في الواجهةمقالات قانونية

الزمن في مسطرتي التحديد والتعرض وفقا للقانون 14.07 – محمد القسطيط

مقال من إعداد الطالب الباحث: محمد القسطيط، خريج ماستر الدراسات العقارية ـ طنجة ـ

تحت عنوان:

الزمن في مسطرتي التحديد والتعرض وفقا للقانون 14.07

مقدمة:

إن تحفيظ العقار طبقا لمقتضيات ظهير التحفيظ العقاري، يطهر العقار المحفظ من جميع ما يمكن أن يمس الحقوق المسجلة، ويعطي الرسم العقاري قوة قانونية لا تقبل النزاع مما يوفر الطمأنينة لمالك العقار.

وهاته المناعة التي ترتب عن التحفيظ نابعة من الدقة التي تمتاز بها مسطرة التحفيظ، ومن التشخيص العلمي الدقيق لحدود العقار وأوصافه ومعالمه بناء على تصاميم هندسية مضبوطة يقوم بها مهندسون مؤهلون.

ثم إن إعلان عن سريان مسطرة التحفيظ يسمح بظهور من له حق التعرض والمطالبة بحقه سواء من حيث المنازعة في الملكية، أو أي حق عيني آخر له على العقار أو المنازعة في حدود العقار، الشيء الذي لا يتوفر في ظل نظام الشهر الشخصي، على أن هذا لا يقدح ولا ينقص من الوضع العقاري الذي كان سائدا في ظل قواعد الفقه الإسلامي والفقه المالكي بالخصوص، حيث كانت المعاملات العقارية يحكمها الوازع الديني، ومبنية على الثقة وحسن النية وكانت وضعية العقار في المغرب ـ آنذاك ـ منظمة تنظيما محكما يكفل مصالح الملاك ويحفظ حقوقهم.[1]

ومنه نطرح الإشكال التالي:

إلى أي مدى يمكن للزمن أن يؤثر على مسطرتي التحديد والتعرض؟

ولمقاربة الإشكال أعلاه سنعتمد التصميم التالي:

أولا: الزمن في عملية التحديد

ثانيا: الآجال في التعرضات  

 

أولا: الزمن في عملية التحديد

بعد نشر ملخص مطلب التحفيظ بالجريدة الرسمية وتعليق نسخة منه لدى الجهات المعنية، يسعى المحافظ بتنسيق مع مصالح المسح العقاري التابعة للمحافظة إلى تعيين تاريخ إجراء عملية التحديد، وبعث الاستدعاءات بقصد حضور هذه العملية إلى طالب التحفيظ والملاك المجاورين وإلى كل من يهمه أمر عملية التحديد.

وفي حالة تغيب طالب التحفيظ قد يؤدي الأمر إلى تأجيل عملية التحديد مع تحمل المعني بالأمر المصاريف المقدرة لذلك.[2]

وإن كان من الناحية العملية أن المهندس المساح الطوبوغرافي المحلف يقوم أحيانا بعملية التحديد المؤقت رغم عدم حضور المعني بالأمر سواء كان طالب التحفيظ أو نائبه وغالبا ما يكتفي المهندس المذكور بالتنصيص في محضر التحديد على أن التحديد أجري بحضور (فلان) نيابة عن المعني بالأمر لكن بدون وكالة، مما يجعل المحافظ على الأملاك العقارية حينما يحال عليه المحضر يراسل طالب التحفيظ قصد الإدلاء بموافقته على عملية التحديد التي تمت دون حضوره لاستكمال سير مراحل التحفيظ.[3]

وتوجيه الاستدعاءات يتم قبل اليوم المعلن عنه لإجراء التحديد بعشرة أيام على الأقل وذلك بواسطة عون المحافظة العقارية أو بالبريد المضمون أو عن طريق السلطة المحلية أو بأي وسيلة أخرى للتبليغ حسب ما جاء في الفقرة الثالثة من الفصل 19 من ظهير التحفيظ العقاري.[4]

وإثر القيام بعمليات التحديد المؤقت يتعين القيام بعمليات التحديد النهائي، لإنجاز تصميم نهائي يحدد بدقة المواصفات المتعلقة بالعقار من حيث المساحة والحدود والأشكال الهندسية، وذلك أنه في عدة أحيان قد تكون المعطيات التي تبرزها عملية التحديد النهائي تختلف عن تلك التي أظهرتها عمليات التحديد المؤقت، بحيث أن المعطيات النهائية المتعلقة بالعقار تصل إلى العموم عن طريق النشر بالجريدة الرسمية، وذلك عن طريق ما يسمى بنشر الإعلان عن التحديد.[5]

فالإعلان عن التحديد يعتبر مرحلة أخرى من مراحل إشهار مطلب التحفيظ وهو الذي يفتح بشكل رسمي آجال تقديم التعرضات ضد مطلب التحفيظ.

ثانيا: الآجال في التعرضات

بخصوص أجل تقديم التعرض العادي طبقا للفصل 24 من ظهير التحفيظ العقاري كما تم تعديله وتتميمه بالقانون رقم 14.07 يتم داخل أجل شهرين يبتدئ من يوم نشر الإعلان عن انتهاء التحديد المؤقت في الجريدة الرسمية، غير أن هذا الأجل هو فقط للأشخاص الذين لم يعملوا قبل هذا التاريخ بانطلاق مسطرة التحفيظ، المشرع منحهم شهرين قصد استدراك الوقت الذي فاتهم إذ يمكن التعرض من وقت تقديم طلب التحفيظ، وفي هذه الحالة ليس هناك أي أجل محدد ما لم يتم إشهار إعلان اختتام التحديد المؤقت في الجريدة الرسمية، لكن إذا تم التحديد المؤقت وتم شهر إعلان اختتام التحديد المؤقت في الجريدة الرسمية فإن المتعرض يصبح في هذه الحالة مقيدا بأجل الشهرين ابتداء من تاريخ النشر.[6]

وينص المشرع المغربي في الفصل 27 من ظهير التحفيظ العقاري كما عدل وتمم بالقانون رقم 14.07 على ما يلي: لا يقبل أي تعرض باستثناء ما هو منصوص عليه في الفصل 29 بعد انصرام أجل الشهرين يبتدئ من تاريخ نشر الإعلان المذكور في الفصل 23 من هذا القانون بالجريدة الرسمية.[7]

أما بالنسبة للتعرض الاستثنائي، فيستطيع كل من يدعي حقا على عقار في طور التحفيز أن يتدخل في مسطرة التحفيظ عن طريق تقنية التعرض بعد انقضاء الأجل المنصوص عليه في الفصل 24 من ظهير التحفيظ العقاري، غير أن هذا الحق يبقى مجرد حق احتمالي، بحيث أن للمحافظ كامل السلطة التقديرية في قبول أو رفض هذا التعرض خارج الأجل.[8]

وعليه فلا يقبل أي التعرض بعد المدة العادية إلا على وجه الاستثناء، حيث أجاز المشرع في الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري قبول التعرض بقرار من المحافظ العقاري إذا كان ملف التحفيظ لم يوجه لكتابة ضبط المحكمة الابتدائية المختصة.[9]

وبالتالي فالمحافظ على الملكية العقارية يتمتع بصلاحيات واسعة في هذا المجال ودون حاجة إلى تبرير قراره بقبول التعرض خارج الأجل، وبمقتضى هذا التعديل الجديد بواسطة قانون 14.07 فإن إمكانية تقديم التعرض أمام السيد وكيل الملك.

وحينما يحال الملف على المحكمة أصبحت الإمكانية أعلاه غير ممكنة، فقد أصبح مجال تقديم التعرض محصورا في المحافظ على الملكية العقارية دون غيره.[10]

وإن قبول التعرض خارج الأجل من طرف المحافظ لا يثير إشكالا لأن المحافظ غالبا ما يرجع إلى طلب التحفيظ قبل الإقدام على قبول التعرض، حيث يمكنه رفض التعرض إذا تم إرسال الملف إلى المحكمة كما يمكنه رفض التعرض إذا تم الشروع في تأسيس الرسم العقاري، وعلى المتعرض أن يتحمل مسؤولية تأخره، لأن نظام التحفيظ العقاري يعتمد على واقعة انصرام الآجال المقررة لتأكيد حق ملكية طالب التحفيظ في حالة عدم وجود تعرضات.[11]

 

 

خاتمة:

ومن خلال ما سبق يتضح أن عملية التحديد المؤقت ذات طبيعة مركبة، فهي عمل طوبوغرافي حيث يثبت المهندس الذي يضطلع بالعملية الأنصاب لرسم الحدود ويضع خريطة ويصف العقار كاملا وشاملا، ثم هي كذلك وسيلة إشهار فعالة ذلك أن التجمع الناتج عن التحديد المؤقت يلفت الانتباه ويثير السؤال حول سبب هذا التجمع فيشيع الخبر بين أبناء المنطقة الأمر الذي يتيح الفرصة لكل منهم مصلحة في ذلك أن يتعرض على مطلب التحفيظ، لذلك فإن هذه العملية هي من أخطر المراحل التي تمر بها مسطرة التحفيظ لأن المحضر والخريطة التي تسفر عنها قد يصبحان نهائيتان بعد تأسيس الرسم العقاري.

وبخصوص التعرض يتبين لنا أن المشرع حدد آجالا عادية للتعرضات وحدد أجلا استثنائيا كذلك، ولقد كان المشرع مرنا حين تحديده لأجل التعرضات يمكن بواسطتها تقديم التعرض ولو خارج الأجل، غير أن هذه الإمكانية تبقى متاحة بصفة استثنائية، ويمكن للمحافظ العقاري عدم الاستجابة لقبول أي تعرض جديد ولا رقابة للمحكمة على قراره، وهذه السلطة تعد سلاحا خطيرا يملكه المحافظ على الأملاك العقارية خصوصا أن هناك بعض الحالات التي يقدم فيها المتعرض وثائق جدية تظهر على أنه محق في تعرضه ومع ذلك يرفض طلب تعرضه.

[1]  ـ المختار بن أحمد عطار: التحفيظ العقاري في ضوء القانون المغربي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة: الأولى: 2008، ص: 43 ـ 44.

[2]  ـ محمد خيري: العقار وقضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي من خلال القانون الجديد رقم 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري، مطبعة المعارف الجدد الرباط ـ طبعة: 2014،  ص: 145.

[3]  ـ إدريس الفاخوري: نظام التحفيظ العقاري وفق مستجدات القانون 14.07، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط ـ الطبعة 2013، ص: 35 ـ 36.

[4]  ـ راجع الفصل 19 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بالقانون رقم 14.07.

[5]  ـ البكاي المعزوز ـ عبد العالي الدقوقي: محاضرات في التحفيظ العقاري، السنة الجامعية: 2015 ـ 2014، ص: 65.

[6]  ـ إدريس الفاخوري: م.س، ص: 45 ـ 46.

[7]  ـ راجع الفصول 23 ـ 27 ـ 29 من ظهير التحفيظ العقاري المتمم والمعدل بالقانون رقم 14.07.

[8]  ـ إدريس الفاخوري: م.س، ص: 47.

[9]  ـ محاضرات في التحفيظ العقاري: م.س، ص: 79.

[10]  ـ إدريس الفاخوري: م.س، ص: 49.

[11]  ـ محمد خيري: م.س، ص: 230.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى