بحوث قانونيةفي الواجهةمقالات قانونية

النظام القانوني والنظام الرياضي – تجليات الأزمة وجهود التنسيق – الباحث : عبد النبي الفراعي-

النظام القانوني والنظام الرياضي – تجليات الأزمة وجهود التنسيق –

The legalorder and the sportingorder – Manifestations of the crisis and coordination efforts –

الباحث : عبد النبي الفراعي

طالب باحث بسلك الدكتوراة -مختبر القانون العام والعلوم السياسية

كلية العلوم القانونية الاقتصادية والاجتماعية -أكدال -الرباط

 

لتحميل عدد المجلة كاملة

مجلة القانون والأعمال الدولية : الاصدار رقم 49 لشهري دجنبر 2023 / يناير 2024

الملخـص

بعد بروز النظام الرياضي وتشكله في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وتدخل الدولة اللاحق لتأطيره ومحاولة إدماجه ضمن نظامها القانوني، أدى ذلك إلى حدوث أزمة و مواجهة بين النظامين: مابين مطالب باستقلالية وخصوصية الحركة الرياضية ومؤيد للسيادة الوطنية.

وقد تجلت أهم معالم هذه الأزمة في محورين أساسين: السلطة ذات الاختصاص والتشريع المختص، ثم آليات حل المنازعات ما بين القضاء الوطني والقضاء الرياضي. غير أن هذه المواجهة لم تؤد في نهاية المطاف إلى الباب المسدود، بل العكس عمل الطرفان في عدة مناسبات على تطوير التقارب والتنسيق بينهما، إيمانا منهما بالدور الكبير الذي تلعبه الرياضة، سواء على المستوى الدولي أو الوطني.

وقد حاولت هذه الدراسة المتواضعة في نهايتها تقديم بعض الاقتراحات التي من شأنها تعزيز هذا التعاون وفتح آفاق جديدة بينهما.

الكلمات المفتاح:

النظام القانوني- النظام الرياضي- الاستقلالية – الخصوصية – المواجهة – التنسيق

الكلمات المختصرة:

الطاس: محكمة التحكيم الرياضي الدولي بسويسرا الفيفا: الاتحاد الدولي لكرة القدم

Abstract

The emergence of the sportingorder and its constitution dates from the latenineteenth and earlytwentieth centuries. Subsequently, the State endeavors to integrateitintoitslegalorder, thuscreating a crisis. Indeed, a confrontation between the twoordersarises: one party claims the autonomy and specificity of the sports movement, while the other claims state sovereignty.

This crisisisdividedintotwo major axes: the power and the competentlegislation on the one hand, and the methods of dispute resolutionbetween national and sports courts on the other hand.

However, this confrontation has resulted in closer rapprochement and coordination. Bothsides are aware of the role of sport at the international and national levels.

Finally, thisstudyputsforwardsomeproposalslikely to consolidatecooperation as well as open up new horizons between the twoorders.

المقدمــة

يجمع الباحثون على أن الرياضة تعتبر ظاهرة إنسانية قديمة مارستها الشعوب من حقبة زمنية إلى أخرى بأشكال ووسائل مختلفة غير أنه، ومنذ منتصف القرن التاسع عشر وما طبعته من نهضة صناعية وعمرانية واجتماعية لاسيما بأوروبا والولايات المتحدة، ستشهد الرياضة تطورا سريعا، ببروز الإرهاصات الأولى للتنظيمات الرياضية كالفرق والأندية ثم الاتحادات الدولية وفي قمتها اللجنة الأولمبية الدولية.

وقد تكلل هذا التطور بتنظيم أول دورة اولمبية سنة 1896 بأثينا، لما تحمله هذه المدينة من رمزية تاريخية باعتبارها مهد الألعاب الاولمبية التي أبدعتها الحضارة الإغريقية القديمة.

ومنذ ذلك الحين وإلى يومنا هذا، مافتئ الحقل الرياضي يعرف انتشارا مضطردا عبر العالم برمته، ويتحول إلى ظاهرة مجتمعية و كونية متعددة الأبعاد: اجتماعية، اقتصادية، ثقافية، إعلامية، وغيرها.

ولم تكن الرياضة لتصل إلى هذه المرتبة لولا تؤثرها بالأبحاث والدراسات العلمية في مختلف الحقول المعرفية، والتي يأتي القانون في مقدمتها، حيث نجد وقوع احتكاك تدريجي بين المجالين: القانوني والرياضي، أدى إلى بسط أهم مبادئ وأسس المجال الأول على الثاني وبالتالي إحداث جو من التوتر والتصادم بينهما، و هو ما يشكل موضوع هذه المقالة.

فقبل الخوض في بحث إشكاليته، نتطرق في البداية إلى تحديد أهم المفاهيم الرئيسية كما يلي:

النظام القانوني: يعتبر من المفاهيم الغامضة التي اختلفت حولها المذاهب الفكرية، تبعا لمرجعياتها المختلفة، إلا أن جلها يكاد يتفق على اعتبارهمؤسسة أو نسقا اجتماعيا، يقوم على أساس مجموعة متكاملة من القواعد والضوابط المعيارية التي تحدد العلاقات بين الأفراد والأجهزة، كما أنه يتوفر على هياكل وسلطات تتكفل كل واحدة منها باختصاص حصري: إنشاء القواعد، تنفيذها ثم تسوية المنازعات الناشئة.

وقد ظهر تياران متباينان، الأول يقول بوحدة النظام (monisme juridique) يركزه في نظام الدولة كمؤسسة مهيمنة، من رواده نجد: هنس كلسن و هيربرت هارت، أما الثاني يقول بتعدد الأنظمة (pluralisme juridique) أي وجود أنظمة اجتماعية إلى جانب نظام الدولة (المنظمات والهيئات المختلفة) من رواده نجد: ماكس فيبر، سانتي رومانو و جاك شوفالييه.

النظام الرياضي: أحد تجليات المذهب القائل بتعدد الأنظمة المشار إليه، فهو عبارة عن نظام معياري مرتبط بحركة مدنية عابرة للحدود (المجتمع الرياضي)، لها قواعدها، مفاهيمها وقيمها الكونية، كما لها سلطتها الخاصة تكاد تضاهي سلطة الدول، تعمل على إدارة الحقل الرياضي ومراقبته من أعلى الهرم حيث توجد اللجنة الأولمبية والاتحادات الدولية إلى أصغر جمعية أو نادي رياضي.

وتهدف الدراسة التي بين أيدينا، إلى تسليط الضوء على الاحتكاك الذي حصل بين النظامين وما نتج عنه من تصادم، فبعدما استطاع النظام الرياضي أن يتشكل و يبرز كظاهرة اجتماعية في غفلة من قوانين الدولة، ستبادر هذهلأخيرة إلى تدارك الموقف ومحاولة تأطيره، وهو ما أدى إلى نشوء أزمة بينهما، قوامها تمسك الدولة بسيادتها الوطنية، في مواجهة تشبت النظام الرياضي بخصوصياته و نزوعه إلى الاستقلالية الذاتية، كما تهدف الدراسة كذلك، إلى بحث جهود التنسيق والتعاون التي انتهجها الطرفان في أفق تجاوز هذه الأزمة.

تبدو أهمية الموضوع من خلال بعدين، نظري و عملي:

بعد نظري: إبراز أهم الإسهامات الفكرية والفقهية ذات الصلة بالموضوع، إضافة إلى أهم المبادئ والحلول النوعية التي ابتكرها الاجتهاد القضائي واجتهاد محكمة التحكيم الرياضي بسويسرا، تراعي خصوصية النظام الرياضي،كل هذه التراكمات من شأنها تطوير القانون الرياضي بصفته أحد الفروع القانونية الصاعدة.

بعد عملي: إبراز جهود التقارب و التنسيق بين النظامين، ووضع مقترحات بهذا الخصوص، من شأنه أن ينعكس على تطوير الرياضة عبر العالم و يساهم في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلدان.

و على هذا الأساس فإن الإشكالية المحورية للموضوع تدور حول بحث أسس وتجليات الأزمة بين النظامين: القانوني والرياضي، ومدى نجاح آليات التنسيق والتعاون في تجاوزها .

و كتفسير مؤقت للظاهرة، نورد فرضيتين إثنتين كما يلي:

  • تشكل خصوصية النظام الرياضي وتمسكه باستقلاليته أساس الأزمة مع النظام القانوني؛
  • آليات التنسيق والتعاون القائمة بينهما هي ذات أثر محدود، لازالت في حاجة للتطوير.

    تبعا لذلك سنسعى لمعالجة الموضوع، من خلال التصميم التالي:

    المبحث الاول: مظاهر المواجهة بين النظامين

    المطلب الأول: تنازع اختصاص السلطة واختصاص التشريع

    المطلب الثاني: تنازع الاختصاص القضائي

    المبحث الثاني: جهود التنسيق والتعاون

    المطلب الاول: الحصيلة والمنجزات

    المطلب الثاني: الآفاق المستقبلية

    المبحث الأول: مظاهر المواجهة بين النظامين

    يرى جل الباحثون والمهتمون بقانون الرياضة، أن الأزمة بين النظامين: القانوني والرياضي تأخذ عدة مستويات، سنحاول التركيز علىمحورين أساسيين: الأول اختصاص السلطة واختصاص التشريع، فيما الثاني اختصاص القضاء.

    المطلب الأول: تنازع اختصاص السلطة واختصاص التشريع

    في هذا الإطار نميز بين مستويين، تنازع اختصاص السلطة (الفقرة الأولى) ثم تنازع الاختصاص التشريعي (الفقرة الثانية)

    الفقرة الأولى: تنازع اختصاص السلطة

    بعد تشكل الحركة الرياضية الدولية واستكمال منظومتها التقنية والمعيارية، و انطلاق الأنشطة والمنافسات و اتساعها عبر ربوع العالم في غفلة من الدول، ستنتبه هذه الاخيرة وتقوم بتأطير المجال الرياضي ومد رقابتها عليه عبر استصدار مجموعة من التشريعات الوطنية تعتبر فيها الرياضة مرفقا سياديا يعود لها مسؤولية الإشراف عليه و تنظيمه و مراقبته، ثم بعد ذلك تأتي مسألة تفويضه كليا أو جزئيا إلى الجامعات الرياضية الوطنية.

    ومن جملة التدابير التي تقوم بها: إخضاع الأندية والجامعات للنظام الوطني الخاص بالجمعيات والمنظمات الغير الهادفة للربح، إضافة إلى إقرار نظام للاعتراف بها (ترخيص، اعتماد، تأهيل…)، يسمح لكل الهيئات التي تتوفر فيها الشروط بممارسة أنشطتها، والاستفادة من مختلف أنواع المنح ودعم الدولة.

    كما تقوم بإنزال العقوبات في حق كل هيئة صدرت عنها مخالفة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، قد تكون ذات طابع إداري (كتوقيف المكاتب التنفيذية و تشكيل لجان مؤقتة)، أو ذات طابع مالي (كالحرمان من المساعدات و المنح المالية)، أو ذات طابع زجري وغيرها.

    ولعل مسألة تكوين اللجان المؤقتة لتسيير الجامعات الرياضية الوطنية تشكل إحدى أبرز تجليات المواجهة بين السلطة العامة والسلطة الرياضية، كل طرف يعمل على اختبار موازين قوته تجاه الطرف الآخر، فالدولة تعتبره شأنا سياديا وتتمسك بتطبيق قانونها الوطني، بينما الهيئات الدولية باعتبارها راعية الحركة الرياضية وضامنة استقلاليتها، تعتبره تدخلا في اختصاصها، ومن تم تلوح بإصدار العقوبات ضد البلد المعني، وخاصة ما تعلق منها بمنعه من المشاركة في المنافسات و حرمانه من الاستفادة من أشكال الدعم المالي، واللوجيستي والتقني.

    و في إطار الصراع بين السلطتين، نجد تشبث الحركة الدولية بسيادتها على الإشراف على الحقل الرياضي و تنظيمه و مراقبته عبر العالم (الميثاق الاولمبي و تراتيب الاتحادات الدولية)، مع حظر تدخل الدول في شؤونها، تحت طائلة توقيف الهيئات الرياضية الوطنية و حرمانها من المشاركة في المنافسات الدولية و كذا من الاستفادة من برامج الدعم و تنمية اللعبة.

    كما أن هذه الحركة، و انطلاقا من مبدأ الاستقلالية الذاتية الذي تتبناه، تتوفر على سلطة قوية تمارسها على أعضائها مهما كانت صفتهم وطبيعتهم القانونية، أشخاصا معنوية (جامعات، جمعيات، شركات رياضية…) أو طبيعية (رياضيين، مدربين، حكام، مسيرين، منظمين…) تلزمهم جميعا باحترام الأنظمة والمبادئ (القواعد التقنية، قواعد السلوك والأخلاقيات، قواعد النزاهة والشفافية، الديمقراطية، الحكامة الجيدة…) وكل مخالف يعرض نفسه إلى العقوبات التأديبية والرياضية الشديدة.

    من جهتها تقوم الدول المحتضنة لمقرات الاتحادات الدولية بإخضاع هذه الأخيرة لمقتضياتها القانونية الوطنية، وفي مقدمة هذه الدول نجد سويسرا، التي تحتضن مقرات اللجنة الاولمبية وأغلب المنظمات الرياضية الدولية، بالإضافة إلى محكمة التحكيم الرياضي ومكتب الوكالة الدولية للمنشطات، مما يمكنها من مراقبة هذه المنظمات فيما يخص: وضعها القانوني، تنقلات الأعضاء (الإقامة، الخروج والدخول) حركة الأموال، الممتلكات ووسائل العمل، و كافة الحقوق والالتزامات الواردة عليها.

    و في الأخير، نشير إلى أن كل من اللجنة الاولمبية والاتحادات الرياضية، بصفتهما يدبران مرفقا دوليا، نجدها تطمح إلى الرقي بوضعها القانوني لتصبح في مرتبة المنظمات الدولية الخاضعة لأشخاص القانون الدولي، إلا أن هذه المطالب لازالت لم تلق أي اعتراف سواء من طرف الدول أو من طرف القضاء الوطني، و أقصى ما حصلت عليه اللجنة الاولمبية، هو الاعتراف بها كعضو ملاحظ ضمن الجمعية العمومية للأمم المتحدة منذ سنة 2009.

    الفقرة الثانية: تنازع الاختصاص التشريعي

    يشكل موضوع التشريع الرياضي بدوره مجالا للمواجهة بين النظامين القانوني والرياضي، كل طرف يتشبث بسمو منظومته على الآخر وبأحقيته في التقنين ووضع القواعد المناسبة لتأطير الأنشطة والمنافسات.

    فالمنظمات الرياضية تؤكد على أنها هي المصدر الأساسي لهذا التشريع، بفضل الاتفاق الحاصل بين أعضائها على وضع القواعد التقنية و القواعد الرياضية لكل نوع رياضي على حدة، وكذلك بفضل انخراط الحركة الرياضية بمحض إرادتها في تبني اللوائح والأنظمة التي تضعها اللجنة الاولمبية والاتحادات الدولية .

    كما تؤكد أيضا، على خصوصية المجال الرياضي برمته وخصوصية قواعده، التي تنفلت أصلا من قواعد النظام القانوني الكلاسيكي، بل إن من الباحثين و المهتمين من يعتبر أن هذه الخصوصية -التي تكرسها اجتهادات محكمة التحكيم الرياضي- هي من كانت وراء بروز فرع قانوني جديد: “قانون الرياضة” أو ما يطلق عليه البعض بالليكسبورتيفا(Lex-sportiva) ، يتميز بالاستقلالية عن باقي الفروع القانونية الأخرى، وفي الوقت نفسه يتسم بخاصية العرضانية (transversalité) لكونه يتقاطع مع جل هته الفروع، كما يتميز أيضا بكونه عابرا للحدود لا يخضع لأي نظام قانوني وطني (droit transnational).

    وتزكي هذه المنظمات طرحها بالتأكيد على أن الدول تبقى عبارة عن أنظمة قانونية متعددة (نظام أوروبي فوق-وطني”supranational” ، نظام سويسري، انجليزي، فرنسي، أمركي..( لكل نظام أسسه وضوابطه، وهذه الوضعية لا تساعد على تحقيق تجانس وانسجام القواعد الرياضية عبر العالم، وهو ما يتطلب تدخل هذه المنظمات في كل مرة لتصحيح الوضع.

    من جانبها تتشبث الدول بأحقيتها في وضع قوانين وطنية في المادة الرياضية، ذلك أنه انسجاما مع النظريةالكلسينية (هنس كلسن)، فإن القاعدة الرياضية بطبيعتها تفتقد إلى عنصري القانونية (juridicité) والإكراه (contrainte)، ولكي ترقى إلى درجة قاعدة قانونية مكتملة الأركان، يجب إدماجها في المنظومة القانونية بواسطة استصدار نص تشريعي وطني.

    و موازاة مع ذلك، يلاحظ على أن قواعد القانون السويسري تسود و تهيمن على قواعد النظام الرياضي الدولي برمته (قانون الجمعيات، القانون المدني، التحكيم الرياضي…)، وهكذا نجد كل من الميثاق الأولمبي، نظام التحكيم الرياضي وأنظمة ولوائح الجامعات الرياضية التي مقرها بسويسرا، جميعها يأخذ بجل مقتضياته .

    وكنتيجة لهذه الوضعية المزدوجة، نجد سيادة الخلاف في مجموعة من القضايا، وهيمنة الغموض على العديد من المفاهيم، كموضوع الجنسية (اختلاف الجنسية المدنية عن الرياضية)، عقود العمل (مقومات العقد الرياضي تختلف عن عقد الشغل)، المسؤولية المدنية (قواعد المسؤولية الرياضية لا تتطابق كلية مع قواعد المسؤولية المدنية) المسؤولية الجنائية (هناك اختلاف بين الخطأ الرياضي والخطأ الجنائي، بين مقومات المسؤولية الرياضية والمسؤولية الجنائية)، نظام الوكالة (تميز عقد الوكيل أو الوسيط الرياضي عن عقد وكيل الأعمال)، حقوق الإنسان (نجد خصوصيات متعلقة بحقوق الأطفال الرياضيين، حقوق الأمومة الرياضية، الجنس الرياضي “”sexe sportif” ، الحق في الحياة الخاصة و الحياة العائلية…).

    و في الأخير،تجب الإشارة إلى الدور الكبير الذي لعبه الاجتهاد القضائي في تجويد التشريع الرياضي الوطني والفوق-وطني، و ابتكار الحلول من أجل التقريب بين النظام القانوني والنظام الرياضي، نذكر على الخصوص مساهمة كل من:

  • محكمة العدل للاتحاد الأوروبي (CJUE)مساهمتها في بلورة عدة مفاهيم و مبادئ حول الجنسية، انتقالاللاعبين، قواعد التنافس،وكلاءاللاعبين، المنشطات الرياضية، حرية تنقل البضائع ، الخ
  • محكمة الاوربية لحقوق الانسان (CEDH) ينصب اجتهادها على ضمان حقوق اللاعبين، مراقبة شروط ومبادئ المحاكمة العادلة، رقابة تحكيم محكمة الطاس بلوزان وغيرها من القضايا.
  • القضاء الفرنسي، على رأسه نجد مجلس الدولة، وابتكاره لمفهوم المرفق العمومي الرياضي، ثم محكمة النقض وتطويرها لمفهومي المسؤولية الرياضية المدنية والمسؤولية الجنائية الرياضية.

    غير أن الحركة الرياضية، ترى في هذه الاجتهادات القضائية بالرغم من أهميتها، أنها لا تساهم بالضرورة في تكريس مبدأ الاستقلالية، مادام همها هو تكييف القانون الرياضي مع القانون الوطني، الشيئ الذي يؤدي بحسبها إلى ضرب هذا المبدأ في الصميم، فتمت المطالبة من قبلها بمبدأ جديد هو “الاستثناء الرياضي” (l’exception sportive) عوضا عن “الخصوصية الرياضية” (la spécificité sportive) فبالنسبة لهالا يمكن تطبيق قواعد القانون العاديعلى الرياضة، فذلك سيقوض خصوصيتها و يغير طبيعتها وجوهرها من أصله.

    وقد أدت مطالبات و احتجاجات هذه الحركة بأوروبا نهاية التسعينيات من القرن الماضي وبداية القرن الحالي، إلى إصلاح عميق لمعاهدة الاتحاد الأوروبي – اتفاقية برشلونة 2007- والتي كللت بالتنصيص فيها لأول مرة على اختصاص الاتحاد في مجال الرياضة (المادة6) والاعتراف بالخصوصية الرياضية (المادة 165)، والتي بدأ تنزيلها الفعلي انطلاقا من فاتح دجنبر 2009.

    المطلب الثاني: تنازع الاختصاص القضائي

    تشكل المنازعات الرياضية وآليات تسويتها ما بين القضاء والآليات البديلة، مجالا خصبا للمواجهة بين النظامين، فكل طرف يتشبث بطرحه و بدفوعاته، نبسط أهما كالتالي:

    الفقرة الأولى: اختصاص الوسائل البديلة لحل النزاعات الرياضية

    تقديرا من النظام الرياضي لعناصر قصور القضاء، التي لا تراعي في مجملها خصوصيات الشأن الرياضي: بطء المساطر، طول الآجال، ارتفاع تكلفة التقاضي وعدم توفر قضاة متخصصين في المادة الرياضية، فإن ذلك دفعه إلى اللجوء إلى الوسائل البديلة لتسوية النزاعات (التحكيم، الوساطة، والتوفيق) وألزم الحركة الرياضية باللجوء إليها (المادة 61 من الميثاق الأولمبي)، كما أن بعض الاتحادات الدولية من ذهبت إلى درجة المنع الصريح لعرض الخلافات الرياضية على القضاء .

    فبالنسبة لهته المنظمات، تتمثل مزايا التحكيم في أهم العناصر التالية :

  • له طبيعة قضائية ملزمة، تحمل كافة ضمانات ومبادئ المحاكمة العادلة؛
  • كونه آلية ناجعة لتسوية النزاعات الرياضية، تراعي خصوصياتها: كالسرعة، السرية، نقص المصاريف، خفة المساطر والإجراءات؛
  • اعتماده على محكمين متخصصين (رجال قانون بالإضافة إلى معرفتهم بالمجال الرياضي)؛
  • وسيلة فعالة لضمان استقلالية النظام الرياضي عن القضاء وعن أجهزة الدولة؛

    و لهذه الغاية تم إحداث محكمة التحكيم الدولي بلوزان (الطاس) منذ سنة 1984، تم الاعتراف بنزاهتها وباستقلاليتها، من طرف المحكمة الفيدرالية السويسرية (قضية الفارس كندل 1993) والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (قضية اللاعب موتو، والمتزلجة بتشتاين) .

    كما أن القضاء الإداري المغربي كانت له فرصة لإبداء موقفه سنة 2012 حينما قضى بعدم قبول منازعة كانت معروضة بشكل موازي أمام أنظار هذه المحكمة (الطاس).

    وقد نتج عن الوضعية تزايد ثقة المجتمع الرياضي في المؤسسة، وارتفاع حجم المنازعات المعروضة أمامها واتساع مجالاتها(التأديب، المنشطات، الحقوق المالية والاقتصادية والفكرية، عقود اللاعبين، النقل التلفزي، الخ).

    وما يؤكد نجاعة آلية التحكيم في حل الخلافات الرياضية، ليس فقط النزوع التدريجي للاتحادات الرياضية الدولية إلى إحداث هيئات تحكيمية خاصة بالنوع الرياضي الذي تشرف عليه، بل أكثر من ذلك، نجد مبادرة الدول نفسها إلى إحداث هيئات وطنية خاصة بالتحكيم الرياضي بموجب نصوص تشريعية أو تنظيمية أو اتفاقات خاصة تكون مستقلة أو تابعة عضويا بحسب الحالة، للجان الأولمبية الوطنية.

    أما بالنسبة للوساطة و التوفيق، فنظرا لطابعهما الودي والوقائي، فهما كذلك يحظيان باهتمام الأطراف المتنازعة لما لهما من إيجابيات على مستوى السرعة، التكلفة، خفة المساطر والتخصص في المجال الرياضي.

    وما يؤكد هذه الأهمية، تنصيص مدونة الرياضة الفرنسية على إلزامية سلوك مسطرة التوفيق (لدى اللجنة الاولمبية و الرياضيةCNOSF) قبل كل لجوء إلى التحكيم أو القضاء، وذلك كلما تعلق الأمر بقرار صادر عن إحدى الجامعات الرياضية في إطار ممارسة امتيازات السلطة العامة، أو في إطار تطبيق أنظمتها .

    كما أن محكمة التحكيم الرياضي (الطاس) نفسها، تجيز لهيئة التحكيم سلوك مسطرة التوفيق قبل انطلاق التحكيم، وفي كل حين ترى ذلك مناسبا، إضافة إلى القيام بمهمة الوساطة لحل النزاعات المعروضة عليها، وفق مسطرة خاصة موضوعة لهذه الغاية.

    الفقرة الثانية: اختصاص القضاء

    رغم المزايا التي تقدمها الوسائل البديلة لتسوية النزاعات، إلا أن القضاء يبقى صاحب الولاية العامة في حل كل الخلافات، لاسيما عندما تتعرض إحدى هذه الوسائل إلى استحالة الانعقاد والبث في النازلة (حالة عدم وجود شرط أو اتفاقية تحكيم، وجود عيوب مسطرية: عدم احترام الآجال، عدم سداد التكاليف، الخ.) أو في حالة صدور قرارات تحكيمية معيبة أو ماسة بالنظام العام، وغيرها من الحالات .

    كما أن هناك مجالات لا تدخل ضمن اختصاص الوسائل البديلة، كالقرارات التأديبية الصادرة عن الجامعات الرياضية ، القرارات الصادرة عن السلطات العمومية (تأهيل الجامعات، اعتماد الأندية، تشكيل لجان مؤقتة….) المنشطات ،المجال الجنائي، المجال الضريبي وغيرها، مما يجعلها آليات قاصرة لحل كافة المنازعات الرياضية، لذلك فاختصاص القضاء يبقى أقوى وأشمل، يتسع لجميع الأنظمة القانونية، لجميع الأطراف ولجميع القضايا (إدارية، مدنية، جنائية، تجارية،…)

    وباستقرائنا لبعض التجارب الدولية، لاسيما الأنظمة التي تعطي مكانة مركزية لتشريعها الرياضي ولقضائها الوطني (النموذج الفرنسي و من يدور في فلكه)، نجد أنها لا تقبل بعرض كل النزاعات على التحكيم الرياضي الدولي، بل تترك هامشا لتدخل محاكمها الوطنية، وهكذا وعلى سبيل المثال، فإن القضاء الإداري الفرنسي يكون مختصا للنظر في الطعون المقدمة ضد القرارات التأديبية للوكالة الفرنسية لمحاربة المنشطات (AFLD) بدلا من عرضها على محكمة الطاس، وهو نفس المنحى الذي سار عليه المغرب .

    وتأكيدا لمكانة القضاء وولايته العامة في القضايا الرياضية على حساب باقي الآليات الأخرى، يلاحظ المهتمون أن غرفة التحكيم الرياضي بفرنسا لم يرق إحداثها إلى درجة قانون، وإنما فقط بتوصية تمت المصادقة عليها من قبل الجمعية العمومية للجنة الاولمبية الوطنية، و اختصاصاتها تبقى محدودة مقارنة مع اختصاص المحاكم (المادة الجنائية، المدنية، الاجتماعية، الإدارية،)

    كما نجد في التجربة العراقية استثناء فريدا من بين النماذج الدولية، حيث تم إسناد اختصاص تسوية المنازعات الرياضية إلى القضاء وحده دون غيره من الأجهزة، حيث تم إنشاء محكمة خاصة ببغداد أطلق عليها اسم “محكمة المنازعات الرياضية “، وهكذا فالقاضي العراقي(المعين بهذه المحكمة) أصبح بإمكانه النظر، دون غيره من المحكمين والوسطاء والموفقين، في جميع القضايا الرياضية.

    وحسب أحد القضاة، فإن هذه المحكمة تمارس اختصاصها فقط على الصعيد الوطني، أما النزاعات ذات البعد الدولي فيبقى ذلك من اختصاص محكمة الطاس، لذلك فهو يرى ألا تعارض بين هذين النظامين.

    من جهة أخرى، من بين مظاهر التنافس بين النظام القضائي والنظام التحكيمي الدولي(محكمة الطاس)، نجد خضوع هذه الأخيرة لرقابة المحكمة الفيدرالية السويسرية (TF) كجهة طعن وحيدة ضد قراراتها التحكيمية، ثم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان(CEDH) بمناسبة مراقبة مسؤولية سويسرا في تطبيق الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، و أخيرا نجد عددا من المحاكم الوطنية الأوروبية تمد رقابتها على عمل الطاس في إطار دعاوى مستقلة، نذكر على سبيل المثال: محكمتي الاستئناف الألمانيتين (بريم 31/12/2014 وميونيخ 15/01/2015) اللتان رفضتا حكمين صدرا عن محكمة الطاس قبل أن تتدخل المحكمة الفيدرالية الألمانيةلتنقض قرارهما، ثم محكمة الاستئناف ببروكسيل التي قررت بتاريخ 29 غشت 2018 برفض الدفع بتحكيم الطاس لأنه تحكيم عام، لا يحيل على أية علاقة قانونيةمحددة.

    من خلال ما سلف، حاولنا التطرق إلى أهم تجليات الأزمة بين النظام القانوني والنظام الرياضي، والتي كما لاحظنا، تتغذى باستمرار من علاقات التوتر والمواجهة بين مبدأين اثنين: سيادة الدولة من ناحية، وخصوصية واستقلالية المنظومة الرياضية من ناحية ثانية، وهو ما يكون قد جاء مطابقا ومؤكدا للفرضية الأولى التي وضعناها في المقدمة.

    غير أن الواقع يشهد أنه مع مرور الوقت صارت حدة الأزمة تتجه نحو الانفراج بفعل تضافر جهود التنسيق والتعاون بينهما، فإلى أي حد ساهمت هذه الجهود في فتح آفاق جديدة بين النظامين؟

    المبحث الثاني:جهود التنسيق والتعاون

    قصد إبراز هذه الجهود، يجدر بنا في البداية عرض الوضعية الراهنة للمنجزات المحققة (المطلب الأول)، ثم القيام بعد ذلك باستشراف أهم التوجهات المستقبلية (المطلب الثاني).

    المطلب الأول: الحصيلة والمنجزات

    يمكن بسط أهم أوجه التعاون و التنسيق في ثلاث محاور أساسية: إحداث أجهزة مختلطة لتدبير الشأن الرياضي(الفقرة 1)، اعتراف القانون الوطني بالنظام الرياضي(الفقرة 2) ثم اعتراف القضاء الوطني بالقضاء الرياضي (الفقرة 3) يمكن عرضها كما يلي:

    الفقرة الأولى: إحداث أجهزة مختلطة لإدارة الشأن الرياضي

    بغية تقريب وجهة النظر بين الطرفين وتوحيد جهودهما، و بالتالي محاولة التخفيف من حدة التوترات والصعوبات المشار إليها سابقا، كان لابد من إحداث أجهزة مختلطة لإدارة الحقل الرياضي، تشكل إطارا مشتركا للتشاور والتنسيق والتداول فيما بينها لاتخاذ القرارات ووضع الاستراتيجيات المناسبة، وقد اتخذت هذه الأجهزة بعدين: وطني و دولي، نذكر منها ما يلي:

  • الأجهزة ذات البعد الوطني: نجد على رأسها مجالس عليا للرياضة يوجد بها مسؤولون حكوميون و ممثلو الحركة الرياضية الوطنية (بفرنسا، بلجيكا، اسبانيا، مصر نموذجا) ، أيضا نجد لجان رياضة المستوى العالي ثم الوكالات الوطنية لمكافحة المنشطات.
  • الأجهزة ذات البعد الدولي: تتكون أساسا من ممثلي الحكومات وممثلي الحركة الرياضية الوطنية و الدولية، نذكر على سبيل التوضيح: المؤتمر الدولي للوزراء و كبار المسؤولين عن التربية البدنية ولرياضة (MINEPS) التابع لمنظمة اليونيسكو، الوكالة الدولية للمنشطات (AMA)، مجلس الرياضة للاتحاد الإفريقي(CSUA) ، مجلس أمريكا الجنوبية للرياضة (CONSUDE)، مجلس وزراء الشباب والرياضة التابع لجامعة الدول العربية، مؤتمر وزراء الشباب والرياضة للدول الناطقة جزئيا أو كليا باللغة الفرنسية (CONFEJES) وغيرها من الهيئات.

    الفقرة الثانية: اعتراف القانون الوطني بالنظام الرياضي

    كما سبقت الإشارة إلى ذلك سلفا، تشكل التشريعات الرياضية، إحدى الأسس التي يقوم عليها النظام الرياضي، إلا أن الإشكال المطروح هو كيفية تثبيت هذه التشريعات و موائمتها مع القوانين الوطنية حتى تصبح ذات أثر نافذ؟

    في هذا الإطار نجد ممارسة الدول تتعامل بحسب إن كانت تشريعات خاصة أو اتفاقيات دولية، كالآتي:

  1. حالة التشريعات الخاصة: تقوم الدول بإحالة مجموعة من المقتضيات على هذه التشريعات، حتى تحقق مطابقة القاعدتين (القانونية والرياضية)، وبالتالي إمكانية قبول القاضي الوطني النظر في المنازعات الناتجة عنها ليس بصفتها قواعد اتفاقية دولية، وإنما قواعد قانونية وطنية.
  2. حالة الاتفاقيات الدولية: بصفتها خاضعة لقواعد القانون الدولي، فتخضع للممارسة الاتفاقية الجاري بها العمل، حيث تقوم الدول التي تأخذ بمذهب وحدة القانون، بإدماج هذه الاتفاقيات في منظومتها القانونية الداخلية دون اتخاذ أية إجراءات خاصة (فرنسا على سبيل المثال)، في حين تقوم الدول التي تأخذ بمذهب ثنائية القانون، بتكييف قوانينها الوطنية مع هذه الاتفاقيات، عبر ثلاث تقنيات: إما الملائمة، أو الإحالة أو الإدماج، و من أمثلة الممارسة الاتفاقية في المجال الرياضي نورد ما يلي:
  • اتفاقية الامم المتحدة الأممية لمناهضة الميز العنصري في الرياضة سنة 1985 (لم يصادق عليها المغرب)؛
  • الاتفاقية الدولية لمكافحة المنشطات المعتمدة من قبل منظمة اليونسكو بباريس في 19 أاكتوبر 2005 (صادق عليها المغرببتاريخ 15 أبريل 2009 بموجب قانون 08-03)؛
  • معاهدة حماية الرمز الأولمبي المعتمدة بنيروبي بتاريخ 26 شتنبر 1981 تحت إشراف المنظمة الدولية للملكية الفكرية، صادق عليها المغرب بتاريخ 11 اكتوبر 1993؛
  • الاتفاقية الأوروبية حول أعمال الشغب خلال التظاهرات الرياضية وخاصة كرة القدم، الموقعة بستراسبوغ سنة 1985 (صادق عليها المغرب بتاريخ 27 يوليوز 2013)؛
  • الاتفاقية الأوروبية لمكافحة المنشطات المعتمدة من طرف مجلس أوروبا بتاريخ 16 شتنبر 1989 (صادق عليها المغرب بتاريخ 19 يونيو 2013)؛
  • الاتفاقية الأوروبية بشأن التلاعب بالمسابقات الرياضية المعتمدة من طرف مجلس أوروبا بتاريخ 18 شتنبر (وقع عليها المغرب بتاريخ 20 شتنبر 2021 و هي في طور مسطرة التصديق)؛
  • معاهدة الاتحاد الأوروبي – لشبونة 2007- و التي تم التنصيص فيها لأول مرة على اختصاص الاتحاد في مجال الرياضة (المادة6) و الاعتراف بخصوصية الرياضة (المادة 165)؛

    يتضح من خلال ما سلف، الدور الذي تقوم به الدول من أجل الاعتراف بالنظام الرياضي وبتشريعاته، وهو ما يجعل من الرياضة إحدى المجالات الحيوية لسياستها الداخلية والخارجية.

    في هذا الصدد، يؤكد أحد الباحثين على أن اعتراف الدولة باستقلالية النظام الرياضيوبسلطته الرياضية، لا يجب أن يستفاد منه حتما انحدار نظامها القانوني إلى درجة أقل، أو انمحاؤه بالمرة، كما أن تعدد الأنظمة القانونية داخل الدولة نفسها لا يؤدي بالنتيجة إلى نفي وحدتها وتماسكها، بل العكس، يجب اعتبار أن لهذا الاعتراف مغزى واحد: هو الحد من الفوضى وإخضاع الجميع للقانون، وفي ذلك تحقيق لسيادتها“.

    الفقرة الثالثة: اعتراف القضاء الوطني بالقضاء الرياضي وباستقلاليته

    بالرغم من علاقات التوتر والمواجهة التي تطفو بين النظامين فيما يخص آليات فض النزاعات الرياضية، ما بين متشبث بسمو القضاء الوطني، و مؤيد لنجاعة الوسائل البديلة، إلا أنه مع ذلك نسجل وجود مستويات من التنسيق والتعاون، يتجلى أساسا في الاعتراف بالقضاء الرياضي وباستقلاليته من خلال ما يلي:

  • اعتراف القضاء باستقلالية محكمة التحكيم الرياضي (الطاس) و نزاهتها في عدة مناسبات، خاصة من طرف المحكمة الفيدرالية السويسرية، المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، محكمة العدل الأوروبية، ثم باقي المحاكم الوطنية؛
  • إحجام المحاكم عن النظر في القضايا المعروضة أمام مؤسسات التحكيم الرياضي سواء الدولية أو الوطنية؛
  • عدم إخضاع التحكيم الرياضي الوطني إلى قانون المساطر والإجراءات، على غرار باقي أنواع التحكيم الأخرى (التجاري، الإداري، المدني…) بل يتم تمتيعه بنظام خاص يراعي خصوصياته، أو يترك المجال لاتفاق المنظمات الرياضية الوطنية؛
  • إلزامية الأحكام التحيكيمية ونفاذيتها بمجرد صدورها، مع عدم إمكانية الطعن فيها أمام القاضي الوطني؛
  • التزام الدول نفسها بتنفيذ الأحكام الصادرة عن محكمة الطاس، وذلك بموجب اتفاقية نيويورك لسنة 1958 في شأن الاعتراف بتنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية؛

    و من شأن هذا الاعتراف تحقيق الأمن القضائي لدى الأطراف المتنازعة والرفع من منسوب ثقتهم والاطمئنان في أجهزة فض النزاعات الرياضية، وهو ما يساهم في تحقيق العدالة والتخفيف من أعباء القاضي الوطني.

    في ختام تطرقنا لبعض آليات التنسيق والتعاون بين النظامين، نلاحظ أنه بالرغم من الجهود المبذولة بين الطرفين، إلا أن الواقع يؤكد عدم نجاعة تلك الآليات، من خلال ما نلاحظه من استمرار التصادم والمواجهة بينهما، وهو ما يؤكد صحة فرضيتنا الثانية التي أشرنا إليها في المقدمة.

    الشيئ الذي أصبح يتطلب حلولا مستقبلية لتجاوز هذه الوضعية، في أفق تطوير الآليات وتحقيق مزيد من التكامل والتنسيق، وهو ما سنعمل على إدراجه في الفقرة الموالية.

    المطلب الثاني: الأفاق المستقبلية

    اعتبارا لكون النظام الرياضي، وكما سبقت الإشارة إلى ذلك، هو نظام عابر للحدود، لا يعترف بالحدود الوطنية للدول، فإن الآفاق المستقبلية يجب أن تستشرف تقوية آليات التنسيق بين النظامين على المستوى الدولي، وفي هذا السياق نورد بعض المقترحات كما يلي:

  • تأسيس مرفق عام رياضي دولي: اعتبارا للدور الكبير الذي تقوم به المنظمات الرياضية الدولية ، وكذا عمل محكمة التحكيم الرياضي و المنظمة العالمية لمكافحة المنشطات، و ما يحققه ذلك من إشباع لحاجات عامة على الصعيد الدولي، فإن من بين الباحثين والمهتمين من يرى بأننابصددتشكل مرفق عام رياضي دولي، لا تنقصه إلا خطوة واحدة، ألا وهي تفويض تدبيره من طرف الدول لصالح تلك المنظمات، حتى تكتسب بدورها الطبيعة القانونية الدولية (أشخاص القانون العام الدولي)، و بالتالي يجب تشجيع الدول على السير في هذا الاتجاه”؛
  • إحداث منظمة دولية رياضية: تتألف بشكل مشترك من الدول ومن الهيئات الرياضية الدولية تكون خاضعة لقواعد القانون الدولي، لما سيكون لها من سلطة الإلزام والإكراه تجاه الطرفان وأيضا توحيد التشريع والتنظيم الرياضي عبر العالم؛
  • إنشاء محكمة رياضية دولية: و ذلك بتحويل محكمة التحكيم الرياضي من هيئة تحكيمية إلى هيئة قضائية، فمن جهة ستحافظ على مزايا التحكيم المشار إليها أعلاه، و من جهة أخرى ستتوسع اختصاصاتها إلى كافة القضايا التي لا يشملها التحكيم، فآنذاك سنكون أمام قضاء رياضي دولي ناجع، على غرار المحاكم الدولية المتخصصة.

    الخاتمــة

    بعد أزيد من قرن على إحداث اللجنة الأولمبية الدولية (1894) وانطلاق مسلسل تأسيس الاتحادات الدولية والمنظمات الرياضية بكل تصنيفاتها، بما شكل انطلاقة حقيقية لنظام رياضي جديد بدا أنه يغزو العالم بمبادئه وقيمه وقواعده وخصوصياته؛

    و بعد انتباه الدول إلى تنامي هذه الظاهرة الصاعدة وتطورها السريع ونزوعها نحو استقلالية ذاتية تكرست مع مرور الوقت، سعت هته الدول إلى تدارك الموقف ومد سيطرتها على المجال الرياضي، الشيء الذي خلق جو من التوتر والمواجهة بين الطرفين على عدة مستويات حاولت هذه الدراسة الوقوف عليها؛

    و لا يبدو اليوم، أن معالم الأزمة بين النظامين على وشك الانتهاء بالرغم من جهود التعاون والتنسيق التي يحاول الطرفان القيام بها.

    وفي نظرنا المتواضع تبقى الحلول والاقتراحات التي وضعناها في نهاية هذه الدراسة، هي الكفيلة بفتح آفاق جديدة لإقامة التوازن بينهما، وبالتالي الرقي بالرياضة إلى مستوى تطلعات الشعوب عبر العالم.

    فهل تبادر الحكومات و المنظمات الرياضية إلى الجلوس على طاولة الحوار لبناء نموذج رياضي عالمي جديد؟

    المراجع بالعربية

    1- الكتب والمؤلفات:    

  • عبد العزيز لعروسي:حقوق الإنسان بالمغرب: ملائمات دستورية و قانونية، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، سلسلة مواضيع الساعة، عدد 103، الطبعة الأولى، 2018

    2- المحاضرات المرئية:

  • يونس الازرق الحسوني، “تأملات في قانون الرياضة المغربية”، محاضرة مرئية، سلسلة شذرات فكرية رمضانية، الحلقة 16، ماي 2021، مجلة القانون و الأعمال و الدولية، (http://www.facebook.com/droitetentreprise)

    3- المجلات والجرائد الإلكترونية:

  • محمد علي محمود نديم، قاضي محكمة المنازعات الرياضية العراقية في مقابلة خاصة، مجلة “القضاء”، المركز الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى العراقي، السنة السادسة، العدد 59، 4 يناير 2021 (https://www.hjc.iq/newspaper/page)
  • جريدة الشروق المصرية بتاريخ 17 نونبر2021(https://www.shorouknews.com/news)

    4- النصوص القانونية:

    المغرب:

  • القانون 09-30 متعلق بالتربية البدنية والرياضة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 150-10-1 بتاريخ 13 من رمضان 1431 (24 غشت 2010) الجريدة الرسمية عدد 5885 بتاريخ 25 اكتوبر 2010
  • القانون 12-97 متعلق بمكافحة تعاطي المنشطات في مجال الرياضة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 26-17-1 بتاريخ 8 ذي الحجة 1438 (30 غشت 2017) الجريدة الرسمية عدد 6604 بتاريخ 14 شتنبر 2017
  • المرسوم التطبيقي2.10.628 صادر في 7 ذي الحجة 1432 (4 نونبر 2011) بتطبيق القانون رقم 09-30 متعلق بالتربية البدنية والرياضة

    الدول العربية:

  • العراق: قانون الاحتراف الرياضي رقم 60 لسنة 2017 الجريدة الرسمية عدد 4447 بتاريخ 15 ماي 2017
  • مصر: قانون رقم 71 لسنة 2017 بإصدار قانون الرياضة الجريدة الرسمية عدد21 مكرر”ب” بتاريخ 31 مايو 2017

    5- الأحكام القضائية:

  • المحكمة الإدارية بالرباط، ملف عدد 18-5-2010 بتاريخ 22 نونبر 2012.

    Bibliographie en français

    Ouvrages

  • Karakillo, J-P. Le droit du sport, 3ème édit ,DALLOZ, 2011
  • Latty, F. La lexsportiva -recherche sur le droit transnational, Martinus Nijhoff Publishers, 2007
  • Legendre, C. La coordination du mouvement sportif international et des ordres juridiques étatiques et supra-étatique, LGDJ, Lextenso, 2020
  • Massicotte, J-P, Lessard,C. Histoire du sport de l’antiquité au XIXème siècle, Presses de l’Université de Québec, 1984
  • Simon, G. Puissance sportive et ordre juridique étatique, LGDJ, Paris, 1990

    Articles scientifiques

  • Carrard, F. L’accomplissement d’une mission de service public international: l’exemple des activités sportives SFDI, Colloque du Mans, Le sujet en droit international, Paris, Pedone, 2005
  • Dikoumé, F-C.Le contentieux camerounais devant les instances sportives internationales,Etats des recherches sur le sport et l’olympisme au Cameroun, (1963–2013),inSHS Web of Conferences 32, 03001, 2016
  • Granturco, T. Etat et institutions sportives: existe-t-il un droit d’ingérence?, https://afrique.latribune.fr/ publié le22 Février 2017
  • Rideau, J. Règles sportives et droit communautaire, in sport, droit et relations internationales, sous direction, Collomb, P. Economica, 1988

    Vidéoconférence:

  • Latty, F. La gestion internationale du football, un service public international ?, 3ème édition du colloque, Les 24 heures du droit, Mans, 4 avril 2014, https:www.canal-u.tv/video /universite_du_maine

    Textes juridiques

    1- ONU: résolution n° A/RES/64/3 Octroi du statut d’observateur au CIO (https://www.un.org/en/ga/search/view_doc.asp?symbol=A/RES/64/4&Lang=F)

    2- Union Européenne: le Traité de l’UE- Lisbonne 2007, JO du 26/12/2012 (https://eur-lex.europa.eu/legal-content/FR/TXT/?uri=OJ:C:2012:326:TOC)

    5-France: code de sport français (https://www.legifrance.gouv.fr/ codes/id /LEGITEXT000006071318/)

    6-Suisse: Loi fédérale sur le droit international privé(LDIP) du 18 décembre 1987 (https://www.fedlex.admin.ch/eli/oc/1988/1776_1776_1776/fr),et leCode civil suisse du 10 décembre 1907 (https://www.fedlex.admin.ch/eli/cc/24/233_245_233/fr)

    7-Espagne: loi 10/1990 du 15 octobre sur le sport. Bulletin officiel numéro 249, du17 octobre de 1990. (https://www.boe.es/buscar/doc.php?id=BOE-A-1990-25037)

    8- Organisation sportives

  • CIO: la charte olympique (https://olympics.com/cio/charte-olympique)
  • TAS: Code de l’arbitrage en matière de sport, entré en vigueur le 1er juillet 2020 (https://www.tas-cas.org)
  • AMA: Statut du 20 juillet 2021 (https://www.wadaama.org/fr/ressources/juridique/statuts)
  • AMA: code mondial antidopage version 2021 (https://www.wada-ama.org)
  • FIFA: (https://www.fifa.com/fr/legal/documents)
  • FIBA: (https://www.fiba.basketball/fr/bat)

    Jurisprudence

    1-CJUE:arrêt Walrave et Koch du 12 décembre 1974 //arrêt Dona du 14 juillet 1976 //arrêt Bosman du 15 décembre 1995 //arrêt Daliège du 11 avril 2000 //arrêt Meca Medina du 16 juillet 2006 (https://curia.europa.eu/jcms/jcms/Jo2_7046/fr/)

    2-CEDH:arrêt Mutu et Pechstein du 2 octobre 2018 // arrêt Platini c Suisse du 11 février 2020 // arrêt Ali Reda c Suisse du 13 juillet 2021(https://echr.coe.int)

    3-Tribunal Fédéral Suisse:arrêt du 15 mars 1993, E. Gundel c FEI et TAS(http://www.bger.ch/fr/index/juridiction/jurisdiction-inherit-template/jurisdiction-recht-leitentscheide1954-direct.htm)

    4-Tribunal Fédéral Allemand:arrêt Pechstein c ISU 7 juin 2016 //arrêt SV Wilhelmshaven c FIFA et DBF 20 septembre 2016 (https://juris.bundesgerichtshof.de/cgi-bin/rechtsprechung/list.py)

    5-Cour de cassation Française : chambre civile 2, Audience publique du 4 novembre 2010, N° de pourvoi: 09-65947 (https://www.courdecassation.fr/acces-rapide-judilibre)

    6-Conseil d’Etat Français : arrêt du 22 novembre 1974, N° 89828, FIFAS c /FFTT //arrêt du 2 février 2006, N° 289701, Hosni c FFF //arrêt du 23 juin1989 n°101894, Bunoz c FFB ( conclusion du rapporteur public M. Faugère) (https://www.conseil-etat.fr/decisions-de-justice/jurisprudence)

    7-Cour d’Appel de Bruxelles : arrêt du 29/08/2018 n° du rôle: 2016/AR/2048, n° du répertoire: 2018/6348 FC Seraing & Doyen Sports c FIFA & UEFA & URBSFA (http://www.iusport.es/resoluciones-judiciales/SENTENCIA-CORTE-APELACION-BRUSELAS-TAS-2018-anonimizada.pdf)

    Jurisprudence arbitrale du Tribunal arbitral du sport (TAS)

    la base de données de la jurisprudence (http://jurisprudence.tas-cas.org/Help/Home.aspx)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى