تحديات المشاركة السياسية للمرأة بالمغرب – د. إسماعيل الرزاوي
تحديات المشاركة السياسية للمرأة بالمغرب
د. إسماعيل الرزاوي، باحث في القانون العام والعلوم السياسية
جامعة محمد الخامس/الرباط
إن تبلور الوعي النسائي كان قبل استقلال المغرب قد وتكرس بشكل اكبر بعده، من خلال تأثره بالفكر الغربي والفكر الشرقي النسائي، وكذلك الفكر المغاربي. إذ ساهم هذا الوعي النسائي المتشكل في خلق إطارات نسائية جديدة انخرطت في الكفاح من اجل الاستقلال وبناء مغرب ما بعد الاستقلال، وانخرطت في الأحزاب وظلت تناضل عن قضاياها داخلها، لتستقل في مرحلة موالية عن الهيئات السياسية الوطنية ، وتحولت من قوة ضغط في البداية إلى قوة اقتراحية. حيث تميزت فترة التسعينات بنضج نضالي للحركة النسائية. وفترة المواجهة الحادة مع القوى المحافظة لتحقيق المكتسبات لتنتهي بتقديم مقترحات متعلقة بمدونة الأسرة[1].
لقد شكلت هذه المكتسبات دافعا اضافيا من أجل تحصين وتعزيز حقوق المرأة في شقها السياسي وهو ما عبر عنه الدستور المغربي 2011 في جملة من النصوص.
تلازما مع ما سبق، يطرح تساؤل مركزي حول واقع المشاركة السياسية للمرأة اليوم في ظل ما تعيشه من تمثلات مجتمعية تقيد حركتها ونصوص قانونية تحاول تمكينها، وبالتالي سنحاول كشف واقع المرأة المغربية السياسي من خلال تسليط الضوء على الاكراهات والعراقيل التي تواجه مشاركتها السياسية (الفقرة الأولى) على أن نقوم بتفحص وضعيتها وذلك من بوابة الدستور ( الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: المشاركة السياسية للمرأة وتحدي منظومة القيم والمواقف السائدة
كما هو معروف فان المشاركة السياسية ترتبط ارتباطا وثيقا بالاهتمام بالشأن العام وبتشريك المواطنين و المواطنات في الحياة العامة[2] ، كما تساهم منظومة القيم والثقافة السياسية السائدة إلى حد كبير في تحديد شكل نظام الحكم بأنها قد تساهم في تحديد عناصر القيادة السياسية ، وفي كثير من الأنظمة السياسية ينظر إلى فئة معينة على أنها الأجدر بالسيطرة على المستويات العليا للسلطة. ومن ثمة يكون هناك تهميش للفئات الأخرى خاصة النساء، حيث إن الإقصاء السياسي للمرأة سينتج مجتمعا خاليا من أي نماذج نسوية قيادية ناجحة في المجتمع[3].
أولا: التحديات التي تواجه إدماج المرأة في الحياة السياسية
إن إدماج المرأة في الحياة السياسية لا يرتبط فقط بفتح الباب لمشاركتها في البرلمان والمجالس المنتخبة وولوجها إليها، بقدر ما يرتبط بتمكينها الفعلي في اتخاذ القرارات الحيوية في كل المجالات، وتشجيعها على المشاركة السياسية بمختلف أوجهها بصفتها فاعلة ومرشحة ومنتخبة ، مشاركة في التصويت و إبداء الرأي، وهو ما يصطدم بدوره بعدد من التحيات التي تعوق هذه المشاركة
فعلى المستوى التعليمي، نجد أن نسبة الأمية في المغرب مرتفعة بشكل مرعب خاصة في صفوف الإناث القرويات مقارنة بالذكور، وهذا يرجع إلى تدني مستوى التعليم وارتفاع نسبة الهدر المدرسي في المغرب، كما يرتبط بالتوزيع غير الرشيد للمدارس في مختلف أرجاء المملكة المغربية، وهو ما يمنع الفتيات خاصة من إتمام تعليمهن لبعد المدارس عن مقر سكناهن. ما يعني أن الدولة تواجه محكا حقيقيا فيما يخص دعم ومواكبة العملية التعليمية في صفوف الإناث والقضاء على الأمية
وعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فما زالت المرأة المغربية تعاني ظروف الفقر والبطالة بنسب أكبر من الرجل. ومع أن الدولة وهيئات المجتمع المدني قد اتخذت خطوات ملموسة في هذا الإطار، متمثلة في إطلاق المشاريع الصغيرة وخاصة على مستوى القرى والبوادي الفقيرة، وتشجيع الإنتاج المحلي والمقاولات الصغرى، فان هذه الإجراءات تظل غير كافية، لاسيما في ظل الأوضاع الاقتصادية المعيشية الصعبة
أما على المستوى السياسي فعوائق المشاركة أيضا متعددة ومتنوعة، ومرتبطة من جهة بالمجتمع نفسه وبسيادة العقلية الذكورية فيه إلى حد كبير، ومن جهة أخرى بالهيئات السياسية في الدولة ويظهر ضعف مشاركة المرأة في ضعف تمثيلها في الهيئات السياسية في الدولة كالحكومة والبرلمان والنقابات و الأحزاب إلى اليوم على الرغم من نص الدستور على تشجيع مشاركتها في أفق المناصفة[4] و إحداث هيئة لهذا الغرض، فان هذا لم يغير كثيرا من الواقع
وتشير الدراسات إلى أن هناك صورة نمطية لعمل المرأة في السياسة ، من طرف الرجل والمرأة على السواء، ترى أن المرأة غير قادرة على مزاولة العمل السياسي واتخاذ القرارات الحاسمة والمهمة، وان قدراتها اقل من قدرات الرجل الذي يبدو أكثر عقلانية ومسؤولية
بل إن الدراسات و الإحصاءات أوضحت كيف ان معظم النساء صوتن لصالح الرجال، وهو ما يؤكد سيطرة العقلية الذكورية في المجتمع المغربي ، شانه شان باقي المجتمعات العربية
وواقع الأمر أنه لا يزال المغرب في مرحلة التأسيس لمسيرة نسوية من أجل مواطنة حقة، فالتشريعات القانونية لا تكفي لتمكين المرأة، إذ لا بد من وجود سياسات اجتماعية واقتصادية وثقافية موازية، تضع الأصبع على مكامن الخلل في المجتمع وتسوي الاعوجاج الفكري الذي يجعل من المرأة مواطنة من الدرجة الثانية، مقصاة من التمثيل الحقيقي والمشاركة الفعلية، بسبب عدم ثقة المجتمع والأحزاب وصناع القرار بكفاءتها ومؤهلاتها لتولي مناصب القيادة[5].
يعد تفعيل المساهمة والمشاركة السياسية واقتسام السلطة بين الرجل والمرأة، نضالا من أجل المواطنة الديمقراطية، ومن أجل مجتمع أكثر تقدما وحداثة، مجتمع يتطور باستمرار، ومطالب بإبداع حلول جديدة لإشكاليات قديمة جديدة تطرحها علينا العلاقات الاجتماعية المتغيرة مع الزمن. ويبقى النهوض بحقوق المرأة ونشر ثقافة المساواة و الإنصاف وقيمها، خيارا ضروريا تتحمله كل أطياف المجتمع المغربي، سواء تعلق الأمر بالسلطات العمومية والحكومة، وبالمنظمات غير الحكومية او الأحزاب السياسية وكل قوى المجتمع المدني بما فيها الجمعيات الحقوقية النسوية[6].
ثانيا: الاكراهات التي تحول دون تحقيق مشاركة فاعلة للمرأة في العمل السياسي
إذا ما حاولنا معرفة الأسباب التي تؤدي إلى ابتعاد المرأة المغربية عن النشاط السياسي، فهناك أسباب ترتبط بوعي النساء بدورهن ووضعهن الاجتماعي. وهناك أسباب أخرى تكون بمثابة معوقات تحول دون مشاركة النساء في العمل السياسي، يرتبط كل هذا بالصورة النمطية السلبية التي كونها المجتمع إزاء المرأة[7]، ويمكن أن نذكر من بين هذه المعوقات.
- عبء المسؤوليات العائلية التي تتحملها النساء، فتربية الأطفال والقيام بالشؤون المنزلية لا يتركن للنساء مجالا للاهتمام بما هو خارج العائلة.
- نظرة المجتمع للنساء اللواتي يتحملن مسؤوليات سياسية هي نظرة سلبية وغير مشجعة للاهتمام بالشأن السياسي. فالمجتمع يحمل النساء السياسيات مسؤولية الأزمات العائلية أو الطلاق أو الأزمات الاجتماعية مثل تدهور الأخلاق وتفاقم العنف والجريمة وحتى في حالة الاعتراف بدورهن في المجال السياسي غالبا ما تسند لهن وظائف أو مهام سياسية مرتبطة بنسويتهن مثل الوظائف الاجتماعية والعائلية في الحكومات حيث يظل حضور النساء في القطاعات ذات الحساسية الكبيرة كوزارة الداخلية[8] والعدل ضعيفا. وتكون النتيجة الحتمية لهذه النظرة خوف النساء من تحمل المسؤوليات السياسية وعدولهن عن القيام بمهام تتطلب الخروج من البيت والبقاء خارجه مدة طويلة وعدم الرغبة في الانضمام إلى الأحزاب السياسية أو الجمعيات غير الحكومية
- ارتفاع نسبة الأمية النسائية رغم إلزامية التعليم ومجانيته
- غياب الإرادة لتهيء التغيير على مستوى القيادات. وهذا يقوي ويضاعف الحواجز أمام وصول النساء لمراكز القرار
- عدم توفر النساء على الوقت الكافي لمزاولة العمل السياسي
- غياب التنشئة السياسية التي تؤهل المرأة لخوض المجال السياسي
- عدم اهتمام المواطنين والمواطنات بالشأن السياسي. وفي هذه المسألة لا نتكلم على المرأة فقط بل المجتمع ككل. فممارسة الديمقراطية تقوم على مبدأ أن السلطة السياسية نابعة من سيادة الشعب ومن خلال انتخابات شفافة ونزيهة[9]
لكن و رغم كل المعيقات و الاكراهات التي تعرقل المشاركة النسائية الفاعلة في العمل والسياسي وأمام ممارسة حقوقهن السياسية، يمكن القول إن المغرب عرف تطورا ملموسا في هذا المجال بعدما راكمت المرأة العديد من المكتسبات الدستورية والتشريعية والسياسية والحقوقية على صعيد المنطقة العربية و الإفريقية[10].
إن مسار الحركة النسائية قد واكب الحركات التحررية العالمية، وناضلت في بداياتها الأولى من أجل الترخيص لخروجها الشرعي إلا انه يتعين على الجمعيات النسائية امتلاك رؤيا شمولية تلامس السياسي و الاجتماعي و الحقوقي
الفقرة الثانية : موقع المرأة في النص الدستوري المغربي
قبل التطرق إلى الحديث عن موقع المرأة في دستور 2011، نعتقد انه من الجيد تسليط الضوء على النقاش الدولي حول تمكين المرأة الذي مراحل ثلاث أساسية وكيف تفاعل المغرب معها:
المرحلة الأولى: وهي مرحلة تسمى التحسيس بأهمية احترام وإعمال حقوق الإنسان كما هي معرفة في القوانين الطبيعية وفي تعاليم كل الديانات السماوية وغيرها من الديانات، بالنظر إلى أنها تهتم بالإنسان لذاته. وهي مرحلة عاشها المغرب بفضل الحضور القوي للشخصيات النسائية والجمعيات النسائية التقدمية الوطنية التي تنبأت بأهمية دور المرأة في تطور المجتمع وضرورة مناهضة الفكر الذي أراد أن يقصر دور المرأة أداة للذة الجنسية للرجل
المرحلة الثانية وهي مرحلة التطبيق القانوني لتلك الحقوق، أي النص عليها في تشريعات البلدان التي تؤمن به حقا. وبدأت هذه المرحلة بالنص عليها في قوانينها العادية، وانتهت الى تضمينها في دساتيرها، من أجل منع التراجع عنها بسبب تغيير الحكومات المسيرة لتلك البلدان، وحتى يتم ضمان استمرار مشروعيتها القانونية و إلزامية احترامها
المرحلة الثالثة، وهي مرحلة المحاسبة والمساءلة التي تقع على الدول التي لا تفي بالتزاماتها الدولية المتعلقة باحترام وصيانة حقوق الإنسان وفي مقدمتها احترام حقوق المرأة. وهي المحاسبة التي تظهر بقوة في كل اتفاقيات التجارة الدولية والاتفاقيات المالية الدولية، وقرارات وتوصيات كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتوصيات وقرارات عدد من برلمانات الدول المتقدمة اقتصاديا، والتي تربط أي تعامل مع أي دولة بمدى احترامها لحقوق الإنسان وعلى رأسها حقوق المرأة وهذا ما يسمى بمبدأ المشروطية[11].
ومن الإنصاف الفكري و الإشهاد للمغرب اليوم بأنه نفذ التزاماته المذكورة في المرحلة الأولى وفي المرحلة الثانية، مع بعض الخصاص في مجالات معينة، والذي يجب تداركه في أقرب وقت وأصبح المغرب اليوم في المرحلة الثالثة أي مرحلة المحاسبة على مدى تنفيذ التزاماته في مجال حقوق الإنسان وعلى الخصوص ما تعلق منها بحقوق المرأة، ليس بالنظر الى الاتفاقيات الدولية كما كنا نطالب بذلك في السنوات الماضية ، بل اليوم من حقنا أن نطالب بتنفيذ ما أتى به دستور 2011 في مجال الحقوق التي اعترف بها للمرأة والتي أريد لها ان لا تنفذ من طرف الحكومات المعينة بعد المصادقة على ذلك الدستور. وينتظر المجتمع الحقوقي من الحكومة الحالية المبادرة إلى إثبات احترامها لدستور 2011 في مجال حقوق المرأة وليس بالالتفاف عليه كما كان عليه الحال في السابق
استجابة للحراك الاجتماعي الذي شهده المغرب واغلب الدول العربية سنة 2011، طرح دستور جديد للاستفتاء، تضمن قانونا تنظيميا جديدا لمؤسسة البرلمان، والية تشريعية جديدة من شانها رفع مستوى التمثيل النسائي في البرلمان إلى 60 مقعدا بدلا من 30 في الاستحقاقات السابقة الأمر الذي ساهم في إشراك 67 امرأة في عضوية البرلمان كما صدق البرلمان على قانون يتعلق بالمجالس المنتخبة ، ترفع نسبة النساء في هذه المجالس من 12 بالمائة إلى 27 بالمائة وخلال الانتخابات التشريعية في 2016 ، وصلت 81 نائبة برلمانية من أصل 395 إلى مجلس النواب، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 4 بالمائة على عددهن في برلمان 2011 مما يدل على أن التعديلات الدستورية كانت في صالح تحسين وضعية المرأة سياسيا[12].
لقد اتى دستور 2011 بمقتضيات دستورية جديدة على مستوى الحقوق السياسية[13] عرف تطورا هاما في سبيل تعزيز وضعية المرأة حيث جاءت مجموعة من التعديلات المتعلقة بالحقوق الأساسية للنساء
- حظر ومكافحة كل أشكال التمييز؛
- تفعيل المساواة ومشاركة المواطنين والمواطنات؛
- أحداث هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز؛
- تفعيل حق المواطنين والمواطنات في الاقتراح والمساءلة؛
- مناهضة العنف وكل أشكال المعاملات القاسية الحاطة بالكرامة الإنسانية؛
- تشجيغ تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية؛
- تفعيل حقوق الفئات في وضعية هشة[14]
فدستور 2011 قام بتفعيل المساواة ومشاركة المواطنين والمواطنات من خلال النص على أن القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع أشخاصا ذاتيين واعتباريين بما فيهم السلطات العمومية متساوون أمامه وملزمون بالامتثال له.
تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحربية المواطنات والمواطنين والمساواة بينهم ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية
حقق الدستور حقيقة مجموعة من المطالب التي كانت تطمح إليها المرأة وتسعى إلى تحقيقها. ومن أبرزها مسألة المناصفة والحقوق السياسية. حيث تم إحداث هيأة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز
كما تم التنصيص في كثير من الفصول على التمييز الايجابي لصالح النساء في مجال الولوج إلى الوظائف العمومية والمشاركة في الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية ومبدأ حماية الحقوق والمصالح المشروعة للمواطنين والمواطنات بالخارج
كما قام بتفعيل حق المواطنين والمواطنات في الاقتراح والمساءلة حيث يحق للمواطنين والمواطنات ضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي، الحق في تقديم اقتراحات في مجال التشريع[15]. وللمواطنين والمواطنات الحق في تقديم عرائض الى السلطات العمومية[16]. كما يحق للمواطنين والمواطنات المغاربة المقيمين بالخارج المشاركة في الحياة السياسية عبر التصويت والترشح.
كما نص الدستور على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية[17].
وقد عمل دستور المملكة 2011 على توسيع مشاركة النساء في العمل السياسي من خلال ولوج المناصب القيادية للأحزاب السياسية مركزيا ومحليا حيث يعمل كل حزب سياسي على توسيع وتعميم مشاركة النساء والشباب في التنمية السياسية للبلاد
ولهذه الغاية يسعى كل حزب سياسي لبلوغ نسبة الثلث لفائدة النساء داخل أجهزته المسيرة وطنيا وجهويا. في أفق التحقيق التدريجي لمبدأ المناصفة بين النساء والرجال[18]، كما يتعين على كل حزب سياسي أن يحدد في نظامه الأساسي نسبة الشباب الواجب إشراكهم في الأجهزة المسيرة للحزب
يستخلص مما سبق أن صيغة المطالب التي ترفع اليوم بخصوص حقوق المرأة لم تبق تلك الصيغة التي تطالب بالاعتراف بحقوق المرأة، لان موضوع الاعتراف بحقوق المرأة خرج وتجاوز مرحلة مطلب الاعتراف به إلى مرحلة تمكين المرأة من الحقوق فعليا، أي فعلية تلك الحقوق، وهو المصطلح المتعامل به دوليا، أي تطبيق ما ينص عليه دستور 2011 والقوانين الجاري بها العمل وفي مقدمتها مدونة الأسرة
من جانب آخر، فان المغرب مقبل على بلورة نموذج تنموي جديد يراعي الدينامية التي تعرفها وضعية المرأة دوليا و يمكنها وطنيا من احتلال موقع بارز ودور مؤثر. إذ لا تنمية مجتمعية في ظل تهميش المرأة او تغييبها سياسيا.
تلازما مع ذلك، فان تصورات الأحزاب السياسية للمرأة داخل النموذج التنموي الجديد كانت غائبة أو خجولة في أحسن الأحوال، إذ اقتصرت على الحديث على حقوق الإنسان والحريات العامة في شموليتها ولم تستهدف المرأة كعنصر وشريك أساسي للتنمية. باستثناء تصور حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي تطرق في المرتكز المجتمعي عن ضرورة أن تتبوأ المرأة قائمة الأولويات في النموذج التنموي[19]
كما يتعين على المغرب تنزيل المقتضيات الدستورية المتصلة بحقوق المرأة من أجل تمكينها سياسيا و مواصلة المصادقة على الاتفاقيات الدولية المرتبطة بدعم وتعزيز موقع المرأة في المنظومة السياسية بوصفها شريكا لا محيد عنه لتحقيق التنمية[20].
ختاما , لا نختلف على أن الحركة النسائية بالمغرب قد راكمت بالفعل مجموعة من المكاسب والتي كان لها وقعها على المنظومة التشريعية والقانونية، وكان لها الأثر الايجابي في تعزيز موقعها في الحياة السياسية المغربية مما انعكس على مشاركتها السياسية واهتمامها بتدبير الشأن العام. فقد شكل دستور 2011 فرصة تاريخية لاعطاء المرأة المغربية كامل حقوقها[21]، لكن ورغم كل ما تحقق في سبيل تمكين المرأة سياسيا لا تزال بعض القيود والاكراهات خاصة تلك المجتمعية تعترض طريقها مما يحتم عليها بذل المزيد من الجهد لتذليلها.
[1] تقرير ندوة الحركة النسائية بالمغرب ” الواقع والأفاق” ، مجلة رهانات، مركز مدى للدراسات و الأبحاث الإنسانية، العدد 23 صيف 2012، ص 62
[2] إسماعيل علي سعد، المجتمع والسياسة، دراسات في النظريات والمذاهب و النظم، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية 1996 ، ص 87
[3] بن رحو بن علال سهام ،التمكين السياسي للمرأة الجزائرية: دراسة في الأطر النظرية والميدانية، المركز الديمقراطي العربي ، برلين، الطبعة الأولى 2018، ص 39
[4] ينص الفصل التاسع عشر من الدستور المغربي لسنة 2011 على ما يلي: يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور ، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها. تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء. وتحدث لهذه الغايةـ هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز
[5] إكرام عدنني، التمكين السياسي للمرأة: تقنية الكوتا في المغرب نموذجا، منتدى السياسات العربية، نونبر 2019، ص 7
[6] المرجع نفسه، ص 8
[7] ايمان بيرس، المشاركة السياسية للمرأة في الوطن العربي، ( منشورات جمعية نهوض وتنمية المرأة )، الطبعة الأولى 2011، ص 25
[8] لا ننفي أن بعض النساء تقلدن مناصب سامية داخل هذه الوزارة القوية التي تعتبر أم الوزارات، مثال ذلك السيدة زينب العدوي والتي تعتبر كأول سيدة تتقلد منصب وال.اذ عينت واليا على جهة الغرب الشراردة بني احسن وفق التقسيم القديم للجهات سنة 2014، وواصلت بعد ذلك تكريس موقعها بين ” الولاة الذكور” لتعين في سنة 2015 واليا على جهة سوس ماسة
[9] مرابط فدوى، المرأة والمشاركة السياسية في النظام السياسي المغربي، مجلة معابر، المجلد 5، العدد 1، ديسمبر 2019، ص 208
[10] إسماعيل الرزاوي، التمكين السياسي للمرأة في المغرب (الواقع و الآفاق) ، ورقة علمية قدمت في أشغال الملتقى الدولي الأول للباحثين الشباب، منشورات كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – أكادير ، جامعة ابن زهر، الطبعة الأولى 2021، ص 215
[11] دور القضاء الإداري في تمكين المرأة من حقوقها، جريدة الصباح، العدد 6843، السبت – الأحد، 11-12/6/2022
[12] إكرام عدنني، مرجع سابق، ص 5
[13] محمد زين الدين، الحقوق السياسية للمرأة بين التمثلات المجتمعية والترسانة القانونية، مجلة مسالك، عدد مزوج 23-23، 2013 ، ص 21
[14] مرابط فدوى، مرجع سابق، ص 200
[15] راجع الفصل 14 من دستور 2011
[16] راجع الفصل 15 من دستور 2011
[17] راجع الفصل 30 من دستور 2011
[18] راجع الفصل 26 من ظهير شريف رقم 1.11.166 صادر في 24 من ذي القعدة 1432 ( 22 أكتوبر 2011) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية
[19] فاطمة الزهراء هيرات، قراءة في مذكرات الأحزاب السياسية حول النموذج التنموي الجديد، ضمن المؤلف الجماعي ‘ النموذج التنموي الجديد، قراءة في السياق وسؤال التنمية بالمغرب’ ، منشورات مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية، مطبعة دار السلام للنشر والتوزيع – الرباط، 2020، ص 378
[20] إسماعيل الرزاوي، المسألة الحقوقية في النموذج التنموي الجديد، أية أهمية؟، ضمن المؤلف الجماعي ‘ مساهمة علمية في النقاش العمومي حول النموذج التنموي البديل’، منشورات مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية، مطبعة دار السلام للنشر والتوزيع – الرباط، 2020، ص 296
[21] مسالك، المرأة في الدستور من مطلب التضمين الى الحق في التنزيل، عدد مزدوج 23-24 ، 2013