحقيق العدل ما بين أفراد المجتمع، ويظهر ذلك من خلال ارتفاع نسبة البطالة، ضعف الإنتاج وقلة الجودة، ارتفاع الضرائب، توجيه الاستثمار في قطاعات خاصة لخدمة المستهلك الأجنبي، إلى غير ذلك من مظاهر انعدام التوازن الذي تتميز به مخططات الحكومة التي يجب عليها أن توحد الجهود لرعاية مصالح المستهلك المغربي، ووقايته من الأخطار والأضرار التي من المحتمل وقوعها بسبب إهمال الجانب الاجتماعي في العلاقات الاقتصادية.

4)إن إثارة موضوع حماية المستهلك، في دولة نامية كالمغرب يعتبر من وجهة نظرنا إشكالية حقيقية لا يمكن نفيها، أو القول بأنها ليست من مواضيع الساعة ويجب عدم الانشغال بها لأنها لا تعد من أولويات عصرنة المجتمع، لاسيما وأن انتشار الجهل، وما يصاحبه من ممارسات قد تضر بالاقتصاد الوطني، يفرض علينا البحث عن الطريقة التي بموجبها يمكننا تغيير عقلية وثقافة المستهلك المغربي فظاهرة تهريب السلع والبضائع، وبيعها في الشوارع والأماكن العمومية، دون مراعاة لضوابط الصحة والسلامة، تشكل خطرا على التنمية في مظهرها العام، ومما يزيد الأمر خطورة هو الإقبال المتزايد على شراءها من طرف المستهلكين، دون التفكير في عواقبها معتقدين بأنهم قد حصلوا على الجودة بأقل تكلفة. فما الذي يجب فعله لحماية المستهلك؟ أو بعبارة أخرى ما هي الوسائل القانونية الواجب اتخاذها للحد من خطورة المنتجات الاستهلاكية؟

 لقد ظهر الاهتمام بمصالح المستهلكين منذ أن تم الاعتراف لهم بالحقوق الأساسية التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند التعاقد، أو بمجرد التفكير في عرض وتسويق المنتجات.

والملاحظ أن هيئة الأمم المتحدة قامت بعدة أنشطة تهدف من خلالها إلزام المجتمع الدولي بضرورة توفير الحماية اللازمة للمستهلك. حيث جاء في قرارها الصادر بتاريخ 3 غشت 1979، تحت رقم 74/1979، بأن حماية المستهلك لها تأثير مهم على التطور الاقتصادي والاجتماعي للدول، ولها أيضا دور في توفير الصحة والسلامة والظروف المناسبة لعيش الأفراد. وفي التاسع من شهر أبريل 1985 تم الاعتراف بشكل صريح بحقوق  المستهلك، بعد أن صادقت الجمعية العامة في منظمة الأمم المتحدة على القرار رقم 248/39 المتعلق بحماية المستهلك، والذي تضمن التذكير بضرورة توافر ستة قواعد في المبادئ الموجهة لسياسة حماية المستهلك، وهي على الشكل التالي:

1-المحافظة على صحة وسلامة المستهلكين.

2-الرفع من مستوى المصالح الاقتصادية للمستهلكين وحمايتها.

3-توفير الإعلام المناسب للمستهلكين ليكونوا في وضعية تتيح لهم الاختيار دون الخضوع لأي تأثير.

4-تمكين المستهلك من الحصول على تعويض  حقيقي عن الأضرار التي قد يتعرض لها.

5-توعية المستهلك وتثقيفه.

6-الحق في إنشاء وتأسيس جمعيات ومنظمات للمستهلكين.

والملاحظ أنه في السنوات الأخيرة من القرن الماضي، تبنت هيئة الأمم المتحدة قرارا جديدا([24]) ينص على إدراج قاعدة الاستهلاك المستديم([25]) Consommation durable ضمن لائحة  المبادئ التي تم وضعها سنة 1985 لحماية المستهلكين، والتي أصبحت تعتبر بمثابة ميثاق دولي يلزم الدول الأعضاء بضرورة تدعيم تشريعاتها الوطنية بالنصوص القانونية لحماية المستهلك، وبشكل خاص في الدول النامية، وهو الأمر الذي ينطبق على المغرب حيث أن حقوق المستهلك عرفت تراجعا خطيرا بالموازاة مع حقوق المهنيين والمحتكرين. وللإشارة فإن الجمعية الاستشارية للمجلس الأوروبي([26]) هي أول منظمة دولية  اعترفت بشكل صريح بحقوق المستهلكين عندما تبنت الميثاق الأوروبي لحماية المستهلك، بتاريخ 17 ماي 1973، تطبيقا لمقتضيات القرار الأوروبي رقم 543، الذي يتضمن بعض المبادئ العامة الخاصة بحقوق المستهلك ومنها على سبيل المثال:

-حماية المستهلك من الأضرار التي تتسبب فيها المنتجات الفاسدة وغير الصالحة للاستهلاك.

-حماية مصالح المستهلك الاقتصادية.

-مساعدة المستهلك في الحصول على المعلومات عن طريق الاستشارة القانونية.

-توعية المستهلك وإعلامه بخصوص المنتجات الاستهلاكية والعلاقات التعاقدية التي يكون طرفا فيها.

     -تمثيل المستهلك للدفاع عن حقوقه أمام الأجهزة المختصة.

وفي المقابل لم تعرف الدول الإفريقية، حركة استهلاكية بالمفهوم الحديث المطبق في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، إلا في بداية التسعينات من القرن الماضي. وفي الوقت الحالي توجد حوالي 109 جمعية رسمية للدفاع عن حقوق المستهلكين موزعة على 52 دولة، وهي تتميز بالضعف في مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية([27]) نظرا لقلة مواردها المالية، ولانعدام التعاون ما بين الجمعيات وحكومات الدول الإفريقية، ولقلة الأطر المتخصصة في قضايا الاستهلاك،  لذلك قامت بعض المنظمات غير الحكومية([28]) بحملات دعائية لتحسيس الفعاليات السياسة بأهمية ظاهرة الاستهلاك، وضرورة حماية المستهلكين، تطبيقا لمقتضيات القرار الصادر عن الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمر المتحدة الذي يحدد المبادئ العامة لتحقيق ذلك. وفي نفس السياق تم تنظيم مجموعة من الندوات على الصعيد الجهوي في القارة الإفريقية، ومن أهمها نذكر بالخصوص الندوة التي عقدت بزيمبابوي، بتاريخ 28 أبريل 1996([29])، التي صدرت عنها بعض التوصيات([30]) المهمة، منها على سبيل المثال:

-تشجيع الحكومات الوطنية للدول الإفريقية على تبني المبادئ الموجهة لسياسة حماية المستهلكين.

-حث الحكومات على ضرورة الالتزام برعاية حقوق المستهلكين في سياساتها الاقتصادية.

-إلزام السلطات العمومية بالتعاون مع جمعيات المستهلكين.

-محاربة التصرفات والممارسات التي من شأنها الإضرار بحقوق المستهلكين.

ومن خلال هذه التوصيات نلاحظ بأن تفعيل حقوق المستهلك هو الأساس الذي يجب اعتماده لتطوير البنية الاجتماعية للأفراد، وذلك بالموازاة مع التطور الاقتصادي الذي تعرفه مؤسسات الإنتاج، ولكن ما هي هذه الحقوق؟ وكيف نشأت؟ ومن هو الشخص الذي يجب أن يتمتع بها؟ وبأية وسيلة يمكن رعايتها؟ ومن أي خطر يجب حمايتها؟  وهل تكفي سلطة القانون وحدها لضمانها؟ وبتعبير آخر ما هي المظاهر التي تعكس تدخل التشريعات القانونية لحماية المستهلك؟

إن حماية المستهلك هي محور هذه الدراسة التي تقترح تحليلا وجردا لأهم المقتضيات القانونية التي تنظم العلاقات الاقتصادية، ما بين المهنيين والأفراد العاديين، في التشريع  المغربي والمقارن. ومن خلالها سوف نحاول تقدير مدى ملائمة وفعالية النصوص القانونية الجاري بها العمل، في ظل التطورات والتحولات التي يشهدها العالم، معتمدين في ذلك على التجربة الفرنسية، وهو الاختيار الذي يفرض نفسه نتيجة للارتباط التاريخي ما بين المغرب وفرنسا، التي  يتأثر  تشريعها  بمختلف  التوجيهات  والقوانين  الصادرة عن الاتحاد

 

الأوروبي. والمقارنة التي نقترحها ما بين التشريعين المغربي والفرنسي لا تستهدف جردا  لأوجه التشابه والاختلاف، ولكنها تسعى إلى إثراء الفهم وإدراك المعنى الذي يجب استخلاصه من إشكالية حماية المستهلك، وذلك من أجل  الوقوف عند التوجهات الحقيقية التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند إصلاح المنظومة القانونية لبلادنا التي تعتبر من الدول النامية([31])، رغم اختلاف طبيعة المجتمع ما بين   الدولتين، وبغض النظر عن وجود الفوارق بينهما بسبب تفاوت مستويات التطور الاقتصادي،  وهو الأمر الذي يلزمنا بضرورة تتبع المنهج الاستنباطي في هذه الدراسة، خاصة وأن الأنظمة القانونية تختلف من مجتمع إلى آخر، بسبب تعدد الإيديولوجيات والأهداف التي تؤثر في مضمون القاعدة القانونية، التي تخضع في تطورها ووظيفتها وتطبيقاتها لمجموعة من الضوابط الموحدة، لأنه يتم وضعها تبعا لبعض الأفكار والمفاهيم المشتركة، وباستخدام نفس الاليات والوسائل في كل الدول. وعلى هذا الأساس ارتاينا أن نقسم دراسة موضوع المظاهر القانونية لحماية المستهلك إلى قسمين:

القسم الأول: معايير الحماية القانونية للمستهلك.

القسم الثاني: الوسائل القانونية لحماية المستهلك.

 

 

 

القسم الأول:

  معايير الحماية القانونية للمستهلك

 

تمهيد:

إن نمو الاقتصاد وتطور المبادلات التجارية، وتنوع الأساليب والطرق التي تتم بها تسوية المعاملات ما بين الأفراد، إلى غير ذلك من مظاهر التنافس نحو تحقيق الربح، وفرض الهيمنة الاقتصادية في الأسواق، كلها أسباب دفعت المشرع إلى تغيير وظيفة القاعدة القانونية في الحياة الاجتماعية، لاسيما وأن الطرف الضعيف في العلاقة الاستهلاكية، يجد نفسه عاجزا عن مواجهة الضغوط التي يفرضها المهني، الذي يلزمه بالخضوع لإرادته دون أن يترك له الحرية في اتخاذ القرار لاختيار ما يناسب حاجياته، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى تفاوت مستوى المعرفة بينهما، فالمستهلك يوصف بالضعف لأنه يجهل العديد من الأمور المتعلقة بالمنتجات أو الخدمات التي ينوي استهلاكها، في حين يتمتع المهني بامتيازات خاصة، تمكنه من فرض سيطرته وتحقيق مصالحه. والملاحظ أن هذا التفوق غير العادل يؤثر على توازن العلاقة ما بين المستهلك والمهني، ويؤدي  إلى ظهور النزاعات التي يصعب في بعض الحالات حلها، أو على الأقل تفادي سلبياتها، خاصة وأن المستهلك لا يتوفر على الوسائل المادية الكافية للمطالبة بحقوقه، ومن هذا المنطلق تظهر أهمية دور المشرع في حماية المصالح الاجتماعية والاقتصادية للأفراد([32]).

لقد نشأت المبادئ العامة لقانون الاستهلاك في نفس الوقت الذي ظهرت فيه بعض التحولات في نظام العلاقات التعاقدية إلا أن فكرة وضع قواعد قانونية خاصة لحماية المستهلكين من الممارسات التعسفية والتجاوزات التي قد تصدر عن المهنيين، لم تحظ بإجماع الدارسين([33])، واختلفت حولها المواقف ما بين مؤيد ومعارض، فأصحاب الاتجاه الأول يرون بأن وجود قانون خاص لتنظيم العلاقة الاستهلاكية، يعد أمرا ضروريا لانقاذ كل فرد من وضعية الضعف التي تميزه عن غيره، وذلك بتمكينه من الوسائل القانونية لمواجهة أولئك الذين يتوفرون على إمكانيات مادية ومعنوية تساعدهم على فرض السيطرة والتحكم في

 

المجتمع. ويعتقدون أيضا بأن وظيفة القانون أصبحت تستوجب تدخل الأجهزة التشريعية لحماية الطرف الضعيف من سلطة الطرف القوي. ولهذا السبب فإنه يجب توفير الحماية القانونية للمستهلك بموجب قانون خاص، وذلك لأن القوانين الجاري بها العمل، لا سيما قواعد قانون الالتزامات والعقود، لم تعد قادرة على مسايرة التطورات التقنية المتزايدة بشكل سريع. أما بالنسبة لأصحاب  الاتجاه الثاني فهم يعتقدون بأن قواعد الاستهلاك، سوف تمنح للمستهلكين سلطات  غير محدودة لمتابعة المهنيين، وهو الأمر الذي سيترتب عنه فرض بعض الضغوط على الفاعلين الاقتصاديين، وذلك من شأنه أن يؤدي إلى التأثير على نفسية المهني، بصورة تدفعه إلى تجميد أنشطته الاقتصادية، وبالتالي سوف يتقلص حجم المنافسة وتنعدم الجودة، فيتضرر المستهلك بسبب تعرضه للتعسف والاستغلال الذي يمارسه المحتكرون([34]).

إن الانفتاح على السوق الاقتصادية له عدة مزايا، وهي لا تقتصر على تنظيم  الأسعار وتشجيع حرية المنافسة، أو تحرير  الاقتصاد، ولكنها تركزأيضا على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار كافة العوامل التي تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تقديم الدعم للمقاولة([35]) الإنتاجية وتنميتها، بما في ذلك الحرص على توفير السلع والخدمات التي يزداد الطلب عليها، وتقديم الضمانات القانونية التي تشجع على الاستهلاك.

ومن وجهة نظرنا نعتقد بأن خصوصية المستهلك، وأهمية الدور الذي يقوم به في المنظومة الاقتصادية، من خلال وظيفة الاستهلاك، تعتبر من أهم المعايير المحددة للحماية القانونية، التي فرضت على المشرع التدخل لتحقيق التوازن ما بين أطراف العلاقة الاستهلاكية، لكن من هو المستفيد الحقيقي من حماية قانون الاستهلاك؟ وما هي الأسباب التي دفعت التشريعات المقارنة إلى تنظيم الاستهلاك؟ هذا ما سنحاول دراسته من خلال تحليل الطبيعة القانونية للمستهلك، والكيفية التي بموجبها وضعت المقومات القانونية للتوفيق ما بين المصالح الاقتصادية العامة، والمصالح الفردية الخاصة، وذلك وفق الخطة التالية:

الفصل الأول: مفهوم المستهلك

الفصل الثاني: تنظيم الاستهلاك

الفصل الأول: مفهوم المستهلك

اعتبر الإنسان منذ بداية العهد الصناعي، مجرد وسيلة للإنتاج، وكأنه آلة تساهم في تنشيط الدورة الاقتصادية لا غير، لكن مع ظهور زمن الحريات تغيرت المفاهيم، وأصبح الإنسان هو مبدأ وغاية النشاط الاقتصادي([36]). ففي سنة 1824 طرح العالم الاقتصادي آدم سميث نظرية تضاعف عدد السكان، وكان يعتقد بأنه من المحتمل جدا أن يستهلك الفرد أربع مرات ضعف نسبة الاستهلاك، التي سادت في ذلك الوقت الذي عاش فيه، نتيجة لتطور النمو الديموغرافي. فمن خلال نظريته هذه أثار العالم سميث الانتباه إلى فعل الاستهلاك، كظاهرة مؤثرة في الدائرة الاقتصادية، معبرا عن ذلك بقوله:"الاستهلاك هو الأفق الوحيد للإنتاج…."([37]) وعلى هذا الأساس يمكن التأكيد على أن الفكرة العامة لموضوع الاستهلاك ترتكز على دراسة السلوك البشري، الذي يكون الهدف منه إشباع حاجيات الإنسان الضرورية، وهو الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في تقييم دور الفرد داخل المجتمع، وتغيير طبيعة التعامل مع وضعيته الاقتصادية، التي أصبحت تستوجب ضرورة اعتباره شريكا حقيقيا في المعادلة الاقتصادية، وليس مجرد أداة إنتاجية.

ومن هذا المنطلق نعتقد بأن الحديث عن المجتمع الاستهلاكي أصبح يفرض نفسه، ويدعونا إلى الاهتمام بالمستهلك أكثر من أي وقت مضى، من أجل تحديد مكانته داخل النظام القانوني، وبالتالي التعريف بحقوقه وامتيازاته في ظل التنافس السائد  ما بين المنتجين والحرفيين و المهنيين والمحتكرين، نحو الربح المتزايد. لا سيما وأننا نعتقد بأن الإنسان هو مستهلك في مظهره العام، ومصيره يرتبط بشكل حتمي بالظروف الاقتصادية التي تفرض

 

عليه. إذ أنه لم يعد كافيا وصفه بالزبون([38])، أو المشتري فقط، نظرا لتطور المعاملات الاقتصادية، وما يصاحبها من التقدم في مجال التكنولوجيا الصناعية. فمن هو المستهلك؟

لغة يعود أصل كلمة الاستهلاك Consommation، المشتق منها لفظ المستهلك Consommateur، إلى اللغة اللاتينية، حيث يعبر عنها بلفظ Consommare، ومعناه الاستعمال إلى غاية الإتلاف أو الإنهاء. ومن الصحيح قول أنجز، أكمل، أتم وأنهى، ترجمة لكلمة achever الفرنسية، وليس دمر وخرب، حسب ما تعنيه كلمة détruire  ([39])، أما في اللغة العربية([40]) فإن مصدر اللفظ يشتق من كلمة هلك، فيقال استهلك المال، أي أنفقه وأنفذه، والمعنى أنه يستعمل لإشباع حاجيات ضرورية. إلا أنه من الناحية الشرعية يستحسن استعمال لفظ الانتفاع، للدلالة على معنى تمتع الفرد بالنِّعم التي خلقها الله سبحانه وتعالى. وفي اعتقادنا يكون من الأفضل قول المنتفع وليس المستهلك، لأن الفرد يتناول الأشياء ويستفيد من بعض الخدمات، لتحقيق المنفعة الذاتية، وهذه هي وظيفة كل ما سخره الله عز وجل للإنسان. فليس المقصود هلاك قيمة الشيء، حسب المعنى المتداول في علم الاقتصاد، وإنما استغلال كل ما هو طيب لتمتيع النفس، وفق ما تقتضيه مصلحة الشرع.

أما اصطلاحا فقد تعذر على التشريعات المقارنة، لا سيما الأوروبية منها، وضع الإطار العام لتحديد المفهوم القانوني للمستهلك. ويرجع السبب في ذلك إلى تركيز الاقتصاديين على قطاع الشغل وقيمه الإنتاجية، تطبيقا لمخططات الأنظمة السياسية، التي كانت أهدافها تتغير من زمن إلى آخر، حسب متطلبات الظروف المعيشية، إلى درجة أنه لم يعد هناك أي مجال للاهتمام بالاستهلاك. بل وفي بعض الفترات التاريخية، التي تزامنت مع بداية الثورة الصناعية، ساد الاعتقاد بأن الاستهلاك يرادف التبذير. وفي بعض الحالات اعتبر بمثابة قطاع غير مرغوب فيه، ويجب منعه.

ففي إيطاليا مثلا يعكس دستور سنة 1947، اهتمام المشرع بالنظام القانوني للمواطنين، لكنه لم يشر ولو مرة واحدة إلى لفظ المستهلك([41]). وعلى خلاف ذلك أعلن المشرع البرتغالي في المادة 60 والمادة 102، من الدستور الصادر سنة 1976 بشكل صريح، عن وضع خطة لحماية المستهلك بموجب النصوص القانونية. وفي نفس الإطار ينص الدستور الإسباني المؤرخ في 29 دجنبر 1979، على ضرورة الاعتناء بحقوق المستهلكين([42])، والدفاع عن مصالحهم. وهو ما جاء النص عليه أيضا في المادة 31 مكررة ست مرات، من الدستور السويسري المعدل بموجب استفتاء 14 يونيو 1984. غير أن تعريف المستهلك ظل غائبا عن تشريعات هذه الدول([43])، ويكاد ينطبق نفس القول على التشريع المغربي، الذي خصص فصلا كاملا لحماية المستهلكين، في الباب السادس من قانون حرية الأسعار والمنافسة([44])، حيث تشير نصوص المواد 47، 48، 49، 50 إلى لفظ المستهلك، دون تحديد مفهومه، أو من يدخل في نطاقه، غير أن اللجنة التي وضعت مقترح القانون المتعلق  بإخبار  وحماية المستهلك أشارت في المادة الأولى إلى أنه:"يقصد في مفهوم هذا القانون بـالمستهلك: كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني أو يستعمل، لأغراض غير مهنية، منتجات أو خدمات معروضة في السوق." وهو تعريف  اقتبس من  مشروع  مدونة

 

قانون الاستهلاك البلجيكي([45])، الصادر تحت إشراف وزارة الشؤون الاقتصادية، في شتنبر 1995الذي وإن لم تتم المصادقة عليه إلى حد الآن، إلا أنه يشكل المصدر الرئيسي لنص مقترح القانون المغربي المتعلق بإخبار وحماية المستهلك ، إلى جانب بعض المقتضيات القانونية الواردة في مدونة قانون الاستهلاك الفرنسية، الجاري بها العمل منذ سنة 1993 التي تعبر عن مدى التزام المشرع الفرنسي، بتطبيق المبدأ الذي يعترف للفقه والقضاء([46]) بمهمة وضع التعاريف القانونية، وهو الأمر الذي يبرر اقتصاره فقط على الإشارة لبعض المعاني التي تفيد بأن نطاق تطبيق قانون الاستهلاك، يشمل فئات معينة من الأفراد، كما سيأتي بيان ذلك في موضعه من هذه الدراسة.

 إن أهمية  ظاهرة الإستهلاك وانعكاسها على انتعاش الاقتصاد ونموه، تفرض علينا ضرورة الحديث عن الشخص المستهدف بالمقتضيات القانونية التي تطبق على العلاقة الاستهلاكية. وذلك من أجل توضيح الفكرة العامة للموضوع التي تحددها الإشكالية التالية: من يستحق حماية القانون في ظل التحديات الاقتصادية، التي يسيطر عليها هاجس الربح؟ إشكالية من الصعب حلها في ظل غياب التعريف القانوني للمستهلك. ولتجاوز هذا العائق، نرى بأنه من المهم جدا البحث عن المعيار المناسب لصياغة مفهوم المستهلك([47]).

من خلال الاطلاع  على بعض الاجتهادات القضائية([48])، وبالرجوع إلى مجموعة من الدراسات والأبحاث الفقهية([49])، يمكننا القول بأنه من الناحية القانونية يجب الاعتماد على معيارين اثنين لتحديد معنى المستهلك (المبحث الأول)، و هما:

– أولا: المعيار الموضوعي الذي  يعكس مفهوم السلع المستهلكة وعقد الاستهلاك.

– ثانيا: المعيار الذاتي الذي يركز على شخصية الانسان.

 لكن هل يقتصر مفهوم المستهلك على فئة معينة دون غيرها؟ أم أنه من الممكن التوسع في هذا المفهوم، بصورة تجعله قادرا على استيعاب مجموعات غير محددة من مستعملي المنتجات، والمستفيدين من الخدمات الاستهلاكية؟ (المبحث الثاني).

 

المبحث الأول: معيار تعريف المستهلك

إن الاستعانة بالمعنى الاقتصادي للمستهلك، يعتبر بصورة غير مباشرة الحل المنطقي لتحديد المفهوم القانوني للشخص الذي تطبق عليه مقتضيات قانون الاستهلاك. وفي هذا  الصدد يعبر الأستاذ HONDIUS عن رأيه قائلا:" إن الحل الأنسب هو التعريف الاقتصادي للمستهلك، وذلك باعتباره المستعمل النهائي أو الأخير للسلع والخدمات"([50]). وعلى  هذا الأساس فإن المشرع البرازيلي يرى بأن: "المستهلك هو كل شخص طبيعي أو قانوني، يشتري أو يستعمل سلعا أوخدمات باعتباره آخر وجهة اقتصادية"([51]).  ومن خلال هذا النص نعتقد بأن وظيفة الاستهلاك هي المصدر الذي يجب اعتماده  لتعريف المستهلك من الناحية القانونية، لكن ماذا تعني عبارة "المستعمل النهائي"، أو " آخر وجهة اقتصادية"؟

من البديهي أن يكون هدف النشاط الاقتصادي هو توفير الحاجيات المادية للأفراد. فكل شخص يتجه إلى السوق، يكون سعيه إليه، إما  بقصد إقتناء سلعة ما أو للإستفادة من خدمات معينة، وذلك من أجل استغلالها والانتفاع بها. هذا الفعل أو التصرف، إن صح التعبير وفق المنهج القانوني، يطلق عليه بعض الدارسين([52]) إسم: وظيفة الاستهلاك fonction de consommer، التي تعبر بشكل عام عن المدلول الاقتصادي للمستهلك.

 إن الاجماع على هذا الوصف لم يمنع من وجود تضارب في المواقف حول شرح معناه وتفسيره، وهو الأمر الذي أدى إلى انقسام الآراء بخصوص هذا الموضوع إلى اتجاهين:

الأول: يدافع عن تفسير ضيق، ويرى بأن الفعل الذي يباشر به الفرد عملية إخراج  السلعة من الدورة الاقتصادية لا يكفيه لاكتساب صفة المستهلك وإن ثبت بان نيته قد اتجهت إلى استهلاكها لغرض شخصي([53])، ومن غير التفكير في إعادة تسويقها. إذ لابد من توافر شروط وضوابط أخرى، لكي يصح القول بأن المستهلك هو آخر حلقة  في السلسلة الاقتصادية.

الثاني: ويعتمد على تفسير واسع لهذه الظاهرة، بحيث يرى أصحاب هذا التيار، بأنه بمجرد تحقق فعل استلام السلع أو الخدمات، في آخر مرحلة من مراحل إنتاجها، بمعنى أثناء عرضها في السوق، يمكن إضفاء صفة المستهلك على الشخص الذي يقوم بعملية الشراء، أو الاستعمال، وإن كان قصده بعد ذلك قد اتجه إلى نية الحصول على الربح، أي أنه أعاد بيعها([54]).

ومن خلال هذين التحليلين، يبدو أن الوصف الاقتصادي للمستهلك، يثير صعوبة في تحديد المعنى القانوني، وذلك نظرا لوجود ما يعيق الفهم الصحيح لهذا المصطلح، ويرجع ذلك إلى سببين اثنين:

السبب الأول: إن الاقتصاد يعتمد في تحليله على وضع الفرد داخل الدائرة الاقتصادية، دون  الأخذ بعين الاعتبار دوره أو رغبته في عملية الاستهلاك. وهذا العامل، كما سنرى فيما بعد له أهميته في إحداث الأثر القانوني، لاسيما وأن الأمر يتعلق بنوع من المعاملات والتصرفات، التي لها خصوصيتها في القانون.

السبب الثاني: يميز التحليل الاقتصادي ما بين نوعين من المستهلكين: المستهلك الوسيط consommateur intermédiaire، والمستهلك    الأخيــر  أو النهـــائي consommateur ultime. وهذا التمييز من شأنه أن يثير بعض اللبس أوالغموض في التعريف القانوني للمستهلك، إذا تم الاقتصار على المقاربة الاقتصادية لتحديد مفهومه.

 

و الملاحظ أن الفرد الذي يبادر إلى فعل شيء، لإشباع حاجياته الخاصة، إنما يتصرف في هذا الإطار تبعا لغريزة معينة، وذلك من أجل الوصول إلى هدف ما، لأنه يكون آخر من يتلقى السلع أو الخدمات. فدوره يقتصر على تحقيق الغاية التي من أجلها تم إنتاج السلع أو عرض الخدمات، لكن ما هي طبيعة هذا التصرف؟ وفي أي إطار يمكن تصنيف الغاية من الاستهلاك؟

إن إشكالية مفهوم المستهلك، تنطلق من معيار موضوعي يعتمد في جوهره على تحليل فعل الاستهلاك، وهو الأمر الذي يعكس أسس النظرية التقنية، التي تدافع عنها الدراسات الاقتصادية في تحليل سلوك المستهلك الفرد (الفرع الأول). لكن من وجهة نظرنا، نرى بأن الشخص هو أساس توازن المعادلة الاقتصادية ما بين الإنتاج والاستهلاك، لأنه يعتبر المستهدف الأول والأخير في القطاعات الإنتاجية، لذلك فإن المنطق يقتضي بأن يرتبط المفهوم القانوني للمستهلك بالمعيار الذاتي  (الفرع الثاني).

الفرع الأول: المعيار الموضوعي

إن دراسة المعيار الموضوعي لتعريف المستهلك، تتطلب منا ضرورة تحليل مفهومين أساسيين:

المفهوم الأول: وهو عقد الاستهلاك، الذي يشكل أساس العلاقة القانونية ما بين المنتج والمستهلك (المطلب الأول).

المفهوم الثاني: يتعلق بالسلع والخدمات الاستهلاكية، باعتبارها المكون الجوهري لظاهرة الاستهلاك (المطلب الثاني).

المطلب الأول: عقد الإستهلاك.

يعتبر العقد أهم تصرف قانوني، يحظى باهتمام الباحثين في مجال الدراسات القانونية، نظرا لتمتعه بعدة امتيازات، تؤثر بشكل واضح على التنمية الاقتصادية، وأيضا على الظروف الاجتماعية. وبما أن الاستهلاك يرتبط بالحياة اليومية الخاصة بكل فرد، فإن عقد الاستهلاك، الذي يؤطر كيفية التعامل مع بعض المعاملات الاقتصادية، بما في ذلك توزيع السلع، وتقديم الخدمات، يعد في نظرنا من أهم العقود التي أصبحت تفرض نفسها على الساحة العلمية، وتستلزم العناية اللازمة، في تعميق البحث والدراسة. وكل ذلك سببه تغير أنماط العيش، نتيجة للمستجدات التي لا يمكن تجاهلها، مع تصاعد وتيرة التطور التقني، في قطاعات الإنتاج والتسويق. لكن ما هو التعريف القانوني لعقد الاستهلاك؟

لقد جرت العادة في الدراسات القانونية، أن يتم تحديد طبيعة الفعل أو التصرف، الذي بموجبه يقوم الفرد بإشباع حاجياته الخاصة، سواء تعلق الأمر بسلعة أو خدمة معينة، لوضع الشكل الحقيقي للعلاقة التي تلزم الأفراد بضرورة احترام القواعد والضوابط التي تفرضها القاعدة القانونية.  وفي هذا السياق يرى أحد الباحثين([55]) بأن: "فعل الاستهلاك، هو العقد في إطار القانون الخاص، أو استعمال خدمة أو مرفق عمومي، سواء لتحقيق غرض شخصي محض، أو عائلي، كالبريد، والهاتف، والمستشفيات… الخ".

ومن المعلوم قانونا، أن التعبير عن الإرادة، لا يكون إلا بعقد، وبهذا الشكل يكون الأستاذ الباحث، المذكور أعلاه، مصيبا في رأيه عندما يفسر ظاهرة الاستهلاك، بأنها فعل إرادي يصدر عن المرء لإشباع حاجياته الخاصة، وهذا الفعل لا يمكن ترجمته ماديا إلا في شكل عقد. ومن هذا المنطلق نرى بأن لعقد الاستهلاك مكانة داخل المنظومة القانونية، وهو الأمر الذي تعكسه نصوص القانون المقارن([56])، ومنها على سبيل المثال:

– القانون الدانماركي المتعلق ببيع السلع. الذي شرع في تطبيقه منذ سنة 1906- تم تعديله سنة 1979 -، ينص  في المادة الرابعة على أن:"بيع الاستهلاك([57]) هو البيع الذي تمارسه المقاولة في إطار نشاطها التجاري تجاه المشتري، شريطة أن تكون المقتنيات مخصصة أساسا لاستعمال غير تجاري، على أن يكون البائع على علم بذلك أو أنه يفترض فيه العلم بذلك".

– القانون المدني الهولندي في مادته السابعة من الكتاب السابع، يعرف شراء الاستهلاك([58]) بأنه:"كل شراء يرد على شيء منقول، يبرم ما بين البائع، الذي يتصرف في إطار مقاولة أو نشاط مهني، والمشتري الذي يكون شخصا طبيعيا ولا يتصرف في نفس الإطار، ولا لنفس الغرض الذي يريد البائع تحقيقه".

– قانون بيع البضائع النرويجي، المؤرخ في 14 يوليوز 1974، المعدّل لقانون 24 ماي 1907، يعرف عقد الاستهلاك بأنه:"البيع الذي يرد على الشيء حسب الغرض المحدد له، ولا سيما الاستعمال الشخصي للمشتري، أو لمنزله، أو لعائلته".

– يعرف مشروع القانون المدني لمقاطعة الكيبيك الكندية، عقد الاستهلاك في المادة 1384، التي تنص على ما يلي: "العقد الذي يحدد نطاق تطبيقه بواسطة القوانين المتعلقة بحماية المستهلك، والذي بمقتضاه يكون أحد الطرفين شخصا طبيعيا، يشتري، أو يكتري، أو يقترض، أو أنه يقوم بكل فعل يدفعه إلى إشباع حاجياته الذاتية، أو العائلية، أو المنزلية، سلعا أو خدمات، من الطرف الآخر، الذي يروج هذه السلع أو الخدمات، في إطار مقاولة يستغلها".([59])  

 و عقد الاستهلاك دون شك، لا يمكن فهمه إلا من خلال علاقة ثنائية القطب، فهو يربط ما بين المهني أو الحرفي أو المحتكر من جهة، والشخص العادي من جهة أخرى. ويحدد لنا أحد الدارسين([60]) الطبيعة القانونية لهذا العقد، الذي يعرفه بأنه:"عقد بمقتضاه يحصل المشتري من المهني على سلعة أو عقار، أو خدمة لأجل استعمال غير مهني". وعكس هذا التعريف يرى أحد الباحثين([61]) بأن مفهوم عقد الاستهلاك، لا يمكن تحديده إلا من خلال الغرض الذي وجد من أجله، حيث يقول في هذا الصدد:"العقد الاستهلاكي هو العقد القانوني، أو الفعل المادي، الذي يحقق الغاية النهائية من وجود السلعة، مع حصر قيمتها الاقتصادية، وتقليصها كليا أو جزئيا. وذلك من شأنه أن يؤدي إلى انكماش السوق بشكل جزئي أو مؤقت".

إن عقد الاستهلاك([62])أصبح موضوعا مثيرا للجدل والمناقشة في الأوساط العلمية المهتمة بدراسة القانون، نظرا لانعكاس مظاهره على سلوك الفرد، وعلى حياته الاجتماعية. فكيف يمكن تكييف التصرف أو الفعل الذي يقوم به المستهلك؟ وما هي العناصر التي يجب الاعتماد عليها من أجل تحديد الطبيعة الاستهلاكية للعقد؟ وهل يجب التركيز على الفرد مجردا من أي فعل لتحديد هذا التكييف؟ أم أنه يجب فقط الاقتصار على تحليل وضعيته في إطار التصرف نفسه؟  إن هذه الإشكالية تفرض علينا ضرورة إعادة النظر في صياغة المفهوم التقليدي للعقد، الذي يجري العمل به في التشريعات المدنية ( الفقرة الأولى)، وتوضيح خاصية امتداد مفهوم عقد الاستهلاك (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: المفهوم التقليدي للعقد

العقد لغة يطلق على معان كثيرة منها: الربط، الشد، الإحكام، التوثيق، والجمع بين أطراف الشيء وربطها([63])، أما في الاصطلاح فإنه يعني اتفاق الطرفين، على أن يلتزم كل واحد منهما بتنفيذ ما اتفقا عليه، كعقد البيع، وعقد الزواج([64])، و"كلمة العقد تستعمل أيضا في كل ما يلزم به المرء نفسه، ولهذا سمي العهد واليمين عقدا([65])،" كما ورد على لسان أحد الدارسين([66]).

وفي التشريعات الوضعية المدنية، تعرف المادة 1101من القانون المدني الفرنسي العقد كما يلي:"العقد هو اتفاق يلتزم بمقتضاه شخص أو أكثر نحو شخص آخر أو أكثر، بإعطاء أو بعمل، أو بالامتناع عن عمل شيء"([67]). ولقد عرفته المادة 89 من القانون المدني المصري بقولها:"يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين مع مراعاة ما يقرره القانون فوق ذلك من أوضاع معينة لانعقاد العقد"([68]). والملاحظ أن المشرع المغربي، لم يتطرق إلى تعريف العقد، في الظهير المنظم لقانون الالتزامات والعقود، وربما يكون قصده من ذلك، هو فتح المجال أمام القضاء، والدراسات الفقهية، لتحديد طبيعة التصرف، حسب ما تفرضه ظروف التعامل ما بين الأطراف([69]).

وفي اصطلاح رجال القانون، العقد هو:"توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني، سواء أكان هذا الأثر هو إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهاؤه"([70]). وبتعبير آخر يعرف أحد الدارسين العقد بقوله:"هو اتفاق شخصين فأكثر على إنشاء حق أو على نقله، أو على إنهائه"([71]). ولقيام العقد لا بد من اتفاق إرادتين على الأقل، لكن ذلك لا يكفي وحده لتعريفه، "فليس كل توافق إرادتين ينشئ عقدا، وإنما يلزم لذلك أن يتجه هذا التوافق إلى إحداث أثر قانوني"([72]). فالعقد إذن هو اتصال وثيق ما بين إرادتي المتعاقدين، والآثار القانونية التي يرجى تحقيقها، وذلك يعني بأنه لقيام العقد لا بد من توافر عنصرين أساسيين:

1- وجود إرادتين متقابلتين كحد أدنى، فالإرادة المنفردة تنشئ تصرفا قانونيا من جانب واحد، أما التقاء إرادتين فإنه يُكَوّن عقدا.

2- وجوب الاتفاق على إحداث أثر قانوني، وهو الأمر الذي يمكن معرفته، أوالتحقق منه، من خلال الظروف التي تحيط بالتصرف، فمثلا أعمال المجاملات، لا تعد عقدا. والنية في هذه الحالة هي التي توضح قصد المتعاقدين لإنشاء الالتزام وتحديد أبعاده.([73])

إن الدراسات العلمية القانونية، لم تختلف حول تعريف العقد، إلا أنها أظهرت وجود تضارب في الآراء حول مبدأ سلطان الإرادة، الذي يعتبر أساس العقد وقوامه، فقد بالغ أنصار المذهب الفردي إلى حد اعتباره مبدأ مطلقا في جميع التصرفات القانونية، وتقوم نظريتهم على فكرة أن التعبير عن الإرادة ما هو إلا دليل على وجودها. في حين يرى أنصار المذهب الاشتراكي بأن التعبير المادي عن الإرادة، لا يعد مجرد دليل عليها، بل هو الإرادة ذاتها([74]).

وفي الشريعة الإسلامية، يطلق العقد، عند الفقهاء والعلماء على معنيين وهما:

 1- المعنى الخاص: ويراد به "ارتباط الإيجاب الصادر من أحد العاقدين، بقبول الآخر على وجه مشروع يثبت أثره في المعقود عليه (المحل)، بما يدل على ذلك من عبارة أو كتابة أو فعل أو إشارة، ويترتب عليه التزام كل واحد من العاقدين بما وجب به الآخر سواء أكان عملا أو تركا"([75]). ومن خلال هذا التعريف نستخلص بأن العقد في نظر الشريعة، هو نوع من الارتباط الاعتباري([76]) بين طرفين بسبب توافق إرادتيهما، ولا يمكن إظهار هاتين الإرادتين إلا من خلال التعبير عنهما، عن طريق ما يسمى بالإيجاب والقبول. فالإيجاب هو ما يصدر أولا عن أحد العاقدين، معبرا عن إرادته في إنشاء العقد. أما القبول فهو ما يصدر ثانيا بعد الإيجاب، معبرا عن موافقته عليه. فالطرف الذي يعبر عن رغبته في التعاقد، هو الموجب الذي يستهل الاتفاق بالإعلان عن عرضه أو طلبه، أما القابل فهو الطرف الآخر الذي يوافق ويعبر عن نيته في إتمام الاتفاق([77]). ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن الفقه الإسلامي، تحلى بالنزعة الموضوعية، في تحليل المفهوم العام للعقد، بحيث نلاحظ اهتمام الفقهاء بنتيجة العقد، فيما سيؤول إليه المحل، دون الأخذ بعين الاعتبار النتائج الأولية للعقد، وذلك من جهة أنه ينشأ التزاما على عاتق الشخص المتعاقد، وهو الالتزام بالوفاء الذي يظهر أثره في المعقود عليه.

 

– المعنى العام: ويصور العقد في كل تصرف ينشأ عند تطبيق الحكم الشرعي، سواء أكان صادرا من طرف واحد كالنذر أو الطلاق أوالصدقة، أو صادرا عن طرفين متقابلين، كما هو الشأن بالنسبة للعقود المتداولة بصورة اعتيادية، مثل عقد البيع، والإيجار والشركة، وعقد الزواج([78])…إلخ. وتعريف العقد بمعناه الخاص، هو المشهور عند الفقهاء،"ولا ينصرف إلى المعنى العام، إلا بتنبيه يدل عليه"([79]).

الفقرة الثانية: امتداد مفهوم العقد

يعتبر فعل الاستهلاك، أو ما يصطلح عليه في علم الاقتصاد، سلوك المستهلك، من أهم المستجدات التي فرضت نفسها على نظام المعاملات والتصرفات القانونية، لاسيما وأن كل المؤشرات توحي بمدى تأثير حجم الاستهلاك على تطور ونمو اقتصاد السوق.

وبما أن النظرية الاقتصادية تهتم بدراسة سلوك المستهلك، نظرا لعلاقتها بطلب الشخص، أو بتعبير آخر الفرد، والعرض الذي تتقدم به المقاولات، فإنه من الضروري صياغة هذا السلوك في إطاره القانوني، وذلك لأنه لا يمكن استثناء تصرفات المستهلك من القاعدة الجاري بها العمل، التي تعتبر بأن كل المعاملات لا يعتد بها في القانون إلا إذا تمت في شكل عقد صحيح.

والمستهلك عندما يقوم بتصرف ما([80])، من أجل إشباع حاجياته الخاصة، كأن يكتسب أو يستعمل الشيء، أو الخدمة التي ينوي استهلاكها، إنما يقوم بذلك بصفة المتعاقد. وعلى هذا

 

الأساس يمكن القول بأنه لا يوجد أي فرق ما بين المستهلك والمتعاقد، فلا حاجة لنا إذن إلى قانون خاص لتنظيم الاستهلاك، لا سيما إذا كان تطبيقه سوف يمنح امتيازات لفئة دون أخرى. كما أنه ليس من الضروري، في هاته الحالة، اللجوء إلى تقنية وضع القوانين التي تطبق على المتعاقد والمستهلك معا- في بعض الحالات الخاصة- ما دام أن  نصوص ومواد القانون المدني تصلح لهذه الغاية، وهي سارية المفعول، ولا يمكن تعطيل دورها.

وعلى العكس مما قد يعتقده البعض، بأن قانون الاستهلاك، ما هو إلا إضافة زائدة لا فائدة منها، نرى بأن الواقع الاقتصادي والاجتماعي، أثبت عكس هذه الفكرة. فالمتعاقدون في أي مجتمع كانوا، ليسوا على نفس المرتبة، في جميع التصرفات، وإنما هم على درجات، ويختلفون من حيث قوة إرادتهم في التعاقد، وقدراتهم على التفاوض بشأن بنود العقد، غير أنه يمكن تصنيفهم إلى ثلاثة فئات:

الفئة الأولى: المتعاقد العادي([81]). ويندرج تحت هذه الفئة أغلبية المتعاقدين، الذين يبرمون عقودهم في ظروف عادية. وفي هذه الحالة غالبا ما يكون أطراف العقد متساوين في كل شيء، ويتمتعون بنفس القدر من الحرية في التعاقد، وسلطان الإرادة، سواء عند الإقدام على التعاقد، أو عند تحديد بنود العقد وشروطه.

الفئة الثانية: وتخص المتعاقد في ظل الظروف غير العادية. والأمر الذي يجعل المتعاقد غير عادي، هو مجموع الظروف التي تحيط به، وتجعله في علاقة غير متكافئة مع الطرف الآخر، كما هو الحال بالنسبة للمتعاقد المريض، أو الذي لا يتمتع بإرادة كاملة ([82]).

الفئة الثالثة: وتشمل جميع المتعاقدين مع المهنيين. وفي مثل هذه العلاقة نجد تباينا واضحا وفرقا شاسعا، ما بين طرفي العقد، حتى في الحالة التي  يتمتعان فيها معا بإرادة كاملة رغم أن التعاقد بينهما قد تم في ظل ظروف عادية.

وفي دراستنا هذه، نهتم بوضعية المتعاقدين ضمن الفئة الثالثة، فالعلاقة ما بين المهني والشخص العادي، تتميز بطابع خاص، لأنها تربط ما بين قوي وضعيف، وبتعبير آخر ما بين عالم بأصول فنه ومهنته ومتخصص في مجالها، وجاهل بكل هذه الأمور، وهذا الأخير يطلق عليه مبدئيا اسم المستهلك.

فالمستهلك أصلا هو شخص متعاقد، يقوم بعمل مادي، غالبا ما يكون إراديا، أي حسب اختياره. ولكنه في بعض الحالات قد يكون قيامه بالفعل إجباريا، ويرتب عليه القانون أثرا معينا([83]).و هذا الفعل المادي هو الوصف الذي يطلق على عملية تلقي السلع أو الخدمات، بنية استهلاكها أو الانتفاع بها([84])، ويمكن تكييفه من الناحية القانونية، بتسميته العقد الاستهلاكي، وذلك لأنه يتمتع بصفتين متميزتين:

-الصفة الأولى وهي الفعل في حد ذاته، الذي يعبر عن سلوك الفرد، ولا يمكن صدوره في إطار قانوني، إلا في شكل عقد.

 -أما الصفة الثانية فهي الغاية التي تدفع الفرد إلى التعاقد، أي التي من أجلها أنشأ العقد.

فعقد الاستهلاك، هو عقد قانوني يتكون من نفس الأركان([85]) التي تحددها نصوص القانون المدني، وفي نفس الوقت تضاف إليه نتيجة الفعل، الذي يباشره المستهلك، وهي استنفاذ القيمة الاقتصادية للسلعة أو الخدمة. ونعتقد بأن ذلك يعد شرطا لتطبيق مقتضيات قانون الاستهلاك، الذي يخول لنا إمكانية تصور الامتداد الحقيقي للمفهوم التقليدي للعقد، خاصة وأن قواعده تتميز بخاصية المرونة، التي تمكنه من التأقلم والتعايش، مع مختلف المتغيرات الاقتصادية في شتى المجالات. ولكن على الرغم من الأهمية التي يحظى بها عقد الاستهلاك، في نطاق تطبيق القوانين المتعلقة بحماية المستهلك، إلا أنه لا يمكن  أن ينظر إليه، إلا كممر للوصول إلى تحديد المقاربة الذاتية لمفهوم المستهلك.

غير أنه ليس من السهل الفصل ما بين المعيار الذاتي، والمعيار الموضوعي، لتحليل مفهوم المستهلك، أو كما يقول بعض الباحثين([86]):"إن المفهوم الموضوعي، هو في بعض الأحيان، أثر للذاتية، مثل البيع الذي يكون لفائدة المستهلك، هو بيع للسلع والبضائع، التي يتعامل بها البائع، في ظل ممارسته لنشاطه المهني، بحيث تكون المواد المبيعة، إما مواد مخصصة للاستعمال المنزلي أو الاستهلاك الشخصي، أو أنها بيعت لشخص ما، قد لا يحتاجها في ذلك الإطار الذي يمارس فيه مهنته". والمعنى أن المهني قد يكون مستهلكا في بعض الحالات، ومن هذا المنطلق نستخلص بأنه ليس شرطا أن يكون العقد، الذي تستهلك بموجبه السلع أو الخدمات، هو المحدد لصفة المستهلك.

المطلب الثاني: السلع المستهلكة

السلعة لغة هي ما يتجر به من البضاعة، وفي الاصطلاح عند فقهاء المالكية مثلا، هي "رأس المال غير المعين من مقوم أو مثلي"([87]). وقد يعبر عنها بلفظ المال، وهو في تعريف ابن قدامة كل "ما فيه منفعة مباحة لغير ضرورة"([88]). ويعرفه الشيخ الزرقاء بأنه:"كل عين ذات قيمة مادية بين الناس"([89]).

أما بالنسبة لعلماء الاقتصاد، فإن السلع تصنف إلى نوعين: ([90])

 

النوع الأول: و يشمل السلع الاستهلاكية، التي يكون الغرض منها هو إشباع حاجيات المستهلكين، وتعرف باسم السلع المباشرة أو المقصودة.

النوع الثاني: وهو السلع الإنتاجية، أي التي تمكن المنتج من إنتاج مواد وبضائع أخرى، ويطلق عليها إسم السلع غير المباشرة، أو السلع الوسيطة.

ولقد تطرقت التشريعات المقارنة، إلى تعريف السلعة الاستهلاكية، على الرغم من خضوع المادة المصنوعة، أو المنتوج بصفة عامة لعدة متغيرات، تتحكم في وضعية البضاعة منذ بداية عرضها للتسويق. ومن النصوص القانونية، التي تناولت تعريف السلع الاستهلاكية، نجد عل سبيل المثال:

1-)  القانون الفنلندي: يعرف السلعة من خلال عرضها للاستهلاك في السوق، حيث ينص قانون السلع الصادر بتاريخ 1 مايو 1987، على أن "السلعة هي المال المعروض لاستهلاك خاص"، وحسب هذا التعريف يمكن القول بأن المشرع الفنلندي يرى بأن السلعة هي تلك البضاعة، أو المال، أو المادة القابلة للاستعمال، والتي تكون محلا للعرض من أجل تحقيق هذه الغاية. ومعنى ذلك أن النتيجة التي يحصل عليها المهني، أو الحرفي، أو الصانع، أو المنتج، من خلال عملية العرض في الأسواق، هي التي تضفي الطبيعة الاستهلاكية على المنتج، وتعكس نوعيته الذاتية.([91])

2) قانون مقاطعة الكيبيك الكندية يعرف السلعة كما يلي:"هي كل مال منقول يستعمله الشخص كيفما كان نوعه، ما عدا التاجر، الذي يسعى إلى الحصول على الأموال أو الخدمات لتحقيق أهداف تجارية"([92]). فكل سلعة حسب ما يمكن فهمه من النص، لا يمكن أن تكون استهلاكية، إلا إذا استعملت لغرض معين، وهو إشباع الحاجيات الخاصة للفرد، دون قصد الربح. ومعنى ذلك أن المشرع الكيبيكي، يربط الصلة ما بين الصفة الاستهلاكية للسلعة، ونوعية الشخص الذي يطلب الحصول عليها، بحيث أنه لا يمكن وصف السلعة بأنها استهلاكية، إلا إذا كان الشخص سوف يستعملها للاستهلاك فقط، وفي هذا الصدد نشير إلى أنه يجب التمييز ما بين نوعين من الاستعمال([93]):

أ-الاستعمال الاعتيادي: وهو الاستعمال العادي لبعض المواد والمنتجات، حسب ما جرت به العادة في الاستهلاك. حيث يستعمل المنتج في إطار محدد، ولغرض معين، مثل المواد الغذائية. وفي هذا الإطار يجب أن تحتفظ السلعة الاستهلاكية بوصفها العادي، وإن استعملت بصورة نظرية لتحقيق أغراض مهنية.

ب- الاستعمال الحقيقي: والأمر يتعلق هنا بالسلعة التي تم شراؤها بغرض الاستعمال أو الاستهلاك الفردي، أو العائلي، أو المنزلي بالدرجة الأولى. وإن كان الغرض المبدئي من اقتنائها هو الاستهلاك الذاتي، مثل السيارات، والمواد الكهرمنزلية، خاصة وأنه توجد بعض المنتجات التي تمتد صلاحيتها لتصبح بضاعة تجارية يمكن استغلالها في البيع والشراء. ويستخلص من ذلك، أن الصفة الاستهلاكية، لا تميز السلعة التجارية عن السلعة الاستهلاكية، إلا إذا كان الغرض الحقيقي من استعمال هذه الأخيرة، هو إشباع الحاجيات الفردية الخاصة بالشخص، أو بمحيطه العائلي.

3)و القانون الأمريكي يوسع من دائرة السلع الاستهلاكية، ويعرفها من وجهة نظر التداول التجاري، والاستعمال لأغراض متنوعة، وهو بذلك يجمع ما بين الاستعمال الحقيقي والاستعمال الاعتيادي للفرد، في تعريف السلع الاستهلاكية، الذي جاء النص عليه في المادة 2052، من قانون حماية البضائع المستهلكة، كما يلي:"السلع الاستهلاكية هي كل شيء أو كل جزء يدخل في تكوينه، يُنْتَجُ أو يُوَزٌع:

أ‌-   للبيع إلى أحد المستهلكين من أجل استعماله، لغرض تدبير المنزل، أو للإقامة المؤقتة أو الدائمة، أو في المدرسة، أو في الاستراحة، أو في ظل أية ظروف أخرى.

أو

ب- للاستعمال والاستهلاك، أو لإشباع الحاجيات الخاصة بالمستهلك، من أجل تدبير المنزل، أو للإقامة المؤقتة، أو الدائمة. أو في المدرسة، أو في الاستراحة، أو في ظل أية ظروف أخرى".

 4) ومن وجهة نظر المشرع المغربي، فإن السلع تستهلك بالاستعمال، ولعله يقصد بذلك الاستعمال العادي، لأنه جاء في الفصل 859 من الظهير المنظم لقانون الالتزامات والعقود([94])ما نصه:"يصح القرض على:

أ- الأشياء المنقولة، كالحيوانات والملابس والأثاث.

      ب- الأشياء التي تستهلك بالاستعمال، كالأطعمة والنقود"

والحال أن المواد الغذائية، أو القطع النقدية، يطلب الحصول عليها من أجل استعمالها في إشباع الحاجيات الخاصة للفرد، وهو الأمر الذي يندرج في جوهر وظيفتها الاقتصادية، وكنا نأمل أن يقدم مقترح القانون المتعلق بإخبار وحماية المستهلك([95])، تعريفا قانونيا للسلع الاستهلاكية، على غرار التعريفات التي وردت فيه([96]).

5) ولقد قدم مشروع مدونة قانون الاستهلاك البلجيكي([97])، تعريفا واسعا للسلع الاستهلاكية في المادة الثانية، التي جاء فيها: "لتطبيق هذا القانون، يجب أن يقصد في مفهومه ب:

1-  السلعة: كل منقول أو عقار، مادي أو معنوي.

2-   المنتوج: كل مال منقول مادي، وإن كان جزءا من مال منقول آخر أو عقار، أو أنه أصبح عقارا بالتخصيص…"

 ومن خلال هذا النص، يمكن أن نستخلص بأن السلع الاستهلاكية تصنف إلى نوعين:

– النوع الأول: المنتجات produits ، وهي كل منقول مادي([98]) وفي ظل هذا التعريف يمكن أن نتحدث عن كل المنقولات المادية المتداولة في الأسواق، سواء كانت من إنتاج صناعي آلي، أو من صنع يدوي تقليدي، أو كانت طبيعية من خلق الله سبحانه وتعالى. وبالإضافة إلى المنقولات المادية، يمكن القول أيضا بأن المنقولات المعنوية، هي من صميم المنتجات([99])، كما هو الحال بالنسبة لحقوق الدائنين، وحقوق المدخرين.

وبالنظر إلى الصورة التي فرضت بها حماية المستهلك على الفكر الاقتصادي، الذي يدفع المقاولات التجارية إلى تطوير أساليبها وممارساتها، عبر تقنيات جديدة ترتكز على مبدأ البيع المكثف، والمبالغة في الاهتمام بالزبائن، خاصة وأن كل تجارة تعتمد في الأساس على معطيات السوق الاستهلاكية، وبالنظر أيضا إلى الخطر الذي يمثله استهلاك بعض المواد والأشياء الطبيعية، المحورة جينيا أو المصنعة، على سلامة وصحة المستهلك، أصبحنا ملزمين بضرورة تمديد مفهوم المنتجات وتوسيع دائرتها، حتى يتمكن المتضررون من الدفاع عن حقوقهم، والمطالبة بالحماية القانونية من الجهات  المختصة. فلم يعد من المنطق قبول المبررات لعزل هذا المنتوج أو ذاك، من محيط السياسة الخاصة بحماية المستهلك([100])، لاسيما إذا  تعلق الأمر بالمنتجات الطبيعية والحيوانية. ونفس المبدأ يطبق أيضا على المعاملات القانونية، التي تتم مع الأبناك والمؤسسات المالية المختلفة. مع العلم بأن مثل هذه المعاملات أصبحت تسيطر على كافة جوانب الحياة التي يعيشها المستهلك، الذي نجده حاضرا في عمليات المضاربة، وفي التحويلات، والادخار، والاكتتاب، والتأمين أيضا. وكل ذلك يقاس على معادلة توازن القوى الاقتصادية، حيث نجد المستهلك في وضعية الطرف الضعيف، أمام البنك أو المؤسسة المالية، التي تمثل الطرف القوي. والواقع يثبت بأن المستهلك يجهل، في أغلب الأحوال، الكيفية التي تتم بها الإجراءات والتدابير القانونية لتسوية أية معاملة مالية أو بنكية. ويضاف إلى ذلك عامل آخر، نتصوره في غياب دور المقاولات والشركات المتخصصة في هذا النوع من الخدمات، فيما يخص توعية المستهلك وتثقيفه، لجعله في مستوى المعرفة التي تمكنه من استيعاب وفهم ما يجري حوله، من تصرفات وعقود، ومبادلات تجارية بل الأهم من ذلك هو أن يكون على بينة من نوعية وطبيعة الخدمات التي تعرض عليه. وكما يقول أحد الباحثين([101]) "لا أرى بشكل عام، أي سبب يدعو إلى استبعاد حماية المدخر من نطاق اهتمامات قانون الاستهلاك".

– النوع الثاني: الأموال العقارية biens immeubles  إن إدراج هذا النوع من الأموال في نطاق السلع الاستهلاكية يثير صعوبة كبيرة من وجهة النظرية الموضوعية للمستهلك، وسبب ذلك أن عقد الاستهلاك في العقار هو إما اكتساب، أو استعمال للمال من طرف شخص معين، وذلك يعني أن فعل هذا الأخير لا يؤدي إلى إتلاف، أو إنهاء القيمة الاقتصادية للعقار. لا سيما وأن العلاقة ما بين المهني والمستهلك، بشأن معاملة من هذا القبيل، (وهي نقل ملكية العقار، أو منح حق الانتفاع به)، تمنح المستفيد بعض الضمانات الخاصة، نظرا لتمتع هذا النوع من المعاملات بخصوصيات قانونية. وذلك لأن قيمة المبالغ المدفوعة فيها تفرض التعامل بشكل خاص مع الأطراف المتعاقدين. إلا أن هذه الأسباب لا تمنع من افتراض وجود خلل، أو انعدام التوازن ما بين الطرفين، وهو الأمر الذي يميز عقد الاستهلاك عن باقي العقود، و على هذا الأساس نعتقد  بأنه لا يمكن استبعاد هذا النوع من التصرفات، من نطاق تطبيق قانون الاستهلاك:"فالسكن يستجيب لحاجة خاصة، وعائلية، وهو بصفته هذه يشكل موضوعا للاستهلاك، سواء تعلق الأمر بشقة أو بمنزل، وسواء كانت الإقامة رئيسية، مؤقتة أو موسمية، وكيفما كانت الطبيعة القانونية للبيت، ملكية أو مجرد إيجار، فإنها تستجيب لمقتضيات قانون الاستهلاك. وعقار السكن في هذا الموضوع يختلف عن العقار المخصص للاستعمال الصناعي أو التجاري أو المهني،… وفي قطاع السكن نكتشف أحد الأسباب التي تستوجب تطبيق قانون الاستهلاك: فالشخص الذي يستعمل البيت للسكن –مستهلك السكن-، غالبا ما يوجد في موقع الطرف الضعيف، بالنظر إلى الطرف الذي يفوت له المحل…"  كما يعبر عن ذلك الأستاذ Jean Calais-Auloy ([102])عميد قانون الاستهلاك الفرنسي.

ظاهرة الاستهلاك إذن تشمل كل شيء له صلة مباشرة أو غير مباشرة باحتياجات الفرد الذاتية، بصفة أساسية. ومن هذا المنطلق نرى بأنه من الضروري الأخذ بعين الاعتبار، أهمية القطاع الثالث([103])، في خدمة مصالح المستهلكين، والأمر يتعلق بما يصطلح عليه بقطاع الخدمات، الذي لا يمكن تجاهل وزنه في تركيبة الاقتصاد المعاصر. لذلك فمن المهم جدا التعريف به، خاصة وأنه بالإضافة إلى ما ذكر، يساهم في تحديد وضعية المستهلك الفرد، وبالتالي يخول له إمكانية الاستفادة من مقتضيات قانون الاستهلاك([104]). وعلى هذا الأساس نضيف إلى النوعين السابق الإشارة إليهما، نوعا ثالثا من السلع الاستهلاكية، والأمر يتعلق بالخدمات.

     – النوع الثالث: الخدمات Services  وهي كل ما يعرض على المستهلك، من أجل مساعدته للوصول إلى إشباع حاجياته بسهولة ويسر، ويدخل في إطارها، جميع الأنشطة المادية أو الفكرية، التي تتم بشكل مستقل، ولا يكون الهدف منها تفويت مال معين([105]).

       ومن خلال تعريف الخدمات، كما هو مبين أعلاه، نستخلص مجموعة من الخصائص، أهمها على سبيل المثال:

أ‌)     الخدمة هي نشاط فكري أو مادي، غير أنه ليس من السهل التمييز بينهما. باعتبار أن بعض الأنشطة يغلب عليها الطابع المادي، وأخرى تكون ذات طبيعة فكرية بالأساس، وذلك بحسب طبيعة العمل الذي ترتبط به الخدمة.

ب‌)   تؤدى الخدمة لفائدة الغير، فالخدمات تهدف إلى تلبية حاجيات الأغيار، ولهذا السبب نجدها متداولة في الأسواق، وتعرض على المستهلكين، فلا توجد هناك خدمات يقوم بها الإنسان ويستفيد منها لوحده، مثل الشخص الذي يبني بنفسه منزله. وأحيانا ما تعرض الخدمات بدون مقابل، لأنه ليس من الضروري أن تكون الخدمة بهدف الربح فقط، وإنما قد تكون من أجل تحقيق الغرض الذي يدفع المهني إلى عرض سلعه ومنتجاته، مثل الإصلاح الذي تتعهد به المقاولة في إطار التزامها بضمان مبيعاتها لمدة معينة.

ج) انعدام وجود علاقة التبعية ما بين الشخص الذي يعرض خدماته، والمستفيد منها. فالعقد الذي يربط بينهما لا يعد عقد عمل، ولا يمثل أية صلة ذات طابع تبعي ما بين الطرفين.

د) في إطار عملية عرض وتقديم الخدمات، لا يتم تفويت أي مال مخصص، بحيث لا يؤدي التصرف، الذي بموجبه تتم الخدمة إلى نقل ملكية الشيء، محل الخدمة، وإن جرت العادة على تقديم بعض الأشياء في إطار الخدمات التي تعرض على المستهلك، مثل المواد التي تستعمل في التنظيف، أو كأن يتم تقديم بعض قطع الغيار في إطار إصلاح السيارات. فكل ذلك لا يتم تقديمه إلا بشكل تبعي، بالنظر إلى موضوع الخدمة المعروضة، أو المقدمة للمستفيد.

إن الخدمات تعرض بشكل يومي ومستمر على المستهلك، لأنها ترتبط بنمط عيشه المعتاد. وهي تختلف حسب تنوع الوقائع وتغيرها، لذا فإنه من الصعب الإحاطة بجميع الجوانب التقنية لهذا القطاع، فالعلاج الذي يقدمه الطبيب مثلا، والاستشارة القانونية التي يعرضها المحامي، وإصلاح الأجهزة المنزلية المقترحة من طرف مقاولة صناعية، وتنظيم المهرجانات، وخدمات النقل، وتسليم وتوزيع البضائع، وعمليات حفظ الأمن التي تقوم بها الشرطة، والتأمين، وتوزيع الطرود والمراسلات، واستعمال شبكات الاتصال والبرق والهاتف…إلخ، كلها أنشطة تتميز بخصوصيات معينة، وذلك حسب طبيعة العلاقة التي تربط المستهلك بالمهني، وهو الأمر الذي يجعل من الصعب وضع مفهوم موحد للخدمات، لأنه ليس من السهل حصرها.

إن مفهوم عقد الاستهلاك، ومعيار السلع الاستهلاكية، لا يكفيان لتصور أو تحديد مقاربة واقعية لشخص المستهلك، إذا تم الاعتماد  فقط على السبيل الموضوعي، دون الأخذ بعين الاعتبار إرادة الشخص ذاته، التي تعتبر أهم عنصر في تحديد معالم القانون الذي وضع أساسا لتوفير الحماية له.

والمستهلك هو الموضوع الرئيسي لقانون الاستهلاك، والقانون بصفة عامة إنما وجد لتنظيم علاقات الأفراد، أما التقنيات أو الإجراءات القانونية، ما هي إلا أدوات لضبط هذه العلاقات، واستعمالها يرتبط أساسا بإرادة الإنسان، وبالتالي فهي تقع تحت سيطرته ، ولا يمكننا عكس الآية. أضف إلى ذلك المظهر الاجتماعي للقانون، الذي يفرض مبدأ تفضيل إرادة الشخص على الأداة القانونية، أو ما يصير في حكمها. والمستهلك باعتباره  الفاعل الاقتصادي الأهم في اقتصاد السوق، فإنه يجب أن يكون فضلا عن ذلك موضوعا قانونيا لتفعيل قواعد قانون الاستهلاك. من أجل هذه الأسباب كلها نعتقد بأن للمعيار الذاتي دور أساسي في تحديد المفهوم الحقيقي للمستهلك، كما سنرى ذلك في الفرع الثاني من هذا المبحث.

الفرع الثاني: المعيار الذاتي

إن المستهلك وفق النظرية الاقتصادية، ما هو إلا طرف في الدائرة الإنتاجية، وبالاضافة إلى ذلك فإنه يعتبر هدفا للنشاط التجاري. كما أن غاية كل منتج أو مهني أو محتكر، هي تحقيق الأرباح من خلال النشاط الذي يزاوله. وبالنظر إلى هذا الوصف، يمكن القول بأن هذه الصورة لا توافق منطق رجال القانون، ولا يمكن الاعتماد عليها لوضع تعريف قانوني للمستهلك.

ومعلوم أن الإطار القانوني، في ظل أي نظام اجتماعي، يشكل نسيجا للنشاط الاقتصادي، لأنه يحدد شكل العلاقات ما بين الأفراد، ويضبط سلوكاتهم وتصرفاتهم، بل وله دور في تحديد ما يمكن إنتاجه من سلع أو خدمات. وعلى هذا الأساس يكون بديهيا أن يلتزم كل طرف له صلة أو ارتباط بالمنظومة الاقتصادية، بالإطار القانوني الذي ينظم ويؤطر الأنشطة والأعمال التي تدخل في تحديد نظام السوق. وخلاصة القول أن النظرية الاقتصادية وإن كانت تستند على معايير علمية، في تعريفها للمستهلك، إلا أنه من المحتمل به أن يكون هذا التعريف مجردا من كل فعالية، في حالة عدم تدخل القانون لتوضيح أبعاده.

فالنظرية الاقتصادية في تعريفها للمستهلك، تنطلق من واقع الوضع الذي يوجد عليه الفرد كهدف لنشاط معين، وأيضا من خلال تصرفات الأفراد بفعل الاستعمال أو الاقتناء من أجل إشباع الحاجيات الذاتية، في إطار محدد هو السوق. في حين أن القانون، وعلى خلاف الاقتصاد، يهتم بالفرد كموضوع في حد ذاته، لأنه هو المعني بضوابط القاعدة القانونية، وهو الأمر الذي سوف نركز عليه في دراستنا هذه، التي تهتم بالشخص الطبيعي بالنظر إلى تصرفاته العادية في الاستهلاك (المطلب الأول)، التي ترتبط بهدف معين وهو تحقيق إشباع ذاتي أي غير مهني([106]) (المطلب الثاني).

المطلب الأول: تصرفات المستهلك

الشخص الطبيعي هو كل فرد حسب جنسه، ذكرا كان أو أنثى. وهو اجتماعي بطبعه يتمتع بالشخصية القانونية التي تمنحه الحقوق الواجبة له، وتفرض عليه الالتزامات الضرورية للحفاظ على نظام المجتمع([107]). والفرد بوصفه هذا يتمتع بدور مهم في ظل النظام القانوني، لأنه يشكل محور وجوهر النصوص القانونية، التي وضعت لضبط سلوكه وتنظيم معاملاته، وكذلك لحمايته من الأضرار التي قد تلحق به. ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن مفهوم الشخصية القانونية يلتقي مع مفهوم الشخص الطبيعي، مادام أن النشاطات والتصرفات التي يقوم بها هذا الأخير، لا يمكن أن تتم إلا في دائرة القانون، وإن كانت لا تخضع له في بعض الحالات.

إن القوانين المدنية تخاطب المتعاقد كفرد واحد، والنصوص الجنائية تطبق على المتهم بصفة شخصية، وقوانين الحريات العامة تهتم بالإنسان من الناحية الفردية، فهل لقانون الاستهلاك بعد فردي، أم أنه يخاطب فئة أو مجموعة من الأشخاص دفعة واحدة؟

إن بعض التشريعات المقارنة تشير إلى مفهوم المستهلك بلفظ الجماعة، كما هو الحال بالنسبة للمشرع البلجيكي([108]) على سبيل المثال، يستعمل كلمة العموم public للدلالة على المستهلك، وهو الأمر الذي يثير خلطا ما بين مفهومين: مفهوم الشخص الطبيعي، ومفهوم العموم. والحال أنه يجب التمييز بينهما، فالأول يخص الفرد الواحد، أما الثاني فإنه يعبر عن مجموعة من الأشخاص الطبيعيين، وإن لم يكن بينهم أي ارتباط قانوني. وفضلا عن ذلك فإن مصطلح العموم غالبا ما يستعمل للإشارة إلى عينة من الأشخاص، غير معروفين، يسمح لهم بوضع معين في مكان ما، أو يمنع عليهم الولوج أو الاقتراب إلى أماكن معينة. كما أنه يشار بهذا اللفظ إلى جمهور من الناس يشكلون هدفا لوسائل النشر والإعلام. وفي نفس السياق ينص القانون البرازيلي على أنه:"يعد أيضا مستهلكا، جماعة من الأشخاص الذين تربطهم علاقة استهلاكية"([109])، وبهذا التعريف يكون المشرع البرازيلي، قد اعتمد على مصطلح "الجماعة"([110]) للدلالة على مفهوم المستهلك إلى جانب الفرد الواحد، والواقع أن مثل هذا التداخل في المعاني، قد يؤدي إلى ازدواجية في مفهوم المستهلك، وهو الأمر الذي لا يساعد على تحقيق الحماية القانونية الواجبة له بالشكل المعقول.

ولكن هناك تشريعات أخرى ترى عكس ذلك، ولا تحدد صفة المستهلك إلا في الفرد الواحد الذي يخاطبه القانون بصورة مباشرة، كما جاء النص على ذلك في قانون المقاييس والأوزان السويسري([111])، وهو نفس الاتجاه الذي سلكه المشرع المغربي في القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة([112])، حيث ورد لفظ المستهلك مفردا في المواد 47 و48 و49 من نفس القانون، وذلك عملا بما يطبقه المشرع الفرنسي في مدونة قانون الاستهلاك([113])، التي لا تخاطب المستهلك إلا بصيغة المفرد([114]).

وبصفة عامة نقول بأن المستهلك، هو شخص طبيعي بالدرجة الأولى، ولا يمكنه التصرف إلا في إطار القانون، إن هو أراد التمتع بالحماية الشرعية، وفق ما تقتضيه النصوص القانونية الجاري بها العمل في هذا المجال. لكن ما هي طبيعة الفعل الذي يقوم به المستهلك، ويستوجب تدخل القانون لحمايته؟  (الفقرة الأولى) وما هي الغاية من هذا الفعل، بمعنى ما هو مضمونه أو موضوعه؟ (الفقرة الثانية).

 

الفقرة الأولى: طبيعة فعل المستهلك

إن المستهلك يضع حدا لتداول الأشياء بمجرد حصوله عليها، وذلك يعني أنه يقوم بعمل قانوني، منذ بداية التصرف الذي يحصل بموجبه على حاجياته، وعندما يستعمل هذه الأشياء في الأغراض التي خصصت لها، فإنه يقوم بعمل مادي محض، يمكنه من الاستفادة منها والانتفاع بها، وعلى هذا الأساس نرى بأن المستهلك ما هو إلا شخص متعاقد أو مستعمل.

أولا: المستهلك شخص متعاقد

المستهلك المتعاقد هو الموضوع الرئيسي لقانون الاستهلاك([115])، فما هي إذن طبيعة العقود التي يكون المستهلك طرفا فيها؟

من البديهي أن يكون تصرف المستهلك، بصفته طرفا في العقد، عملا قانونيا لأن تصرفه لا يمكن أن يكون صحيحا، كما سبق الذكر، إلا إذا تم في الشكل القانوني المخصص له، وهو ما نسميه بالعمل المحدد، الذي ينقسم حسب ما تبينه الدراسات القانونية في هذا الصدد، إلى عقود مسماة وأخرى غير مسماة.

والتمييز بين العقد المسمى والعقد غير المسمى، "كان له أهمية كبيرة في القانون الروماني لأن العقد غير المسمى، خلافا للعقد المسمى، كان لا يتم إلا إذا قام أحد الطرفين بتنفيذ ما اتفق عليه مع الطرف الآخر، ولا يوجد العقد قبل ذلك… أما في القانون الحديث فلم يعد هناك فرق بين العقد المسمى والعقد غير المسمى فكلاهما يتم بمجرد تراضي المتعاقدين إلا في العقود الشكلية، وما بقي من العقود العينية"([116])، ونظرا للدور الذي يمنحه المشرع المغربي والمقارن، لهذا النوع من العقود، نرى أنه من الضروري إلقاء نظرة وجيزة على المفهوم القانوني للعقود المسماة، والعقود غير المسماة. من أجل تحديد معنى ارتباطها بسلوك المستهلك، من ناحية التصرفات القانونية التي يبرمها.

 

أ‌-         العقد المسمى([117]):

لم يعرف المشرع المغربي صراحة العقد المسمى، ولم يبين حكمه، وإنما نظم بعض القواعد التي تطبق على مجموعة من العقود المسماة، كما جاء في عنوان الكتاب الثاني من الظهير المنظم لقانون الالتزامات والعقود. وذلك عكس المشرع الفرنسي وغيره من التشريعات المقارنة الأخرى التي أشارت صراحة إلى التمييز ما بين العقد المسمى والعقد غير المسمى. فمدونة القانون المدني الفرنسي تنص في مادتها 1107 على ما يلي:"تخضع العقود، سواء كانت مسماة أو غير مسماة، للقواعد العامة الواردة في هذا الباب([118])…." وتنص المادة 127 من المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري، على نفس المقتضى، حيث جاء فيها:"تسري على العقود المسماة منها وغير المسماة القواعد التي يشتمل عليها هذا الفصل…"([119]).

 ولقد استقر رأي الباحثين في القانون المدني، على تعريف العقود المسماة بأنها:"هي العقود التي وضع لها المشرع تسمية وتنظيما معينين…"([120]) وبتعبير آخر "العقد المسمى هو الذي نظمه المشرع وميزه عن غيره بأن خلع عليه اسما خاصا وأحكاما خاصة"([121]) .

ومن بين العقود المسماة نذكر عقود المعاوضة actes à titre onéreux، التي تعد أكثر العقود تداولا في مجال الاستهلاك، و منها على سبيل المثال: عقود البيع والشراء، التي تتصدر لائحة التصرفات والمعاملات، التي يكون المستهلك طرفا فيها، بل ويمكننا القول بأنها تشكل النموذج الأساسي لعقود الاستهلاك([122]) . وهو الأمر الذي يبرر سبب اعتماد بعض التعاريف التي حددت مفهوم المستهلك، على هذا النوع من العقود. فمن وجهة نظر القضاء البلجيكي، "إذا لم يوجد تعريف قانوني، يجب أن يفهم هذا المصطلح –أي المستهلك-، بمراعاة استعمالاته العادية، وبهذا المعنى يكون المستهلك هو الشخص الذي يشتري البضائع والسلع، لإشباع حاجياته الخاصة" ([123]). وفي تعليقه على هذا القرار الذي صدر عن محكمة النقض البلجيكية يرى الأستاذ Cornu ([124])، بأن التعريف الذي أوردته  المحكمة المذكورة، يركز على نوع خاص من المعاملات، ولا يسمح بالتوسع في مفهوم المستهلك، لأن التعريف الذي يحصر ظاهرة الاستهلاك في عقود الشراء يقصي فئة عريضة من الأشخاص الذين يمكن وصفهم بالمستهلكين، حتى وإن لم يرتبطوا فعليا بالشكل القانوني للتصرف، الذي هو العقد. ويضاف إلى ذلك أن مفهوم المستهلك لا يقف عند حد عقد الشراء، وإنما يمكنه أن يمتد ليشمل أفرادا آخرين غير المشتري، وإن كانوا أطرافا في عقود أخرى. وكذلك يجب التذكير بأن الشخص الذي يشتري شيئا معينا للاستهلاك الذاتي، له الحق في أن يبرم أي نوع من التصرفات، على نفس الشيء الذي يحصل عليه بموجب العقد الأول، مثل عقد الإيجار، أو عقد الرهن، أو عقد الهبة…إلخ، دون أن يؤثر ذلك على صفته القانونية.

 ومن الملاحظ أن عقود البيع والشراء، التي  تعتبر من أبسط صور التعامل ما بين الأفراد، في إطار قانون الاستهلاك، شكلت الأساس القانوني الذي ركزت عليه بعض التشريعات المقارنة([125])، للتعريف بالمستهلك معتمدة على خاصية المعاوضة.  في حين أن الواقع يؤكد لنا بأنه قد توجد مجموعة من التصرفات، يمكن أن تتم بشكل مجاني، دون أن تخرج من دائرة المعاملات الاستهلاكية. وهو الأمر الذي يدفعنا إلى الاعتقاد بأنه من الممكن جدا تجاوز صيغة التعامل بالمعاوضة، في إعطاء تعريف قانوني للمستهلك. وعلى سبيل المثال نجد بأنه في إطار عقد الايداع Contrat de dépôt، الذي يعتبر عقدا مجانيا([126]) بدون عوض، حسب تعريف المادة 1917 من مدونة القانون الفرنسي، يمكن الحديث عن المستهلك المودع déposant consommateur، وهو الشخص الذي يقوم بإيداع الشيء، عند شخص آخر غالبا ما يكون مهنيا. غير أنه  يجب التنبيه إلى أن هذه الفكرة لا تحتمل تفسيرا واسعا، و ذلك بسبب وجود مجموعة من العقود المجانية، يصعب معها تحديد صفة المستهلك لأحد الطرفين المتعاقدين، ومن بين هذه العقود نذكر  عقد الهبة، وهو الأمر الذي يفرض علينا طرح السؤال التالي : هل الموهوب له يعد مستهلكا أم لا ؟

إن جل التشريعات المقارنة، التي قدمت تعريفا قانونيا للمستهلك، اعتمدت في ذلك على بعض الصيغ والعبارات التي تفيد معنى المعاوضة، الوارد في التصرفات والمعاملات التي يكون المستهلك طرفا فيها، ومن أمثلة ذلك نذكر مرادفات لفظ الشراء. ففي اللغة الفرنسية تعبر كلمة Achat عن التصرف العادي الذي يحصل بموجبه الفرد على حاجياته بمقابل مادي، أما بالنسبة للكلمة المرادفة لها Acquisition، فإنها تترجم إلى اللغة العربية إما باستعمال لفظ الاقتناء أو الاكتساب، وهو نفس المصطلح الذي استعمله أصحاب مقترح القانون المغربي، المتعلق بإخبار وحماية المستهلك، في مادته الأولى التي ورد فيها تعريف المستهلك باعتباره:"كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني أو يستعمل، لأغراض غير مهنية، منتجات أو خدمات معروضة في السوق". وتنطبق نفس الملاحظة على التعريف الوارد في  المادة الثانية من قانون الدفاع عن المستهلك البرازيلي، التي جاء فيها بأن:"المستهلك هو كل شخص…يقتني منتوجا أو خدمة كآخر متلقي…"([127]) وتنص المادة الأولى من قانون الممارسات التجارية البلجيكي، على نفس المقتضى في فقرتها السابعة التي ورد فيها أن:"المستهلك هو كل شخص طبيعي … يقتني… لغايات غير مهنية"

إن لفظ الاقتناء Acquisition، الذي ورد في مختلف التعريفات التشريعية للمستهلك، المذكورة أعلاه، يفيد عدة معاني، يمكن اشتقاقها من العلم اللغوي المعروف باسم Etymologie، ومنها الإقتناء الذي يتم بعوض، وأيضا الإقتناء الذي  يكون مجانيا. وعلى هذا الأساس نستخلص بأنه يمكن إسقاط مفهوم الإقتناء على عملية انتقال الشيء محل عقد الهبة، من الشخص الواهب إلى الموهب له. وبالتالي فإن الحقيقة القانونية للمستهلك الموهوب له، لا يمكن تجاهلها، وهو ما عبر عنه الأستاذ Th. Bourgoignie، بقوله:"المستهلك ليس هو فقط المشتري، ولكن يمكن أن يكون مكتسبا أو متملكا"([128]).

ب – العقد غير المسمى:

 وهو "العقد الذي لم ينظمه المشرع، ولم يميزه عن غيره باسم خاص، ولم يظفر منه بتنظيم خاص، فهو متروك لإرادة المتعاقدين يكيفونه حسب مشيئتهم"([129]). والمقصود أن العقود غير المسماة، هي عقود صحيحة، من الناحية القانونية وإن لم تتخذ الشكل القانوني الرسمي المعمول به، إلا أنه يشترط فيها أن يقوم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه، للقول بقيام العقد. ولهذا السبب لا يمكننا حصر فئة العقود غير المسماة، التي تتنوع وتختلف باختلاف ما تتوافق عليه الإرادتين، خاصة وأن مبدأ سلطان الإرادة، يخول لكل شخص  الحق في التعاقد حسب ما تقتضيه مصالحه الخاصة، مع مراعاة  مبادئ النظام العام وحسن الآداب والأخلاق بطبيعة الحال.

وعلى خلاف العقود المسماة، التي يكتفي فيها المتعاقدان بالاتفاق على الأمور الضرورية لانعقاد العقد، على أساس أن  باقي التفاصيل المرتبطة بصحة التعاقد، تخضع للتنظيم الذي يفرضه إما المشرع وفق القوانين الجاري بها العمل، أو العرف أو الاجتهاد القضائي المتعارف عليه، نرى بأنه يتعين على المتعاقدان في العقود غير المسماة، أن يبينوا بكل تفصيل ودقة مختلف الضوابط التي تحكم عقدهما، لأن المرجع الأساسي لهذا النوع من التعاقد هو إرادة كلا الطرفين، وهو الأمر الذي يوحي لنا بتصور تطبيق حقيقي لمفهوم المستهلك على أحد المتعاقدين، مثل عقد التموين Contrat de fourniture، الذي جعله أحد الباحثين([130]) أساسا لتحديد المفهوم القانوني للمستهلك، معبرا عن ذلك بقوله:"المستهلك هو الشخص الذي يصبح طرفا في عقد تموين السلع والخدمات لإشباع حاجيات خاصة ليست مهنية". ومن ذلك نستخلص بأن الشخص الذي يكون طرفا في عقد غير مسمى، قد يكتسب صفة المستهلك بالنظر إلى الطرف الآخر الذي يتعاقد معه. لكن هل يصح دائما أن يكون لصفة المتعاقد مع المستهلك، دور في تحديد مفهومه القانوني؟

إن بعض التشريعات المقارنة تعتمد في تعريفها للمستهلك، على تحديد صفة الشخص الذي يتعاقد معه، والذي يكون في أغلب الأحيان مهنيا، وذلك دون الأخذ بعين الاعتبار، الغاية التي من أجلها يبرم المستهلك العقد. وهذا ما نلاحظه في التشريع السويدي مثلا، الذي يعرف المستهلك بأنه:"الشخص الذي يشتري سلعة من التاجر"([131]). وفي السياق نفسه يعرف الأستاذ Th. Bourgoignie المستهلك بقوله:" المستهلك شخص طبيعي أو معنوي يقتني أو يشتري سلعة، أو خدمة من المهني في ظل النظام الاقتصادي"([132]). بل وأكثر من ذلك يرى الأستاذ Bourgoignie بأن المستهلك لا يجرد من صفته كمشتري لسلعة، أو مستفيد من خدمة، في الحالة التي يبرم فيها عقدا مع مستهلك آخر([133]). و في التقرير السنوي لمجلس حماية المستهلكين بمقاطعة الكيبيك الكندية ([134])، تمت الإشارة إلى نفس المعنى، حيث جاء فيه: "نعلم جيدا بأن المستهلكين يبيعون بأنفسهم سياراتهم لمستهلكين آخرين…" وهذا يعني صراحة بأن المستهلك يحتفظ بصفته، وإن أبرم تصرفا قانونيا مع مستهلك آخر، سواء كان هذا التصرف بيعا أو شراء للسلع أو الخدمات.

ثانيا: المستهلك شخص مستعمل

إن مجرد إبرام التصرف القانوني، لا يكفي الشخص للتمتع بصفة المستهلك، وإنما يجب عليه أن يستعمل الشيء الذي حصل عليه، بعد توقيع العقد أو إبرام الاتفاق، أو القيام بأي تصرف خاص في إطاره القانوني. وذلك حتى يكتمل التصور العام لمفهوم المستهلك. والاستعمال في حقيقته، هو التعبير عن المظهر المادي لوظيفة الاستهلاك. ففي واقع الأمر يقوم المستهلك بالبحث عن السلعة أو الخدمة من أجل إشباع حاجياته الخاصة، وبمجرد حصوله عليها يبادر إلى الانتفاع بها أو الاستفادة منها، وذلك باستعمالها في الغرض الذي أعدت من أجله، فلا يمكننا إذن تصور مستهلك بدون الاستعمال الحقيقي للمادة الاستهلاكية. وفي هذا الصدد نسجل ملاحظتين أساسيتين:

الملاحظة الأولى: ومفادها أن الاستعمال يشكل الامتداد الزمني للعقد القانوني، الذي يكون المستهلك طرفا فيه، سواء تعلق الأمر بالبيع أو الكراء، أو غيرهما من العقود. والاستعمال هو أثر للتعاقد أيضا، يتحقق وجوده بواسطة الفعل المادي. فالأمر إذن يتعلق بشخص واحد يمارس وظيفة الاستهلاك، بمجرد حصوله على السلعة أو الخدمة. ويكون ذلك على فترات زمنية مختلفة، يتم خلالها التصرف والاستعمال معا. غير أنه في بعض الحالات قد نجد بأن الفعل المادي للاستهلاك، يقوم مقام التصرف القانوني في تحديد صفة المستهلك. وذلك يعني أن مجرد استعمال الشخص للشيء يعطيه الحق في التمتع بصفة المستهلك.

الملاحظة الثانية: وخلاصتها أن الشخص يتمتع بصفة المستهلك، إذا ثبت بأنه استعمل السلعة أو الخدمة المحصل عليها، في إشباع حاجياته الخاصة، وإن لم يكن طرفا في العقد. وهو الأمر الذي تركز عليه بعض التشريعات المقارنة في تعريفها للمستهلك، ومنها على سبيل المثال القانون البلجيكي([135])، الذي ينص على أن:"المستهلك هو كل شخص طبيعي أومعنوي، يكتسب أو يستعمل…" وبنفس الصياغة تقريبا تنص المادة الأولى من مقترح القانون المغربي، المتعلق بإخبار وحماية المستهلك على أن:"المستهلك: كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني أو يستعمل…" وهذا يعني أن غياب العقد، أو الشكل القانوني للتصرف، لا يحرم الشخص الذي يستعمل السلعة أو الخدمة من صفة المستهلك([136]).

الفقرة الثانية: مضمون الاستهلاك

إن الشيء الذي يرد عليه الاستهلاك، يعد من العناصر الأساسية التي تدخل في تعريف المستهلك، بل و يمكن اعتباره محور التصرفات القانونية التي يبرمها المستهلك. لأن جميع المعاملات التي يكون هذا الأخير طرفا فيها، ترتبط بالشيء الذي يستعمل لتحقيق غاية الإشباع الذاتي. لكن هل يجوز أن نعتبره محلا للعقود الاستهلاكية، حسب ما تقرره القواعد العامة للعقد؟

إن محل العقد هو:"الهدف أو الغاية أو العملية القانونية التي يراد تحقيقها من وراء إنشاء العقد، وإذا كان أثر العقد هو ترتيب التزامات في ذمة عاقديه، فإن هذه الالتزامات تهدف في مجموعها إلى تحقيق الغرض أو العملية القانونية المقصودة من العقد"([137]). والمشرع المغربي يعتبر المحل ركنا من أركان الالتزام([138])، وليس العقد، حسب ما تتضمنه نصوص الفرع الثالث من الباب الأول، من الظهير المنظم لقانون الالتزامات والعقود، الذي يحمل عنوان:"محل الالتزامات التعاقدية". والواقع أن محل الالتزامات هو الأداء الذي يجب على المدين أن يقوم به لصالح الدائن، سواء كان التزاما بتسليم شيء، كما هو الحال بالنسبة للالتزامات المتقابلة ما بين البائع والمشتري في عقد البيع، حيث يلتزم الأول بتسليم المبيع، في حين يلتزم الثاني بدفع ثمنه. أو كان التزاما بأداء عمل، مثل نقل الحق العيني للشيء الذي ورد عليه التعاقد، كالتزام البائع بنقل ملكية المبيع إلى المشتري، وقد يكون محل الالتزام أيضا الامتناع عن عمل، وهو الذي يصوره الواقع في التزام بائع الأصل التجاري بعدم منافسة المشتري، في نفس الدائرة الجغرافية التي يمارس فيها نشاطه. ومن خلال ذلك يتضح بأن الشيء الذي يرد عليه الاستهلاك هو جزء من محل العقد، الذي يكون المستهلك طرفا فيه، لأن الإطار الذي يحدد وظيفة الاستهلاك، ليس هو الشيء في حد ذاته، ولكن طريقة الانتفاع به أو الاستفادة منه هي التي تشكل  المعيار الحقيقي للاستهلاك، وبالتالي يمكننا وصف الشخص بالمستهلك في حالة قيامه بفعل الاستهلاك نفسه.

غير أنه في غالب الأحيان يتم الخلط ما بين عملية الحصول على الشيء، وطبيعة المعاملات التي ترد عليه بعد تسلمه، كما هو الشأن في عقد تسليم البضاعة للمشتري، في منزله أو المحل الذي يختاره، بعد حصول البيع. وتزداد الأمور أكثر تعقيدا عندما يلتزم المهني بتقديم خدمات من نوع خاص بعد إتمام صفقة البيع، مثل الشركة التي تبيع لإحدى  المقاولات الصناعية مجموعة من آلات النسيج، غالبا ما تلتزم بتركيب هذه الآلات بعد تسليمها، وتعين لإتمام هذه العملية بعض التقنيين المتخصصين أو المهندسين، وفي حالات أخرى يتم الاتفاق مسبقا، على تعيين مجموعة من الأطر لإعداد وتأهيل الأفراد، الذين سوف توكل إليهم مهمة تشغيل هذه الآلات. فما هي العملية التي يمكن اعتبارها بمثابة بيع في هذه الحالة؟ تسليم المنتوج نفسه؟ أو ما يصاحبه من خدمات يتم الاتفاق عليها قبل إتمام إجراءات الصفقة، كمخصصات التركيب على سبيل المثال ([139])؟

 قد يصعب في بعض الأحيان تحديد الإطار القانوني لبعض الممارسات التجارية، التي تستهدف المستهلك، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى تعقد بعض المفاهيم الاقتصادية، التي أحرجت النصوص القانونية، في مسألة البحث عن المصطلحات، التي تعبر عن المعاني الحقيقية للوظيفة الاستهلاكية المنتظر تحققها بمجرد استعمال هذا الشيء أو ذاك. و الملاحظ أنه في أغلب الدراسات القانونية المتخصصة في ظاهرة الاستهلاك، يتم استعمال مصطلحات السلعة والخدمة والمنتوج، للدلالة على موضوع الفعل أو التصرف الذي يقوم به المستهلك من أجل إشباع حاجياته الخاصة. كما جاء في التعريف المقترح من طرف أصحاب القانون المتعلق بإخبار وحماية المستهلك، وفي نفس السياق نجد تعريفا آخر ينص على أن:"المستهلك هو كل شخص طبيعي يحصل على سلعة…"([140]) ولكن بالرجوع إلى علم المصطلحات نرى بأن العديد من الألفاظ، تحمل نفس المعنى، إذ يمكن استعمال كلمة الشيء Objet، أو البضاعة Marchandise، أو المنتوج Produit، وكلها ترجمة للمصطلح الإنجليزي Goods([141]) الذي يقصد به السلعة Bien.

المطلب الثاني: غرض الاستهلاك

 المستهلك من الناحية المبدئية، هو الشخص الطبيعي الذي يتصرف لتحقيق أغراض غير مهنية. وبتعبير آخر هو الذي يستهلك لإشباع حاجيات ذاتية، لها ارتباط وثيق بالمواد الضرورية لعيشه، ولكن ما هو معيار التمييز ما بين الغاية المهنية، والغرض غير المهني؟ للإجابة عن هذا السؤال، سوف نحاول تحديد مفهوم الغاية المهنية (الفقرة  الأولى)، ومفهوم الغرض غير المهني (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مفهوم الغاية المهنية

إن تعريف القصد، أو الغاية التي يصبو إليها الشخص من خلال التصرف القانوني الذي يكون طرفا فيه، لا يمكن تحديده إلا بالاعتماد على الشكل المادي للفعل الذي يباشره، من أجل تحقيق أهدافه، وهو يتحدد أصلا في الاستهلاك بالنسبة للمستهلكين، وفي الإنتاج([142]) بالنسبة للمهنيين.

ولقد جرت العادة أن تستعمل بعض المصطلحات الاقتصادية، للدلالة على مفهوم القصد المهني، ومنها على سبيل المثال: المهنة Profession، والمقاولةEntreprise، والمؤسسة أو المنشأة Etablissement. بل ولقد شاع تداول لفظ التوزيع Distribution في وصف النشاط الاقتصادي، للدلالة على الصفة المهنية للعمل الذي يباشره الشخص. والتوزيع هو تلك العملية التي تتبع الانتاج، وتفتح المجال أمام التسويق وانتقال البضائع والسلع. أما بالنسبة للخدمات فإنه يصعب تحديد طبيعة النشاط الفكري أو المادي، الذي يتم تقديمه للغير من أجل الاستفادة منه ([143])كما سبق الذكر، لأن الخدمات غالبا ما تتم بصورة مستقلة عن الشيء المتعاقد عليه، مع العلم بأن موضوعها الأساسي ليس هو تفويت ملكية الشيء، وإنما تسهيل عملية استعماله.

وأنشطة المهنيين كما هو معلوم، تتخذ عدة صور، فمنها ما يكون أصله التحويل  Transformation، أو التركيب Montage، أو إعادة التشغيل Recyclage. ومنها ما يخضع لبعض الممارسات التجارية مثل الاستيراد Importation والتصدير Exportation، ويضاف إلى ذلك ما يرتبط بالتعمير، كالبناء والتجهيز. وإذا كانت هذه الأعمال الاقتصادية([144])لا تسمح لنا بحصر جملة الأنشطة التي تعد  مهنية بشكل محض، فإنها على الرغم من ذلك توضح لنا مفهوم القصد المهني الذي يستهدف المستهلك. فالتاجر مثلا لا يستورد البضاعة، ولا يصدر السلعة، إلا لطلب الربح، والصانع كذلك لا يقوم بتحويل المادة الخام إلى منتوج يصلح للاستهلاك، إلا من أجل تحقيق الفائدة المالية، وهكذا دواليك.

ومن البديهي أن يمارس الشخص نشاطه المهني من أجل تحقيق الربح([145]). وفي هذا الإطار يمكننا أن نتحدث عن الممارسات التجارية، والمهن الحرة، والحرف. بل وعن بعض الأنشطة المدنية، مثل الاستشارة الطبية، أو الاستشارة القانونية. فكل هذه الأعمال تدخل في إطار القصد المهني، الذي قد يقصي صاحبه من دائرة المستهلك كليا أو جزئيا. ومن وجهة نظرنا نعتقد بأن الغاية المهنية هي ذلك القصد الذي يبتغيه الشخص، من وراء العمل الممارس بصفة مستمرة للحصول على الربح، وإن كان احتمال الخسارة واردا، شريطة أن يكون عمله موافقا للنصوص القانونية الجاري بها العمل.

الفقرة الثانية: مفهوم الغرض غير المهني

إن النشاط الذي يمارس لتحقيق هدف غير الربح، هو الذي يحدد نطاق العمل الذي يقوم به المستهلك، ومفهومه لا يتضح إلا من خلال مظهرين اثنين وهما:

المظهر الأول: يعكس تصرف الفرد لإشباع حاجياته الخاصة.

المظهر الثاني: وصورته أن الفرد يتصرف لإشباع حاجيات مشتركة.

أولا: المفهوم الضيق للحاجة

إن أول شيء ينصرف إليه تفكيرنا في مادة الاستهلاك، هو الحاجيات الطبيعية والضرورية لعيش الإنسان، كالأكل والملبس والمسكن([146]). وفي هذا السياق يرى أحد الباحثين([147])، بأن: "الحاجة عند الشخص هي إبراز الوعي أو شبه الوعي بضرورة فكرية أو جسمانية". ونعتقد بأن المسألة تتعلق هنا بمفهوم فلسفي، يتأثر بواقع المحيط السوسيواقتصادي، الذي يتحكم في وتيرة ودرجة إشباع حاجبات الأفراد. فبالرجوع إلى اللغة الإنجليزية، نلاحظ بأنه من الممكن جدا الاختيار ما بين مدلولين للحاجة، الأول: ويستفاد من فعل want، أي ""أراد"، وهو يرمز إلى معنى "الرغبة" Désir. أما الثاني: فيستخلص من فعل need، بمعنى "احتياج"، وهو الذي يرتبط بضرورات  العيش. ومن هذا المنطلق يتضح لنا بأنه يمكن التمييز ما بين، المستهلك الذي يسعى إلى سد رمقه، بتوفير الحاجيات الملحة والضرورية لبقائه على قيد الحياة، والمستهلك الذي يسعى في أغلب أوقاته إلى إشباع رغباته([148])وشهواته Envies.

والمستهلك بصفة عامة، هو ذلك الشخص الذي يتصرف من أجل تحقيق أهداف ذاتية وخاصة في أغلب الأحيان([149]). وعلى هذا الأساس يكون معيار الاستعمال الشخصي للشيء المراد استهلاكه، هو الأكثر وضوحا وبيانا، من معيار ممارسة النشاط غير المهني. لأنه في إطار الممارسة غير المهنية، يكون من الصعب تحديد الهدف الذي يقصده الفرد من وراء فعله أو تصرفه([150])، وإن كان الأمر يتعلق بحاجياته الضرورية التي يستعملها  في الحياة اليومية. فذات الإنسان كما نعلم، تخضع لمجموعة من الاضطرابات  النفسية، التي تفرض عليه تغيير العادة حسب ظروف الحال.

 ثانيا: المفهوم الواسع للحاجة

من الصعب أن نتصور بأن المستهلك يمكنه العيش، بصورة منفصلة عن محيطه العائلي، لاسيما بالنسبة للمجتمع المغربي. فالمستهلك لا يتصف دائما بالأنانية، أو النزعة الفردية. وإن كان يستعمل الأشياء، ويستفيد من الخدمات، لتلبية حاجياته الخاصة، إلا أنه لا ينسى حاجيات الأفراد الذين هم تحت كفالته([151]). ولعل السبب في ذلك يرجع، بالنسبة للمستهلكين المغاربة على سبيل المثال، إلى أهمية التقاليد الأسرية، والتعاليم الدينية، التي يتشبع بها المسلمون عموما. حيث أن مظاهر التكافل والتضامن الاجتماعي، تعد إرثا حضاريا، لايزال المغاربة محتفظين به إلى يومنا هذا، بل ويحثون على ضرورة اقتسام الأشياء، التي تفي بالحاجة الخاصة، مع باقي الأفراد ابتداء من الوسط العائلي.

ومن خلال ذلك يتضح لنا بأن مفهوم الحاجة الاستهلاكية، قد يتسع بالشكل الذي يدفعنا إلى تصور حجم كبير من الطلب على الاستهلاك الذي يصدر عن عدة مستهلكين. ومعنى ذلك أن صفة المستهلك لا تتعلق بالشخص الذي يتصرف لمصلحته الخاصة فقط، وإنما تمتد أيضا إلى الشخص الذي يبرم العقود والتصرفات من أجل غيره، سواء تعلق الأمر بأفراد عائلته، أو أي فرد كان، شريطة أن يكون الغرض من شراء السلع أو الاستفادة من الخدمات المعروضة، هو الانتفاع وليس طلب الربح.

إن مسألة وجود الفارق ما بين المهني والمستهلك، لا تقبل الجدل، وإن كان البعض قد حصر مظاهر هذا الاختلاف في التباين الواضح ما بين مفهومي التاجر والمستهلك. لكننا نعتقد بأن الفرق الذي يوجد ما بين المفهومين، يتجاوز التمييز التقليدي ما بين نطاق تطبيق القانون المدني، ونطاق تطبيق القانون التجاري. والقول بوجود تعارض ما بين مفهوم المستهلك ومفهوم المهني يعني بأن نفي إحدى الصفتين عن بعض الأشخاص، يؤكد بأن غيرهم، في الطرف المقابل، يتمتعون بامتيازات الصفة الأخرى.([152])

المبحث الثاني: امتداد مفهوم المستهلك

إن المستهلك في ظل قانون الاستهلاك هو ذلك الفرد الذي  يتمتع بالشخصية القانونية، لأنه يحق له إبرام جميع التصرفات التي يسمح بها القانون، وعلى هذا الأساس يكون من المنطقي أن يتمتع المستهلك بأهلية الالتزام، من أجل الإقرار بصحة العقود والمعاملات التي يكون طرفا فيها، فهل يعني ذلك أن مفهوم المستهلك يقتصر على الفئة التي يخول لها القانون أهلية التصرف؟ أم أنه من الممكن الحديث عن امتداد هذا المفهوم ليشمل باقي الأفراد، لاسيما ناقصي أو منعدمي الأهلية؟ وهل يمكن القول بأن أحكام الأهلية، التي ينظم أحكامها القانون المدني، تمنح للمستهلك حماية قانونية ضد تعسف المهنيين، بشكل أفضل مما قد تتضمنه قواعد قانون الاستهلاك؟ من خلال هذه الأسئلة يتضح لنا بأن امتداد مفهوم المستهلك يرتبط بمظاهر الضعف التي تميز الشخص المتعاقد، إلا أن هذا الأمر لا يتعلق بالضعف في ذات الإنسان فقط (الفرع الأول) ولكنه قد يشمل أيضا الضعف الاقتصادي لبعض الأفراد (الفرع الثاني).

الفرع الأول: مظاهر الضعف الشخصية

إن انعدام التوازن في العلاقة الاستهلاكية، يعود سببه إلى العجز الذي يصيب إرادة المستهلك، ويمنعه من الوقوف على حقيقة الإجراءات والشروط التي يلتزم بها في ارتباطه العقدي مع المهني، ولكن ما هي العوامل التي تكمن وراء ضعف المستهلك؟ من وجهة نظرنا نعتقد بأن صعوبة الظروف الاجتماعية، وخصوصية الوضعية القانونية لبعض الأشخاص هي التي تدفعهم إلى طلب الحماية من المشرع القانوني، وعلى هذا الأساس نرى بأنه يجب التمييز ما بين مظاهر الضعف المرتبطة بأهلية الإنسان للتعاقد (المطلب الأول)، وتلك التي تعكس عدم قدرة الشخص على التفكير واتخاذ القرارات الصائبة عند طلبه للحاجيات الاستهلاكية (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الأهلية القانونية

إن الأهلية المدنية في تعريف الفقه المغربي هي:"صلاحية الشخص لكسب الحقوق والتحمل بالالتزامات ومباشرة التصرفات القانونية التي يكون من شأنها أن تكسبه حقا. أو أن تحمله التزاما على وجه يعتد به قانونا"([153]) ولقد بين المشرع المغربي القانون الذي يحدد وينظم أحكام الأهلية، في الفصل الثالث من الظهير المنظم لقانون الالتزامات والعقود، الذي يشير إلى أن:"الأهلية المدنية للفرد تخضع لقانون أحواله الشخصية.

وكل شخص أهل للإلزام والالتزام ما لم يصرح قانون أحواله الشخصية بغير ذلك".

كما أن مدونة قانون التجارة([154]) أشارت أيضا في المادة الثانية عشر، إلى أن الأهلية تخضع لقواعد قانون الأحوال الشخصية، التي يمكن مراجعتها في الكتاب الرابع من مدونة الأحوال الشخصية، تحت عنوان "الأهلية والنيابة الشرعية" من الفصل 133 إلى الفصل 172، والتي تم نسخها مؤخرا بموجب المادة 397 من مدونة قانون الأسرة الجديد([155])، وتعويض فصولها بالمواد من 206 إلى 207، التي تضمنها الكتاب الرابع.

والأهلية نوعان:([156])

أولا: أهلية الوجوب Capacité de jouissance: تعرفها المادة 207 من مدونة الأسرة كما يلي:"أهلية الوجوب هي صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق وتحمل الواجبات التي يحددها القانون وهي ملازمة له طول حياته ولا يمكن حرمانه منها" وهي تثبت للشخص منذ ولادته([157]) إلى حين وفاته، بل وقد تبدأ قبل ولادة الطفل، في نطاق محدود، وتمتد إلى ما بعد الوفاة حتى تسدد الديون وتصفى التركة.

ثانيا: أهلية الأداء :capacité d'exercice تنص المادة 208 من مدونة الأسرة على ما يلي:"أهلية الأداء هي صلاحية الشخص لممارسة حقوقه الشخصية والمالية ونفاذ تصرفاته، ويحدد القانون شروط اكتسابها وأسباب نقصانها أو انعدامها". فالشخص بموجب أهلية الأداء له الصلاحية في أن يباشر بنفسه التصرفات القانونية، التي من شأنها أن تكسبه حقا أو تحمله دينا على وجه يعتد به قانونا وبما أن  قوام هذه التصرفات هو الإرادة، فإنه يجب أن يكون الشخص متوفرا على درجة من التمييز تمكنه من القيام بالمعاملات والتصرفات القانونية([158]). و هذه الأهلية قد تكون كاملة أو ناقصة أو معدومة، فإذا كانت كاملة صح التصرف الذي يجريه الشخص، و إذا كانت ناقصة كان التصرف قابلا للإبطال، و إذا كانت معدومة كان التصرف مطلق البطلان([159]).

ومن العوامل التي يأخذها المشرع المغربي بعين الاعتبار في تحديد أهلية الشخص، نجد عامل السن، الذي يحدد مختلف مراحل التكوين العقلي لدى الإنسان، ومدى قدرته على التمييز والتفكير، بمعنى تأهيل الشخص لاتخاذ قراراته بنفسه، واختياره بمحض إرادته كل ما يراه صالحا لإشباع حاجياته. ومن هذا المنطلق قرر المشرع المغربي اعتبار "سن الرشد القانوني 18 سنة شمسية كاملة" حسب تعبير المادة 208 من مدونة الأسرة.

وتنص المادة 210 من نفس المدونة على أن :"كل شخص بلغ سن الرشد ولم يثبت سبب من أسباب نقصان أهليته أو انعدامها يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه وتحمل التزاماته". لأنه يفترض فيمن بلغ سن الرشد، تمام النضج العقلي وبالتالي القدرة بنفسه على إصدار إرادة سليمة، في حين "يخضع فاقدو الأهلية وناقصوها بحسب الأحوال لأحكام الولاية أو الوصاية أو التقديم بالشروط ووفقا للقواعد المقررة في هذه المدونة" حسب نص المادة 211 من مدونة الأسرة.

وإذا كان مناط الأهلية هو التمييز، لأن الإرادة الصحيحة لا تصدر إلا عن الشخص المميز، فإنه متى كان الفرد كامل التمييز اعتبره المشرع كامل الأهلية، ومتى نقص تمييزه كانت أهليته ناقصة، ومتى انعدم تمييزه انعدمت  أهليته([160]).  وفي هذا الصدد لابد من التذكير بأنه لا يجب الخلط ما بين الأهلية وبعض المفاهيم الأخرى، مثل الولاية على المال([161])، والمنع من التصرف([162])، وذلك لأن الأهلية تعد عنصرا من عناصر الحالة التي تميز الشخص عن غيره([163]).

 

ولكن " ليست السن هي العامل الوحيد الذي يربط به القانون صلاحية الإرادة وقدرتها في نطاق القانون. فقد تعوق هذه الصلاحية، رغم بلوغ سن الرشد، عوامل أخرى. فالقانون يجعل من إصابة الإنسان بمرض في عقله أو في حواسه، ومن شذوذ تصرفاته في إدارة أمواله ورعاية مصالحه، أساسا لافتراض عجزه عن الإرادة السليمة، وبالتالي سببا لانتقاص أهليته، ورده إلى مثل حال من لم يبلغ سن الرشد، من حيث قدرته على إبرام التصرفات القانونية، أي اعتباره فاقد الأهلية. ففقدان الأهلية إذن سبب لعيب التصرف القانوني على أساس عدم صلاحية إرادة فاقد الأهلية، أو بتعبير أدق عدم سلامتها، وهو سبب لبطلان التصرف القانوني في كل القوانين قديمها  وحديثها "، كما يعبر عن ذلك الأستاذ إدريس العلوي العبدلاوي.([164])

وبالرجوع إلى المادة 212 من مدونة الأسرة نرى بأن المشرع قد فرض إجراءات الحجر القانوني، على من ثبت فيه نقصان الأهلية أو انعدامها، ولقد حددت المادة 213 من نفس المدونة، فئات ناقصي الأهلية كما يلي:

"يعتبر ناقص أهلية الأداء:

1-الصغير الذي بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد.([165])

2-السفيه.

3-المعتوه".

في حين تصنف المادة 217 من نفس المدونة، منعدمي الأهلية في الحالات التالية:

"يعتبر عديم أهلية الأداء:

أولا: الصغير الذي لم يبلغ سن التمييز.

ثانيا: المجنون وفاقد العقل.

يعتبر الشخص المصاب بحالة فقدان العقل بكيفية متقطعة، كامل الأهلية خلال الفترات التي يؤوب إليه عقله فيها. الفقدان الإرادي للعقل لا يعفي من المسؤولية."

فالقاعدة العامة في القانون المغربي تنص على أن كمال الأهلية يكون ببلوغ الشخص سن الثامنة عشرة سنة، والمنطق يفترض أنه من الناحية القانونية يجب على الفرد أن يصل إلى هذه السن، دون أن يكون مصابا بعارض من عوارض الأهلية كالجنون والسفه، وما يلحق بهما من آثار تعيب تصرفاته، سواء تعلق الأمر بالاعاقة التي تصيب الجسم أو العقل،أو أية أسباب أخرى تجعله غير قادر على حسن التسيير أو التدبير كالغفلة.

والأصل أنه لا يجوز التعديل في أحكام الأهلية، أو الاتفاق على ما يخالفها، بل تجب مراعاتها وفق ما قرره المشرع، وعليه فإنه لا يجوز عن طريق الاتفاق منح الشخص أهلية لا يتمتع بها بحكم القانون، أو حرمانه من أهلية يخولها له القانون([166]). فإذا اتفق شخص مع آخر على التنازل عن أهليته في التصرف الوارد على عقار يملكه، كان هذا التنازل باطلا. وإذا باع القاصر عقارا وتعهد المشتري بعدم الطعن في البيع بعد بلوغ البائع سن الرشد، كان تعهده باطلا أيضا. وإذا وافق النائب الشرعي على أن يعتبر القاصر راشدا ويسلمه أمواله لإدارتها والتصرف فيها منذ بلوغه سن الخامسة عشر سنة، كانت هذه الموافقة عديمة الجدوى ومجردة من آثارها القانونية.

فأحكام الأهلية إذن وإن كان الغرض منها هو تحديد صفة الأشخاص المؤهلين لإبرام التصرفات القانونية، إلا أنها في الوقت نفسه تقرر حماية المصالح الخاصة للأفراد، لذلك يرى الفقه بأن أحكام الأهلية هي من صميم النظام العام([167]). وإذا كان المشرع المغربي لم ينص صراحة على هذه القاعدة، فإن القضاء أقرها في العديد من اجتهاداته الصادرة عن المجلس الأعلى الذي يرى بأنه: "…على المحكمة أن تثير من تلقاء نفسها… انعدام أو نقصان الأهلية التي يفترض القانون وجودها إلى أن يثبت العكس."([168])

ومن خلال ما سبق يتضح بأنه من الناحية القانونية، لا يعتد بتصرفات الشخص، إلا إذا تمتع بأهلية كاملة مع توفير الحماية القانونية لناقصي الأهلية وفاقديها، بموجب أحكام الوصاية والولاية الشرعية. ولقد اتفق فقهاء الشريعة الإسلامية على ضرورة أن يتمتع المتعاقدان بأهلية التصرف، حتى يعتد بعقدهما، وتترتب عليه الآثار الشرعية. ولكنهم اختلفوا حول بعض المسائل التفصيلية([169])، ومنها على سبيل المثال:

-اتفق الشافعية والحنابلة على اشتراط أن يكون العاقد بالغا راشدا، فلا يصح في اعتقادهم أن يصدر العقد عن الصغير الذي لم يبلغ، ولا من المجنون أو السفيه أو السكران. لكنهم اختلفوا في مسألة تصحيح عقد الصبي المميز والسفيه، إذا تم بإذن وليهما، فالحنابلة يقولون بتحقق الاختبار بتفويض البيع والشراء إليهما([170]) مصداقا لقوله تعالى: "وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن ءانستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم" (سورة النساء الآية6).

-يجمع الأحناف والمالكية على صحة العقد الصادر عن الطفل المميز والمحجور عليه بإذن الولي، والحنابلة يتفقون معهم في هذا الرأي، إلا أنهم يشترطون ضرورة صدور إذن الولي قبل العقد، في حين يقول فقهاء الحنفية والمالكية بجواز تصحيحه موقوفا على إذن الولي، فإذا أجازه صار لازما([171]).

-ولقد اتفق فقهاء المالكية والحنفية على صحة العقد الذي يجريه المكره في البيع، بينما يرى فقهاء الشافعية عدم صحته([172]).

-ويقول الشافعية وحدهم بأن بيع الأعمى لا يصح، إلا إذا تحقق بأن المعني بالأمر قد رأى الشيء الذي لا يتغير قبل أن يفقد بصره فإنه في هذه الحالة يصح بيعه وشراؤه. أما سائر المذاهب الأخرى فتتفق في مسألة جواز بيع الأعمى إذا وصف له المبيع وصفا دقيقا.

و في الواقع يظهر بأن الفقه الإسلامي يميز عادة ما بين ظاهرتي البلوغ و الرشد، فسن البلوغ مطلوب في النكاح و ما يتصل به، في حين أن سن الرشد مطلوب في المعاملات الخاصة بتداول الأموال.

 

أ- البلوغ:

البلوغ لغة يعني الوصول، أي وصول الشخص إلى مرحلة الإدراك، و في الاصطلاح يقصد به انتهاء حد الصغر([173]). و يرى فقهاء الشريعة الإسلامية بأن البلوغ يكون على نوعين:

-النوع الأول و هو البلوغ الطبيعي، حيث يقول الله سبحانه و تعالى: " و ابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح…"([174]) و في تفسير العلماء بلوغ النكاح هو بلوغ الشخص للحلم، و هو ما يؤكده حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم، الذي ذكر فيه: " رفع القلم عن ثلاث:-الصبي حتى يحتلم…"([175]) وعلى هذا الأساس فإن الفقهاء يحددون مظاهر البلوغ الطبيعي في الفتى أو الفتاة ، بظهور علامات على الجسم، و منها الإحتلام عند الذكر     وخروج دم الحيض و إمكانية الحمل بالنسبة للأنثى. وإذا لم  تظهر هذه العلامات فإن البلوغ يكون تقديريا.

-النوع الثاني وهو البلوغ التقديري، الذي يميز فيه الفقهاء ما بين الحد الأدنى والحد الأعلى لتقدير سن البلوغ. فالحد الأدنى لبلوغ الفتى هو سن الثانية عشر، وعند الفتاة هو سن التاسعة، في حين أن الحد الأعلى فهو محل خلاف بين الفقهاء، حيث يرى الجمهور بأن الحد الأعلى هو بلوغ الجنسين سن الخامسة عشر من عمرهما، في حين أن فقهاء الحنفية ينقسمون إلى فريقين:- الأول يعتبر بأن سن البلوغ التقديري هو السابعة عشر للجنسين معا.- أما الفريق الثاني فيرى بأن السن التقديري للفتاة هو السابعة عشر، وللفتى هو الثامنة عشر.

وبالبلوغ يكون الشخص قد تكونت لديه ملكة الإدراك، ويظهر ذلك بنضج القدرة العقلية والبدنية. ولهذا السبب جعل الاحتلام في الشريعة الإسلامية حدا فاصلا ما بين الصغر والكبر، لكونه دليلا على قوة الإدراك العقلي. والأصل أن أهلية الشخص للأداء تكتمل بمجرد كمال العقل، ولكنها اقترنت بالبلوغ  لأنه مظنة العقل. والأحكام تربط بعلل ظاهرة منضبطة، فالبالغ يعتبر عاقلا وأهلا للأداء، وبذلك تعتبر أقواله وأفعاله([176]). ولذلك فإن ربط الزواج بسن البلوغ يعتبر مسألة جد طبيعية، مادام أن الهدف الأساسي من الارتباط بين الأنثى والذكر، هو الاتصال الجنسي المشروع المؤدي إلى الانجاب. ونفس القول ينطبق أيضا على المعاملات المالية مصداقا لقوله تعالى: "ولاتقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده"([177]) ولقد فسر الإمام السيد قطب هذه الآية بقوله: "فعلى من يتولى اليتيم ألا يقرب ماله إلا بالطريقة التي هي أحسن لليتيم. فيصونه وينميه، حتى يسلمه له كاملا ناميا عند بلوغه أشده. أي اشتداد قوته الجسمية والعقلية. ليحمي ماله، ويحسن القيام عليه."([178]) والأشد في اللغة هو الاكتمال، فيقال بلغ أشده: اكتمل، وبلغ قوته([179]). والمنطق يقتضي أن يكون المستهلك بالغا ليعتد بتصرفاته من الناحية الشرعية، إلا أن الحماية تستوجب الحفاظ على سلامة الإنسان و صحته حتى قبل بلوغه، بل و أكثر من ذلك وهو جنين في بطن أمه، خاصة وأن السلع الاستهلاكية المتداولة حاليا، لا تميز ما بين المستهلكين من حيث السن أو البلوغ، فكل الأفراد مستهدفين، للرفع من قيمة السلع والبضائع وتنمية الأرباح المهنية وتوسيع حجم المقاولات.

ب-الرشد:

الرشد عند ابن عباس، و الحسن البصري، و سعيد بن جبير، والشافعية: هو الصلاح في الدين، وحفظ الأموال. وفي قول مجاهد هو العقل، أما عند فقهاء المالكية فإن هذا المصطلح يطلق على حفظ المال المصاحب للبلوغ. و يطلق أيضا على حفظ المال وإن لم يكن يصاحبه بلوغ([180]). ويقول الله عز وجل: "فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم"([181]). ويرى فقهاء الشريعة الإسلامية بأن الرشد يختلف حسب الظروف، فكلما تعقدت أمور الحياة ونظم الاقتصاد تأخر الرشد والقدرة على المحافظة على الأموال. لذلك يرى البعض بأنه لا يجب تسليم المال إلى الشخص بمجرد بلوغه حتى يثبت رشده، فإذا بلغ غير رشيد فإن الحجر عليه يستمر عند الجمهور، إلا أن الحنفية لا يتفقون مع القول الذي يذهب إلى تقرير الحجر على البالغ، باستثناء السفيه الذي تسلم أمواله ببلوغه سن الخامسة والعشرين.

والملاحظ أن الشريعة الإسلامية، أقرت مجموعة من الأحكام، لا يتسع المجال لذكرها في هذا الموضع، لتوفير الحماية لكل شخص ثبت بأنه غير مؤهل لأن يكون طرفا في العقد، وذلك من أجل الحفاظ على مصالحه، ووقايته من الغبن والاستغلال، الذي يمكن أن يؤثر على إرادته، ويؤدي به إلى ضياع أمواله وحقوقه. وكل ذلك يدخل في باب جلب المصالح ودرء المفاسد([182]).  وفي هذا السياق نطرح السؤال التالي: هل يجب الأخذ بعين الاعتبار هذه الأحكام لتحديد صفة المستهلك وتقرير ما إذا كانت تصرفاته صحيحة أو غير سليمة لعيب في الإرادة مثلا؟ إن الإجابة سوف تكون بالإيجاب قطعا، وذلك لأن المستهلك يتمتع بالشخصية القانونية، كما سبق الذكر، ولهذا السبب فإنه يخضع لأحكام الأهلية المدنية ، كما هي مطبقة في التشريع المدني. ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن لكل مستهلك الحق في إبرام جميع التصرفات القانونية واكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات، على النحو الذي يعتد به قانونا ولكن يظهر من الواقع السوسيو اقتصادي بأنه من الممكن جدا أن يكتسب الشخص صفة المستهلك، بغض النظر عن السن القانوني، ودون الأخذ بعين الاعتبار وضعه الصحي أو العقلي، أو حالته الاجتماعية. وعلى هذا الأساس نعتقد بإن نطاق تطبيق قانون الاستهلاك، لا يميز ما بين كامل الأهلية، وناقص الأهلية أومنعدم الأهلية، فالكل على حد سواء يتمتع بالحماية القانونية التي يمنحها المشرع للطرف الضعيف في العلاقة الاستهلاكية. غير أن هذه المسألة سوف تطرح دون شك إشكالية ضبط المفهوم الحقيقي للمستهلك.

المطلب الثاني: العجز البدني والعقلي

لقد بحث القضاء المقارن طويلا عن المعيار الثابت لمفهوم المستهلك، ومن الحلول التي استقر عليها القضاء البلجيكي([183])، معيار المستهلك العاديle Consommateur moyen  الذي يتلخص مظهره في الأخذ بالمعطى القانوني الثابت([184])، الذي يحدد الوصف الحقيقي لسلوك الفرد الاجتماعي ، المرتبط بظاهرة الاستهلاك، واعتماده كمعيار يقاس عليه، لتحديد صفة المستهلك، لأن هذا الوصف سوف يعبر عن النموذج الحقيقي للمجتمع الاستهلاكي. وعلى هذا الأساس يكون الاستهلاك هو السلوك الاعتيادي للشخص، وبالتالي فإن كل من يباشر فعل الاستهلاك يعد مستهلكا. وبتعبير آخر إن مفهوم المستهلك يضم كل شرائح المجتمع بدون استثناء، بل وإنه يطلق بشكل خاص على كل الأفراد الذين هم في حالة ضعف أو في ظل ظروف لا تسمح لهم بالإحاطة بكل الجزئيات الدقيقة للمواد التي يستهلكونها. وبالإضافة إلى ذلك فإن قانون الاستهلاك  وجد لحماية الجميع، بمن فيهم الساذج، والجاهل، والسفيه، والطائش، والمعوق، وغيرهم ممن ينطبق عليهم نفس الوصف، ولم يتم وضعه للاعتناء بالخبراء أو العارفين بخبايا الأمور. وهو الأمر الذي تؤكده استئنافية بروكسيل في قرارها الصادر بتاريخ 2 نونبر 1989([185])، الذي يقضي بأن: "قانون الاستهلاك لم يوضع لحماية المستهلك اليقظ والمتنبه، ولكن على العكس من ذلك وضع لحماية المستهلكين الذين يتميزون بضعف الإدراك والتكوين."

ومن المعلوم أن عجز الإنسان يقاس إما بحسب سنه، أو ضعف مستواه العلمي أو لقلة تجاربه في الحياة، أو نتيجة لفقره وعجزه المادي، أو بكل بساطة لعدم قدرته على فهم وإدراك بعض الأشياء، وبالتالي فإنه يكون غير قادر على التصرف بشكل عادي. والفرد الذي يوجد في إحدى هذه الحالات، هو الأولى بالحماية القانونية من غيره ([186]). ولكن ليس بالضرورة أن يكون المستهلك ناقص أو عديم الأهلية، لتنطبق عليه صفات الضعف أو الجهل أو العجز، بل قد يكون كامل الأهلية قادرا على إبرام جميع التصرفات بنفسه، ورغم ذلك فإنه يستحق الإستفادة من أحكام قانون الاستهلاك. فما هو إذن مصدر ضعف المستهلك؟ يرى بعض الدارسين([187]) بأن الأمر يقتصر على مصدرين اثنين وهما:                    أولا : المصدر البدني، كما هو الحال بالنسبة للمعوقين، وأولئك الذين تمنعهم أعمارهم من بلوغ درجة معينة من الإدراك كالأطفال والشيوخ والعجزة. غير أن العمر لا يعد معيارا كافيا لإثبات عجز الفرد، وإنما يعتبر فقط إشارة أولية تجعلنا نعتبره قرينة بسيطة لإثبات الضعف([188]). فالإنسان المتقدم في السن، عجزه لا يرتبط فقط بضعف مستواه المعرفي، أو قدراته العقلية، وإنما قد يكون أيضا نتيجة لعدم استطاعته على فهم مكونات المادة الاستهلاكية، التي تدخل في تركيبها مجموعة من الأشياء المصنعة بصورة تقنية معقدة، لا يدركها إلا المتخصصون والخبراء. يضاف إلى ذلك مسألة انعزاله، أو بتعبير آخر إقصائه من مسلسل التطور الذي يعرفه المجتمع المتحضر( [189])، وعدم التفكير في إدماجه وإعادة تأهيله، لكي يصبح قادرا على التأقلم مع نمط العيش الجديد. أما بالنسبة للأطفال، فإن معيار التمييز والإدراك لديهم، يرتبط ببلوغهم سن الرشد القانوني، حسب ما تنص على ذلك القوانين المدنية، كما سبق الذكر.

وبالإضافة إلى العمر، هناك المصدر العقلي الذي قد يشكل عاملا من عوامل ضعف المستهلك. وهو كل ما يتعلق بالمرض الذي يجعل العقل عاجزا عن التصرف الصحيح، وفي هذا النطاق يمكن الحديث عن المجنون والسفيه.

ثانيا: المصدر السوسيو اقتصادي، ومظهره الوضيعة الاقتصادية والاجتماعية لبعض الأفراد أو الأسر، التي تجعلهم في المراتب الدنيا من السلم الاجتماعي. حيث نلاحظ بأن هناك العديد من العائلات ذات الدخل المحدود، لا تستطيع إعالة أفرادها. و وصفها بالضعف يرجع إلى عدة أسباب أهمها:

1-إن العائلات الفقيرة تعترضها مجموعة من الصعوبات الاقتصادية نجملها فيما يلي:

 

-انعدام التجهيزات الضرورية في المناطق التي تقطنها العائلات المحدودة الدخل، وهو الأمر الذي يعيق مسألة انتعاش الاستهلاك.

-صعوبة تنقل الأفراد.

-ضعف نسبة التعليم، وانعدام الوسائل التي تتيح ذلك، الشيء الذي ينتج عنه عدم فهم الظواهر الاقتصادية والمقتضيات القانونية الجاري بها العمل بالشكل الصحيح.

2-هيكلة السوق بالصورة التي لا تساعد المستهلكين ذوي الدخل المحدود على تغيير عاداتهم الاستهلاكية نحو الأفضل. ومن آثار هذه الوضعية نجد:

-انعدام الادخار.

-إجبار الأفراد على الاقتناء بالقروض.

-غياب الأجهزة الضرورية لحفظ وصيانة المنتجات والسلع.

-عدم القدرة على توقع التكاليف المحتملة.

-عدم معرفة كيفية تسيير الميزانية البسيطة، وعقلنة النفقات.

3-الاستغلال الذي يمارسه المهنيون، وبعض أرباب الإنتاج على المستهلكين، ومن مظاهره نذكر:

-الثقة المفرطة التي يضعها المشاهد في الإعلانات التجارية وتوصيات البائعين.

-عزوف الأفراد، لسبب أو لآخر عن طلب المعلومات الخاصة بالمنتجات، والتي تعد ضرورية للتعرف على المواد والسلع.

-عدم الاهتمام بمقارنة جودة السلعة، بالثمن الذي تباع به، قبل اتخاذ القرار لشرائها.

ويضاف إلى هذه الأسباب تغير مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية، التي أصبحت تتميز بنوع من الغموض والتعقد، نتيجة لتطور وسائل وتقنيات العيش. لذلك نعتقد بأنه في إطار قانون الاستهلاك لا يجب حصر الفئة، التي يمكنها الإستفادة من امتيازات الحماية القانونية، في الأشخاص ذوي الدخل المحدود، لأن كل شخص كيفما كان وضعه الاجتماعي، معرض لأن يكون ضحية لتعسف المهنيين، وخداع بعض المنتجين. لكن هل يمكن أن نتصور بأن كل شخص مهما كانت صفته يعد مستهلكا حتى وإن كان يتمتع بقدر لا بأس به من التجربة والخبرة في الحياة الاقتصادية؟

الفرع الثاني: مظاهر الضعف الاقتصادي

إن الوضعية الاقتصادية لبعض الأشخاص، مثل المهني والمدخر (المطلب الأول)، تجعل من الصعب الحسم في إشكالية امتداد مفهوم المستهلك. كما أن ارتباط بعض الأفراد بخدمات المؤسسات العمومية (المطلب الثاني)، يزيد الأمر تعقيدا، يصعب معه ضبط المعنى الحقيقي للعلاقة الاستهلاكية. ولقد اخترنا دراسة هذين النموذجين، للوقوف على مدى إمكانية التوسع في معنى الاستهلاك، وبالتالي امتداد مفهوم المستهلك.

المطلب الأول: خصوصية المهني والمدخر

ليس من السهل الجزم بأن كل فرد هو مستهلك، لمجرد أنه إنسان ولا سيما بالنسبة للشخص الطبيعي، وذلك لأن وضعية بعض الفئات الاجتماعية، لا تسمح لهم بالاستفادة من التعريف الضيق للمستهلك، كما هو الحال بالنسبة للمهني الذي يتصرف خارج نطاق أنشطته المهنية (الفقرة الأولى)، والمدخر الذي يتميز وضعه القانوني بالغموض (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: المهني خارج نطاق اختصاصاته

المهني شخص عادي، لا يمكنه أن يلم بخبايا الأمور والأشياء بشكل تام، حتى وإن تعلق الأمر بنشاطه الرئيسي. فالظروف التي تحيط بعالم الإنتاج والتسويق، تتغير وتتطور بصورة سريعة جدا، وهو الأمر الذي يلزمه بضرورة التقيد بقاعدة تكامل الاختصاصات، وطلب الاستفادة من خدمات أو منتجات الغير من أجل تنمية إنتاجه والرفع من مدا خيله. وذلك يعني أن المهني يخرج من دائرة تخصصه، ولو بصفة مؤقتة، حيث يفرض عليه في بعض الحالات أن يتصرف في مجال يختلف عن القطاع الذي يمارس فيه نشاطه، وإن ارتبط ذلك الأمر بعمله المعتاد([190])، فمثلا التاجر الذي يضع جهاز الإنذار في محله التجاري، هل يعتبر في هذه الحالة مستهلكا؟ لقد قرر القضاء الفرنسي، اعتبار الشخص الذي يتصرف خارج نطاق اختصاصاته المهنية، مستهلكا من وجهة نظر عدم تخصصه المنتظم والاعتيادي، في المجال الذي تصرف فيه بنية الاستهلاك. وهو الأمر الذي أكده التقرير الصادر عن محكمة النقض الفرنسية([191])، التي اعترفت للوكيل العقاري بصفة المستهلك، عند إبرامه لعقد يخول له الحصول على تقنية خاصة ترتبط بشكل مباشر بطبيعة نشاطه المهني، لكنها لا تدخل في مجال تخصصه، ومن هذا المنطلق نستخلص بأن المهني الذي يبرم عقدا، أو يباشر تصرفا قانونيا في إطار يخرج عن نطاق اختصاصاته المهنية، يعد مستهلكا، شريطة أن يكون لهذا التعاقد شأن يرتبط بالمهنة التي يمارسها. غير أن هذا الاستنتاج لا يمكن أخذه كقاعدة عامة، وذلك لأن نفس الهيئة القضائية الفرنسية، لم تعترف بصفة المستهلك لبعض المهنيين، الذين يمكن أن تطبق عليهم نفس الحالة. إذ لم تخول محكمة النقض للمؤمن([192]) إمكانية الاستفادة من أحكام قانون الشروط التعسفية، الصادر بتاريخ 10 يناير 1978، عند ما تعاقد مع وكالة متخصصة في بث ونشر الإعلانات التجارية بغية التعريف بنشاطه([193]).

ولقد أدى هذا التضارب في الاجتهادات القضائية الفرنسية، إلى عدم تبني مفهوم  "المهني- مستهلك "Professionnel consommateur  بشكل مطلق.  هذا  الوضع  دفع  بعض الدارسين([194]) إلى التفكير في البحث عن معيار آخر، لتحديد وضعية المهني القانونية، أثناء تعاقده في إطار يخرج عن نطاق اختصاصاته. ومن هذا المنطلق ارتأى الفقه الفرنسي،

 

أن يعتمد على معيار التخصص المهني، الذي يستند على فكرة الاحتراف المهني، أو بتعبير آخر الممارسة الاعتيادية للنشاط المهني([195]). ففي إطار معاملاته التجارية مثلا، لا يقتصر المهني، على مبدأ وحدة الاختصاص لإبرام العقد أو إجراء التصرف وإنما يعتمد أيضا على الوسائل التي تتيح له الاستفادة من كل المؤهلات التقنية المتقاربة في مختلف الأنشطة، للتوصل إلى ما يمكن أن يصطلح عليه بتكامل الاختصاصات، وذلك حتى يتمكن من الانتفاع من كل الامتيازات المحتملة لحسن تسيير مؤسسته أو تجارته، وفي هذا الإطار فإن المهني يحتفظ بصفته هذه في جميع المعاملات التي يبرمها مع غيره من ذوي نفس التخصص، في المجال الذي يمارس فيه نشاطه، أو مع باقي المهنيين أصحاب الاختصاصات المماثلة أو المتكاملة. وبما أن التعامل في ظل هذه الأنشطة الأخيرة، لا يفترض فيه معرفة أي كفاءة تقنية لازمة لإجراء التصرف، أو لإبرام العقد، فإنه بإمكان المهني أن يستفيد من مقتضيات الحماية التي يخولها القانون للمستهلك([196]).

وعلى خلاف ذلك، اعتمدت المدرسة البلجيكية([197]) على رؤية اقتصادية لتحديد وضعية المهني في الحالات الخاصة، و يتلخص مدلولها في أن المهني الذي لا يبلغ سقف الحد الأدنى من رقم المعاملات، الذي تحدده السياسة الاقتصادية لتمييز أصحاب الهيمنة داخل الأسواق، هو الأمر الذي يمكنه من أن يتمتع بصفة المستهلك([198]).

ولقد أقر الاتحاد الأوروبي ضرورة توسيع فكرة تمتع المهني بصفة المستهلك، عندما اعتبر بأن كل شخص طبيعي يتصرف لتحقيق أغراض ذاتية حتى وإن كانت خارج نطاق نشاطه المهني أو التجاري، فإنه يعد مستهلكا([199]).

وأمام غياب الإجماع على تحديد مفهوم "المهني- مستهلك"، يصعب في رأينا رسم معالم الوضعية القانونية للمهني، الذي يكون طرفا في عقد أو تصرف قانوني، يربطه مع غيره من المهنيين أو الأشخاص العاديين، بغرض تسيير أعماله أو أنشطته المهنية. وذلك لأن تصرفات المهني، لا تخضع لنفس القواعد، حيث نجد حالات ينحصر فيها التصرف على ذات النشاط المهني للشخص، وهنا نعتقد أنه لا خلاف في أن يحتفظ المهني بصفته هذه بشكل ثابت. إلا أنه توجد حالات أخرى، كما سبق الذكر، ينصب فيها التعامل على الأشياء التي تخرج عن نطاق تخصصه، فهل يشفع له ذلك للتمتع بحماية قانون الاستهلاك؟

نعتقد بأن الوضعية القانونية لكل فرد، لا تخرج عن الوضع الاجتماعي الذي يعيش فيه، فالتاجر مثلا في ظل أي نظام اقتصادي يحتفظ بوضعه المهني حتى وإن تصرف بشكل اعتيادي لإشباع حاجياته الخاصة، المرتبطة بتجارته ولو بصورة غير مباشرة([200]). وذلك لأن نشاطه المهني يفرض عليه في بعض الأحيان تقديم الحجج والأدلة لتبرير نفقاته تجاه الإدارة الضريبية، وبالتالي فهو يعد تاجرا في كل معاملاته، الشيء الذي قد يطرح احتمال حرمانه من صفة المستهلك، وإن كانت بعض تصرفاته قد تم إبرامها خارج نطاق تخصصه المهني. ولهذا السبب نرى بأنه من أجل تحديد التكييف القانوني للمهني، في إطار مادة الاستهلاك لابد من توفر شرطين أساسيين:

الشرط الأول: لابد من الأخذ بعين الاعتبار كل الظروف التي تحيط بالمهني وقت إبرام التعاقد أو التصرف.

الشرط الثاني: يجب أن يكون القصد من التصرف هو تحقيق إشباع ذاتي لا غير.

ولكنه بالرجوع إلى معيار عقد الاستهلاك، الذي تتبناه النظرية الموضوعية لتعريف المستهلك، نلاحظ بأن الشخص قد يجمع ما بين الصفتين معا، المهني والمستهلك في آن واحد. وإذا كان المنطق يفترض بأن المهني يعد مستهلكا في الفترة التي يتصرف فيها خارج نطاق اختصاصاته المهنية، فهل يمكننا وصف المهني بحالة الضعف؟([201]) والمعنى المقصود من هذا التساؤل، هو تحليل الوضعية أو الحالة التي يوجد فيها المهني خارج نطاق تخصصه، أثناء إبرامه العقد أو التصرف، أو على الأقل محاولة التأكد من أن معرفته بالأشياء والمواد المتعاقد عليها، لا تبلغ المستوى  المطلوب الذي يجب أن يتمتع به المهني لتسيير وإدارة أعماله. وحالة الضعف هذه قد ترتبط بعدة أسباب تجرده من خبرته في مجال المعاملات الاقتصادية، منها أسباب اجتماعية واقتصادية، وأخرى مهنية وقانونية، بل ويمكن الحديث أيضا عن وجود أسباب نفسية. والمستهلك حقيقة هو الذي يستجمع كل النواقص المعرفية، أو بعضا منها، في نفس الوقت، لأن كفاءة المستهلك وقدرته على تمييز جودة أو صلاحية المواد المستعملة للاستهلاك، أو اختيار أنواع المعاملات التي تجلب له المنفعة الذاتية، هي أقل بكثير من خبرة المهني في هذا المجال، ولأن المهني نفسه على الرغم من قلة معرفته في مجال معين إلا أنه لا يستطيع الاحتجاج بعدم قدرته على تحديد قيمة الأشياء، أو فهم شروط التعاقد، إذا تعلق الأمر بتصرفات في إطار التعامل المهني، والقول بغير ذلك يعني بأن كل مهني ثبت بأنه في حالة الضعف سوف يتعرض لمشاكل تعترض السير الجيد لأعماله وأنشطته المهنية([202]). وكما جاء في تعبير الأستاذ J.C. Auloy : "من الخطأ أن يتمتع المهني بحماية قانون الاستهلاك، في الحالة التي يتعاقد فيها لأهداف أو أغراض مباشرة، أو تبعية تتعلق بتسيير مقاولته، نظرا لقدرته على استشارة الخبراء المهنيين في كافة الأحوال…"([203]) وهو الأمر الذي تمت الإشارة إليه في المواد 7، 8، 33، 34، 36 من القانون الفرنسي المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، الصادر بتاريخ 1 دجنبر 1986([204])، حيث تنص هذه المواد على ضرورة توضيح وبيان سعر المنتجات، وشروط التعاقد فيما بين المهنيين بالصورة التي تمكن المتعاملين من التعرف على طبيعة أو نوعية التعامل. وتحدد أيضا نطاق حقوقهم وحدود التزاماتهم. وبالرجوع إلى المادة الأولى([205]) من المرسوم الصادر بتاريخ 4 أبريل 1991من أجل تطبيق قانون 13 دجنبر 1989 المتعلق بتنمية المقاولات التجارية والحرفية، وتطوير نطاقها الاقتصادي والاجتماعي والقانوني، نلاحظ بأن المشرع الفرنسي قد أخذ بمعيار العلم المسبق الذي يجب أن يحصل عليه المهنيون، من أجل معرفة كل البيانات والمعلومات التي تتعلق بالعقد أو التصرف قبل إبرامه. وفي السياق نفسه تنص المادة 52 من القانون المغربي المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة على ما يلي: "يجب على كل منتج أو مقدم خدمات أو مستورد أو بائع بالجملة أن يخبر كل من يشتري منتجا أو يطلب تقديم خدمة([206]) لأجل نشاط مهني فيما إذا طلب ذلك بجدول أسعاره وشروطه بيعه.

وتشمل هذه الشروط المتعلقة بالتسديد أو ضمانات الأداء وإن اقتضى الحال التخفيضات الممنوحة أيا كان تاريخ تسديدها.

يتم الإخبار المذكور بأي وسيلة مطابقة لأعراف المهنة"

وتمنع المادة 54 من نفس القانون على كل منتج أومستورد أو بائع بالجملة أو مقدم خدمات: "2-أن يمتنع من تلبية طلبات مشتري المنتجات أو طلبات تقديم الخدمات لأجل نشاط مهني إذا لم يكن لهذه الطلبات أي طابع غير عادي وكانت مقدمة عن حسن نية.

3-أن يوقف بيع منتوجات أو تقديم خدمة لأجل نشاط مهني إما على شراء منتوجات أخرى في آن واحد وإما على شراء كمية مفروضة وإما على تقديم خدمة أخرى."

ومن خلال ما ذكر أعلاه يتضح بأن القانون قد خول للمهني حماية مشروعة، حتى في إطار تعامله من أجل نشاطه المهني، كمشتري لبضاعة أو طالب خدمة، من مهني آخر. وخلاصة هذا التحليل، أنه من الصعب إيجاد وسيلة تمكن المهني من التجرد من صفته هذه ليصبح مستهلكا، وعلى هذا الأساس يصبح التفكير في دراسة الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للشخص، أمرا ضروريا لتحديد المفهوم العام والشامل للمستهلك، بشكل يحقق التلاؤم والتجانس بين جميع الحالات التي تظهر فيها الغاية الاستهلاكية([207]) للمهني وقت التصرف أو التعاقد.

الفقرة الثانية: المدخر

الادخار هو جزء من الدخل يحتفظ به لوقت الحاجة، ولا يستهلك إلا عند الضرورة([208]). وحسب النظرية الاقتصادية تظهر حالة الادخار في صورتين:

الصورة الأولى: وهي التي تظهر الادخار كعنصر من عناصر الأصول المكونة لرأس المال Epargne active، وهو ما يصطلح عليه اسم الادخار المتحرك، الذي يستغل لجني الأرباح، ومثال ذلك التأمين على الحياة، والاستثمارات التي ترد على الأحجار الثمينة. والإدخار بهذه الصورة يختلف عن الاكتناز لأن المدخر عندما يكتنز جزءا من مداخليه، لا يستعمل هذه المدخرات كجزء من رأس المال الذي يقوم بترويجه، واستغلاله قصد الربح، وإنما يجمدها لتنميتها والزيادة فيها، أي أن نيته تنصرف إلى عدم صرفها والحرص على عدم انقراضها، وهذا عكس المداخيل التي تصرف، وتستنفذ قيمتها للإنتفاع بها.

الصورة الثانية: وفيها يتخذ الادخار صورة الدين Epargne passive، ويقصد به المفهوم التقليدي للادخار، بمعنى وضع جزء من المداخيل جانبا، للانتفاع بها في وقت لاحق، وهو الجزء الذي يشكل الاحتياط النقدي، المحتفظ به للاستعمال أو الاستخدام المستقبلي. وفي هذه الحالة يجب التمييز ما بين الحاجيات الآنية، والحاجيات التي تفرض ذاتها في المستقبل، حيث أن المبالغ التي يحتفظ بها، تبقى لوقت قصير أو طويل أو متوسط الأجل، بعيدة عن الدورة الاقتصادية بشكل تام، ويتم التضحية بها في الحاضر من أجل إنعاشها في المستقبل القريب أو البعيد. فعلى أية صورة يجب التركيز لوصف المدخر بالمستهلك؟

حسب التعريف الاقتصادي للمدخر، نعتقد بأنه لا مجال للحديث عن مفهوم "المدخر-مستهلك"، لأن الفرد الذي يجمد جزءا من مداخليه، كاحتياط ينفعه في وقت الحاجة، وهو الزمن الذي يتحدد في المستقبل مهما كانت مدته أو أجله، يبدي عدم رغبته في الاستغناء عن مدخراته، التي ينوي الحفاظ عليها كثروة، وإن كان هذا القرار يؤثر على سلوكه العادي في إشباع الحاجيات الخاصة. وبالنظر إلى مفهوم الاستهلاك الذي يقتضي ضرورة حصول نفاذ قيمة الشيء بعد استعماله، نلاحظ بأن هذه الصورة لا تنطبق على عملية الادخار التي تجعل من المدخرات مالا غير مستعمل. ومن هذا المنطلق، نتسائل عن الحكم الذي يمكن تطبيقه على المدخر في الوقت الذي يقرر فيه استعمال مدخراته، لإشباع حاجياته الذاتية؟ فهل يعتبر المدخر مستهلكا في هذه الحالة؟ يرى بعض الباحثين([209]) بأنه يجب اعتبار المدخر مستهلكا حتى وإن لم يستعمل مدخراته، لأن الادخار ما هو إلا استهلاك مؤجل Consommation différée، والمدخر يحتفظ بقدرته الشرائية، للانتفاع بها في وقت لاحق، والسبب في ذلك يرجع إلى كون منتجات الإدخار توصف كغيرها من المنتجات الصناعية والفلاحية وكل ما يصلح استهلاكه، سواء بصورة فردية أو جماعية([210]). وعلى هذا الأساس يعتقد أصحاب هذا الرأي بأن المدخر يعتبر مستهلكا، في الحالة التي يتعامل فيها مع المهني، لأنه يفتقد المعرفة والخبرة التي تخول له القدرة على تمييز طبيعة أو نوع المعاملة، وهو الأمر الذي يتطلب الاعتراف له، بنفس درجة الضعف التي يوجد عليها المستهلك عموما في الظروف العادية، ولهذه الغاية يجب تمتيعه بحماية قانون الاستهلاك([211]).

إن الادخار حسب علمنا، يتميز بخاصية سلبية، بالنظر إلى الوضع الذي يوجد عليه المال المدخر، حيث يغيب عنصر الإنفاق، أي الاستهلاك. وفي اعتقادنا لا يمكن ربط الادخار بالاستهلاك الذي قد يحصل مستقبلا، وقد لا يتحقق نظرا لعدم إمكانية العلم المسبق بمصير هذا المال الذي وضع تحت الادخار. ومن غير المعقول أن نصف الشخص بصفة المستهلك الاحتياطي، على أمل استهلاك منتوج الادخار، وفي نفس الوقت نعتبره مستهلكا عاديا، كما لو أن المدخر يتمتع بامتيازات قانونية خاصة إذ يملك جميع الصلاحيات للاستفادة من أحكام  الادخار   وحماية قانون الاستهلاك وقت ما شاء، ولهذا السبب نوافق الرأي الذي

 

 ينفي صفة الاستهلاك المؤجل عن المدخرات، حيث يرى بعض الدارسين([212])، بأنه لا يمكن اعتبار المدخر بمثابة مستهلك حقيقي، وذلك نظرا للتناقض الذي يوجد ما بين مفهومي الادخار والاستهلاك. فالمظهر الاقتصادي لوظيفة الادخار، يختلف عن الظروف التي تحيط بفعل الاستهلاك. وذلك يعني بأن الفرق يتحدد في غاية الفعل الذي يقصده الشخص من وراء كل تصرف يبرمه. وفي هذا الصدد يرى الأستاذ J.C.Auloy بأن: "الخلاف الذي يوجد ما بين المدخر والمستهلك، هو أن الأول يحاول تجنب الافتقارAppauvrissement ، في حين أن الثاني ينفق في كل وقت ولو بدون إسراف."([213])

ومن الواضح جدا أن تصرفات المدخر تختلف عن تصرفات المستهلك من حيث القصد الذي يبتغيه كل واحد منهما، فإذا كان الأول يبحث عن الإثراء، بمحاولة جلب دخل من الجزء الذي يدخره، وبفضل عدم صرفه في الاستهلاك،  فإن الثاني  يفتقر بهدف  إشباع حاجياته الضرورية حسب ما تقتضيه ظروف معيشته وحسب المفهوم الاقتصادي، يتم تصنيف المستهلك ضمن فئات الخصوم، في الوقت الذي يوضع فيه المدخر مع العناصر التي تكون الأصول([214]). وبالنظر إلى هذا الواقع نخلص إلى ما يلي: إنه من الصعب الجمع ما بين مفهومي الادخار والاستهلاك، لذلك نجد بأن القانون يتعامل مع كل حالة بمقتضيات مختلفة، لكن هذا لا يعني إقصاء المدخر من حماية القانون في مواجهة المؤسسات المالية. وكما يرى بعض الدارسين([215]) فإن المدخر لا يعد مستهلكا في الجانب الذي يتعلق بمعاملاته المرتبطة بأمواله المدخرة، غير أنه يجب أن يأخذ نصيبه من الحماية التي يقررها قانون الاستهلاك في الجوانب الأخرى من تصرفاته التي لا علاقة لها بمدخراته، وإنما ترتبط أساسا بإشباع حاجياته الذاتية، لأنه يجب أيضا الأخذ بعين الاعتبار بأن المدخر يوجد في مرتبة وسطى ما بين المستهلك والمهني([216]). فهو لا يمارس الادخار كنشاط اعتيادي([217])، ولا يستغني عن أمواله دائما للإنفاق على المعيشة الاستهلاكية. والملاحظ أنه في الدول المتقدمة، مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، أصبح الادخار بمثابة نشاط شبه ضروري، إلى درجة أن بعض الأفراد، إن لم نقل أغلبهم، أصبحوا لا يستغنون عن المزايا الاقتصادية التي يجلبها الإدخار، في ظل نظام الاقتصاد الحر.

المطلب الثاني: مستعمل المرفق العام

لقد لعبت الدوائر الحكومية دورا متميزا في تسيير شؤون المواطنين،كما أن مفهوم تدخل المؤسسات العمومية في تدبير الصالح العام مع تطور تزايد احتياجات الفرد، التي لا يستطيع توفيرها بمفرده، ومع اندلاع الثورة الاشتراكية أيضا، أصبح للدولة دور أكبر في كل القطاعات الحيوية، لا سيما الاقتصادية منها  والاجتماعية.  لكنه  في أواخر  القرن العشرين انحصر دورها نتيجة لتوسع مفهوم التجارة العالمية، الذي يعتبر القاعدة الأساسية لتحفيز المقاولات الاقتصادية من أجل السير نحو التطور، وبالتالي تعزيز دورها في إنعاش الاقتصاد الوطني. وعلى هذا الأساس قامت بعض الدول النامية ومنها المغرب، بخوصصة المؤسسات العمومية([218])، لمنح القطاع الخاص فرصة للمساهمة في تطوير آليات السوق الاستهلاكية، وذلك بتوجيه من الولايات المتحدة الأمريكية، التي تدافع عن سياسة التبادل الحر، وتنادي بضرورة رفع الحواجز الجمركية، لأنها تعيق المنافسة، ولا تساعد على التنمية الاقتصادية، ولقد تم تحقيق هذا الهدف بالتوقيع على اتفاقية الغات، التي توجت فيما بعد بتأسيس المنظمة العالمية للتجارة.

غير أن هذا الانكماش الذي عرفته الدولة، لم يمنع أجهزتها من خدمة مصالح المواطنين، إلى جانب المقاولات الخاصة، عن طريق العمل على توفير حاجيات الأفراد الضرورية، وتلبية مطالبهم الأساسية،  التي  لا يمكن  الاستغناء  عنها،  مثل الماء  الصالح للشرب، والكهرباء، والهاتف، والطرق، إلى غير ذلك من القطاعات التي تتطلب تكاليف باهضة في التسيير والإدارة وفي هذا السياق لا بد من التذكير بأن الدولة أصبحت تعتني بالمظاهر الاقتصادية الجديدة، فيما يتعلق بالكيفية التي تقدم بها خدماتها للعموم، وذلك بالاعتماد على نفس الوسائل التي تستعملها المقاولات الخاصة في التعريف بمنتجاتها، أو خدماتها، مثل إعلام المستهلكين، والدعاية التجارية، والاعتناء بالجودة. وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن المؤسسات العمومية فرضت نفسها كفاعل اقتصادي حقيقي في سوق العرض والطلب. ولكن هل يعني ذلك بأنه في مثل هذه الحالة يمكن أن تتخذ الإدارة وصف المهني؟ وهل يعقل أن يطلق اسم المستهلك على مستعمل المرفق العام؟([219])

لقد اتجهت بعض التشريعات المقارنة، مثل النرويج([220])، والبرازيل([221])، وكندا([222]) إلى إطلاق وصف المستهلك على مستعمل المرفق العام، في حين رفض المشرع الفنلندي([223]) الاعتراف بذلك. وفي اعتقادنا يرجع سبب هذا الاختلاف، إلى خصوصية الوظيفة الاقتصادية التي تقدمها المرافق العمومية. وبالإضافة إلى ذلك فإن الشكل الذي تتعامل به هذه المؤسسات، من أجل خدمة مصالح الفرد، لا يساعد الباحثين على حل إشكالية مفهوم مستعمل المرفق العام، بالنظر إلى فعل الاستهلاك الذي يؤديه الشخص.

ويرى الفقه الفرنسي أن مستعمل المرفق العام، هو المستفيد من خدمات المرافق العمومية.([224]) وفي نفس الاتجاه يرى القضاء الفرنسي بأن :"مستعمل المرفق العام هو الذي يستفيد من خدمات المصلحة الإدارية المعنية بالأمر…."([225]). فالإدارة حسب ما يستفاد من هذين الموقفين تسعى دائما إلى تحقيق الصالح العام ، عن طريق إشباع حاجيات الأفراد الاقتصادية والاجتماعية، لذلك تتولى تقديم مجموعة من الخدمات([226])، يمكن تلخيصها فيما يلي:

أولا: الخدمات الإدارية المحضة، التي يستفيد منها الفرد بصفته مواطنا، في إطار العلاقة التي تجمعه بالإدارة، وتشرف عليها مجموعة من المرافق العمومية، في نطاق ممارسة الوظيفة الإدارية، مثل مصالح الأمن، والصحة، والدفاع، والتعليم…إلخ، وهذه الخدمات هي التي تتولى الدولة بنفسها مهمة إدارتها وتسييرها.

ثانيا: الخدمات ذات الطابع الاقتصادي، وهي التي تخول للدولة إمكانية ممارسة بعض الأنشطة التجارية والصناعية، مثل توزيع الماء والكهرباء، وتقديم خدمات البريد والهاتف، وتسيير شبكة المواصلات عبر السكك الحديدية أو الطرق السيارة…إلخ. وفي هذا السياق يمكن القول بأن علاقة الفرد بالإدارة، تشبه تلك العلاقة التي تربط التاجر بزبونه.

وحسب هذا التصنيف نميز ما بين مستعمل المرفق العام الإداري (الفقرة الأولى)، ومستعمل المرفق العام الاقتصادي (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مستعمل المرفق العام الإداري

يقصد بالمرفق العام الإداري، تلك الإدارات والمصالح التي تعنى بخدمة المصلحة العامة، وتباشر مهمة تطبيق القواعد القانونية والتنظيمية على العلاقة التي تربط ما بين المواطن والدولة، بواسطة موظفين يتم تعيينهم لهذا الغرض. وعلى هذا الأساس فإن الإدارة العمومية تخضع للقانون العام، وليس للقانون الخاص. ومن خلال هذا التحليل، يمكن القول بأنه مبدئيا لا يجوز تطبيق مقتضيات قانون الاستهلاك، على العلاقة التي تجمع ما بين الفرد والإدارة([227])، لاسيما وأن الهدف الأساسي الذي تسعى إليه الدولة، من خلال مباشرتها لمهام تسيير المرافق العامة، هو إشباع الحاجيات المشتركة للعموم. كما أن مفهوم الخدمة العامة، لا

 

يمكن تحديده إلا بالاعتماد على خصائص النشاط الذي تقدمه الدولة، عن طريق الخدمات التي تعرضها الإدارة على المواطنين، أو بالنظر إلى طبيعة التعامل الذي يفرضه القانون في هذا الإطار، أو بالتركيز على مبدأ مجانية الخدمات الإدارية([228])، ومن هذا المنطلق يمكن استنتاج ما يلي:

-لا يمكن وصف الإدارة بالشخص المهني([229]).

-إن المواطن يخضع للالتزامات والواجبات التي تفرضها الدولة، والإدارة وحدها تملك سلطة تغييرها أو تعديلها في أية لحظة.  

-تختص المحاكم الإدارية بالنظر في النزاع الذي يكون المرفق العام الإداري طرفا فيه.

ومن ذلك يتضح بأنه لا يمكن وصف مستعمل المرفق العام الإداري بالمستهلك، وبالتالي فهو ليس بحاجة إلى حماية قانونية خاصة مادام أن الدولة هي التي تراعي مصالحه. غير أن الواقع يصور لنا بعض الحقائق المغايرة، فالمرتفق يجد نفسه في بعض الحالات مجردا من كل الوسائل القانونية والمادية للدفاع عن نفسه أمام المصالح الإدارية المختصة بتقديم الخدمات، التي لا تتم إلا مقابل ثمن يلتزم المواطن بدفعه نظير انتفاعه بالخدمة المقدمة له. كما هو الحال بالنسبة للعلاج الذي يتلقاه المريض في بعض المستشفيات([230]) التابعة للدولة، وهو الأمر الذي يجعل إشكالية تحديد التكييف القانوني للعلاقة ما بين الإدارة والفرد، في إطار تقديم الخدمات الإدارية المحضة، تزداد تعقيدا.

إن مستعمل المرفق العام يتصرف في غالب الأحيان بدافع ذاتي([231])، وهو لا يبتغي من وراء تصرفه الحصول على ربح معين. ولكن إذا فرض عليه دفع مبلغ ما للانتفاع بالخدمات التي تحقق له إشباعا ذاتيا، فإن ذلك يعني أنه من الواجب  التفكير بصورة جدية، في البحث عن الإجراءات القانونية التي تحمي حقوقه، وتدافع عن مصالحه، في مواجهة سلطة الإدارة العمومية، وهو الأمر الذي أقره القانون الفرنسي([232])، وتبنته بعض الاتفاقيات الصادرة عن المجموعة الأوربية([233])، وذلك بالنص على توسيع نطاق تطبيق قانون الاستهلاك، ليشمل بعض الخدمات التي تقدمها المصالح العمومية.

غير أن الفقه يعتقد عكس ذلك ويرى بأنه من الضرورة الفصل ما بين الخدمات الإدارية التي يراد بها إشباع الحاجيات الفردية للمواطن، بشكل مباشر وذاتي، والخدمات التي يستفيد منها جميع المواطنين بصورة مشتركة. ففيما يخص الخدمات التي تقدمها الإدارة لشخص معين بذاته، يرى الأستاذ Rivero، بأنه من الممكن الحديث عن مفهوم المستهلك([234]) بالنسبة لمستعمل المرفق العام، مادام أن المواطن ينتظر من الدولة أن تحقق له الإشباع الذاتي لحاجياته الخاصة، وإن كانت الخدمات الإدارية في عمومها تعرض للانتفاع الجماعي. وفي هذه الحالة يجب أن يقتصر دور الإدارة على الاهتمام بالفرد فقط، لوحده دون غيره، وهذا الأمر قد يتطلب نوعية خاصة في التعامل مع بعض الأنشطة الإدارية،

 

التي تزاولها المؤسسات العمومية، ويجب اعتبارها بمثابة علاقة اقتصادية عادية، مثل التعاقد الذي يبرم ما بين الأفراد الطبيعيين بشكل عادي، حيث يفترض الأمر تميز هذه العلاقة بخاصية عدم التكافؤ ما بين الأطراف. لكن ماذا عن الخدمات الإدارية التي تقدم للانتفاع المشترك، ويستفيد منها جميع المواطنين؟ فهل يمكن وصف هذا النوع من الخدمات بالطبيعة المهنية؟

إن المواطن في ظل النظام الضريبي على سبيل المثال، لا يستفيد بشكل مباشر من الامتيازات التي تمنحها عائدات الضرائب، التي يتم تحويلها إلى خدمات يستغلها الجميع بصفة مشتركة. والدولة عندما تقدم خدماتها في هذا الإطار، لا تستهدف شخصا معينا بذاته، وإنما تسعى إلى تلبية حاجيات أجهزتها الإدارية، والمواطنين معا، فالكل يستفيد من الضرائب،  التي يدفعها الأفراد الطبيعيون والاعتباريون. والخلاصة هي أن المستهلك يتحمل عبء الضريبة مقابل الانتفاع بالمرفق العام([235]) وهو المبدأ الذي تطبقه التشريعات القانونية. ولهذا السبب لا نعتقد بأن المكلف بأداء االضريبة، يملك الحق في مواجهة الإدارة الضريبية، بصفته مستهلكا مطالبا بحماية قانون الاستهلاك.

فمن الصعب إذن وصف مستعمل المرفق العام الإداري بالمستهلك، لأنه ليس من المنطقي أن نتحدث عن استهلاك الخدمة العمومية، فالإدارة لا تعد شخصا مهنيا، في إطار العمل الإداري المحض، خاصة وأن ذلك يتعارض مع مبدأ المصلحة العامة، ولأن الاستفادة من الخدمات التي تقدمها الإدارة العمومية، لا تلائم الخاصية الأساسية للاستهلاك، الذي يقصد منه إشباع الحاجيات الذاتية، مع احتمال نفاذ قيمة الشيء الذي استعمل لتحقيق ذلك، والحال أن الخدمات العمومية لا تنقرض بمجرد الاستعمال.

الفقرة الثانية: مستعمل المرفق العام الاقتصادي

المرفق العام الاقتصادي هو كل مؤسسة تمارس نشاطا، له طابع تجاري أو صناعي، في إطار خدمة المصلحة العامة، مثل الشركات التي تقوم بتسيير المرافق التجارية، او الصناعية، أو المالية([236]). فالإدارة التي تقوم بتسيير المرفق العام، على عكس الجماعات المحلية، تتولى مهمة الإشراف على قطاع معين ذو طبيعة اقتصادية، ودورها ينحصر في تقديم الخدمات، التي يمكن الحصول عليها من هذا القطاع لفائدة المواطنين في شكل علاقات تعاقدية، وهو ما يشبه الدور الذي تقوم به المقاولات الخاصة([237]).

ولقد تبلور مفهوم المرفق العام الاقتصادي، مع ظهور الحاجة إلى توسيع أنشطة الإدارات العمومية، من أجل تلبية حاجيات المواطنين، بالشكل الذي يحقق توازنا ما بين الحقوق والواجبات. لذلك اهتمت الدولة بإدارة وتسيير المشاريع الاقتصادية، التي تتطلب مبالغ ضخمة من أجل تغطية حاجيات أكبر عدد من الأفراد. ولضمان عدالة اجتماعية حقيقية، في توزيع الموارد الأساسية والضرورية لعيشهم. ولهذا السبب أنشأت المقاولات العمومية للإشراف على هذا النوع من المرافق.

وأمام التحديات التي يعرفها تطور الأنظمة الاقتصادية، مثل حرية المنافسة وحماية المستهلك، أصبح من الضروري النظر بعين المساواة إلى كل من الأنشطة التي تقوم بها المقاولات العمومية، والمقاولات الخاصة، من حيث الطبيعة القانونية، على الرغم من وجود التيار([238]) الذي يدافع عن حصانة مفهوم الخدمة العامة، ويتمسك بدور الإدارة، الذي يجب أن يتميز بقيم غير اقتصادية.

وهو الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل عن مدى أهمية التمييز ما بين القانون العام والقانون الخاص؟ ألا يمكن تجاوز هذا الفارق، لصياغة مفهوم أوسع لما أصبح يعرف بالقانون الاقتصادي؟

لقد اتجه الرأي([239])الذي يؤمن بالقطاع الاقتصادي العام، إلى اعتبار أن المقاولة العمومية، هي مجرد وحدة قانونية ذات طبيعة خاصة، موضحا بأن المؤسسات العمومية ذات النفع الاقتصادي تنقسم إلى نوعين:

النوع الأول: ويشمل المؤسسات التي لها علاقة بالمرافق العامة العضوية services publics organiques، والتي تسمى بهيئات المنفعة العامة، أو أشخاص القانون العام.

النوع الثاني: ويضم عدة مؤسسات، تتنوع مسمياتها، حيث نجد مقاولات المساهمة العمومية Entreprises participations publiques، وشركات المبادرة العمومية sociétés d’initiative publiques والشركات الخاصة ذات الرأسمال العمومي.

وأمام هذا النوع والتعدد في المؤسسات التي تتولى تسيير المرفق العام الاقتصادي، ارتأى البعض([240]) استعمال مصطلح "المقاولة العمومية"، للدلالة على المفهوم الواسع للمرفق العام الاقتصادي.

وإذا كان الاختلاف واضحا في مسألة تحديد الإسم الذي يجب أن يطلق على المؤسسة العمومية، التي تمارس نشاطا تجاريا أو صناعيا، فإنه من الضروري الاتفاق حول تحديد الوظيفة القانونية للمرفق العمومي الاقتصادي. والملاحظ أن أغلب التيارات([241]) التي قامت بصياغة مفهوم "المقاولة العمومية"، أجمعت على ضرورة توفر ثلاث خاصيات مهمة، نجملها فيما يلي:

الخاصية الأولى: وجوب توفر العنصر التنظيمي في المقاولة. فمجرد التعبير بلفظ المقاولة، يوحي بوجود مجموعة من الموارد البشرية والمادية، المخصصة للإنتاج أو لتقديم خدمات معينة. وهذا العنصر يفترض ضرورة وجود استقلالية في التمييز، تخول إمكانية الفصل ما بين الهيئة الإدارية، و"المقاولة العمومية".

الخاصية الثانية: إن النشاط الذي تزاوله "المقاولة العمومية"، يتميز بالطابع الاقتصادي، وفي هذا الإطار يجب الرجوع إلى علم الاقتصاد، للوقوف عن قرب على مميزات هذا العنصر، من أجل استيعاب فكرة ممارسة النشاط التجاري، أو الصناعي، أو المالي، من قبل الإدارة، بل ويستحسن التركيز على تقنيات العمل الاقتصادي، بما في ذلك الإنتاج والتوزيع والنقل. والتحقق من وجودها في أنشطة "المقاولة العمومية".

الخاصية الثالثة: ضرورة ارتباط المقاولة بهيئة السلطة العمومية. فالمقاولة لا تكون عمومية إلا إذا كانت في ملك الدولة، أو أن هذه الأخيرة تشرف على إدارتها وتسييرها.

ومن خلال هذه العناصر، يمكن أن نستنتج بأن "المقاولة العمومية"، تقوم على فكرتين أساسيتين وهما: 1-ممارسة النشاط الاقتصادي، 2-استقلالية الهيئة الإدارية في التسيير. ونظرا لارتباط هذه المقاولة بنظام اقتصاد السوق، فإن ذلك يعني بأن معاملاتها وعلاقاتها التعاقدية مع الغير، لا بد وأن تخضع لضوابط قانونية ملائمة، نعتقد بأنه لا يوجد لها أي أثر إلا في فروع القانون الخاص([242]).

إن اتساع مفهوم المرفق العام الاقتصادي، دفع المشرع الفرنسي إلى اعتبار أن مستعمل المرفق العام، يتمتع بصفة المستهلك ويخضع لنطاق تطبيق قانون الاستهلاك، وذلك في الحالة التي يستعمل فيها تلك الخدمات أو المواد، التي يحصل عليها من "المقاولة العمومية" لغرض إشباع حاجياته الذاتية غير المهنية. كما أن العقود التي يكون  المرتفق طرفا فيها، والطرف الآخر هو "المقاولة العمومية"، تخضع لمقتضيات المادة 1-132 L ([243])

 

من مدونة قانون الاستهلاك الفرنسية، التي تحمي المستهلك من الشروط التعسفية. وفي نفس السياق يقرر القضاء الفرنسي بأن :"الشخص المعنوي الذي يسير مرفقا عموميا، ويعرض خدمات ذات طبيعة تجارية أو صناعية، يعد في نظر القانون بمثابة شخص مهني…"([244]) وهو الأمر الذي يوضح فكرة تمتع مستعمل المرفق العام الاقتصادي بصفة المستهلك([245])، ويتيح له إمكانية مواجهة الإدارة التي تتولى مهمة تسيير المرفق العام الاقتصادي، والمطالبة بحقوقه بموجب قانون الاستهلاك، إذا ثبت فعلا بأنه استعمل هذه الخدمات لأغراض غير مهنية.

ومما لا شك فيه أن مستعمل المرفق العام الاقتصادي ما هو إلا مستهلك، تتحقق له هذه الصفة، عندما يبادر إلى استنفاذ قيمة السلعة أو الخدمة التي يحصل عليها من "المقاولة العمومية" لإشباع حاجياته الذاتية.

وفي ختام هذا الفصل، يمكننا القول بأن المستهلك، هو فكرة قانونية لها وجود واقعي وحقيقي([246])، على الرغم من صعوبة تحديد مفهومه، كما يرى أحد الدارسين([247])، خاصة وأن التعريفات التي جاءت بها مختلف التشريعات القانونية لم تعتمد على معيار واحد، فتارة نجد المعيار الموضوعي هو الذي يغلب على تعريف المستهلك، وتارة أخرى نلاحظ بأن المعيار الذاتي يتدخل لوضع القاعدة الأساسية التي تحدد فئة المستهلكين. وهو الأمر الذي يدفعنا إلى استخلاص ملاحظتين أساسيتين:

أولا: إذا كان المعيار الموضوعي الذي يحدد مفهوم المستهلك من خلال عقد الاستهلاك، يساعدنا على تفادي كل المشاكل والصعوبات الخاصة بتفسير معنى الطبيعة المهنية، بالنسبة للعقد أو الطرف المتعاقد، فإنه في المقابل لا يمكننا من معرفة وتوضيح خصوصيات أو خصائص الوضعية الاقتصادية للمستهلك. لأن هذا الأخير لا يعد مجرد عنصر من عناصر العلاقات التعاقدية الفردية، وإنما يعتبر بمثابة الشريك الاقتصادي، الذي يحتل المرتبة الثالثة في الدورة الاقتصادية، حسب المعادلة التالية: الإنتاج –التوزيع –الاستهلاك([248]). غير أنه يتميز بالضعف والعجز، بالمقارنة مع باقي الشركاء. ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن المعيار الموضوعي يتجاهل حقيقة العلاقات التي توصف بعدم التوازن، والتي قد ترتب آثارا من شأنها أن تلحق الضرر بالمستهلك، والمنتج والموزع على حد سواء، وهو الأمر الذي سوف يؤدي دون شك إلى التقليص من أهمية كل عمل أو مبادرة تستهدف الرفع من قيمة المصالح الاقتصادية والاجتماعية للمستهلكين.

ثانيا: إن المعيار الذاتي يقدم  مجموعة من الامتيازات، التي تمكننا من تجاوز سلبيات المعيار الموضوعي، وكما سبق الذكر فإن المعيار الذاتي يهتم بالشخص الذي يشتري أو يستعمل السلع أو الخدمات، مركزا في الوقت نفسه على خاصية الاستعمال الخاص أو غير المهني، الذي ينوي المستهلك تحقيقه من خلال التصرف الذي قام بإبرامه. ومن هذا المنطلق نرى بأن عنصر الإشباع الذاتي، المستهدف من طرف الشخص الذي يقوم بفعل الاستهلاك، يدفعنا إلى اعتبار أن كل من يشتري أو يكتسب أو يقتني السلع، أو يطلب الحصول على الخدمات للاستعمال الشخصي، سواء كان تاجرا أو فردا عاديا، يعتبر بمثابة مستهلك، لذلك يصح القول بأن الفرد قد يكون تاجرا ومستهلكا في آن واحد، وهو الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى امتداد مفهوم المستهلك بصورة تجرد قانون الاستهلاك من فعاليته([249]).  

وإذا كان البعض([250]) يرفض مسألة تعريف المستهلك، نظرا لعدم فائدتها، حسب اعتقادهم، فإننا على العكس من ذلك نرى بأنه من الضروري تعريف العناصر([251])التي تدور حولها القاعدة القانونية، لاسيما إذا كان القانون الواجب تطبيقه، يتميز بطبيعة خاصة، مثل قانون الاستهلاك. وبالتالي فلا مجال لمناقشة هذا الرأي المعارض، مادام أن أغلب التشريعات أصبحت تهتم بموضوع حماية المستهلك، وهو الأمر الذي يستوجب تحديد مفهومه. وعلى هذا الأساس يمكننا أن نعرف المستهلك بأنه:"كل شخص طبيعي أو معنوي، يحصل على شيء أو سلعة أو خدمة، بهدف استعمالها، لتحقيق إشباع ذاتي أو عائلي".

فالمستهلك كما نعلم، لا ينتظر من فعله أو ممارسته الاستهلاكية، الحصول على الربح([252])، ولكنه يبحث عن الإشباع الحقيقي لحاجياته، وهو الأمر الذي يفسر حالة الضعف التي يتميز بها في العلاقة الاستهلاكية، لأن الشخص عندما يتصرف، من أجل أن يؤدي وظيفة الاستهلاك، لا يفكر إلا في كيفية حصول هذا الإشباع. وعلى هذا الأساس نرى بأنه من الضروري التدخل لحمايته من المهني، الطرف الآخر في العلاقة التعاقدية، الذي يتوفر على قوة إرادية، يستمدها من العنصر التنظيمي الذي يجعله كيانا اقتصاديا، له إطلاع واسع ودراية كافية، بطبيعة ونوعية المواد التي يعرضها على المستهلكين. لكن كيف يمكن تحقيق هذه الحماية؟ ومن أين جاءت فكرة الدفاع عن مصالح وحقوق المستهلك؟ هذا ما سوف نحاول البحث عنه في الفصل الثاني من هذا القسم.

 

 

 

 

 

 


[1] -د.إدريس العلوي العبدلاوي: "شرح القانون المدني، النظرية العامة للالتزام –نظرية العقد" – نشر مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء- السنة 1996- ص6.

 

 

 

[2] -Rapport de M.J.P.Charie au nom de la commission de la production et des échanges sur le projet de loi adopte par le sénat, relatif au code de la consommation (partie législative). Doc AN. N°318 (1992-1993) spéc.P.S. (recuèil Dalloz 1994 chroniques p:291).

 

 

 

[3] -J.P.Pizzio: "la protection des consommateurs est-elle une entrave à la concurrence?" in les consommateurs et les limitations de la concurrence. Recueil université de Montpellier, p:17.

 

 

 

[4] -R.Mapetiol: "Archives de philosophie du droit" 1969, p:321.

وفي نفس السياق يعبر عن الدور الذي يلعبه القانون في تسيير الحياة الاجتماعية بقوله:

"On l'a observé: le droit, qui fait de l'outillage humain et qui est, par suite, artificiel, subit une évolution qui le transforme en une technique du contrôle social; il tend à n'être plus qu'un instrument à la disposition du pouvoir politique en vue d'atteindre les objectifs que ce dernier s'est assigné, rien ne s'oppose à ce que cette règle soit adaptée aux fins successives que se propose la société." In –Brèves réflexions sur la règle de droit en tant qu'obstacle au stimulant au dévéloppement économique et social.

نفس المرجع المذكور أعلاه.

 

 

 

[5] -مجموعة من الأنظمة أو بتعبير أدق العلوم، تلعب دورا اساسيا في تطبيقات القانون ومنها على سبيل المثال: العلوم الاجتماعية، تاريخ القانون، علم الإجرام، علم السياسة، الاقتصاد. ولقد ظهرت أهمية تأثير الإنتاج في القاعدة القانونية على يد ماركس وإنجلز. ولقد تطورت  هذه النظرية مع المدرسة الليبرالية، المعروفة باسم مدرسة chicago، التي دافعت عن فكرة التحليل الاقتصادي لقاعدة القانونية، سواء تعلق الأمر بالقاعدة الاقتصادية أو الإدارية أو الجنائية، أو المالية، لأن المعيار الأساسي الذي يجب اعتماده في دراسة القانون، هو فعالية القاعدة القانونية حسب ما يراه الستاذ R.A.Posner

أنظر بتتفصيل:       

P.VER Loren VAN Themmat: "l'économie à travers le prisme juridique" R.I.D.Eco (revue internationale de droit économique) 1989, p:133

 

 

 

[6] B.Oppetit: "rapport sur le rôle du juge en présence de problèmes économique en droit civil français", travaux de l'association H.Capitant, 1970, p:185.

 

 

 

[7] -E.Claudel: "Ententes anticoncurrentielles et droit des contrats", thèse pour le doctorat en droit – 14 décembre1994- université Paris X – Nanterre –p:10.

 

 

 

[8] -د.موسى عبود ود.محمد السماحي: "المختصر في المسطرة المدنية والتنظيم القضائي" الطبعة 1994-ص4.

 

 

 

[9] -القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة –الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.00.225 بتاريخ 5 يونيو 2000 –المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4810 بتاريخ 6 يوليوز 2000-ص1941.

 

 

 

[10] -كما جاء في خطاب السيد العلمي التازي، الوزير السابق المكلف بوزارة الصناعة والتجارة والصناعة التقليدية، الذي ألقاه بمناسبة الندوة الأورومتوسطية حول قانون وسياسات المنافسة التي عقدت بمدينة الدارالبيضاء بتاريخ 18 و 19 يوليوز 2000.

 

 

 

[11] -ولد قانون المنافسة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعدها تطور في القارة الأوروبية بفضل منظومة الاتحاد الأوروبي، ونظرا لتوسع السوق الاقتصادية العالمية، وتبنيها لمبادئ تحرير التجارة وحرية المنافسة تم تعميمه على جميع الدول النامية ومنها المغرب بطبيعة الحال.

 

 

 

[12] -C.Champaud: "contribution à la définition du droit économique" édition Dalloz 1967, Chronique p:215.

 

 

 

[13] -F.C.Jeantet: "Aspects du droit économique", in études offertes à J.Hamel, édition Dalloz 1961, p:33.

 

 

 

[14] -R.Savy: "la notion de droit économique en droit français" in actualité juridique du droit administratif 1971/3 – doctrine – p:132.

 

 

 

[15] -وهو الأمر الذي دفع بعض الدارسين إلى عدم اعتبار القانون الاقتصادي بمثابة فرع من فروع القانون وإنما هو مجرد رؤية جديدة في تحليل العلاقات التي تخضع للنصوص التقليدية الجاري بها العمل.

A.Jacquenin, et G.Schrans: "le droit économique" collection que sais-je?

 

 

 

[16] -F.Jenny: "pratiques verticales restrictives, concurrence et efficience", cahier de droit de l'entreprise 1989 -4-p:5.

 

 

 

[17] -والأمر يتعلق بعقود الإذعان Contrats d'adhésionالتي تعد من ابتكار الفقه والقضاء لإبراز اختلال التوازن ما بين أطراف العقد "ومن أهم المميزات التي يمتاز بها عقد الإذعان، أن هذا الأخير يتم إعداده من طرف الموجب الذي يوجد في وضعية اقتصادية وتقنية متفوقة واحتكار قانوني أو فعلي سواء بصفة انفرادية أو من خلال اتحاد مع مؤسسات تجارية واقتصادية مماثلة. مما نجم عنه تهيئ إما مطبوعات أو فاتورات أو طلبات بضاعة Bons de commande أو وصولات. أو بصفة عامة عقود نموذجية  متضمنة لمقتضيات وشروط جاهزة ونهائية تتميز بتغليب مصلحة الموجب. لا سيما وأن هذا الأخير عهد بإعدادها إلى أشخاص ذاتيين أو معنويين متخصصين في مجالات علمية متنوعة.." كما جاء على لسان الأستاذ العربي مياد في كتابه: "عقود الإذعان –دراسة مقارنة". –نشر مكتبة دار السلام الرباط – الطبعة الأولى –السنة 2004 –ص51.

 

 

 

[18] -حسب المقتضيات المنصوص عليها في مساطر الوقاية والمعالجة من صعوبات المقاولة التي يتضمنها الكتاب الخامس من مدونة التجارة الصادرة بموجب القانون رقم 15.95 المصادق عليه من طرف مجلس النواب بتاريخ 13 ماي 1996، والصادر بتنفيذه الظهير رقم 1.96.83 بتاريخ 1 غشت 1996 –المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4418 –بتاريخ 3 أكتوبر 1966.

 

 

 

[19] -د.محمد أخياط: "حماية المقاولة كفضاء اجتماعي واقتصادي –من خلال قانون صعوبات المقاولة" –مجلة المحاكم المغربية –العدد 86 –يناير –فبراير 2001-ص133.

 

 

 

[20] -J.Neirynck, et W.Hilgers: "le consommateur piégé, dossier noir de la consommation", édition vie ouvrière –Bruxelles -1973 –p:245.

 

 

 

[21] -Abdellah Boudahrain: "le droit de la consommation au Maroc" –édition Al Madariss –Casablanca -1999 –p:1.

 

 

 

[22] -إن عبارة المجتمع الاستهلاكي تستعمل بشكل دائم في العلوم  الاقتصادية لتحديد مظاهر التطور في المجتمعات الصناعية الغربية على الخصوص، ومن أهم عناصره نذكر على سبيل المثال: -التنمية الديمغرافية – سرعة التطور الصناعي على حساب الإنتاج الزراعي –إعطاء الأولوية للمنتجات المصنعة أو المتحولة – اقتحام التقنيات في جميع المجالات الخاصة بنشاط الإنسان –تطور وسائل النقل والاتصالات –تطوير المبادلات على الصعيد الدولي –التركيز والتعمير السكاني –ارتفاع مستوى العيش والتحولات  التي تعرفها أنماط العيش لدى أغلبية المواطنين.

 

 

 

[23] -Sener Akyol: "rapport sur la protection du consommateur et la formation et l'exécution des contrats civils et commerciaux en droit turc", in la protection du consommateur, journée canadiennes 1973 travaux de l'association H.Capitant- tome 24 Dalloz 1973 –p:254.

 

 

 

[24] -Documents officiels du comité économique et social, 1995, supplément n°12 (E/1995/32) chapitre premier, p:45.

 

 

 

[25] -"LA consommation soutenable nécessite une disponibilité de biens et services conformes à certaines exigences environnementales, elle est étroitement reliée à la production sautenable. Tous les membres et organisations de la société en sont responsables: le gouvernement le monde des affaires, les syndicats, les associations, les gouvernements doivent intégrer cette dimension aux diverses politiques publiques, après consultation auprès des parties intéressés les politiques axées sur la consommation soutenable doivent combattre la pauvreté, garantir à tous la satisfaction des besoins de base et oeuvrer pour la réduction des inégalités entre les nations".

-L.K. Kasobwa: "la prévention des atteintes à la sécurité des consommateurs de denrées alimentaires" op cit, p:26.

 

 

 

[26] -"Crée en 1949 par dix états, le conseil de l'Europe en regroupe actuellement trente deux, dont les 15 Etats membres de l'union européenne. Installé à strasbourg, il a pour but la défense de la démocratie et d'une culture européenne commune Il cherche également à trouver des solutions aux grands problèmes du moment en ayant un champ d'activités extrénement vaste puisque celles-ci ne cocnernent pas uniquement les droits de l'homme mais embrasse bien d'autres secteurs (droit civil, procédure civile, droit pénal, procédure pénale, droit social, condition féminine, pouvoirs locaux, etc..) comme ce fut le cas en matière de protection du consommateur le conseil de l'Europe n'est pas à confondre avec le conseil européen qui lui réunit aux moins deux fois par an les chefs d'Etats et de gouvernement de l'union européenne". L.K.Kasobwa "la prévention des atteintes ) la sécurité des consommateurs de denrées alimentaires", op cit, p:25.

 

 

 

[27] -بالإضافة إلى إعاناتها المادية والمعنوية (كما جاء مثلا في قرار للبرلمان الأوروبي –رقم CE/1999/283 –والمجلس الأوروبي بتاريخ 25 يناير 1999، الذي يحدد الإطار العام لأنشطة المجموعة الأوروبية لفائدة المستهلكين – منشور ب  (J.O.C.E. n°L 34 du 9 février 1999, p:1) ونلاحظ بأن الاتحاد الوروبي صرح في عدة مواقف بوجود ارتباط ضيق ما بين سياسة الاستهلاك والتنمية في الدول السائرة في طريق النمو، وأنه يجب مساعدة هذه الدول من أجل أن تضع بنفسها الخطوات الأساسية لحماية المستهلكين ومن المبادرات التي تم نص عليها في هذا الشأن نذكر على سبيل المثال:

-La communication de la commission au conseil, au parlement européenne, au comité économique et social et au comité des régions intitullées: "priorités pour la politique des consommateurs (1996-1998)", avait consomamteurs dans les pays en voie de développement" (livre vert sur les relations entre défis et options pour un nouveau partenariat" Document COM (96) 570 final, Bruxelles, 20 novembre 1996, p:70-72.

-Communication de la commission intitulée: "plan d'action pour la politique des consommateurs 1999-2001", Document COM (1998) 696 final, Bruxelles, 1er décembre 1998, point 4.1 p:14.

-Accord de partenariat conclu entre UE et les pays ACP, signé le 23 juin 2000 à Cotonou capital du Bénin. وهو الاتفاق الذي جاء في مادته رقم 51، التي تحمل عنوان "سياسة الاستهلاك وحماية صحة المستهلكين"، ما نصه:    

"Les parties acceptent d'intensifier leur coopération dans le domaine de la politique des consommateurs et de la protection de la santé des consommateurs, dans le respect des législations nationales en vue d'éviter la création d'obstacles aux échanges.

La coopération visera notamment à renforcer la capacité instiitutionnelle et technique en la matière créer des systèmes d'alerte rapide et d'information mutuelle sur les produits dangereux, assurer des échanges d'information et d'expériences au sujet de la mise en place et du fonctionnement de systèmes de surveillance des produits mis sur le marché et de la sécurité des produtis, mieux informer les consommateurs au sujet des prix et des caractéristiques des produits et services offerts, en courager le développement d'associaiton indépendantes de consommateurs et les contacts entre représentants des groupements de consommateurs.. et appliquer, dans les échanges entre les parties, les interdications d'exportation de biens et de services dont la commercialisation a été interdite dans leur pays de production".

 

 

 

[28] -كما هو الحال بالنسبة لمنظمة consumers International التي تلعب دورا مهما في تحسيس البلدان الإفريقية بالقضايا التي تجب معالجتها لحماية مصالح الطرف الضعيف في المعاملات الاقتصادية.

 

 

 

[29] -وذلك بمدينة هيراري، ومن الندوات التي تم عقدها لنفس الأهداف نذكر: -نيروبي (كينيا 1988) –دكار (السنغال 1992) –كوطونو (البنين 1993) –كادوما (زيمبابوي 1994) –باماكو (مالي 1995) – وأخيرا الرباط (المغرب 2000).

 

 

 

[30] -"ONU, la protection des consommateurs en Afrique": Rapport de la conférence africaine sur la protection du consommateur, Harare (Zimbabwe), 28-4-1996, ST/ESA/254, New York 1997.

 

 

 

[31] -وفي هذا الصدد يقول الأستاذ عبد الرحيم بنضراوي:

"…sur la protection du consomamteur dans un pays en voie de développement comme le notre – soit perçue comme  un luxe bien inutile, parce que non seulement la société en cause n'est pas une société de consommation, comme c'est le cas en Amérique du nord ou en Europe, mais elle est, en plus à l'étape du simple démarrage industriel. Mieux vaudrait alors, se détourner de ce problème artificiel soulevé uniquement par souci d'initation de l'occident, et concentrer sa cogitation sur d'autres dossiers bien plus brulants et plus immédiats. En termes plus clairs, il faut attendre que nous  ayons atteints le même niveau économique et industriel que le monde développé, pour pouvoir alors discuter sur le problème". A.Bendraoui: "la publicité mensongère et la protection du consommateur en droit marocain" Mémoire pour le diplôme d'études supérieures de droit privé – université Mohammed V, p:21.

 

 

 

[32] -Ph.Malaurie et L.Aynes: "droit civil: les obligations" 9 édition. CUJAS 1998/1999 n°325.

 

 

 

[33] -J.Neirinck et W.Hilgers: "le consommateur piégé: dossier noir de la consommation" édition, vie ouvrière, Bruxelles, 1973, p:245.

 

 

 

[34] -M.Luby: "la notion de consommateur: une commode inconstance…" in contrats, concurrence-consommation n°1-2000, p:4-8.

 

 

 

[35] -د.محمد أخياظ: "حماية المقاولة كفضاء اجتماعي واقتصادي من خلال قانون صعوبات المقاولة"، المرجع سبق ذكره، ص138.

 

 

 

[36]– V.  Scardigli: “La consummation: culture du quotidien”  P.U.F. 1983 Page: 56.

 

 

 

[37] – Adam Smith : « Recherches sur la nature et les causes de la richesse des nations » Guillaumin édition –1859.

 

 

 

[38] – الزبون هو الشخص الذي يشتري لحسابه الخاص، أو لحساب غيره، وذلك بصورة اعتيادية. فلفظ الزبون يقتصر معناه على فئة معينة من الناس، مقارنة مع المعنى الذي يستفاد من لفظ المشتري. إلا أنه يجب التنبيه إلى أنه ليس كل مشتري يعتبر بمثابة زبون.

انظر بتفصيل في هذا الموضوع الدراسة التي أعدها مركز الأبحاث في قانون الأعمال والتي نشرت  تحت إشراف الأستاذ:

 Yves Chapus: " clientèle et concurrence, approche juridique du marché"

 

 

 

[39] – « Le droit de la consommation, reflet de l’évolution économique et technique », Revue française d’administration publique. N° octobre-décembre 1990 page 62.

 

 

 

[40] – لسان العرب لابن منظور، نشر دار صادر بيروت سنة 1997- المجلد السادس الصفحة 348.

 

 

 

[41] – نشير إلى أن أغلب مواد هذا الدستور وردت فيها مجموعة من المصطلحات مثل: عامل، إنسان، شخص، فرد، مواطن، أجنبي، أب، زوج، قاصر، مقاول، مهاجر …..إلخ.

 

 

 

[42] – المادة 51 من الدستور الإسباني.

 

 

 

[43] – مقتطف من مجموعة من المحاضرات ألقيت على طلبة السنة الأولى من سلك التعليم العالي، شعبة قانون الأعمال بجامعة Louvain la neuve في السنة الجامعية 1999-2000. من طرف الأستاذ Th. Bourgoignie

 

 

 

[44] – القانون رقم 06.99 الصادر بتاريخ 5 يونيو 2000 بموجب الظهير الشريف رقم 1.00.225 منشور بالجريدة الرسمية عدد 4810 بتاريخ 6 يوليوز 2000، صفحة 1941.

 

 

 

[45] -ومن بين التعريفات التي ذكرها المشرع البلجيكي في مختلف النصوص القانونية الجاري بهاالعمل، نجد على سبيل المثال ما يلي:

-« L’arrêté royal du 13 novembre 1986 relatif à l’étiquetage des denrées alimentaires préemballées, qui entend par « consommateur », le consommateur final, y compris les restaurants, hôpitaux,contines et autres établissements similaires on notera que cet arrêté établit une différence entre le consommateur et l’utilisateur en définissant celui-ci comme « quiconque achète des denrées alimentaires et les traite ou les conditionne pour les mettre ensuite dans le commerce ». (Dr.Léon Kyaboba  Kasobwa « la prévention des atteintes à la sécurité des consommateurs de denrées alimentaires Tome I, » op, cit , p : 9).

-La loi du 12  juin 1991 relative au crédit à la consommation (moniteur belge du 9 juillet 1991, p :15203).

تعرف المادة الأولى منه المستهلك باعتباره :

« Toute personne physique qui, pour les transactions régies par la présente loi, agit  dans un but pouvant être considéré comme étranger à ses activités commercial, professionnelles ou artisanales ».

-La loi du 14 juillet 1991 sur les pratiques du commerce et sur l’information et la protection du consommateur (moniteur Belge 29 août 1991, p :18712), modifiée par la loi du 7  décembre 1998 (moniteur Blege 23 décembre 1998)

وبموجبه يعرف المشرع البلجيكي المستهلك باعتباره:

« Toute personne physique ou morale qui acquiert ou utilise à des fins excluant tout caractère professionnel des produits ou des services unis sur le marché ».

-La loi du 9 février 1994 relative à la sécurité des consommateurs (moniteur belge 1er avril 1994 p :8921).

وبموجبه يعرف المشرع البلجيكي المستهلك كما يلي:

« Toute personne physique qui, soit à des fins non professionnelles acquiert ou utilise des produits  ou des services, soit est susceptible d’être affecté dans sa vie privée par des produits ou des services ».

 

 

 

[46] – بعد دراسة مجموعة من المراجع الفرنسية، التي تناولت موضوع الاستهلاك، والحماية القانونية للمستهلك. اتضح لنا بأن الفقه والقضاء لم  يجتمعا على رأي واحد لتعريف المستهلك. وهو الأمر الذي يؤدي إلى غموض هذا المفهوم، وبالتالي صعوبة تحديد نطاق تطبيق قانون الاستهلاك. للمزيد من التفصيل انظر:

 – Cas et Ferrier :"Traité du droit de la consommation ", édition : P.U.F 1983.

 

 

 

[47] – إن لفظ استهلاك، ومصطلح المستهلك، يجدان مصدرهما في علم الاقتصاد. فالاستهلاك يشكل آخر مرحلة من الدورة الاقتصادية والمستهلك يعد آخر حلقة في سلسلة الإنتاج والتوزيع.

 

 

 

[48] أهمها مجموعة القرارات والأحكام القضائية المنشورة بمجلة:

« contrats – concurrence – consommation » juris – classeurs: n°Décembre 2000-année 10.

 

 

 

[49] من الدراسات والأبحاث نذكر:  

–  j. p.  PIZZIO «l'introduction de la notion de consommateur en droit français » Dalloz   chronique 91 – 1982.

  – Master : « des notions de consommateurs » Revue Trimestrielle de droit civil 1989.

 

 

 

[50] ونصه الأصلي باللغة الإنجليرية:

 «  The better solution, is the economic définition of the consumer  as the ultimate user of  the goods and services" E. Hondius consumer legislation in the nethelands » 1981 van nostrand page 23

 

 

 

[51] قانون الدفاع عن المستهلكين. رقم 8078 الصادر بتاريخ 11 شتنبر 1990. اطلعنا  على نسخة منه باللغة الفرنسية، في مركز الأبحاث المتخصص في قانون الاستهلاك، الموجود مقره بجامعة Louvain la neuve البلجييكية.

 

 

 

[52]– Th. Bourgoignie : « éléments pour une théorie du droit de la consommation ».Edition story- scientia 1988 page 17.

 

 

 

[53] إذا لم يتحدد الغرض الشخصي للاستهلاك، يكون من الطبيعي أن نعتبر شراء السلع بمثابة عامل للربح الاقتصادي، وبالتالي يكون الحديث عن المنتج وليس المستهلك.

 

 

 

[54]J. C. MAYALI : « la notion de consommateur à la lumière du droit comparé ».

أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص بجامعة Montpellier 1 السنة 1993 الصفحة 30.

 

 

 

 

[55] – A. Boudahrain : " le droit de la consommation au Maroc". Op.cit: page 10.

 

 

 

[56]– موسوعة "المجموعة الأوربية" 

Droit, consommation, législations et documentation Tome 1", édition"– CEDRC 1999 Belgique.

 

 

 

[57] – ترجمة للعبارة الفرنسية Vente de consommation، التي أخذت عن اللغة الإنجليزية Consommer sale  

 

 

 

[58] -ترجمة للتعبير الفرنسي Achat de consommation

 

 

 

[59] – عكس التعريف الذي جاء في هذه المادة، نلاحظ بأنه في باقي التعريفات تم التركيز على عقد البيع، للدلالة على مفهوم عقد الاستهلاك، فقد حاولت اللجنة التي وضعت هذا  المشروع، تفصيل جميع جوانب الاستهلاك، وتوسيع دائرة العلاقة الاستهلاكية، ربما وعيا منها بأن الاستهلاك لا ينحصر في عملية البيع والشراء، وإنما يمكنه أن يشمل العديد من المعاملات الاقتصادية.

 

 

 

[60] – J. Amiel Donat : « Contrat de consommation", Juris-classeurs, fasicule 800

 

 

 

[61] – J. Pizzio : « Droit de la consommation » encyclopédie Dalloz 1987 page 10

 

 

 

2 – يرى أحد الدارسين بأن القانون المغربي لا يعرف عقد الاستهلاك لأنه لم يتطرق إلى عقد الإذعان في تشريعه القانوني:.د. العربي مياد:- المرجع سبق ذكره- ص 419.

 

 

 

[63] – ابن منظور "لسان العرب":- المرجع سبق ذكره- الجزء الرابع، ص 386.

 

 

 

[64] – سعدي أبو جيب "القاموس الفقهي: لغة واصطلاحا" –دار الفكر السنة 1998 –الصفحة 255

 

 

 

[65] – يقول الله سبحانه وتعالى:"يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود" سورة المائدة الآية 1.

 

 

 

[66] – د إدريس العلوي العبدلاوي:- المرجع سبق ذكره –ص 105.

 

 

 

 

5- “Code Civil” –Dalloz 1995, page 774.

 

 

 

[68] – لقد أعطت المادة 73 من القانون المدني العراقي، وكذلك المادة 165 من قانون الموجبات والعقود اللبناني نفس التعريف الخاص بالعقد.

 

 

 

[69] – نلاحظ بأن مقترح القانون المتعلق بإخبار وحماية المستهلك، جاء بعدة  تعاريف، لمجموعة من المعاملات التجارية، والممارسات القانونية، التي يمكن أن يصادفها المستهلك في تعامله مع المهني، وذلك  يدعونا إلى ضرورة إعادة النظر في منهجية وضع وصياغة النصوص القانونية، حتى نضمن لتشريعنا المغربي انسجاما وملائمة، توحد لغة المشرع. 

 

 

 

[70] – الوسيط في شرح القانون المدني" د. عبد الرزاق السنهوري –الجزء الأول- دار النشر للجامعات المصرية السنة 1960- الصفحة 138

 

 

 

[71] -د- مصطفى أحمد الزرقاء:"المدخل الفقهي العام" –المجلد الأول- نشر دار الفكر السنة 1968- الصفحة 245..

 

 

 

[72] -د- إدريس العلوي العبدلاوي –المرجع سبق ذكره –الصفحة 111

 

 

 

[73] – د. عبد الحميد البعلي:"نظرية العقد": النشر والسنة غير مذكورين –ص 48.

 

 

 

[74] – د. عبد الرزاق السنهوري –المرجع سبق ذكره- الصفحة من 152 إلى 162.

 

 

 

[75] – المادة 103 من مجلة الأحكام العدلية.

 

 

 

[76] – حسب تعبير الأستاذ د. مصطفى أحمد الزرقاء –المرجع سبق ذكره- الصفحة 292.

 

 

 

[77] – ومثال ذلك:"الصيغة في عقد البيع، هي كل ما يدل على رضاء الجانبين، البائع والمشتري، وهي أمران: الأول القول وما يقوم مقامه من رسول أو كتاب. الثاني، المعاطاة، وهي الأخذ والإعطاء بدون كلام، كأن يشتري شيئا ثمنه معلوم له، فأخذه من البائع ويعطيه الثمن، وهو يملك بالقبض. أما القول فهو اللفظ الذي يدل على التمليك والتملك، مثل بعت واشتريت. ويسمى ما يقع من البائع إيجابا، وما يقع من المشتري قبولا. وقد يتقدم القبول على الإيجاب… ويشترط للإيجاب والقبول شروط منها: أن يكون الإيجاب موافقا للقبول في القدر والوصف، والنقد والحلول والأجل…" مقتطف من كتاب الأستاذ عبد الرحمان الجزيري:"الفقه على المذاهب الأربعة: قسم المعاملات" الجزء الثاني –نشر دار الفكر- الصفحة من 155 إلى 159.

 

 

 

[78] – د. محمد شعبان حسين:"نظرية العقد" صفحة 6.

 

 

 

[79] – د. عبد الحميد محمود البعلي: المرجع سبق ذكره صفحة 44.

 

 

 

[80] -"التصرف هو كل ما يستقل به الشخص لوجوده، لكونه ملكه وحده جعل له الحق في أن ينفرد بإنشائه، ولم يجعل لغيره الحق في منعه، ولا أن يكون له دخل في وجوده، كالطلاق مثلا، أو هو كل ما يصدر عن الشخص بإرادته فيرتب عليه الشارع أثرا، ويشمل أيضا ما يجوز أن يستقل به الشخص لكونه ليس ملكه وحده، بل لا بد لوجوده من اشتراك التصرف مع غيره الذي يشاركه في التصرف المراد حصوله، كأن يبيع داره لإنسان." (علي قراعة:"أحكام العقود في الشريعة الإسلامية". الصفحة 7).

و "التصرف نوعان فعلي وقولي: أما الأول: فما كان قوامه عملا لا قولا كإحراز المباحات، واستلام المبيع وقبض الثمن، في حين أن الثاني فهو نوعان: عقدي وغير عقدي. والعقدي كالبيع والإجارة والشركة… إلخ وغير العقدي يشتمل على نوعين هما: أ- نوع يتضمن إرادة صاحبه على إنشاء حق، أو إنهائه، أو إسقاطه، كالوقف والطلاق، والإعتاق والإبراء والتنازل عن حق الشفعة، ب- نوع لا يتضمن إرادة منصبة على إنشاء الحقوق أو إسقاطها. وإن كانت أقوالا تترتب عليها نتائج معتبرة كالدعوى، فإنها طلب حق أمام القضاء. والإقرار فإنه إخبار المرء بحق عليه لغيره، والانكار والحلف على نفي دعوى الخصم، فإنها أخبار تترتب عليها أحكام قضائية، وهذا ما يسمى بالتصرف القولي المحض"( تنقيح الفتاوى الحامدية-الجزء الثاني- الصفحة 423).

أما التصرف في نظر القانون الوضعي فهو:"اتجاه الارادة إلى إحداث أثر قانوني معين يرتبه القانون، أو أنه إرادة محضة تتجه إلى إحداث أثر قانوني معين لا يحظره القانون. وهو إما أن يقوم على اتفاق إرادتين، فيكون عقدا كالبيع والإيجار أو يقوم على إرادة منفردة كالوصية، ومن ثم فهو قد ينشئ حقا شخصيا، أو يكسب حقا عينيا أو هذا وذاك، أو يرتب آثارا قانونية أخرى" د. عبد الرزاق السنهوري، المرجع سبق ذكره – الصفحة.66

 

 

 

[81] – وهو الشخص العادي الذي يخاطبه المشرع، من خلال نصوص القانون المدني التي تشترط ضرورة وجود التكافؤ ما بين طرفي العقد، وذلك بالابتعاد عن كل ما من شأنه أن يؤثر على صحة العقد. فمثلا الظهير المنظم لقانون الالتزامات والعقود المغربي يحرص على ضرورة تمتع المتعاقد بكل  المواصفات التي تجعل تعاقده عاديا، وأن كل شخص يلتزم معه، يفترض فيه أن يكون على قدم المساواة معه، في كل شيء يتعلق بالعقد، سواء من حيث الأهلية اللازمة لإبرام العقد، وكذلك خلو إرادة كل منهما من كل عيب أو نقص، قد يكون له انعكاس سلبي على شرعية العقد، و بالإضافة إلى ذلك قدرتهما المادية أو الاقتصادية على التعاقد بشكل عام.

 

 

 

[82] – د. محمد عبد الظاهر حسين:"الجوانب القانونية للمرحلة السابقة على التعاقد" مقال منشور  بمجلة الحقوق الكويتية –السنة الثانية والعشرون –العدد الثاني- يونيو 1998 الصفحة 745. 

 

 

 

[83] – وهو ما يصطلح عليه الواقعة القانونية ،fait juridique، التي ترجع إلى إرادة الإنسان، وقد لا تكون كذلك، مثل تلك الأعمال الصادرة عن فعل الطبيعة. والواقعة القانونية، تشكل إلى جانب التصرف القانوني، مصدرا رئيسيا للحق، د. عبد الرزاق السنهوري:"الوسيط في شرح القانون المدني". الجزء الأول الصفحة 66.

 

 

 

[84] Dumont Naert : « les relations entre professionnels et consommateurs en Droit belge », in « la protection de la partie faible dans les rapports contractuels » page 219. Edition : centre de droit des obligations de l’université –paris I

 

 

 

[85] – أركان العقد المتعارف عليها هي: الرضا، المحل، والسبب، والمشرع المغربي يحددها  في الفصل الثاني من الظهير المنظم لقانون الالتزامات والعقود كما يلي:"الأركان اللازمة لصحة الالتزامات الناشئة عن التعبير عن الإرادة  هي:

1-    الأهلية للالتزام

2-     تعبير صحيح عن الإرادة يقع على العناصر الأساسية للالتزام.

3-     شيء محقق يصلح لأن يكون محلا للالتزام.

4-     سبب مشروع للالتزام.

والحال أن الأهلية ليست ركنا قائما بذاته في العقد، ولكنها تعتبر عنصرا من عناصر الرضا. أنظر بتفصيل الأستاذ عبد الكريم طالب، في رسالته التي حصل بها على دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص سنة 1996 بكلية الحقوق بمراكش تحت عنوان "مركز الفقه الإسلامي في القانون المدني المغربي" صفحة 106. 

 

 

 

[86]– O.Salvot et D. Tallon : « les clauses abusives et le consommateur » revue Trimestrielle de droit civil 1982 page 992.

 

 

 

[87] – سعدي أبو جيب  -المرجع سبق ذكره، الصفحة 180. وفي لسان العرب:"السًلعة بكسر السين هي ما تُجر به، وأيضا العلق، وأيضا المتاع، وجمعها السًلَعُ". المرجع سبق ذكره –الجزء الثالث الصفحة 319.

 

 

 

[88] – "الشرح الكبير لابن قدامة مع المغني لابن قدامة" –موفق الدين بن قدامة وشمس الدين ابن قدامة، نشر دار الفكر- بيروت، الطبعة الأولى السنة 1984 صفحة 814.

 

 

 

[89] – مصطفى أحمد الزرقاء-المرجع سبق ذكره- ص 118.

 

 

 

[90] – D. Flouzat : « Economie contemporaine, Tome I : les fonctions économiques » Edition P.U.F –1983- page 77.

 

 

 

[91] J. C. Mayali:" la notion de consommateur à la lumière du droit comparé", op.cit. p:22

 

 

 

2J.C.Mayali: " la notion de consommateur à la lumière du droit comparé", op.cit. p:23

 

 

 

[93] – قانون 1972 اطلعنا على نسخة منه في مركز الأبحاث والدراسات المتعلقة بقانون الاستهلاك بجامعة Louvain la neuve

 

 

 

[94] – الباب الثاني من الظهير المنظم لقانون الالتزامات والعقود المغربي، المعنون (عارية الاستهلاك أو القرض)، وهو من القسم الخامس، "العارية"، ولقد جاء في  الفصل 856 منه ما نصه: "عارية الاستهلاك أو القرض، عقد بمقتضاه يسلم أحد الطرفين للآخر أشياء مما يستهلك بالاستعمال، أو أشياء منقولة أخرى، لاستعمالها بشرط أن يرد المستعيرعند انقضاء الأجل المتفق عليه، أشياء مثلها في المقدار والنوع والصفة".

 

 

 

[95] – مقترح القانون الذي تقدم به الفريق الإشتراكي للبرلمان المغربي، بتاريخ 13 يونيو 2003، وهو مسجل تحت رقم 27، ومن المفترض أن يقدم للمناقشةأمام مجلس النواب في الدورة التشريعية الثانية، التي سوف تعقد في أبريل 2004.

 

 

 

[96] – وردت في المادة الأولى من هذا المقترح ثلاثة تعريفات، ونظرا لأهمية هذا النص نورده كما تم وضعه.

"يطبق هذا القانون على العلاقة بين المستهلك والمهني. بائع سلعة أومقدم خدمة.

يقصد في مفهوم هذا القانون ب:

 -المستهلك: كل شخص طبيعي أومعنوي يقتني أو يستعمل، لأغراض غير مهنية، منتجات أو خدمات معروضة في السوق.

-المهني: كل بائع سلع أو مقدم خدمات بصفة اعتيادية أو مهنية موجهة للمستهلك.

-نزاع الاستهلاك: كل دعوى رفعت لفائدة مستهلك –شخص ذاتي أو جمعية للمستهلكين- أو ضده، يكون فيها المهني هو الطرف المقابل" 

 

 

 

[97] – “propositions pour une loi générale sur la protection des consommateurs”

تقرير اللجنة المكلفة بدراسة مشروع مدونة قانون الاستهلاك البلجيكي –الصفحة 361- نشر CERDC السنة 1995.

 

 

 

[98] – تعريف المادة 527 من مدونة القانون المدني الفرنسي

 

 

 

[99] – « propositions pour une loi générale sur la protection des consommateurs »

تقرير اللجنة المكلفة بدراسة وتقنين مدونة قانون الاستهلاك البلجيكي، نشر مركز الأبحاث والدراسات المتعلقة بقانون الاستهلاك، السنة 1995، الصفحة 25 (جامعةLouvain la neuve ) سبق ذكره.

 

 

 

[100] – J. Fouertake: “la responsabilité du fabricant de produits dangereux” revue trimestrielle de droit civil n° 3 –1972 page 486.

 

 

 

[101] – :M. FERNSTRO: « la protection du consommateur épargnant » In consommateurs-actualités –n° 437 –Octobre 1984.

 

 

 

[102] – J.C. Auloy. « Droit de la consommation » édition : Dalloz –1986 page : 363.

 

 

 

[103] – ترجمة للمصطلح الفرنسي le secteur tertiaire ، والأمر يتعلق بمجموعة من الأنشطة المخصصة لخدمة فئة معينة من الناس، سواء تعلق الأمر بالتجارة أو الائتمان أو التأمينات إلخ…

 

 

 

[104] – L. Bihl : « Vers un droit de la consommation » Gazette du Palais n° 13 et 14 –Septembre 1974- page 4.

 

 

 

[105] -التعريف من اقتراح اللجنة المكلفة بدراسة مشروع مدونة قانون الاستهلاك البلجيكي، المرجع سبق ذكره، ص57.

 

 

 

[106] – إن الأمر يتعلق برؤية ذاتية للغاية من الاستهلاك، وهي تهتم بسلوك الإنسان وطابعه الفردي. أنظر بتفصيل في الموضوع مداخلة الأستاذ Th. Bourgoignie، في ندوة حول الاستهلاك، انعقدت بدولة البرازيل بتاريخ من 10 إلى 16 مارس   1992، وذلك تحت عنوان:

 « Déloyauté et contrôle abstrait dans les rapports de consommation"

 

 

 

[107] – R. Guillien et N. Vincent : « Lexique de termes juridiques » édition Dalloz 1981.

 

 

 

[108] – قانون الممارسات التجارية الصادر بتاريخ 14 يوليوز 1971.

 

 

 

[109] – المادة الثانية من قانون الدفاع عن المستهلك البرازيلي.

 

 

 

[110] – وهو نفس الاتجاه الذي سلكه المشرع الألماني، في القانون المنظم للمواد الغذائية، الذي تنص مادته السادسة، في فقرتها الأولى على ما يلي:"جماعة من الأشخاص تحت سقف واحد". وهذا  الأمر من شأنه أن يؤدي إلى خلط في فهم معنى المستهلك، هل يقصد به شخص واحد، أو أنه لا يمكن إسقاطه إلا على مجموعة من الأشخاص؟ ونفس الإشكالية تطرح بالنسبة للجمهور فيما يخص الإشهار الذي يقوم به المعلن للتعريف بمنتجاته وخدماته، كما سنرى في الفصل الأول من القسم الثاني من هذه الدراسة.

 

 

 

[111] – قانون المقاييس والأوزان السويسري الصادر بتاريخ 9 يونيو 1977.

 

 

 

[112] – القانون رقم 06.99 المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة.

 

 

 

[113] – مدونة قانون الاستهلاك الفرنسية التي بدأ العمل بها منذ سنة 1993، كما سيأتي بيانه وتفصيله في موضعه من هذه الدراسة.

 

 

 

[114] – لقد تم تبني فكرة مخاطبة المستهلك الفرد في مقترح القانون المغربي المتعلق بإخبار وحماية المستهلك ، بل وقد تم اقتراح تعريف له في المادة الأولى كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

 

 

 

[115] – J.C. Auloy et Frank Steinmetz « droit de la consommation » op.cit. p: 6.

 

 

 

[116] – د. عبد الرزاق اللسنهوري  –الوسيط في شرح القانون المدني- الجزء الرابع الصفحة 1.

 

 

 

[117] – من العقود المسماة التي تحظى بأهمية خاصة من طرف التشريع والقضاء، نجد عقد الكراء الذي يلبي حاجيات المستهلك في السكن والاستقرار، ويحقق وظيفة الاستهلاك، التي تعكس مفهوم توفير الحاجيات الضرورية للفرد، ومن هذا المنطلق يمكن أن نصف المكتري بمستهلك السكن، ويمكن أيضا قول المستهلك المقترض في عقود القرض، والمستهلك المؤمن له في عقود التأمين… إلخ.

 

 

 

[118] – يقصد بذلك المقتضيات الخاصة بالفصل الثالث من الكتاب الثالث من مدونة القانون المدني، وهي العقود والالتزامات التعاقدية بوجه عام.

 

 

 

[119] – حذفت هذه المادة ولم يتم العمل بها بدعوى عدم الحاجة إليها.

 

 

 

[120] – د.محمد الزحيلي:"العقود المسماة"-جامعة دمشق-1983.

 

 

 

[121] – إدريس العلوي العبدلاوي-المرجع سبق ذكره- ص 129.

 

 

 

[122] – J. HEMARD, « Droit de la concurrence et protection des consommateurs ». Gazette du palais 1971 –page 575.

 

 

 

[123] – قرار محكمة النقض البلجيكية الصادر  بتاريخ 23 أبريل 1951. منشور بمجلة  tribunaux الصفحة 397

 

 

 

[124] – G. Cornu : « La protection du consommateur, et l’exécution du contrat » travaux de l’association, Henri Capitant –Montréal 1973 –page 134.

 

 

 

[125] – مثلا القانون الهندي ينص على أن المستهلك هو كل شخص يشتري أي سلعة بالنظر إلى ما يؤديه كليا أو جزئيا" Th. Bourgoignie  : « éléments pour une théorie du droit de la consommation »op.cit.p:58.

 

 

 

[126] – لم يعد الايداع، في الوقت الحاضر، عقدا مجانيا، وإنما هو عقد مدفوع الأجر، حسب ما يمكن استخلاصه من صورته الحقيقية، الجاري بها العمل في المعاملات القانونية، فالمستهلك الذي يودع أمواله في حساب بنكي، يجد نفسه ملزما بدفع أجر موسمي أو سنوي، تطالبه المؤسسة البنكية بدفعه، لتغطية مصاريف بعض الخدمات الخاصة، التي تقوم بها من أجل تأمين المحافظة على أمواله.

 

 

 

[127] – عبارة "آخر متلقي" هي ترجمة لجملة Destinataire final، التي يشاع استعمالها للدلالة على الشخص المرسل إليه، لكن في دراستنا هذه تفيد كلمة Destinataire، تعيين الشخص الذي يصل إلى غاية الفعل أو التصرف، الذي يمكنه من الحصول على ما يشبع حاجياته. لهذا السبب ارتأينا ترجمتها بمصطلح "التلقي"، لأن الغاية هي حصول النتيجة المتوخاة من عرض السلع وتقديم الخدمات، وهي وصول الشيء إلى المستفيد الحقيقي منه، وتحقق انتفاعه به.

 

 

 

[128] – Th. Bourgoignie : « Déloyauté et contrôle abstrait des abus dans les rapports de consommation », op.cit.

 

 

 

 

[129] – د.إدريس العلوي العبدلاوي –المرجع سبق ذكره- الصفحة 129.

 

 

 

[130] – J. Ghestin :"la sécurité et la défense des intérêts économiques des consommateurs en droit national et communautaire" Rapport présenté aux journées de droit de la consommation, Faculté de droit de Dijon-17,18 Avril 1986.

 

 

 

[131] – المادة الأولى من قانون البيوع الاستهلاكية الصادر سنة 1973. وفي هذا الصدد نلفت الانتباه إلى أن لفظ التاجر في قوانين الدول السكندنافية، يعبر عن مفهوم واسع لكل من يزاول نشاطا اقتصاديا، بهدف الربح. وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن التاجر قد يقصد به أيضا الحرفي والمهني والصانع والمنتج…إلخ.

 

 

 

[132] – Th. Bourgoignie : « élément pour une théorie du droit de la consommation » op. cit. p: 59

 

 

 

[133] – Th. Bourgoignie : « Pratiques du commerce et information et protection du consommateur » édition story-scientia 1988 –page 282.

 

 

 

[134] – التقرير السنوي للمرحلة ما بين 1974 و1975 –الصفحة 41.

 

 

 

[135] – قانون إعلام وحماية المستهلك الصادر بتاريخ 14 يوليوز 1991.

 

 

 

[136] -G. CAS et D. Ferrier : « traité de droit de la consommation » op.cit.p: 11.

 

 

 

[137] – د. إدريس العلوي العبدلاوي –المرجع سبق ذكره- الصفحة 431.

 

 

 

[138] – الفصل الثاني من الظهير المنظم لقانون الالتزامات والعقود المغربي. ينص على أن:"الأركان اللازمة لصحة الالتزامات الناشئة عن التعبير عن الإرادة هي:"…3- شيء محقق يصلح لأن يكون محلا للالتزام…"

 

 

 

[139] -N.l’heureux : « droit de la consommation » édition –Wilson et Lafleur 1986. Page.26.

 

 

 

[140] – Dictionnaire Robert et Collin du management commercial, financier, économique et juridique 1992.

 

 

 

[141] – إن أغلب الأبحاث والدراسات القانونية التي تهتم بموضوع الاستهلاك، تعتمد على المصادر الإنجليزية، نظرا لتطور مفهوم الحماية القانونية للمستهلك، في التشريعات الأنجلوسكسونية، أكثر من غيرها.

 

 

 

[142] – وهو العنصر الذي يعتمد عليه الأستاذ J. C. Auloy  في تعريفه للنشاط المهني –المرجع سبق ذكره- الصفحة 5.

 

 

 

[143] – « Proposition pour une loi général sur la protection des consommateurs » op.cit. p: 26.

 

 

 

[144] – نقصد بهذه الأعمال، تلك الأنشطة التي تخصص لإعداد الشيء، حتى يكون صالحا للاستهلاك، وذلك بغض النظر عن أعمال التسويق أو ما تعرف بعرض السلع وتقديم الخدمات، التي تعتبر مرحلة أساسية في الدورة الاقتصادية.

 

 

 

[145] – لقد حددت اللجنة الفرنسية التي أسندت إليها مهمة إعداد مدونة قانون الاستهلاك، عناصر النشاط المهني في عملية عرض السلع وتقديم الخدمات من جهة أولى، وممارسة النشاط بشكل اعتيادي من جهة ثانية، ولم تتم الإشارة إلى معيار الربح، لأنه يعتبر قصدا ضمنيا، يرد في جميع الحالات.

-J. C. Auloy : « proposition pour un nouveau droit de la consommation « op.cit.

 

 

 

[146] – P. Kayser : « société et associations, leurs domaines d’application » thèse de doctorat 1928 publiée par Sirey –page 160.

 

 

 

2J. C. Mayali : « la notion de consommateur à la lumière du droit comparé » op.cit.p:138.

 

 

 

[148] – N. Neirynck : « le consommateur averti » édition Dauphin 1979 –page 52.

 

 

 

[149] – F..Fontaine : « La protection du consommateur en droit civil et en droit commercial Belge » édition : travaux de l’association H.Capitant 1973 –page 33.

 

 

 

[150] – "يرى الأستاذ G. Hertig بأن المستهلك هو المشتري الأخير الذي يتصرف لإشباع حاجياته الخاصة. وهو بتعريفه هذا يوافق الفلسفة التي تطرحها  النظرية الغائية téléologie، التي تعتقد بأن كل شيء في الطبيعة موجه لغاية معينة" مقتطف من مرجع الأستاذ J. C. Auloy– سبق ذكره –الصفحة 13.

 

 

 

[151] – تنص المادة 1384 من القانون المدني لمقاطعة الكبيك على أن:"المستهلك يشتري، أو يستأجر، أو يقترض، أو يحصل بأية وسيلة كانت على السلع أو الخدمات لغرض ذاتي أو عائلي أو منزلي"

 

 

 

[152] – الاستهلاك لا يعد مهنة عند الخواص حسب تعبير الأستاذ:

 G. Cas "la défense du consommateur » édition PUF. (Que sais-je) 1975 page.7.                   

 

 

 

[153] – د. إدريس العلوي العبدلاوي –المرجع سبق ذكره- الصفحة 304.

 

 

 

[154] – القانون رقم 95-15 المتعلق بمدونة التجارة، المصادق عليه من طرف مجلس النواب في 13 ماي 1996، والصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 83-96-1 المؤرخ في 15 ربيع الأول 1417 الموافق لـ فاتح غشت 1996.

 

 

 

[155] – القانون رقم 03-70 بمثابة مدونة الأسرة، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1-04-22 المؤرخ في 3 فبراير 2004.

 

 

 

[156] – حسب تعبير المادة 206 من مدونة الأسرة.

 

 

 

[157] – الشخصية القانونية للإنسان تبدأ منذ ولادته حيا، ولكنها تعد شخصية ناقصة، و الملاحظ أن هناك خلاف فقهي بين رجال القانون، حول التفرقة ما بين أهلية الوجوب و الشخصية القانونية، حيث يرى البعض بأن أهلية الوجوب تختلف عن الشخصية القانونية، التي تعد بمثابة الصفة العامة التي تقوم لكل شخص بمجرد صلاحيته لأن يكتسب حقا أو أن يتحمل التزاما، أيا كان كان ذلك الحق. أما أهلية الوجوب فهي صفة ينظر إليها من خلال صلاحية الكائن لكل حق أو واجب عليه. في حين يرى البعض الآخر بأن أهلية الوجوب و الشخصية القانونية هما أمر واحد، فأهلية الوجوب عندهم هي الشخصية منظور إليها من الناحية القانونية، لأن مناط اكتسابها هو الشخصية ذاتها و هي ما يطلق عليه إسم "الذمة"، و تعني صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق و تحمل الإلتزامات. 

 

 

 

[158] -فهذه الأهلية تتيح للشخص أن يمارس بنفسه كافة الأعمال و التصرفات، و من ثم فهي لا ترتبط بالصفة الإنسانية وحدها، بل يتوجب لثبوتها أن يكون الشخص متمتعا بقدر كاف من العقل و الإدراك، و بشكل يتيح له الحد الأدنى من القدرة على التمييز بين ما يضره و ما ينفعه، و  هذا يعني بأنه يجب أن يكون للشخص نصيب من العقل و القدرة على فهم النتائج التي قد تترتب عن التصرفات التي يبرمها. أنظر بتفصيل في هذا الموضوع:د.خالد عبد  الحميد " المدخل لدراسة القانون"-نشر دار الأمان-الرباط، الطبعة الأولى، السنة 1987.

 

 

 

[159] -د.أنور سلطان:"مصادر الإلتزام:الموجز في النظرية العامة للإلتزام-دراسة مقارنة-"، نشر دار النهضة العربية، بيروت 1982، ص 41.

 

 

 

[160] -د. علي رمضان ازبيدة : "النظرية العامة للأهلية: دراسة مقارنة بين الشريعة والقانون"- نشر المنشأة العامة للنشر  والتوزيع والإعلان- طرابلس.

 

 

 

[161] -قد يحدث أن يقوم الشخص بعمل قانوني،  غير أن هذا العمل لا يرتب أي أثر في ذمته، بل في ذمة شخص آخر،ومثاله الولي أو الوصي  الذي يقوم بأعمال قانونية  تنتج أثرها في أموال القاصر، فالولاية هي صلاحية الشخص القيام بأعمال  قانونية تنتج أثرها في حق الغير.

 

 

 

[162] -وهي الصفة التي قد تلحق المال الموقوف، الذي لا يجوز التصرف فيه، ليس لأن الشخص لا يتمتع بالأهلية، بل لأن المال موقوف التصرف فيه لذلك وقع المنع الذي قد يصدر عن القانون أيضا كما جاء في الفصل 481 من الظهير المنظم لقانون الالتزامات والعقود الذي ينص على أنه: "لا يسوغ للسماسرة ولا للخبراء أن يشتروا، لا بأنفسهم ولا بوسطاء عنهم، الأموال المنقولة أو العقارية التي يناط بهم بيعها أو تقويمها كما أنه لا يسوغ لهم أن يأخذوا هذه الأموال على سبيل المعاوضة أو الرهن، ويترتب على مخالفة هذا النص الحكم بالبطلان وبالتعويضات."

 

 

 

[163] -الأهلية هي عنصر من عناصر الحالة، لذلك فإنها تعتبر من مسائل الأحوال الشخصية. والحالة هي مجموع ما يتميز به الإنسان عن غيره من الصفات التي يرتب القانون عليها آثارا في حياته الاجتماعية. أنظر بتفصيل في هذا الموضوع: د.الفكهاني: "التعليق على قانون الالتزامات والعقود" الجزء الأول.

 

 

 

[164] د.إدريس العلوي العبدلاوي، المرجع سبق ذكره الصفحة 305.

 

 

 

[165] -تنص المادة 214 من مدونة الأسرة على ما يلي: "الصغير المميز هو الذي أتم اثنتي عشرة سنة شمسية كاملة."

 

 

 

[166] -د. محمد الكشبور: "التعليق على قرار المجلس الأعلى عدد1922" منشور بالمجلة المغربية للاقتصاد والقانون المقارن العدد 18، السنة 1992، ص124.

 

 

 

[167] -د.مأمون الكزبري: "نظرية الالتزامات في ضوء  قانون الالتزامات والعقود: مصادر الالتزام" –نشر دار القلم بيروت- السنة 1973 –ص 137.

 

 

 

[168] -القرار عدد 815 – الصادربتاريخ 3 أبريل 1985 – منشور بمجلة مجموعة قرارات المجلس الأعلى – المادة المدنية – الجزء الثالث 1991 – ص195.

 

 

 

[169] -د.محمد توفيق رمضان البوطي: " البيوع الشائعة "-نشر دار الفكر سوريا-السنة 1998، ص43.

 

 

 

[170] -منصور بن يونس البهوتي: " كشاف القناع "- نشر عالم الكتب بيروت-السنة 1983، ص151.

 

 

 

[171] -أحمد بن الدردير: " الشرح الصغير على أقرب المسالك "- نشر دار الكتب العلمية بيروت- 1995، ص18.

 

 

 

[172] -أحمد بن الدردير- المرجع سبق ذكره- ص18.

 

 

 

[173] -سعدي أبو جيب-المرجع سبق ذكره-ص148.

 

 

 

[174] -سورة النساء: الآية 6

 

 

 

[175] -عبد الله بن الرحمان الدارمي: " سنن الدارمي "-نشر دار الريان القاهرة-السنة 1987، الطبعة الأولى، الجزء الأول، ص:171.

 

 

 

[176] -د.علي رمضان محمد ازبيدة – المرجع سبق ذكره – ص77.

 

 

 

[177] -سورة الأنعام الآية: 152.

 

 

 

[178] -سيد قطب: "في ظلال القرآن"، الجزء الثالث – نشر دار الشروق بيروت- السنة 1980، الطبعة التاسعة، ص1232.

 

 

 

[179] -سعدي أبو جيب – المرجع سبق ذكره –ص191.

 

 

 

[180] -سعدي أبو جيب – المرجع سبق ذكره – ص148.

 

 

 

[181] -سورة النساء : الآية: 6.

 

 

 

[182] -الإمام الشاطبي: "الموافقات في أصول الشريعة" – نشر دار الكتب العلمية بيروت – الجزء الأول ص174.

 

 

 

[183] -ومن بينها نذكر قراراين لمحكمة النقض البلجيكية: الأول صدر بتاريخ 5 شتنبر 1981، والثاني بتاريخ  1 فبراير 1982  ثم نشرهما بمجلة Bulletin criminelle  الصفحة 661.

 

 

 

[184] -يسميه بعض الباحثين الثابت القانوني Standard-juridique وهو إجراء يلزم القاضي بضرورة الأخذ بعين الاعتبار متوسط السلوك الاجتماعي، مابين عدة أفراد، وذلك حتى يستطيع الحكم على حالات معينة لا يتوفر فيها على   الأدلة الكافية لتحديد نطاقها وبالتالي خضوعها للقانون. 1927 thèse M.OSTTI : « le standard juridique »

 

 

 

[185] -صدر هذا القرار بشأن تطبيق المادة 51 من قانون 14 يوليوز 1971 البلجيكي وهو القانون الذي تم تمديد العمل به بموجب قانون الممارسات التجارية وإعلام المستهلك وحمايته، الصادر بتاريخ 14 يوليوز 1991.

 

 

 

[186]-G.Ripert : « Le régime juridique démocratique et le droit civil moderne » édition L.G.D.J-1963 page 157.

 

 

 

[187] ومن بينهم :

 – L.BIHl: "La protection du consommation particulièrement faible", édition cahier de droit     cahier de l'entreprise 185 page 34.

-S.Cavanillas migica : "protection of the weak  consumer under product liability rules " edition : j.c.p 1990.

 

 

 

 

[188] -لقد رفض أحد قضاة محكمة الاستئناف بباريس أن يعتبر السن بمثابة قرينة لإثبات ضعف المدعي. وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن القضاء الفرنسي يرى بأن المستهلك يتحمل عبء إثبات بأن الضعف أو العجز الذي  يميزه عن غيره، ناتج فعلا عن كبر أو  صغر سنه.

Cours d’appel de Paris le 17 janvier 1992: « contrats, concurrence, consommation », septembre 1992, p :6

 

 

 

[189] -بعد توحيد العملة النقدية الأوربية،  اتضح أن نسبة كبيرة من المسنين عبروا عن عدم قدرتهم على التأقلم مع النمط الجديد من التعامل  بالعملة الأوربية (Euro) . ولهذا السبب قامت دول الاتحاد الأوربي بعدة مجهودات إعلامية للتعريف بهذه العملة، قبل بدإ العمل بها في بداية سنة 2002.

 

 

 

[190] -غالبا ما تنطبق هذه الصورة على الأعمال التبعية للنشاط الذي يمارسه المهني.

 

 

 

[191] -Rapport de la court de cassation, edition la documentation française 1987 page 208.

 

 

 

[192] -Cahiers juridiques, éléctricité – gaz Novembre 1986 page 409.

 

 

 

[193] -وفي نفس السياق نقرأ في قرار لمحكمة النقض الفرنسية صدر بتاريخ 23 يونيو 1983 ما نص:

« Un commerçant ayant contracté pour les besoin de son commerce, moyennant l'octroi d'un crédit, mais dans un secteur autre que sa compétence, ne peut quand même invoquer la loi du 10 janvier 1978 relative à la protection des consommateurs, dans le domaine de certaines opérations de crédit ».

مقتطف من تقرير محكمة النقض الفرنسية، المرجع سبق ذكره، الصفحة 208.

 

 

 

[194] -G.paissant: “Essai sur la notion de consommateur en droit positif ” la semaine juridique 1993- page 63-55.

 

 

 

 

[195] -مثلا مقاول الحفر Entrepreneur de terrassement لا يتوفر على نفس التخصص الذي يملكه بائع آلات الحفر  حسب ما أقرته الغرفة التجارية بمحكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر بتاريخ 6 نونبر1978. وفي نفس السنة  بتاريخ 30 أكتوبر أقرت نفس الهيئة ما يلي:

"…mais en s'en tenir à cette conception étroite, l’identité de spécialité professionnelle ne se rencontrerait qu'entre vendeurs successifs d'un même produit (fabricant et concessionnaire grossiste et détaillant etc.…) ou lorsqu'un fabricant vent à un concurrent autant dire que l'assouplissement ne serait que de façade, il parait opportun de comprendre plus largement la notion d'identité professionnelle, en incluant les personnes ayant compétence technique comparable ». 1979/1978La semaine juridique.

 

 

 

[196] -J.GHESTIN: “Conformité et garanties dans la vente.” édition L.G.D.J 1983 page 281.

 

 

 

[197] -Th.Bourgoignie: “éléments pour une théorie du droit de la consommation”.op.cit.p:61.

 

 

 

[198] -من وجهة النظر الاقتصادية تتحدد هيمنة التاجر، أو المقاولة بصفة عامة في سوق معينة، وفق رقم المعاملات الإجمالي، الذي يتحقق بالنظر إلى الحد الأدنى الذي يجب الالتزام به، حسب ما تفرضه سياسة الدولة الاقتصادية في هذا الإطار وبما أن وضعية المستهلك تتميز في أغلب الأحيان بالضعف مقارنة مع المهني فقد ارتأى الأستاذ Bourgoignie أن يتبنى معيار عدم بلوغ الحد الأدنى، الذي يخول للمهني التمتع بمركز معين داخل السوق من أجل إدراجه ضمن فئات المستهلكين،الذين يتمتعون بحماية قانون الاستهلاك. وفي اعتقادنا نرى بأن هذا الرأي يحتوي على تفسير ضيق يصعب الأخذ به لوضع تصور قانوني شامل يساعد على فهم الإطار الواسع الذي يمكن أن يحتويه مفهوم المستهلك.

 

 

 

[199] -المادة الأولى الفقرة (A)، من قانون قرض الاستهلاك الأوربي، المنشور بتاريخ 26 دجنبر 1986.

 

 

 

[200] -كما لو اشترى سيارة مثلا، فإنه يحق له إدراج ثمنها في لائحة المصاريف المستعملة لإدارة تجارته، وإن كانت مخصصة لتنقلاته الخاصة.

 

 

 

[201] -تطرح محكمة النقض الفرنسية إشكالية قانونية، تعكس واقع المعاملات التجارية داخل السوق الإستهلاكية، وصورتها ما نقرأه في هذا النص: "كيف يمكن للتاجر أن يتجرد من مهارته المهنية، بحكم تجربته ومعرفته، في الحالة التي يتصرف فيها من أجل تلبية حاجيات تجارته، وإن كانت خارج نطاق التقنيات والمهارات التي يجيد التعامل بها وفي مثل هذه الحالة هل يمكن تجميد انتمائه المهني، لكي نصفه بالمستهلك؟" مقتطف من:

Rapport de la cour de cassation 1987 page 208.              

 

 

 

[202] -J.L Auderi: “Protection des consommateurs.” Édition Dalloz 1986 page 393.

 

 

 

[203]– J.C.Auloy: “propositions pour un code de la consommation” édition la documentation française 1990 page 11.

 

 

 

[204] -القانون رقم 1243-86- الذي أدرجت بعض مواده في مدونة قانون الاستهلاك الفرنسية.

 

 

 

[205]– التي تنص على ما يلي:

« Toute personne qui met a la disposition d'une autre personne un nom commercial, une marque ou une enseigne, en exigeant d'elle un engagement d'exclusivité ou de quasi-exclusivité pour l'exercice de son activité, est tenue préalablement à la signature de tout accord inclus dans l'intérêt commun des deux parties à fournir à l'autre partie un document donnant des informations sincères, qui lui permettent de s'engager en connaissance de cause ».

 

 

 

[206] -الفصل الثاني من الباب السادس من قانون 06.99 يحمل عنوان "الشفافية في العلاقات التجارية بين المهنيين وذلك يعني  بأن لفظ المشتري الذي ورد في مواد هذا الفصل لا يتعلق بالمستهلك العادي وإنما يقصد به  المهني الذي يتصرف بشأن كل ما يتعلق بتجارته أو مهنته.

 

 

 

 

1G. Paissant: " Essai sur la notion de consommateur en droit positif"' op.cit.

 

 

 

[208] -D.Flouzat: "Econnomie contemporaine” op.cit. p: 590.

 

 

 

1-G.CAS et D.Ferrier: "Traité de droit de la consommation »op.cit p:12                                         

 

 

 

[210] -منتجات الإدخار  produit d’épargneيعرفها الأستاذCAS  بقوله:

« Cest le moyen de faire fructifier son argent, d’assurer la valorisation et le rendement d'un capital. » cahier de droit de l'entreprise page 13.

 

 

 

3G.CAS et D. Ferrier : "Traité de droit de la consommation" op cit p:12.

 

 

 

 

 –4J.G.Brito Filomeno : "commentaire du code Brésilien de la défense du consommateur" page 34.

ومن الآراء التي يدافع عنها هذا الباحث، عدم اعتبار المستثمر في مجال القيم المنقولة بمثابة مستهلك، وهو يستند في ذلك على نص المادة الرابعة من قانون حماية المستهلكين المكسيكي، الذي يقصي بشكل صريح المؤسسات البنكية العمومية، ومؤسسسات القرض من نطاق تطبيق قانون الاستهلاك.

 

 

 

 

1-J.C.Auloy : "Droit de la consommation" op.cit.p:9

 

 

 

[214] -يصف الأستاذ   M.Cornu المستهلك بقوله:

« Il ne cherche pas à augmenter, à terme ses revenus, ou sa fortune, en épargnant ou en plaçant" Association H.Capitant 1973 page 135.                        

 

 

 

3- C.HEURTREUX : "L'information des actionnaires et des épargnants en droit français et comparé " Thèse 1960- page 23.

 

 

 

[216]  -P.Savatier: “Contribution à une étude juridique de la profession " Mélanges Hamel- Dalloz 1961- page6

 

 

 

[217] -هذه الإشكالية ظهرت بسبب الفراغ التشريعي حول مسألة إعلام وتوعية المدخرين، كما يقول بذلك الأستاذ C.HEURTREUX  – نفس المرجع المذكور أعلاه- ص93.

 

 

 

[218] -بموجب القانون رقم 89-39 الصادر بتاريخ 11 دجنبر 1989 المتعلق بنقل المقاولات العمومية إلى القطاع الخاص، و لقد تم تنفيذه بموجب الظهير رقم 1.90.01 الصادر بتاريخ 11 أبريل 1990 ، منشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 18 أبريل 1990. والخوصصة في تعريف أحد الدارسين هي:

"La privatisation est un terme qui donne lieu à une interprétation extensive couvrant plusieurs significations, il s'agit  d'un ensemble hétérogène de transformations des tâches et des moyens d'intervention de l'Etat. Selon une notion plus restrictives, la privatisation recouvre le concept de propriété, et c'est dans ce sens que l'on peut parler de privatisation proproment dite. Dans cette acception restrictive, la privatisation consiste -Comme on peut la  définir –, selon les lois des systèmes juridiques des différents pays en un transfert de la propriété d'entreprises publiques au secteur privé". Mohammed Assouali: "le processus de privatisation au Maroc", édition: publications de la revue marocaine d'administration locale et de développement, série thèmes actuels – n°7 – 1995 – p:90.

 

 

 

[219] -يستعمل مصطلح المرفق العام للدلالة على معنيين:

-المعنى الأول عضوي ويطلق على الهيئة التي تمارس نشاطا له منفعة عامة، مثل المستشفيات والمحاكم والإدارات.

-المعنى الثاني مادي، ويطلق على النشاط نفسه أو العمل الذي تمارسه الهيئة لتحقيق المصلحة العامة، مثل الأمن والصحة والتعليم، والعدالة. د.مليكة الصروخ: " القانون الإداري: دراسة مقارنة" توزيع دار الأمان- الرباط السنة 2001- ص 297.

 

 

 

[220] -قانون مراقبة التجارة الصادر بتاريخ 16 يوليوز 1971، الذي تم تعديله بموجب قانون 13 فبراير 1981.

 

 

 

[221] -قانون الدفاع عن المستهلكين- سبق ذكره.

 

 

 

[222] -قانون مقاطعة الكيبيك، المتعلق بحماية المستهلك.

 

 

 

[223] -المصلحة العامة في نظر القانون الفنلندي المتعلق بحماية المستهلك والمؤرخ في 20يناير 1978: "لا تعد منتجا استهلاكيا، ولا تتخذ شكل الخدمات التجارية التي يمكن أن تقوم الإدارات العمومية بعرضها".

 

 

 

[224] – يرى الأستاذ Desoto   بأن مستعمل المرفق العام هو الشخص الذي يستفيد من نشاط خدمة عمومية.

D. Desoto : « Droit administratif " édition Montchrestien, 1982 –page 62.

 

 

 

[225] – Cour de cassation –chambre civile- Cahiers juridiques –électricité- gaz Octobre 1986 –page 364 et suivant.

 

 

 

[226] – د. مليكة الصروخ –المرجع سبق ذكره-  ص 304.

 

 

 

[227] – J. P. GRIDEL : « Remarques de principe sur l’article 35 de la loi N° 78/23. Du 10 Janvier 1978 relatif à la prohibition des clauses abusives ». Édition Dalloz 1984 page 160.

 

 

 

[228] – كل الخدمات المشتركة التي تعرض للانتفاع الجماعي، من طرف الإدارة، هي خدمات مجانية، مثل العدالة والأمن.

J. C. Auloy : « Droit de la consommation » 1986 op cit  p:5

 

 

 

[229] – تعرف المادة الأولى من مقترح قانون إخبار وحماية المستهلك، الذي قدمه أعضاء الفريق الاشتراكي لمجلس النواب بتاريخ 13 يونيو 2003، المهني باعتباره:"كل بائع سلعة أو مقدم خدمات بصفة اعتيادية أو مهنية موجهة للمستهلك:" ومن خلال هذا التعريف نستنتج بأنه يمكن وصف الإدارة العمومية بالمهني، وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن للمصالح الإدارية الحق في  ممارسة جميع الأنشطة الاقتصادية، مثلها مثل أي شخص اعتباري، تطبق عليه القواعد والإجراءات القانونية، التي تنظم المعاملات الاقتصادية ما بين الأفراد العاديين.

ومما تجدر الإشارة إليه هو أن مشروع القانون البلجيكي حول حماية المستهلكين، الذي يعتبر المصدر الأساسي لمقترح القانون المغربي المذكور أعلاه، تبنى مصطلح المقاولة entreprise، لأن اللجنة المكلفة بوضع هذا المشروع، أخذت بعين الاعتبار انعكاس التطورات التي عرفها القطاع التجاري، على النصوص التشريعية الجاري بها العمل في القانون البلجيكي، وهو الأمر الذي دعاها إلى عدم استعمال كلمة المهني « professionnel » ، أو كلمة التاجر « commerçant »، وذلك من أجل المحافظة على وحدة المفاهيم القانونية. ففي مادة القانون الاجتماعي، مثلا وأيضا في نصوص قانون حماية المنافسة الاقتصادية، لا نجد إلا لفظ "المقاولة"، الذي يمكن اعتباره لفظا جامعا لكل الأشخاص المتعاملين مع المستهلك، بما في ذلك التاجر، والحرفي، والصانع التقليدي، والمزارع، وصاحب المهنة الحرة، وكذلك الجمعيات والمؤسسات العمومية –انظر بتفصيل:

Th.Bourgoignie: « Dimensions nouvelles du droit économique contemporain » revue interdisciplinaire d’études juridiques. 1989, page 4-5.  

 

 

 

[230] – إن الخدمات الصحية في المستشفيات العمومية الأوروبية، لا تتم بالمجان، وإنما بمقابل مادي، قد يسترجع المريض نسبة منه، شريطة أن يكون منخرطا في إحدى مؤسسات التأمين الصحي، التي يدفع لها أقساطا شهرية أو موسمية. والشخص الذي لا يؤدي هذه الأقساط  يلزم بأداء أجرة العلاج كاملة.

 

 

 

[231] – عندما يتقدم المريض إلى المستشفى، أو المركز الصحي، لطلب العلاج، يكون الدافع الذي أدى به إلى هذا التصرف دافع شخصي، لا علاقة له بالغرض المهني، وإن كان تاجرا أو حرفيا في الأصل، لأنه يسعى، أولا وقبل كل شيء إلى وقاية جسده أو إنقاذ حياته.

 

 

 

[232] – قانون الشروط التعسفية الفرنسي، الصادر بتاريخ 5 أبريل 1993، يعرف المهني كما يلي:

« Le professionnel comme toute personne agissant dans le cadre de son activité professionnelle quelle soit publique ou privée ».

 

 

 

[233] – على سبيل المثال: اتفاقية بروكسيل حول الاختصاص القضائي، التي تم توقيعها بتاريخ 27 شتنبر 1968.

واتفاقية روما حول القانون المطبق على الالتزامات التعاقدية، الموقعة بتاريخ 19 يونيو 1980.

 

 

 

[234] – J. Rivero : « Droit administratif » Dalloz 1990 page 567.

وفي نفس السياق يرى الأستاذ عبد الله بوضهرين، بأن الأشخاص المستفيدين من خدمات المصالح العمومية يطلق عليهم اسم مستعملي المرافق العمومية، وذلك لتمييزهم عن المستهلكين الذي يحاولون الحصول على المنتجات والمواد والسلع المبيعة من طرف المهنيين.

 "Le droit de la consommation au Maroc" op cit 1999- p : 10.

 

 

 

[235] – يقول الأستاذ:

 J. Desoto : « tous les services ne sont pas destinés à avoir des usages : il en est ainsi des services du fisc »

المرجع سبق ذكره –الصفحة 63.

 

 

 

[236]– إن صعوبة تعريف المقاولة، تثير إشكالية قانونية حقيقية، لاسيما إذا تعلق الأمر بمؤسسة عمومية وذلك بالنسبة للعقود التي تحدد التزامات وحقوق الإدارة، وبالنظر إلى الطرف الآخر المتعاقد معها، فهل يجب أن نعتبره مواطنا أم مستهلكا؟ يضاف إلى ذلك إشكالية الإجراءات والمقتضيات القانونية الواجب تطبيقها، في حالة نشوب نزاعات قضائية. ومن التعاريف التي  أعطيت للمقاولة ما ذكره الأستاذ Guvel في قوله:"المقاولة كيان مستقل، يعتبر في الوقت نفسه، شيئا وشخصا قانونيا، ويتكون من ثلاثة عناصر: عنصر رأس المال – عنصر إدارة مستقلة –والعنصر البشري. هذه العناصر يجب أن تتجمع حول نفع مشترك، وليس بالضرورة أن يكون مربحا، أو في شكل تصرف عقدي…"

Didier Guvel : « droit des affaires » édition L.G.D.J 1999 page 70.

 

 

 

[237]– د. مليكة الصروخ –المرجع سبق ذكره- الصفحة 304.

 

 

 

[238] D. Deom : «le statut juridique des entreprises publiques » édition Story-scientia 1990 –page 4.

 

 

 

[239] – ومن أصحاب هذا الرأي نذكر:

-H. Olivier : « l'entreprise publique et le droit commercial » édition J.T. 1976 page 537.                                                                                                                                             

–M Bolla : « le contrôle des entreprises publiques en Belgique et en Turquie » thèse-liége –1981-1982 page 48.

 

 

 

[240] – P. J Delahaut : « la création et le financement d’entreprise par les pouvoirs publics –les nouveaux modes d'intervention publics dans l'entreprise » édition C.I.D.P.-Bruxelles- Bruylant 1988 –p