في الواجهةمقالات قانونية

التعرفة الجمركية

مقدمة:

    مع تزايد حاجات الإنسان أصبح يلجأ إلى أسواق في بلدان أو أقطار أخرى كي يحصل منها على السلع التي تشبع حاجاته، أو يعرض في تلك الأسواق منتجاته المحلية، ويبادلها بمنتجات أخرى يحتاج إليها، لذلك ظهرت التجارة الدولية أو حركة الاستيراد والتصدير على الصعيد الدولي، وعد هذا العمل من الأنشطة التي قام بها الإنسان منذ العصور القديمة، قد فرضت الدول ومنذ القديم الضرائب الجمركية لأسباب مالية، فقد فرض الامبراطور جوستنيان الأولJUSTINIEN  الضرائب الجمركية من أجل زيادة الموارد المالية للإمبراطورية الرومانية(البيزنطية)، كما يعد الخليفة عمر بن الخطاب أول من فرض ضريبة العشور على التجارة في الدولة الإسلامية، والتي تعد بمنزلة ضريبة جمركية كانت تفرض على الواردات والصادرات، وإذا كانت الضرائب الجمركية تفرض في السابق لأسباب مالية، وفي المغرب حدد ظهير 5 يونيو 1957 أول تعرفة جمركية مغربية بعد الاستقلال، حيث تعتبر هذه التعرفة هي اللبنة الأولى للانطلاق نحو تأسيس نظام جمركي مغربي بعيد عن التبعية([1]).

 واستمر المشرع المغربي في إحداث مجموعة من التغييرات بالنسبة للرسوم المطبقة على الاستيراد والتعرفة الجمركية بصفة عامة([2]). وصادق المغرب أيضا على مجموعة من الاتفاقيات الدولية، التي تهم النظام الجمركي والتعريفة الجمركية، ومن بين هذه الاتفاقيات :

  • الاتفاقية الغات (GATT) ([3])التي عرفت (8) جولات آخرها جولة الأورغواي سنة 1993، والتي تمخض عن نتائجها إنشاء المنظمة العالمية للتجارة  سنة 1994 مراكش، التي حلت محل اتفاقية الغات، وتبنت المنظمة مجموعة من المبادئ التي كانت تهدف بالأساس الى تحرير التجارة ما بين الدول.
  • اتفاقية الشراكة الأورو مغربية لسنة 1969، وسنة 1974، ثم سنة 2000…
  • اعتماد المغرب سنة 1995 النظام المنسق لبيان وترميز البضائع.

  واليوم أصبحت التعرفة الجمركية ليست أداة مالية فحسب، وإنما أداة للسياسات الاقتصادية التي تطبقها الدول على نحو واضح ومرن؛ لتواكب الإصلاحات والتحولات والتقدم التكنولوجي، فأصبح تطور التعرفة الجمركية ينعكس مباشرة على الإنتاج والتبادل والتوزيع والاستهلاك أي على مكونات الاقتصاد الكلي في الدولة([4]).

وعليه، سنناقش هذا الموضوع من خلال الإشكال التالي:  الى أي حد تؤثر الاتفاقيات التي أبرمها المغرب  على  التعرفة الجمركية؟  

وتتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من الأسئلة الفرعية:

للإجابة على الاشكالية المطروحة، سنعتمد التقسيم التالي:

المبحث الأول: الإطار النظري للتعرفة الجمركية

المبحث الثاني: آثار الاتفاقيات الدولية على التعرفة الجمركية

المبحث الأول: الإطار النظري للتعرفة الجمركية

    سيتم التطرق في هذا المبحث الى ماهية التعرفة الجمركية، من خلال التعريف بها وبيان أهدافها (المطلب الأول)، في حين سيخصص (المطلب الثاني) لأنواعها وأساس تحديدها.

المطلب الأول: مفهوم التعرفة الجمركية وأهدافها

   لاستقصاء الهدف من التعرفة الجمركية (فقرة ثانية)، يقتضي أولا الوقوف على تعريفها (فقرة أولى).

الفقرة الأولى: تعريف التعرفة الجمركي

     تختلف التعرفة الجمركية([5])من دولة إلى أخرى تبعاً للسياسة التجارية التي تتبعها ودرجة التطور الاقتصادي والتصنيعي والأوضاع الاقتصادية والمالية التي تعيشها والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها من خلال فرضها، وذلك عن طريق الاختلاف في عدد ودرجة تفصيل وقيمة الرسم الخاص بكل بند من بنودها التفصيلية، وعلى الرغم من أنها من الناحية العملية تفرض على السلع المستوردة إلا أن هنالك عدداً غير قليل من الدول – ولاسيما الدول النامية – تفرض تلك الضرائب الجمركية أيضاً على السلع المصدرة للخارج.

   وعرفها بعض الفقه على أنها؛ أهم قاعدة جمركية لتحديد قيمة الرسوم والمكوس الجمركية المستحقة على عملية تخليص البضائع من الجمرك، وهي تلك الوثيقة الجمركية المكونة من مجموعة من القواعد القانونية والقواعد الجمركية([6]). إنها وثيقة جمركية مكونة من مجموعة القوانين الجمركية ومن المدونة العامة للمنتجات([7]).

وبالتالي، فهي الجداول والبنود التفصيلية التي تشتمل على الترتيب السلعي للصادرات والواردات والرسوم أو الضرائب الجمركية المحددة لكل بند من تلك البنود التي تشتمل عليها جداول التعرفة الجمركية والمفروضة على السلع بحسب نوعها ودرجة تصنيعها ومنشئها أحياناً، لذلك أصبحت أداة السياسة الجمركية التي تتبعها الدولة في إطار التبادل التجاري الدولي([8]).

  أما تشريعيا، فلم يعطي المشرع المغربي تعريفا للتعرفة الجمركية، وإنما اكتفى بتحديد مشمولاتها، حيث نص في الفصل 2 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة، تشتمل التعرفة الجمركية على السطور والسطور الفرعية للمسمية الناتجة عن الاتفاقية الدولية المبرمة في شأن النظام الموحد لتعيين البضائع وتصنيفها، ومبالغ الرسوم المطبقة على السطور التعريفية والسطور التعريفية الفرعية([9]).

وتقسم التعرفة الجمركية عادة إلى ثلاثة أقسام:

الأول: تسمية البضائع بحسب مفهومها الجمركي وقواعد تبنيدها العامة.

الثاني: شكل الرسوم الجمركية المفروضة على كل بند فيها.

الثالث: نسبة الرسوم الجمركية ومقدارها على كل بند فيها([10]).

وعليه فإن التعرفة الجمركية هي معدل الرسوم الجمركية التي تستحق عن البضائع التي ترد إلى داخل البلاد وتتجاوز الحواجز الجمركية برسم الاستهلاك النهائي أو الاستخدام، سواء بغرض الاتجار أم التصنيع أم الاستخدام الشخصي، فالتعرفات الجمركية هي ما يستحق على السلع المستوردة من رسوم بناء على جداول خاصة لتصنيفها. فما هي أهداف هذه التعرفات؟

 

الفقرة الثانية: أهداف التعرفة الجمركية

   من المعروف أن نظرية التجارة الخارجية تنادي بالتحرر التجاري الدولي الذي يعني خفض الرسوم الجمركية بين الدول لما للتحرر التجاري من فوائد اقتصادية تجنيها كل من الدول المصدرة والمستوردة وما يسمى بمزايا التخصيص وتقسيم العمل الدولي ومن منطلق أن حرية التجارة أفضل من تقييدها بالقيود الجمركية وغير الجمركية، لكن ذلك على الصعيد النظري فقط، فاختلاف مستويات التقدم الصناعي بين الدول والظروف المالية لها يجعل التحرر التجاري من دون قيود جمركية مضراً ببعض الدول على حساب دول أخرى، ويكرس تقسيم العمل الدولي لمصالح الدول الغنية والمتقدمة صناعياً، ولا يساعد على زيادة مستويات تصنيع الدول النامية؛ لذلك فإن جميع الدول متفقة على ضرورة استخدام التعرفات الجمركية وسيلة مالية واقتصادية والتضحية بتلك المكاسب التي يمكن أن تجنيها من حرية التجارة ولو مؤقتاً مدفوعة بمجموعة من الدوافع والمبررات التي تحتم عليها فرض هذه التعرفات والمعدلات التي تراها تحقق أهدافها، ولعل أهم الأهداف التي  تسعى الدول إلى تحقيقهما من وراء فرض هذه التعرفات هما :

1- الهدف الحمائي:  يقصد بهذا الهدف الإجراءات التي تحرص الدول من وراء فرضها على حماية الصناعة الوطنية والإسهام في تشكيل قلعة صناعية وليدة قادرة على الاستمرار ومنافسة الصناعات المماثلة المستوردة تدريجياً لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية. وقد طبقت الدول المتقدمة هذه السياسة الحمائية في بداية نهضتها الصناعية بهدف حماية صناعتها الوطنية، ومازالت تطبقها حتى اليوم عندما يتطلب الأمر ذلك؛ إلا أن نزعتها الحمائية انخفضت كثيراً اليوم لمصلحة مبدأ تحرير التجارة لكونها حققت هذا الهدف عندما كانت بحاجة إلى تحقيقه، وبدأت بالتخلي عن هذا الهدف تدريجياً تبعاً لتقدم مستوى صناعاتها وزيادة درجة تنافسية اقتصاداتها مع الدول الأخرى، لذلك يمكن القول: إن الهدف الحمائي للتعرفات الجمركية يتوقف على طبيعة التقدم الاقتصادي الذي تعيشه الدول، ويجب عليها أن تستخدمه على نحو مؤقت وتدريجي تبعاً لتقدمها الصناعي، ولا يمكن التخلي عن هذا الهدف فجأة أو البقاء عليه دائماً؛ لأن الإغراق في استخدام التعرفات لأهداف حمائية أدى إلى تخلف الصناعات الوطنية وقلة جودتها؛ وبالتالي قلة درجة تنافسها مع الصناعات المماثلة لها ذات المنشأ الأجنبي.

ويجب التنويه هنا أنه قد تفرض التعرفات بهدف حمائي على الصادرات أيضاً رغبة في الحد من تصدير سلعة معيّنة غالباً ما تكون مادة خاماً ضرورية لتطوير الصناعات المحلية.

2-الهدف الجبائي: ويقصد بهذا الهدف حرص الدولة من ورائها على توفير الأموال اللازمة لتغطية النفقات العامة المتزايدة فيها، ويتوقف تحقيق هذا الهدف على معدل التعرفة المفروض وعلى الوعاء الذي يفرض عليه، أي السلعة التي تفرض عليها ومدى مرونة الطلب على هذه السلعة، فتحقيق الهدف المالي يتطلب فرضها على السلع قليلة المرونة،. ويعدّ هذا الهدف ذا بعد تاريخي؛ فقد فرضت الرسوم الجمركية تاريخياً لتحقيقه، ولكن في العصر الحديث أخذ يتضاءل فرصتها لتحقيق هذا الهدف، ولكن عموماً يمكن القول: إن الرسوم الجمركية لم تعد في الدول المتقدمة ذات أهمية تمويلية أو حتى اقتصادية إلا بالنسبة إلى بعض السلع القليلة، لذلك انخفضت نسبة الرسوم الجمركية من إيراداتها الكلية، سواء في الولايات المتحدة أم دول الاتحاد الأوربي؛ لأنها تجاوزت الحاجة إليها لتحقيق الهدف المالي والأهداف الاقتصادية الأخرى، أما معظم الدول النامية فهي مازالت بحاجة إلى هذه الرسوم لأسباب تمويلية وأهداف اقتصادية. ففي المغرب، فقد ارتفعت الرسوم والمكوس الجمركية برسم سنة 2018 سقف 100,8 مليار درهم([11])، حسب تقرير لإدارة الجمارك عن أنشطة سنة 2018، وتعود هذه المداخيل بالنفع على الاقتصاد الوطني ككل من خلال امداد الميزانية العامة للدولة، حيث ساهمت هذه الرسوم بحوالي 40 في المائة في الميزانية العامة للدولة.

3 – الهدف الاقتصادي: تتجلى الأهمية الاقتصادية من اعتماد التعرفة الجمركية، في اعتبارها أهم وسيلة لتحديد السياسة الاقتصادية الجمركية للدولة، من خلال مراقبة وتحديد المبادلات التجارية الخارجية، إضافة الى دورها في تشجيع الاستثمارات وإنعاش الصادرات وحماية المنتوج الوطني([12]).

4-الأهداف السياسية: إن أهم هدف تتوخاه كل دولة من وراء وضع الحواجز الجمركية، هو الحفاظ على سيادتها الوطنية بتحقيق أكبر قدر ممكن من الاستقلالية، فيما يخص مجال العلاقات الدولية والمبادلات الخارجية. وقد عمل المغرب منذ الاستقلال على توحيد التعرفة الجمركية، وإلغاء المعاهدات والاتفاقيات الجمركية المبرمة في عهد الحماية، مؤكدا على السيادة الوطنية، وعن وجود اختيار سياسي واختيار اقتصادي وطني في مجال السياسة الجمركية.

الرجوع1 / 3

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى